د. عماد فاضل فيصل

المديرية العامة لتربية محافظة الديوانية في جمهورية

العراق \ اعدادية الشامية المهنية المختلطة

Imadfadhil099@gmail.com

009647813992551

الملخص

يبدا هذا البحث من فرضية وجود دينامية تحكم البيئة الاستراتيجية وتفرض نظام توازن القوى التقليدي الذي يفرض بدوره نظاما دوليا معينا, ولمحاولت اثبات هذا الموضوع وفق منهج تحليل النظم والمنهج المقارن والاستعانة بالمنهج التاريخي , كانت دراسة اهداف وخصائص وانواع ووسائل تحقيق نظام توازن القوى في المبحث الاول كاطار مفاهيمي, فكانت من اهم اهدافه التاريخية هي جدلية الحرب والسلام , اما اهم خصائصه فهي الاستقرار النسبي والاستمرار العضوي والانهيار الخلاق , اما انوعه فهي نظام متعدد الاقطاب ونظام الامن الجماعي ونظام القطبين ونظام القظب الواحد, ووسائل تحقيقه هي التسلح والاحلاف العسكرية والمجال الجيوستراتيجي.

كذلك دراسة المقاربات النظرية الجيوسياسية واهما نظرية الجزيرة العالمية لماكندر ونظرية الطوق لسبايكمان , بالاضافة الى دراسة انماط توازن القوى وهي التوازن ضد التهديد ,والتوازن الذاتي للقوة, والحوكمة العالمية, اما في المبحث الثاني فتمت دراسة دينامية البيئة الاستراتيجية من خلال دراسة المقاربات العلمية وهي نظرية النشوء والارتقاء لداروين, ونظرية الفوضى لنيوتن, كذلك دراسة عوامل البيئة الاستراتيجية المعاصرة وهي الاعتمادية الدولية, وتكنولوجيا المعلوما ت, والعولمة, والسلام الديمقراطي, والايديولوجيا والثقافة والنزاعات الفردية.

وفي المطلب الاخير بحثت الدراسة في نشوء وظهور وتصاعد وانفجار ازمة الحرب الروسية على اوكرانيا قبل التحليل الاستراتيجي المقارن بدينامية البيئه الاستراتيجية المعاصرة , وكان التحليل على ثلاث مستويات هي مستوى الفرد , ومستوى الدولة , ومستوى النظام الدولي . وتوصلت الدراسة الى ان ازمة الحرب الروسية الاوكرانية هي غزو عسكري روسي على الاراضي الاوكرانية تفرضه دينامية البيئة الاستراتيجية المعاصرة ,وخرجت الدراسة بتوصيات مجملها اهمية النظريات الاجتماعية والعلمية في حقل العلاقات الدولية والتحليل الاستراتيجي في الشؤون الخارجية بما توفر لاصحاب القرار تخطي الافتراضات الخاطئة التي تهدد الامن والسلم الدوليين.

الكلمات المفتاحية: توازن القوى , البيئة الاستراتيجية المعاصرة , الاعتمادية الدولية , العولمة , ثورة المعلومات ,  الحرب الروسية الاوكرانية في وقتنا الحاضر.

The traditional balance of power and the dynamism of the contemporary strategic environment / the Russian-Ukrainian war as a model

Dr  Imad Fadel Faisal

 The General Directorate of Education in Al-Diwaniyah Governorate in the Republic of

 Iraq \ Shamiya mixed vocational high school

Abstract :

This research starts from the hypothesis of the existence of a dynamic that governs the strategic environment and imposes the traditional balance of power system, which in turn imposes a certain international order, and I tried to prove this subject according to the systems analysis approach and the comparative method and the use of the historical method, the study of goals, characteristics, types and means of achieving the balance of power system in the first topic as a framework Conceptual, one of its most important historical goals is the dialectic of war and peace. Its most important characteristics, it is relative stability, organic continuity, and creative collapse. As for its types, it is a multipolar system, a collective security system, a bipolar system, a single and e-pole system, and the means to achieve it are armaments, military alliances and the geostrategic field.

As well as the study of geopolitical theoretical approaches, the most important of which is the theory of the global island Mackinder and Spikeman’s ring theory, in addition to studying the patterns of the balance of power, which are the balance against the threat, the self-balance of power, and global governance. The contemporary strategic environment, is international dependence, information technology, globalization, democratic peace, ideology, culture and individual conflicts.

In the last requirement, the study examined the emergence, emergence, escalation and explosion of the crisis of the Russian war on Ukraine before the comparative strategic analysis with the dynamics of the contemporary strategic environment, and the analysis was on three levels: the individual level, the state level, level of the international system. The study concluded that the crisis of the Russian-Ukrainian war, which is a military invasion of Ukrainian territory imposed by the dynamism of the contemporary strategic environment, and the study came out with recommendations in general, the importance of social and scientific theories in the field of international relations and strategic analysis in foreign affairs, to provide decision-makers to overcome false assumptions that threaten international peace and security.

Keywords: balance of power, contemporary strategic environment, international reliability, globalization, information revolution, Russian-Ukrainian war in the present time.

المقدمة

ربما يكون ثيودور روزفلت(Theodore Roosevelt)  اول من اعتقد بالتطبيق الشهير للتفكير العضوي في استراتيجية الشؤون الخارجية عندما كان رئيسا للولايات المتحدة الامركية متاثرا بخلفيته الاكاديمية كونه في الاصل عالما طبيعيا يؤمن بان هذا التطبيق الذي تطور عن مذهب داروين الاجتماعي عند مطلع القرن العشرين, والذي يبرهن فيه ان الصراع بين الامم يشبه الى حد كبيرصراع القوة من اجل البقاء في الطبيعة وان التفكير الاستراتيجي في السياسة الدولية جاء من منطلق المصطلحات العضوية, وعليه فان الصراعات الدولية شيء فطري يشبه الامراض العضوية التي تمنح الجسم مناعة مكتسبة بعيدا عن صراع القوى والمصالح وان تحدي الصراع في صالح المجتمع يعزز مكامن القوة فيه ويصقل مواهبه خارج اسباب العلل الواقعة التي يفرضها الاقتصاد السياسيي اوالحماس الديني اوالانقسامات الاجتماعية او التبدلات الثقافية.

الا ان هناك افتراضات طبيعية اخرى لاتختلف كثيرا في تفسير توازن القوى داخل النطام الدولي تنطلق من مبادئ الفيزياء الحديثة, والتي تختص بالبيئة الدولية وتاثيرها في الاستراتيجية وتدعم نظرية الفوضى التي تعالج الانظمة الديناميكية العشوائية وانماطها المتكررة وفق نطام غير دوري, ورغم هذه الافتراضات  تحكم البيئة الاستراتيجية المعاصرة وقائع اجتماعية  واقتصادية وسياسية بعدد من الاهداف المخطط لها وفق تحليل الفرص المتاحة والتهديدات المحتملة نحو غايات المصالح القومية.

فرضية البحث: تفترض هذه الدراسة وجود دينامية طبيعية تحكم البيئة الاستراتيجية في وقتنا الحاضر بعوامل التاثير المتبادل والعولمة وثورة المعلومات , وتفرض توازن القوى التقليدي.

مشكلة البحث:

شهد نظام توازن القوى التقليدي ميدان التطبيق العملي على الساحة الدولية قرابة ثلاثة قرون ,فما هي امكانية اختبار فاعلية هذا النظام بعد الغزو الروسي لاوكرانيا وفق معطيات الببيئة الاستراتيجية المعاصرة؟

اهمية البحث: ربما تعطي هذه الدراسة مقاربة فلسفية عن دورالنطريات الاجتماعية في التحليل الاستراتيجي بما يوفر لصناع القرارتقدير المخاطر المحدقة بالافتراضات الاستراتيجية الخاطئة من ان تكون اسباب مباشرة في الحروب الكونية المدمرة.

الدراسات السابقة في الموضوع: اطلع الباحث على عدد من المؤلفات والدوريات والدراسات الشاملة لمعظم مباحث الدراسة وقد اشرها في فهرست المصادر, وكان من ابرزها مؤلف مبادى العلاقات الدولية تاليف كارين منغنست وايفان اريغون وترجمة حسام الدين خضور, ومؤلف العلاقات الدولية للدكتور كاظم هاشم نعمة, ودراسة الاستراتيجية والسياسة الدولية المفاهيم والحقائق الاساسية, للدكتور اسماعيل صبري مقلد, كذلك مؤلف هنري كيسنجر(White House Years).

منهج البحث:

اعتمد الباحث منهج تحليل النظم والمنهج المقارن بالاضافة الى المنهج التاريخي.

هيكلية البحث: قسمت الدراسة الى مبحثين تضمن الاول مطلبين كان المطلب الاول اطار مفاهيمي لنظام توازن القوى التقليدي واهدافه وخصائصه وانواعه ووسائل تحقيقه, اما المطلب الثاني فكان عن انماط تفاعل نظام توازن القوى طبقا للتفكير الجيواستراتيجي المعاصر, وتناول المبحث الثاني في مطلبه الاول  دينامية البيئة الاستراتيجية  وفقا لبعض النطريات الاجتماعية ذات الصلة , بينما اختص المطلب الثاني بالتحليل الاستراتيجي المقارن بالحرب الروسية الاوكرانية المعاصرة, وانتهت الدراسة بعدد من التوصيات.

المبحث الاول \ الجيوسياسية ونظام توازن القوى التقليدي

رغم ان تصنيف مصطلح توازن القوى يندرج ضمن افتراضات التفكير الجيوسياسي كتعبير يستند الى الجغرافيا ويستخدم لرسم التوزيع القائم للقوة بطريقة وصفية عبر النطام الدولي , الا ان مفهوم توازن القوى التقليدي يتضمن مدلولات عديدة من الافتراضات التلقائية التي تفرضها طبيعة تفاعلات وحدات النطام الدولي التي تسعى الى التفوق على بعضها طالما تمكنت من المناورة للحفاظ على توازن عادل يمنع حروب الهيمنة ويبقي العالم في سلام, وتضع هذه الافتراضات الدول في مضمار السباق نحو تحقيق التفوق في القوة العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية  لضمان مصالحها القومية (Wight, 1966,151). ويمكن تعريف مفهوم توازن القوى التقليدي  ( The Balance Of Power)من خلال دراسة اهدافه وخصائصه وانواعه ووسائل تحقيقه.

المطلب الاول \ اهداف وخصائص وانواع ووسائل توازن القوى التقليدي

يلعب الصراع دورا اساسيا ومهما في حقل العلاقات الدولية حيث يقوم على تقاطع المصالح القومية بين بعض وحدات المجتمع الدولي نتيجة تحقيق التفوق في القوة العسكرية او الاقتصادية او السياسية او التكنولوجية وغيرها, ويضع هذا الاساس الدول في مضمار السباق لتحقيق التفوق في الميادين المذكورة للوصول الى مستوى يكون راسما لارتفاع الخط البياني لعنصر القوة ويكشف عن حالة التفوق لدولة معينة يجعلها في مامن عن تفكير الدول الاخرى في تهديد مصالحها فضلا عن مهاجمتها, وهذا يفسر طبيعة التفاعل بين وحدات المجتمع الدولي لفرض نظام دولي معين.

اولا \ الاهداف التاريخية لمبدا توازن القوى

عرفت البشرية منذ القدم مبدا توازن القوى في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية, اما في العلاقات الدولية فقد حكم توازن القوة العسكرية بين مدن الحضارات القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل والحضارة الاغريقية حتى قيام الامبراطورية الرومانية  حيث فرض واقع القوة غير المتوازنة والهيمنة العسكرية المستبدة مبدا الدولة العالمية القاهرة التي لاتجد ضرورة للتوازن مع دولة اخرى,  وفي القرون الوسطى كان مبدا توازن القوى حاضرا في العلاقات بين  الامارات والاقطاعيات في الجزء الغربي من العالم, اما في الجزء الاخر من العالم فكان هذا المبدا يحكم الامبراطوريات المتصارعة انذاك, ولا يمكن الحديث عن مبدا توازن القوى التقليدي بمفهومه الحديث  الا بعد نهاية الحروب الدينية في اوربا بمعاهدة وستفاليا عام 1648حيث شهد نظام توازن القوى ميدان التطبيق العملي على الساحة الدولية قرابة ثلاثة قرون رغم استمرار الحروب بين الدول الاوربية بفعل المتغيرات الاجتماعية والسياسية , فقد تضمنت معاهدة اوترخت عام 1713 مبدا توازن القوى وطالبت الدول الاوربية الى الاسترشاد بها, وهوماانعش فرص السلام لعشرات السنين حيث عرفت العلاقات الدولية عصرها الذهبي وفق مبدا توازن القوى التقليدي (النعمة, 1979 ,210 ).

وبعد قيام الثورة الفرنسية وماتلاها من الحروب النابليونية انهار هذا المبدا حتى اتفاقية فينا التي وضعت نهاية للمحاولات النابليونية لافساد مبدا توازن القوى, بيد ان الحروب المحدودة بين الدول الاوربية وخاصة الحرب بين بروسيا وفرنسا عام 1870صدعت مبدا توازن القوى حيث تراجع النفوذ الفرنسي في اوربا ازاء تصاعد النفوذ البروسي وجهود بسمارك في توحيد المانيا والتي نجح من خلالها بتكريس نسبي لمبدا توازن القوى من خلال سياسة الاحلاف وعزل فرنسا, الا ان سياسة الاحلاف مابرحت ان عمقت الانقسام بين الدول الاوربية حتى انقسمت اوربا الى حلفين متجابهين بمبدا التسلح الذاتي الذي عطل مبدا توازن القوى وسرع في اندلاع الحرب العلمية الاولى ( Wright,1942,966), ظل مبدا توازن القوى طوال هذه القرون يسعى الى تاسيس نموذج واقعي لتوازن قوى فعال بين وحدات النظام الدولي من خلال سياسة الفعل ورد الفعل بحيث يمنع وصول حالة الصراع الكامن الى صراع متحرك يفرض التصادم المباشر باستخدام القوات العسكرية المسلحة, وكان الهدف من ذلك الحفاظ على الامن والسلم الدوليين.

 

ثانيا \ خصائص نظام توازن القوى التقليدي

1- الاستقرار النسبي

والتي لاترى الدول المساهمة فيه مصالحها القومية تتضرر او تتقيد بالحفاظ على الوضع الراهن رغم وجود بعض الازمات والنزاعات المسلحة المحدودة بين وحدة او عدد من وحدات النطام المتفاعلة بما يمكنها الافادة من النظام بموفور من الاساليب لحل خلافاتها وهو مايبرر موضوع النسبية في الاستقرار وشكلية الاستقرار المطلق التي لم يصل اليه النظام حتى في عصره الذهبي حيث كان الصراع الاستعماري عنيفا, واعتبرت بريطانيا حينها ان اي تغيير في توزيع المنافع الاستعمارية لصالح فرنسا او المانيا سيضر بنظام توازن القوى الاوربيClande, 1958 , 13-16 ) ).

2- الاستمرار العضوي

وهو الصراع من اجل القوة الذي يفرض الاستمرارية لاجل البقاء على المصالح بمعنى ان الوحدات الدولية المتفاعلة داخل النظام تفرض الاستمرارية من منطلق الحفاظ على مصالحها رغم اختلاف غاياتها في المحافظة على نوع التوازن في القوة, فهناك دول محافظة على نوع النظام ودول تسعى الى تغييره, وان هذه   الغرضية تفرض الاستمرارية العضوية حتى عند التغيير في نوع نطام توازن القوى بمختلف الوسائل  المتاحة سواء بالمفاوضات, او بالاحلاف, اوبالحروب المحدودة  Buchan, 1968,p. 34 .)) .

3- الانهيار الخلاق

وهو ان نظام توازن القوى مقترن بوجود الدولة القومية ومبدا السيادة وعندما يحصل اي تعطيل له يوجب انهياره بسبب الازمات الاجتماعية والسياسية او الحروب الكوينية مقرون بانتاج نوع اخرمن توازن القوى داخل نظام دولي جديد تحدده طبيعة الوحدات الفاعلة في نظام توازن القوى بالاغراض التي تنشدها وبالقدرات المتاحة عن طريق التفاوض على اساس العقلانية والواقعية واحترام السيادة وعلى مبدا ان النزاع لايلغي التعاون.   (Deutsch, 1978,72 )

 ثالثا \ انواع نظام توازن القوى

ا – نظام متعدد الاقطاب : وهو ماقام عليه نظام توازن القوى التقليدي منذ تضمينه في معاهدة وستفاليا واقراره في معاهدة اورتريخت وتقنينه في مؤتمر فينا حيث كانت الاقطاب الرئيسية هي بريطانيا وفرنسا وبروسيا والنمسا وروسيا,ورغم انه كان توزان قوى اوربي الا انه مثل وجود نظام دولي يحكم الوحدات الثانوية باعتبارها دول  متحالفة لاتقوى على فرض ارادتها بالقوة العسكرية بدون تحالفات مثل ايطاليا واسبانيا والدولة العثمانية , وهذا مااشار اليه اوبنهايم من انه لاوجود لنظام دولي دون مبدا توازن القوى بين الدول العظمى وذلك لغياب السلطة الدولية ذات السيادة ( Oppenheim 1921, 93), ومن اهم خصائص هذا النوع من نظام توازن القوى وهو وجود الدولة المعادلة وهو قيام دولة مساهمة في النظام بدور معادلة التوازن تمتلك مؤهلات التحكم بنتيجة المنافسة ضمن النظام, وهذا ما كانت تمثله بريطانيا العظمى خلال القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر بعد ان حسمت التنافس مع فرنسا خلال القرن السابع عشر على لعب مثل هذا الدور, وربما يكون ذلك من اسباب نشاط نظام توازن القوى في القرنين الثامن والتاسع عشر ونجاح بريطانيا في تادية دور الدولة المعادلة ( النعمة, 1979 , 217).

2 – نظام الامن الجماعي : انتجت نهاية الحرب العالمية الاولى نطام دولي جديد يقوم على نوع اخر من توازن القوى يعتمد مبدا الامن الجماعي بعد انهيار التوازن متعدد الاقطاب والذي كان من اهم الاسباب غير المباشرة في اندلاع هذه الحرب الكونية, وذلك من خلال انشاء عصبة الامم المتحدة التي تتعهد الدول الاعضاء فيها باحترام الاستقلال السياسي والسيادة الاقليمية لكل دولة والمسؤولية الجماعية لدول العصبة ازاء كل مايصيب النظام الدولي من صراعات وتهديدات وحروب سواء اثرت بشكل مباشروعاجل في امن كل دولة ام لم تؤثر, كما الزمت الدول الاعضاء بجملة من التعهدات والاجراءات التي تفرض اللجوء الى الطرق السلمية في حل نزاعاتها والابتعاد عن الحروب والنزاعات المسلحة, وان اي دولة تتجاهل هذه الالتزامات وتعلن الحرب على دولة اخرى تعتبر دولة معتدية على مجموع المجتمع الدولي مما يوجب التصدي الجماعي من قبل جميع الاعضاء.

ورغم ان نظام الامن الجماعي يشترك مع نطام متعدد القطاب في الاهداف الاانه يختلف في التصورات والوسائل, ففي حين انطلق مبدا توازن القوى متعدد الاقطاب من حاكمية الصراع في التفاعل بين وحدات النظام الدولي يقوم نظام الامن الجماعي على حاكمية التعاون بفرضية وجود المصالح المشتركة بين وحداته

فضلا عن وجود سلطة عليا على حساب سلطات وحداته المتفاعلة, وهو ماصدع هذا النظام وسرع في انهياره باندلاع الحرب العالمية الثانية لتعارضه مع مصالح الدول الكبرى( المقلد, 1985 , 266- 304 ).

3 – نظام القطبين : حاولت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تكريس نظام الامن الجماعي من خلال  ايجاد بديل استراتيجي لعصبة الامم المتحدة يتجاوز الاخفاقات التي سببتها العصبة في تصدع وانهيار نظام توازن القوى واندلاع الحرب من خلال اعلان قيام منظمة الامم المتحدة بعد مفاوضات بين  الحلفاء استمرت زهاء اربع سنوات سبقت نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ,الا ان نتائج الحرب فرضت اعادة توزيع كبير للقوة ومناطق النفوذ وانتاج تحالفات جديدة غيرت الحدود السياسية والسلطات السيادية لكثير من الدول, فقد احتل الاتحاد السوفياتي دول البلطيق واجزاء من فلندا , وتشيكوسلوفاكيا ,وبولونيا ورومانيا, وقسمت المانيا وكوريا, واخرجت اليابان من معظم  تواجدها في اسيا ( منغنست, اريغيون, 72-82).

كذلك رسخت الاختلافات الايديولوجية بين الدول الراسمالية والدول الشيوعية وامتلاك الولايات المتحدة ومن ثم الاتحاد السوفياتي للاسلحة النووية الانقسام بين دول الحلفاء الى معسكرين ثم الى حلفين ثم الى قطبين احدهما هو حلف شمال الاطلسي الناتو الذي يضم الدول الراسمالية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية وحلف وارسو الذي يضم الدول الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفياتي, وقد اسهمت مجمل هذه التغيرات عن مفهوم ضمني يشمل قيام نظام توازن قوى ثنائي القطبية ( Waltz 1965,720-740 ).

ويمكن اختصار الصراع الدولي في نظام القطبين بمفهوم الحرب الباردة وهي انعكاس واقعي لمستوى الصراع بين الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة  والاتحاد السوفياتي وحلف واسو من جهة اخرى , حيث تصنف الحرب الباردة لعدة مرحل وفقا للتفكير الاستراتيجي الاميركي  المعاصرلادارة الصراع وارادة صناع القرار وعلى راسهم رؤساء الولايات المتحدة , فمن مرحلة المواجهة ومبدا ترومان في الاحتواء الاستراتيجي( 1947-1953) الى مرحلة التعايش السلمي ومبدا كندي في الاستجابة المرنة( 1956-1969) , ومن مرحلة الوفاق وسياسة كيسنجرفي الحرب بالوكالة او العامودين ( 1969-1976)  الى مرحلة كسرالوفاق واستراتيجية كارتر في التدخل المباشر او الانتشار السريع( 1976 -1980 ) , ومن مرحلة الترهيب والاستنزاف واستراتيجية ريغان في عسكرة الفضاء او مبادرة الدفاع الاستراتيجي عام 1982 (SDI) الى نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو(السعيدي, 2011 , 37).

4 – نظام القطب الواحد : اضحت بوادر التصدع في نظام توازن القوى التقليدي ثنائي القطبية منذ التراجع السوفياتي بالانسحاب المصحوب بالهزيمة من افغانستان وانغولا في اواخر التمانينات من القرن العشرين مع استمرار البرنامج الاصلاحي المثير للشك والجدل الذي قدمه الريئس غرباتشوف في الغلانست والبيروستروكيا حتى جاء سقوط جداربرلين وما تلاها من احداث في دول اوربا الشرقية ليؤكد هزيمة الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو للحرب الباردة ( اوي, 2011 ,37 ), وكان اعلان الرئيس جورج بوش الاب عن قيام نطام عالمي جديد بعد الغزو العراقي للكويت وما تبعه من تحالف دولي لتحرير الكويت عام 1991 مقابل استقالة غرباتشوف وتفكك الاتحاد السوفياتي في نفس الفترة الزمنية تقريبا هو قيام نظام توازن  قوى احادي القطبية تفرض بموجبه الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو التصرف المنفرد ازاء الازمات الدولية الكبرى من خلال فرض ارادتها وتكييف وتحييد مواقف الدول الاعضاء في مجلس الامن, وهو ماتضمنه خطاب الرئيس الاميركي بوش الاب امام الجمعية العامة للامم المتحدة  عام 1992 بعد اعطاء روسيا مقعد الاتحاد السوفياتي في مجلس الامن ( المحمد, 1992, 96-102 )   , وكان التدخل العسكري في يوغسلافيا من قبل حلف الناتو وتغيير الواقع بالقوة العسكرية القاهرة بدون قرار مباشر من مجلس الامن ورضوخ روسيا والصين للامر الواقع يعطي احسن تعريف لنطام توازن القوى احادي القطبية ( الشلبي, 2001 , 64 ).

رابعا \ وسائل تحقيق نظام توازن القوى

1- التسلح : يعتقد كثير من الباحثين والمختصين ان التسلح هو الوسيلة المباشرة لسد الفجوة في توازن القوة وهو بيضة القبان في  نظام توازن القوى التقليدي, وعلى هذا المبدا شيد الاساس لهذا النظام منذ اتفاقية فينا والانتصار على جيوش نابليون في معركة واترلو عام 1915 وذلك للحد من سباق التسلح بما يعطي ضمانات عدم التفوق العسكري في العدد والعدة بين الدول التي تدور في فلك هذا النظام , ورغم الجدل في واقيعة هذا الامر في تعزيز نظرية السلام وحفظ التوازن على ضوء مؤشرات القياس التاريخية التى افرزتها الحروب الاوربية المحدودة او الحروب الكونية , الا ان هذا الجدل بات محسوما نسبيا بعد ظهور السلاح النووي وتصاعد مبدا سباق التسلح حتى بات النظام متوازنا بمدا الرعب النووي الذي رجح طاولة المفاوضات والعودة الى معاهدات الحد من انتشار السلاح النووي واسلحة الدمار الشامل في فلك نظام توازن القوى التقليدي ( النعمة, 1979 ,234- 237 ).

2- الاحلاف : شيدت الاحلاف العسكرية اساس نظام توازن القوى كونها ضرورة في التعادل بين القوى المتجابهة ومع تطور مفهوم الاحلاف بات يعرف بانه وسيلة لاضعاف اثر دولة او مجموعة من الدول باعتبارها تهديد لطبيعة النظام حتى اصبحت ظاهرة الاحلاف ادق واشمل وظيفيا وقانونيا في العلاقات الدولية فهي ظاهرة متصلة مؤسساتيا ومقترنة بالتنطيم الدولي على شكل اتفاق او معاهدة بين دولتين او اكثر للتعاون في قضايا تخص الامن القومي ( هولستي, 1973 , 4 ), ويختلف مفهوم الاحلاف بعد الحرب العالمية الثانية عما سبقه قبل ذلك التاريخ بسبب الدور الايديولوجي الذي بلور حلف الناتو وحلف وارسو, كذلك غلبة الاغراض السياسية والدبلوماسية على غيرها من الاغراض بسبب الاهتمام بوسائل ردع الحرب الشاملة لتحاشي الحرب التدميرية وبسبب عدم تاثير انتقال الدول الثانوية بين الاحلاف حيث بات لايمثل تغييرا واضحا في توازن القوى بامتلاك الدول العظمى لوسائل الردع النووي واسلحة الدمار الشامل والتباين الواسع في القدرات بين الدول العظمى والدول الثانوية, بالاضافة الى وجود عدد من الدول غير المنحازة وبالخصوص الدول الاسيوية والافريقية التي حصلت على استقلالها ولم تعد معرضة للخطر المباشر بسبب وجود الرادع الاستراتيجي الذي فرضه  نظام القطبين ( هيربرت, 1965 , 589-601 ).

3 – الجيوسياسية : يستند التفكير الجيوسياسي من حيث الاساس الى الجغرافيا بمجموعة من الافتراضات ربما تكون اقدمها فرضية الفيلسوف الهندي تشاناكيا كوتيليا قبل اكثر من 2200 عام حين اعتقد ان الدول المتجاورة تعادي بعضها البعض بينما تكون الدول على الجانب الاخر من البحار تكون هي الحليفة( ديبل, 2009, 101 ), وتبعا لتلك الافتراضات استطاع رجال السياسة عبر القرون تطويع الجغرفيا استراتيجيا باعتبارها تعزيز للقوة العسكرية والقوة الاقتصادية للدولة حتى اضحت بعد ذلك احدى وسائل تحقيق نطام توازن القوى التقليدي بعد اتفاقية فينا وتقاسم النفوذ الاستعماري وظهور وقائع المجال الحيوي والمناطق العازلة وظهور النطريات الجيواستراتيجة واشاعة مصطلحات الجزيرة العالمية,وقلب العالم,ودول الطوق, ورقعة الشطرنج ( وايت, 1978 , 159 ).

المطلب الثاني \  المقاربات النظرية الجيوستراتيجية وانماط توازن القوى المعاصرة

يعتقد كثير من الباحثين ان هناك اطارا نظريا يفسر تفاعل القوة في نظام توازن القوى في حالة الحرب والسلام, وان النظريات الجيوستراتيجية الكبرى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد اعطت تفسيريا واضحا لتصلب الاحلاف واندلاع الحروب الكونية كما اعطت تفسرا منطقيا لمرحلة الحرب الباردة وتوازن القوى في فلك النظام الدولي, الا ان الانماط الجيوستراتيجية بعد ذلك التاريخ يعتريها كثير من الغموض وان تسليط البحث فيها ربما يفتح افقا في معرفة دينامية البيئة الاستراتيجة التى يتفاعل فيها نظام توازن القوى!, ويمكن ان يبدا ذلك من خلال مايلي.

اولا \ المقاربات النظرية الجيوستراتيجية

ربما يكون التحدي الذي فرضته المانيا في النصف الاول من القرن العشرين والذي يعد من اهم الاسباب غير المباشرة في اندلاع  الحرب العالمية الثانية هو من ابرز المقاربات النظرية لافتراضات  المجال الحيوي والجزيرة العالمية الجيوستراتيجية التي وضعها هالفورد ماكندر ( Halford Mackinder ) عام 1919  بثالوثها الشهير, من يحكم اوربا الشرقية يسيطر على قلب القارة, ومن يحكم قلب القارة يسيطر على الجزيرة العالمية, ومن يحكم الجزيرة العالمية يسيطر على العالم, حين عبر عن تنبؤاته في اثر السكك الحديدية في تمكين قوة دولية واحدة من السيطرة على معظم اوراسيا وتصبح قادرة على بناء ترسانة بحرية جبارة في مواجهة الهيمنة البريطانية والامريكية على البحار( Cohen, 1973 ,40-51) , وهو مايفسر تحالف الاتحاد السوفياتي مع بريطانيا وحلفائها بدل ان يقاتل ضدها بسبب الاختلاف الايديولوجي لكن الخشية الجيوستراتيجة من المانيا حسب نظرية ماكندرباعتبارها تسعى بكل قوة نحو حكم الجزيرة العالمية.

كذلك يمكن اعتبارنظرية الطوق التي ركز فيها نيكولاس سبايكامان ( Nicholas Spykman) على المناطق المجاورة لقلب القارة التي يطلق عليها دول الطوق من اهم المقاربات الجيوستراتيجية التي تفسر تحالف المانيا مع اليابان في الحرب العالمية الثانية من جهة ومن جهة اخرى ترفع الغموض الذى اكتنف اسباب التغيير في نظام توازن القوى بعد الحرب العالمية الثانية وتمحور النظام الدولي في قطبين كذلك يعطي تفسيرا واضحا لاستراتيجية الحرب الباردة وادارة الصراع بين المعسكرين سواء الحرب في شبه الجزيرة الكورية ( 1950- 1953), او صراع كيموي\ ماتسو( 1954-1958 ), او حرب فيتنام (1965-1973), اوحرب افغانستان ( 1980- 1989 ), حيث ان جميع هذة البلدان تقع في منطقة طوق الجزيرة العالمية حسب افتراضات سبايكمان, يعني المنطقة الواقعة بين قلب الاراضي السوفياتية ونفوذ البحرية الامريكية, وما يعزز هذا الاعتبار هو استمرارالصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي للسيطرة على دول الطوق حتى عام 1990 وانتهاء فترة الحرب الباردة وانهيار الثنائية القطبية في نظام توازن القوى, وعليه فقد اجمع عدد من المختصين والباحثين ان التفكير الجيوستراتيجي تعبير مستند الى الجغرافيا على اساس مجموعة من الافتراضات النظرية التى يمكن تصنيفها كمقاربات بديلة لمصطلح توازن القوى والذي طالما استخدم بطريقة وصفية بحتة لاتعني ضمنا توزيع متساوي للقوة العالمية في النطام الدولي رغم تعدد معاني مفهوم توازن القوى التقليدى( وايت, 1966 , 151 ,).

ثانيا \ انماط توازن القوى المعاصرة

شهد القرن الحادي والعشرون انماطا جديدة من المعايير في نظام توازن القوى التي فرضها نظام القطب الواحد, ويمكن ان تكون التحالفات الهشة التي دخلتها الولايات المتحدة مع بعض الدول نموذجا لهذه الانماط, مثل تحالف الولايات المتحدة مع اليابان والهند ضد الصين, ومع الباكستان ضد الهند, ومع بعض دول الخليج ضد ايران, ومع اوكرانيا ضد روسيا , واحيانا كثيرة مع بريطانيا ضد اوربا( هيمنغتون,1999 ,47) , ويمكن ان يستتند هذا التفكير الاستراتيجي المعاصر في ذلك الى  مايلي:

1 – التوازن ضد التهديد بدلا من التوزن ضد القوة حيث تفرض الهيمنة في نظام القطب الواحد الاحساس بالخطر في نظرالامم الاخرى مهما وفر هذا النظام اسباب الخير والنفع العام ( بلاف, 230 ,224 ), وطالما حرصت الولايات المتحدة ان لاينتاب هذا الاحساس حلفائها الغربيين بعد انتصارها المدوي في الحرب العالمية الثانية حين اعطت هذه الدول فرصا للتاثير في سياساتها من خلال دخولها في شبكة من المؤسسات الدولية وعدم الاستخدام التعسفي لقوتها , وساعد في ذلك وجود الخطر السوفياتي باعتباره مبررا منطقيا لنسف مثل هذا الاحساس, الا ان ذلك تغير كليا في ظل نظام القطب الواحد بعد زوال الخطر بغياب حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفياتي (  لكنبري, 2001 , 14 ).

2- التوازن الذاتي للقوة من خلال انحياز الدول الكبرى للقطب المهيمن لاسباب تتعلق بالمصالح الانية على امل تعزيز القوة الذاتية بما يضمن لها الحفاظ على مركزمؤثر داخل النظام الدولي دون يعطي ذلك احساس لصانع القرار الاميركي عن احتمال الموازنة ضدها للتغيير في نظام توازن القوى, ويستثنى من ذلك حسب راي عدد من المحللين الحالة الصينية التي مابرحت تهدد نفوذ الولايات المتحدة في اسيا من خلال سعيها بان لاتتيح للدول الجاورة لها اي خيار سوى العمل وفق اولوياتها فضلا عن مساعيها في افريقيا , ومما لاشك فيه ان هذا الاستثناء لايمنح الوحدات الدولية في الوقت الحاضر من تقرير الانحياز خارج توازن القطب الامريكي الساعي الى كبح طموحات اي دولة او تحالف قبل ان يكون حالة سريعة لايمكن ايقافها عن حدود معينة بما يصدع الاستقرار في نظام توازن القوى ( ديبل, 2009 , 107 ).

3- الحوكمة العالمية التي فرضها النظام الدولي الجديد والتي تبلورت بفعل نمو المنظمات الدولية وتفاعل القانون الدولي الانساني والعولمة التي باتت الدول تعتمد عليه في المحافظة على درجة من السيادة الاقليمية والحصانة الاقتصادية بفعل عمق العلاقات التي تضمنها عملية الحوكمة الادراية والقانونية بدل الحاجة الى الوسائل التقليدية في نظام توازن القوى فضلا عن مهارة وثقافة الموارد البشرية المعاصرة والثورة في انظمة الاتصالات والنقل, كذلك انتشار مفهوم السلام الديقراطي من خلال تعريف جديد للقوة يضع التاثير في نفوس الاخرين بالانسجام مع مصالحهم الخاصة هو المعيار الحقيقي للنفوذ, ويعني ذلك استحالة التهديد العسكري بين الدول الديمقراطية بعتبارها قطبا واحدا يمتلك جميع عناصر القوة  السياسية الرادعة في قلب العالم الحرالذي يضمن المصالح الاستراتيجية الرئيسية( هيمنغتون, 1991 , 11-13 ).

 

المبحث الثاني \ البيئة الاستراتيجية والتحليل المقارن بالحرب الروسية الاوكرانية المعاصرة

 

نحاول في هذا المبحث ان ندرس مستويات التحليل الاسترتيجي بخصوص الغزو الروسي لاوكرانيا على سطح البيئة الاستراتيجية المعاصرة للمقارنة بعوامل التاثر والتاثير المباشر وغير المباشر بحتمية هذا الصراع على قواعد تفرضها دينامية نظام توازن القوى, ولذلك لابد ان نبدا بمعرفة هذه الافتراضات الجبرية على اساس بعض النظريات العلمية وفقا للتفكير الاستراتيجي الامريكي المعاصر, فضلا عن عوامل البيئة الاستراتيجية المعاصرة.

المطلب الاول \ دينامية البيئة الاستراتيجية

ربما يعطي التماثل الحقيقي لانماط توازن القوى المعاصر في البيئة الاستراتيجية حتمية جبرية تستند الى القوة بطبيعة عضوية او ميكانيكية تصور الاشياء التي تحدث فعل القوة وردود فعلها وتعبربنحو متغير ومتسلسل يفسر لنا كيف تسير الامور في فلك النظام الدولي ( مان, 1992 ,55 ) وربما يكون انعكاسا للافتراضات التي وضعها علماء الطبيعة الاحيائية او علماء الفيزياء الحديثة ذات الصلة بالنطريات الاجتماعية كمقاربات بديلة تفسرهذه الطبيعة  لتوازن القوى في مدار النظام الدولي, ويمكن تصورها من خلال مايلي :

اولا \ المقاربات النظرية العلمية :

1- النشوء والارتقاء – تطور التفكير العضوي في استراتيجية الشؤون الخارجية ونظام توازن القوى التقليدي في مطلع القرن العشرين استنادا الى مذهب داروين الاجتماعي ونظريته في التطور البيولوجي للخلية الحية والارتقاء الى اللبائن ثم الى الانسان من خلال النمو والفناء في نظام الطبيعة, وهكذا تبدو الدول مثل الخلايا الحية في النباتات والحيوانات تمتلك هذه الخاصية عندما تولد فتحيا ثم تموت تبعا لحيويتها وتفاعلها وقوتها في الطبيعة على قاعدة البقاء للاقوى مع استمرار النظام الطبيعي الذي تنتمي اليه في العمل والارتقاء , وان الصراع من اجل البقاء بين الدول ينتمي الى صراع القوة في الطبيعة( مارتون, 1954 , 3 , 8 ).

وعلى ذلك يذهب التفكير الاستراتيجي لرواد هذا المذهب العضوي بمن فيهم الرئيس الامريكي الاسبق ثيودور روزفلت, وربما يكون من المعهم كونه عالما طبيعيا قبل ان يكون رئيسا للولايات المتحدة في النصف الاول من القرن العشرين حين يعتقدون ان الازمات والصراعات الدولية التي تصدع نظام توازن القوى تشبه الى حد كبير الامراض التي تصيب الكائنات الحية, وان هذه الازمات مرتبطة عضويا بالعلل التي تصيب المجتمعات البشرية وتشكل علل وطنية او دولية في سياق الاقتصاد السياسي ,او الانقسامات الاجتماعية ,او الحماس الديني والقومي ,اوالتبدلات الثقافية ( Bob brow , 1996, 242 -248 ) .

ويعطي بيل ستيرس مثالا لهذا التفكير الاستراتيجي في مقالة نشرتها الواشنطن بوست في اوغسطس من العام 2005  بعددها الثالث والعشرون حين يضع مقاربة بديلة لموضوع الارهاب باعتباره ظاهرة سياسية دوليه يجب ان لا يتصدى لها بالقوة العسكرية القاهرة وانما باعتبارها علة مرضية ناتجة من التطرف الاسلامي تشبه اي فايروس يصيب الكائنات الحية فينتشر ويتوسع مسببا العدوى اينما حل بما يحمله من معتقدات يبثها في تفاعله مع الاخرين داخل بيئة معينة, ويمكن السيطرة عليه اما من خلال الاجتثاث من خلال الاجراءات التقليدية الدارجة في مكافحة الاوبئة الفتاكة مثل الحجر الصحي , او من خلال احتوائه بتحصين الاخرين من الكائنات الضعيفة القابلة للعدوى( ستيرس, مونه, 2005, 15).

وفي هذا المستوى من التفكير تتفاعل الوحدات الدولية في البيئة الاسترايجية ضمن النظام الدولي في دينامية عضوية حيث تتفاعل حيويا بتوازن قادرفي احيان مناسبة على احداث التغيير حين تتفجر الازمات الدولية الى حروب, او عندما تولد وسائل جديدة تؤثر في البيئة الاستراتيجية فتتشكل قوى عظمى او تضمحل وتموت قوى بهبوط حيويتها, ويمكن ان ندرك ذلك التوازن رغم التغيير الذي حصل في النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية وظهور الصين كقوة عظمي فاعلة في البيئة الاستراتجية, او تفكك الاتحاد السوفياتي وموت حلف وارسو بعد العام 1991 ,ومما يعزز راي اصحاب هذا الافتراض الاستراتيجي بامكانية النشوء والارتقاء عضويا من خلال تفاعل الوحدات ضمن نظام توازن القوى ماحصل في عالم ما بعد الحرب الباردة من التخصص الوظيفي الشديد والاعتمادية الدولية والتعاون رغم التغييرفي موازيين القوى لانتاج  نظام احادي القطبية وهو في سياق خصائص النماذج العضوية في الارتقاء بتغير الظروف البيئية بما يمنحها من امكانية البقاء والتفاعل ضمن نظام الطبيعة ( ديبل, 2009 , 13-14 ).

واخيرا يبرهن اصحاب هذا التفكير على نجاعة افتراضاتهم الاستراتيجية من خلال سعي معظم المجتمعات الدولية نحو الانظمة الديمقراطية على امل الارتقاء والتفاعل الموثر في النظام الدولي تجسيدا لمبدا داروين في البقاء للاصلح والاقوى, حيث تطمح هذه الشعوب في منتج اقتصادي افضل يمنحها الرفاهية بالاضافة الى القوة الموثرة في النظام الدولي من اجل الحفاظ على التوازن ضمن بيئة استراتيجية  توفر الامن والسلم الدوليين من خلال ردع اطماع اي دولة تهدد الحق في الوجود والارتقاء( مارشال, 1999 , 45-73).

2 – الفوضى –  يندرج هذا الافتراض ضمن التفكير الاستراتيجي المعاصر ويحاكي نظرية الفوضى في الفيزياء الحديثة, والتي تعالج الانظمة الديناميكية المؤلفة من عدد هائل من الاجزاء المكونة لها حين يبدو التفاعل بيها فوضويا غير منتطم رغم انه يستند في حركته اساسا الى قوانين نيوتن الدقيقة في الحركة الا انه يعطي نتائج غير متوقعة لايمكن التنبؤ بها لكنها مستقرة بعد الوصول الى حالة حرجة تعيد انتاج التوازن بين وحداتها بشكل منتظم ودوري مثل حركة الماء في جدول معين او تصاعد الدخان للاعلى بحركة لولبية, اي ان النظام يصل الى حالة حرجة فيعيد توازنه من تلقاء نفسه بعد ان ينهارعندما يواصل تطوره بسسلسة من التصدع التي تنقله من حالة الفوضى الى حالة الاستقرار.

وتوفر لنا النماذج النمطية في اللغة الحاسوبية وتكنولوجيا المعلومات في وقتنا الحاضر لغة الاختزال في توصيف حركة الانظمة في الطبيعة مثل السحب والمجرات وحركة الموائع المضطربة واشاراتها غير المنتظمة ومدياتها المختلفة وحركتها الديناميكية ببصماتها الزمانية والمكانية على التوالي وتفاعلاتها المتسلسلة وحالاتها الحرجة على انها دوال واضحة على طبيعة المنظومات الفوضوية مثل الزلازل والاعاصير والبراكين وصولا الى الانظمة البيئية الدينامكية مثل التطورات السكانية والاسواق الاقتصادية, فيمكن ادراك الذاتية في الاحتواء والاستمرارية لجميع هذه الانظمة باليات من داخل النظام( باك, كان, 1991, 46-53).

ويمكن مقاربة هذا التفاعل الميكانيكي في الطبيعة بتفاعل وحدات نظام توازن القوى في العلاقات الدولية من خلال رصد الاحداث الحرجة التي تفرض عشوائيا اعادة ترتيب المنظومات الرئيسية والثانوية بما يفرز تغيير في شكل ونوع القوة ذاتيا بما يعزز التوازن والاستمرارية في النظام, فعلى سبيل المثال ربما يعزز اغتيال ارشيدوق سراييفو باعتباره اللحظة الحرجة والسبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الاولى فرضية ومزاعم العلاقات الدورية في الحروب الشاملة وارتباطها الحتمي بانتظام ذرى اعمال العنف العالمي او (الموجة الجيبية للنمو والركود الاقتصادي ) المعروفة Kondratieff ( سنكر,صومائيل, 1972 , 215 -375 ).

ويعطي التدفق المتنامي في قدرات الوحدات المتفاعلة داخل النظام الى عزم ميكانيكي بدوافع سياسية واقتصادية وعسكرية يسرع في الوصول الى اللحظة الحرجة وهي مقاربة اخرى للفوضى من داخل البيئة الاستراتيجية ابعد من قوانين نيوتن في نظرية الفوضى ربما تعود الى راي بطليموس في الكون في عصر غاليلو, حيث ان تاثير البيئة لايحتاج الى امر طارئ للوصول الى اللحظة الحرجة بسبب الطبيعة الفوضوية للنظام التي تفرض الوصول اليها بما يجعل التنبؤ بها مستحيلا ( مان, 1992, 62 ),الا ان هذا التفسير المفرط في نظرية الفوضى يضع الخبير الاستراتيجي في تحدي عسير في التعامل مع مفهوم اللحظة الحرجة ! وهل يمكن جعل اللحظة الحرجة في اهداف استراتيجية الشؤون الخارجية لتوضيفها في توجيه نظام توازن القوى بما يخدم مصالحنا ؟ ام ان الوسائل الاستراتيجية بما فيها الاحلاف والمعاهدات الدولية هي كوابح لعدم الوصول الى اللحظة الحرجة ؟ ورغم جدلية هذا الموضوع حسب راي ستيف مان في مؤلفه نظرية الفوضى والفكر الاستراتيجي, نحاول في المطلب التالي تحليل ذلك بالمقارنة مع الازمة المستجدة في الغزو الروسي لاوكرانيا.

 

ثانيا \ عوامل البيئة الاستراتيجية المعاصرة

1 – تكنولوجيا المعلومات – احدثت الثورة العظيمة في المعلومات اثارا عديدة في البيئة الاسترتيجية المعاصرة حتى باتت اهم عواملها من خلال اثرها البالغ في طبيعة وبنية النظام الدولي ويمكن اجمال هذه الاثار تبعا لما يعتقده عدد من الباحثين والخبراء الاستراتجيين بما يلي :

– العالم الافتراضي الذي اعطى قدرة اكبر في اجراء العمليات الرقمية المعقدة وعدم التقييد في مكان محدد بما يمنح فعل الكثير من الاشياء من اماكن متعددة, والتي يستحيل عملها على ارض الواقع.

– التدفق الغزير للمعلومات الذي بات واسطة للترابط البيني بين وحدات النطام الدولي.

– كسر التراتبية الهرمية والهيمنة من خلال الامركزية التفريقية والتسارع في القرارات بسبب دورة المعلومات المتدفقة, والتضخيم من خلال المزيد المضاف الى سطح البيئة الدولية من الثروات  والاشخاص كوحدات صغيرة متفاعلة غير متناظرة بما يزيد من فعالية النطام عندما يمكن اللاعبين الصغار من منافسة اكبر اللاعبين في المنظومة الدولية.( Keohane, Sye,jr, 1998, 82)

وقد وظفت بعض الدول هذه الثورة المعلوماتية في خدمة مصالحها الاسترتيجية طبقا لطموحاتها بغض النظر عن حجمها الجيوستراتيجي, بيد ان الدول العظمى كانت السباقة في ذلك لامتلاكها عصب التكنولوجيا فضلا عن عناصر القوة الاخرى من جانب, ومن جانب اخر انها منحت الفرصة للافرد والنخب عندما تنازلت عن بعض سلطاتها بعمق تبصر وضبابية لصالح الشركات العابرة للقارات والكيانات الاممية والاسواق العالمية وجميع اللاعبين من غير الدول  وبعض الاشخاص احيانا, وكان النموذج الاميركي رائدا في انتاج قوى اساسية تخدم اهدافها الاستراتيجية وتقطع الطريق عن اي جهة تحاول امالة نظام القطب الواحد كونها تشهر سلاح اليمقراطية بيد وسلاح القوة العسكرية المهيمنة باليد الاخرى(Rothkopf, 1998,237-238).

2 – الاعتمادية الدولية – تبلور هذا العامل في مطلع السبعينات من القرن العشرين  حتى صار مدرسة تعرف بالاعتماد المتبادل اومدرسة الامميين, وكان ذلك بعد ان ادرك عدد من المختصين والباحثين قصور التفكير الاستراتيجي القاضي باستبعاد اي تدخل خارجي في العمليات الداخلية في استراتيجية الشؤون الخارجية على منظور كرات البيلياردو على سطح الطاولة حيث لاتتاثر المكونات الداخلية للكرات في سير اللعبة ( روشستر, 1978 ,77-96 ), ويعتقد اصحاب هذه المدرسة ان مضامين النظرة الاممية عميقة جدا الى الحد التي يمكن اعتبارها من اهم الوسائل الاستراتيجية في نظام توازن القوى المعاصر من حيث تاثيرها المباشر وغير المباشر على صناع القرار في استراتيجية الشؤون الخارجية , ففي نظام تتفاعل فيه وحدات متنوعة تتجاوز القنوات الحكومية الرسمية والدبلوماسية في بيئة استراتيجية تحكمها ترتيبات هرمية متناقضة وهيكليات مستجدة لمفهوم القوة قابلة لاختراق المنظومات الداخلية للدول من افراد ومنظومات خارج مستوى الحكومات القومية( كوهين, ناي, 1977) .

ويشكل الجانب الاقتصادي القسم الاهم في عامل الاعتماد الدولي المتبادل باعتبار المتغيرات الحاكمة في البيئة الاستراتيجية الدولية هي متغيرات اقتصادية صنفت الدول على اساسها بين دول صناعية متمثلة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD) ودول نامية, كذلك دول ذات اقتصاد حر ودول ذات اقتصاد موجه, ودول ريعية ودول ذات اقتصاد متعدد , ودول منتجة للنفط ودول مستهلكة له, وعليه فان الخبير الاستراتيجي يميز بين ثلاث انظمة اقتصادية  من خلال وظائفها على سطح البيئة الاستراتيجة بحيث يمكن له من خلالها ان يحدد او يختبر اويرسم خطوطه الاستراتيجية التي يضعها بين يدي صناع القرار, وهذه الانطمة هي : النظام المالي الذي يسهل حركة السلاسل التجارية والاستثمارية ويتناول التعاملات المالية, والنظام التجاري الذي يوفر تبادل السلع والخدمات, والنظام الانتاجي الكفيل بالاندماج المتزايد بين المؤسسات الاقتصادية على مستوى الدول والمنظمات والافراد , وتتفاعل هذه الانطمة في البيئة الاستراتيجية من خلال حوكمة ادارية توفرها شبكة معقدة من المؤسسات الاقتصادية الدولية والمحلية وحزم متنامية من المعاهدات الدولية ( ساكس, 1998 ,98 ).

3- العولمة – تطورت الاعتمادية الدولية بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية وباتت تعبر بشكل واضح عن مفهوم العولمة اصطلاحا وموضوعا, ويرجع عدد من الباحثين والمختصين اسباب ذلك الى التقاء ثلاثة عوامل تاريخية, اهما انتهاء الحرب الباردة والتقدم السياسي و الاندماج الاقتصادي في اوربا بعد سقوط جدار برلين والمعجزة الاقتصادية في شرق اسيا التي شككت بسردية العالم الثالث وراء الستار الحديدي والنماذج الاقتصادية الاستاتيكية نحو الاقتصاد العالمي الحر, اما العامل الثاني فهو التقدم التكنولوجي الهائل وانتشار اجهزة الكمبيوتر والانترنت الذي سهل الاتصالات والنقل بشكل مذهل, والعامل الثالث تعاظم دور الشركات والمؤسسات الاقتصادية في المنافسة الدولية ودخول الاشخاص هذا المجال في اصناف اكثر اختلافا من السابق وعلى قدم المساواة حتى شهد النظام الدولي تبدلا في التحكم والقيادة نتيجة الاتصال والتواصل من نموذج شاقولي الى نموذج افقي له مضامين استراتيجية عميقة ( فريدمان, 2005 , 173-201 ).

ورغم جدلية مفهوم العولمة من حيث الاثار الاقتصادية ذات الصلة باستقلال رؤوس الاموال العالمية رغم الاندماج التجاري في الاسواق الحرة, وهو نكوص عما كان العالم يتمتع به قبل اكثر من مائة عام قبل الكساد الكبير, حيث لايزال الاقتصاد العالمي في جوهره عبارة عن مجموعة من الاقتصادات الوطنية التي تختلف في سياساتها المالية والنقدية من مستوى دخل الفرد الى معدلات سعر الفائدة ( روبيرت, ديون, 2001 , 53-66 ), ومن تباطؤ النطام التجاري الدولي رغم سرعة تشكيل التكتلات التجارية الاقليمية الى عدم حسم تحرير التجارة العالمية, الا ان ذلك لايمنع من ان تكون العولمة اختيار وليس مصير مشترك حين يعتقد الناس في معظم البلدان المتقدمة انها افضل لبلدانهم للعيش برفاهية( بيتر ,1989, 162-170 ).

ومن ذلك يبدو ان العولمة تضيف الى البيئة الاسترايجية المعاصرة خصائص كثيرة تعزز نظرية الفوضى في نظام توازن القوى التقليدي بما يفرض تحدي متزايد على الخبراء الاستراتجيين في القبول والاستجابة لقضايا تتضمن الشك والتعقيد في اوقات حرجة , كما تفرض عليهم الاذعان في احيان كثيرة الى مشاركة الجماعات والافراد والتقليص غير المتساوي للمسافات ,وهذا يعني بدون شك ان هذه الشبكات الدولية المعقدة التي تنتجها العولمة لايمكن التنبؤ باثرها بما يضع الخبراء الاستراتيجين بحالة من الشك التي قد تدفعم الى افتراضات خاطئة , ومن المرجح ان يكون لذلك اثره في خيارات معظم صناع القرار عندما تكون التهديدات من البيئىة الخارجية عالية الشدة فتدفعهم للاستجابة في احيان كثيرة كردود افعال غير محسوبة النتائج ( كوهين, ناي,  1977 , 87-91 ).

4 – السلام الديمقراطي – تندرج فرضية السلام الديمقراطي ضمن المؤثرات الداخلية على سلوك صناع القرار في سياسة الشؤون الخارجية بما يقيد التهديد بالقوة العسكرية اواستخدامها في ادارة الازمات الدولية بين الدول الديمقراطية على ضوء البحوث العديدة التي برهنت ان الديقمراطيات المعاصرة لايمكن ان تقاتل بعضها ( ريوست, 1990 , 123 ), وتكتسب هذه الفرضية عناصر قوتها حضاريا تبعا لتطور الفكر الليبرالي باعتبار مبدا السلام راسخ في الديمقراطيات الناضجة عندما تميز هذه الفرضية بين هذه الدول الديمقراطية والدول المتحولة ديمقراطيا عن طريق الانتخابات الدستورية ولم تنضج بعد عرفيا بخوص المبادى الاساسية في الحريات العامة وقبول الراي الاخر والملكية واقتصاد السوق والتسامح الديني والمساواة العرقية  وغيرها, ولذلك فهي تعرف السلام الديمقراطي بانه سلام ليبرالي ( زكريا, 1995 , 5-38 ).

وربما تعطينا القيم الامريكية في الديمقراطية بصورة عامة وفي استرتيجيتها في الشؤون الخارجية تعريف واضح للسلام الديمقراطي باعتباره عاملا على سطح البيئة الاستراتيجية المعاصرة , فمنذ تعاطفها مع الديمقراطية اليونانية طوال سنين الحرب الاهلية في اليونان في ثلاثينيات القرن التاسع عشر( ديبل, 2007, 137 ), الى مبدا الرئيس الامريكي الاسبق وودرو ويلسون الذي ربط الامن والسلم الدوليين بالتحول الديمقراطي , والذي اعتقده وسعى اليه بعد عشرات السنين اخر رؤساء الاتحاد السيوفياتي ميخائيل غرباتشوف في اطروحة البيرستروكيا والغلانوست التي عصفقت بالبيئة الاستراتيجية المعاصرة واطاحت بنظام توازن القوى ثنائي القطبية ونهاية الحرب الباردة في مطلع تسعينيات القرن العشرين كما اسلفنا( كيسنجر, 1992 , 19 ).

5 – الايديولوجيا والثقافة والنزعات الفردية – يذهب التفكير الاستراتيجي المعاصر الى اعتبار الافكار من العوامل المؤثرة في البيئة الاسترايجية كون المصالح الوطنية مرتبطة جدليا بالهويات العرقية والاعراف الاجتماعية والثقافية والعقيدة السياسية للدولة والنزعات الفردية لاصحاب القرار( والت, 1998, 40-14 ) ويعرف اصحاب المدرسة الاستدلالية والتاويلية الهويات بانها تاويل اجتماعي تقرره الايديولوجيا وممارستها السياسية ضمن الانساق الاجتماعية الحاكمة وهي ظاهرة متجذرة نسبيا لكنها قابلة للتغيير بالفعل الذي تفرضه الخبرة او التجربة او الضغوط الخارجية مثل المؤسسات الدولية والاعراف العالمية , ويستدلون باليابان وكيف اصبحت دولة مسالمة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وضغط الاحتلال طويل الامد, كذلك المثال الاوربي في تخلي دولها عن طموحاتها القومية والجنوح نحو الاتحاد والنزعة الاممية في التعاون طالما يحفظ السيادة, وذلك يعني تغييرالنزعة عند معظم الافراد في هذه الدول باعتبار حكوماتها منتخبة تعبر عن افكار المجتمعات وترسم استراتيجياتها تبعا للمزاج الشعبي العام ( بيل,  شفت, 2002\ 2003 , 5-20  ).

وتبقى الهويات الاستدلالية والمعتقدات الدينية المتاصلة والعقيدة السياسية تفرض على القادة تفكيرا استراتيجيا ممنهجا, الا ان النزعات الفردية للقادة وصناع القرار والناموس الاخلاقي والحضاري لهم هو الطافي على سطح البيئة الاستراتيجة المعاصرة, والامثال هنا كثيرة فمن تدين جيمي كارتر وسياسته بالدفاع

عن حقوق الانسان الى جورج بوش الابن واحتلال العراق باشارة من الله( Woodward , 2004 , 421 ) , ومن ميخائيل غرباتشوف وتفكك الاتحاد السوفياتي باصلاحاته الليبرالية الى فلادمير بوتن  وفلادمير زلنسكي وما نحاول بحثه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني \ التحليل الاستراتيجي المقارن بالحرب الروسية المعاصرة على اوكرانيا

 

يستخدم معظم الباحثين الاستراتيجيين اكثر من مستوى من التحليل على ضوء تعميم قدمه كنيث والتز وايده ديفد سنجر عندما حلل بعض الازمات الدولية من خلال ثلاث مستويات مختلفة من التحليل , ورغم ان البعض اجتهد باكثر من ثلاث مستويات في التحليل وربما تصل الى الستة منها , الا ان زيادة عدد مستويات التحليل اصبغ مزيدا من السياق الوصفي الذي عقد اشكالية البحث من اجل التفسير والتنبؤ في سياق النظريات السياسية التقليدية, وعليه نحاول التحليل في موضوع البحث بثلاث مستويات هي:  مستوى الفرد ومستوى الدولة ومستوى النظام الدولي بعد ان ندرس مراحل تطور الازمة الدولية التي تفجرت باعلان الرئيس الروسي فلادمير بوتين الحرب على اوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير من هذا العام 2022 .

اولا \ ازمة الحرب الروسية على اوكرانيا

تصنف اوكرانيا جيوستراتيجيا في وقتنا الحاضر بانها الجسر الذي يربط بين قوتين عالميتين هما روسيا الاتحادية من الشرق ودول الاتحاد الاوربي ومن وراءه بريطانيا والولايات المتحدة حلفاؤه في الناتو من الغرب, اما تاريخيا فهي جزء من الاتحاد السوفياتي وقبله من روسيا القيصرية, ورغم ان المجتمع الاوكراني متتعدد الاعراق والاثنيات والغات الا انه منقسم  اجتماعيا الى شرق من اصول روسية يتكلم اللغة الروسية ويدين للكنيسة الارثدوكسية , وغرب من اصول اوربية يعتز بانتمائه لاوكرانيا ويدين للكنيسة الكاثوليكية في روما, وافرز هذا الانقسام المجتمعي انقساما سياسيا حيث يناضل المجتمع في غرب اوكرانيا من اجل الانضمام الى الى الاتحاد الاوربي بافكار ليبرالية راسمالية تحررية, بينما يدور المجتمع الشرقي في فلك روسيا سياسيا واقتصاديا( شلبي, 2014 , 8-9 ).

1- نشوء الازمة – تعمق الانقسام المجتمعي في اوكرانيا منذ الانتخابات الرئاسية في العام 2014 حين فاز المرشح فيكتور يانوكوفيتش ذو الاصول الروسية والمستقطب من الشرق الاوكراني المدعوم من روسيا , وخسر فيها المرشح بترو بورشنكو المستقطب من الغرب الاوكراني والمدعوم من الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية, وكان الفوز بفارق قليل لايتجاوز الثلاث بالمائة مما اثار غضب انصاربترو بروشينكو واشاعوا عن تزوير الانتخابات  فقاموا بمظاهرات عارمة موشحة بالاعلام البرتقالية في اشاره الى حزب مرشحهم ومدعومة من الاعلام الغربي الذي بات يصفها بالثورة البرتقالية , وتفاعلت هذه الاحتجاجات الثورية حتى تمت اعادة الانتخابات بمراقبة دولية حيث فاز فيها بترو بروشينكو, تعزز الانقسام السياسي والمجتمعي بعد هذه الاحداث مما سمح ليانوكوفيتش من تكوين جبهة معارضة قوية استثمرت تلكو حكومة الخصوم في انجاز برنامجها في مكافحة الفساد والشفافية في فتح ملفاته, واستمر ذلك لسنوات حتى جائت انتخبات 2010 ففاز فيها يانوكوفيتش( الوحيد, 2014 ,4 ).

2 – ظهور الازمة – ظهرت الازمة الاوكرانية على سطح البيئة الاستراتيجية منذ نوفمبرعام 2014 عندما اندلعت احتجاجات عارمة تبنتها المعارضة للرئيس يانوكوفيتش على خلفية قرار حكومته بتاجيل التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوربي, والتي سرعان ماتحولت الى اعمال عنف مسلحة عندما تصدت قوات الشرطة للمحتجين عند مهاجمتهم المؤسسات الحكومية انطلاقا من ميدان الاستقلال الذي بات ثكنة للقوميين الاوكران في مواجهة عنف قوات الامن, وبسقوط المزيد من القتلى والجرحى توسعت رقعة الاحتجاجات والاضطرابات المسلحة لتشمل المناطق الشرقية للبلاد للتصدي للحركات اليمينية المتطرفة التي شنت سلسلة من الهجمات على قوات الامن عندما رفضت الاستجابة لاوامر قادة المعارضة ( RT ,2014 , 17\3).

3 – تصاعد الازمة – تصاعدت الازمة بشكل كبير عند هروب الرئيس يانوكوفيتش من كييف الى شرق البلاد ومن ثم الى موسكو طالبا المساعدة العسكرية منها والتدخل لحماية البلاد من الانقلاب,  حيث وجه رسالة مصورة الى الشعب الاوكراني اتهم فيها اليمينيون المتطرفون بالاستيلاء على السلطة بدعم من المعارضة وتحريض من الدول الغربية ومن ورائها الولايات المتحدة بعد استيلاء المعارضة على جميع المؤسسات الحكومية في كييف والاعلان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة ارينسي ياتوسنيوك يوم 26 فبرايرعام 2014 واصدارمذكرة اعتقال بحقه ( بي. بي.سي, 2022 , 18\2)

ومن جهة اخرى انعكس تصاعد الازمة في شبه جزيرة القرم ومدن جنوب شرق اوكرانيا, حيث سيطر انصار ماسمي لجان الناطقين بالروسية في القرم على مقر البرلمان في سيمفيروبول وسمحوا بعقد جلسة لاعضائه انتخبوا فيها رئيس جديد للحكومة من حزب الوحدة الروسية واعلنوا عن الرغبة في اجراء استفتاء شعبي للمواطنين في القرم يحدد صلاحيات الاقليم طبقا للوضع الجديد في كييف, وفي يوم 28 من فبراير سيطرت مايعرف بلجان الدفاع في القرم على مطاري سيفاستوبول وسيمفيروبول,واعلن رئيس وزراء القرم سيرغي اكسيونوف الذي رفضت السلطات المؤقته في كييف الاعتراف به استقلاله عن اوكرنيا وان الوضع في جمهوريته تحت السيطرة, كذلك بدات احتجاجات حاشدة في معظم مدن اقليم دومباس حيث يتكلم اغلبهم اللغة الروسية قاموا على اثرها بالسيطرة على الادارات المحلية في مدنهم واعلنوا عدم اعترافهم بالسلطات الجديدة ( بريس , 2022, 22\2)

وبدعم روسي غير محدود وبتفويض من مجلس الدوما للرئيس بوتين في طلب رئيس وزراء القرم  المساعدة في ضمان الامن,واصلت سلطات القرم بسط نفوذها على جمع الاجهزة الامنية والقوات العسكرية البرية والبحرية والجوية  بعد انشقاقات جماعية لقيادة القوات الاوكرانية المنتشرة هناك مما صاعد الازمة حيث دانت الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي هذه الاجراءات وعدتها عدوانا على اوكرانيا وطالبت موسكو باعادة نشر قواتها في القرم الى قاعدة اسطول البحر الاسود المرابطة هناك, كما قررت تعليق التحضيرات لقمة مجموعة الثامنية, والتي كان من المقرر ان تستضيفها روسيا في حزيران من العام ( RT, 2022 , 17\3  ).

تصاعدت الازمة بخط بياني مرتفع عندما صادق المجلس الاعلى لجمهورية القرم في 11 مارس على بيان يدعو الى استقلال القرم عن اوكرانيا وسعيها للانضمام الى روسيا( بي.بي.سي, 2014 , 6\3), حيث بدات البحرية الامريكية في التالي الى تدريبات مشتركة مع سفن بلغارية ورومانية في البحر الاسود كما اعلنت قيادة حلف الناتو عن ارسال طائرتي استطلاع الى الحدود الاوكرانية , واكد الرئيس الاميركي انذاك باراك اوباما لرئيس الوزراء الاوكراني المعين ارسيني ياتسينيوك عندما التقاه في واشنطن عن استعداد الولايات المتحدة لتقديم الدعم بالوقت المناسب وتامين سيادة اوكرانيا ووحدة اراضيها( بي.بي.سي, 2014  12\3 ) , وبعد يوم واحد من هذا اللقاء لوحت المستشارة الالمانية في حينها انجيلا ميركل بان الاتحاد الاوربي على استعداد في فرض عقوبات تمس التعاون الاقتصادي مع روسيا في حال تصاعد الوضع( مجلس الاتحاد, 2014 , 13\3 ), وفي اليوم التالي استخدمت روسيا الفيتو في مجلس الامن على مشروع اميركي يدعو الى عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء القادم في القرم حول الانضمام الى روسيا( الامم المتحدة, 2014, 14\3 ).

وتفاقمت الازمة في التصعيد بعد اجراء الاستفتاء وانضمام شبه جزيرة القرم الى روسيا, واعلان انفصال المقاطعات الشرقية في اوكرانيا الذي ادى الى نشوب نزاع مسلح بين الانفصاليين والقوات الاوكرانية وتدخل روسي لدعم الانفصاليين , مما دعا الولايات المتحدة على فرض مزيد من العقوبات على روسيا كما قام حلف الناتو بنشر قواعد عسكرية بالقرب من الحدود البحرية لروسيا واجراء مناورات مشتركة في البحر الاسود , ودعا ذلك الى استاء روسي فقامت من خلال التهديد بالتصعيد العسكري والاقتصادي بقطع الغاز عن اوكرانيا واوربا , واثار ذلك الى مخاوف معظم دول الاتحاد الاوربي بسبب اهمية الغاز الروسي لهم( كوبنهاكن, 2014 ).

4 – سبات وسكون الازمة –  بات موقف ادارة اوباما هو ضرورة ايجاد الية من اجل وقف اطلاق النار في اقليم دونباس وارساء لقواعد السلام , وبادرت المانيا وفرنسا بجهود الوساطة بين الطرفين الروسي والاوكراني حيث قاموا بالعديد من جولات التفاوض التي انتهت باتفاقية مينسك نسبة الى عاصمة بلاروسيا التي جرت فيها المفاوضات , وتشمل هذه الاتفاقية وقف اطلاق النار في شرق اوكرانيا ,وسحب الاسلحة الثقيلة ,وابعاد المدفعية مسافة 15 كيلو مترمن كل جانب عن خط المواجهة لخلق منطقة عازلة بمسافة 30 كيلو متر, ومنع الطائرات المقاتلة والمسيرة من التحليق فوق المنطقة الامنة التي ستراقبها منظمة التعاون في اوربا , كما تنص الاتفاقية على اجراء اصلاحات دستورية في اوكرانيا يضمن حقوق سكان شرق البلاد واعطاء اقليم دونباس وضعا خاصا وعلاج مشكلات الحدود بالتنسيق مع القوات المنشقة المعروفة بقوات دونباس, واصبحت اتفاقية مينسك اساس الهدنة لوقف العمليات العسكرية وتطبيقها مرهون باستمرار التفاوض بين مجموعة دول النورماندي وهي المانيا وفرنسا وروسيا واوكرانيا, ولم تبدا الهدنة بصورة فعلية الابعد النسخة الثانية من الاتفاقية التي اطلق عليها مينسك 2 في 11 فبراير 2015  والتي سكنت الازمة الازمة الى حد مقبول  ( سياسة واقتصاد, 2015 , 5\11) |.

5 – تفجر الازمة والحرب الروسية على اوكرانيا – رغم سبات هذة الازمة حوالي سبع سنين الا انها كانت مرشحة للانفجار في اية وقت بسبب تعثر مفاوضات مجموعة النورماندي لاسباب كثيرة لايمكن حصرها بسبب طبيعة العوامل المتفاعلة على سطح البيئة الاستراتيجية واختلاف الاهداف والنوايا بين اطراف الازمة  وباقي دول مجموعة النورمندي من جهة واستراتيجيات الدول العظمى الفاعلة لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا والصين من جهة اخرى, بيد ان هواجس روسيا من سياسات الرئيس الاوكراني فلادمير زلينسكي وشراكته مع الاتحاد الاوربي وحلف الناتو وسعيه للانظمام اليهما بتشجيع ودعم من الولايات المتحدة وتاييد حقه في استعادة اراضيه المحتلة من قبل روسيا ومن ضمنها شبه جزيرة القرم فضلا عن تعزيز القوات الاوكرانية في خطوط التماس مع القوات الانفصالية في شرق البلاد دفع الرئيس بوتن المطالبة بضمانات امنيه من حلف الناتو في مجاله الحيوي , وباشر بتحشيد عسكري منقطع النظير على الحدود الاوكرانية في اواخر العام 2021 مما اثار استياء الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وقلقهما من غزو محتمل للقوات الروسية على اوكرانيا.( الجزيرة, 2022 , 15\1 )

وفي مطلع العام 2022 ارتفعت التحذيرات الامريكية لروسيا في غزو اوكرنيا وانها ستواجه عواقب وخيمة في حال اقدامها على ذلك , وحذر الرئيس الامريكي بايدن نظيره الروسي في اتصال مباشرخلال اجتماع اون لاين استمر لساعات من عقوبات اقتصادية غير مسبوقه في حال اقدامه على اي عمل عسكري ضد اوكرنيا , وباصرار الرئيس بوتن  على الضمانات الامنية من طموحات حلف   الناتو في التوسع بالقرب من حدوده الجيوستراتيجية وتجاهل الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي , اعلن الرئيس بوتن عن عملية عسكرية على اوكرانيا واجتاحت القوات الروسية المحتشدة الاراضي الوكرانية فجر 24 فبراير( بي .بي.سي, 2014. 24\3).

ثانيا \ مستويات التحليل الاستراتيجي المقارن

 

1 – التحليل على مستوى الفرد – يمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قطب الرحى في جميع مراحل هذه الازمة الدولية العاصفة التي تهدد السلم والامن الدوليين كما تضع الاقتصاد العالمي في احرج اوضاعه منذ الحرب العالمية الثانية , فضلا عن سعيها في رسم ملامح نظام دولي جديد والحد من هيمنة توازن القوى احادي القطبية, وربما ياتي اثر الرئيس بوتين في الاهداف الاستراتيجية لهذه الازمة من سببين : الاول من كونه رئيس دولة تمتلك اكثر واعظم قوة نووية في العالم وثاني قوة عسكرية جبارة بعد الولايات المتحدة وهذا مانحاول دراسته في المستوى الثاني من التحليل, اما السبب الثاني الذي يقارب من التحليل على  مستوى الفرد فهو انعكاس شخصية الرئيس بوتين على سطح البيئة الاستراتيجية المعاصرة من خلال طبيعة قرارات ادارته لهذه الازمة , ولما كانت الايديولوجيا والثقافة والنزاعات الفردية احد عوامل البيئة الاستراتيجية المعاصرة حسب مسار البحث نلاحظ الاتي:

فقد وصف الدبلوماسي السوفياتي السابق فلاديمير فيديروفسكي في مؤلفه (بوتين المسار السري) الصادر في النصف الثاني من العام 2014 خمسة وجوه متناقضة للرئيس بوتين تفسر طبيعة قراراته السياسية والاستراتيجية: الاول هو وجه  (كي. جي. بي ) حيث بدا مغامراته مع جهاز الاستخبارات بنوع من حكايات العفاريت, وكان طموحه ان يجسد حكايات جميس بوند على الطريقة الروسية, والثاني هو وجه سان بطرس بيرغ حيث خطت ملامحه الثقافية والسياسية من تاريخ تلك المدينة , اما الثالث فهو وجه القائد الذي صاغته مراحل ارادة  التسلق الى الكرملين, ويبدو الوجه الرابع مكتسب من وجوده في سدة الحكم وهو رجل الدولة, واخيرا وجه الديكتاتور الذي تزامن مع ظهور الاحتجاجات الشعبية الاولى حيال حكمه حين اشار المشاركون فيها الى رغبتهم في رؤية روسيا بدونه, وهنا يفتح المؤلف قوسين ليشير الى الاخطاء الاستراتيجة في تعامل التفكير الاستراتيجي الامريكي والغربي مع نزعات بوتين الفردية عندما مقارنته بهتلر مثلما فعلت هنري كلنتون حيث ان تلك المقاربات ترسم  في مخيلته خارطة جيوستراتيجة لمستقبل الامبراطورية الروسية  ( فيسكي , 2014 ).

2 – التحليل على مستوى الدولة – منذ نشوء الازمة والدولة الاوكرانية تعاني تاثيرا اقتصاديا سلبيا سيما في فصل الشتاء بسبب عجزها عن دفع المستحقات المالية لروسيا وتهديد روسيا المستمر بقطع الغاز عنها وعدم ايفاء دول الاتحاد الاوربي بالتزامها بدفع منحة فورية لها بقيمة 50 الى 60 مليار يورو, فضلا من معاناة الدولة الاوكرانية اصلا من نقص في الموارد المالية ( World Economic, 2014 ), وتمثل الحاجة الضرورية للغاز الروسي في اوكرانيا ومن خلفها دول الاتحاد الاوربي من اهم اوراق ادارة الازمة في هذا المستوى من التحليل, بالاضافة الى نمو الاقتصاد الروسي في مختلف القطاعات وتحكمة بمفاتيح امن الطاقة العالمي في تصدير النفط والغاز, وهيمنته على سلاسل التوريد العالمي من الحبوب وسطوته على الامن الغذاء في العالم.

كذلك يمثل الجانب العسكري والامني تحدي اخر في ادراة الازمة على هذا المستوى فمن ناحية كون روسيا الاتحادية تمتلك ثاني قوة عسكرية مسلحة عالمية وتتفوق على الجيش الاوكراني بحوالي العشرين مرة وانها اعظم دولة نووية في العالم , ومن ناحية اخرى حيث  المواجهات العسكرية والتحشيد بين الانفصاليين ومن ورائهم القوات الروسية والقوات الاوكرانية وتعثر تطبيق اتفاقية مينسك, والادانات المستمرة بالتصعيد المتبادل من قبل طرفي الازمة والحرب الاعلامية المستمرة, والتصريحات الامريكية المتكررة بامكانية دعم القوات الاوكرانية باسلحة متطورة لمواجهة الدعم العسكري الروسي للانفصالين, اضافة الى التحذيرات الروسية لاوكرانيا في مساعيها النووية وتصنيع القنبلة القذرة والعمل على برنامج عسكري سري , وهو مايمثل اوراق مباشرة في تصاعد الازمة وصولا الى قرار الاجتياح العسكري الروسي لعمق الاراضي الاوكرانية واحتلالها مدينة خيرسون الاستراتيجية والاندفاع نحو العاصمة كييف وححصارها تمهيدا لاجتياحها وقصف معظم المدن والمطارات والموانئ الاوكرانية مثل خاركيف وميناء اوديسسا.

3 – التحليل على مستوى النظام الدولي

استحضرت مراحل هذه الازمة في هذا المستوى من التحليل جميع عوامل البيئة الاستراتيجية المعاصرة , فاستيقظ العالم على ازمة غير مسبوقة في الطاقة في جميع دول العالم وارتفاع مذهل في اسعار النفط والغاز, يقابله ارتفاع كبير في اسعار المواد الغذائية على مستوى العالم نتيجة لتضرر سلاسل توريد الحبوب من اهم الدول المصدرة وهي روسيا واوكرانيا, وهنا نشير الى الاعتمادية الدولية والعولمة وتكنولوجيا المعلومات التي ترجمت العقوبات الاميركية والاوربية في قطاعات المال والاعمال وتحويلها الى واقع ملموس خلال ايام قليلة غيرت طبيعة الحياة في اقصى المدن والقصبات الفقيرة في افريقيا والشرق الاوسط الى اغني مدن العالم في المانيا وامريكا واليابان والامارات العربية في الخليج, كما برهنت على استحالة التعايش السلمي وفق اطروحة نهاية التاريخ لفرنسيس فوكوياما وان السلام المستدام لايكون الا بين الدول الديمقراطية.

كما استحضرت هذه الازمة انماط توازن القوى المعاصر بالهام من النطريات الجيوستراتيجة التقليدية , حيث تبدو مقولة عبور البوابة الشرقية حاضرة في احتلال مدينة خيرسون عندما وصف ماكيندر العوامل الجغرافية هي سبيل الحركة البرية التقليدية نحو الغرب , كما اثبت الاصرار الامريكي على الشراكة الاستراتيجية مع اوكرانيا ودعمه لانضمامها الى الاتحاد الاوربي وحلف الناتو نمط التهديد من اجل التهديد بينه وبين روسيا الى الحد الذي يهدد بانهيار المعاهدات النووية الاستراتيجية بين الطرفين فضلا عن اصرار دول الاتحاد الاوربي وبالخصوص فرنسا والمانيا على التهديد بعبور البوابة الشرقية والتضحية بالشراكة الاستراتيجية في مشاريع الطاقة في نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2.

استخدمت روسيا وسيلة الردع النووي كاداة استراتيجية منذ الايام الاولى في حربها ضد اوكراينا لمنع اي تفكير اوربي او امريكي في تدخل عسكري مباشر لدعم اوكرانيا حيث اعان الرئيس بوتن عن نشر صواريخ نووية استراتيجية وجعلها في حالة تاهب قصوى وهو استحضار لنظام توازن القوى التقليدي , واعلن نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي دميتري مدفيديف عن اساسيات الردع النووي في هذه الحرب وهي: اولا- اذا تعرضت اراضي روسيا الاتحادية الا اي اعتداء نووي, ثانيا – اذا تعرضت  اراضي الجمهورية الا اي ضربة بالاسلحة التقليدية تهدد وضع الدولة , ثالثا – اذا تم انشاء بنى تحتية عدائية تهدد الدولة الروسية ( الجزيرة , 2022, 3\6 ), ومن جهة اخرى استخدمت الولايات المتحدة وسيلة الاحلاف العسكرية كاداة استراتيجية في نظام توازن القوى التقليدي عندما سعت وشجعت وساندت انضمام السويد وفلندا الى حلف الناتو.

عبرت هذه الازمة المتصاعدة في وقتنا الحاضر عن دينامية البيئة الاستراتيجية وحيوية نظام توازن القوى من خلال مايلي: اولا- فشل الجولة الاولى من العملية العسكرية الروسية في احتلال الدولة الاوكرانية  واضطرار القيادة الروسية الى اعلان محدودية العملية العسكرية في اقليم دونباس ومقاطعتي لوهانسيك ودونيتسك, وكان ذلك بفعل الدعم والاسناد غير المباشر من الاتحاد الاوربي وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة. ثانيا- فشل نظام العقوبات الاقتصادية على روسيا وضرب سلاسل الواردات بسبب الاعتمادية المتبادلة التي سرعان مافرضت عودة تصدير الغاز الروسي الى اوربا وعودة تصدير الحبوب من اوكرانيا وروسيا الى العالم. ثالث- تصدع النظام الدولي احادي القطبية بعد التحدي الروسي للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو حيث اعلن الرئيس بوتين عن نهاية نظام توازن القوى احادي القطبية وبداية النطام الدولي متعدد الاقطاب 17\6\2022 خلال خطابه في منتدى سان بطرس بيرغ الاقتصادي السنوي   ( الجزيرة, 2022 , 17\6).

الخاتمة

اشار صؤمائيل هانتنغتون في عام 1991ان البيئة الاستراتيجة بعد الحرب الباردة تفرض عدم ظهور قوة سياسية عسكرية تهيمن على اوراسيا عندما تبنى استراتيجات الدول العظمى على ذلك ( هانتنغتون, 1991, 11-3 ), والسؤال التي حاولت هذه الدراسة الاجابة عليه هو من يفرض  الحتمية والجبرية بالتفاعل الذي يمكن التنبؤ به على سطح البيئة الاستراتيجية ؟ومن خلال مسار البحث المقارن بازمة الحرب الروسية الاوكرانية تبين ان هذه الازمة هي غزو عسكري روسي للاراضي الاوكرانية تفرضه دينامية البيئة الاستراتيجية بوسائل نظام توازن القوى التقليدي على ضوء العوامل الحاكمة والمستجدة في البيئة الاستراتيجية وطبقا للتفكير الاستراتيجي المعاصر , وان ذلك عائدا الى تماثل حقيقي بين انماط التفاعل السياسي الطبيعي والميكانكي , او هو انعكاس لافكار داروين ونتيوتن واخرين في التفكير الاستراتيجي في الشؤون الخارجية مع ثبات جميع العوامل المباشرة الاخرى, ويكمن ان نوصي بما يلي:

 

التوصيات

اولا – التاكيد على الترابط الفلسفي بين النظريات العلمية والنظريات الاجتماعية في حقل العلاقات الدولية بما يعزز التفكير الاستراتيجي المعاصر.

 

ثانيا – اهمية دراسة عوامل البيئة الاستراتيجية المعاصرة لاثرها في دينامية نظام توازن القوى التقليدي بما يحفظ النظام الدولي من التصدع والانهيار نحو حرب كونية مدمرة.

ثالثا – اهمية التحليل الاستراتيجي المقارن بما يوفر لصناع القرارتقييم الافتراضات الاستراتيجية بما يضمن ان لاتكون اسباب مباشرة للحروب والازمات الدولية وتهديد السلم والامن الدوليين.

قائمة المصادر

أولا: الكتب باللغة العربية

  • اسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، ط٤، الكويت، دار ذات السلاسل للنشر ١٩٨٥.
  • أسامة مرتضى الصيدي، الولايات المتحدة والامم المتحدة، فترة ما بعد حرب الباردة، بيروت، البصائر للطباعة والنشر، 2٠١١
  • تيري ل. د بيل ، استرايجية الشؤون الخارجية، ترجمة وليد شحادة، بيروت، دار الكتاب العربي،2009
  • كارين أ منغست م . اريغون، مبادئ العلاقات الدولية، ترجمة حسام الدين منصور، دار الفرقد، دمشق، 20/٣
  • هاشم نعمة، العلاقات الدولية،مراجعة مندوب الشالجي، الجزء الأول، جامعة بغداد، كلية القانون والسياسية.

ثانياً الكتب باللغة الإنكليزية – :

  1. Herbert Butter field and Martin- wiqhtg Diplomatic investigations

 ( Cambridge, MA: Harvard university press, 1966 ) P.15.

  1. Q wright, The study of war, Chicago, 1942
  2. lnis, Claude, Swords into ploughshares, Randon House, N.Y ., 1958.
  3. Alstair Buchan, warin modern society: An Introduction, London, 1968
  4. -Karl. Deutsch, The Analysis of International Relations prentice Italy, I N 6, Englewood ( Iiffs, 2nd, ed ., 1978
  5. – oppenheim , International , London , 1921
  6. .-Kenneth N.waltz, contention on Management in International Relations, world politics, vol . 11, 1965
  7. -Bob Wood ward, plan of attack, (New York: Simon, scenes ،2004
  8. -oler, Holsti, R. T. Hopamnn, and J. D. Sullivan, unity and disintegration in international Alliance: comparative studies, N..Y1973.
  9. – Dinersting, the transformation of alliance systems, The American political science Review, vo 105, step. 1905.

– John Morton Blum Republica Roosevelt)  Cambridge, MA: Harad University Press, 959)chapter 3 and 8.

  1. – per bak and kan Chen, self-organized criticality, scientific () January 1991.
  2. – David Rothkopf,cyberpolitik: the changing nature of the power in information, age, journal Integration affairs 51,(spring) 1998
  3. – Burce Rnsseetet, controlling the sword: the democratic governance of national security,(Cambridge MA: Harvard University Press, 1990)

ثالثاً :- الدوريات في اللغة العربية

١-كينيت اوي، الاستراتيجية الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب البارزة، ترجمة نجوى ابو غزالة، مجلة شؤون السياسية، عدد( ٦-٧) بغداد، دار الجمهورية١٩٩٦

٢- احمد طه محمد، التفكك الدولي والنظام العالمي الجديد، مجلة السياسية الدولية، العدد( ١٠٩)،

القاهرة، مركز الاهرام للدراسات والبحوث الاسترايجة١٩٩٢.

٣- السيد آمين الشلبي، سياسة إدارة كلينتون الخارجية، محلة السياسية الدولية، العدد ١١٤)

القاهرة، مؤسسة الأهرامات للدراسات والبحوث،٩٥٥١.

رابعاً :- الدوريات في اللغة الإنكليزية

  • Matin wight, The platter

of power in wight ( Helley Bulland Carsten Holbraadeds ), power politics (New York: Holmes and Meier, 1978

  • Saul B.cohen, Geopolitical perspectives, chapter 2 ( New York: oxford university press, 1973
  • Steven R.Mann, Chaos Theory and strategic, Thought, Parameters ( Autumn, 1992.
  • Paul stares and Mona Yacoubian, Terrorism as virus, Washington Post ( August . 23, 2005 )
  • Andrew W.Marshall, eds, strategic Appraisal: The Changing Role of Information in warfare ( Washington, Dc: RA NDREDORT MR – 1016 – Af, 1999 )
  • David singer and Melvin small, The wages of war, 1816 _ 1965 ( New York: John Wiley, 1972)
  • Robert O.keohane and Josephs. Nye. Jr, Power and interdependence in the Information Age, Foreign Affairs ( September / October 1998
  • Robert O, keihane and joseph s. Nye, Jr, Power and Interdependence in The Information Age, Foreign Affairs ( September / October 1998 )

Jeffrey Sachs, International Economics: Understanding The Mysteries of Globalization, foreign policy 110 ( spring 1998).

  • Fried man, The world is flat: A brief History of the Twenty-first Century ( New York: Farrar, Straus and Giroux, 2005 ).
  • Robert M. Dunn, Has our Economy Been Globalized? The Washington Quarterly 24 ( winter 2001).
  • Deter M . Ludlow, The Futura of The international Trading system, Washington Quarterly. 12 autumn 19891.
  • Fareed Zakaria, The Rise of Liberal Democracy, foreign affairs 76 ( November ) December 1997 ).
  • Henry Kissinger Don’t, Washington Dost ( March 12, 1992).
  • Stephen M. Walt, International Relations: One world, Many The stories, Foreign Policy llo ( spring 1998 ).
  • Coral Bell, Normative shift, National interest 70 ( winter 2002 103.

University of Copenhagen: centre of military studies, the Ukraine crisis and the end of the Post – could war European order: options for nato and the EU رابط

 https://cms.polsci. Ku. DK /English. Duplication /Ukraine crisis /Ukraine crisis cms Report June 2014.pdf

  • World Economic form, World scenario series, scenarios for Ukraine: Reforming institute disaster the ning the economy after the crisis April 2014.

20  . Samuel Huntingol , changing strategie Interest surviva (33) January/February 1991 ).  .

خامسا :- مصادر الانترنت

1-ايمان اشرف احمد شلبي ؟ الابعاد الدولية للأزمة الاوكرانية , دراسة عينية المركز الديمقراطي العربي , قسم الدراسات الدولية , 2014 . رابط

http : // democraticac-de/?p.25,2.

2-مروة وحيد , الساحة الاوكرانية ؛ وملامح المواجهة الغربية الجديدة , دراسة بحثية , مصدر العربية للدراسات , ٤ اذار . الرابط :

http :// studies.alarabiya.net/fatare

3-Rt,  تسلسل الأحداث والتصعيد السياسية في أوكرانيا 2014/3/17،رابط http//:www.arabict. Com

4- French press, yannkovgch: the man who sparks a revolution in Ukraine, 22 February 2019, روابط، www, telegraph, com 4k

5-B. B news, Ukraine polices storm may Kiev protest ramp, 18 February, www,abbc,come /news/word – euro,

6-مركز انباء الأمم المتحدة ٢٠١٤ /٣/١ رابط http:www.un.org /Arabic /news /focus /migration

7-مجلة سياسية اقتصاد، اتفاقية منيسك، ٢٠١٥ /١١/٥ رابط،

https://www.dw.com

8- فلاديمير فيديروفسكي، بوتين المسار السري، روشية باريس، ٢٠١٤ رابط،

https://www.albayan

an /books from – world – library /2014 – o7-o4-/215700.

وكالة الأنباء :-

  1. B. C العربية ،6/3/2014
  2. B. C العربية ،١٢/3/2014

الجزيرة نت، 15/1/2022 على رابط http://ww,aljazeera net, portal

الجزيرة نت،لقاء مع نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، 3/6/2022.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *