م.م لقاء عبدالله حسين علي المولى

وزارة التربية/المديرية العامة لتربية نينوى – العراق/الموصل

asrahsarahsarahfffff @gmail.com

009647703013321

الخلاصة

يواجه العالم الإسلامي هجمات قوية  وشرسة الهدف منها القضاء على هذا الدين وإشاعة فكر التعري والتحلل الخلقي والشذوذ بين أبناءه وبالتالي تشويه حقيقة هذا الدين ، وطبعا لن يتأتى ذلك إلا عن طريق استهداف الأسرة المسلمة وبالأخص المرأة  لأنها مكمن الفتنة ؛وذلك عن طريق تجريدها من صفة الحياء هذه الصفة التي غرزها الله في الأنسان وبها يكون الفرق بين الأنسان والحيوان .ذلك الخُلق  الذي دار عليه الصراع بين الأنسان والشيطان منذ ان كان ادم في الجنة قال تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} الْآيَةَ، [الْأَعْرَافِ: 27]  وقال تعالى: { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20] يَقُولُ تَعَالَى مُحَذِّرًا بَنِي آدَمَ مِنْ إِبْلِيسَ وَقَبِيلِهِ، وَمُبَيِّنًا لَهُمْ عَدَاوَتَهُ الْقَدِيمَةَ لِأَبِي الْبَشَرِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي سَعْيِهِ فِي إِخْرَاجِهِ مِنَ الْجَنَّةِ  ، وَالتَّسَبُّبِ فِي هَتْكِ عَوْرَتِهِ بَعْدَمَا كَانَتْ مَسْتُورَةً عَنْه ( ابن كثير، 1420هـ،ص 402)والذي كان  دليل على الغضب الإلهي قال تعالى : { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] فجاءت العقوبة بإخراجه من الجنة قال تعالى:{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] اذا فظهور العورات دليل على انتصار الشيطان وزوال النعم كما إن انتفاء الحياء دليل على ذهاب الإيمان لان الحياء من اهم شعب الإيمان ولهذا خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر في حديثه ؛عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»(الحجاج أ،  1412 هـ، 63)  وانما خصه بالذكر لان الحياء هو خلق الإسلام ؛عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَإِنَّ خُلُقَ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ » ( ابن ماجة ، 1952م ، ص 1399)   والحياء والدين قرناء اذا رفع الأول رفع الآخر فالاثنان مرتبطين مع بعض لا ينفع انفصالها عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ: ” إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْإِيمَانَ فِي قَرَنٍ، فَإِذَا سُلِبَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ الْآخَرُ” (أبو بكر البيهقي ، 1423 هـ، ص 166) ولهذا استهدف الحياء في هذه الأُمة  فهو السمة المميزة لها فلا أيمان لمن لا حياء له و وقد اتفق الأنبياء جميعا على أهمية الحياء في عبارة  واحدة قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :” إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ” ( البخاري أ، 1422هـ ،ص29 ) لان الرادع والوازع الذي يمنع الأنسان من القيام بالقبيح هو الحياء . كانت مشكلة البحث : (  البحث في صفة الحياء) والهدف من البحث :بيان معنى الحياء ومعنى الحياء في حقه تعالى وفي حق الانبياء عليهم السلام ؛وايضا الحياء في البشر وذلك بادلتها من الكتاب والسنة؛ واثر الحياء على العبد.اما منهج البحث فهو المنهج الاستقرائي مع التحليل ،اما خطة البحث :فتشمل مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة .

الكلمات المفتاحية: الحياء، تأثير الصفة، الصراع ، محرمات ، الإيمان

 

Lights of modesty

Research in forensic sciences

LIQAA ABDULLAH HUSSEIN

Ministry of Education

General Directorate of

Education in Nineveh

 

Abstract 

The Islamic society faces a strong attack that aims to deviate from the great values of this great religion to eliminate it and spread the bad values among the Islamic communities. This occurs through the destruction of families, and girls in particular by spreading any act that leads to eliminating their chastity. The selection of girls has been made on purpose as they are easier to manipulate. Allah creates girls with chastity from the beginning when were in heaven.

Allah warrens humans from the manipulations by the devil that had led to sending Adam from paradise to earth. This was considered a success for the devil against Adam. In other words, the elimination of chastity was the main reason to send Adam to earth. Further, the prophet peace be upon him, in many hadiths has confirmed that chastity is a crucial part of faith (iman) and has mentioned that the faith will be considered uncompleted without chastity.

All the aforementioned confirm that chastity is crucial in Islam and losing chastity will significantly eliminate Muslim’s eman which in turn influences the great values of Muslims. In addition, all prophets have confirmed the importance of chastity.

Keywords: Chastity, Impact of characteristic, conflict, prohibited and faith

المقدمة

بسم الله فاطر السموات والأرض، بسم الله فالق الحب والنوى، نحمدك ربي على جميع النعم التي أنعمت بها علينا والحمد لله الذي جعل الحياء شعبة من شعب الايمان والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وبعد:

من المسلمات التي يجب ان يسلم بها المسلم ان خلق الحياء ما خالط شيء الا زانه وما فارق شيء الاشانه فهو الخصلة التي تهب صاحبها الوقار والعفاف وتدل على إيمانه ؛ وقد جاءت احاديث كثيرة تمتدح الحياء منها

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» (البخاري ب، 1422هـ ، ص 11).  وغيرها كثير  دلت بمجملها ان الحياء من اجل واعظم الأشياء

قال بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَحْيُوا الْحَيَاءَ بِمُجَالَسَةِ مَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. وَعِمَارَةُ الْقَلْبِ: بِالْهَيْبَةِ وَالْحَيَاءِ. فَإِذَا ذَهَبَا مِنَ الْقَلْبِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ خَيْرٌ  وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ مُطِيعًا اسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَهُوَ مُذْنِبٌ  (  ابن قيم الجوزية أ، 1416 هـ،249 ).

ونظرا للأهمية الحياء  واثره  في المجتمع الإسلامي قررت ان اكتب في هذا الموضوع فبحثت في القران الكريم عن الآيات التي تحتوي على صفة الحياء فوجدت آيات عديدة فيها كلمت الحياء او الفعل المشتق منها مثل قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [البقرة: 26] وقوله تعالى : { وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] وفي قوله تعالى: {جَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25 ]  واما في السنة المطهرة فهناك احاديث كثيرة عن الحياء

وقد قسمنا البحث الى تمهيد وثلاث مباحث اما التمهيد فقد ذكرتُ فيه تعريف الحياء لغة واصطلاحا

والمبحث الاول ذكرتُ فيه مطلبين الاول ذكرت وفيه اسم الله الحيي

والمطلب الثاني ذكرت فيه ثمار صفة حياء الله سبحانه وتعالى

والمبحث الثاني تكلمت فيه عن الحياء عند الأنبياء وفيه مطلبين الأول عن تأصيل صفة الحياء عند الأنبياء

والمطلب الثاني فكان عن الحياء في أخلاق الأنبياء .

اما المبحث الثالث فقد ذكرت فيه الحياء عند الناس وفيه ثلاث مطالب

المطلب الاول ذكرت فيه الحياء من الله والملائكة

والمطلب الثاني الحياء من النفس

والمطلب الثالث الحياء من الناس

ثم بعد ذلك جاءت الخاتمة وفيها اهم النتائج التي توصلت اليها من خلال بحثي هذا وبعدها التوصيات.

وأخيرا أرجو أن يكون عملي هذا خالصا لوجه الله وان ينفعني به وكل من اطلع عليه، والصلاة والسلام على على سيد المرسلين وخاتم النبين محمد  صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وسلم.

1- مشكلة البحث:

ان التحولات التي يشهدها العالم  اليوم والمجتمع الإسلامي بصورة خاصة حتمت على المجتمعات الإسلامية إعادة النظر في طريقة تربية الأبناء وما هي الخصال التي يجب أن يتربى عليها الفرد المسلم ولكي يتحقق ذلك كان لابد من العودة إلى خلق الإسلام ألا وهو الحياء قال رسول الله  «لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» (مالك، 1406 هـ ،  905)

أهمية البحث:

تتلخص أهمية البحث بالآتي:

أ-  ترسيخ خلق الحياء  وملاحظة اثره على الفرد والمجتمع

ب- أنَّ الإنسان مفطورٌ على الحَيَاء، وأمَّا قلَّة الحَيَاء فهي منافية للفطرة، بل مِن اتِّباع الشَّيطان

3- أهداف البحث:

يرمي البحث بلوغ الأهداف الآتية:

أ- بيان  صفة الحياء في حقه تعالى وبيان ثمارها على العباد.

ب-بيان أن جميع الأنبياء اتصفوا بصفة الحياء لتكوين قدوة حسنة

ج- الحياء عند الناس ينقسم الى ثلاث شعب:

1- الحياء من الله والملائكة

2- الحياء من النفس

3- الحياء من الناس.

4-منهج البحث:

أما المنهج الذي وظفناه في بحثنا فهو المنهج  الاستقرائي لأنه مناسب للموضوع 

التمهيد :تعريف الحياء

الحياء لغة:

الحياء :  وردت كلمة الحياء في معاجم اللغة العربية على انها  مصدر من (حي) وَفِيها لُغَتَانِ إحْدَاهُمَا لُغَةُ الْحِجَازِ وقد جاءت في الْقُرْآنُ وتكون بِيَاءَيْنِ  ومنه في قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [البقرة: 26]،واللغة الثانية  لِتَمِيمٍ  وجاءت بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ ومثاله في وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49] (الفيومي،  734 هـ، ص 160 )

اللغتان أصلان في اللغة العربية :فاحدهما بمعنى  (اسْتَحْيَا)  مِنَ الْحَيَاءِ وَهُوَ الِانْقِبَاضُ وَالِانْزِوَاءُ  والثاني  بمعنى (الْحَيَاةُ)  أي ضِدُّ الْمَوْتِ وَ (الْحَيُّ) ضِدُّ الْمَيِّتِ  قال تعالى: {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]( زين الدين الرازي ، 1420هـ،ص 86) ،

( الفيومي ،  734 هـ، 160  )

 

الحياء اصطلاحا :يذكر العلماء تعريفات كثيرة للحياء وهم متفقون على فهم حقيقة الحياء إلا أن عباراتهم متنوعة  والغرض من ذلك الوصول الى تعريف جامع دقيق لمفهوم الحياء ومن تلك التعريفات:

1- الحياء هو الارتداع بقوة الحياء ولهذا يقال فلان يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا وقد يستعمل الحياء موضع الخجل توسعا (العسكري، 1412هـ، ص 212) .

2- َالْحيَاء: التَّوْبَة والحشمة. وَقد حَيِيَ مِنْهُ حَيَاء واستحيا واستَحىَ وَرجل حَيِيٌّ: ذُو حَياءٍ، وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ (بن سيده المرسي،  1421 هـ، ص399).

3- الْحيَاء، بِالْمدِّ: الحشمة، وبالقصر: الْمَطَر الْخَيْر

وقيل َالْحيَاء انقباض النَّفس عَن الْقَبِيح مَخَافَة اللوم، وَهُوَ الْوسط بَين الوقاحة الَّتِي هِيَ الجرأة على القبائح وَعدم المبالاة بهَا، والخجل الَّذِي هُوَ انحصار النَّفس عَن الْفِعْل مُطلقًا (أبو البقاء الحنفي،1998م، ص 404 )

4-والْحيَاء انقباض النَّفس من الشَّيْء وَتَركه حذرا من اللوم فِيهِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ نفساني وإيماني – (أما النفساني) فَهُوَ الَّذِي خلقه الله تَعَالَى فِي النُّفُوس كلهَا كالحياء عَن كشف الْعَوْرَة وَالْجِمَاع بِحُضُور النَّاس – (وَأما الإيماني) فَهُوَ مَا يمْنَع الْمُؤمن من فعل الْمعاصِي خوفًا من الله تَعَالَى (الأحمد نكري،  1421هـ، ص 48) .

وقد وجدنا من خلال استقراء التعريفات التي اطلعنا عليها انها تدور حول معنى انْقِبَاضً النفس عَنِ الْقَبَائِحِ فهو قوة في النفس تمنع الإنسان من فعل ما يشتهيه من  الأعمال القبيحة فلا يتصرف بدون عقل كالبهيمة . وَقَدْ وَرَدَ الاِسْتِحْيَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي عَدَدٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، مِنْهَا قَوْلُهُ جَل شَأْنُهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوَك لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}  وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَل فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وَقَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي سُورَةِ الأَْحْزَابِ {وَاَللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}(وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت، 1404 هـ، ص 260 )

وهذه التعاريف لا تبتعد عن المعنى اللغوي فالحياء خلق فاضل يحث على ترك القبيح وفعل مكارم الاخلاق.

المبحث الاول :الحياء في حق الله تعال

المطلب الاول :اسم الحيي لله سبحانه وتعالى

وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى بالحيي وهو من اسماء الله الحسنى وهو اسم مشتق من الحياء ومعناه الذي يستحي من عبده اذا رفع يديه يدعوه ويطلب منه ان يردهما صفرا وقد جاء الاسم في السنة النبوية المشرفة والإجماع  ؛فعن سلمان الفارسي، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» (الاشعث أ، د.ت، ص 78).وجاء في السنة المشرفة ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا  يغتسل في منطقة مفتوحة واسعة بحيث يستطيع المارة رويته وهو عريان فلم يتقبل رسول الله هذا الفعل أي كشف العورة امام الناس فصعد المنبر ونهى عن هذا الفعل وقال بما معناه  ان الله حيي ستير يحب الستر فلا يغتسل احدكم الا اذا كان في مكان مستور فعن يَعْلَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى  رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ» ( الاشعث ب، د.ت، 39)

ولم نجد اسم (الحيي) في القران الكريم مع ان فعل الاستحياء ورد في القران ومنه قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ } [الأحزاب: 53]

وحياء الله عز وجل لَا تُدْرِكُهُ الْأَفْهَامُ. وَلَا تَكَيَّفُهُ الْعُقُولُ. فَإِنَّهُ حَيَاءُ كَرَمٍ وَبِرٍّ وُجُودٍ وَجَلَالٍ. فَإِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا. وَيَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ ذَا شَيْبَةٍ شَابَتْ فِي الْإِسْلَامِ (ابن قيم الجوزية ب، 1416 هـ، ص250 ). فإِذَا وَرَدَ نَصٌّ فِيهِ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَيَاءِ: فَهُوَ حَيَاءٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ

قال ابن القيم:

وهو الحيي فليس يفضح عبده … عند التجاهر منه بالعصيان

لكنه يلقي عليه ستره … فهو الستير وصاحب الغفران ( ابن قيم الجوزية ج، 1417 هـ، ص 207 ).

المطلب الثاني:ثمار صفة حياء الله سبحانه وتعالى

ولما ثبتت صفة الحياء لله تعالى في الكتاب والسنة بما يليق به سبحانه وتعالى فحياؤُه تَعَالَى وصفٌ يليقُ به، ليس كحياءِ المخلوقين الذي هُوَ تغيُّرٌ وانكسارٌ يَعْتري الشخصَ عند خوف ما يُعاب أو يُذمُّ، بلِ هو تركُ ما ليس يتناسبُ مع سَعةِ رحمتِهِ، وكمالِ جُودِهِ وكرمِهِ، وعظيمِ عَفْوهِ وحلمِهِ. ( الاشعث ج، د.ت، 78) .

ووَصف نفسَه بأنه لا يستحيي من الحقِّ، فحياؤه مِنْ عبدِهِ يرجعُ إلى قضاءِ حاجتِهِ، بصفةِ كرمِهِ، وكونه لا يَستحيي من الحقِّ يرجعُ إلى صفةِ عَدْلِهِ، القاضيةِ بجريانِ الحقِّ على أهله، كان لزاما على العبد ان يتذوق ثمار هذه الصفة (بالي. معنى اسم الله الحيي. 2017.) https://www.alukah.net/sharia/0/123717/

فقد ورد في الاحاديث الصحيحة  انه اذا كان ثلث الليل الاخير نزل ربكم الى السماء الدنيا نزول يليق بجلاله  سبحانه وتعالى ويسأل عباده ليعطيهم فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ “.(الحجاج ب،  1412 هـ ،ص 523  ) فحري بالعبد ان يغتنم  هذه الفرصة  ويناجي ربه ويطلب منه ويستغفره ويتوب اليه لانه حيي كريم ، والدعاء لابد مستجاب بشرط أن لا يكون فيه أثم أو عدوان أو دعاء على أقرباء  اوقطيعة رحم ؛ فان خلا الدعاء من هذه الآثام فكن على ثقة انه مستجاب  ولكن استجابة الدعاء تكون بثلاث كيفيات إما أن يستجيب فور دعائك وإما أن يذخرها للعبد في الأخرة وإما أن يدفع بالدعاء امر سيء كان سيقع لك  فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ  يذخرها لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ” قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ» (ابن حنبل،1421 هـ، ص213)  .

وان احب شيء الى الله عز وجل ان يسأله العبد  العافية،  بل ويتوسع فيسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والأخرة  لينال نعيم الدنيا والاخرة ؛عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ العَافِيَةَ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ  (الترمذي،1998م،ص444 ).

اما اسم الله الحي بمعنى الحياة فقد ورد في القران في خمس ايات وهي ليست موضوع بحثنا  ولهذا لن اذكرها .

 

المبحث الثاني: الحياء عند الأنبياء

المطلب الاول: تأصيل صفة الحياء عند الأنبياء

إن الله عز وجل  عندما أراد أن يصطفي أنبياءه ويختارهم من بين البشر نظر الى قلوبهم  واختار افضلها  واكملها خلقا وأصدقهم لهجة، كما قال تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحج: 75] }، وقال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 47].وجاء في السنة النبوية ما يرويه

عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعته برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه( ابن حنبل ب، 1421 هـ، ص84)   .

اذا أساس اختيار الأنبياء  كان نقاء  قلوبهم وكمال أخلاقهم وصفاتهم التي كانوا يتمتعون بها قبل النبوة وبعدها

وهؤلاء الأنبياء اتفقوا على حديث واحد بعينه- مع اختلاف الروايات –

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» (الطيالسي،1419 هـ،15 ) .

لقد اخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن صفتين يحبها  الله سبحانه وتعالى في العبد المؤمن وهما  الحلم والحياء  فهما خُلوقين اذا وجدا في الانسان كان من الذين يحبهم الله بفضل هذين الصفتين فعَنْ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» ، قُلْتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْحِلْمُ وَالْحَيَاءُ» ، قُلْتُ: قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا؟ قَالَ: «قَدِيمًا» ، قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ أَحَبَّهُمَا اللَّهُ (أبي شيبة،   1409 هـ ،ص 213 ). وانما رفع النبي صلى الله عليه وسلم شأن هذه الكلمة لانها تجمع خير الدنيا والأخرة.

وإن الحياء من أخلاق الأنبياء والرسل جميعا فالحياء  يتجاوز مفهوم الانقباض عن الرذائل الى كونه علامة وسمة للإيمان ودليل عليه ، وهذا من أعظم محاسن هذا الخلق، فلا يمكن أن تجد إيماناً بدون حياءٍ،  لان الحياء شعبة من شعب الإيمان المهمة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَتِسْعُونَ أَوْ سَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْظَمُ ذَلِكَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَى ذَلِكَ كَفُّ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» ( البخاري،1409 هـ ، ص209).

والنَّبيُّ e رفض أن يعيب على انسان كثرة حيائه رغم ان حيائه  كان يمنعه من المطالبة بحقوقه مما أدى إلى وقوعه في الحرج ورغم ذلك فان النبي  مدح حياءه وقال انه علامة على الايمان كما جاء في الحديث الصَّحيح: أنَّ رسول الله e مرَّ على رجلٍ من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، وفي رواية: وهو يعاتب أخاه على الحياء، ، فقال رسول الله e: دعه لا تعاتبه فإنَّ الحياء من الإيمان فعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ-اي يقول له: إنَّك لتستحيي حتى كأنَّه يقول قد أضرَّ بك حياؤك، وأذهب حقوقك وجعلك في حرج – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ»( البخاري ج،1422 ، 1399،ص 14) .

المطلب الثاني: الحياء من أخلاق الأنبياء

1-حياء أبونا آدم وأمِّنا حواء:

إنَّ الحَيَاء  سجية من السجايا التي وضعها الله في الإنسان؛ ليبعده عن ارتكاب الذُّنوب والمعاصي والأهواء،وقصة اكل ادم وحواء من الشجرة التي منعهما الله سبحانه وتعالى عنها معروفة لا مجال لذكرها هنا ولكن ما يهمنا هو نتيجة عملهما الخاطىء فحينما أكل آدم وحواء مِن الشجرة  كانت النتيجة  انكشاف عورتهما ،  وبالفطرة أسرعا يأخذان مِن أوراق الجنَّة ليسترا عوراتهما، فتحدَّث القرآن الكريم عن ذلك بقوله: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف:22]

وهذا يدلُّ على أنَّ الإنسان مفطورٌ على الحَيَاء ، وأمَّا قلَّة الحَيَاء فهي بخلاف الفطرة، بل مِن الاقتداء بالشَّيطان ( البخاري، 1422،ص 14) (نماذج من حياء النبي صلى الله عليه وسلم .)  https://www.dorar.net/akhlaq/532/.

2-حياء موسى

ان  نبي الله موسى عليه السلام كان رجلاً ذو حياء ويحب الستر، وقد كان  في شرع بني إسرائيل أن الانسان يغتسل بوجود النَّاس وان ذلك جائزا عندهم  ، ولكن نبي الله موسى كان لا يفعل فعلهم  لانه يستحي ويذهب  الى مكان بعيدًا ويغتسل، ولهذا اتهمه بني إسرائيل –أفكاً وزورا-  بانه يعاني من مرض جلدي او افة   فاراد الله ان يبرئه فوقعت معه قصة الحجر الذي اخذ ثوبه عندما كان يستحم وتركه عاريا فراه بني إسرائيل وتحققت براءته من كل عيب نسبوه اليه؛ فنزل بهذه القصة قران يتلى الى يومنا هذا وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث  أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ: وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [ص:157] لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا “( البخاري ه، 1422،ص  156)    .

 

3- حياء النبي صلى الله عليه وسلم

ونبيُّنا e افضل من اتصف بصفة الحياء  فضرب لنا اعظم  الأمثال في الحياء ، فقد كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً  مِنْ عَذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا، عُرِفَ فِي وَجْهِهِ» ( ابن حنبل، 1421،ص 272 )

اما عن حياؤه من ربه فرغم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه الا انه استحى ان يراجع ربه في تقليل عدد الصلوات عن امته رغم ان ربه كان يحقق له طلبه في كل مرة يطلب منه ان يقلل فيها الصلةات عن امته ؛ ومن ذلك ما رواه مالك بن صَعْصَعَه رضى الله عنه : من تردد النبي صلى الله عليه وسلم بين ربه وبين موسى عليه السلام , وسؤاله ربه التخفيف  في الصلاة عن العباد وقد كانت خمسين صلاة في اليوم والليلة  فضل يرجع الى ربه حتى جعلها خمساً ,فقال له موسى عليه السلام : ( ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ) ,فقال : ” سألت ربي حتى استحييت , ولكن أرضى وأُسلِّمْ ” (الحجاج  ج، 1412،ص145 ) وذكرت لنا السيدة عائشة رضى الله عنها من اخبار حياء النبي الشيء الكثير لأنها كانت زوجته ومطلعة على أحواله؛ ومنها قصة المرأة التي جاءت تسأل النبي عن مسألة تخص النساء فاختصر النبي صلى الله عليه وسلم الاجابة ولم يفصل حياءاً منه في الخوض في مثل هكذا امور ولهذا تولت السيدة عايشة تفصيل المسالة فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( سألَتْ امرأةٌ النبى صلى الله عليه وسلم : كيف تغتسل من حيضتها ؟ قالت : فذكرت أنه علَّمها  كيف تغتسل, ثم قال خُذي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فتطهَّري بها, قالت : كيف أتطهر بها ؟ قال : ” تطهري بها , سبحان الله ” !! واستتر بيده على وجهه , قالت عائشة رضي الله عنها : واجتذبتها إلىَّ , وعرفت ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم , فقلت : تتبعي بها أثر الدم “.( الحجاج د،1412،ص260 )  ولم يفصل لها النبي هذا الامر بل بلغ به الحياء مبلغه  لان هذا الموضع مِن النساء مما ينبغي أن يَبعد الرجلُ عن التفصيل فيه فقال :((سبحان الله، خُذي فِرصة ممسَّكة فتطهَّري بها)).

 

3-حياء فاطمة الزهراء (ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم)

في سيرةِ نبيِّنا محمد عليه الصلاة والسلام العديدُ من الفوائد التي رسمت لنا مناهجًا لحلِّ مشكلاتنا، و طريقة التعامل مع الأخطاء، وتوضِّح  لنا الطرق الرشيدة  التي توصل الانسان ان يكون سوي حيي مؤمن لا  رسولنا الكريم قدوتنا ومعلمنا الذي امرنا الله عز وجل ان نقتدي به ونسير على طريقه  قال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] ولقد كان خير من اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها فقد أخذت من أبيها صفات الحياء  فضربت بذلك اروع الصور والدروس حتى بعد مماتها رضي الله عنها ؛ فلما مرضت «فاطمة الزهراء» – رضي الله عنها – مرض الموت الذي توفيت فيه، دخلت عليها «أسماء بنت عميس»-  رضي الله عنها – تعودها وتزورها فقالت «فاطمة» لـ «أسماء» والله إني لأستحي أن أخرج غدا (أي إذا مت) على الرجال جسمي من خلال هذا النعش!! فصنعت لها  اسماء شيئاً رأته في الحبشة وهو النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق ودعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت على النعش ثوباً فضفاضا واسعا فكان لا يصف! فلما رأته «فاطمة» فالت لـ «أسماء»: سترك الله كما سترتني!!قال: «ابن عبد البر» عن فاطمة الزهراء: هي أول امرأة غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة(نموذج الحياء في فاطمة الزهراء.) https://midad.com/article/201907 فما اشد حياءها حتى بعد مماتها  .فاين نساء هذا الزمان من ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يتزين يتجملن ويتخالطن مع الرجال وهذه الملابس التي تفضح  أجسادهن فتجعلهن كاسيات عاريات و انظر الى نتائجه الكارثية عليهن وعلى المجتمع  وما حالات القتل للفتيات والاغتصاب الا لخلعهن ثوب الحياء والستر وسبب كل هذا هو الهجمة  التي تشن علينا كمسلمين عن طريق هدم اصول الدين وهدم اخلاق المجتمع  ووسيلته مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الهادفة الى  قتل الحياء الذي هو اهم شعبة من شعب الايمان خصها رسول الله بالذكر في احاديثه  .

المبحث الثالث:الحياء عند الناس

عرفنا سابقا ان الحياء شعبة من شعب الإيمان وحتى نحقق الإيمان ونتخلق بأخلاق الإسلام يجب ان نتصف بالحياء  ، لان الحياء خلق الاسلام وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ ” ( البخاري ي،1409، ص 209  ) ورب سائل يسأل لماذا خص رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء عندما ذكر شعب الايمان ؟ ولماذا جعل الحياء خلق الاسلام وعلامته ؟

واقول ان العلماء عَرّفوا الحياء على انه: انقباض النفس عن القبيح وتركه ؛ وان العامل الأساسي الذي يمنع الأنسان عن فعل القبائح مثل كشف الْعَوْرَة وَالْجِمَاع بِحُضُور  الناس وفعل الْمعاصِي هو صفة الانقباض وتعني الامساك وكأن هناك شيء يمسك الأنسان عن فعل القبيح ومنه ان صفة الانقباض ترجع الى اسم من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وهو «القابِض»  ومعناه انه سبحانه وتعالى هُوَ الَّذِي يُمسك الرِّزْقَ وغيرَه مِنَ الْأَشْيَاءِ عَنِ الْعِبَادِ بلُطْفه وحِكْمَتَه، ويَقْبِض الأرْواح عِنْدَ المَمات( الاصفهاني، 1996م، ص270)        (38).واذا لم توجد هذه الصفة عند الأنسان لن يكون هناك رادع يردعه عن فعل المعيب لذلك خص رسول الله الحياء بالذكر فهو اصل كل خير وفقدانه اصل كل شر وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» ، قُلْتُ: إِنَّا لَنَسْتَحِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»( الجزري ، 1399، ص 6)  . وفي هذا المقام ينبغي ان  نفصل انواع الحياء فهو على ثلاثة  انواع  اعلاها مرتبة  الحياء من الله  ،والذي يليها الحياء من النفس ثم الحياء من الناس ،فاذا ما اجتمعت هذه الانوع عند الانسان كان حيي عفيف .

 

المطلب الاول:الحياء من الله والملائكة

ان الحياء من الله لا يكون في الفرد  الا اذا كان يشعر ان الله يراه في السر والعلانية وأن الملائكة تُعد عليه أعماله وأنفاسه أي يشعر انه مراقب ؛عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَاحْسَبْ نَفْسَكَ مَعَ الْمَوْتَى، وَاجْتَنِبْ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُسْتَجَابَةٌ» ( ابن شيبة ب،1997م، 231)  فاذا ما وصل النسان الى مرتبة انه يشعر ان الله يراه او كانه يرى الله وصل الى اعلى مراتب العبادة وهي مرتبة الاحسان

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: ” اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ” ( ابن المبارك،د.ت، 63 )   وذلك لا يكون الا اذا كان الأنسان مؤمنا بالله تعالى يراقبه وانه عز وجل محيط بجميع شؤنه وحتى ما توسوس به نفسه من خير او شر فلا يخفى من حاله شيء ، وعندما يتفكر الانسان في قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16]  وفي قوله تعالى :{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116] وان الله اقرب للإنسان من حبل الوريد  اكيد عند ذلك سوف يتولد لديه الحياء من الله في السر والعلانية.

كما ينبغي للإنسان ان يستحي من الملائكة التي تراقبه وتحصي عليه أفعاله واقواله قال تعالى{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وايضا يستحي من الملائكة التي تحيط به لحفظه قال تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]فهذه الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن ادم قال ابن القيم أَيِ اسْتَحْيُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَافِظِينَ الْكِرَامِ وَأَكْرِمُوهُمْ، وَأَجِلُّوهُمْ أَنْ يَرَوْا مِنْكُمْ مَا تَسْتَحْيُونَ أَنْ يَرَاكُمْ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ مِثْلُكُمْ، وَالْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ، وَإِذَا كَانَ ابْنُ آدَمَ يَتَأَذَّى مِمَّنْ يَفْجُرُ وَيَعْصِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِأَذَى الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؟ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.( ابن قيم الجوزية، 1418هـ، ص: 108  )

ومن ثمار هذا الحياء :

1- ان الذي يتصف بهذا الخلق يكون  إنسان مؤمن لان الحياء من صفات المؤمنين المتقين المطيعين لله والصادقين  وهو من العفة

2-  الحياء يزيد من تهافت المؤمنين على فعل الطاعات والعبادات والابتعاد عن المعاصي خوفا من الله عز وجل لان الانسان مراقب من  الله وملائكته.

3- الحياء يؤدي  الى استحصال محبة الله ومحبة العباد

3-ان من استحى من الله ستره الله في الدنيا والاخرة ويبعده عن كل ما يشينه ويجلب له اللوم و التوبيخ (ما هي ثمرات الحياء،2020 م) https://alwafd.news/.

المطلب الثاني:الحياء من النفس

يكون الحياء من النفس وذلك بالعفاف  فاذا ما خلا الأنسان بنفسه وظن ا ن لا احد يراه وامتنع عن فعل المعاصي في حال الخلوة والعزلة  فهذا  أنسان عنده حياء بل في قمة الحياء ولا يكون ذلك الا بمجاهدة النفس لان النفس أمارة بالسوء تستهل الوقوع بالمحرمات وتستصعب الحلال قالت امراة العزيز {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] فاصبح ذلك قران يتلى اناء الليل واطراف النهار .

قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وضع لنا قاعدة ذهبية

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنْكَ شَيْئًا، فَلَا تَفْعَلْهُ إِذَا خَلَوْتَ»(ابن حبان،1414، ص 129)  .

وان من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه   فليس لنفسه عند نفسه قدر ( ابن ابي حديد ،1378، 265) ، فنفسه احقر عنده من غيره، فواجب  على الإنسان إذا عقد العزم على فعل القبيح أن يتصور ان هناك من يراه، وبذلك يمتنع ويعف حياءاً من نفسه .وإذا ما كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.

المطلب الثالث: الحياء من الناس:

ان منبع الحياء من الناس يرجع إلى الحياء من الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم حثنا على ان يكون حيائنا من الله مثل حيانا من الرجل الصالح من القوم قال رسول الله يوصي رجلا   : أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحْيِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحْيِي رَجُلًا مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ “(الخرائطي، 1419، ص110)    فالنبي صلى الله عليه وسلم شبهَ الحياء من الله بالحياء من الرجل الصالح لتقريب الصورة لذهن الرجل ومعلوم ان الناس تستحي من فعل المعاصي أمام أهل الصلاح اكثر من استحيائهم من فعل المنكر عند فاقدي الصلاح لاشتراكهم في فعل المعاصي أو لابتعادهم عن الله عز وجل.

وفي حديث دَاوُدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ قَدِ انْصَرَفُوا مِنَ الْجُمُعَةِ، فَدَخَلَ دَارًا، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ لَا يَسْتَحِي مِنَ النَّاسِ، لَا يَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ»( أبو القاسم الطبراني، 1415هـ،ص161 )( الأصبهاني أ، 1409هـ، ص280  )

وقال مجاهد في حلية الأولياء: «إِنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ لَمْ يُصِبْ مِنْ أَخِيهِ إِلَّا أَنَّ حَيَاءَهُ مِنْهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمَعَاصِي لَكَفَاهُ»( الأصبهاني أ، 1409هـ، ص280  ) (47) واقول ان معنى الحديث انه لو لم ينفعك أخاك بشيء قط وكان فيك خصلة انك تستحي منه فلا تقدم على فعل المعاصي باستحيائك منه  لكان ذلك اعظم فضل من اخيك عليك واعظم معروف يفعله لك .

اذا فالناس لهم حقوق وهي ان تستحي منهم؛ فلا تسمعهم  الكلام البذيء الذي يخدش مسامعهم، ولا تتبع عوراتهم ولا تتكلم معهم بما لايحبون  فهذا هو الحياء الذي أَمَرَت به الشريعة الغرَّاء ، وحثَّت عليه، ورغَّبت فيه أعظم الترغيب. عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ” مَا كَانَ الْفُحْش فِي شَيْء إِلَّا شانه، وَمَا كَانَ الْحيَاء فِي شَيْء إِلَّا زانه”(الترمذي  ،1998 م، ص417  ). فكل شيء خالطه الحياء زينه وجمله وجعله اتم شيء وما كان افحش في شيء إلا عابه وشنعه .

الخاتمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

في ختام هذا البحث وصلت إلى النتائج الأتية :

1- ان الحياء خلق الإسلام وعلامته المميزة؛ ولكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء

2-ان الحياء يعني انقباض النفس عن القبائح وهو يرجع الى اسم الله القابض بمعنى الممسك الذي يمسك الرزق والروح وغيره من الأشياء فكذلك الحياء يمسك الأنسان عن فعل القبائح .

3- اسم الله الحيي لم يرد في القران الكريم ولكنه ثبت في السنة المشرفة.

4-صفة الحياء وفعل الاستحياء ثبت في الكتاب والسنة والإجماع .

5-الانبياء جميعهم اتصفوا بالحياء واتفقوا جميعا على حديث واحد ؛قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ “.

6- الحياء من صفات المؤمنين البرار المتقين.

7- الحياء حصن حصين يمنع  الأنسان من الوقوع في الآثام والمعاصي.

8- كان سبيل  الشيطان  لإغواء ادم  واخراجه من الجنة كشف عورته .

9-ان العقوبة الإلهية  لادم على مخالفته امر الله  كانت كشف العورة ؛وكشف العورات في زماننا هذا دليل على انتصار ابليس وعلامة على تغير النعم وزوال الهِبات الإلهية.

توصيات البحث:

1- ان عصرنا هذا أحوج ما يكون إلى ترسيخ مفهوم الحياء بسبب ما يعانيه من فساد أخلاقي  وانهيار كثير من القيم  فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يجعل الحياء هو الميزان فيما يتحدث به، وفيما يرسله، وفيما يشاهده، وفيما يسمعه، وفي غير ذلك، فيستذكر الحياء بكل منازله ، حياؤه من الله، حياؤه من الملائكة، حياؤه من نفسه، حياؤه من الناس، فإذا سار المسلم على هذا المنهج، وانتشر بين افراد المجتمع  مراعاة الأخلاق عامة، وخُلق الحياء بخاصة  اصبحنا في خيرًا كثيرًا، ورأينا ابتعادا عما لا يليق، وبُعدًا عن العلانية بما يسُوء وما يخدش الحياء، ولنا في رسول الله وال ابيته اسوة حسنة .

2- عقد مؤتمرات عن موضوع الحياء والاثار السلوكية التي تنتج عن الالتزام بهذا الخلق.

3- عقد ورشات وندوات أون لاين لتوعية الإباء والأمهات والمعلمين عن أهمية تربية الأبناء على خلق الحياء وان فقد هذا الخلق يؤدي الى نتائج كارثية على الجيل القادم .

4- الحياء من الأخلاق الإنسانية  التي فرضها الرب جل وعلا، وبعث بها أنبياءه وبخاصة خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم. فدير بنا أن نلاحظ هذا الأمر، وأن نتواصَى به، وأن ينصح به الآباءُ أولادَهم، والمربُّون والمعلِّمون مَن تحت أيديهم، ونحن فيما بيننا نحرص على إشاعة هذه الأخلاق والمكارم والقيَم، ونضرب لها الأمثالَ والوقائعَ والقصصَ مِن هدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن قصص ووقائع كرام الناس وعظمائهم ونبلائهم.

فإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ ♦♦♦ فإنْ همو ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا ( اسلام ويب ،من اقوال الشعراء ،2020) https://www.islamweb.net

 

المصادر

1-  ابن المبارك ، أبو عبد الرحمن عبد الله.د.ت. الزهد والرقائق لابن المبارك .ط 1. دار الكتب العلمية . بيروت.

2-  ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد . 1414 – 1993م. صحيح ابن حبان – مخرجا. ط2       . مؤسسة الرسالة. بيروت.

3-  ابن قيم الجوزية،  محمد بن أبي بكر بن أيوب . 1416 هـ – 1996م. مدارج السالكين  .ط3. دار الكتاب العربي . بيروت.

4-  ابن قيم الجوزية،  محمد بن أبي بكر بن أيوب . 1418هـ – 1997. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء .ط1. دار المعرفة – المغرب .

5-  الخرائطي ، أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد . مكارم الأخلاق . ط1. 1419 هـ – 1999 م . دار الآفاق العربية. القاهرة .

6-  الراغب الاصفهاني ، الحسين بن محمد بن المفضل . 1996م.  مفردات الفاظ القران،. ط1. دار الشامية . بيروت.

7-  الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير. سنة 1415هـ.   المعجم الأوسط .ط 1. دار الحرمين . القاهرة .

8-  بن سيده المرسي ، أبو الحسن علي بن إسماعيل . 1421 هـ – 2000 م . المحكم والمحيط الأعظم. ط1. دار الكتب العلمية . بيروت .

9- “ما هي ثمرات الحياء،2020 م” https://alwafd.news/

10- “نماذج من حياء النبي صلى الله عليه وسلم”.  https://www.dorar.net/akhlaq/532/

11- “نموذج الحياء في فاطمة الزهراء”. https://midad.com/article/201907

12- أبن حنبل ، أبو عبد الله أحمد بن محمد. 1421 هـ – 2001 م. مسند أحمد مخرجا . ط1. مؤسسة الرسالة .بيروت

13- ابن قيم الجوزية ، محمد بن أبي بكر بن أيوب،  1417هـ .  متن القصيدة النونية . ط2.   مكتبة ابن تيمية.القاهرة .

14- أبو البقاء الحنفي ، أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي. 1998م . الكليات .ط2. مؤسسة الرسالة . بيرو

15- الأحمد نكري ، القاضي عبد النبي بن عبد الرسول . 1421هـ – 2000م. دستور العلماء = جامع العلوم في اصطلاحات الفنون .ط1. دار الكتب العلمية .  لبنان / بيروت

16- البخاري، محمد بن إسماعيل . 1409 – 1989 م. الأدب المفرد مخرجا. ط3 . دار البشائر الإسلامية – بيروت.

17- الترمذي ، محمد بن عيسى .  1998 م .  سنن الترمذي .ط1. دار الغرب الإسلامي . بيروت.

18- العسكري ، أبو هلال الحسن بن عبد الله. 1412هـ  . معجم الفروق اللغوية . ط1 . مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين . قم .

19- الفيومي، أحمد بن محمد بن علي . د.ت .  المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . ط1. المكتبة العلمية . بيروت

20- المعتزلي، ابن ابي الحديد. 2007 م . شرح نهج البلاغة . ط1. دار الكتاب العربي – دار الاميرة للطباعة والنشر والتوزيع.

21- بن حبيب الأنصاري، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم.  د.ت . الآثار.ط2. دار الكتب العلمية . بيروت.

22- زين الدين الرازي ،  محمد بن أبي بكر بن عبد القادر. 1420هـ- 1999م . مختار الصحاح . ط5.  المكتبة العصرية – الدار النموذجية. بيروت . صيدا.

23- وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت.  1427 هـ . الموسوعة الفقهية الكويتية  . ط2.  دارالسلاسل – الكويت  –  الأشعث، أبو داود سليمان ، د.ت. سنن أبي داود. المكتبة العصرية،  ط1.صيدا . بيروت.

24-” معنى اسم الله الحيي”  https://www.alukah.netlsharial0l123717l

25-ابن الاثير ، مجد الدين أبو السعادات المبارك. 1399هـ – 1979م .  النهاية في غريب الحديث والأثر.ط1. المكتبة العلمية        . بيروت الجزري.

26-ابن شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم. 1998م. مسند ابن أبي شيبة .ط1. دار الوطن .الرياض.

27-الاصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق. 1394هـ – 1974م . حلية الأولياء وطبقات الأصفياء  .       ط1. دار السعادة . بجوار محافظة مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *