يونس الأنصاري

باحث دكتوراه، مسلك القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق،

جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، المملكة المغربية

elansari.yoness15@gmail.com

 

الملخص:

أدت جائحة كوفيد 19 التي ضربت العالم أواخر 2019، إلى اتخاذ العديد من البلدان لقرار توقيف الدروس الحضورية بالمؤسسات التعليمية، وتعويضها بدروس عن بعد لتفادي ضياع الموسم الدراسي.

إلا أن مواصلة التعليم عن بعد يقتضي من التلاميذ والمعلمين استعمال الوسائل التكنولوجية، التي قد تؤدي إلى إلحاق أضرار بمستخدميها مما يجعلنا نتساءل عن الحماية القانونية المقررة للمضرور عن الضرر الناتج عن مواصلة دروسه عن بعد؟

 إن محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات اقتضت منا التطرق في فقرة أولى لتعريف الحوادث المدرسية وتحديد نطاقها، حيث سنبرز بعض التعريفات الفقهية والتشريعية ثم نحاول إعطاء تعريف لحوادث التعليم عن بعد، ثم نبين نطاق الحوادث المدرسية من حيث المكان الذي تسع هذه الحوادث وكذلك الأشخاص الذين يتضمنهم وذلك من خلال اتفاقية الضمان المدرسي المبرمة بين مؤسسة للتأمين والوزارة الوصية على القطاع، لنبين من خلال هذا النطاق هل يمكنه أن يحتوي حوادث التعليم عن بعد أم لا؛ خاصة في الظروف الاستثنائية مثل الظرفية الطارئة بسبب أزمة كورونا.

أما الفقرة الثانية فإننا سنحاول فيها إعطاء أساس قانوني لحوادث التعليم عن بعد، حيث سنستحضر مسؤولية المعلم المنظمة في قانون الالتزامات والعقود، والتي نؤكد على أنها مستبعدة لانعدام رقابة المعلم على التلميذ.

ثم نتناول مسؤولية الإدارة عن هذه الحوادث التي تبدو جلية بالنظر لكونها هي من اتخذت قرار مواصلة التعليم عن بعد ، وسنبرز الأسس التي تتحمل الدولة من خلالها هذه المسؤولية، كما نتطرق لمسؤولية الآباء عن مثل هذه الحوادث والتي تكون مستبعدة في التعليم الحضوري، نظرا لكون رقابة الأباء على أبنائهم محققة في التعليم عن بعد، كما أنه يمكن استحضار مسؤولية أخرى لا تقل أهمية عن هذه المسؤولية وهي مسؤولية المنتج للوسائل التكنولوجية عن العيوب التي قد توجد بهذه الوسائل.

لنخلص في الأخير إلا أن المسؤولية عن الحوادث المدرسية في إطار التعليم عن بعد يعتريها نقص في كيفية تدبير وضبط الدول لعملية التعليم عن بعد، حيث يجب على القطاعات الوصية أن تقوم على الأقل في هذه الظرفية إعداد دلائل أو منشورات توضح كيفية تدبير هذه العملية، من خلال تعريفها وتحديد أوقات الدروس، وتحديد التزامات كل طرف من الأطراف المتدخلة في هذه العملية ليسهل تحديد المسؤوليات في حالة حدوث حوادث من هذا النوع، ويكون المضرور على بينة من الطرق التي يسلكها وتحقق له الحماية.

Legal responsibility for distance education accidents in the time of the Covid 19 pandemic

Younis Al-Ansari

PhD researcher, private law course, Faculty of Legal, Economic and Social Sciences, Ain Chock,
Hassan II University, Casablanca, Kingdom of Morocco

Abstract

Due to the COVID 19 pandemic which has emerged in the world since late 2019, many countries have decided to suspend in-person learning and shift to a distant one.  This decision has come out as a procedure to save the academic season.

However, continuing with distant learning requires students and teachers to use technological facilities which may cause harm to its users. This has raised an important question which is: What are the legal protective procedures that have been set for those who have been negatively affected by distant learning?

To answer this question, the first paragraph will be devoted to defining the school accidents as well as their scope by highlighting some jurisprudential and Legislative definitions. After we move to define what is meant by distant learning incidents and their scope in terms of the place where these accidents take place, as well as the people who are concerned by the school guarantee agreement endorsed between the insurance institution and )the trusteeship ministry( on the sector. Based on this, we can see whether it is possible to contain online learning accidents or not; especially in exceptional circumstances such as the emergency conditions taken to against the COVID-19. 

Concerning the second paragraph, we will try to provide a legal basis for online learning by evoking the responsibility of the teacher regulated in the Commitment and Contractual Act which

We emphasize its excludedness because of the absence of teacher’ssurvilliance over their students.

Further, we move to consider the administration responsible for such seemingly obvious incidents since it is the one behind distant learning decisions and then highlight the foundations that the state bears from this responsibility.  After, we also talk about the responsibility of parents in such incidents which are often absent in attendance learning because parent monitors their children during online learning. Also,  we can bring another significant responsibility which is the responsibility of the technology’s producer for the deficits of their technological means. 

Finally,  we conclude with the fact that the responsibility behind school accidents within the context of distant learning mainly lacks the methodology of how countries are to monitor and manage the process of distant learning. As the commandment sectors should at least in this circumstance prepare evidence or publications describing how this process is to be managed. This can be done by defining and setting lessons schedules and identifying the requirements of each member involved in this process to determine the responsibilities in case any of such accidents accrued. This way, the affected person would become fully aware of his or her protective rights.

keywords:The legal responsibility, Distqnt learning, Legal protection, School acciden, COVID-19 pandemic

الكلمات المفتاحية:

المسؤولية القانونية،التعليم عن بعد، الحماية القانونية، الحوادث المدرسية، جائحة كوفيد 19

مقدمة:

شهد العالم أواخر 2019 جائحة مازالت مستمرة، تسمى فايروس كورونا كوفيد19، أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، وقد ظهرت لأول مرة بالصين؛ لتنتقل بعدها إلى باقي دول العالم، الأمر الذي دفع كل الدول المهددة بها إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء بين المواطنين، وقد كان المغرب من بين الدول السباقة إلى اتخاذ إجراءات حازمة لاقت تنويها كبيرا من عدة جهات.

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها بلادنا إلى جانب الحجر الصحي المنزلي توقيف الدراسة في المدارس والجامعات من غير إقرار لعطلة مدرسية؛ بل مواصلة الدراسة عن بعد، عبر اعتماد مجموعة من المواقع الإلكترونية إلى جانب القنوات التلفزية التي تقدم الدروس، والأكيد أن الغاية من الإجراءات التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي في ظل الظروف الراهنة، هو إكمال الموسم الدراسي وتجنب سنة دراسية بيضاء كأقل الأضرار.

لكن الذي لم يكن في الحسبان هو الحوادث التي قد تقع نتيجة استعمال الآليات التكنولوجية للاستفادة من الدروس المقدمة، من بين ذلك ما تعرض له تلميذ في السنة الثانية باكلوريا يدرس بثانوية العرفان التابعة للمديرية الإقليمية تازة؛ حيث إنه أثناء تتبعه لدروسه عبر الهاتف تعرض لحادث انفجار بطاريته، أدت إلى حدوث أضرار له على مستوى الوجه والعينين، وهذا يجعلنا نتساءل: عن الحماية القانونية للتلميذ المضرور بسبب حوادث التعليم عن بعد؟ وهل النصوص القانونية المنظمة للمسؤولية عن الحوادث المدرسية، يمكن أن تحتوي حوادث التعليم عن بعد؟

أولا: تعريف الحادثة المدرسية وتحديد نطاقها :

إن معرفة الأضرار التي تعدّ حوادث مدرسية في إطار التشريعات التي تنظم المسؤولية عن الحوادث المدرسية، ومن خلاله معرفة هل الحوادث الطارئة بسبب التعليم عن بعد؛ حوادث مدرسية بالمعنى المحدد في هذه التشريعات يقتضي منا الحديث عن تعريف الحادثة المدرسية(1)، وكذلك تحديد نطاقها(2).

1- تعريف الحادثة المدرسية

توجد صعوبة كبيرة في تحديد المقصود بالحادثة المدرسية، وهذه الصعوبة ناتجة عن تحديد المسؤول عنها(الحادثة)، وعموما تعني كل الإصابات الجسدية التي تلحق التلميذ بفعل غير إرادي من طرفه، أو الناتجة عن فعل فجائي وبسبب خارجي، أثناء وجوده في عهدة الأطر التربوية للمؤسسة التعليمية من رجال التعليم وغيرهم[1].

فهذا التعريف شبيه بالتعريف الذي أعطته اتفاقية الضمان المدرسي في بندها العاشر الذي جاء فيه:” الحادثة هي كل الإصابات الجسدية التي تلحق بالمؤمن له بفعل غير إرادي أو الناتجة عن فعل فجائي وبسبب خارجي”[2].

لكن الملاحظ عن التعريف الأول أنه اشترط لاعتبار الحادثة مدرسية وجود التلميذ تحت عهدة الأطر التربوية للمؤسسة التعليمية وهو ما لا يمكن تصوره بالنسبة للحادثة الواقعة أثناء تلقي التلميذ لدروسه عن بعد؛ إذ إنه في هذه اللحظة يكون التلميذ في منزله أو مكان إقامته، عكس التعريف الثاني الذي لم يشترط تواجد التلميذ تحت رقابة الأطر التربوية، وهو ما يمكننا من الوصول عن طريق التوسع في تفسير هذا التعريف بإمكانية احتوائه للحوادث الواقعة للتلاميذ أثناء تلقيهم لدروسهم عن بعد.

ومن خلال ما سبق يمكن تعريف الحادثة المدرسية في ظل التعليم عن بعد: هي الإصابات الجسدية التي تلحق التلميذ أثناء متابعته لدروسه عن بعد وذلك باستعمال وسائل التكنولوجية التي تمكنه من المتابعة، وتتسبب هذه الوسائل المستعملة في ضرر للتلميذ نتيجة عطب يلحق بها، في وقت يكون فيه التلميذ خارج رقابة وإشراف الأطر التربوية، لكنه يخضع لرقابة أبويه.

2-  نطاق الحاثة المدرسية من خلال اتفاقية الضمان المدرسي

 سنحدد هذا النطاق من خلال المكان الذي تقع فيه الحادثة، وكذلك الأشخاص المصابون بالحادثة.

أ-  المكان الذي تقع فيه الحادثة: بالرجوع إلى البند العاشر من اتفاقية الضمان المدرسي نجد بأن هذا الضمان يشمل الحوادث التي تلحق بالمؤمن له في إحدى الظروف التالية:

داخل مراكز التربية والتعليم العمومي ومراكز التكوين التابعة للوزارة.

– أثناء الخرجات والرحلات والأنشطة الرياضية والتربوية والتثقيفية والترفيهية المنظمة من طرف مؤسسة التربية والتعليم العمومي ومراكز التكوين التابعة للوزارة أو جمعية آباء وأولياء التلاميذ أو كل جمعية لها الصفة لتنظيم هذه الأنشطة.

– أثناء المخيمات الصيفية التي تنظمها الوزارة لفائدة التلاميذ المؤمن لهم؛

– خلال خط تنقل التلاميذ المؤمنين لهم بين مقر سكناهم و مؤسسة التربية و التعليم العمومي ومراكز التكوين التابعة للوزارة ذهابا وإيابا، مع مراعاة المدة التي قد يستغرقها هذا التنقل.

الملاحظ أن الأمكنة التي يشملها الضمان لا تدخل ضمنها الحوادث التي تقع للتلميذ أثناء متابعته لدروسه عن بعد في مكان إقامته، ويؤكدها كذلك البند 17 من اتفاقية الضمان المدرسي الذي يربط استفادة التلميذ من التأمين بشرط تواجد التلاميذ تحت حراسة مؤسسة التربية والتعليم، وهذا الشرط لا يتحقق في هذه الحالة إذ إن التلميذ يوجد تحت حراسة أبويه؛ إلا أنه يمكننا التساؤل في ظل لجوء الوزارة الوصية على القطاع إلى هذا الإجراء الاستثنائي (التعليم عن بعد)، ألا يمكن تحميلها تبعاته ،وعليه  إمكانية اعتبار مكان إقامة التلميذ من الأمكنة التي يشملها تأمين الضمان المدرسي، خاصة وأن الوزارة ألزمت التلاميذ بمتابعة الدراسة عن بعد كما ألزمت الأساتذة بمواكبة التلاميذ بمختلف الوسائل المتاحة، إضافة إلى أنها لم تعتبر التلاميذ في عطلة طيلة فترة الحجر الصحي، وهو ما يجعل مكان متابعة الدراسة ينتقل من حجرات الدراسة بالمؤسسات التعليمية إلى منازل التلاميذ أو مكان إقامتهم، وبهذه الطريقة يمكن توفير الحماية للتلميذ أثناء متابعته لدروسه عن بعد وكأنه داخل المؤسسة التعليمية.

ب-  الأشخاص المصابون بالحادثة: بحسب البند 11 من اتفاقية الضمان المدرسي فإن الأشخاص المستفيدون من الضمان يتمثلون في:

– التلاميذ المسجلون بمؤسسات التربية والتعليم العمومي بجميع أسلاك التعليم والمنخرطون في تأمين “الضمان المدرسي”.

– التلاميذ المنخرطون في تأمين “الضمان المدرسي” المسجلون بأقسام التعليم الأولي الواقعة داخل مؤسسات التربية والتعليم العمومي؛

– التلاميذ المنخرطون في تأمين ” الضمان المدرسي”، المسجلون بمراكز التكوين أو بالأقسام التحضيرية لولوج المعاهد والمدارس العليا أو أقسام تحضير شهادة التقني العالي، التابعة للوزارة أو الموضوعة تحت وصايتها.

– أساتذة التربية البدنية المنخرطون في تأمين الضمان المدرسي؛

– المؤطرون، المنخرطون في تأمين ” الضمان المدرسي”، المشاركون في الخرجات والرحلات والأنشطة الرياضية والتربوية والتثقيفية والترفيهية والمخيمات الصيفية المنظمة من طرف مؤسسات التربية والتعليم العمومي أو مراكز التكوين التابعة للوزارة أو جمعية آباء وأولياء التلاميذ أو كل جمعية مؤهلة لتنظيم هذه الأنشطة.

من خلال هذا النص يتضح بأن كل تلميذ مسجل بمؤسسة تعليمية تابعة للقطاع العام ومنخرط في تأمين الضمان المدرسي يستفيد من التعويض الجزافي الذي يمنحه هذا الظهير في حالة وقوع حادثة مدرسية، وبالتالي فالتلميذ الذي تقع له حادثة مدرسية في ظل التعليم عن بعد يدخل في نطاق البند 11 من اتفاقية الضمان المدرسي، ما دام أنه يخضع لإحدى هذه المؤسسات ويتابع دراسته عن بعد تبعا لمواكبتها له.

ثانيا: الأساس القانوني للمسؤولية عن الحوادث المدرسية في ظل التعليم عن بعد

إن بيان الأساس القانوني للمسؤولية عن الحوادث المدرسية في ظل التعليم عن بعد، يستدعي منا التطرق إلى بيان كل مسؤولية المعلم(1) ومسؤولية الإدارة(2) ومسؤولية أباء وأولياء أمور التلاميذ(3)دون أن ننسى مسؤولية المنتج عن المنتوجات المعيبة(4)، لكي يتضح لنا الأساس الصحيح الذي تقوم عليه هذه المسؤولية، والتي يمكن أن تشترك بين جميع هذه الجهات أو بعضهما الأمر الذي يؤدي بالقاضي في حالة ثبوتها إلى القيام بعملية تشطير المسؤولية(5).

1- مسؤولية المعلم عن الحوادث المدرسية

بالرجوع إلى الفصل 85 [3]مكرر من قانون الالتزامات والعقود يتضح لنا  بأنه ينظم مسؤولية المعلم المدنية عن الحوادث التي يكون مصدر الضرر فيها من الطفل أو أن هذا الأخير هو الذي يلحقه الضرر؛ سواء صدر هذا الضرر من زملاءه أو الغير، وذلك نتيجة خطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال في الوقت الذي يوجد فيه هؤلاء الأطفال تحت رقابة ومسؤولية رجال التعليم.

وحسب هذا الفصل فإن المحاكم الابتدائية هي المختصة بالبت في دعوى مسؤولية المعلم .

لكن ما ينبغي الإشارة إليه في إطار دراستنا للمسؤولية عن الحوادث المدرسية المترتبة عن التعليم عن بعد هو أن مسؤولية المعلم مستبعدة في هذه الحالة؛ لكون رقابة هذا الأخير غير متوفرة في هذه الوضعية كما أنه لم يصدر عنه أي خطأ أو عدم حيطة أو إهمال، وبالتالي لا مجال لإعمال الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود لإقرار المسؤولية عن الحوادث المدرسية الناتجة بسبب التعليم عن بعد.

2– مسؤولية الإدارة عن الحوادث المدرسية

إن المسؤولية عن الحوادث المدرسية  يمكن أن تنتج عن خطأ المعلم ، ويمكن كذلك أن تنتج عن سوء تنظيم وتسيير المرفق العمومي،  أو انعدام الصيانة العادية للمنشأة العمومية أو الأشغال العمومية أو وجود عيب في تصورها، وهذه الحالات يؤطرها الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه: ” الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها”.

وكذلك المادة 8 من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي جاء فيه:” تختص المحاكم الإدارية بالبت في دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام  مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام”.

 ويعود الاختصاص للبت في القضايا المذكورة أعلاه للمحاكم الإدارية.

ومن خلال ما سبق يمكن القول بأن الحوادث المترتبة عن التعليم عن بعد يمكن إسناد مسؤوليتها للإدارة، نظرا لكون هذه الحوادث تقع في وقت يكون في التلاميذ خارج رقابة الأطر التربوية وبالتالي استبعاد مسؤولية المعلم، كما أن الإدارة في شخص وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي هي التي اتخذت قرار مواصلة التعليم عن بعد و توقيف الدراسة بسبب الجائحة وذلك لتفادي ضياع السنة الدراسية وعليها أن تتحمل تبعات ذلك، ويمكن إدخال هذه الحوادث في إطار سوء تنظيم المرفق العمومي للتعليم واختلال تسييره، أو بتعبير دقيق يمكن اعتبارها المسؤولية عن ما ينتج عن استعمال الوسائل التكنولوجية من أضرار في إطار مسؤولية المرافق الإدارية

في هذا الصدد نشير إلى أن الإدارة أقرت ضمنيا بمسؤوليتها عن مثل هذه الحوادث إذ إنه بالنسبة للحادثة التي كان ضحيتها التلميذ الذي يتابع دراسته بثانوية العرفان بتازة والذي انفجرت عليه بطارية الهاتف أدت إلى حدوث أضرار له على مستوى الوجه والعينين، مما حدا بالأكاديمية الجهوية بجهة فاس مكناس إلى مباشرة إجراءات المواكبة الصحية للتلميذ وذلك بالتنسيق مع إدارة المركب الاستشفائي بفاس، كما أن الوزير الوصي على القطاع أمر باتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان سلامة صحة التلميذ، كما وافقت شركة التأمين المدرسي على اعتبار النازلة حادثة مدرسية، نظرا لكونها جاءت في ظروف خاصة، وبالتالي فإنه يمكن القول بأن كل الحوادث التي تقع في مثل هذه الظروف سيجري عليها ما جرى بالنسبة لهذه الحاثة.

إلا أنه وكما هو معروف فالتأمين المدرسي لا يغطي كافة الأضرار المترتبة عن الحوادث المدرسية، فبالإضافة إلى مصاريف الاستشفاء والتطبيب و لوازم الأجهزة الخاصة بتبديل أعضاء الجسم الناقصة يمنح معاش في حالة الوفاة أو عند حدوث عجز[4]، إلا أن هذا الأخير يشترط لحصول التعويض عنه أن يكون دائما وأن تكون نسبته محددة في 10 في المائة على الأقل لكي يستفيد المضرور من تعويض ممنوح في شكل إيراد[5]، والذي يكون جزافيا إلا أنه لا يحول دون حقه (المضرور) في المطالبة بالتعويض التكميلي[6]، في إطار دعوى المسؤولية؛ رغم أن المشرع يشير إلى المسؤولية المدنية، والأمر يتعلق في هذه الحالة بمسؤولية إدارية حيث إن العمل القضائي سار في اتجاه تطبيق مقتضيات هذا الظهير ولو تعلق الأمر بهذه المسؤولية، نظرا لأنها لم تقرر بالنسبة للحوادث المدرسية إلا بعد إحداث المحاكم الإدارية وبالتالي فهي لاحقة لصدور الظهير.

وبالنسبة لكيفية إثبات المسؤولية الإدارية فإن هذه المسؤولية تكون مفترضة وبالتالي فهي تعفي التلميذ من الإثبات لكون الخطأ مفترض في حق الإدارة، وعلى هذه الأخيرة أن تدفع مسؤوليتها بإثباتها أن قامت باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث الضرر أو أن هذا الأخير يرجع إلى حادث فجائي أو قوة قاهرة.

3- مسؤولية أباء وأولياء أمور التلاميذ

إن الوضعية التي تفرضها حالة الطوارئ الصحية تستدعي انتقال واجب الرقابة أثناء تلقي الدروس من المعلم إلى آباء وأولياء أمور التلاميذ، نظرا لكون تلقي هذه الدروس لم يعد في المؤسسة التعليمية وإنما في مكان إقامة التلاميذ، والتي تكون فيها المسؤولية عن أي ضرر يتسبب فيه الطفل أو يلحق به على عاتق أولياء أموره، وسند هذه المسؤولية يوجد في الفقرات الأولى والثانية والخامسة من الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه:” لا يكون الشخص مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب، لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته.

الأب فالأم بعد موته، يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما.

وتقوم المسؤولية المشار إليها أعلاه، إلا إذا أثبت الأب أو الأم… أنهم لم يتمكنوا من منع وقوع الفعل الذي أدى إليها”.

ورغم أن المشرع في هذا الفصل لم ينص إلا على الأضرار التي يتسبب فيها الطفل، أي للغير، إلا أن هذه الرقابة تشمل حتى الأضرار التي تلحق الطفل باستعمال أشياء توجد بالمنزل من قبيل الوسائل التكنولوجية،  حيث إن الأب أو الأم في حالة عدم وجود الأب مسؤولان عن كل ما يلحق التلميذ نظرا لواجب الرقابة الملقى على عاتقهم، حيث يجب عليهم مراقبة أبنائهم في الاستعمال الأمثل للوسائل التكنولوجية ولو في إطار مواكبة الأبناء لعملية التعليم عن بعد، ولن يكونا بإمكانهم دفع المسؤولية إلا بإثبات أنهم قاموا بواجب الرقابة وأنهم لا يتمكنوا من منع وقوع الفعل  المسبب للضرر.

4- مسؤولية المنتج عن عيوب منتجاته

قد يحدث أن تكون الوسائل التكنولوجية التي يستعملها التلميذ لتتبع دروسه عن بعد بها عيب قد يؤدي إلى إلحاق ضرر به، مما يستدعي البحث عن المسؤول عن الضرر،وفي هذا الصدد نستحضر مسؤولية المنتج عن منتجاته المعيبة المنظمة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.140 الصادر في 17 غشت 2011 بتنفيذ القانون 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات وبتتميم الظهير الشريف الصادر في 9 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود.

ونشير هنا إلى أنه قبل وصول المنتوجات المعروضة في الأسواق إلى المستعملين باعتبارهم آخر حلقة في منظومة الإنتاج فإنها تمر عبر العديد من المحطات والقنوات وتتناولها الكثير من الأيدي بدءا بالصانع المنتج مرورا بمن يساهم في استيرادها وتوزيعها لتصل إلى البائع بالجملة ثم البائع بالتقسيط لتوضع في النهاية رهن إشارة من يرغب في استعمالها وفقا للطبيعة والغاية التي صنعت من أجلها[7]؛ وقد حدد المشرع المغربي قائمة الأشخاص المسؤولين عن هذه المخاطر في المنتج  أو الصانع الحقيقين[8]، ثم المنتج الظاهري[9]، وكذلك المستورد المهني للمنتوج[10] وأخيرا الموزع كمسؤول احتياطي[11].

إذن ففي إطار هذه المسؤولية يمكن مساءلة أي واحد من هؤلاء لجبر ضرر المضرور، وتتحقق هذه المسؤولية باستجماع مجموعة من الشروط تنحصر في:

– أن يتعلق الأمر بمنتوج  معيب.

– ارتباط العيب بفترة وضع المنتوج في التداول[12].

-أن يتسبب عيب المنتوج في إلحاق ضرر بالغير[13].

وبالنسبة لأساس هذه المسؤولية فهي مبنية في إطار القانون المغربي على أساس نظرية تحمل المخاطر نظرا لكون القانون 24.09 يلزم المنتجين والمهنيين بضمان سلامة المستهلكين والمستعملين لمنتوجاتهم[14].

5- تشطير المسؤولية

إن الحادث المدرسي الذي يقع نتيجة مواصلة التلميذ لعملية التعليم عن بعد قد تقع مسؤوليته بين عدة أطراف، الأمر الذي يستدعي من القاضي أثناء البت في القضية المعروضة عليه تحديد مسؤولية كل طرف ساهم في الحادث في حدود النسبة التي ساهم فيها وذلك عن طريق تشطير المسؤولية، إذ قد يسأل كل من أباء وأولياء التلاميذ وإدارة المؤسسة التعليمية التي اتخذت قرار مواصلة التعليم عن بعد وكذلك المنتج للوسيلة التكنولوجية التي تسببت في الحادث وذلك بنسبة مساهمة كل طرف في وقوع الحادث.

خاتمة:

إن المسؤولية عن الحوادث المدرسية في إطار التعليم عن بعد يعتريها نقص في كيفية تدبير وضبط الدولة لهذه العملية ، حيث كان من الواجب عليها في شخص القطاع الوصي إصدار منشور أو دليل على الأقل؛ يوضح كيفية تدبير عملية التعليم عن بعد؛ من خلال تعريف هذه العملية (التعليم عن بعد)، وأوقاته، إضافة إلى تحديد التزامات كل طرف من الأطراف المتدخلة في هذه العملية ( الأطر التربوية – الإدارة – آباء وأولياء التلاميذ)، وذلك ليسهل حصر المسؤولية وتحديد نطاقها، سواء من حيث الزمن أو الجهة المسؤولة. وفي هذا الصدد يمكن إثارة مسؤولية الدولة عن تشريعاتها، حيث إن المشرع لم ينص على أي مقتضى قانوني ينظم مسؤولية الدولة عن القوانين أو الأضرار التي تسبب فيها هذه القوانين أو عدم استصدارها كما هو الشأن بالنسبة لحوادث التعليم عن بعد.

المراجع

الكتب:

  • مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، جوانب المسؤولية في مجال الحوادث المدرسية،وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، المغرب، يناير 2008.
  • عبد القادر العرعاري، المسؤولية المدنية، الطبعة الثالثة، مطبعة الأمنية الرباط منشورات مكتبة دار الأمان، الرباط،المغرب، 2014.

القوانين:

  • الظهير 26 الشريف المتعلق بالتعويض عن الحوادث التي يتعرض لها تلاميذ المؤسسات المدرسية العمومية المغربية المؤرخ  في 13 شوال 1361 (26 أكتوبر 1942)حسبما وقع تغييره وتتميمه.
  • قانون الالتزامات والعقود المغربي، ظهير 9 رمضان 1331 ( 12 أغسطس 1913).
  • ظهير شريف رقم 1.11.140 صادر في 16 من رمضان 1432 (17 أغسطس 2011) بتنفيذ القانون رقم 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات و الخدمات وبتتميم الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331(12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود المغربي.

الاتفاقيات

  • اتفاقية الضمان المدرسي المبرمة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي المغربية- قطاع التربية الوطنية – وشركة الشمال الإفريقي وفيما بين القارات للتأمين “سينيا السعادة” الموقع عليها بتاريخ 29ــ/05/2007، بالمغرب.

[1]–  وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، جوانب المسؤولية في مجال الحوادث المدرسية، يناير 2008، دون ذكر الطبعة والمطبعة. ص4.

[2]–  اتفاقية الضمان المدرسي المبرمة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي- قطاع التربية الوطنية – وشركة  الشمال الإفريقي وفيما بين القارات للتأمين “سينيا السعادة” الموقع عليها بتاريخ 29ــ/05/2007.

[3]– ينص الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود على أنه:” (ظهير 4 مايو 1942) يسأل المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم.

والخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال الذي يحتج به عليهم، باعتباره السبب في حصول الفعل الضار، يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة.

وفي جميع الحالات التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم العام وموظفي إدارة الشبيبة نتيجة ارتكاب فعل ضار أو بمناسبته إما من الأطفال أو من الشبان الذين عهد بهم إليهم بسبب وظائفهم وإما ضدهم في نفس الأحوال، تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين السابقين، الذين لا تجوز مقاضاتهم أبدا أمام المحاكم المدنية من المتضرر أو من ممثله.

ويطبق هذا الحكم في كل حالة يعهد فيها بالأطفال أو الشبان إلى الموظفين السابق ذكرهم قصد التهذيب الخلقي أو الجسدي الذي لا يخالف الضوابط، ويوجدون بذلك تحت رقابتهم، دون اعتبار لما إذا وقع الفعل الضار في أوقات الدراسة أم خارجها.

ويجوز للدولة أن تباشر دعوى الاسترداد، إما على رجال التعليم وموظفي إدارة الشبيبة وإما على الغير، وفقا للقواعد العامة.

ولا يسوغ، في الدعوى الأصلية، أن تسمع شهادة الموظفين الذين يمكن أن تباشر الدولة ضدهم دعوى الاسترداد.

وترفع دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو خلفاؤه ضد الدولة باعتبارها مسؤولة عن الضرر وفقا لما تقدم، أمام المحكمة الابتدائية أو محكمة “قاضي الصلح”الموجود في دائرتها المكان الذي وقع فيه الضرر.

ويتم التقادم، بالنسبة إلى تعويض الأضرار المنصوص عليها في هذا الفصل بمضي ثلاث سنوات، تبدأ من يوم ارتكاب الفعل الضار”.

[4]–  ينص الفصل الثاني من ظهير 26 أكتوبر 1942 المتعلق بالتعويض عن الحوادث التي يتعرض لها تلاميذ المؤسسات المدرسية العمومية على أنه:” تتحمل الدولة في الحالات المنصوص عليها في الفصل الأول، حسب الكيفيات المحددة في الفصول الاتية من هذا الظهير الشريف مصاريف الاستشفاء والتعويض عن المصاريف الطبية والصيدلية وشراء اللوازم والأجهزة الخاصة بتبديل أعضاء الجسم الناقصة وكذا المعاش في حالة الوفاة أو عند حدوث عجز، وكذا المصاريف التأبينية في حالة الوفاة”.

[5]– ينص الظهير المذكور في الفقرة الأولى من الفصل الرابع على ما يلي: ” إن الحوادث التي ينشأ عنها عجز دائم يحدد في نسبة 10 في المائة  على الأقل تعطي المصاب بالحادثة الحق في الاستفادة من تعويض ممنوح في شكل إيراد يحدد مبلغه بصفة مؤقتة من طرف اللجنة الخاصة لمدة سنة”.

[6]–   ينص الفصل الثامن من نفس الظهير على ما يلي:” إن مقتضيات هذا الظهير الشريف لا تحول دون دعوى المسؤولية المدنية من طرف آَباء وأولياء التلاميذ المصابين والمنصوص عليها في الفصلين 85 و 85 مكرر من الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331(12 غشت 1913) من قانون الالتزامات والعقود.

في حالة إدانة الدولة نتيجة مباشرة هذه الدعوى، فإن المبالغ المؤداة بمقتضى هذا الظهير الشريف تخصم من مبلغ التعويض الممنوح من طرف المحاكم”.

1- عبد القادر العرعاري، المسؤولية المدنية ، الطبعة الثالثة 2014، مطبعة الأمنية الرباط، منشورات مكتبة دار الأمان 4 ساحة المامونية ، الرباط، ص377.[7]

2- ينص الفصل 106-1 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:” يعتبر المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه”. [8]

3- المنتج الظاهري هو الذي يستعمل علامة تخفي العلامة الحقيقية للمنتوج، وفي هذا الصدد ينص الفصل 106-5 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:” يعد منتجا… كل شخص يتصرف بصفة مهنية: 1- ويتقدم كمنتج بوضعه على المنتوج اسمه أو علامته  التجارية  أو أي علامة مميزة أخرى”.[9]

4- ينص الفصل 106-5 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:” يعد منتجا… كل شخص يتصرف بصفة مهنية:2- أو يستورد منتوجا إلى التراب الوطني من أجل البيع أو الكراء ، مع وعد بالبيع أو بدونه أو أي شكل آخر من أشكال التوزيع”.[10]

5- ينص الفصل 106-6 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: ” إذا استحال تحديد هوية المنتج، يعتبر كل موزع منتجا إلا إذا أعلم هذا الأخير الضحية أو كل من له الحق، داخل أجل 15 يوما، من هوية المنتج أو هوية الشخص الذي زوده بالمنتوج”.[11]

1- أي وضعه في السوق وجعله رهن إشارة العموم[12]

2- هذا الضرر قد يكون ماديا أو معنويا أو بدنيا حيث نص 106-10 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:” يجب على الشخص المسؤول إصلاح كل الأضرار التي تعرضت لها الضحية”.[13]

3- تنص المادة 4 من القانون 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات وتتميم قانون الالتزامات والعقود على انه:” يلزم منتجو ومستوردو المنتوجات .. بألا يعرضو في السوق إلا المنتوجات …السليمة  كما هي معرفة طبقا لأحكام هذا الباب”.[14]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *