د. سمية عامر

د.مروى عمرة

قسم اللغة والأدب العربي

جامعة الشهيد حمه لخضر  -الوادي- (الجزائر)

مخبر بحوث في الأدب الجزائري ونقده ، جامعة الوادي .

bouhouth-adabianakdia@univ-eloued.dz

00213697743851

amra-maroi@univ-eloued.dz

 00213549815230

الملخص :

شهدت البلاغة العربية عدة تحولات ، وهي تنطلق من الجملة إلى النص خاصة في الأعوام الأخيرة التي شهدها النقد الأدبي ، إذ تهتم بالخطابات التداولية كالخطاب الديني والإعلامي والثقافي …، إذ هي بهذا التحول قد أنتجت علاقة أكثر تماسكا مع القارئ ، فيعمل بذلك المبدع للوصول لكيفية تمكنه من جعل خطاباته أكثر وضوحا وإقناعا لدى القرّاء ، بغية تطوير الدرس البلاغي المعاصر ليكون مجالا خصبا في ميدان المعرفة والنقد المعرفي ، ونجد من الخطابات الأدبية الخطاب الشعري الجزائري المعاصر على اختلاف ميادينه في محاولة منّا أن نستعرض في هذه الورقة البحثية نموذجا للشاعر الجزائري ” عثمان لوصيف ” وهي عبارة عن مقاربة في بلاغة الإقناع بالصورة الشعرية التي رسمها في إحدى أعماله الشعرية الموسومة ب “عرس البيضاء” دراسة تطبيقية .

الكلمات المفتاحية : البلاغة المعاصرة ؛ الصورة الشعرية ؛ النقد البلاغي المعاصر؛النقد؛ عثمان لوصيف .

 

The rhetoric of persuasion in the poetic image in contemporary Algerian poetry

The poem “The White Wedding of Othman Lussif”, an applied study

Dr Somaya Amer

Dr Marwa Amra

Department of Arabic Language and Literature

Lakhdar University – El Oued – (Algeria)

Research laboratory in Algerian literature and its criticism,

Al-Wadi University

 Abstract

Arabic rhetoric has witnessed several transformations, and it starts from the sentence to the text, especially in recent years witnessed by literary criticism. He was able to make his discourses more clear and persuasive to the readers, to develop the contemporary rhetorical lesson to be a fertile field in the field of knowledge and epistemological criticism, and we find among the literary discourses the contemporary Algerian poetic discourse in its various fields in an attempt to review in this research paper a model for the Algerian poet “Othman Loussif It is an approach to the eloquence of persuasion in the poetic image that he drew in one of his poetic works called “The White Wedding”, an applied study.

Keywords: contemporary rhetoric; poetic image; Contemporary rhetorical criticism; criticism; Othman Lussif.

 

توطئة

إن الحديث عن بلاغة الحجاج هو حديث عن كيفية الإقناع والتأثير في المتلقي أو المستمع ، حيث يثير الحجاج أسئلة تستدعي أجوبة اقناعية تذعن المتلقي ، ويلتقي مع البلاغة في هذا الأمر ، فيرى ثلة من الباحثين أنّ الحجاج جزء من صميم البلاغة ، أي أنّه مبحث بلاغي في الثقافة العربيّة ، وهناك من رأى بأنهما وجهان لعملة واحدة ، فهما يشتركان في هدف واحد ووحيد ، ما جعل البلاغة حجاجا ، والحجاج بلاغة ، وبذلك يتضح لنا جليا بأن البلاغة هي الحجاج .

أولا: رؤية في مفاهيم الدراسة:

  • مفهوم الشعرية :

نابع من الشّعر، وكامن فيه عبر التاريخ حيث تعود أصوله إلى كتاب شعر أرسطو، الذي اعتمد نظرية المحاكاة كأساس نظري لنظريته الشعرية ، التي يمكن أن نطلق عليها (شعرية المحاكاة) التي فقد لها أرسطو ينبغي منها أن تكون مدعاة(للتطهير) أو نموذجا للمجتمع المثالي الذي تتطلع إليه الحضارة اليونانية ، ثم تغير مفهوم الشعر من خلال مفهوم الشعرية وفق تطورات التي ظل يشهدها التاريخ ، ومدى تأثير تلك التداعيات التي أخرجته إلى الوجود مدارس واتجاهات مذهبية أدبية ، على غرار الكلاسيكية ، ثم الرومانسية فالواقعية والتعبيرية ثم الرمزية فالسريالية ، والواقعية الروسية ثم اتجاه الشعر الخالص. وغير ذلك وإن أتينا إلى ما يميز الشعر لوجدناه الشعر الخالص وعبر ذلك لوجدناه يعتمد على مبدأ التخيل والذي يعد جوهرة الأساس بحيث برودة بصفة حسية و الشعور بالمدركات التي أعيد تشكيله(إحسان عباس، ا1959، ص 210). عن طريق المحاكاة ، التي تقتضي فراسة الشاعر ، وحذقه ومهارته أو ما يسمى( بالشاعرية)، فالشاعرية هي التي تصنع شعرية النص أو الخطاب الأدبي وتعبير أوسع وأعم ، شاعرية الفنان هي التي تصنع شعرية فنه ويذهب التصور الإغريقي الأرسطي في رؤيته للشاعرية على نحو أن ” الشاعر لا يحاكي ما هو كائن ، ولكنه يحاكي ما يمكن أن يكون ، أو ما ينبغي أن يكون بالضرورة أو الاحتمال، فإذا حاول الفنان أن يرسم منظرا طبيعيا مثلا ينبغي عليه ألاّ يتقيد بما يتضمنه ذلك المنظر، بل يحاكيه بأجمل ما يكون والفن يتهم ما في الطبيعة من نقص ، لذلك فإن الشعر في نظره مثالي وليس نسخة طبق الأصل عن الإنسانية “( شكري عزيز الماضي،1986، ص93). فالمحاكاة هنا تستدعي براعة الفنان أو شاعريته ، لأنه يحاكي فهو لا يقرر الحقيقة وإنما يتخيل ليقول ، وبالتالي يداعب أحاسيس الجماهير لتكون أكثر مثالية ، وبالتالي فشعرية النص من هذا المنطلق تعني كل ما يشحن اللغة العادية ويجعل منها قطعة شعرية جذابة ومؤثرة ، ذات وقع خاص على النفس ولو أردنا تمثل الشعرية في صورة فوتوغرافية لوجدنا أن كل واحد منّا يلتقط لنفسه العديد من الصور ، وما ينبغي الإشارة إليه ، هو أن رؤيتنا لتلك الصورة حتما لا تكون على درجة واحدة من الإعجاب تتفاوت درجات جماليتها من ناظر إلى آخر وبذلك تعالج هذه الدراسات حيثيات الشعرية واكتشاف أبعادها والغور في معالمها إذ لا يختلف اثنان على أن خوض المصطلحات و المفاهيم أزمة شائعة في متون المؤلفات العربية المعاصرة ،

تبدّت نتيجة إقبال الباحثين بترسانة مصطلحية سعي منهم لتكريسها نقديا وشرعنتها ما يجعل كل خطاب يحتاج في قراءته إلى استعمال مرجعية مخصوصة بالناقد المقروء دون غيره.

الشعرية مصطلح قديم Poeticesحديث في الوقت ذاته ، ويعود أصله في أول انبثاقه إلى أرسطو أما المفهوم فقد تنوع بالمصطلح ذاته على الرغم من أنه يبدو أننا نواجه من جهة أولى مفهوما واحدا بمصطلحات مختلفة ويبدو هذا الأمر بارزا في تراثنا النقدي العربي ، ونواجه مفاهيم مختلفة بمصطلح واحد من جهة ثانية ويظهر هذا الأمر في التراث النقدي الغربي أكثر جلاء إن الجهة الأولى تتخلص في مفهوم الشعرية العام( البحث عن قوانين الإبداع) وقد اتخذ مصطلحات مختلفة منها شعرية أرسطو ، ونظرية النظم للجرجاني الأقاويل الشعرية المستندة إلى محاكاة والتخيل عند القرطاجني التي ستكون موضوع البحث وقد حاولت أن أحضر حسب معرفتي جميع النصوص من تراثنا النقدي التي وردت فيها لفظة الشعرية محددا معناها وهذه النصوص من تراثنا النقدي من بينها ما يقول الفرابي 260ه ” والتوسع في العبارة بتكثير الألفاظ بعضها ببعض وترتبها وتحسينها ، فيبتدئ حين ذلك أن تحدث الخطبية أولا ثم الشعرية قليلا قليلا(الفرابي أبو نصر، (دن)، ص14)، ومنه فالفرابي يعني لفظة الشعرية السمات التي تظهر على النص بفعل ترتيب. يقول بن سينا : إنّ السبب المولد للشعر في قوة الإنسان شيئان: أحدهما الالتذاذ بالمحاكاة والسبب الثاني حب الناس للتأليف المتفق والألحان طبعا، ثم وجدت الأوزان مناسبة للألحان فمالت إليها الأنفس وأوجدتها هاتين الحالتين تولدت الشعرية…”( ابن سينا، 1983م ص172).

3/ يقول ابن رشد 520ه : قول أرسطو “وكثيرا ما يوجد الأقاويل التي تسمى أشعارا ما ليس فيها من معنى الشعرية إلاّ الوزن فقط كأقاويل سقراط موزونة وأقاويل أنباء فليس في الطبيعيات بفلان الأمر في أشعار أوميروش”( لطفي فكرى محمد الجودى ، 2014 م ، ص  29)، أما ابن رشد فترد عنده لفظة ” الشعرية” بمعنى الأدوات التي توظف في الشعر فيشك عبر ذلك في الشعرية بعض الأقاويل التي تستخدم من أدوات الشعر إلا الوزن.

4/ حازم القرطاجني 684ه: في معرض مناقشته ” وكذلك ظن هذا أن الشعرية في الشعر إنما هي النظم أي لفظ كيف اتفق نظمه ولا رسم موضوع “( حازم القرطاجني ، 1966 م، ص28).

أما هنا فحازم القرطاجني يشير إلى لفظة -الشعرية – الذي يقترب إلى حد ما من معناها العام ، أي قوانين الأدب ومنه الشعر.

 

2 – وظيفة اللغة الشعرية :

تعتبر  وظيفة اللغة الشعرية، من أهم السمات التي تزين النصوص الأدبية، وتبين وتوضح الفروقات بين هذه النصوص، من حيث بيان القيم الجمالية والإبداعية لعملية توصلية.

أ/ الوظيفة التعبيرية المتعدية : تعتبر اللغة المتعدية دافعا أساسيا لتحقيق الوظيفية التعبيرية في الشعرية وفي الحداثة، فهذه الوظيفة متعلقة بأحاسيس وتصورات وتجارب الشاعر في واقعه، ولعل أبرز من تناول هذه النظرية ” عبد السلام المسدي” حيث يقول ” إننا إذا صهرنا كل القيم الإخبارية في الحدث اللغوي استطعنا أن نبرز ثلاثة أبعاد: بعدا دلاليا وبعدا تعبيريا وبعد تأثيريا، أي أن اللغة تقوم بوظيفة جمالية أثناء إنتاج الكلام  “( عبد السلام المسدي، دت ، ص 40).

كما أنّ الوصول إلى هذه الغاية يعني الوصول إلى هذه الغاية يعني الوصول البعد التأثيري ، الذي يتداخل بهذه الكيفية مع البعد الإخباري ويربط المسدي الوظيفة التعبيرية بالحدث الفني ، والجمالية الفنية ، لأن المبدع أو الكاتب لا يستطيع التعبير عن أحاسيسه الداخلية إلا بوجود آليات مناسبة تساعده على الإفصاح

-فالتجربة الشعرية الخارجية: هي تجربة متعلقة بالكفاءة النفسية للمبدع من خلال تجاربه واحتكاكه واندماجه وشعوره وتمسكه بواقعه، وفي ذلك يحدث التأثير والإقناع، وفي هذا نجد محمد بنيس أحد أعلام المغاربة يركز على هذا الجانب فيقول: ” إن التجربة الخارجية ، كضرورة محتكة بالشعر ؛ أي أن اللغة الشعرية متعدية لا تكون إلا بحافز خارجي إبداعي إنتاجي بغيد كل البعد عن الجانب الداخلي الساكن الثابت إلى المعنى الخارجي الذي يفجر دلالات النص ( ينظر: محمد بنيس ، 2001، ص 91).

كما يصورها “محمد بنيس ” وليد التجربة الخارجية اللازمة بالضرورة للشعر هذه هي التجربة التي لا تأتي إلا بهذا الحافز الخارجي ، الذي يعتبره ” البياتي ” أيضا رفقة ” صلاح عبد الصبور ” أساس الوظيفة التعبيرية للشعر إلا أن هذا الاهتمام الكبير بالوظيفة المتعدية للغة الشعرية واعتبارها تجسيد للتجربة الخارجية ، لا يجعلنا نغفل النظر عن التجربة الداخلية الخاصة باللغة في حدّ ذاتها ، بما تحمله من تكرارات للملامح الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية المناسبة للموضوع ، فالتعددية الدلالية والاصطلاحية للغة الشعرية هي إثراء للموضوع المطروق من خلال النموذجين الأساسين للسلوك اللفظي الذي يحدده ” رومان جاكبسون” في الاختيار والترابط “( خوسيه  ماريا، 1992، ص53.).

ب/ وظيـــفة اللّغة :

قال أدونيس في قصيدة ” الإشارة ” :

مزجت بين النار والثلوج

لن تفهم النيران غاباتي ولا الثلوج

وسوق الفن غامضا أليفا

اسكن في الأزهار والحجارة

أغيب

استقصى

كالضوء بين السحر والإشارة

إنّ المتأمل والدارس لهذه القصيدة ، يدرك بجلاء ذلك العمق اللغوي الخارج عن المألوف ، من خلال جمع الدلالات غير مألوفة وترويضها لتصنع جمالية الدلالية والإيحائية ، ففي قول أدونيس ” : ” مزجت بين النار والثلوج ” ، فنجد لغة إشارية جسدت لنا عملية الخلق الجديدة للغة الشعرية ، وهي محاولة إيجاد نمط تركيبي ودلالي ، وهذا ما نبه إليه “كروتشيه” عندما حذر ” المستغلين للحقل اللغوي ، حيث دلهم على أنّ أبواب اللغة كلما طرقناها انفتحت لنا عن بعد أو ظاهرة جمالية جديدة “( سمير أبو حمدان، دت ، ص 27) .

فالاستخدام النموذجي للغة الشعرية من خلال خلق الانسجام والتجانس بين الألفاظ هو الوحيد الكفيل بتسريع الوظيفة الجمالية ، ونقل التجربة الشعورية للذات الكاتبة كما أن الخطاب الشعري الناجح في نقل تجربة الشاعر ، هو ما كانت وحداته الدلالية منسجمة تستدعي الواحد منها الوحدة التي تليها .

*         ولما ركز الأدباء على العملية العاطفية في بناء خطاباتهم ، خاصة مع رياح التيار الرومانسي وصار من اهتمام الأديب نقل التوتر الانفعالي إلى المتلقي بشحنات زائدة ، تحقق كما يقول ” صلاح فضل ” فكر “مالارميه” وهو أن الخطاب ” مبادرة اللغة في الخلق “( صلاح فضل، 1998 ، ص 24)، ولا تخلو النظرة المقاربية من إظهار يملكه الخلق داخل الخطاب الأدبي وهذا ما يتجسد في تصورات ” عبد السلام المسدي” ولكن من زاوية أخرى في استنطاق المكامن الداخلية للصياغة المعجمية التي يطلق عليها مصطلح “الإيحاء ” هذا الأخير الذي يعني ” الخلق ” بالمفهوم “البينيسي” حيث يقول “المسدي” فأدبية الخطاب تتحدد بمقدار الخروج عن القالب المرسوم “( عبد السلام المسدي، 1983، ص 41.)، وبذلك فالخروج عن القالب المرسوم هو إعادة الخلق  نمط مغاير للغة ، عبر الذي ألفته من قبل صيغتها التعبيرية البسيطة القائمة على الأساس المعجمي وتتجسد عملية الخلق بعد كسر المألوف في الخطاب من خلال جمع بين الفكرة كحقيقة وبين اللغة كآلية تعبيرية ، والخيال كخلق للرسالة ، وفق ما تتصوره الذات الكاتبة .

*وأما ” محمد بنيس ” فيرى في اللغة الشعرية العربية بأنها إبحار متواصل منذ العصر الجاهلي داخل الخطاب الإبداعي، مما حقق لها وظيفة الخلق ، هذه الأخيرة التي تجسد التقدم بمفهومه الحداثي ، الذي يعني التأثير والحركة ، حيث يقول ” بنيس” :” وهنا أيضا تكون مع مفاهيم الحداثة ، إذا التقدم يتحقق في لغة الخلق … فيها يمكن للشعر أن يتقدم والشاعر الخالق للغة هو النبي وفي هذه الحالة يصدر الشاعر عن حقيقة ، فالقول الشعري هو الحقيقة ويكون التخييل أساس “( محمد بنيس،  2001 ، ص99)

ج/ الوظـــيفة الشعرية :

لقد ساهمت الدراسة في علوم اللغة الحديثة  في إبراز طبيعة العلاقات الإنتاجية والإبداعية والدلالية  ، ويعد ” رومان جاكبسون” سنة 1940،  يعد الأب  للوظيفية التواصلية للغة من خلال حلقة كربسن، فكان من اهتماماته : ” إدخال الشعرية في علم اللغة  وتأييده  لأهمية الكبرى في إبراز ملابسات الكلام  للشعرية  الألسنية “( خوسيه  ماريا، 1992 ، ص 50).

فالكلمة لوحدها لا تحقق الغاية المطلوبة للوظيفية  ، بل جملة الكلمات المتداخلة والمترابطة للحدث الكلامي هي التي تحقق  الهدف للوظيفة الشعرية .

ولتوضيح ذلك نرصد لكم  ” مخطط جاكبسون” الذي يبين لنا العناصر الأساسية في هذه الوظيفية :

العوامل : المتكلم (المبدع/المنتج/المخاطِب)  – سياق(المقام/مقتضى الحال/سياق الحال)

الرسالة (ملابسات الكلام/الحدث الكلامي/ الظروف الخارجية)  – سامع(الملتقي/المؤول/المخاطَب)

اتصال

-قانون        الشفرة

الوظائف : التأثيرية والتعبيرية

انفصالية    شعرية        طلبية

شارفة

ما وراء اللغة

وهذا ما نجد كذلك عند  ” جمال الدين بن الشيخ” من خلال تطرقه  إلى الوظيفة الشعرية بالتركيزه على أهمية  اللغة كوسيلة ممهدة مطابقة للإنتاجية الشعرية حيث يقول : ” لا يرتبط الشيء باللغة فحسب إنما بإنجاز الفعلي للكاتب المرتبط والمنتظم  بالأوزان الشعرية ، وبالمنظور  آخر بتآلف جماعة لغوية بمقطوعات شعرية”( ينظر: جمال الدين بن الشيخ، 1996، ص 08).

ومن الممكن أن يكون معنى هذا القول هو أن الوظيفة الشعرية عند ” بن الشيخ ” لابد أن تكون متعلقة  مع الإيقاع الموسيقي الذي هو التنغيم  أو الملاءمة لها ، فالنظم هو الترابط والتعالق واتساق والحبك المرتبط بين جماعة لغوية والتنغيم  المناسب ، ومحدودية هذا الترابط الدلالي يحدده مدى تناسب هذا النظم ، مع الحالات الشعورية المتغيرة حول الخطاب الأدبي ، فالوظيفة الشعرية للغة من هذا كله هي ذلك الاكتساب المتكرر لهذه الأداة إلى أبعد نقطة ، كما أنها كفاءة الشاعر على الربط بين الكلمات والمعاني والصور والأوزان في بناء نصي.

  • الشعــرية في التراث النقدي :

يختلف علماء النقد  في تحديدهم  لماهية الشعرية كل حسب قناعته العلمّية ، وإن كانت بداية تسميته متبلورة منذ القدم عند أرسطو في كتابه فن الشعر، حيث يقول :” المحاكاة تتميز بوسائل ثلاث ، قد تكون متجمعة كلها وقد لا تجمع كلها وهي : التنغيم والحبك والجماعة اللغوية “( ينظر: أرسطو طاليس 1973، ص40).

فالشعر عند أرسطو هو محاكاة ، ولا نعني به التقليد والتقيد به ولا نقوم بتصوير الواقع والأحداث كما هي؛ بل عليه أن يبرز رؤيا جمالية حيث وردت مصطلح  الشعرية في تآليف القدامى بمصطلحات متنوعة كصناعة الشعر ، ومع ذلك يعد وأرسطو هو أول من مهد  لهذه التسمية ، حيث ركزّ اهتمامه على نوعين من العمل الأدبي هما الشكل وهو المتعلق بالجانب البنية الداخلية للغة؛ أي ترابط وتعلق لفظي وسطحي وجانب داخلي للغة، أي جانب الاتساق،  و أما النوع الآخر الذي هو المضمون  متعلق بالجانب الخارجي والمعنى الخارجي ما وراء اللغة من ناحية الإبداع والتأويل،  حيث جعل أرسطو  :” الشعر صفة جمالية في أرقى مراتب الفنية  وأن مهارة الشاعر تظهر  في أفكاره وإبداعاته  وتنظيمه المحكم  للعمل الشعري حتى يكسبه الميزة الشعرية ، مستندا إلى المحاكاة كعنصر جوهري في الشعر “( ينظر: رمضان صباغ، 1968، ص 25.)

إنّ الشاعر الحقيقي في نظر أرسطو هو الذي يتوافر على آلية التنبؤ بالمستقبل والحدس والفطنة والذكاء الخارق  والإستشراق له، وهذا يكون إلا بعد الاجتهاد والبحث والتطلع، أي أن يكون الشاعر موسوعيا ، متجاوزا الشيء الموجود في حقيقة  إلى ما يمكن أن يوجد في الخيال أي ما هو متصور،   ووردت التسمية الشعرية كذلك بمعنى نظم الكلام وعمود الشعر وهذا تبلوره الملابسات التاريخية والحضارية التي عملت على وضع القواعد والضوابط وتكون في حركة الإبداع  والإنتاج، وهذا ما يسمى ” بعمود الشعر الذي حدده المرزوقي في مبادئ سبع كان قد عدّها “الآمدي” وبينها عبد القاهرة الجرجاني من قبل وهي :

01/ شرف المعنى وصحته  .

02/ سلاسة اللفظ واستقامته.

03/ الإصابة في الوصف.

04/ المقاربة في التشبيه – وزاد عليها :

05/ انتظام أجزاء النظم على تخيير من بدائع الوزن.

06/ ملاءمة المستعار منه للمستعار له ؛ أي الاستعارة بنوعيها المكنية والتصريحية.

07/ مشاكلة اللفظ والمعنى وشدة اقتضائها للقافية حتى منافرة بينها … “( إحسان عباس، 1983، ص 405، منقول عن مجلة المخبر العدد التاسع ، 2013. )

فهذه الأسس التي وضعها المرزوقي هي بمثابة خطوط حمراء التي لا يجوز تجاوزها لأنها تمثل سقوف سحر؛ أي جوهرة الإبداع والإنتاج وروعة وفنية  القصيدة العربية.

ولقد كان عبد القاهر الجرجاني مناقدا نقدا بناء تماما، وموقفا معارضا لنظرية عمود الشعر ، وهو البقاء على التفعيلة وعلى الروي الواحد والثابت، ولا يأتي بالجديد، ولا يعتمد عليهما في السيرورة الشعرية الشعر ، فالجرجاني يعتمد اعتمادا كبيرا وهو الوحدة العضوية والوحدة التأملية ، ولذلك عمل على حذفهما ” لقد انتقص  عبد قاهر الجرجاني بنظريته الكثير من المبادئ التي قام عليها عمود الشعر؛ أي الوحدة البيتية “( ينظر: مشري بن خليفة،  2006، ص 62،  منقول عن مجلة  المخبر العدد التاسع 2013) .

فجمالية النص عند الجرجاني تكون في نظرية النظم بوصفه :” توخي معاني الكلم، أي ما يرتبط بتعلق اللفظ وتعلق المعنى مع بعضه البعض “( ينظر: جابر عصفور، 1990، ص125. ) وهذا يوجهنا إلى خطوة متقدمة نحو الشعرية والتي تناولها الجرجاني في كتابه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز كالعلامات اللغوية وغير اللغوية،  لا كعلم قائم بذاته ، الذي هو تعريف للغة، كما عند دي سوسير  ، ليأخذها علماء النقد في علم اللغة الحديث بالدراسة والتحليل  والتأويل، فالفكرة ليست لمن ابتكرها ، ومهد لها؛ بل لمن طوّرها وأبدع فيها ، وغرس فيها الروح من جديد؛ ليجعل منها علما.

والمستقرئ لطريق الشعرية في تراثنا يتبلور أمامه إضافة إلى أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز –كتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء الذي اهتم فيه صاحبه بالشعر ، فتحدث أبو الحسن الحازم القرطاجني عن شعرية الشعر والقول الشعري ، ولم يكن الهدف بهما الأوزان الشعرية ولا تعالق الألفاظ والمعاني ، وإنما نلمس في حديثه شيئا من معاني كلمة الشعرية حيث ربط بين صفة الشعرية وبين التخييل “( ينظر: حازم القرطاجني،1986 ص 77) .

وقد اقترب القرطاجني من مفهوم الشعرية عندما لمح إلى إمكانية اشتمال النثر على عناصر الشعرية لتوافر عنصري التخييل والمحاكاة فيه ، ولكي يكون خلقيا بهذه التسمية عليه أن يثير إغراب ويحدث تعجب عند السامع؛ أي يجعل المتلقي يسأل ويتفاعل وفي حيرة، وألا يتقبل كل شيء”( ينظر: تزيفطان تودوروف ، 1987، ص 23.).

من المعروف ومما لاشك فيه أن الأدب فن شفوي، وشكل لغوي ، تكمن قيمته الجمالية في طريقة تعبيره عن المضامين والأفكار التي يريد المبدع طرحها ، وعن قيمة الرسالة التي يحملها على اختلاف طرائق للتعبير باختلاف توظيف الممكنات والأدوات الإبداعية ، وما تمايز الأجناس إلا شكل من أشكال هذا الاختلاف والذي يرجع إلى اعتماد مقوم من مقومات الجنس كفارق في التوظيف ، فالصورة الشعرية خاصة شعرية ، والسردية خاصة نثرية، والحوارية خاصية مسرحية … وعليه فالشعر كجنس أدبي تربع على عرش الأدب عند العرب لردح من الزمن، ولازال ينافس الأجناس الأدبية الأخرى رغم ريادة بعض الأجناس الأدبية كجنس الرواية والقصة القصيرة والمسرحية ، إنه ديوان العرب وأيامها.

ثانيا: المكونات الفنية الإقناعية في شعر عثمان لوصيف :

1- اللغة الشعرية :

إنّ اللغة هي الوسيلة الأساسية المشكلة لوجودنا الثقافي والحضاري ، وبالضرورة هي الركيزة كذلك  في عملية الإنتاج والتطور الفني ، لذلك فإن لكل مبدع أسلوبه الخاص في نظم وتعالق وترابط مستويات اللغة بعضها ببعض كارتباط مستوى الصوتي بالمستوى التركيبي بالمستوى الدلالي، فمستويات علوم اللغة مترابطة ومتداخلة مع بعضها البعض. (ينظر: طه وادي ، 2000،ص 25.)

فاللغة الشعرية الحديثة تقوم على مجموعة من القوانين التي تخالف بها الاستعمال الإخباري التقريري للغة في الممارسة اليومية ، وهذه القوانين أو الآليات هي التي بها تتمايز اللغة الشعرية ليس عن الاستعمال المنطقي للغة فحسب، وإنما عن اللغة في الفضاءات الأدبية ، وهذه “التغايرية” للغة فحسب ، وإنما عن اللغة في الفضاءات الأدبية ، وهذه “التغايرية” للغة الشعرية هي نتيجة الانشغال ثنائيات متعددة: ( المشاكلة والاختلاف )،( الوضوح والغموض) ( الثبات والانزياح )…الخ (محمود درويش،1993، ص 97)  .

وعليه فإن اللغة الشعرية تكمن وظيفتها أساسا في السحر والإشارة فهي لا تعتبر ، ولا تصف أي لا تبوح ولا تصرح ، وهذا مصدر غموضها (محمد بنيس، 2001، ص 97.)

ومنه فإن اللغة الحداثية لم تعد تتسم بالوضوح والبساطة ، وإنما أصبحت لغة معقدة وغامضة لأن العالم تغير وتجدد ، ولابد من تقديم لغة تعبر عنه وتواكبه ، كما أنها لم تعد لغة منطقية واصفة وإنما أصبحت تمس عالما في عمقه وجوهره ،وبالتالي أصبحت لغة رمزية متعددة الدلالة ، كما أن النص الحداثي لم يعد مرتبطا بالبنية الداخلية وإنما أصبح مرتبطا بالواقع الإنساني ، أي أصبح نصا معرفيا نفعيا ، فاللغة أصبحت فعلا تجاوزيا ، أي تتجاوز الوضوح إلى الغموض ، الخارج إلى الباطن ،المعلوم إلى المجهول وكذلك تتجاوز الواقع إلى المستقبل ، وبالتالي أصبح الغموض غاية وليس وسيلة ولابد أن تنتمي إلى الغرابة والتعقيد ، حتى يتحقق مبدأ التعدد والانفتاح.

فمن خلال قراءتنا لقصيدة ” عرس البيضاء” استخلصنا أن لغة الشاعر هي لغة الحواس ، وكأن الشاعر كان يتحدث بجميع حواسه لأن الشعر منبعه الشعور والإحساس ، ومنبت الشعور والإحساس هو الحواس.

إنّ اللغة التي كتب بها الشاعر دواوينه كانت العربية الفصحى ، التي تعد لغة القرآن الكريم فهي لغة مشحونة وقوية معبرة حقا بألفاظ وعبارات دالة على سعة خياله وزاده الثقافي والعلمي الواسع، كما يعد خبيرا ومتمكنا ، بالإضافة إلى أنه مال إلى لغة بسيطة سهلة وعذبة ذات قالب أخاذ ،فلم تكن اللغة سطحية موجهة لعامة الناس بل كانت لغة راقية موجهة للطبقة المثقفة . كما أنه وظف بعض المفردات الصعبة التي لا تفهم إلا من خلال العودة إلى القواميس ومن هذه الألفاظ نذكر : المومات ، اللبلابة ، الكهنوتية ، نيلوفرة ، الأقيانوس ، الجنلنار ، الأيقونة ، اللياكة ، الناترتج ، فينانة ، قريرة ، عربيدة ، معصفرة ، قنبره …الخ كذلك توظيف الشاعر لمفردات ذات أصل أجنبي مثل : كاميليا ، الراديو ، الروبو ، قيتارة ، الالكتروني ، المدام … إلا أنها مفردات نادرة جدا في دواوينه .

وتوظيفه لمفردات قديمة المستقاة من البيئة الصحراوية التي كان يعيش فيها مثل : النخلة ،الناقة ، الشمعة ، القنديل ، الأطلال ، السعفة ، الوشم ، التميمة ، الكحل ، السعفة ، الوشم ، الكحل ، الرمح … الخ ، والمعروف عن الشاعر أنه ابن طولقة الصحراوية هذا ما يدل على توظيفه لتلك الأشياء التقليدية البسيطة في طريقة عيش الصحراوي ،كتربية الحيوانات والرعي والنسيج ، وفي شعره كثرة الإشارة إلى الطبيعة ورمزها العديدة والتي تكون قد ترسخت في ذهن الشاعر منذ طفولته كالطين والتربة والرمل والنوق والأفاعي والعقارب و النخيل واللبن ، وكذا توظيفه لبعض العناصر الطبيعية خارج بيئته كالبحر والسفينة والموج والينبوع ، دلالة زياراته العديدة والمتكررة لولايات الساحل الجزائري كالجزائر العاصمة ، التي استقى منها الشاعر عديد الأفكار والألفاظ .

كما أنّ اللغة عنده طيعة لينة في يده ، فهو يمتلك مخيلة لغوية عجيبة تمكنه من استحضار الأشياء الغائبة وتجسيدها على أرض الواقع ، فيغدو تاركا المجال مفتوحا لخياله من أجل القراءة والتأويل وكل يخدم موقفه الشعري، حيث يتلاعب بالألفاظ والكلمات ، ويعرف كيف يتمكن كمنها ليقدمها لقارئه في قالب جمالي يترك في النفس وقعا مؤثرا في أذهان القراء. كما يحلو للشاعر الترحال لاستكشاف كنوز الجزائر ومكنوناتها الطبيعية الرقراقة التي تثير فيه روح الكلام وحمية الشعر فيقول في قصيدته “عرس البيضاء” :

شفق…ولعينيك تغريبة البحر

يشتعل الأرجوان المسائي

وأنت على ساحل المتوسط تغتسلين

الغروب وأعراسه

شذرات اللهيب على سوسن الماء

فمن يقرأ هذا المقطع يدرك مدى تعلق الشاعر بجمال البحر وأشعة الشمس التي تسمو فوق سطحه ، وحبه الكبير لهذه العروس عروس المتوسط الجزائر البيضاء .

إن الشاعر يبذل جهدا كبيرا في تصوير مشاعره وأماكن يحبها ومشاعر صادقة لازمته، فلا يدخر جهدا في نظم قصائد تستهوي القارئ حبا للوطن والقيم العالية والواقع المعيش ، قصائد مليئة بالحب والعلم والمعرفة والدين ، فقد عالج الشاعر موضوعات اجتماعية ساقها لنا من محيطه الذي يعيش فيه ، ويومياته التي ما انفك يرددها في قصائده كقصيدة التراب ، النجمة ، باتنة ، سطيف ، الصلاة …الخ .فلا يمكن أن نفهم لغة الشاعر إلا إذا غصنا في أعماقها وبحثنا في خباياها وحللنا ألفاظها ودلالتها وفي مايلي عرض لأهم ما يلاحظ من ألفاظ لصور شعرية يلجأ إليها الشاعر عثمان لوصيف في قصائده المختلفة ، ذلك أن ألفاظ الشاعر كانت رزينة ومشحونة بالصور الشعرية والدلالات الموحية التي لا تقبل نقصا ولا ظنا ، حيث أنه وظف عديد الألفاظ بشتى أنواعها ولم يكن مقصرا في حقها ومن هذه الألفاظ نجد:

1- ألفاظ النبات :

نلمح في شعر الشاعر عثمان لوصيف الكثير من النباتات على اختلاف منبتها من صحراوية إلى ساحلية وغيرها ، فنجد مما استخدمه من ألفاظ النبات في كم من ديوان : الطلع ، الكافور ، الياسمين ، الغابة ، القطن ، الخوخ ، الكرز ، القمح ، البرتقال ، البخور ، اللوز ، الصنوبر ، اليانسون ، النخلة ، ماء الورد ، الزيتون ، الكلتوس ..الخ.

2- ألفاظ الوقت :

منها : الساعة ، الفصول ، الليل ، النهار ، الغروب ، الشروق ، الزوال …الخ

3- ألفاظ الطبيعة :

السماء ، الماء ، الهواء ، الشتاء ، الكواكب ، الرعد ، الطين ، البرق ، الريح ، السواقي ، الحجارة ، الأعشاب ، الضفاف ، المطر ، الصواعق .. الخ

4- ألفاظ الحب والأمل :

منها : الخضراء ، النور ، الحنان ، الطرب ، الغناء ، العرس ، الفرحة ، العذب ، العيد ، البشارة ، البريق ، نشيد ، المدائح ، الجمال ، الإشراق ، الغزل ، الحنين ، الحب ، الابتسامة ، الشوق ، العشق ، الحبيبة ، الهوى ، الغرام ..الخ

5- ألفاظ دينية :

ونجد منها : الحور ، الجحيم ، المعجزة ، الكوثر ، العرش ، تتوضأ ، براءة ، صلاة ، أيوب ، القارعة ، الخشوع ، الحجاب ، الفردوس ، الملائكة ، البرزخ ، ليلة ، القدر ، القيامة ، ركعتين ، النشور ، الرحمان …الخ

6- ألفاظ الحزن والألم :

كثيرة منها : السم ، الرعب ، الفجيعة ، الموت ، الوحشة ، العذاب ، الفراق ، الصقيع ، المجنون ، الأسى ، السواد ، الأشباح ، الخراب ، الدم ، الرثاء ، الفقر ، المرارة ، الهجرة ، الوجع ، الدموع ، الخنق ، الوباء ، العلقم ، العار ، الظلام ، الجرح ، الغضب ، السراب ، الصمت ، الكفن ، المقبرة ، القنط ، الذبول ، الضياع ، الشيطان..

7- ألفاظ علمية :

على سبيل التمثيل لا الحصر نجد : الكيمياء ، اللهب ، الكهرباء ، المعدنية ، الجدول ، النحاس ، يغلي ، الذهب ، الفضة ، الإلكتروني ، الجيولوجية ، مهندس ،…إلخ

8- ألفاظ صوفية :

يعرض لنا الشاعر عثمان لوصيف في عديد القصائد مصطلحات وألفاظ صوفية نتيجة تأثره ربما بالمذهب الصوفي الذي ساد زوايا المناطق الصحراوية في الجزائر ك: بسكرة وغيرها من ولايات الجنوب الكبير ومنها : يعشق باسم الله ، الوهج المقدس ، حب الله ، أناملك الإلهية ، النار الحامية ، مملكة الله ، الحدس ، ليل القبر ، ملحمة الله ، الفيض ، النشوة ، السهروردي ، خمرة العشق ، موجة الله ، وميض البرق .. الخ

9- ألفاظ المدينة وأسماء الأماكن :

من خلال عرض الشاعر لأبرز المعالم وأشهر الأماكن التي تأثر بها منها : الجزائر ، الخليج ، بسكرة ، ورقلة ، الجلفة ، تيزي وزو ، الونشريس ، باتنة ، عنابة ، سطيف ، وهران ، غرداية ، الدوسن ، عين وسارة .. الخ

10- ألفاظ المدينة الحديثة :

حيث يعرض الشاعر في قصائده لبعض الألفاظ الحديثة الخارجة عن إطار الريف والقرى مثل ، المقهى ، المدرسة ، الغرفة ، الأنابيب ، الشرفة ، الشارع ، الحجرات ، الأبواب ، المناضد ، المدن ..الخ

11- ألفاظ الجسد :

يستخدم الشاعر عثمان لوصيف لغة التلميح والإشارة أحيانا فتجده يلجأ إلى لغة الحواس للتعبير عن غرض ما فنجده مثلا يستخدم : العين ، اليد ، الفم ، الأنامل ، الرموش ، الكف ، الثدي ، الشفتين ، الأذن ، الجبين ، اللسان ، الذراع ، الكف .. الخ

12- ألفاظ تعنى بأسماء الأشخاص :

يعمد الشاعر هاهنا على توظيف أسماء لحيوانات تعبر عن طبيعة البيئات المختلفة التي عاش بها أو يكون قد زارها منها : العقرب ، الناقة ، الأسماك ، الذئاب ، البومة ، الغزال ، النحلة ، الأفعى ، النسر ، الأسد ، الكلب ، الحمام ، الطير ، الدجاجة ، الفراشة ، النمل ، الدود ، الضفادع ، البقر ..الخ.

13- ألفاظ تعنى بأسماء الأشخاص :

يستعين الشاعر في بناء قصيدته على الكثير من البنيات كبنية الشخصية على اختلاف طبيعتها ورمزيتها المستوحاة خاصة من الدين الإسلامي كا استخدامه لاسم : مريم ، موسى ، أيوب ، بلقيس ، آدم ، لبنى ، سعاد ، رابعة العدوية ، تابط شرا ..الخ

فالملاحظ لقصائد الشاعر عثمان لوصيف يجد بأن معظم قصائده تتخذ من الطبيعة منبعا يروي به قصيدته ، فتكون عناصر الطبيعة حاضرة بقوة لهروب الشاعر تجاهها فقد جعلها أنيسا يشكو إليها همومه ويحاورها ويتغزل بجمالها ويصفها بأعذب الأوصاف .

2- الصورة الشعرية الإقناعية :

تعتبر الصورة الشعرية من المصطلحات الحديثة في علم الأدب الحديث والمعاصر ، إذ تولد هذا المصطلح نتيجة تأثره بإفرازات النقد الغربي والاجتهاد في نقلها إلى الثقافة النقدية العربية على الرغم من القضايا التي يطرحها المصطلح الممتد من تراثنا الأدبي القديم والبلاغي كذلك حتى وإن اختلفت طريقة العرض والتناول من خلال التركيز على جوانب مميزة تميز كل مصطلح عن الآخر ، فالصورة هي الجوهر الثابت والدائم في الشعر ، قد تتغير مفاهيم الشعر ونظرياته لكن الاهتمام بها يظل قائما مادام هنالك شعراء يبدعون ونقاد يحاولون تحليل ما أبدعوه (جابر عصفور ، 1992 ، ص 8.).

فالصورة الشعرية من المكونات التي تبنى عليها القصيدة ، حيث في الفترة القديمة من تاريخ الشعر العربي القديم كانت تقتصر على التشبيه والاستعارات والكنايات ، فهي بهذا التشكيل تكون صورة فتوغرافية للواقع الذي يعيشه الشعراء  وما يحيط بهم ، في حين الصورة عن الشعراء المحدثين أصبحت تقتصر على الرمز والأسطورة والقناع ..الخ ، وغيرها من الظواهر الفنية فقد أصبحت الصورة عند ” الرومانسيين تمثل الأفكار والذاتية ، وعند البرناسيين تمثل الموضوعية ، وعند الرمزيين تمثل نقل المحسوس إلى عالم الوعي الباطني وعند السرياليين العناية بالدلالة النفسية ، وهي عند غير هؤلاء ألوان أخرى .( أحمد مطلوب، 1985، ص 35. ).

ونجد في شعر عثمان لوصيف ذلك المزج بين صورة الأمس واليوم ، فكانت الأولى صورا قديمة تعتمد على التصوير الفني بينما الثانية تعتمد على تفجير الطاقات الإيحائية وتعدد دلالات اللفظ الواحد هذه الصور القديمة نحاول أن نقف على عناصر منها :

1- صور شعرية قديمة :

أ- الاستعارة المكنية :

وهي ما حذف فيها المشبه به والمستعار منه ، ورمز له بشيء من لوازمه (عبد العزيز عتيق، 2006 ، ص  121) . وسنحاول أن نورد نماذج من القصيدة المخصوصة بالدراسة الدالة على ذلك :

يقول الشاعر عثمان لوصيف :

يشتعل الموج : حيث شبه الشاعر لمعان موجة البحر بكومة متوهجة ، فحذف المشبه به وترك لازمة أو قرينة دالة عليه ، وهي الاشتغال على سبيل الاستعارة المكنية .

ويقول في موضع آخر :

ويستيقظ الزمن : حيث شبه الشاعر الزمن بمن يستيقظ من نومه ، فحذف المشبه به وهو النائم، وترك لازمة تدل عليه وهي الاستيقاظ على سبيل الاستعارة المكنية .

ب-الاستعارة التصريحية :

وهي ما يصرح فيها بالمشبه به ، أو ما استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه (عبد العزيز عتيق، 2006 ، ص : 121.)

ومن الأمثلة على ذلك من القصيدة قول الشاعر :

وأنت على ساحل المتوسط تغتسلين : حيث شبه الشاعر مظهرا من مظاهر فرحه ببلده الجزائر بالعروس التي تغتسل لعرسها ، فحذف الشبه وصرح بلفظة المشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية .

ج- الكناية

وهي لفظ أطلق أريد به لازم معناه ، مع جواز إرادة المعنى الحقيقي منه (الخطيب القزويني، دت ، ص 182.) ، ومن الأمثلة على ذلك من القصيدة قول الشاعر :

كانت مفاتن جسمك تزداد عند التوهج : كناية عن موصوف وهو الجمال _ جمال الجزائر _

يا نحلة الضوء والنوء : كناية عن صفة العظة والتبجيل لبد الشاعر في عملها ونشاطها وما تقدمه من خيرات لشعبها.

2- صورة شعرية حديثة :

عمد الشاعر عثمان لوصيف إلى مغازلة اللفظ الحديث واستدراجه لقصيده من خلال دراسة الظواهر الفنية من تراسل للحواس والرمز والقناع وغيرها. وسنحاول أن نقف على بعض هذه الصور الحديثة انطلاقا من قصيدة ” عرس البيضاء”

الأسطورة :

وهي شكل من أشكال القصص الذي يصور أبعادا إنسانية ن ورؤى فكرية عديدة ” إلا أن منطقها يتجاوز الواقع المعيش إلى مستوى الخوارق والأعاجيب “( يوسف العايب ، 2013،ص 157.) وقد تأثر الشاعر عثمان لوصيف بالأسطورة ونوع في مواضيعها المختلفة ، إذ جسد في أغلب قصائده الأسطورة

 

العربية والغربية دلالة على سعة فكر الشاعر وتطلعه على الآداب المختلفة ، فنصوصه الشعرية كانت بمثابة مزيج جمع بين ماهو قديم وما هو حديث محافظا على الموروث القديم من خلال استحضاره لرموز أسطورية عديدة مشيرا من خلالها إلى طرح فكري معين ، كما عمد إلى توظيف الحاضر واستشرف المستقبل وهو يطمح إلى غد أفضل ، ونجد في أدبنا العربي الحديث الكثير من الشعراء الذين وظفوا الأساطير ك: السياب ، أدونيس ، البياتي ..الخ ، وقد انفتح الشاعر الجزائري عثمان لوصيف على التراث الأجنبي من خلال مطالعته وتحليله وتتبع أبعاده الفكرية ، والتي عمل على توظيف بعض منها في إبداعه كتوظيفه لأسطورة السندباد …الخ ، ومن الأساطير التي وظفها الشاعر عثمان لوصيف في قصيدته –عرس البيضاء:

غبش النجم يغزل أغنية الصيف

فوق جبينك

تومض لؤلؤة الشعر

من خلف عينيك

والليل يمزج عنبره

بأريج الصنوبر والكلتوس

تحل مدينة فستانها الفستقي

وتنعس تحت رذاذ المصابيح

لكن آلهة البحر تصرح فينا

فنوغل في شبق الماء مشتبكين

ونعلن أسطورة الماء مشتبكين

فالشاعر في هذا المقطع وظف أسطورة من الأساطير الغربية في قوله :

لكن آلهة البحر تصرخ فينا، إشارة إلى الأسطورة الإغريقية القديمة القائلة بتعدد الآلهة ك:إله البحر عندهم المسمى ب: بونتوس وهو إله البحر في الجيل الأول من آلهة الإغريق القدماء ، فقد اتخذها الشاعر كوسيلة من وسائل التعبير عن إحساسه وتصوراته ومواقفه بالحياة ، فراح الشاعر يسند شعره الأسطورة غاية في زيادة المعنى جمالا وقوة وأكثر إقناعا ووضوحا ، ويجسد المعنويات وليستنطق الجمادات.

خاتـمة :

ختاما ومما تم التطرق إليه ولو بصورة موجزة نقول إن الشاعر عثمان لوصيف ظاهرة شعرية بامتياز ، فقد نجح الشاعر في عرض أفكاره وأطروحاته وتصوراته من خلال بنائه لقصائده التي جسد من خلالها الطبيعة والروح والنفس والإنسان والصحراء … في صورة شعرية بلاغية مثيرة تدفع القراء إلى تحليل إبداعه والتوجه نحوه للغوص في أعماقه ومحاولة الكشف عن أسرار لعبته الشعرية المغرية وألفاظها الموحية بزخم الجمال وروعة التصوير وحسن التشبيه ، بغية إقناع القراء بما يريده الشاعر وما تضمنه القصيدة من وعي وحب إنسانية لطالما نادى بها الشاعر عثمان لوصيف في قصائده وهو يصف حبه لوطنه والقيم المثلى التي يجب على الإنسان أن يتحلى بها وينادي بها الأجيال جيلا بعد جيل ، إن رسائل عثمان لوصيف التربوية والإنسانية دفعت القراء والدارسين لغوص تجربة مع شعره تحليلا واستظهارا لأهم الصور الفنية والإبداعية والجمالية التي تزخر بها قصائد الشاعر الجزائري عثمان لوصيف ، الذي ندعو النقاد والباحثين إلى الالتفات إلى شعره ودراسته وتحليله لما يحتويه من أسلوب ولغة وجمال .

 

قائمة المصادر و المراجع :

01/ أرسطو طاليس، (1973 )، .فن الشعر ، تر ، عبد الرحمان بدوي (ط2 )، دار الثقافة ، بيروت ، لبنان

02 / أحمد مطلوب، ( 1985)، الصورة الفنية في شعر الأخطل الصغير، (دط ) ، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان.

03 / إحسان عباس، ( 1983) ، تاريخ النقد الأدبي عند العرب ، (ط4 )، دار الثقافة ، بيروت ، لبنان.

04 / إحسان عباس، ( 1959)،  فن الشعر، ( دط) ، بيروت،دار الثقافة .

05 / ابن سينا  ،( 1983)،  فن الشعر : من كتاب الشعراء –ضمن كتاب فن الشعر لأرسطو ، تر وتح : عبد الرحمان بدوي، (ط2 )،دار الثقافة، بيروت.

06/ الفرابي أبو نصر، ( دت)، كتاب الحروف ، تح : حسن مهدي ، (دط)،  دار المشرق ، بيروت.

07/ الخطيب القزويني، ( دت )، الإيضاح في علوم البلاغة –المعاني والبيان والبديع- ، (ط3)،  مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت .

08 / تزيفطانتودوروف، (1987)،  الشعرية ، نر : شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، ( ط1) ، دار توبقال ، المغرب.

09 / جابر عصفور، ( 1992 )،  الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، ( دط )، المركز الثقافي العربي ، بيروت.

10 / جمال الدين بن الشيخ، (1996 )، الشعرية العربية ، تر : مبارك حنون ومحمد الولي ومحمد أوراغ ، (ط1 )، دار توبقال ، المغرب.

11/ حازم القرطاجني، ( 1966) ،مناهج البلغاء وسراج الأدباء ، تح ، محمد الحبيب بن خوجة ، (دط)، ، دن، تونس.

12/ خوسيه  ماريا ، بوثويلوايقانكوس ( 1992 )، نظرية اللغة الأدبية ، تر : حامد أبو أحمد، ( ط1 )، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة ، مصر.

13 / رمضان صباغ، ( 1968) ، في نقد الشعر العربي المعاصر ” دراسة جمالية”، ( ط1 )، دار الوفاء ، الإسكندرية ، مصر .

14 / سمير أبو حمدان، ( دت )،  الإبلاغية والبلاغة العربية ، منشورات عويدات ، (دط)،  بيروت ، لبنان.

15 / شكري عزيز الماضي، ( 1986) في نظرية الأدب، ( ط1)، دار الحداثة ،بيروت.

16/ صلاح فضل، ( 1998)،  أساليب شعرية ، (دط )، دار قباء للطباعة والنشر ، القاهرة .

17/ طه وادي، ( 2000)، جماليات القصيدة المعاصرة، ( ط1 )، دار المعارف ، القاهرة .

18/ عبد العزيز عتيق، ( 2006) ،  علم البيان، (ط2 )، دار الآفاق العربية ، القاهرة .

19/ عبد السلام المسدي، ( 1983)، النقد والحداثة، ( ط1) ، دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت .

20 / عبد السلام المسدي، ( دت )، الأسلوببية والأسلوب، (  ط3 )، الدار العربية للكتاب.

21 / لطفي فكرى محمد الجودى، ( 2014)،  جمالية الخطاب في النص القرآني “قراءة تحليلية في مظاهر الرؤية وآليات التكوين، ( ط1)،  مؤسسة المختار للنشر والتوزيع ، القاهرة .

22 / محمد بنيس، ( 2001 )، الشعر العربي الحديث، ( ط3 ) ، دار البيضاء ، المغرب.

23/ محمود درويش، ( 1993)،  حصار لمدائح البحر، ( ط5) ، دار العودة ، بيرروت .

24/ مشري بن خليفة، ( 2006)،  القصيدة النثرية (في النقد العربي المعاصر ) ، (دط)، دن،  الجزائر.

25 / يوسف العايب، ( 2013م) ، التناص في قصيدة –غلواء لإلياس أبي شبكة،( ط1)، مطبعة مزوار ، الوادي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *