أ.د. أبكر عبدالبنات آدم إبراهيم

جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم- السودان

Email:abaker2012@live.com

Tel:00249912610599

مستخلص

    تطلق المسؤولية الاجتماعية على الالتزام الأخلاقي الذي يتحمله الأفراد تجاه مجتمعاتهم، بحيث يقع على عاتق الفرد أو المؤسسة أو المنظمة العمل لمصلحة المجتمع، وهي بهذا المفهوم ركن أساسي من أركان بناء المجتمع؛ ودعامة من دعائم الحياة المجتمعية المستقرة وبدونها تصبح الحياة بدون معنى، ومن هنا تتغلب الأنانية الفردية على سلوك الأفراد وتصرفاتهم. وتُعد المسؤولية الاجتماعية سبيلاً للتقدم الفردي والاجتماعي، لأن القيمة الحقيقية للفرد داخل مجتمعه يقاس بمدى تحمله المسؤولية في ذاته وتجاه، الآخرين. فهذه المسؤولية بمعناها العام تعني استعداد الفرد بأن يلزم نفسه بما يتطلبه المجتمع، وأن تكون لديه القدرة على أن يفي بتلك الالتزامات الاجتماعية، بل هو استعداد مكتسب يدفعه للمشاركة مع الآخرين، والمساهمة في حل المشكلات المجتمعية، وتقبل الدور الذي أقرته الجماعة له والعمل على المشاركة في تنفيذه. يستخدم الباحث المنهج الوصفي والتاريخي والتحليلي لمعرفة التحديات التي تواجه المجتمعات البشرية في ظل غياب المسؤولية الاجتماعية.

الكلمات المفتاحية: المسؤولية- المجتمع- الاخلاق-  الالتزام- الشخصية- القيم.

Social responsibility and its relationships with moral values

Prof:Abaker Abdelbanat Adam Ibrahim

University of The Holy Quraan And Tassel of Sciences- Sudan.

Abstract

     Social responsibility refers to the moral obligation that individuals have towards their societies, so that it is the responsibility of the individual, institution or organization to work for the benefit of society, and in this sense, it is a fundamental pillar of building society. It is a pillar of stable community life, and without it, life becomes meaningless, and from here individual selfishness overcomes the behaviour and actions of individuals. Social responsibility is considered a way for individual and social progress because the true value of the individual within his community is measured by the extent to which he bears responsibility for himself and towards others. This responsibility in its general sense means the individual’s willingness to commit himself to what society requires, and to have the ability to fulfil those social obligations. Rather, it is a learned willingness that drives him to participate with others, contribute to solving societal problems, accept the role that the group has decided for him and work to participate in Implementing it. The researcher uses the descriptive, historical and analytical approach to find out the challenges facing human societies in the absence of social responsibility.

Key words: responsibility – community – ethics – commitment – personality – values.

المقدمة

     لقد سعى الإسلام على بناء الإنسان من خلال التربية والتزكية ليقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض، فالله عزّ وجلّ كرمه وفضله على كثير من خلقه واصطفاه، ومنحه السمع والبصر والفؤاد والعلم، وأنزل عليه الرسل والأنبيا فوجه نفسه لتعلم العلوم والمعارف، وتنمية قدراته الفطرية الكامنة، حتى اكتملت فيه خصائص الإنسانية، وارتفع عن حضيض الحيوانية إلى مصاف الشخصية العاقلة التي يستطيع التمييز بين الحق والباطل، وهذا الإنسان العاقل هو أساس الأسرة الصالحة، والمجتمع الصالح، والأمة الصالحة. فالمسلم في علاقاته الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مقيد بأحكام الشريعة الإلهية.

مشكلة الدراسة: تواجه المسؤولية الاجتماعية اليوم  العديد من التحديات التي تعيق تقدم مجتمعاتنا العربية والاسلامية بل كل ما يهدد أمننا الروحي والفكري. فالذي يجب أن يتذكره كل فرد في المجتمع أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، لذلك فإن النظرة الضيقة لمهام المسؤولية الاجتماعية كثيراً ما يجعلنا أكثر أنانية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاعتراف بالآخر، قد ساهمت ذلك في تصنف الناس إلى أعداء وأصدقاء، بينما الأصل أن الناس جميعهم من أصل واحد يشتركون في الكرامة الإنسانية من حيث الحقوق والواجبات.

أهمية الدراسة: يعيش عالمنا اليوم في ظروف بالغة التعقيد نتيجة للتدهور المسؤولية الاجتماعية التي صاحبت المنطقة بعصرها، لذلك فإننا نحتاج إلى مسؤولية أمنية وفكرية في الإطارين الروحي والفكري لقراءة المستقبل وما يحمله من مفاجآت.

أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى الكشف عن أهمية المسؤولية الاجتماعية في حياة الإنسان، والتمييز بين الحقائق والأوهام، والتيقن بأن الغايات والإنجازات المادية عاجزة عن منح السعادة في ظل غياب التفكير الإيجابي للحياة.

أسئلة الدراسة: تكمن أسلئة الدراسة في الإجابة عن السؤال المحوري التالي ماذا يحدث إذا فقد الإنسان المسؤولية الاجتماعية؟ وتنبسق من هذا السؤال عدة أسئلة منها:

  • هل نحن محتاجون للمحافظة على المسؤولية الاجتماعية؟
  • ما هي الأعباء التي يتحملها العقل عندما يغيب خاصية المسؤولية الاخلاقية؟
  • كيف يمكن لنا أن نحمي أفكارنا من الهجمة الصهيونية والتنصيرية الشرسة تجاه المسؤولية الاجتماعية؟
  • إلى أي مدى يمكن بمقدورنا التغلب على العوامل التي تقلل من أهمية المسؤولية الاجتماعية؟

فروض الدراسة: تكمن فروض الدراسة في الآتي:

  • عندما لا يتحمل العقل أعباء التفكير السليم يغيب الأمن الروحي والفكري.
  • يمكن لنا أن نحمي أفكارنا من الهجمة الصهيونية والتنصيرية الشرسة إذا خرجنا من دائرة الأنانية وتقديم الذات على المصلحة العامة.
  • بمقدورنا التغلب على العوامل التي تقلل من ضوابط الأمن الفكري إذا تمسك الجميع بمقاصد التشريع الإسلامي.

منهج الدراسة: استخدم الباحث المنهج الوصفي والتحليلي لمعرفة العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والشخصية في إطار حماية الكرامة الإنسانية.

حدود الدراسة: ترتبط حدود الدراسة في معرفة مفهوم المسؤولية الاجتماعية سواء من جانب الذات أو الجماعة.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية

   المســــــئولية لغة: هي الأعمال التي يكون الإنسان مطالباً بها. وقد جاء تُعريف المسؤولية الاجتماعية في المعجم الوسيط بوجه عام بأنّها: حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته كأن يقال:” أنا بريء من مسؤولية هذا العمل” ويقول  Garson and Rud، على أنها نزوع الفرد إلى التفكير المسبق في النتائج المحتملة لأي خطوة مقترحة.

المســــــئولية اصطلاحاً: المسئولية هي المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أولاً, والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بوساطة جهوده الخاصة. وقيل: هي حالة يكون فيها الإنسان صالحاً للمؤاخذة على أعماله وملزماً بتبعاتها المختلفة. عرّفها(بيتر دراكر) بأنها:” هي التزام المنظمة تجاه المجتمع الذي تعمل فيه”. وقد شكل هذا التعريف حجر الزاوية للدراسات اللاحقة؛ وفتح الباب واسعاً لدراسة هذا الموضوع باتجاهات مختلفة3. وتُعرّف المفوضية الأوروبية بأنها:” التطوع الذاتي للمنظمات في المساهمة في خلق مجتمع وبيئة أفضل”4. كما يعرفها المكتب الدولي للعمل بأنها:” طريقة تنظر فيها المنظمات في تأثير عملياتها في المجتمع؛ وتؤكد مبادئها وقيمها في أساليبها وعملياتها الداخلية وفي تفاعلها مع قطاعات أخرى”،  كما عرّفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة بأنها:” الالتزام المستمر من قبل منظمات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى المجتمع ككل”(نجم الدين،). أيضاً عرفها البنك الدولي بأنها:” التزام منظمات الأعمال بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيها والمجتمع المحلي ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والتنمية في آن واحد”.

فالمسئولية هي: الشعور بأداء الواجب، والإخلاص في العمل، وليست المسئولية مجرد الإقرار، فإن الجزم بالشيء، لا يُعطي صفة المسئولية، وإنّما يجسد المتحسس بها، أنّ هناك واجبات لابد من الانقياد إليها، بغض النظر عن النتائج. فإن إنقاذ الغريق بما يشعر الشخص بالمسئولية في إنقاذه، إذا كانت له القدرة علي الإنقاذ، وإنّ دفع الظلم ممن له القدرة على دفع الظلم، يجب على ذلك الشخص أن يدفع عن المظلوم، وهو مسئول عن الترك. وقيل أنّ المسئولية هي: حالة يكون فيها الإنسان صالحاً للمؤاخذة على أعماله، وملزماً بتبعاتها المختلفة، وأعظم مسئولية تحملها الإنسان، هى الأمانة التى ذكرها المولي عزّ وجلّ في قوله تعالى :(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً). ويرى جمهور المفسرين على أنّ الأمانة تعم جميع وظائف الدين، وأن جميع الأقوال فى تفسير الآية متفقة وراجعة إلي أنّ الأمانة: هي التكليف وقبول الأوامر والنواهي . وقد قرر القرآن شمول المسئولية بقوله تعالى:(فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال تعالى:( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)، وهذا ما جاء عن قصة الرجل الذي جاء من أقصي المدينة يسعي، لإنقاذ موسي عليه السلام:(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ) وكذلك  أصحاب القرية الذى قال( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ). والطير كما في قصة الهدهد، الذى دافع عن العقيدة، وأخبر سليمان عليه السلام بما كان من بلقيس وقومها، قال تعالى:(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ )، وقال تعالى:(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

     وعلى العموم فإن المسؤولية الاجتماعية تتضمن عدة جوانب وأبعاد، تعتبر بمثابة خصائص وصفات للشخص المسؤول اجتماعياً، وتشمل فهم الفرد واهتمامه بقضايا ومشكلات مجتمعه، ومن ثم مشاركته ومساهمته الفعالة في حلها.. وهو بذلك يؤدي واجبه الشخصي والاجتماعي تجاه مجتمعه. ولقد جاء ديننا  الحنيف منذ ظهوره يؤكد أهمية مفهوم المسؤولية الاجتماعية في ذواتنا ومع الآخرين مستلهماً في ذلك مقاصد التشرسع لتحقيق أكبر قدر من موازين الحرية والعدالة في الحياة. فالمسئولية الاجتماعية هي بمثابة تقديم كل ما يسهم في بناء المجتمع من مختلف جوانبه المادية والروحية بناءً صحيحاً، ويمنع كل ما يلحق الضرر به، ويظهر ذلك جلياً في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، والتي صاغت أحكام المعاملات على أساس عالي الدقة في التنظيم والترتيب، والشمولية الرائعة في تطبيق أحكام الشرع، وإزالت كل لبس في التعامل بين الفرد المسلم في مجتمعه والمجتمعات غير الإسلامية، بحيث تكون المسؤولية الاجتماعية والضمير الإيماني هما المحرك والبوصلة التي على أساسها يتحرك الفرد نحو تحمل مسئوليته في الحياة… مستخدما في ذلك التربية والتوجيه والإرشاد والموعظة الدينية؛ لقوله تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(المائدة:2). وقال تعالى: { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة: 105).

     ولقد وضع التشريع الإسلامي الضوابط الناظمة للمسؤولية بعمومها، كما جاء في السنة النبوية الشريفة لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ” صلى الله عليه وسلم”  يقول:” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته”(رواه الشيخان). فالحديث الشريف يوضح معاني الشمولية في تحمل المسؤولية المجتمعية، حيث تغطي كل مفاصل الحياة المادية والروحية، لأن الإسلام هو دين الفطرة الطبيعية التي فطر الله عزّ وجلّ الإنسان عليها، وهذا يشمل كل تعاليم الدين في العبادات والمعاملات والتعاون والتعايش وغيرها، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقولوا ما لا تفعلون{ (الصف: 2-3). وقال صلى الله عليه وسلم:” لا تزول قدما عبد حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه”(رواه الترمذي).

   وبناءً على ذلك فإن المسؤولية الاجتماعية تعتبر من أهم مقومات النظام الإسلامي، وقد استخلف الله الإنسان في هذا الكون، يقول الله تعالى:(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة{، ويقول الله تعالى:(آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وتستند هذه الأصالة إلى أن ملكية المال في المنظور الإسلامي لله عز وجل، استخلف الله الإنسان فيه؛ وجعل حق الله هو حق المجتمع، مما يعني أن الباعث الحقيقي لهذه المسؤولية شرعي روحي يتمثل في التكليف الرباني الذي يقوم به الإنسان طلباً لثواب الله، الأمر الذي يجعلها تنظيماً اجتماعياً ملزماً. وقد حث التشريع الإسلامي على أداء المسؤولية الاجتماعية، ووضع له نظم وضوابط وآليات لتحقيق غاية الاستخلاف في الأرض، حيث لا يقتصر الأمر في هذه المسؤولية على الإعانة بالمال فقط؛ وإنما تمتد لاستخدام كل الإمكانيات لإفادة المجتمع. ومن هنا تتميز المسؤولية الاجتماعية في الإسلام عن غيرها من الأديان الإلهية الأخرى بنظرة شمولية، فهي تشمل سائر الجوانب المعنوية والروحية من الحب والتعاطف والتعاون والتكامل.

     لذلك يجب على الأفراد والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني في المجتمعات الإسلامية أن تقوم بواجبها في أداء هذه المسؤولية الاجتماعية باعتبارها واجباً دينياً متأصلاً في الشريعة الإسلامية، وأن تركز على أساليب التكافل الاجتماعي وأخلاقيات العمل التجاري والتنموي التي وردت في مقاصد التشريع الإسلامي لضبط المسؤوليات الاجتماعية تجاه أصحاب المصالح. كما تعد المسئولية الاجتماعية واحدةً من دعائم الحياة المجتمعية الضرورية، فهي سبيل التقدم الفردي والاجتماعي، بل إن القيمة الحقيقية للفرد في مجتمعه تقاس بمدى تحمله المسئولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، ولذلك لا بد من العمل على بث الوعي بأهميتها ووضع البرامج الكفيلة بترسيخها لدى الأفراد والمؤسسات.  

    إن المسئولية الاجتماعية تعني التزام الفرد بالقواعد الاجتماعية التي تحدد القواعد الأساسية للاشتراك في تنمية المجتمع. وبناءً على ذلك يجب بلورة الإدراك المعرفي، ويقظة الضمير نحو إحساس الفرد بمسئوليته في الرعاية الاجتماعية، كركن أصيل من أركان العدل الاجتماعي، قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)، تعتبر هذه الآية الكريمة من جوامع الكلم التي اختصت ببناء المجتمع على ركائز قوية؛ كالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، والأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر. وهذا ما جاء في سنة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال:” مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. وفي صور التماسك المجتمعي قال صلى الله عليه وسلم:” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً”، فالمجتمع بكل مؤسساته وقطاعاته وأفراده مطالبين بتحمل نصيبهم من هذه المسئولية.

    ومن الأمثلة الخالدة في تاريخنا الإسلامي الذي يمثل جانباً من المشاركة في المسئولية المجتمعية؛ ما فعله عثمان بن عفان (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) كما ورد في صحيح البخاري، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”. وفي صحيح البخاري بَاب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه)، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ، وَقَالَ: مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ…). ويقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة، أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل”.

أهمية المسؤولية الاجتماعية

    عندما يتحمّل المرء المسؤولية الكاملة عن حياته ومجتمعه يصبح حراً يستطيع اتّخاذ القرارات في حياته والقيام بما هو مطلوب في حله وترحاله، كما يستطيع تحمّل عواقب أفعاله وأعماله، ومن أهم النتائج الإيجابية في تحمّل المسؤولية، وهي:

  • الثقة بالنفس واحترام الذات: عندما يصبح الشخص مسؤولاً عن حياته يدفعه ذلك لأن يكون واثقاً من نفسه ، وتزيد قدرته على رسم مسار حياته بنفسه، وشعوره بامتلاك مصيره؛ وهو شعور يعطي قوة في اتخاذ القرارات.
  • التوقف عن الخوف: لذلك فإن مجرّد اكتساب الشخص المزيد من الثقة بالنفس تتقلّص الأفكار السلبية لديه، ويتوقف عن الشعور المستمر بالخوف، سواءً كان الأمر خوفاً من الرفض، أم من الفشل، أم من حكم الآخرين عليه
  • التحكّم والسيطرة: يستطيع من يتحمّل مسؤولية حياته وقراراته أن يكون القائد الأول لحياته، ويستطيع التحكّم والسيطرة على الأحداث، واتّخاذ القرارات التي تخصّه دون تدخّل من أحد.
  • تحمل المسؤولية في القيادة: يرتبط تحمّل المسؤوليّة بالقيادة بشكل مباشر لأن القائد الناجح هو الذي يعتاد على تحمّل المسؤولية في ذاته، ويعمل على حلّ المشاكل دون لوم الآخرين، وهنا يجب أن يكون القائد جلداً شجاعاً فتناً، فكلّما كان الموقف أكثر صعوبة زادت المخاطر والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، وهذا يتطلّب أن يتصرّف بطريقة غير قابلة للتفاوض في بعض الأحيان، كما يكون القائد الذي اعتاد على تحمّل المسؤولية مصدراً قوياً للاعتماد عليه.
  • ·         تحمل المسؤولية سبب للنجاح: عندما يكون الشخص مسؤولاً عن نفسه، يكون مدركاً بأن ما يحصل في حياته هو نتيجة قراراته، يصبح أكثر حذراً وحرصاً عند اتّخاذه أيّ قرار، وسيكون حريصاً على أن تتوافق الأمور التي يفعلها في حياته مع الأهداف التي يطمح لتحقيقها، وسيسعى إلى تلافي العواقب والأمور السلبية التي قد تؤدي للفشل أو إلى التراجع عن النجاح والوصول للأهداف المرجوة من خلال زيادة التكافل الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع، مع توليد شعور عالي بالانتماء من قبل الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة كالمعوقين وقليلي التأهيل والأقليات والمرأة والشباب.
  • الاستقرار الاجتماعي: الاسقرار الاجتماعي طبيعية نتيجة لتوفير نوع من العدالة الاجتماعية وسيادة مبدأ تكافؤ الفرص الذي هو جوهر المسؤولية المجتمعية في الفكر والثقافة.
  • ازدياد الوعي بأهمية الاندماج التام بين منظمات المجتمع المدني.
  • تحسين التنمية السياسية انطلاقاً من زيادة التثقيف بالوعى الاجتماعي على مستوى الأفراد والمجموعات والمنظمات، وهذا يساهم في الاستقرار السياسي والشعور بالعدالة الاجتماعية.
  • المسؤولية الاجتماعية مرتبطة بمفاهيم أساسية كالشفافية والصدق والأمانة.
  • تخفيف الأعباء التي تتحملها الدولة في سبيل إدامة مهماتها وخدماتها الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية من خلال الالتزام بالمسؤولية البيئية.
  • المساهمة في التطور التكنولوجي والمعرفي والقضاء على البطالة وغيرها.

أنماط المســـــــئولية الاجتماعية

1. المسئولية تجاه الخالق: إن الله عزّ وجلّ لا تنفعه عبادة العابدين، ولا يضره صدود المعرضين والكافرين، ولا يزيد في ملكه حمد الحامدين، ولا ينقصه جحود الجاحدين، ولو كانوا على أفجر قلب واحد ما نقص ذلك من ملكه شيئا ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل واحد لم يزد ذلك في ملكه شيئا، ولم يبلغوا ضره فيضروه، ولم يبلغوا نفعه فينفعوه، فهو الغني والكل فقراء إليه، هو الغني عن الوسطاء والحجاب والأنداد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) إذاً علاقة الإنسان مع ربه أسمى العلاقات، وميدان من ميادين المسؤولية المجتمعية فيها أقدس الميادين. وذلك؛ لأنها علاقة العبد مع ربه، والمخلوق مع خالقه. وتشمل المسؤولية في هذا الجانب ناحيتين: جانب الاعتقاد وجانب بناء السلوك.أما المسؤولية في جانب الاعتقاد: فتشمل في المحافظة على أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل عليه السلام :” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره”، وفي المحافظة على ما يتعلق بهذه الأركان من مسائل فرعية عقدية .أما المسؤولية في جانب السلوك: فتشمل في المحافظة على أركان الإسلام الخمسة، وما يلحق بها من ممارسة الشعائر العبادية والتعبدية.

   ويكشف القرآن الكريم للإنسان مسؤوليتَه إزاء نفسه والآخرين من حوله؛ بأن يُوقفه أولاً على ضرورة أن يدرك ذاته، وكيف قدِم إلى هذا العالم، وما هو دوره فيه، وإلى ماذا سيكون مآله؛ فإدراكُه لذاته وللغاية من وجوده يجعله يحيا حياتَه كما يريد اللهُ تعالى له فيها، ويتعامل مع الآخرين بشكل منظمٍ، ويتفاعل مع ما يحيط به بطريقةٍ إيجابية، ولقد لفت القرآنُ الكريم نظرَ الإنسان إلى التفكير في أصل خَلْقه في آيات مختلفة؛ كقوله تعالى:﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾(الطارق: 5)، وكقوله تعالى:﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ (الطور: 35). ويرى الإنسان في حياته اليومية أن النبات هو الذي يخرج من التراب، ولكنه إذ يُعرَّف بأنه هو أيضًا خُلِق منه، فإنه سيرى نفسه أمام إعجازٍ كان غافلاً عنه، وهو تحويل هذا العنصر التراب بما له من صفاتٍ وخصائصَ معروفة ومتعلقة بالنبات إلى صفاتٍ وخصائصَ مغايرة تماماً تخص اللحمَ والعظم والدم. وإن من شأن هذا الإدراك أن يدفعه إلى التساؤل عن القوة التي تقف وراء استمرارية هذا التحويل والتغيير والإيجاد، فإذا اكتشفها وعلِم أنها قوة الله سبحانه وتعالى آمَنَ به خالقاً، وأخضع له إرادته الفردية، وحمل رسالته التي كلَّفه بها؛ ولهذا فإن القرآنَ الكريم يركِّز على هذه الخَصيصة الحاسمة “الخلق”. ولقد خُلق الإنسان لغاية أخرى ألا وهي عبادة الله تعالى، فالعبادة هي سر إيجاد الإنسان، ومن المعلوم أن العبادةَ لا تقتصر على الواجبات والمناسك المعروفة، بل تتسع لتشملَ كلَّ ما من شأنه أن يُسهمَ في عمارة الأرض، وبناء العلاقات الإنسانية على أسسٍ من المعرفة بالله تعالى، قال تعالى:( وما خلقت الأس والجن إلا ليعبدون…).

   أما”الآخر” الذي يتعامل معه الإنسان المسلم قد يكون من ذوي القربى، أو من ذوي الأخوة في العقيدة، أو المشترك في الصفة الإنسانية، وقد أرشد القرآنُ الكريم المؤمنين به إلى كيفية التعامل مع كل هؤلاء في مختلف الحالات والصور. فالمتتبِّعُ لآياته الكريمات أن قسطًا آخر يخص فئة دون فئة، وحالة دون أخرى، لقوله تعالى:﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحسانا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ إيمانكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾(النساء: 36)، وعلى الإنسان المسلم أن يُظهر هويتَه المحْسِنة المتواضعة في تعامله مع الآخرين، بغض النظر عن نوع العلاقة التي تربطهم، وبدون التفات إلى مقدار وجاهتهم، والإعراض عن هذه الخصيصة يعني التجردَ من صفة الإحسان والتواضع. وليس الآخر دائرةً كبيرة يَعجِز الإنسانُ عن معرفة مداها؛ وإنما هو مجموعة من الدوائر يتحرك في خلالها بحسب قدراته وخصائصه الذاتية، وتبدأ هذه الدوائرُ بالأهل والأقارب والجيران، وتمتد لتشملَ أبناء القرية أو المديمة ثم الوطن. وقد يكون بالإمكان درج هؤلاء جميعاً في حلقتين اثنتين، أُولاهما: هي الأهل؛ أي: ذوو الرَّحِم، وثانيتهما: هي مَن عداهم، ويعمل القرآن الكريم على مَزْج هاتين الفئتين على أساس العقيدة؛ ليجعلهما حلقةً واحدة، تشتد أواصر أفرادها بعضهم ببعض أو تضعف بحسب إيمانهم، وإن لم تكن بينهم صلاتُ نسب.

2. المسؤولية تجاه الذات: هي حالة تمنح المرء القدرة على تحمل تبعات أعماله وآثارها, ومصدرها الضمير. ومن المبادئ التي قررها الإسلام قصر المسئولة على المسئولة وحده, فلا يؤخذ برئ بجريرة مذنب, ولا يشرك أهله فيما اقترفت يداه, أو نسب إليه قال تعالى:{ولا تزر وازرة وزر أُخرى). ويرى ابن القيم أن مسئولية التربية تقع على الآباء والمربين لا سيما إذا كان الناشئ في أول مراحل نموه, فإنه في أمس الحاجة إلى تقويم أخلاقة وتوجيه سلوكه, فالمسئولية على ولي أمره. وقد حدد القرآن الكريم الجزاء بقدر المسئولية مع إيثار جانب الرحمة والعفو, ومضاعفة الحسنة, قال تعالى:{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها).

4. المسؤولية تجاه الأسرة: يقول ابن القيم رحمه الله:” ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خُلقِه, فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد وغضب, ولجاج, و عجلة, وخفة مع هواه وطيش, وحِدَّة, وجشع, فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك, وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة, فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوماً ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم, وذلك من قبل التربية التي تنشأ عليها”. فإبن القيم يبين أن للتربية أهمية قُصوى في تهذيب الخُلق وتقويم السلوك. كما يوضح أن التربية السليمة هي التي ترفع من سلوك النشئ، وتقديم العمل الصالح، والتنافس فيها، قال تعالى:{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا). فتعليم الأبناء قيم حياتية من شأنها أن تعزز قيمة المسؤولية الاجتماعية من خلال الآتي:

  • الاهتمام: حرية الطفل منذ نعومة أظفاره الاهتمام بنفسه وبالآخرين من حوله.
  •  قوة تقدير الذات: تعزيز قيم التربية السليمة تولد في الأبناء قوة تقدير الذات.
  • التعاون: يستطيع الطفل التعاون مع الآخرين لتحقيق هدف مشترك، ألا وهو أرساء قيم المجتمع على نحو سليم.
  • الشجاعة: في هذا العمر المبكر يحاول الطفل أن يتصرف طبقًا لمعتقداته بالرغم من الخوف من العواقب السلبية أحياناً.
  • الجهد: يمتلك الطفل القدرة الفائقة في التفكير والإبداع وتنمية مهاراته على نحو يوفر له الجهد.
  • المرونة: أن يكون الطفل راغباً في تغيير خططه المعرفية.
  • المبادرة: أن يكون النشئ أو الطفل قادراً على المبادرة بإرادته.
  • التنظيم: يمكن للنشئ إذا تكامل جوانب التربية السليمة أن يخطط وينفذ، أن يجعل الأشياء من حوله مرتبة.
  • الصبر: أن يولد في نفسه الصبر والثبات والهدوء .
  • حل المشكلات: يستطيع النشئ  أن يبتكر حلولاً للمواقف الصعبة، والمشكلات اليومية.

3. المسئولية تجاه المجتمع: هي التزام المرء بقوانين المجتمع ونظمه وتقاليده. فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه, فتمرض رُوحه أو تُهزَل, أو تصح وتقوى تبعاً لصلاح المجتمع. فالمطلوب من المسلم تحقيق الغرض الذي خُلق من أجله وهو عبادة الله وحده, ولهذا أمر دعا الإسلام الأفراد بإصلاح المجتمع من الهلاك الجماعي أو العقاب الجماعي أو الضيق والضنك والقلق والشر الذي يصيب المجتمع لأن من سنن الله تعالى, أن المجتمع الذي يشيع فيه المنكر، وينتشر فيه الفساد, ويسكت الأفراد عن الإنكار والتغيير, فإن الله تعالى يعمهم بمحن غلاظ قاسية, تعم الجميع. فالراعي والرعية هما بمثابة يدان تتعاون على خير الأمة ورعاية مصالحها, وكفالة الأمن على حياة الناس وأعراضهم وأموالهم. ولا يستقيم حال الأمة, ولا تتسق شئونها إلا إذا قام كل من الحاكم والمحكوم بتحمل المسئولياتهم كاملة.

فوائد تحمل المسؤولية

* الشعور بالأمن والأمان أمام الله المولى عزّ وجلّ والناس أجمعين.

* الإخلاص في العمل والثبات فيه يخلق الاحترام.

* كسب ثقة الناس واعتزازهم به.

* الاحساس بالسعادة كُلما قام الفرد بتنفيذ عمل ينفع الجميع.

* خلو المجتمع من الفساد.

* تجعل بُنيان الدولة قوياً غير قابل للتصدع عند التعرُّض للمحن والحُروب.

* المسئولية تجعل للإنسان ذات قيمة في مُجتمعه.   

عناصر المسؤولية الإجتماعية

   تتكوّن المسؤولية الإجتماعية من عدة عناصر مترابطة ينمّي كل منها الآخر ويدعمه ويقوّيه، وهذه العناصر هي:

* المسؤولية الجماعية: ويتضمن الإرتباط العاطفي بالجماعة وحرص الفرد على سلامتها وتماسكها واستمرارها وتحقيق أهدافها. وللإهتمام مستويات منها: الإنفعال مع الجماعة، حيث يساير الفرد وبصورة آلية حالتها الإنفعالية لمجرّد أنه يعتبر نفسه في قلب المسؤولية فيتعاون ويتفاعل بحماس تلقائياً مع الجماعة ويرى أن مسايرته لها موضوعية ومنطقية. أما الإنفعال بالجماعة، فيحدث بصورة إرادية حيث يأتي تضامنه مع الجماعة بناء على قناعة ذاتية منه، فيجعل أهدافها محور إهتماماته ويتفاعل معها بصدق وشفافية… والتوحّد مع الجماعة، هو شعور الفرد بالوحدة المصيرية معها، والتأثر بها لدرجة أنه يرى في خَيْرها خَيْره وكأنها امتداد لنفسه، يسعى من أجل مصلحتها ويبذل كل جهده من أجل إعلاء مكانتها ويشعر بالفوز إن فازت أو بالأمن كلما خيّم عليها الأمن؛ والوطنية هي من أوضح نماذج التوحّد مع المجتمع. ويندرج الإنتماء المتعقل في مستويات الاهتمام أيضاً، حيث تملأ الجماعة عقل الفرد ووجدانه وتصبح موضوع اهتمامه وتأمله، ويلتقي معها في تقارب فكري، ويغامر في سبيل الدفاع عن طموحاتها وأهدافها، وفي ذلك أحد أبعاد القوة لضمان التماسك والتكافل الجماعي.

* المعرفة والفهم: ويتضمن فهم الفرد للجماعة والقوى النفسية المؤثرة في أعضائها، وفهمه لدوافع السلوك الذي تنتهجه خدمة لأهدافها، وأيضاً، استيعابه للأسباب التي جعلته يتبنّى مواقفها… إن الفهم الصحيح يدعم مشاركة الفرد في القيام بمسؤولياته وهو أيضاً يشترط الإلتزام بأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير والإهتمامات الإجتماعية ومقاومة الضغوط وتنسيق الجهد الشخصي التعاوني، كما يشمل التقارب الفكري والمساهمة في المناقشة المتعقّلة وتحديد النقاط التي يجب اعتمادها للوصول الى الغاية التي تخدم المصلحة العامة… التعاطي العقلاني يجعلنا نواجه الأزمات مواجهة مسؤولة، وحين يكون استعدادنا لتحمل المسؤولية الإجتماعية معتمداً على القوى الذاتية (العقل والعاطفة والتكامل النفسي) يعطي ثماره الجيّدة. والفهم يعني إدراك الفرد للظروف المحيطة بالجماعة، ماضيها وحاضرها وقيمها واتجاهاتها، والأدوار المختلفة فيها. كما يقتضي تقدير المصلحة العامة والدفاع عن الوطن والعمل على رفعته وازدهاره.

* المشاركة مع الآخرين: المشاركة مسؤولية وهي الأرضية الأساسية لحياة إجتماعية مشرقة مستقرة. تُظهر المشاركة قدر الفرد وقدرته على القيام بواجباته وتحمّل مسؤولياته بضمير حي وروحية صافية، وإرادة ثابتة، والمقصود هنا مشاركة الفرد في أعمالٍ تساعد في تحقيق الهدف الإجتماعي حين يكون مؤهلاً إجتماعياً لذلك، ولها ثلاثة جوانب: أولها، التقبل، أي تقبّل الفرد للدور أو الأدوار الإجتماعية التي يقوم بها والملائمة له في إطار ممارسة سليمة. وثانيها، التنفيذ، حيث ينفذ الفرد العمل وينجزه باهتمام وحرص ليحصل على النتيجة التي ترضيه وترضي الآخرين وتخدم الهدف. وثالثها، التقييم، حيث يقيّم كل فرد عمله وفقاً لمعايير المصلحة العامة والأخلاق. وتلعب الثقافة دوراً في مجال المشاركة الإجتماعية، فالثقافة هي همزة الوصل بين الفرد والواقع الإجتماعي. منها نتعلّم أصول العلاقات الإنسانية ونستدلّ على سبل التعايش الإنساني والإجتماعي السليم.

مظاهر نمو المسؤولية الإجتماعية

للمسؤولية الاجتماعية عدة مظاهر، منها: المسؤولية الشخصية والإجتماعية عن الوالدين والأبناء وذوي القربى واليتامى، والمسنين الذين يعيشون معاناة سن الشيخوخة واحتياجاته الصحية والنفسية، وكذلك المسؤولية المهنية وتتضمن، الإخلاص في العمل، وإنجازه والتفاني فيه وبذل أقصى جهد لتحقيق إنتاج جيد، والمسؤولية القانونية: إحترام القوانين والإنضباط والمحافظة على النظام الإجتماعي، والأمانة… ولا شك أن المسؤولية الإجتماعية تتجلى في كثير من المظاهر، كالإعتماد على النفس والقيام بالواجبات والإجتهاد والتفاعل والتعاون. وأن يكون الفرد مسؤولاً، هذا يعني أن يتحمّل مسؤولية آرائه وسلوكه الفردي والإجتماعي. ومن أخطر مظاهر نقص المسؤولية الإجتماعية.

  فالمسؤولية الإجتماعية على الرغم من أنها تكوين ذاتي يقوم على نمو الضمير – كرقيب داخلي – إلاّ أنها في نموّها نتاج اجتماعي يتم تعلّمه واكتسابه. وتبدأ عملية تعلّم المسؤولية الإجتماعية منذ أن يعي الناشئ تحمّل والديه المسؤولية في رعايته وتربيته وإشباع حاجاته المادية والمعنوية، وتنمو المسؤولية تدريجاً عن طريق التربية والتنشئة، وفي كلا المستويين يظلّ الهدف واحداً، وهو إعداد الفرد ليكون مواطن المستقبل ويكون راعياً وواعياً لذاته ومسؤولياته. لذلك لا يمكن أن نهمّش دور التربية المساعد على إذكاء الشخصية وتنمية ملكاتها (المهارات والقدرات، والحسّ الأخلاقي والوجداني، والعملي، والإرادة الفاعلة، والثقة بالنفس وروح المبادرة والإبداع في العمل… الخ). عموماً… نحن ندرك أن التربية هي أهم وسيلة يمكن عن طريقها تعزيز نمو المسؤولية وترتيبها في تكامل مع باقي عناصر الشخصية ومكوّناتها. إن ما يتعلمه الناشئ في مجال الأسرة والمدرسة يتأصل في شخصيته ويثبت في تفكيره، ويمكن القول، إن كل أشكال الإمتثالية السلوكية وحسن الإلتزام بالمسؤولية، ليست من قبيل الصدفة، وإنما مردّها الى ما تشرّبه الفرد من تنشئة وجدانية وأخلاقية وسلوكية في الأسرة والمجتمع، فإذا كان البعض يشارك بمسؤولية تامّة، والبعض الآخر يعجز عن تحمّل حتى مسؤولية نفسه، فذلك يرجع الى ما يتسم به من قدرات وما يحمله في نفسه من مشاعر ومزايا نفسية ومعنوية تبرّر هذا السلوك أو ذاك.. ولأن الإتجاهات السلوكية التي نتميّز بها كأفراد هي في الغالب مكتسبة من التربية الوالدية والمدرسية، يجب أن يكون دور الأسرة قوة مساندة للدور الذي تلعبه المدرسة في هذا المجال، أي في مجال خلق جيل أكثر وعياً وإدراكاً لدوره… فالكلّ في دائرة المسؤولية: الأب والأم، والمربي والمعلم، والمؤسسات، والقيادات… الخ. وكما الدستور هو عماد الحياة الديمقراطية في البلاد، كذلك التربية الإجتماعية والوطنية هي الحجر الأساس لبناء الشخصية القادرة المنفتحة المسؤولة عن نفسها وممارساتها.

أبعاد المسؤولية الاجتماعية

 يرى بعض الباحثين أن للمسؤولية الاجتماعية مجموعة من الأبعاد يمكن أن تكيف بقياسات مختلفة وفق اعتبار طبيعة عمل المجتمع ونشاطه، وتأثير أصحاب المصالح المختلفين في نوعية العمل، وحسب كرول Carroll فإن المسؤولية الاجتماعية تضم أربعة أبعاد جوهرية هي:

* البعد الاقتصادي Economic.

* البعد الأخلاقي Ethical.

* البعد القانوني Legal.

* البعد الخيري Philanthropy.

     وفي هذا الإطار قدم كرول Carroll مصفوفة بيّن فيها هذه الأبعاد الأربعة، وكيف يمكن أن تؤثر كل بُعد على المستفيدين في البيئة المجتمعية، مع العلم بأن صياغة هذه الأبعاد يتطلب إيجاد علاقة وثيقة بين متطلبات النجاح في العمل؛ ومتطلبات تلبية حاجات الفرد في المجتمع، وخاصة في إطار البعدين الاقتصادي والقانوني.

الشكل رقم (1): هرم كرول Carroll للمسؤولية الاجتماعية

    المصدر : محمد عاطف محمد ياسين،ص23.

العلاقة بين المسؤولية المجتمعية وأخلاقيات المهنة

    يكتسب أخلاقيات المهنة في العمل أهمية بالغة خاصة عند تردي مستوى أداء الموظفين، وتفشي صور الفساد الإداري؛ أو الانحراف الإداري في المجتمع. لذلك فإن تحلي الفرد بسلوك نظيف وإيمان صادق في النظام الأخلاقي وقيم المجتمع وإخلاصه للأهداف العامة أصبح من الأمور الضرورية التي يجب توافرها في المجتمع، ولكي يؤدي كل فرد المجتمع وظائفه وواجباته وخدماته على نحو يرضي نفسه والآخرين من حوله يجب أن يتقيد بالقيم الأخلاقية النبيلة عن قناعة ورضا، وليس عن قسر وخوف، لذلك يتعين على المجتمع تعيئة الظروف والعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتنظيمية التي تفرز على نحو طبيعي قيماً أخلاقياً من شأنه تساعد في تحقيق السادة في الحياة.

مفهوم أخلاقيات المهنة: الأخلاق عبارة عن مجموعة من المبادئ التي يتحلّى بها الإنسان لتنظيم سلوكه في الحياة. فالعمل عبادة؛ وهو أمرٌ ضروري لعمارة الأرض وإصلاحها، وتلبية احتياجات الفرد والمجتمع كافة. لذلك فإن أخلاقيات مهنة العمل هي عبارة عن منظومة متكاملة من السلوكيات السائدة في بيئة الأعمال، وتعتبر شكلاً من أشكال تطبيق الطبائع من خلال معاملة الفرد مع الجماعة، هذا بالإضافة إلى الالتزام بالقوانين المجتمعية التي تختلف من مجتمع لآخر حسب العادات والتقاليد.

الأخلاق لغة وإصطلاحاً: الأخلاق جمع خلق ولغة السجيّة والطبع، وبفتح الخاء أبتداع الشئ على مثال لم يسبق إليه، ويطلق العرب على الصفات الراسخة في أعماق النفس الإنسانية. وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها (أبادي1967م:885). وقد عرّفها البعض بأنها:” مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس الإنسانية إما حسناً أو قبحاً(ابن منظور،1956م:86،10).

مفهوم الأخلاق: فالأخلاق تعني عادات يكتسبها الفرد نتيجة تعرضه لمؤثرات الأسرة والمدرسة والمجتمع والبيئة، وتنطبع في نفسه ويتمثلها في تصرفاته في المواقف المختلفة. ويعرفها آخرون بأنها “ما يجب عليك أن تفعله”، وبتحديد أكثر” أن تعرف ما التصرف الصحيح وما التصرف الخطأ ثم تفعل ما هو صحيح”.  لذا يجب على المهتمين بإصلاح المجتمع عليهم أن يضعوا آليات لضمان تحقيق أهداف الأمن والاستقرار النفسي والسلوكي، وذلك من خلال الوسائل التالية:

أولا: تفعيل قاعدة مفهوم التواصل والاتصال الاجتماعي، خصوصاً عندما يرتبط العمل بالتنمية الشاملة.

ثانيا: رفع درجة كفاءة التربية في القيم والسلوك.

ثالثا: إكتساب مهارات التفاعل مع المجتمعات الأخرى.

رابعا: تدريب وتأهيل المتعلمين.

خامسا: إدارة الوقت وتحسينها.

الإتجاهات السلوكية والأخلاقية

    لا يمكن إحداث التقدم الإجتماعي والاقتصادي في أية مجموعة بشرية، إلا بتوفر الإمكانات الروحية والمادية، والتمسك بالقيم والأخلاق، وهذا ما يسمى بأخلاقيات المهنة، ولتحقيق ما سبق، على يجب على كل فرد في المجتمع أن يتفاعل مع مجموعة من العوامل والمتغيرات البيئية المختلفة التي تساعد في تكوين الاتجاهات السلوكية للأفراد، والتي يستمدون ذلك من قيمهم وأخلاقياتهم. فالإتجاه هنا هو سلوك مكتسب يكتسبه الفرد من خلال تفاعله مع مجموعة من المتغيرات الطبيعية التي تلازمه طيلة فترات حياته، والتي يكون لها دور كبير في التعبير عن قيمه ومعتقداته، ففي البيئة الأسرية تتكون الإتجاهات الأسرية للأفراد، حسب قيم وأخلاقيات الوالدين والأخوة الكبار، لذلك نجد إن تأثير السلوك الأخلاقي المفروض من سلطة الوالدين يخلق إتجاهاً سلوكياً فردياً. كما يتكون السلوك الطوعي للفرد من خلال اتصالاته وعلاقاته مع أبناء فئته العمرية حيث يستمد من هذه الجماعات إتجاهات سلوكية ذات قيمة إيجابية أو سلبية بحسب نوع المصالح المشتركة التي تجمع بين أعضاء الفريق الواحد، والتي يحددها في الغالب ذلك الشخص الذي يمثل مصالحهم. من هنا تختلف القيم والإتجاهات السلوكية بين فرد وآخر بحسب موقعه وسلطته ومستواه في التنظيم، وفي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ومع مدى تفاعله مع الأحداث والوقائع من حيث القبول أو الرفض، هذا بالإضافة لمجموعة العوامل المؤثرة في البيئة الداخلية الخارجية.  وعلى ما ذكر يتكون اتجاهات السلوك العام من الآتي:

1- قيم المعتقدات الدينية.

2- قيم الجماعة.

3- قيم الأسرة.

4- القيم الثقافية والحضارية.

نماذج من مصادر أخلاقيات المهنة

    هناك مجموعة من المعايير الأخلاقية التي تقّوم صلات الفرد بالأخرين. وفي هذا يرى” رد كليف براون” أن الأفراد في الغالب يتصرفون بالأسلوب الذي يرون أنه يتفق مع القيم المرجعية للجماعة التي ينتمون إليها خاصة اذا ما توقعوا أن هذا التصرف أو السلوك سوف يؤدي إلى كسب رضا الجماعة، والمحافظة على تماسكها. أما الأسباب الرئيسية التي تدفع الفرد إلى الإنضمام للجماعة فمن أهمها شعور الفرد بأنه جزء من المجتمع، بل كثيراً ما يحمل هموم المجتمع بعصره. وفي ذلك يرى أن القوانين اللوائح المنظمة لتنمية المجتمع توفر له الحماية الكافية لحقوقه، وبالتالي يرى، أن الإنتماء للجماعة تحميه. ومن أهم مصادر القيم الأخلاقية:

* التعاليم الدينية: يمثل الدين أحد المصادر الهامة التي يستمد منها الفرد قيمه الأخلاقية في المحتمع، لأن الدين هو المؤسسة الوحيدة التي تقّوم سلوك الفرد في كافة مجالات الحياة، ويتكون القيم التي تصاغ الفرد ليكون فاعلاً مجتمعه من: النية والمسؤولية الفردية والجزاء والوفاء بالعهد، وهذه الأسس هي التي يقوم عليها النظام الأخلاقي في الإسلام، ويرى الباحث أنّ الجانب الأخلاقي في الأديان السماوية تقوم على نمطين أساسيين، وهما:

1- الناحية النظرية: وهي التي تشكل الأساس في بناء النظرية الفلسفية للأخلاق مثل البحث عن الطبيعة الإنسانية، ومعرفة مصادر الإسلام، وتحمل المسؤولية المجتمعية، والتكيف مع جيموغرافية البيئة.

2- التطبيق العملي للقواعد السلوكية: وهو مجموعة الفضائل التي يكون المجتمع بها فاضلاً.

   فالإيمان بالله تعالى يشكل أساساً مهماً في بناء الأخلاق، وأنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين مقاصد التشريع الإسلامي وبين اكتساب القيم الأخلاقية. وقد حدد الإسلام إطاراً أخلاقياً على أساس تصوره للكون والحقائق الموجودة فيه، فالإسلام يربي المسلم تربية عقلية تقوم على العلم والمعرفة لتوجيه طاقات الإنسان إلى البحث عن الحقيقة المثالية من خلال الآتي:

* الإلتزام الذاتي: ويقصد أن يكون الفرد على قدر عالٍ من الالتزام الأخلاقي في تنفيذ ما يؤكل عليه من المهام، خاصة في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر من المعاني النبيلة؛ لأنهما يقومان على مبدأ الامثتال لأوامر المولى عزّ وجلّ في كلا الجانبين الفطري والروحي.

* المسؤولية الذاتية: ويقصد بها تحمل الشخص مسؤولياته أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام ضميره وأمام المجتمع. وطبقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية فإن المسؤولية المجتمعية تقوم على مبدأ الحرية في الأداء والممارسة، وأن يكون الفرد كامل الأهلية في تنفيذ مهامه. فالمسئولية ثلاثة أنواع، وهي:

1- المسئولية الدينية: وهي الإلتزام أمام الله عزّ وجلّ بأداء شعائره العبادية والتعبدية.

2- المسئولية الأخلاقية: وهي الإلتزام الشخصي من حيث الأوامر والنواه.

3- الإلتزام الذاتي: وهي الإلتزام تجاه الأخرين، وما يفرضه المجتمع من قواعد يساعد في القضاء على الأمراض النفسية.

* الجزاء :على الفرد في المجتمع أن يدرك في مسؤوليته الأخلاقية؛ بأن هنالك جزاء دنيوي وآخروي، وهي على النحو التالي:

1- الجزاء الأخلاقي: على الفرد أن يمتلك قناعة رضا الذات الذي يزيد من مهاراته الاتقانية في أداء العمل سواءاً عبادية أو تعبدية، فالجزاء الأخلاقي يتمثل في الشعور الذي يعيد الفرد نحو احترام القانون، ولا يتأتى ذلك إلاّ بالتوبة؛ والعمل الصالح.

2- الجزاء القانوني: يرتبط الجزاء القانوني بارتكاب المخالفات، وهذا في حد ذاته تعتبر مفسدة للمجتمع، فهذا النوع من الجزاء لدرء المفاسد وجلب المصالح، وإصلاح ذات البين، وإثارة المودة والسلام بين الناس.

3- الجزاء الإلهي: يختلف الإلهي عن النوعين السابقين حسب التزام الفرد بالقانون الإلهي. وقد جاء في القرآن الكريم في شكلين هما:

الأول: الجزاء الدنيوي، وهذا يشمل الاختبارات والابتلاءات التي يتعرض إليه الفرد في الجانبين المادي والروحي.

الثاني: الجزاء الآخروي، وهو إمّا في الجنة أو في النار.

* رقابة الضمير :تعتبر الإلتزام القيمي والأخلاقي للأفراد والجماعات هي شكل من أشكال الرقابة الذاتية يطبقها الفرد على سلوكه، وتختلف محاسبة النفس بين الشخص السوي، والشخص غير السوي، فالسوي أكثر التزاماً بالمبادئ والقيم الأخلاقية، وبالتالي فإنه لا يشعر بأهمية محاسبة الذات بقدرما يعمل على تحقيق رغباته بكل سهولة ويسر، أما الشخص غير السوي فإنه يواجه عدة صراعات نفسية لا تتفق مع المبادئ الأخلاقية السامية، وهذا الخرق يفسر انتهاك للقواعد الأخلاقية.

* العدالة الإدارية :ويقصد بذلك أن على كل فرد يعتلي الهرم الإداري في المجتمع أن يعامل الناس بحسن النية، وأن يقيم أداءهم على أساس الكفاءة والإنتاجية؛ دون تحيز إلى جانب دون الآخر، لأسباب تتعلق بالقرابة أو الدين أو الجنس أو الإتجاه السياسي، لأن التفرقة والتحيز في تقييم الأفراد ينظر إليها على أنها سلوك غير أخلاقي.

* الإستقامة: ويقصد بذلك اختيار السلوك الأخلاقي في اتخاذ القرارات، وإصدار التعليمات وتوزيع الأعباء بصورة تنال الرضا الوظيفي، والإعتراف بالمسؤولية الاجتماعية تجاه أفراد المجتمع. فالمسؤول مهما كان مركزه وسلطته يجب أن يتعامل مع أعضاء التنظيم بالموضوعية لتحقيق الأهداف الكلية للمجتمع.

* القوانين والتشريعات: إن مجموعة التشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح الصادرة استناداً إلى المصادر التشريعية المعمول بها في الدولة تعتبر من المصادر المهمة للأخلاقيات، وذلك لأنها تضبط وتتحكم في سير إدارة العامة المجتمع .وعليه، فإن المسؤولية المجتمعية من وجهة نظري هي شراكة قائمة بين مؤسسات المجتمع المختلفة.

* الأسرة: يعتمد الإنسان في بناء سلوكه على ما ورثه من أسرته، فالأسرة التي تربي أبناءها على المبادئ والقيم والمثل الدينية من صدق وأمانة واحترام يظل الأبناء متمسكين بهذه المبادئ، والعكس في الأسر التي لا تربي أبناءها على ذلك.

* المؤسسات التعليمية: تستطيع المؤسسات التعليمية ان تلعب دوراً هاماً في إعداد كوادر مؤهلة تساعد في تنمية المجتمع، حيث تستطيع هذه المؤسسات توجيههم وتوعيتهم وتربيتهم مبادئ الدين والأخلاق التي تساعد في توجيه سلوكهم تجاه المسؤولية والانتماء للمجتمع، وهنا يجب تطوير المناهج التربوية والتعليمية بما يتفق مع الأخلاق والانضباط السلوكي قولاً وعملاً.

* المجتمع: إن المجتمع الذي تسوده فيه القيم الأخلاقية النبيلة يحرص أفراده إلى التنظيم المجتمعي المتزن بعيداً عن المخالفات الأخلاقية، وبالتالي يشعر كل فرد بأنه مسؤؤل عن سلوك المجتمع، يحاسب المعتدين والمرتشين، بذلك يحرص على عدم العبث بقيم المجتمع؛ لأنها أقوى من ذواتهم كأفراد. لذلك فإن زيادة التكافل الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع مع توليد شعور عالي بالانتماء من قبل الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة كالمعوقين وقليلي التأهيل والأقليات والمرأة والشباب تولد نوعاً من الاستقرار الاجتماعي عند توفر العدالة الاجتماعية، وسيادة مبدأ تكافؤ الفرص الذي هو جوهر المسؤولية الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى تحسين مطلوبات الحياة في المجتمع سواءً من ناحية البنية التحتية أو الناحية الثقافية.

الخاتمة

أكدت الدراسة إن ازدياد الوعي المعرفي والثقافي بأهمية الاندماج التام بين منظمات المجتمع المدني المختلفة وبقية الفئات ذات المصلحة تحقق قيم المجتمع من خلال الآتي:

– تحسين التنمية السياسية انطلاقاً من زيادة التثقيف بالوعى الاجتماعي على مستوى الأفراد والمجموعات والمنظمات، وهذا يساهم بالاستقرار السياسي، والشعور بالعدالة الاجتماعية.

– ارتباط المسؤولية الاجتماعية بمفاهيم الجودة الأساسية كالشفافية والصدق في التعامل، وهذه تزيد من الترابط الاجتماعي، وازدهار المجتمع على مختلف المستويات.

– الالتزام بالمسؤولية البيئية التي تساعد في تعظيم عوائد المجتمع والدولة، وذلك من خلال زيادة وعي منظمات المجتمع المدني نحو المساهمة العادلة في تحمل التكاليف الاجتماعية، والمساهمة في التطور التكنولوجي والقضاء على البطالة وغيرها. 

* القدوة الحسنة: إن القيادة الناجحة هي التي تستطيع أن تبث روح الحياة عن طريق أشعار كل موظف في لأداره بأنة عضو في جماعة تعمل متساندة ومجتمعة لتحقيق هدف معين في التنظيم , والقيادة القدوة هي التي تأخذ الأمور بقوه ليس فيها شده ,ولين ليس فيه ضعف ,وتستطيع أن تغرس فضائل الأخلاق في نفوس المرؤوسين .

التوصيات

1. ضرورة توجيه الخطاب الديني والاعلامي نحو الاهتمام بقيم المجتمع.

2. تدريب وتأهيل الائمة والدعاة على خطاب الوسطية

3. فتح مراكز أكاديمية وبحثية تعنى بالمسؤولية الاجتماعية والقيم الأخلاقية.

المراجـع:

نجم عبود نجم، أخلاقيات الإدارة ومسؤولية الأعمال في شركات الأعمال، ط 1، دار الوراق، الأردن، 2005، ص: 196

طاهر محسن ، منصور  الغالبي ، صالح مهدي محسن العامري،  المسؤولية الاجتماعية  وأخلاقيات الأعمال، دار وائل، الأردن، 2006 ،ص: 52.

محمد عاطف محمد ياسين، واقع تبني منظمات الأعمال الصناعية للمسؤولية الاجتماعية:  دراسة تطبيقة لآراء عينة من مديري الوظائف الرئيسية في شركات صناعة الأدوية البشرية الأردنية، رسالة ماجيستير غير منشورة، جامعة الشرق الأوسط للدراسات، الأردن، 2008، ص: 19.

صالح السحيباني، المسؤولية الاجتماعية ودورها في مشاريع القطاع الخاص في التنمية: حالة تطبيقية على المملكة العربية السعودية، المؤتمر الدولى حول القطاع الخاص في التنمية: تقييم واستشراف، بيروت، 23-25 مارس 2009.

 4-   Lemercier, la Responsabilité sociale des entreprises, Association membre de  l’union sociale pour l’habitat, 2006, P 2.

  5 –   www.wbcsd.org

 6-   Yran pesqueux, Yran Biefot, L’ethique des affaires ; Management par les valeur et responsabilité sociale, Edition d’organisation, Paris, P19.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *