أ.د.هند عباس الحمادي

أستاذ الصرف  جامعة بغداد ، كلية التربية للبنات ، العراق

المقدمة

 في صفحات العصور, وفي أنماط التفنن في استعمال اللغة,لابد أن يكون الأديب هو المتحدث الأول, في فنون لغته, وديمومتها وصيغها وبنيتها, والصانع لما آلت إليه لغة عصره, ومطاوعتها لكل الأحداث والمجريات التي تدور اللغة في فلكها .  فاللغة جواهر مستقلة ذات معان مفارقة تتماهى  للوجود عبر نظرية التجلي(أدهم ،1993، 78).   إذ تعد لغة العرب لغة غنية, خصبة, متنوعة, تضم قدرا لا حصر له من المفردات التي تدل على معان تتطاوع بين ألسنة الناس؛ لتعبر عن الحال الذي يريد إيصاله للمتلقي .  فالكلمة هي ملكة الأديب وأيقونته, والروح التي تنفتح فيه, وينفتح فيها ؛ ليتوحدا في تفاصيل الأشياء ومدلولات كوامنها(نهر ،2013 ،113)

 لذلك عندما يختار الأديب المفردة فأنها ستحاكي الرؤى والتعابير التي تستوطن أرواحنا حين نعجز عن اللجوء إليها, أو نحس بها ونستشعر فيها لكننالا نملك القدرة على وصفها وتجسيدها فيأتي الأدب معيناعلى وصفها,ووصف تجاربنا المعيشة, فيتحدث بيننا بلغته الخاصة,اللغة التي لا نملكها نحن, فتغدو لفظتة أنيسة رقراقة موحية تسفر عن الظمأ فينا، فتشعرنا بمتعة أرواحنا, وبمعنى الحياة بألوانها, وبأنغامها, وبكوامنه(المصدر نفسه،113) .  والأدب في جوهره قيمة اجتماعية يمثل روح الأمة , وقلبها النابض , وعنوان من عناوين تقدمها وازدهار أداتها .

 والمبدع هو العضو المسهم في تجديد  الواقع الحضاري ورقيه عبر اتخاذ اللغة الجمالية الإنسانية التي تتجلى فيها القدرات التي يمتلكها الإنسان .   لذلك ستغدو لغة الأديب مجموعة من الاحتمالات اللغوية , والأساليب التعبيرية التي تمكنه من آلية الخطاب , للوصول إلى جوهر الأشياء وعينها.

 إذ إن أهم ما يميز تلك اللغة هو الوعي شديد الحساسية التي تمكنه من رؤية قضايا المجتمع, وإحساسه بأهميتها ليكون له الدور الاجتماعي بفكره وثقافته؛ ليصبح سبيلا للإضافة , والإثراء , والتطوير, والتصوير؛ لأن الواقع ليس مجرد أحداث صامتة , أو وقائع جافة فجـّة , بل هو سيلان دائم ينخرط في الزمان , ويتوزع في البيان , وعليه يترتب على المبدع أن يمارس حيويته الفكرية أو إنتاجه الرمزي والمعرفي في قراءة واقعه, ومقاربة سؤلاته( شوقي،2005، 43) .  لذلك ستكون لغة الأديب بنية لغوية تبدأ من جرس الصوت , ثم تشكيل المفردة عبر التركيب الجملي ودلالاته ليعبر عن الصورة الموحية التي تشير إليها الصورة المقصودة .  فالأديب يتقصّد أن يخرج الكلمة من كونها رمزا للشيء في عالمه الخارجي المحسوس إلى رمز تنضوي تحته رؤى وأفكار وألوان وصور وقيم جمالية لم تكن معهودة من قبل في الكلمة ذاتها.  ولا يحصل ذلك إلا بإحكام البنية اللغوية على مستوياتها الصوتية والبنائية والتركبية على وفق النظام العلامات وواشاراتها الذي يسفر عن  إنتاج ثقافي في أسلوب ما , وهذا الأسلوب نفسه مبني على قواعد , تعبر عن نفسها عبر العناصر التي يتشكّل منها النص , إذ إن تنظيم هذا النص خاضع للنظام اللغوي .  وعلينا أن نعي إن اللغة ((هي فوارة المعنى لا تستنفذ معنى ما تقوله؛ لأن هناك دوما إرادة في تشكيل العبارة تعبر عن واقع  أو حال أو ظرف , فاللغة هي أوسع من أن تختزل إلى مجرد أنساق في التعبير أو أبنية في الخطاب …. فهي لا تخضع لمنطق نسقي وإلا اكتملت بنيتها وقالت كل ما تريد قوله , وهو المستحيل عينه, لا يمكن للغة أن تستنفذ مقالها لأنها سيلان دائم تمنح باستمرار الأداة في التعبير والتفكير , إنها تشترط الآليات والنماذج في فنون القول , لكنها لا تنحبس في جداريات النسق المغلق))( المصدر نفسه، 50،51) .

لغة القاص يونس

   إذا انتقينا اللغة عند القاص  محمد عبد الرحمن يونس في مجموعته القصصية ( ذكريات ومواجع على ضفاف عدن) نجدها تتشكل عبر مفردات وتراكيب خضعت ضمن النظام اللغوي للسان العربي .

  إذ إن النص الإبداعي يعدّ أحد التجليات اللغوية , فهو يعبر عن مستوى الأداء , وتشكيل اللغة ضمن مقاربة أشكال التعبير السردي للنص . على أن تتضمن اللغة في بنيتها التكوينية , وأدواتها خاصية تعبيرية مقيدة بطبيعة النص وحركة الشخوص , ومحتويات السرد , فالتعبير عن محتويات النص وعلاماته المتضمنة في السرد تخضع لمقادير اللغة وقواعدها التي تشكل المتن السردي للقصة(نور، 2015)، (( فإذا كانت اللغة في العملية السردية هي الثابت من حيث وجودها القبلي، فإن الخيال مصدر النص الروائي متغير ومتجدّد. وتكون اللغة في ذات المستوى المعياري من قبل أن تستخدم قدراتها التعبيرية في جنس أو يتبناها شكل تعبيري ما، فوجودها في أكثر من حيّز وشكل تعبيري يؤكد هيمنتها على لعب دورها الثابت في رسم الخطاب السردي المتطور تاريخيا والمتعدد المستويات من الشعر والحكي والممارسات الطقوسية اللغوية وما إليها))( المصدر نفسه)

 ومن هنا يمكن القول : إن لغة القاص يونس تتسم بما يأتي :

  1. في أول وهلة يشد القاص يونس القارئ إلى اللغة العالية الفصاحة التي يستعملها , مما يسفر عن تمكّن فائق من تخوم اللغة وأوجه استعمالاتها .

  وقد أحاط هذا التمكن بذائقة جمالية ووعي فكري فني , استطاع عبره أن يجذبنا نحو المنحى الإبداعي باستمرار لديه .

  • طبيعة لغته كانت في إتقان القواعد التركيبية والمورفولوجية وعلاقاتها بالتصورات الذهنية والعاطفية والخيال ؛ لتكون هي الوسيلة في بيان المعاني التي يريد إيصالها للقارئ, والعوالم التي يريد ادخاله فيها , والمفاهيم والطروحات والنظريات الإيديولوجية التي يؤمن بها ؛ لتظهر بشكل جلي اتجاهات القاص , وما يريد إحيائه للوجود من مفاهيم وأفكار , وأطر المجتمع الذي ينفيه أو الذي يؤمن به .
  • لا يحدث تداول معلومات القاص وأفكاره من دون وسيط لغوي يختزن ما تودعه معرفته الإنسانية .

 فالمنظومة اللغوية تنتج خطاب القاص عبر تشكيل المفردات داخل حيز النص .  وقد ارتقى مستوى السرد لديه عبر منظومتين :

  1.  منظومة لغوية ذات مستوى معياري وهي تضم لغة الأدب , ولغة الأفراد ممن هم من  الطبقة المعرفية  العالية .
  2. منظومة لغوية ذات مستوى عام تضم المفرادت الدخيلة والمعرّبة , والمفردات الأجنبية , والمفردات اليومية الدارجة .
  3. دقة القاص في اختيار المفردات التي يتقصّد اختيارها , ويضعها في الحيز التركيبي الذي ينبغي أن توضع فيه ؛ لتكون هي مصدرا في التعبير عن أفكاره ومنطقه , والحالة التي يريد إشعار القارئ بها .

 فجاءت مفرداته متنوعة , بانت  فيها الكثير من المعالم المعرفية في مجموعته القصصية( ذكريات ومواجع على ضفاف عدن ) التي اختصت دراستنا فيها , منها على سبيل المثال لا الحصر :

  1. الحضور والغياب .
  2. التأثير والتأثر .
  3. الأزمنة والأمكنة .
  4. الرمزية والتناص  .
  5. الحب والجنس .
  6. صور المرأة  .
  7. الرجل والمرأة .

وسنبحث المفردات الجنسانية عنده تحديدا عبر منظومتين , منظومة المفردات الجنسانية الصريحة , ومنظومة التراكيب الجنسانية الصريحة .

أبعاد المستوى التركيبي الجنساني عند القاص يونس :

   ترد الألفاظ الجنسانية في العمل الأدبي متناسقة مع طبيعة العمل , وعلى الرغم من أن اللغة الجنسانية عند العرب هي لغة خصبة , وغنية(المنجد،1975، 94), غير أن المبدع العربي وظّف نمطين من هذه اللغة في إيراد خطابه الجنساني , وهذين النمطين هما :

 النمط الأول : يورد الألفاظ الجنسية بشكلها الصريح ضمن النسق التركيبي , قاصدا بها, مكملا بها التصوير الفني الذي يريد بيانه , وعُدّ ذلك من ضمن ( الثقافة العلنية) , وساد ذلك الخطاب  عند الكثيرين من كُتاب الرواية والقصة المعاصرين .

  أما النمط الثاني:  فقد جُمعت فيه الألفاظ الجنسية مع ألفاظ الحب , والعاطفة , والوجدان , والهيام , قاصدا بها الخطاب الجنسي(الداديسي،2017 ،9) , وعُدّ ذلك ضمن (الثقافة الضمنية ) .  وسواء ساد الخطاب الجنساني العلني عند الكتاب العرب المعاصرين , أو قُبل أو رفض  فعلينا أن نعلم أن هذا الخطاب كان موجودا عند علماء القرن الثالث الهجري , إذ يمتلك العرب المئات من المفردات الجنسانية التي تجعلنا نفقه الثقافة السائدة آنذاك( عطو،2014). وإذا أردنا أن نتحدث عن لغة الخطاب الجنساني عند القاص يونس في مجموعته القصصية سنجد ما ذكرناه في مقدمة البحث عن المنظومة اللغوية , وعن أنماط الخطاب لدى الكتاب , وسنجد القاص يظهر النمط الذي اختاره عبر السرد القائم بنفسه أو القائم على ألسنة الشخوص التي أوردها في القصة , ولكنه أماز بشيء اختلف فيه عن غيره , ولعله تفرّد في ذلك .  فالقاص استعمل الخطاب الجنساني عن طريق السخرية والامتعاض من الشخوص التي ترد في قصصه, فتتجلّى تلك الشخصيات بخطابه الجنساني الذي  يسفر عن غضبه من وجودها في عالمه المحسوس , إذ يقول عبر كلامه عن بطل قصته : (( وتأبط جواز سفره المزوّر.. ودخل مكتب سفريات الشرق ……هنا النساء تتألف , وتقطر عطورا ورقصا ومطارات ورشاوي وهدايا …. ومواعيد عشق مع الطائرات والنوارس والقباطنة ورجال الأعمال , قابلته شابة…..ساعداها العاريان يلمعان شهيين على مكتبها الوثير…. يقفز نهداها ألقين طافحين بحليب التذاكر والطائرات (…) ولعن في سره هذه الموظفة الطافحة بالخمور والحشيش والملابس الفاخرة المستوردة (…) ودّ لو يبصق….غراب أسود بدأ ينخر خلايا دماغه(…) واستشاط كبته التاريخي المزمن , وثقب تلال الجسد المتكوم سنابل وبلحا شهيا , وشك أن هذه النوعية من النساء الأسطوريات لا يهمها من مآسي هذا العالم وظواهره الطبقية التاريخية , إلا أن تمنح نفسها سخية معطاءة لمن يدفع أكثر….))( يونس، 2016، 65،67).

 هو يرفض تلك المرأة الموجودة في عالمه الحقيقي , وعبّر عن رفضه بوساطة الخطاب الجنسي الذي يتشكل عبر وصف مفاتن المرأة تارة , أو عبر الخطاب الذي يتشكل وفق تركيب لغوي يوحي بالتصوير الجنسي تارة أخرى ؛ لما ينضوي من رؤى وأفكار أراد بيانها , فاختار مفردات تحاكي عقولنا لأننا نراها مثله , ولكننا نعجز أحيانا عن وصفها على نحو ما وردت فهو يستعين بمستويين , الأول يستعمل المفردة الموجودة في منظومته اللغوية , ثم المستوى الثاني يدخل اللفظة في نص تركيبي يعطي دلالته الجنسية بما يقتضيه المقام.

 والسمة الأخرى التي أماز به الأديب أنه قرن كل خطابه الجنساني مع المرأة فحسب , فهو اعتمد وصف المرأة بكل أحوالها الموجودة في المجتمع :  المرأة العاهرة , والمرأة الخائنة , والحبيبة الناكرة , والمرأة المتسلطة , والمرأة الزوجة , والمرأة صاحبة النفوذ والجاه ,والمرأة المغرية , ولم يستعمل الخطاب الجنساني بين الرجل والمرأة كونهما هما المعنيان بهذا الخطاب ؛ لكون الجنس معطى ملموسا بالجسد بين الرجل والمرأة(الداديسي،8), بل كان خطابه الجنساني إما محكيا عبره  , وإما عن أبطال القصة من الذكور في الأغلب الأعم موجها للمرأة بشكله الساخر والغاضب تارة , والنافر مرة أخرى , والواصف المتغزل به بطريقته الممزوجة بين القبول والرفض أحيانا أخرى , على نحو قوله :

(( مرت أمامه فتاة ترتدي سروال جينز , بدأ صدرها نافرا ولأول مرة يشاهد صدر امرأة يصدم الريح والضباب والسيارات والمقاهي ولا يخاف رجال الشرطة (…) نهدها يتشامخ كالعم “سام”.. وكأدغال أفريقياالسمراء .. يا ناس زوّجوها فالأرق يقتلعها..وهذا النهد المشاكس سيشق الثوب وأشياء أخرى إن لم يجد من يضّمخه بالغاروتوابل الأجداد..))( يونس،110-111).

 والغريب أن قارئ مجموعة يونس القصصية  سيجد المرأة هي الثيمة المتداولة عنده , وهي الحاضرة دوما , وعن طريقها يرفض الكثير من الظواهر الاجتماعية الموجودة في عالمه المحسوس , ويجعلها السبب في وجود تلك الظواهر , أو المساعدة في وجودها , أما الرجل فقد كان غائبا في أحيان كثيرة , والخطاب محكي من القاص , وهو من يرصد تلك الظواهر, ولا يعدّ الرجل  مساهما فعالا فيها, أو هو جزء منها .

  وإذا أردنا معرفة النمط الذي اتخذه القاص في الخطاب الجنساني الذي اختطه في مجموعتة , فأن ذلك سيكون  في  البحث في مفرداته , والتراكيب اللغوية التي صيغت منها خطابه , وهو المائز الحقيقي لنمط خطابه , ونوعيته الذي تشابه , أو أماز فيه عن أدباء عصره . 

دلالات المفردات الجنسانية وأبعادها عند القاص يونس

 كانت الصبغة التي امتازت بها مفردات القاص متلونة , وخصبة , ومتنوعة , وغنية , فهو يتداول المفردات الخاصة بأعضاء الجسد , أو المفردات الخاصة بالجنس , فجاء خطابه في أغلبه محكيا , متلونا بمفردات تجمع بين الجسد والجنس .

مفردات الجسد

 ضم خطابه مفردات الجسد بصيغها المتباينة بين صيغة المفرد , والجمع , وغلب عليها صيغة التأنيث في سائر المجموعة القصصية, إذ غابت صيغة التذكير عنها ؛ كون الراوي هو  الرجل وهو الممثل عنه , نحو :

أرحام النساء :

جاءت اللفظة على لسان شخصية الأم محكية من القاص في قصة “الأم ” :

(( وكانت تصرّح سرا وعلنا: بالناقص من الرجال , ليذهبوا إلى الجحيم , لولا أنهم يزرعون الأطفال الوسيمين في أرحام النساء لكانت الخنازير أفضل منهم ))(يونس،9).

النُّهد :

  النَّهْدُ , الثَّدْيُ  أحد عضْويْن غُدِّيَّيْن مُفرزين للحليب في صدر المرأة , يقال : نَهْدُ المرأة( ابن مظور،1955، نهد), تكررت اللفظة مرات متعددة في المجموعة وتناوبت مع لفظة ( صدر) , ويقصد أيضا به النهدين , يقول في القصة التي حملت عنوان المجموعة ( ذكريات ومواجع  على ضفاف عدن) : (( راقب النساء بأزيائهن المتناسقة والقبيحة …… كم بدت الكثير منهن بلهاوات مليئات بالدمامة,وهن يتلطّخن بأصباغ فاقعة لا تناسق ولا انسجام فيما بينها, وكان مهموما وحزينا, ولم يكن حزينا لأن لا حبيبة ولا زوجة ولا أم له .. ولا امرأة يطفئ مواجعه القديمة على شفا نهديها .))(يونس، 45).

 ويكرر خطابه لبيان المعنى ذاته , يقول : (( وهذا النهد المشاكس سيشق الثوب وأشياء أخرى إذ لم يجد من يضّمخه بالغار وتوابل الأجداد))( المصدر نفسه،111)  

 ويستعيض بلفطة الصدر ليصف النهد, يقول : (( بدا صدرها نافرا ولأول مرة يشاهد صدر امرأة يصدم الريح والضباب والسيارات والمقاهي ))( المصدر نفسه ،110) .

 الشفة :

    شَفةُ الإنسانِ : الجزء اللحميُّ الظاهر الذي يستر الأسنان( ابن منظور، شفة) , وهو العضو الذي له القدرة على التلوين , وأثر ذلك على المقابل من الأشخاص , لذلك ذكرها الكاتب بصيغ بنائية متعددة : شفة , شفاه , شفتيها, وفي كل مرة يريد وصف تلك الشفاه , فيقول على لسان بطله في (شتاءات في المنفى) :  (( تزمّ شفتيها الحمراوين , وتستحضر أقرب تكشيرة وتقذفني بها ..))( المصدر نفسه، 86).

أكفال :

 الكَفُل : العَجٍز للإنسان والدابة , وجمعها أكفال( ابن منظور،كفل) , وردت في المجموعة بصيغة الجمع للمؤنث والمذكر , وفي كلا الاستعمالين كانت للسخرية والاستهجان , يقول على لسان بطله في قصته ( الأشاوس ) : (( يمارسون الحب مع البحر والإسفلت والقار والصحراء . لهم نساء يبتسمن من مؤخراتهن وأكفالهن .. ))( يونس،7).

 فهنا يستهجن من ظاهرة اجتماعية موجودة في الواقع المحسوس , فالغالب أن النساء لا ترغب الزواج إلا بمن امتلك المال والجاه , يقول :(( لكني لم أستطع الزواج لأن نساء بلدتي شرانق جميلة محصّنة باللؤلؤ والمرجان(…) وسرطانات يتركّز شرفها المقدّس المنيع في نصفها الأسفل, وأكفالها الجميلة ))( يونس،10)

 واستعملها في رفض الواقع العربي في قصته ( ملاحات في عيون حالمة ) , فجاءت بأسلوب الاستهجان مما آل إليه العرب ,  يقول :(( من هذا القادم من بوابات الصحراء التاريخية , سابحا فوق بحر من الذهب , والذي سيعطيها شيكا مصرفيا دوليا تذهب به ذات يوم إلى البنك العربي للإنماء والتعمير لتصرفه؟ . ما أكثر مصائب العرب.. أموالهم تضيع وتسافر بين أفخاذهم وأكفالهم))(المصدر نفسه ،111) .

العين :

   العَيْنُ هي عضو الإبصار للإنسان ومنفذه نحو العالم , وعضو التأثير والتأثر بين بني البشر , ففيها لغة منطوقة , من دون النطق بأي حرف , وقد أوردها القاص بصيغها المفرد والجمع والتأنيث, وتكررت مرارا بصيغ جمعها المتعددة عُيُونٌ ، أَعْيُنٌ  , وعينان , والملفت للنظر أن القاص كان يورد لفظة العين في تراكيب توحي بالخطاب الجنسي , وكأننا نرى مشاهد تصويرية , فاستعملها في (شتاءات في المنفى ) للدلالة على الفقر والعوز ,وعدم توافر فرص العمل لمن يتخرج في الجامعة  , غير أنه صوّر , ذلك وألقى ثقل المشهد على المرأة , ولاسيما المرأة العاهرة  ذات العيون الملونة , فيقول على لسان بطله : (( أي نوع من الأساتذة نحن ” خريجو الجامعات ” الذين نتحول إلى مهندسي شوارع صباحا ومساء وظهرا..؟ نجوب الأزقة .. نتأمّل وجوه الحسناوات المصبوغة بطلاء المدينة وكحلها الطيني .. نجوب المساءات علّ واحدة تعطف علينا بابتسامة من سحر عينيها الخضراوين الملطختين بالمكياج الأخضر… لكن العينين الخضراوين تطّيران سريعا وتحطان على أقرب سيارة ” فيات .. ريكارتا ” … وعلى أقرب رجل منتفخ الرقبة والمعدة..أي أستاذ أنا ))(المصدر نفسه ، 85)  .

واستعملها  ـ العين ـ في ذات القصة في نص تصويري أخّاذ يعطي دلالات عميقة تظهر احتياج الرجل للمرأة , يقول : (( في ليلة راعفة كهذه أحتاج إلى نجمة تحاصرني بعينيها المبتلتين دمعا ساخنا… وتسدّ عليَ كلّ بوابات الريح العاتية التي تقتلعني في المساءات الحزينة … تلزمني سفينة مخمورة باكية تأخذني بجنونها العذب وبكائها الساحر… وتكشف عن أشرعتها بصمت كي أرتحل صوفيا نحو الحزن المطلق …))( شكري ، 199).

  مفردات الجنس

 تشكلت المفردات الجنسانية عند القاص يونس كمضامين فنية في مجموعته القصصية , ولأن رواة القصص من الذكور , كانت الألفاظ مقصورة على المرأة , بحسب رؤية الرجل ( البطل ) , وقداستعرضها بأسلوب فني , ابتعد فيه عن الوضوح المطلق ؛ لكونه على نحو ما نعتقد أراد إبراز القيمة الإنسانية لتلك المفردات(يونس ، 50), نحو :

الجسد  :

  ربط القاص لفظة الجسد بالمظهر الجنسي في أغلب المرات التي ذكرت , وقد آثرنا ذكرها هنا ضمن مفردات الجنس على الرغم من أن لفظة الجسد معناها البدن , وهي المفصل المهم الذي يضم جسم الإنسان .

 جاءت لفظة الجسد مضافة إلى ألفاظ أو إلى ضمائر على نحو نون النسوة , أو ياء المتكلم في المجموعة , ودلت على معنى الجنسي , يقول :

(( في هذا الشهر يفكّ الجسد قيوده , ويعلن إباحيته كما كانت الكاهنات المقدّسات ينذرن أجسادهن تقرّبا وولاء للإلهة عشتار في معابدها ببافوس ورودوس وبعلبك وأصقاع مدن المشرق والمغرب البعيدة ))(المصدر نفسه ،45) .

 وجاء خطابه واضحا حين أضاف لفظة الجسد إلى المرأة , حين يقول : (( وكان مهموما وحزينا(…) فقد نسي أن يفكّر في جسد المرأة , بعد أن اعتقد تماما أن نساء المدينة محصّنات بالأصداف والأساور , والسيارات الفارهة , والكلاب الوالغة , وأنه لا مكان له أبدا في عالم النساء الإسطوري المهيب المكلل بظلال الأسواق والمعاصي وبكلّ ما لذّ وحلا))( المصدر نفسه ،9).

وأوعز بخطابه أن الجسد هو العضو المفصلي بين الرجل والمرأة , يقول : (( إلا أنها لم تكن على وفاق جسدي معه , وكانت في أحيان كثيرة تفتعل الخصومات , محتجّة بأنّها ضلع أعوج , ولا تُعطى المكانة اللائقة بأجدادها الغـــرّ الميامين ))(المصدر نفسه ،47).

ثم يعلنها صراحة حين أضاف لفظة (جسد) إلى لفظة ( المرأة ) في تركيب لغوي جعل جسد المرأة يمثّل الوجود , ويختصره حين يقول على لسان أحدى بطلات القصة : (( جسد المرأة هو كل إيديولوجيات العالم..)) المصدر نفسه ، 47) .

ضاجع

 ضاجعَ , يضاجع ، مُضاجَعةً وضِجَاعًا ، فهو مُضاجِع ، ضَاجَعَ امْرَأَةً : اِضْطَجَعَ مَعَهَا ، جَامَعَهَا( ابن منظور،ضجع), وهذه المفردة هي من المفردات الدالة على الجنس , ولكنه استعملها بأسلوب السخرية من العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة على لسان ضابط الأمن , وكأنه أراد بيان ما يصدر من أفراد الأمن  من مفردات دالة على إيحاءات جنسية حين يرفضون المناهضة والدعوة إلى رفض الظلم والتظاهر من أجل التغيير : (( أنتن طالبات! أية عاهرات أنتن؟ . أليس من الأفضل أن تذهبن وتضاجعن ( عشاقكن ) بدلا من الاعتصام في الجامعة.؟. ))( المصدر نفسه، 36)  .

الشبق

شَبَقٌ :  اسم يدل على رَغْبَةٌ جِنْسِيَّةٌ قَوِيَّةٌ للجِماع( ابن منظور، شبق),  ويحددها العلماء بأنها : النزوع إلى الجنس بصفة عامة ، و كلّ المشاعر والأحاسيس والتصوّرات التي تمكِّن من ممارسته أو التحدّث عنه( الآلوسي، 1988، 171) .

 استعان القاص بهذه المفردة حينما وصفها بالشبق الأنثوي ؛ ليعبّر عن الكثير من الدلالات فكأنه أراد بهذه اللفظة المعنى الجامع المانع , يقول على لسان بطله : (( وسيظل يتوه إلى أن يبدّل الله هذه الأزمنة بأزمنة جديدة , الليل طويل , والشوارع تغصّ بالشبق الأنثوي التائه في الحانات والمراقص ودور السينما , والوحشة تضغط أضلاعه …… ولم يحن النوم . ))(يونس،78) .

البكارة

البَكَارَة : اسم , عُذْرَةُ الفتاة(ابن منظور،بكر), وفي علم التشريح هو غِشاء يسمى بالبَكارَة , وهو  نسيج رقيق يُغطِّي الفتحة التناسليّة في الأنثى ، يتمزّق عند أوّل اتِّصال جنسيّ(فريحات،200، 191, وهو جزء من جسم المرأة , وقد جعلناه مع المفردات الجنسية , لما له من علاقة وثيقة بالعملية الجنسية , وخاصة به , واستعان القاص بهذه المفردة للدلالة على أن المرأة متزوجة سابقا :(( لكني أصررت على أن من أتزوجها لابد أن تكون دافئة العينين , وتكون صديقة , وتحب الشعر والموسيقى ( …) وليس شرطا أن يكون لها غشاء بكارة ))(يونس ،10) .

   دلالة وأبعاد التراكيب الجنسانية عند يونس

   ينحو القاص يونس في خطابه الجنساني نحو منظومة لغوية تتصف بأنها قائمة على الترميز والتخيل , فاستعان باللغة كونها تُنتج عبر أساليبها , وطرائق أدواتها فتجوهر الأشياء , وتنطبق على الواقع فترفعه من سياقه , وتدخله في نسيجها , فيصبح الواقع ظلالا للغة الرمزية والتخيلية(يوسف،1993، 1).   فجاء خطابه الجنساني حقلا للترميز و التخيل , وفضاء للتصوير , وفضاء للتأويل , لا يحتاج إلى البرهان أو الاستدلال لفهم  الخطاب , ويعود ذلك إلى المهارة الذاتية في استعمال الصورة , والرمز وتوظيف اللغة والمجاز .  فتنوّعَ الخطاب لديه ضمن تركيب لغوي خالٍ من ألفاظ جنسانية , ولكنه قصده , و أورد ألفاظا توحي إليه , فأعلن بطل قصته ( شتاءات في المنفى ) عن احتياجه لحبيبة , ورمز لها بالنجمة :

(( في ليلة راعفة كهذه أحتاج إلى نجمة تحاصرني بعينيها المبتلتين دمعا ساخنا .. وتسدّعليّ كل بوابات الريح العاتية التي تقتلعني في المساءات الحزينة…))(يونس ، 85).  واستعمل التركيب من الفعل المضارع : يمارسون كل ما هو منكر ولذيذ ومحرّم ؛ ليثير في القارئ فضاء التخيل :

(( على شاطئ البحر مشى طويلا …. مئات الشابات الحسناوات والرجال يثرثرون ويمارسون كل ما هو منكر ولذيذ ومحرم ….))(يونس،40).

 واستعماله الفعل أرتعش  الذي أعطى فضاء للتأويل :

(( وكان المساء يغفو والسانية ترقص آخر مواويلها..احتضنها..لا أدري كيف تمّ ذلك . ارتعشت الصخرة التي كنا نجلس عليها. ))(المصدر نفسه،117) .

 وقد يأتي الخطاب معتمدا على الترميز , فتصطفّ المفردات لتدل على معان ذات دلالات متباينة , لكن السياق كان القصد منه جنسيا فحسب :

(( المراهقون يتكدّسون أمام دور السينما .. والنساء الفاتنات بقامتهن الممشوقة كنخيل الأوراس يتبخترن….وقد أقسمن جازمات أنهن أنضروأشهى نساء المعمورة طرا …..))(المصدر نفسه ، 75).

 ويتخذ القاص منحى بعض الكتاب حين يستعمل مفهوم الحب ويريد به الجنس( الداديسي،8): ((  يتاجرون بالسكر والويسكي المغشوش .. قلما يبتسمون.. يمارسون الحب مع الإسفلت والقار والصحراء ))( يونس،7).

  والسمة الأبرز في التركيب اللغوي الموحية بالخطاب الجنسي عند القاص تبدو حين  كان يستعمل الألفاظ التي تدل على الجنس أو هي من الألفاظ الجنسية , ويضعها في تركيب  لغوي يؤدي إلى فضاء التصوير , وفضاء التخيل :

((ولذهبت فاردا قلبي وسلطتي وهمومي أمام فخذيها الناعستين وجياد شعبي وخيراته  ))( المصدر نفسه،112) .

ولا يلجأ القاص إلى تصوير اللحظة الميكانيكية في العلاقة الجنسية , فكأنه يرى في هذا اللون من التعبير دعاية سطحية ورؤية من الخارج ؛ لأنه يحاول أن يكشف التركيب النفسي الداخلي للعلاقة , فهو المقياس لقيمة العلاقات الإنسانية إذ يبين نوعيتها ودرجة الانفعال بها( شكري، 53). فالاتساع والتعمق في المشاهد ذات الدلالة الجنسية تخدم العمل الأدبي وتحيله فضاء التأؤيل والتخيل المقصود :

(( تتمدد خطيبتي مسكونة بالعزلة على سرير أثري ورثته عن أجدادي الميامين , (…) تناديني : أقترب ,هات يديك يا ضو القلب , أحسّ بشلل يأكل مفاصلي , أمد اليدين .. عاجزتين عن الوصول . رغبة مجنونة في داخلي تعلو وتهبط , وقلب خطيبتي يصرخ مكتنزا , وأحس بدوار شديد يقذف بي في أعماق اللجة منفيا عاشقاعاجزا (…) أقترب , تلفني الأمواج , أطفو فوق سطح الماء .. تدفعني نحو الأعماق ثم تعيدني قاذفة أملاحها في عيني , أتكوّر داخل السرير, وتتشابك أخطبوطات مشكّلة حلقة دائرية أبدو وسطها حبّة رمل مرمية فوق الشاطئ  ))(يونس،95،96) .

الهوامش :

1 أدهم ،سامي ، (1993) ، انطولوجيا اللغة العربية , كتابات معاصرة  , المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر , ط1 .

2  نهر ، هادي ، (2013) ، المضامين الإنسانية والتشكيلات اللغوية في شعر نادر هدى  , عالم الكتب الحديث , ط1 .

3 المصدر نفسه, ص : 113 .

4 شوقي ، محمد ، (2005) ، إزاحات فكرية ـــــــ مقاربات في الحداثة والمثقف  , منشورات الاختلاف , الجزائر , ط 1 .   

5  المصدر نفسه, ص: 50,51.

6 نور ، ناصر اليد ، 2015، “اللغة والرواية “, “التكوين السردي والسياق الدلالي “( مقالة)  , الرواية نت , دروب إلى الحياة ،  http://alriwaya.net/.

7 المصدر نفسه.

8 المنجد ، صلاح الدين ، ( 1975) ، الحياة الجنسية عند العرب من الجاهلية إلى آواخر القرن الرابع الهجري , صلاح الدين المنجد , دار الكتاب الجديد, بيروت , ط2 .       

 9 الداديسي , الكبير ( 2017) ،  أزمة الجنس في الرواية العربية ـ بنون النسوة , مؤسسة الرحاب للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت , ط1 .

 10 عطو ، وليد يوسف ، ( 2014) ، المسكوت عنه في الجنسانية العربية ــــ  ج 1 ,( مقالة ) ,  وليد يوسف عطو , الحوار المتمدن : العدد 4440  .  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=4128 95

11 يونس ، محمد عبد الرحمن ، ( 2016) ، ذكريات ومواجع على ضفاف عدن , قصص قصيرة , د. محمد عبد الرحمن يونس , منشورات مقاربات للنشر والصناعات الثقافية, المغرب , فاس ,ط1,,( سفرومواجع )   .

 12 الداديسي ، الكبير ، أزمة الجنس في الرواية العربية .

 13 يونس ، ذكريات ومواجع ( ملاحات في عيون حالمة ) .

14 يونس ، ذكريات ومواجع.

15 ابن منظور ، (1955) ، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ت 711هـ) ، لسان العرب ،  دار صادر , بيروت , 1955 .

16يونس ، ذكريات ومواجع .

17 المصدر نفسه : 111

18  يونس ، ذكريات ومواجع  .

19 ابن منظور ، لسان العرب .

20 يونس ، ذكريات ومواجع .

21  ابن منظور , لسان العرب .

22 يونس ، ذكريات ومواجع .

23 يونس ،ذكريات ومواجع .

24 المصدر نفسه .

25 المصدر نفسه  .

26 المصدر نفسه .

27 شكري ، غالي ، (1999) ، أزمة الجنس في القصة العربية , دار الشروق  , بيروت , ط1  .

28  يونس ، ذكريات ومواجع , يونس .

29 المصدر نفسه  .

30  المصدر نفسه  .

31 المصدر نفسه .

32  ابن منظور ، لسان العرب.

33   المصدر نفسه .

34  ابن منظور ، لسان العرب .

35 الآلوسي ، جمال حسين ، ( 1988) ، علم النفس العام , جمال حسين الآلوسي وزارة التعليم العالي , بغداد  .

36 يونس ، ذكريات ومواجع  .

37 ابن منظور ، لسان العرب  .

38 فريحات ، حكمت عبد الكريم ، ( 2000) ، تشريح جسم الإنسان  , دار الشروق , عمان  .

39 يونس ، ذكريات ومواجع.

40 يوسف ، سامي ، ( 1993) ، فلسفة اللغة , تفكيك العقلي اللغوي  , المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر , بيروت , ط1 

41  يونس ، ذكريات ومواجع .

42 المصدر نفسه .

43 المصدر  نفسه .

44 المصدر نفسه .

45 الداديسي ، الكبير , أزمة الجنس ف الرواية العربية  .

46يونس،  ذكريات ومواجع .

47 المصدر نفسه  .

48 شكري ، غالي ، أزمة الجنس في القصة العربية .

49 يونس ، ذكريات ومواجع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *