حسين ثامر بداي

باحث في سلك الدكتوراه

جامعة ابن طفيل-كلية اللغات والآداب والفنون القنيطرة- المغرب

 hussein.bedday@gmail.com

0032489937088

 

اَلمُلخص:

إن إمكانية تسخير حروف وكلمات اللغة العربية لها الدور البارز في الفنون البصرية، وتعزيز الهوية وتوثيقها في البناء والتكوين الثقافي والحضاري.ويعد تسخير الحروف والكتابات في اللوحاتاوالمنحوتات والتماثيل والصور واستخدامها لخدمة العمل الفني ليس بالأمر الجديد، ظهرت في العصور القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر وسوريا، وغيرها من الحضارات، والتي تضمنت فنونها الكتابة المسمارية أو الهيروغليفية. وحملت هذه الكلمات دلالاتهاالمعنوية، فكريا وحسيا، ووثقت الهوية ومضامينها الفكرية، المراد تمثيلها في العمل الفني، وكانت بمثابة أداة جمالية.للتأكيد على المفهوم الإبداعي للعمل الفني، وإخراجها من شكلها الظاهري وإدخالها في مفهوم الغرض الدلالي.

أَصبَحت إمكانية تسخير حُرُوف وكلمَات اَللغَة العربيَّة فِي اَلفُنون التَّشْكيليَّة المعاصرة، مِن عَناصِر العمل الفنِّيِّ المائزة، وَالتِي تُضْفِي عليْها قِيمة جَمالِية وحسِّيَّة، وبعْدًا رُوحيًّا لَه خُصوصيَّته كمفْهوم ومضْمون حَضارِي وَفكرِي، يساهم في التلاقح الفكري والمعرفي. إِنَّ القيمة الفكْريَّة والْحضاريَّة اَلتِي يتضمَّنهَا اَلخَط العرَبيُّ وجماليَّاته فِي اَلفُنون البصرية، لَهَا مُحْتواهَا الرُّوحيِّ والْفكريِّ. فَإذَا كَانَت اَللغَة العربيَّة هِي أحد عَناصِر رُوح اَلأُمة العربية، فالْخطُّ اَلجمِيل واسْتخْداماته فِي اَلفُنون التَّشْكيليَّة وَباقِي اَلفُنون اَلأُخرى هُو المُعْبر عن جَانِب مِن هُويَّتِهَا ومقوِّماتهَا الحضاريَّة والثَّقافيَّة بين القارات.إن تكوين الحرف العربي وبنائه يتجسد في بعد واحد، وهذا يعني أن وجوده يتحقق بالعودة إلى أصله الشكلي، ومن الشكل إلى أصله الخطي، ومن النقطة في عالمه الخارجي إلى طبيعته الروحية، اذ يسخر الفنانون العرب، الحروف والكتابة في الاعمال الفنية، كوسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر في أعمالهم. وتعتبر هذه الاستخدامات جزءاً من التراث الثقافي العربي وتضيف لمسة تراثية للأعمال الفنية.عرفَ الكثيرَ منْ الفنانينَ العربِ قيمةَ الحرفِ العربيِ وأهميتهِ في تشكيلِ وبناءِ العملِ الفنيِ، لما يملكهُ منْ إمكاناتٍ تجريدية ثرة وغنية، وما يحتويهُ منْ أصالةٍ وموروثٍ عربيٍ في فضاءِ اللوحةِ. إذْ يعتبرُ الحرفَ العربيَ أحدُ أهمِ المظاهرِ الفنيةِ للحضارةِ الإسلاميةِ منذُ انطلاقتها عبرَ تاريخها وحتى يومنا هذا.إِنَّ هذَا الموْروث الفنِّيِّ بِمَا يحْمله منْ قيمٍ جماليةٍ وروحيةٍ وثقافيةٍ كان لَابُدَّ مِن أن يُؤثِّر على فِكْر وعواطف الفنَّان العرَبيِّ المعاصر، وإِنَّ مُطَاوعَة الحرف العرَبيِّ وليونته بِالتَّكْوين والتَّشْكيل جعلتْه طيعًا ومفْتوحًا أَمَام الفنَّان اَلحُروَفِي، مَا دَفعَه لِلْبحْث والتَّجْريب والْعَمل الدَّؤوب، مِن أَجْل اَلخُروج بِأَثر فَنِّي مُعَاصِر مُتَفرد كَصِيغَة فَنيَّة، بِأبْعَاد دَلالِية فِكْريَّةٍ وحضاريَّةٍ، لِيكوِّن مُواكِبًا وموازيًا لِلْبعْد الرُّوحيِّ، اَلذِي يُحدِّد أَهَميَّة هَذِه التَّجْربة اَلتِي لَهَا بَالِغ الأثر على نَفْس المتلقِّي في فهم الاخر والتعايش السلمي معه. والسؤالُ الذي تهتمُ الدراسةُ بهِ هوَ:

–  ما الذي يجعلُ الفنانُ المعاصرُ يسخر حروفَ وكلماتِ وجملَ اللغة في عملهِ الفنيِ التشكيليِ؟

–  ما هوَ الأثرُ الفكريُ والحضاريُ الذي تتركهُ الأعمالُ الفنيةُ التي تسخر اللغة العربية على المتلقي؟

–  كيفَ يعكسُ الفنانُ الحرُوفي هويةَ اللغةِ العربيةِ حضاريا بينَ مختلفِ الثقافاتِ في أعمالهِ الفنيةِ؟

تتجسدَ أهميةُ البحثِ بتسليطِ الضوءِ على أهمية هوية الاعمال الفنِية التي سخرت اللغة العربية، وأثرهِا في الحياةِ الحضاريةِ والفكريةِ. ومنْ أهدافِ الدراسةِ إبرازَ أهميةِ الحرفِ العربيِ كعنصرٍ تشكيليٍ في الفنِ العربيِ الحديثِ. والكشفُ عنْ العلائقِ بينَ الهوية وتوثيقها داخلِ العملِ الفنيِ، ومقوماتها التشكيليةِ التي تؤهلها كعناصر حضاريةٍ ضمنَ الفنِ العربيِ الحديثِ.

المنهج المتبع في هذه الدراسة هو المنهج التركيبي الذي نراه يلائم البحث ، حيت التتبع العقلي والتاريخي، وقد احتوت ثلاثة فصول تتضمن محاور الدراسة ومطالبها.

الكلمات المفْتاحيَّة: حُرُوف، كلمات، فُنُون تشْكيليَّة، حَضارَة، اَللغَة العربيَّة.

The possibility of harnessing language in the visual arts

 between documenting identity and its intellectual implications

Hussein Thamer Bedday

PhD researcher

Ibn Tofail University/College of Languages, Literatures and Arts

 

Abstract

The use of Arabic letters and words in contemporary plastic arts has become one of the distinctive elements of artistic work, which gives it aesthetic and sensory value, and a spiritual dimension that has its specificity as a cultural and intellectual concept and content. The intellectual and cultural value contained in Arabic calligraphy and its aesthetics in the plastic arts has spiritual and mental content. The formation and construction of the Arabic letter are embodied in one dimension, and this means that its existence is achieved by returning to its formal origin, from the form to its linear origin, and from the point in its external world to its spiritual nature. The use of Arabic letters has an important role in the plastic arts and in enhancing identity in cultural construction and formation.

Inserting letters and writings onto sculptures, statues, and images and using them to serve the work of art is not a new matter. It appeared in ancient times in Mesopotamia, Egypt, and Syria, whose arts included cuneiform or hieroglyphic writings. These words carried moral connotations that complemented the idea and content to be represented in the work of art and were an aesthetic tool. At the same time, it takes on a decorative character to emphasize the creative character of the work, taking it away from its apparent form and inserting it into the devotional concept, and this is what gives it a spiritual and aesthetic dimension.

Arab artists use letters and writing as a means of expressing ideas and feelings in their works. These uses are considered part of the Arab cultural heritage and add a unique touch to artistic works. If the Arabic language is one of the elements of the spirit of the Islamic nation, then beautiful calligraphy and its uses in the plastic arts and other arts express part of its identity and its civilizational and cultural components. The malleability of the Arabic letter and its flexibility in composition and formation made it malleable and open to the Arab and Muslim letter artists, which prompted him to research, experiment and work diligently, in order to come up with a unique contemporary artistic effect an artistic form, with intellectual and cultural semantic dimensions, to be parallel to and parallel to the spiritual dimension, which determines the importance of this experience that It has a profound impact on the recipient.

The question that the study is concerned with is:

– What makes the contemporary Arab artist use Arabic letters, words, and sentences in his plastic artistic work?

– What is the intellectual and cultural impact that works of art leave on the recipient?

– How does the calligraphy artist reflect the cultural identity of the Arabic language in his artistic works?

The importance of research is embodied by shedding light on the position of this art and its impact on civilized and intellectual life. One of the goals of the study is to highlight the importance of the Arabic letter as a plastic element in modern Arab art. And revealing the relationships between the Arabic letters within the artwork and its plastic ingredients that qualify them as civilized elements within modern Arab art.

Keywords: letters, words, plastic arts, civilization, the Arabic language.

مقدمة

استطاع فنانو الخط العربي أن يواكبوا صور الحداثة الفنية، وقد ساعد على ذلك ظهور جيل من الخطاطين المبدعين الذين حافظوا على أصول الخط العربي، وعملوا على نشره. ويؤكد القُدامى والمحدثون بأن الخط العربي واستخداماته المتنوعة هو فنّ إبداعيّ قائم بذاته اذ لم ينل عند أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات ما نالته حروف اللغة العربية عند العرب والمسلمين من الإبداع والتفنن فيها، حتى تحوّلت من وسيلة للمعرفة المنطوقة والمسموعة او المقروءة فقط وانما إلى فن يُزين الكتب والدواوين وجدران وسقوف الكثير من المباني العمرانية واللوحات الفنية والجداريات والمنحوتات ومجالات اخرى عديدة ايضا.

في كتابه “معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين” قال عفيف البهنسي: إن الخط العربي هو الفن الإبداعي الذي توّج الحضارة العربية والحضارات الإسلامية الأخرى، وهو مختلف عن الخطوط الأخرى ويمتاز عنها في تجاوزه لمهمته الأولى وهي نقل المعنى، إلى مهمة جمالية أصبحت غاية بذاتها، وهكذا أصبح الخط العربي فنا مستقلا، وهو مدين بذلك لارتباطه بمضمون رائع آمن العرب والمسلمون بإعجازه البلاغي والبياني وهو القرآن الكريم.(بهنسي، 1979)ومن ثم تم مزج الكتابة بالرسم الذي جعل من العمل الفني يحمل رسالة روحانية تشكيلية جديدة في تقنياتها ومفرداتها وتكويناتها وأشكالها حيث يشتمل على علاقات تشكيلية وتكوينات عضوية وايقاعات موسيقية يتحول فيها الخط العربي الى كائن حي يتحرك ويتنفس، يسمو ويرتفع وقد يتمحور حول ذاته أو قد ينطلق الى أفق غير محدود، فعندما يتم مزج الخط بالتشكيل ومزج الكلمات بالمعنى الدلالي مع اللون يصبح الخط العربي له اسقاطات فنية خاصة، فالخط العربي قد أصبح جزء من التكوين وليس مجرد خط أو حرف مفرد، كما أصبح اللفظ مرتبط بشكل الكلمة التي تكتب أو ترسم بهـــــا، حيث يصاحب الشكــــــل المـــــعنى ويصبح فــــــي النهاية رمزاً يساند التخيــــــل لحظة صدور الكلمة.عرف الكثير من الفنانين العرب قيمة الحرف العربي وأهميته في تشكيل وبناء العمل الفني، لما يملكه من إمكانات تجريدية ثرة وغنية، وما يحتويه  من أصالة عربية ساحرة في فضاء اللوحة.

ويعد تأمل القيم الفنية في الخط العربي واحدة من السبل الناجعة في إستقراء المعاني والبحث عن أدوات تعتمد اللغة في الفن التشكيلي للتعبير الفكري والوجداني، فمن خلال ما يحمله الخط من مظهر جمالي وتوازن واتقان وقيم تجريدية تشكيلية تجعل الفنان الذي أتقن سر انشاء بناء الخطوط في المزج بين الكلمة والصورة التي تؤكد معني تلك الكلمة، يمنح الخط العربي بعداً يضيف آفاقا جديدة تستنهض جمال تكوينات الحروف العربية وتتأملها. (شاهين، 2012، ص9)

توجد طريقتين لاستخدام الخط العربي كعنصر تشكيلي في العمل الفني، الأولى أن يكون الخط هو العنصر التشكيلي الأساسي في اللوحة، والثانية هي قيمة ومضمون العمل الفني ويكون الخط فيها عنصراً تشكيليا مكملا، ففي المجال الأول نلاحظ ميلاً لدى الكثير من الفنانين إلى استخدام الكتابة العربية شكلاً ومضموناً بحيث تتكون اللوحة من جملة أو كلمة تكتب بالطريقة الكلاسيكية المتعارف عليها حسب قواعد الخط العربي، أما المجال الثاني فأن فنانيه يميلون الى طريقة فنية لا تلتزم بقواعد الخط العربي بل إن بعضهم يستخدم الكلمات للتعبير عن مضمون اللوحة بأشكال فنية، غير ملتزمين بقوانين وقواعد الخط العربي.كما قام فنانون آخرون بتجريد الخط العربي واستخدامه في اللوحات الفنية محاولين ربط التراث العربي بالفنون الحديثة، ممن استخدموا اللغة العربية حروفاً وكلمات، وجملاً، كعناصر تشكيلية تساهم في بناء العمل التشكيلي، احيانا تكون أساساً في هذا البناء في بعض اللوحات أو تستخدم في تأكيد معنى مراد تأكيده او بقصد الاشارة الى التراث العربي او تسليط الضوء على قيمة واهمية اللغة واشتغالاتها الفنية.

إذ يعتبر الحرف العربي أحد أهم المظاهر الفنية للحضارة الإسلامية منذ انطلاقتها عبر تاريخها وحتى يومنا هذا وقد تطور الحرف العربي مع تطورها، ويعتبر من أهم الوسائل الأساسية لانتشارها باعتباره عملا فنيا قائما بذاته له خصائصه التشكيلية والتعبيرية والتي شهد بدوره تطورا كبيرا خلال مراحل تطور الحضارة الإسلامية

أَهدَاف البحث:

يَتَجسَّد تَشكِيل وبناء الحرف العرَبيِّ على اَلبُعد الواحد، وَهذَا يَعنِي أنَّ وُجُودَه يَتَحقَّق بِالْعوْدة إِلى أَصلِه اَلشكْلِي، وَمِن الشَّكْل إِلى أَصلِه الخطِّيِّ، وَمِن النُّقْطة فِي عَالَمِه الخارجيِّ إِلى طبيعَته الرُّوحيَّة. إِنَّ اِسْتخْدام حُرُوف اَللغَة العربيَّة لَهَا دَوْر هامٌّ فِي اَلفُنون التَّشْكيليَّة وَتعزِيز اَلهوِية فِي البنَاء والتَّكْوين الحضاريِّ والتلاقح الفكري.

أنَّ إِدخَال اَلحُروف والْكتابات على المنْحوتات والتَّماثيل والصُّور وتوْظيفهَا فِي خِدْمَة العمل الفنِّيِّ لَيْس بِالْأَمْر المسْتجدِّ، فقد ظهر قديمًا فِي بِلَاد الرَّافديْنِ ومصْر وسورْيَا وبلاد المغرب العربي، وَالتِي تَضمنَت فُنونَهَا كِتابَات مِسْماريَّة أو هِيروغْليفيَّة وغيرها، وكانتْ هَذِه الكلمات تَحمِل دلالَات مَعنوِية مُكَملَة لِلْفكْرة والْمضْمون اَلمُراد تمْثيله فِي العمل الفنِّيِّ، وَأَداة جَمالِية فِي نَفْس الوقْتِ تَتخِذ صِفة زُخْرُفية لِلتَّأْكيد على الطَّابع الإبْداعيِّ لِلْعمل وإخْراجه عن شَكلِه الظَّاهريِّ وإدْخاله فِي المفْهوم التَّعبُّديِّ، وَهذَا مَا يُضْفِي عليْه بُعْدًا رُوحيًّا وجماليًّا.

يَستخْدِم الفنَّانون العرب اَلحُروف والْكتابة كَوَسيلَة لِلتَّعْبير عن الأفْكار والْمشاعر فِي أعْمالهم وتعْتَبر هَذِه الاسْتخْدامات جُزْءًا مِن التُّرَاث الثَّقافيِّ العرَبيِّ وتضيف لَمسَة فَرِيدَة إِلى الأعْمال الفنِّيَّة. لِتمْثِيل الكلمات أو العبارات بِالْمعاني العميقة والْمضامين الفكْريَّة، إِنَّ اِسْتخْدام حُرُوف اَللغَة العربيَّة فِي اَلفُنون التَّشْكيليَّة يُعزِّز التُّرَاث الثَّقافيُّ ويساهم فِي إِثرَاء العالم الفنِّيِّ بِالتَّنوُّع والْجمال. هُنَالِك اَلعدِيد مِن الفنَّانين الَّذين اِسْتخْدموا حُرُوف اَللغَة العربيَّة فِي أعْمالهم الفنِّيَّة سنتطَرَّق إِليْهم فِي البحْث مع تَحلِيل بَعْض مِن الأعْمال المخْتارة لِهَذه الدِّراسة. ومن اهم الأهداف ايضاً:

  • إبراز أهمية الحرف العربي كعنصر تشكيلي في الفن العربي الحديث.
  • الكشف عن العلائق بين الحروف العربية فيما بينها داخل العمل الفني ومقوماتها التشكيلية التي تؤهله كعنصر حضاري ضمن الفن العربي الحديث.
  • التعرف والافادة على القيم الجمالية للجمع بين الخط العربي والفن التشكيلي.

أَهَميَّة البحْث:

أَصبَحت اَلحُروف والْكلمات العربيَّة رمْزًا لِجماليَّة اَلفُنون الإسْلاميَّة حَيْث إِنَّها دَخلَت فِي اَلعدِيد مِن مجالَات اَلفَن الإسْلاميِّ، فَنرَى لَوْحات كِتابِيَّة عَدِيدَة نُقشَت أو حُفرَت على مَداخِل المساجد والْقصور وَعلَى المنابر ومحاريب الصَّلَاة، وَكذَلِك دَمجَت مع الزَّخارف المتنوِّعة، وأحْيانًا تَكُون مُسْتقِلَّة بِذاتِهَا أو مُتداخلة.

تتجَسَّد أَهَميَّة البحْث بِتسْلِيط الضَّوْء على مكانةِ هذَا اَلفَن وَأثَرِه فِي الحيَاة الحضاريَّة والْفكْريَّة. إِنَّ هذَا الموْروث الفنِّيِّ بِمَا يحْمله مِن قِيم جَمالِية وَروحِية وثقافيَّة له مِن الأثر الواضح على فِكْر وعواطف الفنَّان العرَبيِّ المعاصر، حَيْث اَلكثِير مِن المخْطوطات اَلتِي أَصبَحت قطْعًا فَنيَّة ذات بُعْد حَضارِي وَفكرِي وَالتِي تَعرَّض فِي المتاحف وصالات العرض الفني لِمَا تَحمِله مِن قِيمة فَنيَّة وجماليَّة ورسالة إِنْسانيَّة. هَذِه الدِّراسة هِي مُحَاولَة لِتأْصِيل جَدوَى اِسْتخْدام اَللغَة العربيَّة بِحروفهَا وكلماتهَا فِي اَلفَن التَّشْكيليِّ المعاصر والتَّأْكيد على الجانب اَلفكْرِي والْحضاريِّ لِهَذا الاسْتخْدام اَلذِي يُلَامِس رُوح الإنْسان، أنَّ فِكْرَة اِسْتعْمال الأحْرف فِي اَلفَن اَلحدِيث لَم تُكِن بِالْجديدة. فَقْد اِسْتخْدم الفنَّان بِيكاسُّو وَبَراك وغيْرهم مِن الفنَّانين الأحْرف اللَّاتينيَّة فِي مُلْصقاتهم وبعْض مِن أعْمالهم الفنِّيَّة، وَلكِن مَا يُميِّز اِسْتخْدام الحرف العرَبيِّ فِي أَعمَال التَّشْكيليِّين العرب إِضافة إِلى جَمالِية الشَّكْل هُو الدَّلالات الرُّوحيَّة والْفكْريَّة وامْتدادهَا الحضاريُّ اَلذِي تَحمِله. ونطمح لهذا البحث أن يكون هو:

  • أحد المداخل العلمية للمساهمة في تطوير العملية الإبداعية في فن الحروفيات الحديث وإدراك المقومات التشكيلية التي تضيفها الحروف والكلمات العربية كعناصر تشكيلية في الفن العربي المعاصر، وكذلك التأكيد على اهمية استخدام وتوظيف حروف اللغة العربية وكلماتها كعنصر له هويته في الفن التشكيلي المعاصر.
  • تسهم هذه الدراسة في إلقاء الضوء على جماليات الجمع بين الخط العربي والرسمبإعتبار ان الخط العربي مفردة لها جذورها في التراث الحضاري وتوظيفه في بنية خطية معاصرة

تجمع بين الكلمة والشكل في عما فني معاصرة.

  • إظهار ما تحمله كلمات اللغة العربية من معاني حسية وجمالية تشكيلية من خلال مزجها مع الصورةفي العمل التشكيلي المعاصرة .

مَنهجِية البحْث:

المنْهج المتبع في هذه الدراسة هو المنهج التَّرْكيبيُّ اَلعقْلِي حَيْث إِنَّه الأقْرب لِتقصِّ وَتحلِيل الأعْمال الفنِّيَّة اَلتِي هِي مِحوَر الدِّراسة. تَتَضمَّن هَذِه الدِّراسة عدد من المُحاور. ثُمَّ الفرْضيَّات والنَّتائج التي سيحاول البحث الإشارة اليها.

السؤال الذي تهتم به الدراسة والبحث:

أن استخدام الكتابات العربية في المجالات الابداعية التشكيلية في العالم العربي لم يكن ظاهرة عابرة وهي تتفاوت في مستوى تقبلها او رفضها، من الجمهور العربي. ان ظاهرة التغريب عند بعض الفنانين في استخدام اللغات والخطوط اللاتينية والابتعاد عن الخطوط العربية التي هي جز لايتجزأ عن هوية الامة العربي. وربما التقليد في مجالات الفنون المختلفة مما جعل هناك بعدا و فجوة كبيرة بين أعمال الفنانين والهوية العربية ومضامينها الحضارية. لذلك يسعى الباحث إثبات أن توظيف استخدام الحرف العربي عنصر تشكيلي في الفن العربي كأحد مقومات الإرث الفكري والحضاري.

  • ما هي المظاهر والاتجاهات التي تجعل من الحرف العربي عنصر تشكيلي في الفن العربي؟
  • كيف يعزز فنان المدرسة الحروفية نت إبراز وتجسيد الهوية العربية في أعماله الفنية؟
  • ماهو دور وتأثير استخدام حروف وكلمات اللغة العربية ترسيخ المضامين الفكرية والحضارية في فن الحروفيات؟

ينفرد الحرف العربي دون غيره من الحروف بمطاوعته وليونته الروحية للتحديث والخروج من القوالب الجامدة لمدارس وأساليب الإنتاج الفني في فن الخط العربي او فن الحروفيات. “ومنذ أقدم العهود اعتاد الإنسان على إنشاء نماذج من الكتابات من الكلمات و الصور لتمثيل ظواهره الحياة وعلاقاتها على النحو الذي تظهر به في تجاربه, وقد شغل الإنسان نفسه دائماً بمهمة تجسيد عالمه وسلوكه وأفكاره، بأساليب مختلفة تشتمل على الأصوات والصور والرسوم والكلمات المدونة و الرموز.” (محسن، 2001، ص15)

فرضية البحث:

تعتبر دراسة الحرف العربي أحد العناصر الغنية بالإمكانيات التشكيلية التي يمكن توظيفها من خلال المدرسة الحروفية. الحرف العربي في التشكيل الفني له مقوماته واثره الروحي والفكري فهو لغة فنية قابلة للتوظيف الجمالي والحضاري وإبراز الهوية الفنية، وهو عنصر تشكيلي له مقوماته التشكيلية و الجماليةفي الفن التشكيلي الحديث.

المحور الأول: المصطلحات المستخدمة في البحث

1- الحرف العربي واللغة الفنية

تعتبر اللغة من الركائز الأساسية للوجود الإنساني، والوحدة اللغوية والثقافية بين الشعوب، والتي بدورها تؤدي إلى وحدة الوجود الانساني، واللغة العربية هي ركيزة وهوية الامة العربية وهي الجسر الذي عبر عليه البشر جيلا بعد آخر لتحقيق التواصل على اختلاف أنواعه، ولهذا كانت اللغة العربية ومازالت جوهر الهوية الثقافية، فهي لغة القرآن الكريم، كما أنها لغة ثرية في محتواها ومفرداتها، وقد حافظت اللغة العربية على استمرارية الروح الحضارية وتطورها الجمالي في الأمة العربية. لذا فاللغة والثقافة من العناصر الثابتة، التي تسهم مساهمة فعالة في الحفاظ على الهوية الثقافية العربية والإسلامية وهذا ماتمثل بظهور عدد من الجماعات الفنية التي استخدمت ووظفت اللغة العربية في فنونها التشكيلية ومن هذه الجماعات (جماعة البعد الواحد). اذ ان “الحرف في كل اللغات علامة اصطلاحية، اتفق على اتخاذها أداة لتشير إلى مدلول صوتي معين، يؤلف مع غيره من الحروف مدلولات اصطلاحية تشير إلى المعاني المختلفة المراد التعبير عنها باللغة.”(عبد الصبور، 1998، ص7) ومن المؤكد أن إستخدام اللغة العربية في الفنون التشكيلية يساهم في تعزيز الروح الثقافية ويساعد على الانسجام والتناغم بين أفراد المجتمع وزيادة فهم وإدراك الخطاب الفني، بل والاعتزاز بهويتهم، لأن أبناء اللغة الواحدة يشكلون التفاهم والتلاقح الفكري والثقافي المشترك. “تعد اللغة مكون رئيس في الهوية الثقافية، فهي حياة الأمة وبدايتها ونهايتها، لأن اللغة في أي مجتمع ليست مجرد كلمات وألفاظ للتفاهم بين أفراد المجتمع، ولكنها وعاء يحوي مكونات عقلية ووجدانية، ومعتقدات وخصوصيات هذا المجتمع، وبالتالي فالحفاظ على اللغة يعني ضمان بقاء واستمرارية أي مجتمع”.(خالد، 2006)

وكما ورد في مقال (دور لغة الأم في التربية والتنمية “أن اللغة جزء لا يتجزأ من ماهية الفرد وهويته، كما أنها تتغلغل في الكيان الاجتماعي والحضاري لأي مجتمع بشري، وتنفذ إلى جميع نواحي الحياة فيه، لأنها من مقومات وحدة الشعوب، وقد أشارت منظمة اليونسكو على لسان مديرها إلى أهمية الحفاظ على اللغات الخاصة بالمجتمعات، حيث قال: “إن اللغات هي من المقومات الجوهرية لهوية الأفراد والجماعات، وعنصر أساسي في تعايشهم السلمي، كما أنها عامل استراتيجي للتقدم نحو التنمية المستدامة، وللربط السلس بين القضايا العالمية والقضايا المحلية ….. تعدد اللغات عن بصيرة هو الوسيلة الوحيدة، التي تضمن لجميع اللغات إيجاد متسع لها في عالمنا الذي تسوده العولمة، لذلك تدعو اليونسكو الحكومات وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهنية وجميع الجهات المعنية الأخرى، إلى مضاعفة أنشطتها التي تهدف ضمان احترام، وتعزيز وحماية جميع اللغات، ولا سيما اللغات المهددة، وذلك في جميع مجالات الحياة الفردية والجماعية).(دور لغة الأم في التربية والتنمية، 2016)

2– الفن التشكيلي والحرف العربي:

“الفن التشكيلي هو كل ما يؤخذ من العالم الواقعي ويصاغ بطريقة جديدة، أي يعاد تشكيله بشكلٍ جديد، وهذا ما يعرف بالتشكيل، أمّا التشكيلي فهو الفنان الذي يعيد صياغة الأشكال معتمداً على المفردات المحيطة به، ولكل فنان رؤيته ونهجه الخاص به، لذلك تنوعت المعالجات في هذا الفن، الأمر الذي ساهم في تعدد مدارس الفن التشكيلي.”(https://mawdoo3.com) وان احد اهم عناصر الفن التشكيلي في مدرسة الحروفيات التشكيلية هو الخط، اذ يعبر عن معاني مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال التشكيلية، حيث يمكن أن يدل على نقاطٍ متحركة تحصر أشكالاً معينة، كما يمكن أن يلامس ويدل على المحيط الخارجي لأشكال محددة. “ويشير تعبير الحروفية العربية إلى حركة فنية عامة بدأت أواخر الأربعينيات وغمرت الشرق الأوسط بأكمله منذ السبعينيات. أما سبب ظهورها فيعود بشكل أساسي إلى نكبة فلسطين عام 1948 والهزائم العربية التي أنتجت ردود افعال من قبل الفنانين الذين يبحثون عن الأصالة في الفن ومزج التراث بالحداثة. فكانت جماعة بغداد للفن الحديث في العراق عام 1952, وقبلها جماعة الفن الحديث عام 1946 في القاهرة, أبرز جماعتين ظهرتا في تلك الفترة الزمنية, فدخلت حينها الكتابة العربية الفنون التشكيلية من جديد بعد انقطاع دام قرونا.ً”(عطية، 2001)

3– الهوية بمفهومها الثقافي:

هي الماهية والجوهر، هي الذات وما يلازمها، باعتبارها مجموع المقومات والخصوصيات. والهوية كلمة مركبة من ضمير الغائب هو، مضافا إليه ياء النسب، لتدل على ماهية الشخص أو الشيء المعني، كما هو في الواقع بخصائصه ومميزاته التي يُعرف بها. وتعرف الهوية بمعنى التفرد؛ “فالهوية الثقافية تعني التفرد الثقافي، بكل ما يتضمنه معنى الثقافة، من عادات وأنماط سلوك، وميول وقيم، ونظرة إلى الكون والحياة، إن هوية آية أمة هي صفاتها، التي تميزها عن باقي الأمم، لتعبر عن شخصيتها الحضارية.”(ثائر، 2009، ص258)

وان لهوية الحروف وكلمات اللغة العربية ميزة جمالية يتجلى فيها الروحاني والحضاري وذلك لمرونة الحرف وحركيته التي يفرضها شكله البنائي وان استخدام الحروف او الكلمات في اللوحة الحروفية يعطيها بعدها الدلالي حسيا، احيانا يكون بطرق مباشرة واخري غير مباشرة، حيث تتقوس و تتمازج الأحرف بشكل كبير فيما بينها, مما يحيل المتلقي الى ان يقرأ العمل الفني بمستويات مفهومة للغة المستخدمة، وهويتها التي ترتبط بجذورها. ان هذا الترابط والارتباط والتداخل المتماسك من خلال توظيف الحرف مع المضمون الفكري  يرتبط ارتباطا مباشرا في غالب الأعمال بالمعنى المراد طرحه واحيانا كثيرة يذهب الى قراءات اخرى.

4– المدرسة الحروفية

ان فن الحروفية هو فن مستقل بذاته، ويعد هذا الفن عصّياً إلا على من أتقن قواعد بنائه وأسسه وتمكن بفعل الممارسة والإبداع، إلى ابراز تكوينات جمالية تخاطب البصر والذائقة، وهو أحد المكونات الحضارية العربية الإسلامية، وقد تم توظّيفه مع مرور الوقت في العديد من الفنون الأخرى كالخزف والنسيج وصناعات فنية كالنحاس والخشب وغيرها، وأصبح أحد أهم المقومات الأساسية في الفنون العربية المعاصرة، حيث ارتبط بمفهوم الهوية ووحدة اللغة العربية. لان “الخط العربي يعتبر مفتاح الفهم للإنسان وهو سجل المعلومات البشرية على مدار أزمانها وتدهورها، وحضارات الشعوب والأمم تنتقل إلى الأجيال من خلال تعليمات وتوجيهات وأفكار. إن هذه التجارب تؤكد قدرة الحرف العربي على التطور والتجديد والتحرر من الجمود ومستفيدين من طواعيته وليونته، وما وصلنا إليه من التطور في كثير من المدارس الفنية، ومن ضمن هذه التجارب، تجربة الحروفية العربية حيث تأثر كثير من الفنانين التشكيليين والخطاطين بهذه التجارب وأن هذا التأثر لا يقلل من شأن الفنان بل العكس، فالفنان يؤثر ويتأثر”.(أسامة، 2006، ص5)

“يعتبر هربرت ريد (Herbert Read) من أوائل الذين أطلقوا مسمى الحروفية على اعتباره الاتجاه الفني لكثير من الفنانين الذين جعلوا الحرف منبعاً لاهتماماتهم و موضوعاً شكلياً للوحاتهم.”(فوزي، 2012، ص210)

“والحروفية هي تلك الظاهرة الإبداعية التي يستخدم فيها بعض الفنانين الحرف العربي كمفردة تشكيلية للحصول على تكويناته الفنية, والحروفية حركة فنية قديمة وحديثة في نفس الوقـــت. فهي قديمة من حيث بدايات استخدام الحرف العربي كمفردة تشكيلية. وهي حديثة إذا رصدنا ذلك التيار الذى بدأ فـــــي الستينيات من هذا القرن على يد رواد الحروفية المعاصرة”.(عبد الصبور، 1998، ص74)

ظهر التوجه او الاتجاه الفني الحروفي الحديث في التشكيل العربي الذي اعتمد على التشكيل بالحرف مع حلول منتصف القرن العشرين من خلال اعتماد الحرف العربي كمفردة تشكيلية لها البعد الروحي الذي يؤدي إلى عمل فني عربي تشكيلي معاصر، يملك إمكانية التطوير والتجديد, أي أن ظهور الحداثة والتجريد الفني في استخدام الحرف العربي منذ خروجه عن قواعد تطبيق الخط التقليدي الزخرفي وتحرره ودخوله بصيغ وعناصر فنية تشكيلة, وعلاقته بلغة الكتابة. والحروفية وهي عبارة عن دمج بين التكوين البصري واللوني في الفن التشكيلي، وبين الحروف والكلمات والعبارات بالخط العربي مع بعضها البعض وتجانسها بين اللغة والفن، لتضيف معنى جمالياً وفكريا للأعمال الفنية، لتعزيز الرسائل البصرية الحسية.

5– الحروف العربية والهوية

لقد طور المجتمع العربي هويته البصرية من خلال ابتكار فنون الخط والزخرفة، والتي دمجها مع الفنون المختلفة، وأبرزها من خلال المباني والمآذن والمنحوتات وكذلك الكتب والمخطوطات والمصاحف، فنجد أن حروف اللغة العربية منذ نشأتها قد تم الاعتناء بها وتحسينها، وذلك لتثبيت الهوية البصرية للحضارة الإسلامية الناشئة حديثاً في ذلك الحين، ولتعزيز الانتماء لهذه الثقافة المتفردة، والتي انتشرت في أرجاء العالم، وصارت لغتها لغة العلوم والابتكارات والفنون.

ان هوية المجتمعات تحتوي على مكونات مختلفة، منها المكون الثقافي والتراثي والمكون العلمي والمكون الفني وغيرها، تندرج وتتداخل فيما بينها لتشكيل تلك الهوية، فالمكون الفني يندرج تحته فنون الرسم والزخرفة والتصوير والخطوط وأيضاً فنون المسرح والموسيقى وكذلك السينما والدراما، والفنون المعمارية والتصميم الداخلي ووصولاً إلى الملابس والأزياء والأواني وغيرها، فالهوية الفنية لأي مجتمع هي ما توارثه أبناء هذا المجتمع وأبدعوا في إخراجه بشكل فني ومميز ومختلف عن غيره، وبذلك يكون كالبصمة البصرية التي ما إن تقع أعيننا على إحدى عناصرها إلا وعرفنا أنها تنتمي لذلك المجتمع، وهذا هو التميز.

ما هي العلاقة التي تربط الحرف العربي بالهوية؟

ما الذي أضافه استخدام فن الحروفيات للتجربة الفنية العربية الحديثة والمعاصرة؟

المحور الثاني: مظاهر اللغة العربية والتراث الثقافي

  • عناصر الهوية الثقافية

إن عناصر الهوية الثقافية تتجلى من خلال المظاهر المهمة التي تتمثل بها جوانب الهوية الثقافية بالنسبة للشعوب والأفراد، مما يجعلها تتميز وتنفرد بها عن بقية الهويات، لأنها تتمركز على أساسيات وخصائص متداخلة ومترابطة تكامليا في الحضارة والموروث عبر تاريخها، وتتمثل في الغالب في عناصر أساسية، منها: عنصر العقيدة واللغة، والتراث الثقافي، وكما ذكر الدكتور خالد بن عبد القاسم في مقاله العولمة وأثرها على الهوية، بخصوص الدين واللغة وعناصرها الأساسية المتعلقة بمفهوم الهوية الثقافية. اذ ان العلاقة بين اللغة وبين الهوية الثقافية علاقة قوية ومترابطة، ولهذا كانت الفنون التي وظفت لغاتها في فنونها من أهم مقاييس رقي الأمم والتعرف عليها. حيث يقول: “تستمد الهوية الثقافية العربية مقوماتها من الدين الإسلامي، الذي يدعو إلى الحق، ويتخذ من الإنسان موضوعا له، فالخطاب القرآني موجه للناس جميعا فالدين هو المكون الأول لهويتنا الثقافية، لأنه هو الذي يحدد للأمة، فلسفتها الأساسية عن سر الحياة وغاية الوجود، كما يجيب عن الأسئلة الخالدة، التي فرضت نفسها على الإنسان في كل زمان ومكان، فالإسلام له تأثيره العميق والشامل في هويتنا الثقافية، كما أن التوحيد بمعناه الشامل، يمثل أبرز ملامح هويتنا الثقافية.والتدين هنا لا يعني ممارسة الشعائر الدينية وحدها، بل هو موقف من ثوابت كثيرة، منها ما يرتبط بالأسرة وكيفية تكوينها بشكل صحيح، ومنها ما يرتبط بالمنهج العلمي، الذي اعتمد على العقل والوحي بشكل متوازن، وهذا يمثل ملمحا من ملامح هويتنا الثقافية. إذن لا يمكن تصور وجود للهوية الثقافية العربية إلا بوجود الدين الإسلامي، باعتباره سمة مميزة للمجتمعات العربية والإسلامية، وأداة المسلمين لمقاومة الاغتراب الثقافي، وبالتالي فأي هجوم على الإسلام هو بمثابة محاولة استلاب للهوية الثقافية، والحضارية للأمة العربية.(خالد، 2006)

سكن الحرف العربي مقام التقديس الديني والحسي للأمة العربية، وهو مقام شرفت به اللغة العربية وحروفها، بما تشرفت به في القرآن الكريم, والأحاديث النبوية الشريفة. وكما هو معروف ومتداول بأنها لغة اهل الجنة، وان المتصوفة أعطوا للحروف العربية مضامين ومدلولات روحية. وقد اشار لذلك التستري والحلاج وابن عربي والقاشاني واخرين من أئمة التصوف الذين رأوا بعين البصر والبصيرة في الحروف العربية أسرارا ومقومات وخواص تصل بها مقام التقديس. “ومثلما سكن الحرف ضمير الأمة الديني ووجد مجالا رحبا في تراثها الشعبي فإنه ارتبط بقوة بذوقها الفني. ومن هنا جاء اهتمام الفنان الإسلامي العربي بالحروفية التشكيلية وبدأت رحلة الحرف العربي مع الفنانين والأسلوب الحروفي، المدرسة الحروفية.”(مصطفى، 1988، ص 28)

  • الدلالات والعلاقات التشكيلية للحرف العربي

هَذِه الدَّلالات المعْنويَّة لَهَا جُذورِهَا، حَيْث أنَّ اَلقُرآن اَلكرِيم أَعطَى لِلْحروف خُصوصيَّتهَا فِي اِفْتتاحيَّات بَعْض السُّور، مثلا: حَرْف النُّون وكَذلِك الألْف واللَّام وَالمِيم، ق، أَلَّف لَام صاد، أَلْف لَام راءٍ، أَلْف لَام مِيم راءٍ… وَغَيرهَا. فَنجِد أنَّ دُخُول الحرف العرَبيِّ فِي العمل الفنِّيِّ يُعْطِيه بُعْدًا رُوحيًّا وَصوفِيا عميقًا.تتمثل فيها العلاقات والمقومات التشكيلية في مجموعة من الصفات التي يختص بها الخط العربي وتنفرد بها حروفـه. أي مجموعة الخصائص المميزة للحرف العربي. والتي ساعدت في تحقيق القيم الجمالية للخطوط العربية من “الليونة و التدوير و المطاطية والتدوير والمد والبسط … وتعدد شكل الحرف الواحد.”(مصطفى، 1988)

  • المقومات التشكيلية للحرف العربي

العلاقات والمقومات التشكيلية هي الاواصر التي تربط بين عناصر بناء العمل الفني والتي يتأكد من خلالها دور كل عنصر تشكيلي في بناء العمل الفني ومدى تأثره وتأثيره بالعناصر المحيطة به. وأول فنون الخط العربي ظهورًا الخط الكوفي، فهو أعرق الخطوط. وظهر أول ما ظهر في الكوفة، في العراق ومنها انتشر إلى سائر البلاد العربية والإسلامية. لقد ظهر اتجاه استخدام الحروف العربية وكلماتها على يد مجموعة من الفنانين المعاصرين عندما استخدموا حروف الكتابة في لوحاتهم واعتبروها عنصرا تشكيلياً يصنع الثراء الفني بين الجمالي والفكري، ويجسد إضافات جديدة للفن التشكيلي. “لأهمية الخط العربي وما يتمتع به من قدرات تشكيلية تؤهله للتجاوب مع إبداعات وابتكارات الفنان العربي والمسلم في مجالات الفنون كافة. انكب الخطاط على حشد كل مهاراته للاستفادة من خصائص ومزايا الخط العربي الفريدة والبديعة واستنهاض أقصى ما يمكن من الجماليات التي تكمن فيها تشكيلات حروفه الرشيقة، بل حرص بعضهم على تطويرها, وابتكار طرق جديدة منها تتوافق وتنسجم مع كل فن جديد.”(محمود وفاتح، 2008)

المحور الثالث: المميزات التشكيلية بين الكتابة والفن

  • النص واللون

الألوان في لوحات الحروفيات تتدرج وتتداخل بين الحروف بهارمونية فنية تنغمس مع البعد التشكيلي للعمل الفني، بعكس الخط المستخدم في الاعمال الخطية المتعارف عليها والذي يعتمد غالباً على لون ونمط واحد. ونلاحظ في الأعمال الحروفية تختلف الألوان وتتدرج وتتداخل في اللوحات التي توظف الخط العربي والكلمات العربية حسب توازنها الفني المرتبط مع بناء العمل الفني، بعيدا عن التقيد الكامل بقواعد الخط، ذلك لمرونة الحرف وحركيته والتي تكون مائزة في اللوحة الحروفية، بحيث تتقوس وتتمازج الأحرف بشكل كبير فيما بينها وتتداخل الوان العمل الفني مع الحرف المستخدم،, حيث بالمقابل تكون أقل ليونة في لوحات الخط الكلاسيكية. وفي ذلك خروج عن تقاليد فنون الخط التي التزمت الدقة في التركيب والمقاسات والتشكيل والتسطير والنقط وصحة أشكال وأوضاع الحروف. “استخدمت الحروفية الحروف العربية ولكنها لم تلتزم بقواعد الخط العربي التاريخية. فالحروفية اقتربت من الفنون التشكيلية في رسم الخط العربي و النصوص في اللوحة الحروفية غير واضحة ويصعب قراءتها بسهولة, وقد تكون أحرف دون نصوص وإيحاءات مختلفة وانما يستنبط منها الناظر أفكارا وإيحاءات مختلفة”(محمود،2012، ص46)

المدرسة الحروفية تعود بدايتها إلى الحروفية التدوينية، والتي مارسها الإنسان القديم منذ أن عرف الكتابة وعرف أهمية وقيمة تسجيل نشاطاته اليومية من خلال التدوين عن طريق رموز معينة متعارف عليها بين جماعته، ونمت تلك الرموز وتطورت إلى أن وصلت أشكال الكتابة المتعارف عليها اليوم. يستخدم فنان الحروفية الإيحاءات التشكيلية المختلفة التي تعتمد القراءات والتأملات الحسية والفكرية معا، لأنه يمزج بين الموروث اللغوي والحضاري مع التشكيل الفني للخروج عن تقاليد فنون الخط التي التزمت الدقة في التركيب والمقاسات والتشكيل والتسطير والتنقيط في بناء أشكال وأوضاع الحروف.

  • اللغة والإيقاع التشكيلي

وتتمتع اللغة العربية باتساع وعمق أدبي وبلاغي، وتزيد جماليات الخط العربي من فرادة هذه اللغة، فالخط العربي يصنف على أنه الأجمل بين خطوط لغات العالم لقدرته على التشكل والتطور، وقدرة الفنان على تطويعه لخدمة الفنون التشكيلية، إستخدم الفنانون المحدثون من العرب وغيرهم الخط في لوحاتهم الفنية، حتى أصبح الخط بذاته وحدة زخرفية يتكون من تكرارها بالإيقاع التشكيلي عملاً فنياً تصبح فيها الكلمة صورة تكشف عن المفاهيم الكامنة فيها فمن خلال الجمع بين الكلمة والرسم، بين الحرف واللون، أصبحت الكلمات تحمل معاني جمالية بجانب المعني الظاهر، المتعارف عليه، إلى جانب الجماليات التشكيلية التي أضفتها على العمل الفني من خلال الجمع بين عنصر الكتابة الذي هو الخط العربي وعنصر الشكل في الفنون التشكيلية، جنباً إلى جنب،  يدفع العمل في اتجاه تشكيلي تجريدي ومفاهيمي يتم فيه فصل الشكل عن المضمون، ويبرز في الوقت نفسه الإيحاءات والجماليات الفنية وايقاعها التشكيلي.”إن الكلمة العربية هي صورة تتضمن صوتاً ومعني وخيالاً مرئياً وعلى هذا فان الكلمة العربية عندما إستخدمها الفنان التشكيلي كعنصر فني لم يكن القصد الإفادة من شكل هذه الكلمة الفني بحد ذاته وحسب بل كان القصد تركيب لوحة فنية ذات أبعاد مكانية وزمانية”(بهنسي، 1997)

ان الرواد الأوائل من الفنانين والخطاطين، سار على نهجهم مجموعة من الخطاطين، منهم: المحرر وابن مقلة وابن البواب والمستعصمي، ومن بعدهم الخطاطين المبدعين أمثال: مصطفى راقم، حمد شفيق، السلطان محمود خان، أحمد الكامل، عبد القادر أحمد توفيق، محمد حسني البابا، سيد ابراهيم، هاشم البغدادي، الذين رسخوا الخط بأنواعه وأشكاله و جعلوا له الحضور الجمالي والفني وسطوة استقلاليته الشكلية والدلالية وتعمقوا بأسرار أدائه وتنفيذه, واشاروا الى قواعد كتابته في كراريس منشورة و رسائل مكتوبة وقد تضمنت هذه الرسائل آراء ومفردات كثيرة خاصة بفن الخط.

“ويقسم شربل داغر الفنانين الذي يمارسون استيحاء الخط في الفنون التشكيلية العربية إلى صنفين: صنف الخطاطين التشكيليين وصنف الحروفيين… فقد برز من بين هؤلاء الحروفيين أو الخطاطين التشكيليين أسماء لامعة من قبيل المصري محمد حسني والعراقي عبد الغني غاني واللبناني سمير الصايغ والسوداني عثمان وقيع الله والعراقيين حسن المسعودي ومحمد سعيد الصكار وغيرهم. وهم في تجاربهم لا يخرجون عن قوالب الخط بالرغم من أنهم يسِمونها بإبداعاتهم الخاصة، معتمدين جمالية زخرفية تمنح للخط رقصاته الأساس التي تتسربل بها الحروف والعبارات، في تشكيلات تشخيصية أحيانا وتجريدية صوفية أحيانا أخرى. ولا يخفى أن هذا التوجه الاتباعي، إن كان يحافظ على “جودة الخط والتصوير” كما قال ابن البواب، لا يحيد فيه عن مقروئية الحرف والعبارة، ولا يجاوز فيها الأساس الزخرفي للخط كما هو موروث. ليس ثمة هنا من أفق تجريبي، ولا من مقاصد جمالية عالمية، ما بعد حداثية، بل فقط تجويد الخط وتحسينه ومنحه طابعا خياليا شخصيا يتلاءم مع زخرفية الخط. إن هؤلاء الخطاطين التشكيليين، وهم يؤبدون جمالية الخط العربي، وتقنياته الزخرفية، يظلون حِرَفيين فنانين، سليلي النساخينالعرب القدماء. وهم بامتلاكهم للتقنيات يحافظون على التقاليد الغرافيكية للخط العربي.”(https://www.almanwar.com)

 

مسار استخدام الحروف والكلمات العربية في الفنون التشكيلية

1– المسار الفني والجمالي للحرف العربي: ويأتي الخط العربي في أوليات الفنون البصرية العربية والإسلامية، حيث أنه يعتبر وعاء اللغة العربية وسفيرها، وممثلها الأوحد للتعبير عن مكنوناتها والسفر بأسرارها، ولذلك نجد أن العناية بأنواع الخطوط قد تزايد على مر العصور، فطوّر الكتّاب في القرن الأول الهجري الخط الكوفي، وأخذوه من الخطوط التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، وهي: المسند والجزم والحجازي والنبطي، وفي العصور المتلاحقة ظهر خط النسخ الذي كان الخط المعتمد لنسخ الكتب والمصاحف، وكذلك ظهرت خطوط مرتبطة بثقافات مختلفة، إثر اندماجها بالمجتمع الإسلامي العربي، مثل: الكوفي، الخط الفارسي، والأندلسي والنيسابوري والقيرواني، وذلك نسبة إلى المدن والبلدان التي نشأت وتطورت فيها هذه الخطوط.

2– المسار الروحي والحسي للحرف العربي: “سواء تعلق الأمر هنا بكلمة أو بحرف فإن الفنان العربي يتعامل معها كعناصر قابلة للترويض والتحوير. إنها تغدو مكونا تشكيليا يساهم في تجريد الحرف من صورته ويجسده ليندمج في توليفة شخصية من المسطحات والتلوين. الحرف هنا ليس سوى ذريعة لمنح إيقاع جديد للوحة. إنه يتشكل على هواه ويتراقص أحيانا كما في لوحاتيوسف أحمد وجميل حمودي وشاكر حسن ورافع الناصري. لقد كانت تجربة حمودي كما شاكر حسن مع الخط تتميز أساسا بالتفرد بالحرف وصياغته بحرية تامة كي يتناسق ويندمج في فضاء اللوحة ويغدو من ثم جزءا من المكونات الإيقاعية والمساحية للوحة. لقد كان جميل حمودي، كما مديحة عمر يعيان تمام الوعي أن الحرف مدخل لتجريدية مغاير…

لا ريب في أن افتتان الفنانين العرب بالعلامة جاء من انتماء حضاري عريق. فالتشكيليون اليمنيون يمزجون بين الحرف العربي والحرف الحميري، والأردنيون يُزاوجُونه بالحرف النبطي، والعراقيون يستوحون العلامات الآشورية والسومرية. إن هذا المزيج يمنح للفنان العربي هوية متعددة نابعة من جذور متراكبة، وإن كانت مرتكزة على التراث البصري. ويمكننا التوكيد على أن الفنان المغربي أحمد الشرقاوي كان من الأوائل الذين جعلوا من العلامة مصدرا لأعمالهم. ولا غرابة في ذلك، فهو كان يشتغل خطاطا قبل الانتقال لدراسة الفن بباريس. وهذا الانتقال من الخط العربي إلى العلامة لا يمكن إدراكه سوى كتجذر في ما يسميه ذاكرة الأم…تطرح علينا دراسة الخط في الفن العربي الحديث والمعاصر مسألة الهوية لا باعتبارها مسألة جاهزة، وإنما بوصفها مسألة بلورة تفصح عن مفارقة حاولنا الإلمام بها هنا: فهل يكفي استلهام الخط لبناء هوية عربية؟ لقد أثبتت التجارب الحديثة والمعاصرة أن الحروفية أساليب وتيارات وتوجهات متباينة، تمتد من الالتزام بقواعد الخط والاكتفاء بمزجه بخلفيات لونية تشكيلية، إلى تحويل الخط إلى علامة بصرية وصورة تجريدية وحرة. وقد سعينا إلى تحليل هذه المفارقة وتبيان خصوبة الاشتغال الإبداعي على الخط لبناء هوية فنية وتشكيلية جديدة يكون فيها التراث البصري العربي الإسلامي موردا ومنطلقا لبناء هوية تشكيلية منفتحة ومتعددة في الآن نفسه… قد أدى بالفن العربي إلى استكشاف الذات وبناء تجربة تشكيلية جديدة مميزة وغير منغلقة على نفسها؛ وأن الحروفية هي في حقيقة أمرها حروفيات، وأن الهوية الفنية حين تمتح خصائصها من التراث إما تنغلق فيه أو تحرره وتمتلكه وتؤوله وتبدع فيه ابتغاء الاندراج في حركية الفن العالمي. وهذا ما جعل من شاكر حسن وضياء العزاوي ونجا المهداوي ومحجوب بنبلة وأحمد الشرقاوي فنانين عالميين”(https://www.almanwar.com)

السمات والخصائص الفنية والجمالية للجمع بين الخط العربي والرسم

تتميز حروف الخط العربي باستقامة وإنبساط وتقوس فيسهل وصل الخطوط العمودية والأفقية بالرسوم الزخرفية الأخرى وصلاً يتجلى فيه الإتزان والإبداع والجمال، وقد أعجب به الغربيون وقلدوه ونقلوا بعض عباراته نقلاً صادقاً دون أن يعرفوا ما تحمله من المعاني ولم يمنعهم جهلهم باللغة العربية من أن يتخذوا من هذه العبارات أداه لزخرفة مصنوعاتهم وأعمالهم الفنية . وتمتاز الحروف العربية بأنها تكتب متصلة أكثر الأحيان، وهذا ما أعطي لها إمكانيات تشكيلية كبيرة دون أن تخرج عن الهيكل الأساسي لها، ولذلك كانت عملية الفصل بين الحروف المتجاورة ذات قيمة مهمة في إعطاء الكتابة العربية جمالية من نوع خاص ” من حيث تراصف الحروف، وتراكبها ، وتلاحقها كما أن المدات بين الأحرف تأخذ دورا في إعطاء الكتابة العربية تناسقًا ورشاقة عندما تكون هذه المدات متقنة وفي مواضعها الصحيحة”(أمين، 1992) يضاف إلى ذلك الغنى الذي يمكن أن يضيفه التشكيل والزخرفة الملحقة بالحروف، فعلامات الفتح والكسر والضم والسكون والتنوين والمد والإدغام والشدة كلها عناصر تزينية زخرفية لا غنى عنها لإتمام التناسق وملء الفراغات إضافة إلى ضبط الكلمات وصحة قراءتها.

ألهم الخط العربي الكثير من الفنانين، ليبتركوا أشكالاً جديدة للحروف، وتطوير خطوط جديدة تتكافئ مع الثقافة الحديثة وتتناغم معها، فظهرت الخطوط بحلة جديدة وحروف انسيابية يحسن استخدامها في مختلف المجالات، وصارت الشعارات الرسمية لكثير من الجهات تعتمد الخط العربي في إشارة إلى الأصالة والاعتزاز بالتراث والهوية العربية، وحتى مبتكروا الخطوط الطباعية قد طوروا نماذج فريدة لاستخدامها في الإعلانات والمطبوعات، وبدئوا بإدخال بعض التعديلات في الخطوط مع مراعاة المحافظة على الشكل الجمالي للحرف العربي الأصيل وقواعده، ومن ثم أخذوا يدمجون قواعد الخط العربي مع خطوط اللغات الأجنبية ليخرج لنا نوع جديد آخر، وبعضهم ابتكر خطاً طباعياً يشبه الكتابة اليومية لاستخدامه في مجالات ترفيهية متعددة، وبذلك نجد أن الحرف العربي قد وجد سبيله لمواكبة التطور التكنولوجي، واستطاع التعبير عن رسالة الهوية العربية في العصر الحديث.

إن الحروف العربية الغنية بمعطياتها الفنية كانت ولا تزال تلهم الفنانين إبداعاتهم، فهذه الحروف تنضوي على عبقرية فذة لا حدود لها من حيث المضمون، أو من حيث الشكل، ولقد اعتمد الفنانون التشكيليون في الوقت الحاضر على عناصر تشكيلية مستمدة من الخط العربي الذي يستمد قيمة كيانه الجمالي من تلك القدسية التي أحاطت بآيات الذكر الحكيم ومأثور القول وصافيات الحكم ، فاكتسب الخط ما يمكن أن نسميه جلال المعنى وجمال المبنى ، فتشربت حروفه تلك المعاني في جلالها حتى أصبح النص المكتوب جزءاً من المنطق الجمالي لأن الكثير من الجانب الذوقي فيه يعتمد على جمال المعاني المدركة التي يثيرها النص وهي أحد الركائز المهمة التي يوليها الفنان عناية كبيرة عندما ينتقي الآية القرآنية أو النص لدلالتها المفاهيمية أو لسحر العلاقات القائمة بين حروفها في تكوينها وإيقاعها وتشكيلها.”(إياد، 2006)

أهم نتائج البحث

استطاعت اللغة أن تعكس تجربة غنية بالدلالات والأبعاد الفنية والرؤى الجمالية دون الخروج عن القيمة الأصلية لها، رغم تعدد المذاهب الفنية المعاصرة واتساع آفاقها اذ قطع فن الحروفيات خلال العقود الأخيرة مديات بعيدة وكبيرة من التطور والتجديد على المســــــــــــــــتويات الفكرية والتقنية والجمــــــــــــالية. حيث انها اعتبرت اللغة العربية ومفرداتها احد اهم الركائز والعناصر التي شيدت بناء الاعمال التشكيلية في هذا المجال، وجعلت من اللغة العربية بحروفها وكلماتها نواة فنية يتم البناء عليها وبأساليب وتقنيات متنوعة أثبتت قدرتها على التحرر والتطور والتحول دون ان تفقد اللغة شيئا من بريقها الأصلي وبلاغتها الجمالية التي هي عليا بل أضافت لها قدرتها على المطاوعة والانسجام في شتى الميادين الانسانية. وان الحركة والليونة في الحرف والكلمة هي بمثابة صورة تحل صوتاً فنيا وتشكيلا بصرياً. وعليه وجد الفنانين المعاصرين في اللغة العربية أسلوبا فنيا في التشكيل والتوظيف في أعمالهم الفنية، وهو ما تجلى في الكثير من الأعمال لفنانين استطاعوا تقديم تشكيلات تجريدية أثرت في التجربة الفنية عموما والتجربة الحروفية على وجه التحديد. وذلك في إطار مزج بين أصالة اللغة ومفرداتها كأحد أقدم الأشكال التشكيلية وبين حداثة اللوحة التشكيلية. فالشكل الذي تتكون منه الحروف يتسم بإمكانية عالية في تقديم أُسس خطية وشكلية متنوعة إلى جانب قدرتها على التحرك ضمن البناء التشكيلي. وان توظيف استثمار الحروف والكلمات كمفهوم وعنصر تشكيلي يغني اللوحة ويعطيها بعدا أكثر معاصرة. وتوصلت الدراسة إلى أن استخدام وتوظيف الحرف العربي بمختلف أشكاله وتنوع خطوطه يعتبر عنصر مهم في البناء الفن التشكيلي العربي المعاصر.

  • إن جماليات الجمع بين الخط العربي والرسم تحتوي على إمكانات تشكيلية وجماليةتصلح لأن تكون مثير بصري يثري مجال الأشغال الفنية.
  • إن ما يحمله الخط من مظهر جذاب وتوازن وإتقان وقيم تجريدية وجمالية جعلت الفنانيتقن سر الجمال والحرفة في المزج بين الكلمة والشكل الذي يؤكد معني تلك الكلمة ويمنح الخط العربي بعداً يضيف أفاقاً جديدة في التجريب لإستلهام العديد من المداخل التشكيلية.
  • يتميز الجمع بين الخط العربي والرسم بخصائص ومميزات يمكن إستخدامها في مجالاتالفن التشكيلي بشكل عام وفي مجال الأشغال الفنية بشكل خاص.

أهم التوصيات:

1- اعتماد تطوير مناهج حصص ودروس التربية الفنية مع التأكيد على الجوانب الفكرية والفنية للحرف العربي في جميع المراحل الدراسية.

2- فتح وتعزيز ورش فنية لتعزيز دور اللغة العربية في صناعة الجمال والسلام.

  • النشر والتعريف بالفنانين وأعمالهم التي تتخذ من اللغة العربية قاعدة فنية.
  • التعريف المستمر بأهمية انتشار جماليات اللغة العربية من خلال الفن.
  • أهمية فهم واستيعاب مزايا الجمع بين الخط العربي والرسم والتي تعد منطلقاً فنياً وتشكيليا وجمالياً يستطيع الفنان من خلالها الإبداع والتجريب والابتكار في مجال الفن.

6- ضرورة التمسك والحفاظ على هويتنا العربية من خلال إيجاد مداخل تجريبية في تناول الخط العربي في مختلف مجالات الفن التشكيلي.

7- جراء العديد من الدراسات للإستفادة من الحلول التشكيلية والجمالية في الخط العربي إلي جانب إستثمار لغة الشكل بجانب الكلمة لإستخلاص حلول تشكيلية وجمالية للإرتقاء بالعمل الفني.

المراجع والمصادر 

اللغة العربية

– أثير صباح حسين علي،2015م. جماليات توظيف الحرف العربي في أعمال التصوير للفنان ضياء العزاوي. مجلة بحوث التربية الفنية والفنون العدد (46) – كلية التربية الفنية – جامعة حلوان.

– أسامة، حمزة الدمرداش زغلول. جماليات المسطح والمجسم في الخطوط العربية والإفادة منها في التشكل الخزفي المعاصر، رسالة دكتوراه. كلية التربية الفنية، جامعة حلوان،2006م.

– أمهز، محمود. “الحروفية ما بين الحداثة والتراث”، الفنون الإسلامية بين هوية التراثي ومجتمع العولمة، منشورات مركز الفنون البصرية،الدوحة،2008م.

– أمين، علي محمد. (1992م)، عبقرية الخط العربي- مجلة الوحدة- العدد (9) بيروت.

– إياد، حسين عبد االله. إستخدامات الخط العربي في الفنون البصرية والتشكيلية، بغداد،2006م.

– إينغهاوزن ريتشارد، غرابارأوليغ، جنكينسماريلين. الفن الإسلامي والعمارة، ترجمة عبد الودود بن عامر العمراني، منشورات هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أبو ظبي،2012م.

– بهنسي، عفيف (1979م). جمالية الفن العربي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد (14) الكويت.

– الجبوري، محمود شكر، نشأة الخط العربي وتطوره، مكتبة الشرق الجديد، بغداد 1974م.

– الحيدري، بلند. “رحلة الحروف العربية إلى فننا الحديث”، مجلة نزوى، العدد الثامن، أكتوبر، مسقط،1996م.

– الخطيبي، عبد الكبير ومحمد سليجماسي. فن الخط العربي، باريس 1976م.

– دوطي، إدمون. السحر والدين في شمال إفريقيا، ترجمة فريد الزاهي، ط 4، خطوط وظلال، عمان، 2021م.

– الشاروني، صبحي. الحرف العربي في فن التصوير الحديث وأصوله في التاريخ, مجلة فكر وفن, العدد 33, سويسرا, 1979م.

– شربل، داغر. الحروفية العربية، فن وهوية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 1990م.

– شقرون، نزار. شاكر حسن آل سعيد ونظرية الفن العربي، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون/منشورات الاختلاف، بيروت-الجزائر، 2010 م.

– شوحان، أحمد. رحلة الخط العربي من المسند إلى الحديث, منشورات اتحاد الكتاب العرب, دمشق،2001 م.

– شيمل، آن ماري. الجميل والمقدس، ترجمة عقيل يوسف عيدان، ط1، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2008م.

– عبد الصبور، عبد القادر محمد. الحروفية كحركة تشكيلية حديثة من خلال فنون الجرافيك العربي المعاصر، كلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، 1998م.

– الكردي، محمد الطاهر. تاريخ الخط العربي وآدابه، المطبعة التجارية الحديثة بالسكاكيني، الطبعة الأولى، القاهرة،1939م.

– محسن، محمد عطية. ” الفنان والجمهور” دار الفكر العربي، ط1، القاهرة، 2001م.

– محمد، عبد المستور. الحروفية كحركة تشكيلية من خلال فنون الجرافيك العربي المعاصر، رسالة دكتوراه، جامعة حلوان، 1998م.

– محمود، شاهين. الحروفية العربية الهواجس والإشكالات، دمشق، سوريا، وزارة الثقافة، 2012م

– محمود، شاهين، فاتح ابن عامر، هند الصوفي. المنصوص والمبصور بين الكتابة المصورة والصور المكتوبة، ملحق ثقافي ضمن فعاليات مهرجان الفنون الاسلامية، الشارقة، 2008م.

– المسعود، حسن. الخط العربي، دار نشر فلاماريون، باريس،1981م.

– مصطفى، محمد رشاد. المقومات التشكيلية والجمالية للخط العربي، مجلة دراسات البحوث، المجلد الحادي عشر، العدد الثاني، جامعة حلوان، القاهرة، 1988م.

– النصير، ياسين.الحروفية والحداثة المقيدة، ط1، دار نينوى، بغداد، 2015م.

  • اللغة الاجنبية

– Bardaouil Sam, Feltrath Till, Art et liberté, Rupture, guerre et surréalisme en Egypte (1938-1948), éd. Centre George pompidou, Paris, 2016.

– Kandinsk Wassily, Du spirituel dans l’art en général et dans la peinture en particulier, éd. Denoël/Gonthier, Paris, 1969.

– Khatibi Abdelkébir, Mohammed Sijelmassi, L’art contemotrain au Maroc, ACR éditions, Paris, 1989.

– Maraini Toni, «Situation de la peinture marocaine », Souffles, n°6-7, 1967, Casablanca.

– Ray Faulkner, Eziegfeld (1969): Art Today, Halt Rinchart & Winston Inc, New York.

– Bevlin, M. (1970): Design Through Discovery, Holt Rinehart andWinston; Inc, New York.

 

الملحق

نماذج من الخط والحروفيات

هاشم الخطاط

لوحة خطية للفنان محمد غنومخط عربي على خزف للفنان محمود طه

الفنان شاكر حسن ال سعيدالفنان رافع الناصري

الفنان عبد القادر أرناؤوطالفنان حسن عقل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *