currencies, finance, business-69522.jpg

د. ليندا محمد نيص

جامعة الامير سلطان – الرياض

lindanees@gmail.com

00966568198410

الملخص

      تعد جريمة غسل الاموال من الجرائم العابرة للحدود وقد ساعد على انتشارها التطور العلمي التقني ، وبذلك تكون  قد تجاوزت في عصرنا الحاضر الحدود الوطنية وانطلقت الى مجال أوسع على المستوى الدولي بفضل الوسائل التقنية والعولمة والتكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي يزداد فيه من خطورة هذه الجريمة.

ويترتب على هذه الجريمة العديد من الآثارها السلبية التي تتجاوز في ثأثيرها حدود الزمن الماضي، والحاضر ويمتد للمستقبل ،فلم تعد قاصرة على الاجرام المحلي بل إمتدت الى الاجرام المنظم الدولي ،الأمر الذي أدى الى نمو ارادة المجتمع الدولي لمكافحة الجريمة والحد منها ومن خطورتها ، في ظل وجود قناعه بعدم قدرة الدول على مكافحتها، لذلك تنوعت سبل مكافحة هذه الجريمة في التشريعات الوطنية والدولية ، الا ان الامر يحتاج الى تعزيز الدور والتفاعل بين الدول لمكافحتها والحد من انتشارها بسبب اثرها الكبير على النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر جريمة غسل الأموال من الجرائم المستحدثة، التي تم معالجتها من قبل المشرع الأردني والسعودي، وعليه تم تقسيم بحثنا الى مبحثين نتناول في الاول ،مفهوم جريمة غسل الاموال، ونعرض في الثاني، الاطار القانوني لجريمة غسل الاموال.

 

The role of  national legislation to combat the crime of money laundering

A Comparative study Jordanian and Saudi legislation

Dr Linda Mohamed Nees

Prince Sultan University – Riyadh

 

 

Abstract

       The crime of money laundering is a transnational crime that has been significantly developed in the modern world, especially during the time of globalization.

            This crime has many negative effects that go beyond the boundaries of the past, and the present and extend to the future. It is a dangerous crime since it is considered a transnational one that leads the international community to combat crime and reduce its danger.

The international community shed the light on the seriousness of the crime to call upon all the states to develop their legislation to combat money laundering. However, international cooperation is extremely essential to reduce the socio-economic effects of such a recent crime. This paper will examine the legislation on the crime of money laundering within the Saudi and the Jordanian system. The first section will focus on the scope and the definition of the crime within both systems, while the second part will focus on the legal framework of the crime.

 

الكلمات المفتاحية .

1-الجريمة :هي السلوك الإنساني المحظور الذي يخل بأمن المجتمع وسلامته، أو كل فعل أو تصرف أو ترك حرمه المشرع  وقرر له العقوبة المناسبة ،ايضا هي كل فعل محظور زجر الله عنه بعقوبة .

2-جريمة غسل الأموال :هي كل فعل ينطوي على إكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو نقلها أوإدارتها أو حفظها أو استبدالها أو ايداعها أواستثمارها أو التلاعب في قيمتها أو تحويلها أو أي فعل إخر وكان القصد من هذا الفعل إخفاء أو تمويه مصدرها أو الطبيعة الحقيقية لها أو مكانها أو حركتها أو كيفية التصرف فيها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها أو الحيلولة دون معرفة من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال .

3- الوسائل الدولية هي الطريقة التي يتم استخدامها في غسل الأموال حسب الطبيعة العملية والمكان الذي تتم فيه.

4- المتحصلات : هي أموال أو أصول ناشئــة أو تم الحصول عليها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال ارتكاب فعل أو الامتناع عن القيام بفعل بما يشكل جريمة وفق التشريعات النافذة في المملكة .

5- المسؤولية الجزائية: التزام الشخص بتحمل نتائج افعاله وقت صدورها والتي تخالف الشرع والقانون وكان وقتها كامل الاهلية لديه الادراك والتميز وحرية الاختيار لتلك الافعال .

ثانيا: مشكلة البحث

تكمن مشكلة البحث في أن جريمة غسل الاموال شهدت زيادة ملحوظة في الوقت الحاضر، ولمواجهه هذه الجريمة قامت الدول بسن التشريعات الوطنية لمكافحتها، ومعرفة التحديات التي تواجه تلك الجريمة و الاثار المترتبة عليها ، وتظهر مشكلة البحث من خلال الاسئلة الأتية :

– ما مفهوم جريمة غسل الأموال ؟

– ما خصائص جريمة غسل الاموال ؟

-ما اركان جريمة غسل الاموال ؟

– ما مراحل جريمة غسل الاموال ؟

– ما موقف المشرع الاردني والسعودي من جريمة غسل الاموال؟

– ما التحديات التي تواجه مكافحة جريمة غسل الاموال ؟

– ما الاثار المترتبة على جريمة غسل الاموال ؟

اهمية البحث.

تظهر أهمية البحث في التعرف على الأطار القانوني لمكافحة جريمة غسل الأموال، لذلك هذا البحث متخصص في توضيح مفهوم جريمة غسل الاموال ،وكذلك معرفة دور المشرع الاردني والسعودي في الحد من هذه الجريمة ،وفهم وتحليل العقوبات المفروضة عليها ، وعليه سوف يكون هذا البحث اضافة بسيطة للمكتبة الحقوقية التي يستفيد منه المختصون في مجال القانون.

ثالثا: أهداف البحث

يهدف هذا البحث إلى :

– بيان مفهوم جريمة غسل الأموال.

– بيان خصائص جريمة غسل الأموال.

-توضيح اركان جريمة غسل الاموال .

-بيان المراحل التي تمر فيها جريمة غسل الاموال.

– توضيح دور المشرع الاردني والسعودي في مكافحة جريمة غسل الأموال.

-توضيح التحديات التي تواجه مكافحة جريمة غسل الاموال .

-توضيح الاثار المترتبة على جريمة غسل الاموال

خامسا: حدود البحث

الحدود الزمانية: تتمثل فيطرح  الموضوع من 1988 اتفاقية فيينا وتعريفها للجريمة الى تاريخ البحث

الحدود المكانية: تتمثل في طرح الموضوع من خلال المشرع الاردني والسعودي

فروض البحث.

يمكننا صياغة الفرضيات الآتية بقصد مناقشتها وتحليلها :-

الفرضية الاولى : هناك طبيعة خاصة لجريمة غسل الاموال كونها من الجرائم المستحدثة التي تم مواجهتها بالتشريعات الدولية والوطنية و لا بد من توضيح ذلكبالوقوف على مفهوم وخصائص ومراحل جريمة غسل الاموال

الفرضية الثانية : هناك تشريعات ونصوص خاصة (الاردني والسعودي ) لا بد من عرضها لمعرفة العقوبات الخاصة بهذه الجريمة ،وهل تحقق الردع ام لا .

الفرضية الثالثة:هناك تحديات كبيرة لا زالت تعاني منها الدول في مواجهة جريمة غسل الاموال وذلك للحد منها ومن الاثار المترتبة عليها وبالتاكيد الاردن والسعودية من ضمن ذلك المجتمع .

تاسعا: الدراسات السابقة :

1- مكافحة جريمة غسل الأموال،  مقابلة ،عقل يوسف ،2017  

تناولت هذة الدراسة مفهوم التجريم والعقاب وتوزيع الإختصاص القضائي الجنائي، وآلية تسليم المجرمين ومن ثم عالجت بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية واقتصرت هذه الدراسة على تعريف الجريمة واشارة الى الؤتمرات العربية لمكافحة هذه الجريمة، ومن ثم تحدثت عن المساعدة القانونية المتبادلة

2- جرائم  غسل الأموال ، افي، مصطفى ،2014 ، عمان ،مكتبة المجتمع العربي ،

عالجت هذه الدراسة جريمة غسل الأموال وأوضحت طرقها وماهية آثارها الاقتصادية والإجتماعية ، وماهية الموقف العربي والجهود الفردية حيال هذه الجريمة.

3-غسيل الاموال ،مباركي،دليله ،2008، الجزائر

عالجت هذه الدراسة غسيل الاموال كظاهرة وبصورة عامة مستعرضة مفهومها واسبابها واثارها والتعاون الدولي في مواجهتها

        تقدم هذه الدراسات ظاهرة او جريمة غسل الاموال بصورة عامة ،اما بحثنا فهو متخصص بتوضيح موقف المشرع الاردني والسعودي من جريمة غسل الاموال، وكيفية مواجهة هذه الجريمة رغم التحديات والاثار المترتبة عليها .

منهج البحث .

لقد اعتمدت في بحثنا هذا على المنهج الوصفي التحليلي الذي يهتم بدراسة الجريمة من خلال تعريفها وتوضيح خصائصها ومراحلها، ومن ثم المنهج المقارن بين التشريع الاردني والسعودي الخاص في مكافحة غسل الاموال .

المقدمة

تعتبرجريمة غسل الأموال من الجرائم المستحدثة ذات الاساليب والطرق المتطورة بصورة مستمرة وقد ارتبطت هذه الجريمة بجرائم تقليدية مثل الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية، و بجرائم أخرى حديثة مثل تمويل الإرهاب و الاتجار بالبشر و غيرها من الجرائم المنظمة التي تنتشر في كل دول العالم. و تزايدت مخاطر غسل الأموال بعد تعاظم دوره في عرقلة مجهودات السلطات العامة في كافة الدول في تعقب و ضبط و مصادرة الأموال المتأتية من أنشطة إجرامية، ثم اتاحة استخدام عائدات هذه الأنشطة الإجرامية في تمويل أنشطة إجرامية جديدة، ويعد تمويل الإرهاب اخطر تلك الانشطة ، كما ترتب على نشاط غسل الأموال تسلل الأموال ذات المصدرالإجرامي إلى الهياكل الاقتصادية الرسمية، وهذا يؤدي الى الارتباك في الاسواق ويسهل استخدام النظم المصرفية والمالية بطرق اجرامية يضاف إلى ذلك دور غسل الأموال في نشر الفساد في المجتمع، عن طريق محاولات التأثير على مؤسسات الدولة السياسية و الاقتصادية و الإعلامية و أجهزتها الأمنية و القضائية، و غيرها من قطاعات المجتمع(الشاذلي،2021،ص511)

وقد عنى المجتمع الدولي بمواجهة جريمة غسل الأموال ،وتمثل ذلك في إصدار العديد من الاتفاقيات و المواثيق الدولية والإقليمية، لمواجهتها والحد من اثارها السلبية التي طالت كافة الدول وتطبيقا لذلك سارت التشريعات الجنائية الوطنية في الاردن والسعودية باصدار تشريع مكافحة جريمة غسل الاموال  يتضمن نصوصاً جنائية موضوعية و إجرائية، إضافة إلى التدابير الوقائية ، وهذا ما سنعرضه في بحثنا هذا موضحين دور التشريع  في الحد من هذه الجريمة، بعد ما يتم عرض موجز لمفهوم جريمة غسل الاموال .

المبحث الاول

مفهوم جريمة غسل الاموال

تعتبر جريمة غسل الأموال من الجرائم المستحدثة حيث انه لم يمض على ظهورها زمن كبير وقد تزايد إتساع نطاقها في ظل إنتشار الخدمات المصرفية الإلكترونية بشكل يهدد الإقتصاد العالمي ، وقد أصبحت هذه الجريمة تؤرق العديد من دول العالم لما لها من آثار إقتصادية وإجتماعية خطيرة، ولهذه الجريمة مفهوم وخصائص غامضة ، وساعد على ذلك أن هذه الجريمة ترتكب من أصحاب السلطة والنفوذ في المجتمع ،ومع تطور عمليات غسل الأموال نشأت فئة من المجرمين تخصصت في عمليات الغسل، وعليه قسمنا مبحثنا هذا الى ثلاث مطالب نتناول في الاول: تعريف وخصائص جريمة غسل الاموال ، ونبحث في الثاني : اركان جريمة غسل الاموال، ونطرح في الثالث : مراحل جريمة غسل الاموال .

المطلب الاول : تعريف وخصائص جريمة غسل الاموال

اولا: تعريف جريمة غسل الاموال

تختلف الاراء الفقهية في تسمية وتعريف جريمة غسل الاموال ، فالبعض يسميها غسل الأموال، والاخر تبييض الاموال ، والاخيرة تطهيرالاموال ،ويمكن تعريف جريمة غسل الاموال بشكل عام بأنها تنظيف الاموال الغير مشروعة المتأتية عن طريق الجريمة مع عدم الكشف عن المصدر غير المشروع لتلك الاموال، وايضا هي عملية أو مجموعة من العمليات المعقدة والسرية تهدف الى إضفاء صبغة الشرعية على أموال جمعت بطرق غير مشروعة (النسور،2001،ص1)،وكذلك هي القيام بفعل أو الشروع فيه ،بهدف إخفاء أو تمويه المتحصلات المستمدة من أنشطة غير مشروعة بحيث تبدو كما لو كانت اتية من مصادر مشروعة ليتسنى استخدامها في أنشطة مشروعة داخل الدولة أو خارجها (عوض، 2004 ،ص 1)، وايضا هي إخفاء مصادر الأموال القذرة الناتجة عن تجارة المخدرات ودخولها في مجال الإستثمار(الشافي ،2001 ،ص3) ،وكذلك هي العملية التي يلجأ اليها القائمون على الاتجار غير المشروع  بالمخدرات لإخفاء وجود دخله أومصدره غير المشروع أو استخدام الدخل في وجه غير مشروع فضلًا عن تمويه ذلك الدخل لجعله يبدو كأنه دخل مشروع (مصطفى، 2002 ،ص5) وتعرف أيضا بأنها”خضوع مقدار من المال غير المشروع لغسله فالمقصود هو التعميم على مصدرالأموال المتحصلة عن الطريق الذي يمكن فيها لهذه الأموال أن تظهر مرة أخرى وعلى نحو نهائي على شكل أرباح مشروعة(الشوا ،2001، ص5)

ويرى البعض ان غسل الاموال يعني اخفاء حقيقة الاموال المستمدة من طريق غير مشروع عن طريق القيام بتصديرها او ايداعها في مصارف دول اخرى او نقل او ايداعها او توظيفها او استثمارها في انشطة مشروعة للافلات بها من الضبط والمصادرة واظهارها كما لو كانت مستمدة من مصادر مشروعة سواء اكان الايداع او النقل او التمويل او التوظيف او الاستثمار قد تم في دول متقدمة او دول نامية (عوض ،2004، ص 182)، وكذلك هي تحويل او نقل الاموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة او المتهربة من الالتزامات القانونية الى شكل ما من اشكال الاحتفاظ بالثروة للتغطية على مصدرها والتجهيل بها حتى تاخذ شكل الاموال المشروعة بعد ذلك (عبد الخالق،1997، ص3) .

وتعرف جريمة غسل الاموال ايضا على انها عملية يلجأ اليها من يعمل في الاتجار غير المشروع للعقاقير المخدرة لاخفاء مصدره غير المشروع او استخدام الدخل في وجه مشروع يجعله يبدو كانه عائد من اعمال تجارية مشروعة (مباركي،2008،ص9)

وتعرف الاتفاقيات الدولية جريمة غسل الأموال ،والذي يعتبر أول تعريف تمت صياغته حيث نصت على أن غسل الأموال يتمثل إما في تحويل الاموال أو نقلها مع العلم بأنها من نتاج جرائم المخدرات أو في إخفاء أو تموية حقيقة الأمول أو مصدرها أو في اكتساب أو حيازة الأموال مع العلم وقت تسليمها أنها حصيلة جريمة من الجرائم المنصوص عليها في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات فيينا 1988وتعرفها لجنة بازل بأنها تحويل أو نقل الممتلكات مع العلم في المصدر الاجرامي والخطير من أجل إخفاء المصدر القانوني ومساعدة الأشخاص الذين يرتكبون هذه الأعمال ، ويعرفها صندوق النقد الدولي بانها ضخ وتدوير أموال غير مشروعة في الاقتصاد وفي المشروعات المالية والقانونية، وايضا برنامج الأمم المتحدة يرى انها عملية يلجأ إليها من يعمل بتجارة المخدرات لإخفاء مصدر الأموال الحقيقي والقيام بأعمال أخرى للتمويه ليبدو بأنه مشروع (النتشة، 2018، ص26-27)

وتتم عمليات غسل الأموال عادة من خلال إخفاء أو تمويه المصادر غير المشروعة للأموال غير النظيفة، ومن ثم العمل على إدخالها في نطاق الدورة الاقتصادية الشرعية وصولاً إلى تداولها وإستثمارها بصورة طبيعية (السفر، 2001،ص 19)

ويعرف المشرع الأردني جريمة غسل الاموال بانها كل فعل ينطوي على اكتساب أموال أو حيا زتها أو التصرف فيها أو نقلها أو إدارتها أو حفظها واستبدالها وإيداعها واستثمارها أو التلاعب في قيمتها أو تحويلها أو أي فعل آخر وكان القصد من هذا الفعل إخفاء أو تمويه مصدرها أو الطبيعة الحقيقية لها أو مكانها أو حركتها أو كيفية التصرف فيها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها أو الحيلولة دون معرفة من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال(المادة 2، قانون مكافحة غسل الأموال، 2010)

وينص المشرع السعودي على انها “ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه ،يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر( نظام مكافحة غسل الأموال السعودي، 1439هـ)،وكذلك يعرف الأموال بانها الأصول أو الموارد الاقتصادية أو الممتلكات أيًّا كانت قيمتها أو نوعها أو طريقة امتلاكها سواء أكانت مادية أم غير مادية منقولة أم غير منقولة ملموسة أم غير ملموسة والوثائق والصكوك والمستندات والحوالات وخطابات الاعتماد أيًّا كان شكلها؛ سواء أكانت داخل المملكة أم خارجها. ويشمل ذلك النظم الإلكترونية أو الرقمية، والائتمانات المصرفية التي تدل على ملكية أو مصلحة فيها، وكذلك جميع أنواع الأوراق التجارية والمالية، أو أية فوائد أو أرباح أو مداخيل أخرى تنتج من هذه الأموال، وايضا يعرف المتحصلات بانها الأموال الناشئة أو المتحصلة داخل المملكة أو خارجها- بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة أصلية، بما في ذلك الأموال التي حولت أو بدلت كلياً أو جزئياً إلى أموال مماثلة، كما يعرف الوسائل الجرمية بانها كل من استخدم أو أعد لإستخدام بأي شكل في إرتكاب جريمة من الجرائم المعاقب وفقاً لأحكام النظام ،كما بينت المادة الثانية الافعال التي تشكل جريمة غسل الاموال( الربيعي، 2005، ص 221 )

ونرى ان جريمة غسل الاموال هي عملية اخفاء وتمويه للاموال المتحصلة من طرق غير مشروعة ،وذلك بعد تشغيلها في طرق اخرى مشروعة بهدف تنظيفها من اي شائبة قد تكون سبب في مسائلة اصحاب تلك الاموال

ثانيا: خصائص جريمة غسل الاموال

تتصف جريمة غسل الاموال بعدة خصائص ميزتها عن غيرها من الجرائم وهي :-

  • جريمة غسل الأموال جريمة عالمية

يساهم التقدم العلمي في تطور الطرق الاجرامية ، كذلك تحرر التجارة العالمية وما وافقها من ازالة العوائق الجمركية وإستخدام التجارة الإلكترونية وشيوع المناطق الحرة وعمليات الخصخصة وما لذلك من أثر قد يكون سببا في تنشيط عمليات غسل الأموال خصوصا، وأن كثيرا من التشريعات لبعض الدول تفتح المجال لتنامي عمليات غسل الأموال من خلال تسهيل إمكانية إنشاء الشركات الوهمية والتحويلات الإلكترونية على الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية في مكافحة الجريمة ودفع الدول لتبني قوانين لمحاربة الجريمة (الحياصات، 2009،ص 13).

ويعد التقدم العلمي وإستخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة في العمليات المصرفية ، سببا في  دفع جرائم غسل الأموال لتكون عالمية والتي قد تتعدى حدود الدولة الواحدة ،الأمر الذي يجعل الجهود الوطنية عاجزة عن مواجهة اانتشارهذه الجريمة مما جعلها تستدعي جهوداً دولية لمواجهتها ويستفيد غاسلو الأموال لتحقيق هذه الغاية من الحدود المفتوحة بين الدول التي زاد انفتاحها بعد نفاذ أحكام التجارة العالمية ،حيث وفرت التكنولوجيا الحديثة مزايا من خلال قنوات مباشرة تصلهم بأسواق المال العالمية دون عناء أو مشقة حيث أصبحت جريمة غسل الأموال منتشرة في بقاع العالم والغاية النهائية منها إخفاء المصدر الغير المشروع للأموال لإبعادها عن الشبهة( الفاعوري ، وقطيشات ، 2002، ص34)

ونرى ان ثورة الإتصالات وإستخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة في العمليات المصرفية،والتقدم العلمي خصوصا في مجال الأموال، دافع قوي لوصف جرائم غسل الاموال بانها جريمة عالمية ،وذلك لانها أصبحت لا تعترف بالحدود الإقليمية وان تمارس عبر الدول مما يشكل تهديد اً للإقتصاد والأمن القومي .

ب- جريمة غسل الأموال جريمة منظمة      

تعد جرائم غسل الأموال من الجرائم الدولية الخطرة والتي تؤثر تاثيرا سلبيا ومباشرا على الإقتصاد الدولي ،لذلك هي جريمة منظمة تفترض تعدد الجناة ووحدة الجريمة مادياً ومعنوياً بحيث يساهم كل منهم أو أكثر من العناصر المؤثرة في الجريمة ،حيث ترتكب الجرائم المنظمة من خلال جماعات سرية منظمة تستخدم أشخاص يتم إختيارهم وفق ضوابط صارمة ، ومن ثم يتم تدريبهم على ممارسات تكفل طاعتهم وولائهم ،كما تستخدم الجريمة المنظمة أحدث الوسائل والتقنيات في ممارسة أنشطتها،ولا تلتزم بالضوابط الأخلاقية والإنسانية السائدة في المجتمعات ، واطلاق وصف جريمة منظمة يتطلب امرين هما:-

أ-تعدد المشتركين في الجريمة أي إسهام مجموعة من الافراد بإرتكاب جريمة والتعاون فيما بينهم ولا فرق بينهم في الدور سواء أكان دورا أساسياً أو ثانوياً .

ب-وحدة الجريمة أي الوحدة المادية والمعنوية وتقوم هذه الجريمة على تنظيم مؤسسي ثابت وهذا التنظيم له بناء هرمي ومستويات للقيادة وقاعدة للتنفيذ ومهام ثابتة وفرص للترقي في إطار التنظيم الوظيفي ودستور داخلي صارم يضمن الولاء، ومن أهم ما يميزها عنصر الإستمرارية حيث تظل المنظمة قائمة مادامت تحقق نجاحا،وتشكل الجريمة تهديداً للأمن والإستقرار على الصعيدين الداخلي والدولي) النتشة،2018،ص 30-30(

ج- استخدام وسائل التقنية الحديثة لتفادي كشف عمليات غسل الأموال:

تعتبرسرعة الإتصال والإنتقال سببا في وجود شكلاً جديدا من الجرائم ،ترتكب عبر الحدود الإقليمية للدول ضمن شبكات وتتسم عمليات غسل الأموال بسرعة الإنتشار الجغرافي بعد أن ظلت متمركزة فقط في عدد محدود من الافراد المحترفين لها داخل الدولة الواحدة ،وبدأت تنتشر لتضم عدد أكبر من الدول والافراد، حيث امتدت لتشمل كافة الدول، وقد ساعدت الوسائل التقنية المجرمين لإتمام عملياتهم الجرمية وتحقيق النتيجة التي يرغبون بها عن طريق ومنها استخدام الخبراء لتصميم أنشطة لغسل الأموال، وايضا استخدام على أحدث التقنيات العالمية الموجودة في الإنترنت والتجارة الإلكترونية (الربيعي، 2005، ص 32)

ونلاحظ أن الثورة في مجال الإتصالات والعمليات المصرفية قد ساهمت إلى حد بعيد في تفاقم مشكلة غسل الأموال ،فقد أصبحت العمليات التي تمر عبر الإنترنت والهاتف هي السمة الغالبة، ومن هنا فقد تطورت وسائل إخفاء عمليات غسل الأموال خصوصاً إذا ما ادركنا أن عمليات غسل الأموال تتم من خلال شبكات دولية تمتاز بالتخطيط المحكم.

د- تعتبر جريمة غسل الأموال نشاطا مكملا لعملية تحصيل كمية من الأموال :

تعد جريمة غسل الأموال نشاطاً مكملا للنشاط السابق فقد تكون الأموال المراد غسلها نتجت عن جرائم المخدرات أو الإرهاب أو الدعارة أو التجارة بالأسلحة وغيرها من المصادر التي يمكن أن ينتج عنها أموال قذرة ،فهذه الأنشطة السابقة بحد ذاتها تعتبر جريمة مستقلة بذاتها بحيث تأتي عملية غسل الأموال كنشاط لاحق لإرتكاب هذه الجرائم ، فغسل الأموال جريمة لاحقة لأنشطة اجرامية حققت عوائد مالية غير مشروعة، لذا كان لازما إصباغ المشروعية على العائدات الجرمية، أوما يعرف بالأموال القذرة ليتاح استخدامها بسهولة، ولهذا فإن جريمة غسل الأمول تعد مخرجاً لمأزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم (الحياصات،2009،ص 26)

المطلب الثاني : اركان جريمة غسل الاموال

أ-الركن المفترض (الجريمة الأصلية)

تعد جريمة غسل الاموال تبعية حيث يفترض قيامها وقوع جريمة أصلية سابقة عليها، تتحصل منها أموالاً غير مشروعة لكونها ذات مصدر إجرامي، وتعتبر هذه الجريمة الأصلية، هي ركناً مفترضاً لإمكان وقوع جريمة غسل الأموال و يلزم لقيام جرائم غسل الأموال توافر الركن المادي و الركن المعنوي ، والجريمة الأصلية (الركن المفترض)، وتعد الجريمة الاصلية هي الاصل لقيام جريمة غسل الأموال، وهي الجريمة التي تحصلت منها الأموال غير المشروعة، و يهدف مرتكب جريمة غسل الأموال بسلوكه المجرم تحوليها إلى أموال ذات مصدر مشروع،و بدأ تجريم غسل الأموال أساساً لمواجهة الأموال التي تتأتى من جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، لكن الاتجاه الدولي توسع في ذلك لتشمل جرائم أخرى،(الشاذلي،2021، ص515-516) وهذا ما نص عليه المشرع الاردني و السعودي حيث اعتبرا الجريمة الاصلية التي تتحصل عنها الأموال محل الغسل .

ويؤكد المشرع السعودي على استقلال جريمة الغسل عن الجريمة الأصلية، حيث ينص على انه تعد جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية. ولا تلزم إدانة الشخص بارتكاب الجريمة الأصلية من أجل إدانته بجريمة غسل الأموال أو من أجل اعتبار الأموال متحصلات جريمة، سواء ارتكبت الجريمة الأصلية داخل المملكة أو خارجها،و يتحقق القصد أو العلم أو الغرض في ارتكاب جريمة غسل الأموال من خلال الظروف والملابسات الموضعية والواقعية للقضية (المادة 4، نظام مكافحة غسل الأموال، 1439هـ )

ويعرف المشرع الاردني الجريمة الاصلية بانها “أي جناية او جنحة معاقب عليها وفقا للتشريعات النافذة”(المادة 2، قانون مكافحة غسل الاموال الاردني ،2021) في حين يعرفها المشرع السعودي بانها” كل فعل يرتكب داخل المملكة يشكل جريمة معاقبا عليها وفق الشرع او الأنظمة في المملكة، وكل فعل يرتكب خارج المملكة إذا كان يعد جريمة وفقا لقوانين الدولة التي ارتكب فيها، وفقا للشرع او أنظمة المملكة فيما لو ارتكب داخلها”(المادة4، نظام مكافحة غسل الأموال السعودي ، 1439هـ )

ب-الركن المادي في جرائم غسل الأموال

يتمثل الركن المادي من ثلاثة عناصر وهي السلوك ، النتيجة، علاقة السببية، ويعرف السلوك الاجرامي على انه النشاط الذي يباشره الجاني راميا من ورائه الى اتمام جريمته ، وبه يبدأ الركن المادي وجوده في العالم الخارجي بوصفه كيانا ماديا ، وايضا هو المظاهر الخارجية للجريمة المتمثلة بكيان مادي محسوس والمتصلة بماديات الجريمة(شناق ،2021،ص102)ويقصد بمحل جريمة غسل الأموال، الذي يقع عليه السلوك الاجرامي، الأموال الغير مشروعه ذات المصدر الاجرامي، سواء كان هذا المصدر جريمة وفقا للشرع او النظام او الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في المملكة.( الشاذلي ،2021،ص 527)،ويعبر المشرع السعودي عن هذا المحل بمصطلح  المتحصلات والتي هي الأموال الناشئة او المتحصلة- داخل المملكة او خارجها- بشكل مباشر او غير مباشر من ارتكاب جريمة اصليه، بما في ذلك الأموال التي حولت او بدلت كليا او جزئيا الى أموال مماثلة.(المادة 1، نظام مكافحة غسل الاموال السعودي،1439هـ)

أ. يعد مرتكباً لجريمة تمويل الإرهاب كل شخص:-

  1. يقوم بأي وسيلة كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بإرادته بتقديم أو جمع الاموال سواءً من مصدر مشروع أو غير مشروع مع علمه بأن تلك الاموال ستستخدم كلياً أو جزئيا في ارتكاب عمل إرهابي أومن قبل شخص إرهابي أو منظمة إرهابية.
  2. يساهم عمداً في ارتكاب جريمة تمويل الإرهاب مع مجموعة من الأشخاص أو يدعمهم لارتكابها.
  3. يقوم بتمويل سفر الأشخاص إلى دول غير دولة إقامتهم أو جنسيتهم لغايات قيامهم بارتكاب أو التخطيط أو التحضير أو المشاركة في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب الأعمال الإرهابية أو توفير أو تلقي التدريب عليها.
  4. يساهم في ارتكاب أي من جرائم تمويل الإرهاب المشار اليها في هذه الفقرة أو يقوم بتنظيم أو توجيه أشخاص آخرين لارتكابها.
  5. يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الفقرة .

ب. تقع جريمة تمويل الإرهاب المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة، حتى لو لم يقع العمل الارهابي أو لم يتم الشروع في ارتكابه وسواء استخدمت هذه الأموال لارتكاب عمل إرهابي أو محاولة ارتكابه أو لم تستخدم وسواء ارتبطت بعمل إرهابي معين أم لم ترتبط وبغض النظر عن مكان وقوع العمل الإرهابي أو المكان الذي كان من المفترض أن يقع فيه.(المادة4،قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب ،2021)

ويعريف المشرع السعودي مرتكب جريمة غسل الأموال بآنها كل من قام بارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عليها وهي: تحويل أموال أو نقلها أو إجراء أي عملية بها، مع علمه بأنها من متحصّلات جريمة؛ لأجل إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو تمويهه، أو لأجل مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصّلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها.

  1. اكتساب أموال أو حيازتها أو استخدامها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة أو مصدر غير مشروع.
  2. إخفاء أو تمويه طبيعة أموال، أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو الحقوق المرتبطة بها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة.
  3. الشروع في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات (1) و(2) و(3) من هذه المادة، أو الاشتراك في ارتكابها بطريق الاتفاق أو تأمين المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو التوجيه أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو التآمر. .(المادة 2 ،نظام مكافحة غسل الاموال السعودي،1439هـ)

ج-الركن المعنوي: في جرائم غسل الأموال

يتخذ الركن المعنوي في جريمة غسل الأموال صورة القصد الجنائي، فجريمة غسل الأموال في كافة صورها جريمة عمدية، فلا يحرم النظام تحقق الجريمة بطريق الخطأ أو الإهمال أو عدم الاحتياط أو عدم التحرز أو حتى مخالفة الأنظمة واللوائح المنظمة لبعض الأنشطة، إذا ترتب على المخالفة استفادة مرتكب جريمة غسل الأموال منها في تحقيق غايته الإجرامية. والقصد الجنائي قوامه العلم والارادة وهو ضرورة علم مرتكب الجريمة بالمصدر الإجرامي للأموال أو المصدر غير المشروع وأن يقترن العلم بإرادة إتيان السلوك الإجرامي أو النشاط المكون لركنها المادي.

وتقوم جريمة غسل الاموال بتوافر القصد العام ( العلم والإرادة) بالاضافة الى القصد الخاص في بعض الصور من تلك الجريمة (الغاية او الغرض الذي دفع الجاني للقيام بالسلوك الاجرامي )

ويقصد في العلم بكافة العناصر التي تشكل النموذج القانوني للجريمة كما حدده نص التجريم، وبصفة خاصة العلم بحقيقة المصدر الإجرامي للأموال غير المشروعة، ايضا اتجاه إرادة الجاني إلى اتيان النشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة.

ويستقر الفقه والقضاء على ان القصد الجنائي لا يتوافر إلا إذا تحقق العلم اليقيني بالعناصر الواقعية التي تحقق الجرم المعاقب عليه ، والمطلوب لقيام القصد الجنائي هو العلم اليقيني بالصفة غير المشروعة للأموال، ، فلا ينصرف إلى العلم بنص التجريم أو بالصفة الإجرامية للسلوك التي تنتج من نص التجريم. فقرينة افتراض علم الكافة بقواعد التجريم لا تقبل إثبات العكس، فلا يقبل من أي شخص إثبات جهله بتجريم السلوك، فتقوم المسؤولية الجنائية عن جريمة غسل الأموال، ولو ثبت جهل المتهم بان السلوك الذي قام به يشكل في النظام جريمة، فالفرض أنه يعلم ذلك، ولا عبرة بالواقع الذي يدعيه أو يرغب في إقامة الدليل عليه. لكن إذا جهل المتهم قاعدة غير جنائية تعد عنصرا من عناصر جريمة غسل الأموال أو وقع غلط يتعلق بالوقائع، ترتب على الجهل أو الغلط انتفاء القصد الجنائي لديه.

ويطلب المشرع الاردني و السعودي العلم بأن الأموال التي يحولها أو ينقلها أو يجري أي عملية بها هي من متحصلات جريمة أيا كانت هذه الجريمة، وكذلك الأموال التي يخفيها أو يموه طبيعتها أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو الحقوق المرتبطة بها. أما بالنسبة للأموال التي يكتسب الجاني ملكيتها أو حيازتها أو استخدامها، فيكفي علمه بأنها من متحصلات جريمة أو مصدر غير مشروع أيا كان هذا المصدر.(الشاذلي،2021،ص 541-549)

المطلب الثالث: مراحل جريمة غسل الاموال

تمر جريمة غسل الاموال بمراحل اشارة اليها مجموعة العمل الدولي التي عقدت في باريس 1989 ، وتعد هذه المراحل تمهيد للوصول الى اللحظة الاخيرة التي تغسل فيها الاموال ونوجز المراحل كالاتي :-

أولا: مرحلة الإيداع أو التوظيف

يتم في هذه المرحلة التخلي عن الحيازة المادية المباشرة للأموال غير المشروعة، وذلك بالقيام بإيداعها داخل المصارف المحلية أو الدولية أو تهريبها خارج البلد بهدف تجنب الشكوك حول مشروعية مصدرها ،ليتم بعد ذلك تحويلها إلى اي شكل من أشكال الثروة، أو توظيفها في مجال بعيد عن المصدر غير المشروع الذي تم الحصول عليها منه ،وتعتبر هذه المرحلة خطوة اولى في عملية غسل الأموال ، بحيث يكون من السهل ربط الأموال غير المشروعة بمصدرها الأصلي غير المشروع اذا تم ضبطها ،وذلك لكونها لم تخضع بعد لعمليات معقدة لتغيير شكلها ،مع ذلك هذه المرحلة تعتبر  نقطة الضعف الأساسية في عملية غسل الأموال وقد يلجأ غاسلو الأموال عوضا عن إيداع تلك الأموال مباشرة لدى البنوك لإيداعها في مؤسسات تجارية تكون معظم معاملاتها بالعملات النقدية ذات الفئات الصغيرة، كالمطاعم والفنادق،أو شركة أجهزة البيع الآلي وغيرها من المواد الإستهلاكية ،وذلك عندما يراد تحويل هذه العملات النقدية إلى اوراق نقدية أعلى قيمة ،أو غير ذلك من المستندات المالية القابلة للتحويل الى النقد ،على نحو يسهل إيداعها في البنوك أو نقلها من مكان لآخر في مرحلة لاحقة (العمري، 2002،ص 393)

وتعد هذه المرحلة من أكثر المراحل صعوبة باعتبار أن غاسلي الأموال قد يكونون طرفا في المعادلة ،ولذلك غالباً مايتم اللجوء إلى المناطق الريفية، وتشعيب النشاطات التجارية كي تظهر في النهاية أن تلك الأموال حصيلة معقولة لتلك الأنشطة، وهناك من يطلق على هذه المرحلة الإحلال ،ويقصد بذلك التخلص من الأموال المشبوهة بإيداعها في البنوك والمؤسسات المالية ،أو شراء العقارات ،أو الأسهم أو السندات ،أو المشاريع الإستثمارية التي من الممكن أن تكون حقيقية أو قد تكون شركات وهمية ثم نقل ذلك الأموال خارج حدود الدولة التي تم الإيداع بها (الفاعوري، وقطيشات ، ص 70 – 72)

ثانيا: مرحلة التغطية

تتم هذه المرحلة بعد دخول الأموال إلى القطاع المصرفي، وذلك من أجل فصل هذه الأموال عن نشاطاتها الأصلية غير المشروعة ، من خلال مجموعة من العمليات المعقدة والمتتابعة وكل ذلك من أجل إخفاء مصادر هذه الأموال ، وفي هذه المرحلة يكون الامرصعب جدا في الكشف عن مصادر تلك الأموال ، ويكون ذلك من خلال استخدام الاوراق المالية التي من السهل تحويلها كشيكات للصرف والأسهم والسندات وعمليات الدفع من خلال الحساب،فقد يقوم غاسلو الأموال ،مثلاً بعمل العديد من العمليات المالية المتتالية والسحب والإيداع من وإلى بنوك مختلفة داخلية وخارجية، وقد يتم اجراء بعض العمليات القانونية النظيفة لأجل التمويه على أنشطتهم المشبوهة، وقد يقوموا بشراء رؤوس الأموال ذات القيمة العالمية ومن ثم إعادة بيعها، ومع التطور التكنولوجي أصبح غاسلو الأموال يتخذون العمليات التي تتم بسرعة و لمسافات بعيدة والقدرة على إخفاء كافة الاثار(الربيش،2002،ص120)

وتتم هذه المرحلة في أماكن بعيدة عن المكان الأصلي المتولدة فيه الأموال غير المشروعة وذلك لضمان بقائها بعيدة عن أعين الجهات الرقابية ،كما يتم طمس علاقة تلك الأموال مع مصادرها غير المشروعة من خلال العمليات المتتالية المعقدة لقطع الصلة بين الأموال غير المشروعة ليصعب تحديد مصدرها.

 

ثالثا: مرحلة الدمج

وتعد هذه المرحلة الأخيرة في عملية غسل الأموال ، وفيها يندمج المال الغير المشروع في الأموال المشروعة ويدخل في مجال الإقتصاد الوطني بحيث يصعب مع ذلك التمييز بين المال المشروع والآخر غير المشروع، وتمتاز هذه المرحلة بانها تمم بصورة علنية على خلاف المرحلتين السابقتين، وتتخذ بذلك مظهرا قانونياً مشروعاً ، وعلى سبيل المثال فإن المشروعات التي سبق إخفاء المال فيها في المرحلة الأولى يتم بيعها ظاهرياً لتصبح أموالها مشروعة ذلك باعتبار أنها حصيلة مشروعات حقيقية، والرصيد الذي ينتقل من مصرف إلى آخر ومن مكان إلى آخر تتوقف حركته، ويخرج للعلن على أساس أنه حصيلة أعمال تجارية مصرفية (العمري،2002 ،ص 23)

ونخلص الى ان في هذه المراحل غسل الأموال يبدأ بإيداع الأموال غير المشروعة في البنوك مباشرة، أو تهريبها خارج البلد بعد تحويلها إلى بعض العملات الأجنبة المختلفة ،ثم يلي ذلك القيام بمجموعة من العمليات المالية المعقدة للتمويه والتعتيم على مصدر هذه الأموال ،بحيث يتم فصل هذه الأموال غير المشروعة عن مصدرها ،وتأتي بعد ذلك مرحلة الدمج وفيها يستغل غاسلو الأموال البنوك والمؤسسات الأخرى، كوسيلة لكي يتم تدوير الأموال غير المشروعة من خلالها في النظام المالي، بحيث لا يشكك أحد في مشروعيتها، وفي النهاية تكون الأموال قد انفصلت تماما عن مصدرها غير المشروع وأصبحت لا تنتمي إليها ،حيث يتم بعد ذلك إكساب شكل مشروع للثروة ، وتدخل الأموال التي تم غسلها في الاقتصاد مرة أخرى كأموال مشروعة .

المبحث الثاني

الاطار التشريعي لجريمة غسل الاموال وتحديات مواجهتها والاثار المترتبة عليها

تعد جريمة غسل الاموال من الجرائم التي تحظى باهتمام كبير من ناحية سن التشريعات الوطنية التي تعمل على مكافحتها وذلك للحد منها، لذلك داب المشرع الاردني والسعودي على وضع القوانين الخاصة التي من خلالها يتم تجريم مختلف عمليات غسل الاموال،وبالاضافة الى التزام كلا منهما بالاتفاقيات العربية والاقليمية والدولية التي يتم من خلالها التصدي لهذا العمل الاجرامي، وعليه تم تقسيم مبحثنا هذا الى ثلاث مطالب، نتناول في الاول:موقف المشرع الاردني والسعودي من جريمة غسل الاموال ، ونبحث في الثاني: التحديات التي تواجه مكافحة جريمة غسل الأموال ، ونعرض في الثالث: الاثارالمترتبة على جريمة غسل الاموال

المطلب الاول : موقف المشرع الاردني والسعودي من جريمة غسل الأموال

 اولا: موقف المشرع الاردني

يعتبر الأردن من الدول البعيدة تماما عن نشاطات غسل الأموال كونه لا يعتبر من الدول المنتجة أو المستهلكة للمخدرات بصورة ملحوظة ،وكذلك لا يعتبر من الدول المنتجة للأسلحة والذخائر أو النقد المزور، مع ذلك من الممكن ان تنال منه جريمة غسل الأموال كونه معبر لتجارة المخدرات والأسلحة المهربة(الفاعوري،وقطيشات، 2002، ص 159)،ويسلك الأردن كغيره من الدول التي سلكت مناهج مختلفة لمكافحة جريمة غسل الأموال وذلك من خلال تشريعاتها الجنائية، ويأتي اهتمام الاردن بمكافحة هذه االجريمة بإعتباره عضواً فاعلا في منظومة العمل الدولية على الصعيد الدولي وكونه عرضة لأن يتأثر اقتصادياً ومالياً اذ ما تفشت هذه الجريمة، فقد سلك الأردن أسلوب التجريم الحصري لجرائم الإتجار غير المشروع في المخدرات أو السلاح ،والتي يتأتى منها جريمة غسل الاموال.

ويعد الأردن من اولى الدول العربية التي وضعت تشريعا خاصا لمكافحة جريمة غسل الأموال من خلال اتباع منهج اجرائي يهتم في مكافحة جريمة غسل الأموال على، وذلك من خلال العمل على تشكيل لجنة خاصة بمكافحة غسل الأموال في الأردن وتسمى باللجنة الوطنية وتتولى هذه اللجنة صلاحيات ومهام خاصة وفقا لما نص عليه القانون (المادة 5-6 قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

      وينص االمشرع الاردني على انشاء وحدة لمكافحة غسل الأموال في البنك المركزي تتمتع باستقلال مالي واداري وترتبط في محافظ البنك وتتولى مهام وصلاحيات منصوص عليها في القانون (المادة 9،قانون مكافحة غسل الاموال ،2021) ، وايضا ينص المشرع الاردني على انه يعد مرتكبا لجريمة غسل الاموال:-

1-كل شخص يعلم بأن الأموال متحصلات جريمة اصلية وسواء ارتكب الجريمة الاصلية ام لا وذلك في حال قيامه عمداً بارتكاب أي من الأفعال التالية:-

أ- تحويل الأموال أو نقلها لغايات تمويه أو إخفاء مصدرها غير المشروع أو لغايات مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية أو ساهم في ارتكابها.

ب-إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو حركتها أو ملكيتها أو أي من الحقوق المرتبطة بهذه الأموال.

ج- اكتساب الأموال أو استخدامها أو إدارتها أو استثمارها أو حيازتها.

2- كل شخص يشرع في ارتكاب أي من الأفعال المشار إليها في البند (1) من هذه الفقرة أو يساعد أو يحرض أو يسهل أو يخفي ارتكاب هذه الجريمة أو يتدخل في ارتكابها أو يعمل كشريك أو يرتبط مع أو يتآمر لمحاولة ارتكاب هذه الجريمة.

ج-لغايات هذا القانون، تشمل متحصلات الجريمة ما يلي:-

1-أي متحصلات ناجمة عن ارتكاب فعل اجرامي خارج المملكة شريطة أن يشكل هذا الفعل جريمة في المملكة وفي الدولة التي وقع فيها.

2-أي متحصلات ناجمة عن أي فعل يعتبر جريمة بمقتضى اتفاقيات دولية صادقت عليها المملكة شريطة ان يكون معاقبا عليها في القانون الاردني. (المادة 3 ،قانون مكافحة غسل الاموال،2021)، وكذلك ينص على ان:-

أ-مع عدم الاخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من ارتكب أو شرع او تدخل او شارك او حرض او تآمر في ارتكاب جريمة غسل الأموال أو تمويل الارهاب المنصوص عليهما في هذا القانون بالأشغال المؤقتة وبغرامة لا تقل عن مثل الأموال محل الجريمة ومصادرة متحصلاتها وايراداتها ومنافعها وأي وسائط أو أدوات استخدمت أو كان من المنوي استخدامها في الجريمة وذلك مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.

ب- يحكم في جميع الأحوال بالمصادرة العينية للمتحصلات أو باموال تعادلها في القيمة في حال تعذر ضبطها او التنفيذ عليها او في حال التصرف فيها إلى الغير حسن النية.

ج-إذا اختلطت المتحصلات باموال اكتسبت من مصادر مشروعة فتخضع هذه الأموال للمصادرة المنصوص عليها في الفقرة (ب) من هذه المادة في حدود القيمة المقدرة للمتحصلات وإيراداتها ومنافعها.(المادة 30 ،قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

ويعاقب المشرع الاردني كل من يخالف احكام القانون بالاتي:-

أ. يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة لا تقل عن الفي دينار ولا تزيد على عشرين ألف دينار او بكلتا هاتين العقوبتين، كل من يخالف أحكام المادة (10) والمواد من (15 – 17 ) والبند (5) من الفقرة (أ) من المادة (26) من هذا القانون.

ب. يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام الفقرتين (ب) و(ج) من المادة (13) والمادة (19) من هذا القانون.

ج. يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على مائتي ألف دينار او بكلتا هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة (18) من هذا القانون.

د. يعاقب بغرامة لا تقل عن (10%) من قيمة النقد أو الأدوات القابلة للتداول لحاملها غير المصرح عنها او المقدم بخصوصها اقرار كاذب خلافا لأحكام الفقرة (أ) من المادة (23) من هذا القانون، وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة(المادة 31 ،قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

وينص المشرع الاردني على ان :-

أ-مع عدم الاخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي قانون آخر، وفي الأحوال التي ترتكب فيها جريمة غسل الأموال أو جريمة تمويل الإرهاب من شخص اعتباري من خلال أي من الأشخاص المسؤولين عن إدارته الفعلية أو المخولين بممارسة السلطة فيه عند قيامهم بأي أفعال بالنيابة عنه أو باستخدام أي من وسائله، ودون الاخلال بمسؤولية الجناة من الأشخاص الطبيعيين، يكون الشخص الاعتباري مسؤولاً عن تلك الجرائم ويعاقب بغرامة لا تقل عن ضعف قيمة الأموال محل الجريمة وعلى ان لا تزيد على خمسمائة ألف دينار مع مصادرة متحصلات الجريمة وايراداتها ومنافعها وأي وسائط أو أدوات استخدمت أو كان من المنوي استخدامها في ارتكاب الجريمة ويكون مسؤولا عن الوفاء بها وتضاعف الغرامة في حال التكرار.

ب-مع مراعاة احكام قانون البنوك والتشريعات الاخرى للمحكمة وقف الشخص الاعتباري عن العمل كليا او جزئيا مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة اذا ارتكب ايا من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وفي حال التكرار لها ان تقرر الغاء تسجيل الشخص الاعتباري او تصفيته وفي جميع الحالات تأمر المحكمة بعد صدور الحكم القطعي بالادانة بنشره على نفقة الشخص الاعتباري في صحيفتين يوميتين محليتين من الصحف الاوسع انتشاراً.

ج- يحظر على المشار اليهم في الفقرة (أ) من هذه المادة ممن ثبتت مسؤوليتهم شخصياً عن ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون المشاركة أو المساهمة في رأسمال أي شخص اعتباري أو الاشتراك في إدارته.(المادة 32 ،قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

وتناول المشرع الاردني بالنص على انه :-

أ -1- إذا قام أحد الأشخاص المتورطين بارتكاب جريمة غسل الأموال أو جريمة تمويل الإرهاب بإبلاغ السلطات المختصة عن الجريمة قبل علمها بها، وأدى إبلاغه إلى القبض على المساهمين في الجريمة أو ضبط المتحصلات أو منع وقوع العمل الإرهابي أو تخفيف الآثار المترتبة عليه فيعفى من العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون.

2- للمحكمة المختصة الإعفاء من العقوبة المشار اليها في البند (1) من هذه الفقرة في حال تم الإبلاغ عن الجريمة بعد علم الجهات المختصة بها، وأدى الإبلاغ إلى القبض على المساهمين في الجريمة أو ضبط المتحصلات أو منع وقوع العمل الإرهابي أو تخفيف الآثار المترتبة عليه.

ب- لا يحول الإعفاء من العقوبة وفقاً لأحكام الفقرة (أ) من هذه المادة من مصادرة متحصلات الجريمة أو ايراداتها ومنافعها أو وسائطها وأدواتها (المادة33، قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

ويشير المشرع الاردني الى انه على الجهات الرقابية والإشرافية أن تتخذ إجراء أو أكثر أو أن تفرض أيا من الجزاءات التالية في حال وقوع مخالفة لأحكام المادة (10) والمواد من (15) الى (17) والبند (5) من الفقرة (أ) من المادة (26) و المادة (41)

1-توجيه تنبيه خطي.

2-الطلب من الجهة المبلغة تقديم برنامج عمل لما سيتم اتخاذه من إجراءات لإزالة المخالفة وتصويب الوضع.

3- وقف بعض أنشطة الجهة المبلغة بشكل دائم أو مؤقت.

4-. فرض غرامة لا تتجاوز مائة ألف دينار في حال عدم الإحالة على المحكمة.

5- الطلب من الجهة المبلغة إيقاف أي من إدارييها من غير أعضاء مجلس الإدارة عن العمل أو فصله.

6-ايقاف ترخيص الجهة المبلغة.

7- إلغاء ترخيص أو تسجيل الجهة المبلغة.

ب. لكل ذي مصلحة الطعن في أي من الإجراءات أو الجزاءات المتخذة بمقتضى أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة أمام المحكمة المختصة (المادة 34 ، قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

وينص المشرع الاردني على انه إذا امتنعت او تخلفت خلال المدة المحددة أي من الجهات المبلغة عن تزويد الوحدة بالمعلومات والبيانات والوثائق والمستندات الواجب تقديمها وفقاً لأحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بمقتضاه او عرقلت الوحدة عن تنفيذ مهامها وصلاحياتها، تفرض عليها غرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين الف دينار وتضاعف الغرامة في حال التكرار(المادة 35 ، قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

ويشير المشرع الاردني الى ان كل مخالفة لأي حكم من أحكام هذا القانون أو الأنظمة أو التعليمات أو القرارات الصادرة بمقتضاه لم ينص القانون على عقوبة خاصة لها، يعاقب مرتكبها بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار وتضاعف الغرامة في حال التكرار، وكذلك ينص على ان لا يحول القرار الصادر بإسقاط دعوى الحق العام أو بوقف الملاحقة أو الإعفاء من العقوبة دون مصادرة الأموال المتحصلة عن جرائم غسل الأموال والجرائم الأصلية المرتبطة بها وتمويل الإرهاب بقرار قضائي(المادة 36-37،قانون مكافحة غسل الاموال،2021)

ثانيا: موقف المشرع السعودي

تعاني السعودية من جريمة غسل الاموال وهذا ما دفعها لسن نظام مكافحة جريمة غسل الاموال، حيث ينص المشرع السعودي على انه يعد مرتكباً جريمة غسل الأموال كل من قام بأي من الأفعال الآتية:

1-تحويل أموال أو نقلها أو إجراء أي عملية بها، مع علمه بأنها من متحصّلات جريمة؛ لأجل إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو تمويهه، أو لأجل مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصّلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها.

2- اكتساب أموال أو حيازتها أو استخدامها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة أو مصدر غير مشروع.

3-إخفاء أو تمويه طبيعة أموال، أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو الحقوق المرتبطة بها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة.

4- الشروع في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات (1) و(2) و(3) من هذه المادة، أو الاشتراك في ارتكابها بطريق الاتفاق أو تأمين المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو التوجيه أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو التآمر.

ويشير المشرع السعودي الى انه يُعد الشخص الاعتباري مرتكباً جريمة غسل الأموال إذا ارتكب باسمه أو لحسابه أي من الأفعال الواردة في المادة (الثانية) من النظام، وذلك مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية لرؤساء وأعضاء مجالس إداراته أو مالكيه أو العاملين فيه أو ممثليه المفوضين أو مدققي حساباته، أو أي شخص طبيعي آخر يتصرف باسمه أو لحسابه (المادة 3، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويعتبر المشرع السعودي جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، ولا تلزم إدانة الشخص بارتكاب الجريمة الأصلية من أجل إدانته بجريمة غسل الأموال أو من أجل اعتبار الأموال متحصلات جريمة، سواء ارتكبت الجريمة الأصلية داخل المملكة أو خارجها، كذلك ينص على انه  يُتحقق من القصد أو العلم أو الغرض في ارتكاب جريمة غسل الأموال من خلال الظروف والملابسات الموضوعية والواقعية للقضية (المادة 4، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويشير المشرع السعودي الى  التدابير الوقائية الواجب اتخاذها من قبل المؤسسات المالية، والأعمال والمهن غير المالية المحددة؛ بان يقومون في تحديد مخاطر احتمال وقوع غسل الأموال لديها وتقييمها وتوثيقها وتحديثها بشكل مستمر، من خلال الجوانب المتعددة للمخاطر بما فيها العوامل المرتبطة بعملائها والدول الأخرى والمناطق الجغرافية والمنتجات والخدمات والمعاملات وقنوات التسليم، وتوفير تقارير عن ذلك للجهات الرقابية عند الطلب. وعليها أن تراعي عند قيامها بذلك- المخاطر المرتبطة بالمنتجات الجديدة وممارسات العمل والتقنيات قبل استخدامها. (المادة 5، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

وينص المشرع السعودي على انه يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة 2 من النظام؛ بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز عشر سنوات, أو بغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين، كذلك يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال –المادة 2- بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة، أو بغرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين؛ إذا اقترنت الجريمة باي من :-
1- ارتكابها من خلال جماعة إجرامية منظمة.

2-استخدام العنف أو الأسلحة.
3-اتصالها بوظيفة عامة يشغلها الجاني، أو ارتكابها باستغلال السلطة أو النفوذ.
4- الاتجار بالبشر.
5- استغلال قاصر ومن في حكمه.
6- ارتكابها من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية.
7- صدور أي حكم سابق محلي أو أجنبي بإدانة الجاني. (المادة 26 – 27، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويشير المشرع السعودي الى انه يمنع السعودي المحكوم عليه بعقوبة السجن في جريمة غسل أموال من السفر خارج المملكة مدة مماثلة لمدة السجن المحكوم عليه بها، في حين يتم ابعاد غير السعودي المحكوم عليه في جريمة غسل أموال عن المملكة بعد تنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها، ولا يسمح له بالعودة إليها. (المادة 28، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )،مع ذلك يجيز المشرع للجهات القضائية ان تقوم بتخفيف العقوبة إذا قام أحد مرتكبي جريمة غسل الأموال بإبلاغ السلطات المختصة عن الجريمة -قبل علمها بها أو عن مرتكبيها الآخرين، وأدى بلاغه إلى ضبطهم أو ضبط الأموال أو الوسائط أو متحصلات الجريمة، وكذلك يجيز تخفيف العقوبات الواردة في المادة (26) من النظام وفقاً للظروف المُقررة نظاماً، لتكون العقوبة السَّجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز سبع سنوات، أو غرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو كلتا العقوبتين، وذلك متى بادر مرتكب الجريمة بعد علم السلطات المختصة بها بالإبلاغ بمعلومات لم يكن من الممكن الحصول عليها بطريق آخر.

وذلك للمساعدة في القيام بأي مما يأتي:
‌أ- منع ارتكاب جريمة غسل أموال أخرى أو الحد من آثارها.
‌ب- تحديد مرتكبي الجريمة الآخرين أو ملاحقتهم قضائيًّا.
‌ج- الحصول على أدلة.
د- حرمان الجماعات الإجرامية المنظمة من أموال لا حق لها فيها، أو منعها من السيطرة عليها.

 (المادة 29 – 30، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويعاقب المشرع السعودي أي شخص ذي صفة اعتبارية يرتكب جريمة غسل الأموال بغرامة لا تزيد على خمسين مليون ريال سعودي ولا تقل عن ضعف قيمة الأموال محل الجريمة، وينص ايضا على انه يجوز معاقبة الشخص ذي الصفة الاعتبارية بمنعه بصفة دائمة أو مؤقتة من القيام بالنشاط المرخص له به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو بإغلاق مكاتبه التي اقترن استخدامها بارتكاب الجريمة بصفة دائمة أو مؤقتة، أو بتصفية أعماله. (المادة 31، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

وينص المشرع السعودي على انه في حال الإدانة بجريمة غسل أموال أو جريمة أصلية يجب مصادرة الأموال المغسولة، و المتحصلات فإن اختلطت بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة فيصادر منها ما يعادل القيمة المقدرة لها، و الوسائط ، وايضا ينص على ان تحكم المحكمة المُختصة بمصادرة الأموال المرتبطة بجريمة غسل أموال بصرف النظر عما إذا كانت في حيازة أو ملكية مرتكب الجريمة أو طرف آخر. ولا يجوز مصادرتها متى أثبت صاحبها أنّه حصل عليها لقاء ثمن عادل أو مقابل تقديمه خدمة تتناسب مع قيمتها أو حصل عليها بناءً على أسباب مشروعة أخرى وأنّه كان يجهل مصدرها غير المشروع ، وكذلك اوضح ان للمحكمة المختصة إبطال بعض الأنشطة أو الأعمال، أو منع تنفيذها -سواء كانت تعاقدية أو غير ذلك- متى علم أطرافها أو أحدهم -أو كان لمثلهم أن يعلموا- بأن هذه الأنشطة أو الأعمال من شأنها أن تؤثر على قدرة السلطات المختصة في استرداد الأموال الخاضعة للمصادرة. (المادة 33، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويشير المشرع الى ان للمحكمة المختصة  ان تحكم بمصادرة الأموال المرتبطة بجريمة غسل أموال التي لا تستند على إدانة في حال تعذر محاكمة مرتكب الجريمة بسبب وفاته أو هربه أو غيابه أو عدم تحديد هويته. (المادة 34، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويوضح المشرع الى ان إذا كانت مصادرة الأموال المرتبطة بجريمة غسل أموال غير ممكنة لكونها لم تعد متوافرة للمصادرة أو لا يمكن تحديد مكانها؛ فتحكم المحكمة المختصة بمصادرة أموال أخرى يملكها مرتكب الجريمة تماثل قيمة تلك الأموال. ، وايضا اذا كانت قيمة متحصلات الجريمة المحكوم بمصادرتها -وفقاً للمادة (الثالثة والثلاثين) من النظام- أقل من قيمة المتحصلات الناشئة من الجريمة الأصلية؛ فعلى المحكمة المختصة أن تحكم بالمصادرة من الأموال الأخرى لمرتكب الجريمة ما يكمل قيمة المتحصلات المحكوم بمصادرتها(المادة 35، نظام مكافحة غسل الاموال ،1439هـ )

ويخص المشرع السعودي المؤسسات المالية وغير المالية بالتوصيات الآتية

1- عدم إجراء  أي تعامل مالي مع أشخاص مجهولي الهوية أو لإسمائهم الوهمية .

2- أوجب القانون الإحتفاظ لمدة لاتقل عن عشر سنوات بجميع السجلات والمستندات لإيضاح

التعاملات المالية .

3- العمل على وضع االاجراءات الاحترازية والرقابة داخلية لكشف الجرائم المبنية وإحباطها.

4- في حالة وجود مؤشرات ودلائل على اجراء عملية وصفقة معقدة وكان لها علاقة بعمليات غسل الأموال اتخاذ الاجراءات الاتية

1- إبلاغ الإدارة العامة للتحريات المالية فوراً وبشكل مباشر

1- إعداد التقارير التي تتضمنكافة  البيانات والمعلومات

2-  تقديم الوثائق للسلطات القضائية في حال الطلب ويستثنى الأحكام المتعلقة بالسرية المصرفية.(نظام مكافحة غسل الاموال ،المواد 11-14،1439هـ)

ونخلص الى ان المشرع الاردني والسعودي وضحا كل ما يتعلق في جريمة غسل الاموال وذلك للحد منها ومنع تفشيها نظرا لاثارها السلبية على الجانب الاقتصادي والاجتماعي .

المطلب الثاني: التحديات التي تواجه مكافحة جريمة غسل الأموال

يعد امر مكافحة جريمة غسل الاموال ليس بالامر السهل ، وذلك بسبب استخدام الأساليب القانونية التقليدية المتبعة في مكافحة الجرائم العادية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة جريمة غسل الأموال إلا أن تلك الجهود تجد صعوبة في تحقيق غاياتها لعدة اسباب (مغبغب،2008، ص 43 )

أولاً: ضعف التعاون الدولي: تستلزم عمليات غسل الأموال المرور بأكثر من دولة ولكل دولة سيادتها الوطنية التي تتمسك بها وتختلف نظرتها عن غيرها من الدول فيما يتعلق بالاجراءات التي تتخذ لمكافحة عمليات غسل الأموال، ومدى فاعليتها وتختلف ظروف كل دولة داخلياً عن الدولة الأخرى ،ومن الصعب توحيد كافة التشريعات لمكافحة غسل الأموال على مستوى كافة الدول في ظل ضعف التعاون الدولي في هذا المجال الذي يعتبر جزءا من التعاون الكلي بينهم كما أن ضعف التعاون الدولي لا يقتصر على عدم وجود التشريعات الخاصة بل يمتد إلى صعوبة الملاحقة لمرتكبي جرائم غسل الأموال ومحاكتهم (سفر،2003، ص 87)

ثانياً: عدم وجود نظام معلوماتي متطور:

يعد تفعيل دورأجهزة الرقابة يتطلب توافر نظام يساعد على كشف المعلومات، وتحليلها للوصول إلى الهدف وهو مكافحة عمليات غسل الأموال، وتعتبر الولايات المتحدة واستراليا من أبرز الدول التي أنشأت نظاما قويا للرقابة على التحولات المالية، ومن هنا كانت الضرورة لوجود نظام معلوماتي يسمح بمراقبة التحركات المالية، ومعرفة مشروعية مصدرها ولا يمكن تحقيق النتيجة الآمنة الا من خلال مركز معلوماتي رئيسي تكون بنيته القانونية قائمة عليها مركز المعلوماتية الرئيس على درجة عالية من التطور، ولا يمكن لهذا المركز القيام بدوره على أكمل وجه من دون أن تكون لديه سلطات وصلاحيات علمية وعملية ، ولا بد من وجود نظام معلوماتي متطور من أجل كشف وتحليل عمليات غسل الأموال بحيث يتكون هذا النظام من قاعدة بينات مركزية فعالة، ولهذا فإن عدم وجود نظام معلوماتي متطور يشكل عقبة أمام مكافحة غسل الأموال ، ويجب أن يتولى النظام المعلوماتي الآتي :-

1-تجميع المعلومات

2- تحليل المعلومات

3-مراقبة تحركات الأموال

4-تأمين الاتصال السري مع المؤسسات المالية ( شافي ،2001، ص306)

ثالثاً:السرعة في تنفيذ الجريمة: جريمة غسل الأموال لا تستغرق وقتاً طويلاً بل تنفذ خلال زمن قليل يصل إلى دقائق وهو الزمن اللازم لاجراء تحويل الأموال من بنك لآخر أو من دولة إلى دولة أخرى مما يصعب تعقب تلك الأموال .

رابعا:تطور التجارة الدولية والإ تصالات: تطورت التجارة بشكل كبير في أعمال العديد من البنوك وشركات الصرافة والمؤسسات المالية وأسواق المال، مما أتاح لعصابات جرائم غسل الأموال العديد من وسائل الإستثمار بما مكنهم من إخفاء أموالهم واجراءعمليات الغسل بصورة متعددة من الدول وحرية انتقال رؤوس الأموال .

خامساً:اتساع رقعة القطاع الأقتصادي: اتسعت رقعة القطاع الاقتصادي في العديد من الدول مما أدى إلى تغلغل دور القطاع الخاص في كثير من العمليات الأقتصادية المختلفة، وأدى اتساع الرقعة الإقتصادية إلى وجود محترفو غسل الأموال ومشاركتهم في عمليات غسل الأموال( ابراهيم ،2010 ،ص 45)

سادساً:الخبرة لدى محترفي غسل الأموال :يتمتع مالكو الأموال المراد غسلها بالعديد من الخبرات في مجال المعاملات المالية والمصرفية على المستويين المحلى والعالمي ،ما ييسر لهؤلاء المجرمين أداء عملهم غير المشروع بسهولة وسرعة ملحوظة

سابعا: قصور التشريعات الداخلية : تعد العديد من التشريعات الداخلية في مجال غسل الأموال قاصرة ،الأمر الذي تقوم معه الحاجة الملحة إلى إصدار نظم مستقلة لمكافحة غسل الأموال في كافة الدول (النتشة، 2018،ص 127 – 129)

ونرى ان الصعوبة تكمن في كون جريمة غسل الاموال هي جريمة منظمة عابرة للحدود من الصعب السيطرة عليها نظرا لاختلاف الوسائل والاساليب المستخدمة فيها بالاضافة الى التقصير الدولي في التعاون الجيد في هذا المجال ، فالتشريعات الوطنية التي تعاقب على هذه الجريمة موجودة الا ان التنسيق الدولي غائب نوعا ما ،بالاضافة الى الخبرة الكبيرة بين مرتكبي هذه الجريمة ايضا المساعدة التي يحصلون عليها من بعض الاشخاص والجهات الفاسدة في كل دولة.

المطلب الثالث :الآثار المترتبة على جريمة غسل الأموال

أولاً: الآثار الإقتصادية :

       توجد لجريمة غسل الأموال تأثير سلبي على الاستثمار سواء على الدول التي خرجت منها الأموال غير المشروعة بغرض غسلها، أم على الدول التي يتم فيها الغسل ،حيث يؤدي خروج الأموال إلى نقص الأموال التي يمكن استغلالها في الاستثمار، فالطلب على النقد الأجنبي لتحويل الأموال غير المشروعة إلى عمله حرة يسهل تهريبها إلى الخارج، ويؤدي الى تزاحم الطلب على المعروض من هذا النقد بين المستثمر الحقيقي، وبين صاحب المال غير المشروع الذي يريد نقله إلى الخارج، والذي يلجأ إلى الطرق غير المشروعة من أجل المنافسة مثل رشوة بعض العاملين في الأجهزة التي تتعامل بالنقد الأجنبي كالمصارف العامة والخاصة وهذا يؤدي إلى إحباط المستثمرين الجادين بالاضافة الى تبديد جزء هام من النقد الأجنبي الذي كان من الممكن استخدامه في الأستثمار، ويؤدي كذلك إلى فساد مناخ الاستثمار ذاته، كذلك أن صاحب المخدرات المشروعة وهم يشاهدون أصحاب المخدرات غير المشروعة يمتنعون عن إستثمار مدخراتهم داخل الدولة، كما أنه يؤدي كذلك إلى تغلغل الإحتكار غير المشروع، وسيطرته على إقتصاد الدولة بدلا من وجود منافسة شريفة يستفيد منها صاحب الحاجة والمستهلك (عبد الخالق ،1998،ص 20-24) وإذا كان الأثر للجريمة المرتكبة مصدر المال الملوث قد يظهر بصورة الإعتداء على مصالح يكفلها القانون سواء كانت هذه المصالح عامة أو خاصة فإن ما يترتب على القيام بغسل الأموال لا يقل اثرا عن الجريمة المرتكبة على اقتصاديات البلد الذي تمت فيه هذه الجريمة ويمكن بيان أهم هذه الآثار بالتضخم والإساءة إلى سمعة اقتصاديات البلدان، مما يؤدي إلى عزوف الاستثمارات الجادة عن توظيف الأموال في مشاريع، وان كانت البلدان تسعى بشكل حثيث إلى عدم إابراز الأحصائيات الحقيقية لجرائم غسل الأموال التي تتم علىاراضيها بغية الحفاظ على سمعة اقتصاداتها، وبالتالي الحيلولة دون عزوف رؤوس الأموال عن الاستثمار فيها، أما بالنسبة للآثار السلبية التي تترتب على دخول أموال غير مشروعة للدولة التي يتم فيها غسل الأموال ،فإن غاسلي الأموال وهم يقومون بالعملية لا يهتمون باستثمارها في مشروعات جديدة تخدم الاقتصاد بقدر اهتمامهم بتوظيف هذه الأموال لتغيير هويتها غير المشروعة ،فضلاً عن إشتهارالدولة بأتخاذها مكاناً لغسل الأموال يضعف سمعتها ومصداقيتها الدولية ،الأمر الذي يجعل المستثمر الجاد يخشى الإستثمار فيها ،كما تؤثر عمليات غسل الأموال تاثيرا سلبياً على توزيع الدخل القومي نظرا لأن مصدر هذه الأموال يكون غير مشروع ،اذ يحصل فئة من الناس على دخول دون وجه حق، مما يؤدي لزيادة الفجوة بين الأغنياء الفقراء في المجتمع. وقد يؤثر خروج الأموال غير المشروعة بقصد الغسل على سعر الصرف في الدولة مصدر هذا المال، وذلك عن طريق استبدال العملة الوطنية بأخرى أجنبية لتسهيل غسلها مما يؤدي إلى إنخفاض قيمة العملة الوطنية ازاء تلك العملة المحولة إليها، ويؤدي زيادة عرض العملة الوطنية مع زيادة الطلب على العملة الأجنبية الى استنزاف الاحتياطي النقدي للدولة من العملات الأجنبية، مما يؤدي إلى رفع سعر الفائدة والذي يمثل أحد العقبات الهامة للإستثمار، كما أن التصرف وسحب الأموال بطريقة مفاجئة من البورصة يؤدي حتما إلى حدوث انخفاض حاد في أسعار الأسهم مما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني .

ثانيا: الآثار الإجتماعية

تؤدي جريمة غسل الأموال باعتبارها من جرائم الفساد إلى اهتزاز القيم الإنسانية الأخلاقية، بحيث تؤثر على الفرد والمجتمع، وتؤدي إلى انتشار العنف وضعف قدرة الأجهزة الأمنية على كفالة مبدأ سيادة القانون أمام هذه الجماعات الاجرامية تفاقم مشكلة البطالة لأن صاحب المال غير المشروع يلهث وراء الربح السريع وليس وراء القيمة المضافة الإنتاجية التي ترتبط بالاستثمارات المنتجة ،وتكوناستثماراته غير جادة وذلك يؤدي إلى انهاء تلك الأستثما ا رت بصورة مفاجئة وتسريح عمالها مما يساهم في تفاقم مشكلة البطالة ( الدليمي، 2006،ص47) ،كما تؤدي جريمة غسل الأموال إلى إيحاد نوع من عدم التوازن الأجتماعي في المجتمع مما يترتب عليه اعتزاز الثقة لدى الافراد في المجتمع ويتراجع لديهم دافع الحرص على العمل وتساقط الكثير من القيم الاجتماعية، وانتشار الفساد الوظيفي، وشراء الذمم من رشوة، وإختلاس، واستيلاء، وإضعاف الولاء والانتماء للوطن وعدم تواف الاستقرار الإجتماعي اللازم لقيام عملية التنمية ،والجدير بالذكر أن عمليات غسل الأموال تدعم وتحمي الجريمة الاقتصادية من خلال إخفاء وتوظيف الأموال غير المشروعة في النظام المالي للدولة، والأنشطة الاجرامية تمثل المصدر الرئيسي للأموال غير المشروعة، ومن ثم فإن إنتشارها داخل النظام المالي ،قد يساهم في تفشي الجريمة داخل المجتمع لدرجة يصعب مكافحتها ،وبالتالي يمكن القول بوجود علاقة طردية بين معدلات الجريمة وغسل الأموال حيث أنه كلما إزداد النشاط االاجرامي وتنوع وتعدد كلما ازداد معه حرمان الاقتصاد من أصوله المالية وخاصة من النقد الأجنبي ،وعلى جانب أخر كلما ازداد غسل الأموال وامتد ليشمل أجهزة ومؤسسات من دول عديدة بحيث أصبح يأخذ مجراه بيسر وسهولة ،كما يوفر دافعاً قوياً لاستمرار العمليات الاجرامية ،إذ يوفر المال اللازم لتمويل الأنشطة غير المشروعة من جهة ويوفر الملجأ الآمن لمحترفي االاجرام والمتهربين من الضرائب والجمارك ومرتكبي الفساد من جهة أخرى (عبد الخالق ،1998ص 39 -42 )

الخاتمة

تناولت في هذا البحث جريمة غسل الاموال التي تعد من الجرائم الحديثة ،حيث عمدنا الى بيان مفهومها وخصائصها والمراحل التي تمر بها ،وهذه الجريمة يصعب الحد منها كونها جريمة عالمية ودولية عابرة للحدود،وبالتالي تمارسها العصبات المنظمة بوسائل وتقنيات متطورة جداً يصعب تتبع متحصلاتها وأصولها، ونتيجة لتطورها وتأثيرها على الدول اقتصادياً واجتماعياً أصبحت مكافحتها من الأولويات لدى الجهات التشريعية لكثير من الدول، وأصبح تجريم غسل الأموال ضرورة ملحة نظرا لآثارها السلبية على كافة نواحي الحياة ،فالمجتمع الدولي لا بد له من التكاتف لمواجهة هذه الجريمة رغم التحديات الكبيرة ولكن لا بد من ايجاد طرق وحلول لمواجهتها ،وبرزت أهمية االبحث بأعتباره متخصص في بيان موقف المشرع الاردني والسعودي من جريمة غسل الاموال وهذا ما اشرنا اليه تفصيلا حيث تم توضيح هذه الجريمة ومن ثم بيان العقوبات الخاصة بها .

النتائج :

1-أن غاسلي الأموال يتبعون أساليب معقدة ومتطورة وغير محصورة في عملياتهم الاجرامية ويهدف نشاطهم الى خلط الاموال غير المشروعة بالاموال المشروعة بحيث تظهر جميعها كأنها مشروعة وذلك من خلال إتباع الاساليب والاجراءات التي تتم عن تخصص اجرامي في عمليات غسل الاموال.

2-تعد جريمة غسل الاموال من الجرائم الخطيرة التي يترتب عليها آثا ر مدمرة اقتصادياً واجتماعياً وبالتالي هناك تحديات كثيرة تواجه مكافحتها

3- تعتبر اتفاقية فيينا أهم الاتفاقيات التي عالجت موضوع جريمة غسل الاموال ،بالاضافة الى العديد من الاتفاقيات الدولية التي  لمكافحة الجريمة.

5- اصدر المشرع الأردني والسعودي تشريعا خاصة لمكافحة جريمة غسل الأموال متوافقا مع القانون الدولي .

التوصيات:

1-ضرورة بذل الدول جهوداً كبيرة لمحاربة الجريمة وذلك من خلال إيجاد عقوبات رادعة لمن يرتكب الجريمة ، والعمل على سن تشريعات تتلائم مع الطبيعة الدولية والوطنية و العمل على تفعيل التعاون الدولي لمواجهة جريمة غسل الاموال.

3-السعي نحو عقد اتفاقية دولية بين الاردن والسعودية لمواجهة هذه الجريمة كون الدولتين تشترك في الحدود وبالتالي الضرر مشترك كون الجريمة هي عابرة للحدود.

4- ايجاد هيئة اقليمية مستقلةتابعة للاردن والسعودية للرقابة ومكافحة جريمة غسل الأموال تتكون من خبراء في مجال مكافحة الجريمة ،والمجال المالي ،والمجال التقني وذلك في سبيل كشف هذه الجريمة والسيطرة عليها وتتبع طرقها واساليبها وذلك للحد منها .

المراجع

1-أحمد ،ابراهيم سيد ،2010 ،مكافحة غسيل الأموال ،المكتبة العصرية للنشر والتوزيع ،جمهورية مصر

2-الحياصات ،احمد محمود،2009 ،معوقات مكافحة جريمة غسيل الأموال ،رسالة ماجستير ،جامعة الشرق الأوسط

3-الدليمي،مفيد نايق،2006 ، غسيل الأموال في القانون الجنائي ،عمان دار الثقافة

4-الربيعي ،زهير سعيد ،2005 ، غسل الأموال آفة العصر أم الجرائم ،مكتبة الفلاح ،الكويت ط 1

5- الربيش ،أحمد بن سليمان ، 2002 ،جرائم غسل الأموال في ضوء الشريعة والقانون ، الطبعة الأولى ،د.ن

6-السفر ،أحمد،2001، المصارف وتبييض األموال تجارب عربية وأجنبية ،اتحاد المصارف العربية

7-السفر،احمد،2003، تاقلم العالم العربي مع الجهود الدولية في مكافحة غسل الاموال ،اتحاد المصارف العربية ، مصر

8- الشافي ،نادر عبد العزيز ، 2001 ،تبييض الاموال ،دراسة مقارنه ، بيروت :منشورات الحلبي الحقوقية

9-الشاذلي،فتوح عبدالله،2021، جرائم التعزير المنظمة في المملكة العربية السعودية،الطبعة الخامسة ،مكتبة الرشد ، الرياض

10-الشوا ،محمد سامي ،2001، المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات ،القاهرة

11-شناق،زكي محمد ،2021، النظام الجنائي السعودي،القسم العام، الطبعة الاولى ، الرياض

12- عبد الخالق ، السيد، احمد 1997، ،الاثار الاقتصادية والاجتماعية لغسيل الاموال ، دار النهضة ،مصر

13-العمري ،عزت محمد ، 2002 ،جريمة غسل الأموال ،مصر دار النهضة العربية

14-العمري،أحمد بن محمد ،2000، جريمة غسل الأموال نظرة دولية لجوانبها الإجتماعية والنظامية والأقتصادية ،الرياض.

15-عوض ،محمد محي الدين ،2004 ،جرائم غسيل الأموال ،جامعة نايف العربية للعلوم ، الأمنية الرياض .

16–عوض، محمد محي الدين ،1999، غسيل الاموال تاريخه وتطوره واسباب تجريمه وطرق مكافحته ،مجلة البحوث القانونية والاقتصادية ،كلية الحقوق جامعة المنصورة

17-الفاعوري ،اروى وايناس قطيشات، 2002، جريمة غسيل الأموال المدلول العام والطبيعة القانونية ،دار وائل لنشر عمان

18- مباركي ،دليله، 2008، غسيل الاموال ،رسالة دكتوراه ،جامعة الحاج لخضر – بانته، الجزائر

19-مصطفى،طاهر، 2002 ،المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الاموال المتحصلة من جرائم المخدرات ،القاهرة.

20- النتشة، دانة نبيل شحده ،2018، الوسائل الدولية في مكافحة جريمة غسل الأموال، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الاوسط، عمان الاردن

21- النسور،هشام ،2001،  التطور التاريخي لعملية غسل الأموال وحراك الاموال ،بحث مقدم من مديرية الامن العام ،الاردن .

22- يونس ،عرب ،2000، جرائم غسل الأموال واتجاهات مكافحتها الجزء الثاني ،مجلة البنوك في الأردن، العدد العاشر

الاتفاقيات والقوانين :

1-اتفاقية الامم المتحدة لعام 1988 لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية ( اتفاقية فيينا )

2-قانون مكافحة غسل الأموال الاردني المؤقت رقم 8 لعام 2010 والمعدل لقانون رقم 46 لعام 2007

3-قانون مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب الاردني رقم 20 لعام 2021

4-نظام مكافحة غسل الاموال السعودي 1439هـ

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *