المدرس الدكتور أنـــور إسماعيل خليل

العراق/ جامعة بغداد/ كلية العلوم

anwar@ircoedu.uobaghdad.edu.iq

009647702995951

ملخص

يعتبر موضوع التكامل والاندماج الدولي مميزاً في اطار دراسة التعاون الدولي، وبالأخص بعد الحرب العالمية الثانية بشكل عام، وبعد انتهاء الحرب الباردة بشكل خاص. وهو الامر الناتج عن البحث والسعي لإيجاد وسائل وبدائل جديدة تختلف عن استخدام القوة الصلبة في ادارة العلاقات الدولية، وتحقيق السلم والأمن الدوليين وتحقيق الرفاهية واشباع حاجات الشعوب التي عانت من ويلات الحروب، وفي هذا الاطار يجري تطوير نظريات التكامل في ضوء الخبرة التاريخية للدول في مواجهة الازمات التي تجاوزت مفردات قضايا ازمات الدولة التقليدية: الاقتصادية والأمنية ولاجتماعية والتكنلوجية وغيرها.

وتثير تلك التحديات والتهديدات وبالخصوص الخروج البريطاني تساؤلا كبيرا حول مستقبل نظريات التكامل الاقتصادي بشكل عام، خاصة مقولات النظريتين الوظيفية والوظيفية الجديدة، فقد مثلت هذه التحديات والتهديدات صدمة كبيرة لمقولات هاتين النظريتين، اللتان اعتبرتا أن تركيز التكامل في القطاعات الفنية والاقتصادية (تجارة، بريد، …ألخ) يجنب عملية التكامل ويجعلها تتخطى التحديات السياسية التي قد تعيق تلك العملية؛ وبالتالي يرتفع مستوى الاعتماد المتبادل بين الدول في مقابل انخفاض مستوى التحسس في  القضايا السيادية، ما يؤدي إلى ظهور مؤسسات أو منظمات دولية ذات سلطة فوق القومية.

الكلمات الافتتاحية: التكامل، العلاقات الدولية، الاتحاد الاوربي، الوظيفة الجديدة، بريكست.

Integration theories in light of the experience of the

 European Union

(analytical study)

Dr.Anwer Ismael Khaleel AL-Nuaimi    

College of Science – University of Baghdad

anwar@ircoedu.uobaghdad.edu.iq

 

Abstract

    The subject of international integration and integration is considered distinct within the framework of the study of international cooperation, especially after the Second World War in general, and after the end of the Cold War in particular. This is the result of research and seeking to find new means and alternatives that differ from the use of hard power in managing international relations, achieving international peace and security, achieving prosperity, and satisfying the needs of people who have suffered from the scourge of war. In this context, integration theories are being developed in light of the historical experience of countries facing crises. Which exceeded the vocabulary of the traditional state crises issues: economic, security, social, technological, and others.

Those challenges and threats, especially the British exit, raise a big question about the future of economic integration theories in general, especially the statements of the functional and new functional theories. ..etc) avoids the integration process and makes it bypass the political challenges that may hinder that process; Thus, the level of interdependence between countries increases in exchange for a decrease in the level of sensitivity to sovereign issues, which leads to the emergence of international institutions or organizations with supranational authority

Keywords: integration, international relations, European Union, the new job, Brexit.

المقدمة:

اصبحت نظريات التكامل الدولي ذات اهمية كبيرة ومتميزة في تحليل العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية بشكل عام وبعد انتهاء الحرب الباردة بشكل خاص، وهو الامر الناتج عن البحث والسعي لإيجاد وسائل وبدائل جديدة تختلف عن استخدام القوة الصلبة في ادارة العلاقات الدولية، وتحقيق السلم والأمن الدوليين وتحقيق الرفاهية واشباع حاجات الشعوب التي عانت من ويلات الحروب، وفي هذا الاطار يجري تطوير نظريات التكامل في ضوء الخبرة التاريخية للدول في مواجهة الازمات التي تجاوزت مفردات قضايا ازمات الدولة التقليدية: الاقتصادية والأمنية ولاجتماعية والتكنلوجية وغيرها.

ومنذ عقود كثيرة تعاملت الكثير من المذاهب الفكرية المتعلقة  بدراسة العلاقات الدولية مع ظاهرة الاتحاد الاوربي باعتبارها: النموذج الامثل، الذي شهدته العلاقات الدولية منذ عقود طويلة، وكانت قد شكلت هذه التجربة الاوربية، النموذج المثالي لباقي مشروعات التكامل الاقليمي في العالم، وبالخصوص في الشرق الاوسط وافريقيا وأمريكا اللاتينية، التي سعت الى محاولة محاكات هذه النموذج الاوربي الناجع.

ومع أهمية هذه التجربة وقدرتها الانتقال من مرحلة الى أخرى، لم يكن ذلك بتلك السهولة التي يمكن تصورها للوهلة الاولى، إذ مرت بتحديات وبالخصوص منذ بدايات العقد الاخير، التي اشرت نقاط تراجع على تماسك المنطلقات النظرية للتكامل بشكلها المثالي.

أهمية الدراسة: تنبع اهمية الدراسة من انها تسلط الضوء على تلك  النظريات التي تتحدث عن التكامل وعلاقتها بالاتحاد الاوربي، ومدى تطابق اطروحات هذه النظريات مع تجربة الاتحاد الاوربي.

اشكالية الدراسة: اتخذت  نظريات التكامل الاتحاد الاوربي كنموذج  فعلي للمنطلقات النظرية التي تبنتها هذه النظريات وبالخصوص نظرية الوظيفة الجديدة، التي تنبأت بان التكامل الشامل يمكن ان  يكون نهاية الطريق، لكن مع ما يصادف مسيرة الاتحاد الاوربي من تحديات وتهديدات، جعل المخرجات الفعلية لهذه النظريات لا تتطابق مع ما سارت علية تجربة الاتحاد الاوربي. لذلك يمكن ان تتمحور الاشكالية البحثية بالسؤال الآتي:

ما مصداقية نظريات التكامل في ظل التحديات والتهديدات التي تعيشها تجربة الاتحاد الاوربي؟.

وتتفرع من هذا السؤال الرئيس، اسئلة فرعية أخرى، أهمها:

ماهي النظريات التي تقترب من تفسير قيام الاتحاد الأوربي؟

ما الذي دفع ببريطانيا نحو الانسحاب؟

ماهي الاثار التي يمكن ان يتركها الانسحاب على بريطانيا وباقي اعضاء الاتحاد؟

فرضية الدراسة: تفترض الدراسة، بانه مادامت هذه التحديات والتهديدات مستمرة ومتولدة باستمرار، فان ذلك سوف لن يجعل هذه النظريات تثبت منطلقاتها النظرية وبالخصوص الوصول الى مرحلة الاندماج الكامل.

منهجية الدراسة: وحتى نسير في مضمار الدراسة على اسس علمية أكاديمية لابد من  اتباع منهج معين يمكن ان يكون المنهج الاستقرائي، الذي يمكن ان تتناسب مقولاته مع مضمن الدراسة؛ إذ يقوم على الانطلاق من العام الى الخاص، استقراء الاحداث ومن ثم الوصول الى الخصوصيات التي تعبر عن النتائج

تقسيم الدراسة:

وسعيا للخوض في مضمار البحث، ولكي نصل الى اجوبة للإشكالية البحثية والاسئلة المتفرعة منها، تم تقسيم الدراسة الى ثلاث مباحث وكل مبحث يتضمن عدة مطالب، وكمايلي:

المبحث الاول: نظريات التكامل (إطار نظري)

المطلب الاول: التكامل لغةً واصطلاحاً

المطلب الثاني: النظريات المفسرة لعملية التكامل

المبحث الثاني: الاتحاد الاوربي

المطلب الاول: العوامل والاسس الدافعة لقيام الاتحاد الأوربي

المطلب الثاني: مراحل التكوين ومؤسساته

المبحث الثالث: واقع الاتحاد الاوربي

المطلب الاول: التحديات العامة في اطار بنية الاتحاد

المطلب الثاني: المتغير البريطاني (الانسحاب البريطاني من الاتحاد بريكست)

الخاتمة: والتي يعرض فيها اهم النتائج

المبحث الاول: نظريات التكامل (إطار نظري)

يعتبر موضوع التكامل والاندماج الدولي مميزاً في اطار دراسة التعاون الدولي، وبالأخص بعد الحرب العالمية الثانية بشكل عام، وبعد انتهاء الحرب الباردة بشكل خاص. لكن موضوع التكامل ليس من السهولة دراسته لاتساعه كمفهوم، وارتباطه بكثير من المصطلحات والمفاهيم الاخرى المتقاربة منه، ولذلك سوف نتطرق الى اعطاء اجاز حول هذا المفهوم وفي اطار هذا المبحث، وكما يلي.

المطلب الاول: التكامل لغةً واصطلاحاً

أولاً: التكامل لغةً

اشارة الكثير من المصادر اللغوية الى لفظة التكامل، كما هو في ((قاموس لسان العرب))، باعتباره التام، والذي اشتق من الفعل: (كمل)،  وكامل الشي يعني:  تمت اجزاءه (طويل، 2018، ص92-95) ، وهذا ذات المعنى الذي اشار له ((قاموس المحيط))، ولم يكن الفكر الغربي بعيداً عن هذا المدلول للفظة التكامل،  باعتبارها: ربط وتجميع الاجزاء، وهذا ما تم ذكره في  قاموس ((أكسفورد))( طويل، 2018، ص92-ص95) (طويل، 2018، ص92-ص95).

ثانياً: التكامل اصطلاحاً

اختلف مفهوم التكامل، اصطلاحا تبعاً لاختلاف الموضوع والتخصص، وتوجهات الباحثين والمفكرين والدارسين، ان كانوا في حقل الاجتماع، أم في حقل الاقتصاد، أم في حقل السياسة، فكل منها له دلالته الاصطلاحية المعبرة عن حقل معين(عبد الله، 2002، ص243).

لكن في اطار موضوعنا نجد ان التعريف في حقل العلاقات الدولية، يشير الى: “العلاقة التي يحدث فيها تعديل في السلوك السائد قبل الدخول، ويكون التكامل دولياً اذا كان ناشئا بين دولتين او اكثر، أي ان الوحدات الداخلة في علاقات التكامل تكون دولاً”(عبد الله، 2002، ص243). وكذلك يقصد به: “ظهور كيان جديد فوق القومي، يستوعب فيه الصلاحيات والسلطات للدول الاعضاء فيه ويمتلك حق اتخاذ القرارات الالزامية التي يتعين على الدول الاطراف الانصياع لها” (عبد الله، 2002، ص244).

وهناك الكثير من المفاهيم يمكن ان تقترب من حيث المضمون مع مفهوم التكامل، أو هي بذاتها تكون احد مراحل التكامل، ومن هذه المفاهيم(طويل، 2018، ص99-ص100): الشراكة، التي لا تؤدي الى بناء مؤسساتي جديد، بقدر تحقيق أهداف معينة. والتعاون، باعتباره سياسات وفاق وتبادل ومشاركة في العديد من المجالات بين الوحدات الدولية. الاعتماد المتبادل، باعتباره مجموعة من التفاعلات بين الدول التي لها مستوى عالي من الدينامية، ولا يؤدي الى خلق شخصية قانونية فوق هذه الدول. التنسيق، والذي يكون في حالة، التواصل في سياسات الدول في مجالات معينة، ولا يحمل صفة الاستمرار. التحالف، والذي قد تلجأ له الدول لمواجهة تهديد داخلي او خارجي، ويزول في حال زوال هذا التهديد. الجهوية، مرتبط برقعة جغرافية محددة، وقد ترتبط بأحد اجهزة المنظمات الاقليمية  أو الدولية القائمة. ويختلف التكامل الدولي عن التنظيم الدولي، في ان الاخير يعمل على ايجاد مؤسسات دولية تتحرك بين الدول، فيما ان التكامل الدولي يخلق مؤسسات تعلو البعد القومي(بوعيشة، 1999، ص73)؛ مع إن هذا التكامل لا يمكن ان يكون بشكل عفوي عشوائي بقدر ما ان هناك شروط يمكن ان تتوافر لإنجاح عملية التكامل، أهمها: التجانس الاجتماعي، تشابه القيم، المصلحة المشتركة، أهمية التكامل في حد ذاته، البيئة الخارجية في التكامل، العلاقات التاريخية الايجابية، قانون التكلفة؛ مع ذلك فهي ليس شرطاً مجزم في حال توافر كل هذه الشروط يتم الانتقال الى حالة التكامل مرة واحدة، ولا يعني في حال غياب احداها أو أكثر ان هناك فشل في عملية الانتقال، فالأمر مقترن بواقع التكامل وبيئته، وطبيعة وحداته، وقد تظهر متغيرات يمكن ان تجعل التكامل يبتعد عن مساره الاصلي، وفي هذا الاطار فقد اجتهد عدد من المفكرين لإيجاد نظريات يمكن ان توفر منطلقات فكرية لتكوين أو تفسير حالة التكامل، والتي سوف نناقش اهمها من خلال المطلب الاتي.

المطلب الثاني: النظريات المفسرة لعملية التكامل

تَعرضَ موضوع التكامل الى الكثير من الدراسة والتحليل باعتباره من البدائل التي يمكن ان تكون عن الصراعات والحروب، ولعل أهم ما يميز هذه النظريات بانها انطلقت كلها تقريبًا من الدراسة العملية أو التجريبية للاتحاد الاوربي وتحول دوله من دول متناحرة إلى دول تعيش حالة تقرب من الاتحاد الكونفدرالية. ومن ثم توفر لنا هذه النظريات، مظلة فكرية وربما خارطة يمكن تلمس خطوطها عند التفكير في قيام أي عملية من عمليات التكامل بين الوحدات الدولية، والتي تعتبر: النموذج الاوربي نموذج مميز باعتبارها دول خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة اقتصاديًا وسياسيًا، وقد تم دراسته وتحليله في اطار نظريات عدة سعيا لإيجاد اسس نظرية تفسر التكامل ووسائله, وأهمها:

أولا: النظرية الوظيفية التقليدية

وضع اسسها الباحث البريطاني (ديفيد متراني ـــــــــــــ David Mitrany)، في كتابه (A Working Peace System)، والذي تم نشره أثناء قيام الحرب العالمية الثانية عام 1943؛ إذ اراد التنظير لإيجاد نظام دولي يبتعد عن الصراعات والحروب، وهذا ما يمكن تحقيقه من وجه نظره عن طريق تشجيع والاهتمام بالتعاون بين شعوب العالم، وتخطي حاجز السلطة الوطنية، فالقضايا كثيرة التي تحتاج الى التعاون بسبب التطور التقني والفني في مجالات عدة،  فضلا عن المشاكل الاجتماعية والبيئية، وغيرها(دورتي، 1985، ص274). ولا تأمن هذه النظرية بالتغير الراديكالي، وان كان يؤمن بالتغير التدريجي للأنظمة الفرعية حتى لا يحدث خلل في النظام الكلي، ولذلك تقوم هذه النظرية على الانتشار والتعميم من مجال الى أخر وبالتالي سوف تحدث عملية تراكمية في مجالات التعاون، وعلى هذا الاساس ينطلق التعاون الدولي من قضايا السياسة الدنيا كالاقتصادية والفنية وفصلها عن قضايا السياسة العليا كالدفاع والأمن الوطني والقضايا ذات الأهمية الايديولوجية والقيمية،  وحتى يتحقق التعاون بشكله الملموس الواقعي اقترح (ديفيد متراني) انشاء مجموعة من المؤسسات فوق القومية متخصصة في القضايا غير السياسية: كالاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، والتي تكون احد نتائجها تقليص مفهوم السيادة الوطنية(جندلي، 2007، ص244). وعند مقارنة الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية، مع بداية التجربة الفعلية للاتحاد الاوربي، نجد هناك تباعد نسبي من حيث ان البداية  التي تمثلت بقيام الجماعة الاوربية للفحم والصلب في باريس عام 1951، لم تكن غائبة عن وجود ارادة  سياسية بين صناع القرار في كل من فرنسا والمانيا. وهو ما جعل نقطة ارتكاز مقولات هذه النظرية تتراخى، والذي دفع الباحثين والمفكرين بهذا الشأن تعديل مرتكزات هذه النظرية فكانت النتيجة النظرية الوظيفية الجديدة.

ثانياً: النظرية الوظيفية الجديدة

تعد هذه النظرية رد فعل، وفي نفس الوقت امتداد للنظرية السابقة، باعتبارها انطلقت من ذات المرتكزات الفكرية للوظيفة الكلاسيكية، لكنها ارتكزت على التكامل الإقليمي بدلاً عن التكامل الدولي، وبهذا فالدول الاعضاء سوف تتنازل عن سلطاتها الوطنية الى هذه المؤسسات الإقليمية فوق القومية، أي نقل عنصر الولاء القومي الى هذه المؤسسات ولا يحدث هذا بشكل مفاجأ، وانما يتزامن مع التسيس التدريجي بدأ بالقضايا الاقتصادية أو الفنية ومن ثم الانتقال الى المجال السياسي(جندلي، 2007، ص244).

ويقدم (جوزيف ناي)، جملة من الشروط حتى يمكن ان تتحقق النتائج الفعلية للوظيفة الجديدة، فيشترط في ذلك: ان يكون دور مميز للنخب في عملية التكامل، التعددية السياسية والمشاركة الجماهرية في صنع القرار، القدرة على التكيف والاستجابة وهو شرط مرهون على مدى الاستقرار الداخلي للأعضاء، التكافؤ بين الوحدات الداخلة في التكامل وبالخصوص من الناحية الاقتصادية والحضارية، فضلاً عن ذلك لابد من تحقيق التوازن بين المجالين الاقتصادي والسياسي حتى لا يحدث ما يسمى بـــ “الارتداد ـSpill -Back” (خليل، 2021، ص73). وقد وجهت لهذه النظرية انتقادات عدة؛ إذ ان هذه النظرية تصورها أصحابها وكأنها عملية آلية تكون محصلتها النهائية الحتمية تكامل سياسي، وهو ما يخالف واقع العلاقات الدولية، الذي لا يخلو من منافسات وخلافات وصراعات، والذي يمكن ان يوقف هذه الالية وإن تراجعُها للخلف، وكذلك هي تناست ذلك الخلل في الميزان السياسي الداخلي للدول والذي يمكن ان يؤثر على التكامل سلباً، في حال وجود جهة او جهات داخل الدول ترفض الدخول الى فضاء التكامل الدولي.

ثالثاً: النظرية الاتصالية

اراد(كارل دوتش) ايجاد علاقة بين تحقيق التكامل الدولي وبين وفرة الاتصالات بأشكالها المختلة، من  خلال تقوية وسائل الاتصالات والموصلات ورفع الحواجز بأشكلها المتعددة، والذي سوف يودي من وجهة نظره الى تحقيق التكامل وبالخصوص بين الوحدات الدولية في الاقليم الواحد، وهذا ما عبر عنه (دوتش) بقوله: ” أن الاقطار أو الدول ليست إلا حشوداً من الافراد تتحد فيما بينها نتيجة تدفق الاتصالات ونظم النقل بينهما وتنفصل عن بعضها بأراضي قليلة السكان أو خالية، والشعوب تحقق وحدتها كلما اتسعت الموضوعات التي تتصل فيما بينها، والحدود تمثل المناطق التي تتنافس فيها الكثافة السكانية والاتصالات، وحتى يمكن ان نطلق اصطلاح بلد أو دولة فانه لابد من وجود اعتماد متبادل ومباشر في قطاع من السلع والخدمات المختلفة بين الافراد”(هلال، 2006، ص33).

ويمكن رفع مستوى الاتصالات من خلال تطبيق مجموعة من شروط: وطنية وإقليمية ودولية، يكون معها تحيق اهداف لتجاوز العقبات، وتصبح قدرة النخب السياسية الحاكمة أكثر في تعاملها مع هذه الشروط، وثقتها بوجود حوافز مشتركة، ودور الشركات عابرة الحدود القومية في ايجاد قنوات اتصال متعددة، ووجود الاعتماد المتبادل بين المجمعات في المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومع أهمية القطاع الاقتصادي الذي يمكن ان تدور حوله عملية التكامل وتتركز حوله مختلف المؤسسات، باعتباره أكثر القطاعات التي يمكن ان تعقد الاتفاقات في اطارها على حساب الاتفاقيات السياسية.

رابعاً: نظرية مركب الامن الإقليمي

يشير (باري بوزان)، الى مفهوم مركب الأمن الإقليمي، باعتباره:” مجموعة دول تترابط همومها أو هواجسها الأمنية ارتباطاً وثيقاً فيما بينها، مما يجعلها من غير الممكن النظر لأمنها واقعياً بمعزل عن أمن الدول الاخرى” (Buzan,2003,PP42-62) ، وان الفكرة المحورية في هذه النظرية، تقوم على: ان أغلب التهديدات يمكن ان تنتقل بسهولة أكبر بين الدول المتقاربة، من تلك المتباعدة، فان الاعتماد الأمني المتبادل يتكون على أساس القرب الإقليمي بصورة مركبات أمنية(Buzan,2003,PP42-62) ، ومن هذا يتضح ان مستوى التحليل في اطار هذه النظرية لا يشمل المستوى القومي أو الوطني ولا المستوى الدولي، فقد اقتصر بشكل اساسي على المستوى الإقليمي، ويسعى هذا المستوى من الأمن الى تحقيق جملة من الاهداف، بدأً من الدفاع عن وحدات هذا الإقليم من خلال استخدام الأدوات المختلفة، ومروراً بالقبول الطوعي للانضمام الطوعي لهذا المركب الأمني من خلال توحيد الارادة في مواجهة الاخطار المختلفة التي يتعرضون لها، وانتهاءً الى السعي لتطوير موارد الإقليم كمنطلق لتحقيق التكامل بين وحداته في جوانبه المختلفة. لذلك فان الدول الاوربية في محاولة لتبني سياسة أمنية مشتركة، كما هو مشار اليها في (معاهدة امستردام) التي عقدت عام 1997، سعت لبناء رؤى مشتركة للأمن، انطلاقاً من اطروحات تتكلم عن: أن التهديدات الأمنية التي يتعرض لها الإقليم الاوربي سوف تكون آثارها وانعكاساتها السلبية على دول هذا الإقليم، قبل غيرها  من دول الأقاليم الاخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان دول الإقليم أكثر من غيرها معنية في ايجاد حلول أمنية فاعلة  لمعالجة الحالة الأمنية في الإقليم، لوجود تلك العوامل المختلفة: كالتقارب الجغرافي والعوامل الحضارية والثقافية والتاريخية المتقاربة(حميد، 2018، ص229).

لذلك فان هذه النظريات سوف نجدها مقتربات تفسر حالة الاتحاد الاوربي، الذي اعتبر من قبل الكثير من المختصين، الانموذج المهم الواقعي الذي تَكون وسار بطريق التطور مرحلة بعد مرحلة من القضايا اللاسياسية، الى السياسية، وهذا  ما سوف نتتبعه في المبحث القادم.

المبحث الثاني:

الاتحاد الاوربي

مثل الاتحاد الاوربي أنموذجا هاماً في تجارب التكتلات الدولية التي هدفت الى تعزيز التعاون والاندماج الاقليميين، وكان يتوقع الوحدة السياسية فوق القومية كانت تنتظر نهاية هذا المسار، فقد انطلقت عملية التكامل الاوربي من المجال الاقتصادي، ولم يكن للمجال السياسي الاهمية ذاتها من الاهتمام في المراحل الاولى؛ إذ كان تاريخ الاتحاد الاوربي، تاريخاً من الخطوات المختلفة الحجم والاهمية نحو التكامل، فقد كانت الخطوات الأولى عندما قرر القادة  تحقيق التكامل في صناعاتهم في ذلك الوقت (الفحم والصلب)، وهو ما بدأ اثناء الحرب العالمية الثانية والفترة التي تلتها، وكانت نهاية الحرب الباردة والظروف الدولية التي تلتها قد ساهمت بشكل أو باخر في تعزيز التعاون والاندماج الدولي، وسعوا اعضاء هذا الاتحاد الى تعزيز مكانة هذا الاتحاد في المستوى الدولي.

فلاتحاد الاوربي ليس بدولة، مع ان نظامه السياسي والقانوني ذي خصائص معينة تتواجد في الدول الفدرالية وكذلك الكونفدرالية، ولا يتطابق مع المنظمات الدولية الحكومية، بشكليها العام والمتخصص، مع وجود بعض الخصائص الموجودة في هذه المنظمات الدولية الحكومية، وكذلك لا يمكن القول باعتبارها منظمة دولية غير حكومية، باعتبارها كيان دولي حكومي انشأت بموجب توافق الارادات بين الدول عديدة(نافعة، 2004، ص36). ويشير المختصون على ان خارطة اوربا اعيد تشكيلها ليس كما كان معهود في المراحل السابقة بالأدوات التي يفرضها الدبلوماسيين بما يتناسب وامزجتهم، ولا بواسطة القوة الصلبة، لكن كانت هذه المرة من خلال عمليات ديمقراطية تسهم فيها الشعوب في اتخاذ القرار(بتلر، 2003، ص73). وهذا ما يمكن ان نتلمسه من خلال عرض مجموعة من القضايا، في اطار المطلبين الآتيين.

المطلب الاول: العوامل والاسس الدافعة لقيام الاتحاد الأوربي

كان وراء هذا التقدم والتحكم في سعي الدول الأوربية إلى الاتحاد والتكتل فيما بينها، مجموعة من العوامل  بغية تحقيق التكامل والاندماج، وتحقيق مجموعة من الاهداف شكلت الاسس التي يقف عليها هذا التجمع الاقليمي الاوربي، ويمكن عرض هذه العوامل والاسس من خلال الاتي.

أولاً: العوامل الدافعة لقيام الاتحاد الاوربي

وهي عوامل عدة تتصف بالتداخل فيما بينها وهي ذات صلة كبيرة بالمنطلقات التي تتكلم عنها نظريات التكامل، فوجود مجموعة من العوامل قد ساعد على قيام هذا الاتحاد بالشكل الذي يمكن ان يقترب مع مقولات النظريات التكاملية، وبالخصوص نظرية الوظيفة الجديدة، وأهم هذه العوامل والتي تعتبر في ذات الوقت شروط لقيام او نجاح التكامل، هي(طويل، 2018، ص102- ص103):

1-      العوامل الجغرافية – المجالية: التي تتمثل في الانتماء إلى قارة واحدة ذات ظروف طبيعية متقاربة (من حيث التضاريس والمناخ).

2-      العوامل التاريخية: كانت من خلال تلك الاحداث التي عاشتها اوربا من ازمات ومن حروب، والمصير المشترك الذي واجهته الوحدات الدولية الاوربية.

3-      العوامل السياسية:  كانت وما زالت هذه الدول الاوربية قد تبنت النظام الديمقراطي القائم على المشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة ، وبناء سياسة تنظيمية محكمة لتسيير الاتحاد في المجالات المختلفة.

4-      العوامل الاقتصادية: الذي تجسد في اعتماد النظام الليبرالي الحر واحترام المنافسة بين الأطراف.

5-      العوامل الاجتماعية: المتمثل في المستوى الثقافي لدى السكان، والذي يزيد من الوعي بضرورة التكتل والاندماج بين الدول الأوربية، والسعي إلى إنشاء أوربا الاجتماعية (ضمان التشغيل والعيش الكريم والحماية الاجتماعية).

6-      العوامل الخارجية: التي تعبر عن وجود اقطاب صناعية ومالية عالمية قوية والحاجة إلى مواجهة المنافسة القوية لهذه الأقطاب، وكذلك ما تفرضه العولمة من تحديات كبيرة.

وفضلاً عن ماتم ذكره فان وجود رؤى ورغبة لدى القادة الأوربيين لتحقيق وقيام هذا التجمع  الاوربي قد ساعد كثيراً على انطلاقه وبالخصوص فرنسا التي شكلت في البداية المحرك الاساس لهذه الوحدة.

ثانياً:  المبادئ والاهداف للمشروع الوحدوي الأوروبي

قام المشروع الاوربي الوحدوي على مجموعة من الاهداف رئيسة، التي يمكن ان تمثل محور أو عصب الفكر التكاملي الأوروبي وجعلته متميزة في كل العقود اللاحقة، وتمثلت في(أبو سيف، 2019، ص29):

1-   ازالة  التنافس الاقتصادي والصناعي من خلال ربط الاقتصاديات الأوروبية فيما بينها في  سبيل منع التوتر والتنافس الذي قد ينشأ.

2- التخلص من الدعوات الوطنية وذلك ببناء مؤسسات عابرة الحدود الوطنية، ترسم سياسات تعاونية مشتركة تعبر عن السعي المشترك وليس التنافس الفردي.

3- تعزيز الاهداف المشتركة والمواقف المتقاربة، ووقف سباق التسلح الداخلي بين الدول الاعضاء، والاهتمام على بناء هوية مشتركة بين الدول الاعضاء.

لكن هذه الاهداف لم تكن لتتحقق مرة واحدة، بل كانت هناك مراحل وتطورات متتابعة، رافقتها  انشاء وتطوير مؤسسات متعددة عملت على تحقيق أو تنفيذ الاستراتيجيات التي كانت تقر من قبل اعضاء الاتحاد، وهوما يمكن ان نعرضه في المطلب الاتي.

المطلب الثاني: مراحل التكوين ومؤسساته

شهدة المجموعة الاوربية منذ الخمسينات من القرن الماضي وبالخصوص منذ الاتفاقية الاقتصادية الاولى في روما عام 1957، الى العام الذي شهد الانسحاب البريطاني من الاتحاد تطورات عدة ان كان في التوسع العددي للأعضاء أو في استحداث المؤسسات الاتحادية، التي كانت ذات اهمية في تحقيق أهداف دول الاتحاد،. فقد شكلت هذه التطورات مراحل ومحطات تاريخية حاسمة في تشكيل هذا الاتحاد ومسيرته، ويمكن عرض أهم هذه المراحل والمؤسسات، وكما يلي:

أولاً: مراحل التكوين والتأسيس

يشير المختصون ان “الاتحاد الأوروبي” لم يكن فكرة حديثة عند إنشائه ولا موضوع برز بشكل مفاجأ قامت الدول الاعضاء بالتوقيع على معاهدة انشائه وأصبح يعرف بهذا الاسم، بل هي فكرة قديمة وسار بمراحل تطور وتوسع إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، والتي يمكن ايجازها كالاتي(بيندز، أشروود، 2015، ص19-ص39).

– ففي التاسع من أيار1950، كانت البداية بوضع (روبير شومان) وزير الخارجية الفرنسي، أول حجر في البناء الأوروبي وذلك باقتراحه على ألمانيا لتحقيق تكامل في الانتاج ( الفرنسي ـــــــــ الألماني) للفحم  والفولاذ في إطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا.

وكان على اثر ذلك توقيع (معاهدة باريس) التي نصت على إنشاء ((مجموعة الفحم والفولاذ)) بعد عام واحد في نيسان 1951، والتي ضمت الدول الاوربية الست: (ألمانيا، وبلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، وهولندا(.

– وفي 25 آذار 1957، وقعت الدول الست آنفة الذكر، في روما المعاهدة المؤسِّسة للمجموعة الاوربية الاقتصادية، وهي: سوق مشتركة قائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الكمركية بين الدول الأعضاء، وتم أُنشاء هذه المؤسسات مطلع 1958.

-وبين عامي: (1973- 1995)،  انضمت كل من: (بريطانيا، والدنمارك، وإيرلندا) الى المجموعة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا، والبرتغال (1986) والنمسا، وفنلندا، والسويد (1995(.

– غير أن أبرز مرحلة في تطوره هي إقرار (معاهدة الاتحاد الأوروبي) التي تعرف أيضا باسم اتفاقية أو (معاهدة ماسترخت)، التي ابرمت في شباط عام 1992 في هولندا، والتي مثلت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء التجمع الأوروبي، وكانت أهم بنودها، هو: الانتقال الى عملة واحدة ونشاء الاتحاد أوروبي

واعتباراً من كانون الثاني 1993، دخلت السوق المشتركة والواقع الفعلي فضلاً عن حرية تبادل السلع والخدمات وتنقل الأشخاص ورؤوس الأموال. وفي عام 1995 سمحت (اتفاقات شنغن) للأوروبيين بالسفر من دون فيزا.

-في الأول من كانون الثاني من العام 2002، دخل اليورو في المداولات المالية اليومية للمواطنين الأوربيين مع بقاء كل من: (الدنمارك، وبريطانيا، والسويد)، على عملاتها الوطنية.

– بعد سقوط جدار برلين في 1989، توسع الاتحاد تدريجا ليضم دولا من شرق أوروبا، وانضمت عشر دول الى الاتحاد الاوروبي في ايار2004 وهي: (الجمهورية التشيكية، وبولندا، والمجر، وسلوفاكيا، ولاتفيا، واستونيا، وليتوانيا، وسلوفينيا، ومالطا، وقبرص)، وفي عام 2007، وهو العام الذي عقد فيه (معاهدة لشبونا)، لإصلاح وتطوير مؤسسات الاتحاد الأوروبي، انضمت: (بلغاريا، ورومانيا) وكانت (كرواتيا) قد انظمت عام 2013، وبذلك اصبح الاتحاد الاوربي الى هذا العام يضم 28 دولة، قبل الانسحاب البريطاني منه.  واحتوى هذا التجمع الاوربي على عدة مؤسسات، شكلت مؤسسات فوق القومية للإدارة شؤونه، يمكن عرضها بالشكل الاتي.

ثانياً: مؤسسات الاتحاد الاوربي

مع انه لا يمكن مقارنة مؤسسات الاتحاد الأوروبي بالهياكل المؤسسية الوطنية بشكل مباشرة إلا أنه من المفيد النظر إليها فهو يحتوي على مجموعة من المؤسسات، ومن أبرز هذه المؤسسات(أبوعامود، 2000، ص77):

1-      المجلس الأوربي: ويتكون من رؤساء الدول والحكومات الأعضاء، وهو مسؤول على تقرير التوجهات الرئيسة المهمة للاتحاد الأوربي.

2-      مجلس الوزراء الاوربي:  يضم وزراء الدول الاعضاء، ويتغير أعضاؤه حسب القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي يتم التداول حولها في هذا المجلس، يقرر السياسة المشتركة بين الدول الأعضاء.

3-      البرلمان الأوربي: يتكون من أعضاء منتخبين يقومون بمناقشة المشاريع وتشريع القوانين على مستوى الاتحاد الأوربي. يتخذ المجلس الأوروبي  بالاستناد إلى إجراءين: الأغلبية المزدوجة أو الإجماع()

4-      محكمة العدل الأوروبية: وهي الجهاز القضائي في الاتحاد يشرف على احترام التشريعات والقوانين.

5-      محكمة مراقبة الحسابات: أو ديوان المحاسبات وهو جهاز رقابي مهمته الاشراف على مراقبة الميزانية الاتحادية.

6-      البنك المركزي الأوربي: بنك منطقة اليورو، الذي يعمل في الدول الاعضاء في الاتحاد من أجل تأمين استقرار أسعار صرف في منطقة اليورو.

7-      بنك الاستثمار الأوربي: وهو مؤسسة التمويل الأوروبية، الذي يهدف إلى مساعدة وتمويل مشاريع دول الاتحاد الاوربي، وكذلك إصلاح وتطوير المشاريع في منطقة اليورو، وإلى زيادة التوظيف في دول الاتحاد، عن طريق تقديم قروض منخفضة الفائدة للدول الاعضاء.

8-      قمة الاتحاد الأوروبي: وفيها يجتمع رؤساء الدول الاعضاء في الاتحاد، ورئيس القمة الأوروبية، ورئيس المفوضية الاوربية أربع مرات في السنة الواحدة، في سبيل تطوير منطقة الاتحاد وإصدار القرارات الأساسية الخاصة بالاتحاد.

المبحث الثالث:

واقع الاتحاد الاوربي

مع كل ما تم تحقيقه من انجازات في الميادين المختلفة التي تذكرها البيانات والاحصائيات، ان كان المعلنة من قِبل مؤسسات الاتحاد الاوربي أو مؤسسات دول الاتحاد، أو التي ترصدها مراكز البحث، فان هذا التجمع الاوربي وخلال مسيرته الطويلة لم يكن الطريق امامه دون تحديات ودون تهديدات، جعلته يتعثر في محطات مهمة من تأريخه، وجزء من هذه التحديات والتهديدات شكلت خطراً فعلياً لاستمرار هذا التجمع الذي طالما اخذ كنموذج للتكامل، وكذلك نموذج للتفسير العملي لنظريات التكامل، التي جهد اصحابها لإيجاد منطلقات فكرية يمكن اتباعها حتى يمكن تحقيق التكامل الدولي، والتي يمكن مناقشتها في اطار المطلبين الآتيين.

المطلب الاول: التحديات العامة في اطار بنية الاتحاد

برزت امام الاتحاد الاوربي جملة من التحديات التي تتعلق من ناحية بالدول الاعضاء في الاتحاد، وبالنظم والقواعد وآليات المستخدمة في مؤسسات الاتحاد الأوربية من ناحية أخرى، إذ كشفت التحديات التي شهدها هذا الاتحاد عن عمق أزمة الابنية المؤسسية للاتحاد بعدم قدرتها أو في افضل الاحوال محدودية قدرتها على مواجهة الانتقال السلبي لهذه الازمات: السياسية، والاقتصادية، والمالية الى سياسات واقتصاديات الاتحاد، اضافة الى ذلك ان هناك مجموعة من السلبيات والازمات شكلت وتشكل معوقات وتحديات وربما خطر على استمرار هذا الاتحاد نحو النمو الايجابي، والتي يمكن عرض أهمها:

1-      لابد من التميز بين دوافع  الدول المؤسسة للاتحاد، ودوافع الدول التي انظمت له فيما بعد، من حيث الهدف أو الغاية للانضمام، وهو ما انعكس سلباً على ايجاد سياسة خارجية موحدة لأعضاء الاتحاد اتجاه القضايا المختلفة التي مرت بها(الجميلي، 2009، ص211).

2-      ظلت المؤسسات الاتحادية الاوربية غير قادرة على التدخل لحل المشكلات الوطنية لكل دولة عضواً في الاتحاد، في الوقت الذي وصلت به حركة التكامل الاوربي مرحلة متقدمة في مجال السياسات الاقتصادية والتجارية والمالية والنقدية، بالخصوص بعد ابرام معاهدة ماستريخت عام 1992، وظل التنسيق والتعاون في سبيل حل تلك المشكلات مرتبط بإرادة الدول الاعضاء، ومع ابرام (معاهدة أمستردام) عام 1997، حدثت نقلة نوعية في مواجهة تلك المشكلات لكن مع ذلك لم تكن بالمستوى المطلوب من التكامل والاندماج كما هو في النموذج الاقتصادي والمالي والنقدي(نافعة، 2004، ص284)؛ إذ ظلت هذه الدول في حالة من الاختلاف في تحديد المصالح المشتركة وفي تحديد المخاطر وفي تحديد دور الاتحاد الاوربي، نتيجة غياب التجانس بين الدول الاعضاء وتباين خصائصها الثقافية والاجتماعية وتقاليدها السياسية.

3-      المشكلات المتعلقة بالخلاف حول الدستور الاوربي، والذي قدمت مسودته في حزيزان عام 2003، امام مجلس رؤساء الدول الاعضاء في الاتحاد؛ إذ رفض من قبل عدد من الدول الاعضاء لجملة من الاسباب، يمكن ان تتلخص في الاتي(العمراني، 2011، ص57):

أ‌-       تحديد الاختصاصات لكل من الاتحاد والدول الاعضاء.

ب‌-     التناوب على رئاسة الاتحاد، وفكرة استحداث منصب رئيس دائم، وتحديد مدى صلاحياته في عملية التنسيق عمل الاتحاد، أو تنفيذ الاتفاقيات في اطار الاتحاد أوبين الاتحاد وطرف خارجي.

ت‌-     تعين وزير الاتحاد المختص بقضايا السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وتعين نائب مفوضية الاتحاد، وكذلك تعين رئيساً لمجلس وزراء خارجية الدول الاعضاء.

ث‌-     تحديد عدد مقاعد البرلمان الاوربي.

ج‌-      تحديد صلاحيات رئيس الاتحاد وبالخصوص توسعة الاتحاد ومراحل التكامل الجديدة.

ح‌-      ألغاء مبدأ الاعتراض(الفيتو) التي تتمتع به الدول الاعضاء في الكثير من القضايا.

4-      المشكلات النابعة من آليات التعاون السياسي والتي حاولت (معاهدة ماستريخت) عام 1992، تطوير هذه الالية، لكن وبسبب تلك التحديات الداخلية للاتحاد التي كانت قائمة في عقد التسعينات لم تكن قد وفر الاستجابة المناسبة لمجموعة من القضايا الدولية والإقليمية، كما هو في حالة انهيار الاتحاد السوفيتي، وحرب الخليج الثانية، والحرب الأهلية اليوغسلافية.

5-      وارتباطاً بالفقرة السابقة، الاختلاف في المواقف اتجاه القضايا الخارجية، كما هو في قضايا: الملف النووي الايراني، وغزو العراق عام 2003، وغيرها من القضايا.

6-      مشكلات اتخاذ القرار في اطار الاتحاد الاوربي،  وتمثلت تلك المشكلات بعدم تجاوز الاطار الوطني لكل دولة، مع وجود مجلس وزراء الاتحاد، وبرلمان الاتحاد الاوربي ومحكمة العدل الاوربية(عوض، 2000، ص10).

7-      المشكلات الناجمة عن محدودية الصلاحيات الممنوحة للاتحاد، مع انه يتمتع بشخصية قانونية، تختلف عن الشخصية القانونية للدول الاعضاء(نافعة، 2004، ص38).

8-      مشكلات المتعلقة بالقضايا التنظيمية، (نظام التصويت) الذي كان مصدر لمشكلات عدة، فعلى سبيل المثال، كانت لألمانيا حصة اكبر من لوكسمبورج، وفيما بعد اتفق على نظام الغالبية المزدوجة.

9-      فضلاً عن هذه السلبيات، فهناك جملة من السلبيات على المستوى السياسي الداخلي، كتلك المتعلقة على قوة الزام القرارات التي يصدرها الاتحاد، فهي موجبة فقط للدول التي وافقت عليها. وصعوبة قيام قوة اوربية عسكرية موحدة، والتكاليف المالية التي تقع على بعض دول الاتحاد دون غيرهم، لسد متطلبات بعض الدول في الاتحاد،(العطار، 2004، ص100).

10-    هيمنة النزعة القومية لدى صانع القرار في الدول الاعضاء على النزعة المشتركة في اطار الاتحاد الاوربي؛ إذ ان هذه الدول ترى ان مكانتها سوف تضعف وسياستها الخارجية سوف يضعف تأثيرها اذا اندمجت بالاتحاد. وهو يمكن ان يكون نتيجة عدم ادراك صناع القرار في هذه الدول لخصوصيات البيئة العالمية ما بعد الحرب الباردة، وعدم رغبة اصحاب القرار في هذه البلدان التخلي عن مراكزهم وامتيازاتهم لصالح غيرهم(غربي، 2012، ص170).

11-    وتواصلا مع الفقرة السابقة، فإن العلاقات بين دول الاتحاد الاوربي خاضعة للتباين اتجاه البيئة الدولية، فهذه التغيرات في البيئة الدولية أثر على توجهات الدول الاوربية في التكامل، بعبارة أخرى لما كان الاقليم أقل استقلالية عن المحيط الدولي الرافض للتكامل، كان ابعد عن تحقيق هذا التكامل.

12-    اختلال التوازن الجيوسياسي بين دول الاقليم الاوربي، والذي يمكن ان يعيد التنافس بين اطراف عدة كألمانيا وفرنسا من جهة وبريطانيا قبل خروجها من جهة أخرى.

13-    هيمنة الدول الاكثر تصنيعا، كألمانيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا قبل خروجها، وبين الدول الاخرى.

14-    تصاعد التيارات القومية والاحزاب اليمينية، في الدول الاوربية وبالخصوص الشرقية، التي تتمسك بمبدأ الوطنية على حساب الاندماج في كيان فوق القومية.(غربي، 2018، ص110-ص111).

15-    التفاوت الاقتصادي بين دول الاتحاد، والفشل في تمكين الدول الفقيرة او ما يسمى بـ”الاسواق الطرفية” مثل: (بولندا، اليونان، وقبرص، وهنكاريا)، للوصول الى مستوى من النمو الاقتصادي.

16-    الهاجس الامني بسبب الازمات التي تعرضت لها كثير من دول الاتحاد الاوربي، كما هو في قضية الازمة المالية العالمية عام 2008، وقضية اللاجئين عام 2015، وقضية الارهاب الذي ضرب بروكسل وباريس(صفاء النعيمي، “9 اسباب وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي”2016،(https://www.cnbcarabia.com/news/view/19590/9 .

17-    هذه القضايا المذكورة في الفقرة السالفة جعلت المواطن الاوربي في موضع ريبة وشك في تبني (سياسة الباب المفتوح) بالنسبة للاجئين، وكذلك اصبحت الاحزاب في كل اوربا، حذرة في تبني مواقف مؤيدة للاتحاد الاوربي في اجواء تنعدم بها الثقة(سيبي فرهان، 2020،  http://www.almanhal.com ).

18-    بشكل عام فان الاحداث الدولية السابقة، اكدت ان العمليات  التكاملية الأمنية، لم تظهر إلا في الازمات الأمنية.

19-    تنامي حالة المنافسة الخارجية، وبالخصوص مع الولايات المتحدة الامريكية التي لا تريد وجود قوى اخرى تنافسها على الهيمنة العالمية.

20-    والملاحظة المهمة التي يمكن رصدها ومنذ عقود، هو انتشار الصراعات الاقليمية في العالم، بشكل ملفت للنظر في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة  وفي اغلبها ذات صبغة انفصالية، والتي نتج عنها انشطار العديد من الكيانات القومية الكبرى وتحللها، كما حدث في الاتحاد السوفيتي، والاتحاد اليوغسلافي وغيرهما(مقلد، 2011، ص78).

21-    التجربة التاريخية للدول، تشير الى صعوبة وحتى استحالة فصل النشاطات الاقتصادية والفنية والاجتماعية عن السياسة؛ اذ كانت الكثير من المواضيع الاقتصادية والفنية والاقتصادية محل نزاع بين الدول المتجاورة، فضلاً ان كثير من هذه المواضيع غير مؤهلة للتعميم على القطاع السياسي.

22-    ضم الاتحاد الاوربي دولاً تفتقر الى الامكانيات الاقتصادية بالشكل الذي يشكل عبء على باقي الدول وكذلك الاختلاف الحضاري والقيمي وبالخصوص الدول الناتجة عن تفكك الاتحاد السوفيتي ولا تمتلك تلك الخبرة التاريخية في المشاركة والتعددية السياسية التي يمكن ان تدعم دورها في التكامل، وهي التي تجعل عملية التكامل متعثرة وقد تعيد الاتحاد الى مراحل سابقة.

23-    تشهد اوربا ظرفا شديداً، بسبب الجائحة العالمية “كورونا” التي اجتاحت كل العالم، هي الأخطر على وحدة الاتحاد الأوروبي لغلقها الحدود، التي اجبرت الدول الاوربية على التقوقع الوطني بشكل مفرط وبالخصوص في المراحل الاولى من انتشار هذه الجائحة، وكذلك هذه الحالة كانت واضحة بالضعف الكبير في مستوى التعاون في هذا المجال الذي جعل ايطاليا قد وصلت الى مراحل خطرة من تداعيات هذا الوباء بعد تلك الدعوات التي قدمت اليها مع دول اوربية اخرى لخفض مستوى تكاليف الرعاية الصحية لمواجهة الازمة الاقتصادية التي تعرضت لها عام 2013.

لكن المتغير البريطاني الذي تمثل في انسحابها من الاتحاد بما سمي بــ”البريكست”، كان الاهم والاخطر في تأريخ الاتحاد، والذي اثار الكثير من الجدال والتحليلات حول مستقبل الاتحاد وصمود نظريات التكامل، والتي يمكن استعراضها من خلال المطلب الاتي.

المطلب الثاني: المتغير البريطاني (الانسحاب البريطاني من الاتحاد) ( بريكست)

شكلت بريطانيا قوة فاعلة ومؤثرة داخل الاتحاد الاوربي، لما تتمتع به من خصائص ومكانيات متعددة، وكان قرارها في الخروج من الاتحاد قد اثار مجموعة من التساؤلات حول دوافع هذا الخروج، وكذلك حول تلك النتائج التي ستتولد بعد الخروج على باقي الاتحاد الاوربي من جهة وعلى بريطانيا ذاتها من جهة اخرى، التي سوف نناقشها وكما يلي.

أولا: دوافع الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي

شكلت بريطانيا، من المحاور المهمة في عدم وصول الاتحاد الاوربي الى مراحل متقدمة من التفاهم ومن ثم الاندماج، وتشير الخبرة التاريخية لاوربا ان بريطانيا ولعصور طويلة جمعتها علاقات تنافسية وصراعية مع باقي الدول الاوربية، أكثر منها تعاونية، وفي هذا الاطار كانت بريطانيا تعارض الكثير من القرارات والسياسات الخارجية في اطار الاتحاد الاوربي، والذي يمكن ان يضاف الى جهة عرقلة تعزيز البنية السياسية والقانونية للاتحاد. وهنا سوف نتطرق الى أهم تلك الاسباب التي تقف وراء تلك السياسة البريطانية.

1-      الاسباب التاريخية والثقافية(حميد، 2018، ص226، وما بعدها)، وفي هذا الاطار فإن بريطانيا باعتبارها دولة جزرية منفصلة بامتداد بري عن باقي اوربا، قد عزز ضعف انتمائهم الاوربي، مقابل ارتفاع مؤشر الانتماء الاطلسي، فمعظم مستعمراتها السابقة كانت اطلسية.

2-      الارتباط القوي بالهوية الاصلية البريطانية (الانجلوساكسونية)، وتنامي المد القومي، والفخر بالتاج البريطاني الذي حكم اجزاء واسعة من العالم في فترات تاريخية امتدت لعشرات السنين، وكان ذلك مدعات للبقاء على الهوية الإمبراطورية البريطانية كشعور قومي يفوق كل اندماج في هيكل فوق القومي(الاتحاد الاوربي).

3-      العلاقات التاريخية العميقة مع الولايات المتحدة الامريكية، والتي ترفض أي علاقة وحدوية في اوربا تجعل اوربا قوية تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية في هيمنتها وقوتها.

4-      وفي المقابل فان الدائرة الامريكية تشكل لصانع القرار البريطاني، دائرة السياسة الخارجية الاوثق، لأسباب كثيرة، باعتبار الكثير من الأمريكان وصناع القرار الأمريكي في كثير من الفترات هم اصول بريطانية، وكذلك تلك الجهود التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لبريطانيا اثناء الحربين العالميتين.

5-      المشاكل الاقتصادية التي كانت بسبب الازمة المالية العالمية، وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد البريطاني، خلق شعور لدى البريطانيين ان هذا الارتباط الاقتصادي بالاتحاد الاوربي، كان وراء تراجعه بالتنافس مع الاقتصاديات البلدان الصناعية الكبرى الاخرى.

6-      لجوء الكثير من سكان اوربا الشرقية الفقيرة  للهجرة الى بريطانيا بحثا عن فرص عمل، والاستفادة من الخدمات المختلفة، والذي شكل عبأ كبيراً على الميزانية البريطانية.

7-      ومن جانب آخر لم يرضه البريطانيون ان يقاسمهم المهاجرون من الدول الفقيرة ما حققوه من انجازات اقتصادية كبيرة على مدار عقود طويلة من الزمن.

8-      رغبت البريطانيون من اغلاق حدودهم على اثر تفشي ظاهر الارهاب الدولي الذي ضرب عواصم اوربية عدة.

ولذلك فان لهذه الاسباب وغيرها، حدث هذا الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي، بعد ذلك الاستفتاء المصيري الذي اجري في حزيران عام 2016، لكن لم يكن الأمر قد توقف عند الانسحاب، فقد تكون هناك العديد من القضايا السلبية، تنتج عن هذا الانسحاب، تمتد بآثارها المقلقة الى باقي الاتحاد من جهة ، وبريطانيا ذاتها من جهة اخرى، والتي سوف نتطرق لها، كما يلي.

ثانياً: الاثار التي يمكن ان يتركها الانسحاب البريطاني على الاتحاد الاوربي

اشار المختصون في الشأن الاوربي الى تلك الانعكاسات والتبعات السلبية لهذا الانسحاب والتي يمكن ان تلحق بباقي الاتحاد منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو أمني، يمكن مناقشتها على النحو الاتي(حميد، 2018، ص234-ص235):

1-      سياسياً، فقد يكون هناك تقويض لبنية هذا الاتحاد وقوة سياسته الخارجية وقد يحفز هذا الانسحاب البريطاني، دول أخرى الى هذا الفعل، وربما يثير رغبة كل من اسكتلندا وايرلندا الشمالية اللتين لم تؤيد الانسحاب من الاتحاد الاوربي، للانفصال عن الدولة الام بريطانيا.

2-      أمنياً ودفاعياً، شكلت بريطانيا، عندما كانت عضواً في الاتحاد أهمية كبيرة، لخبرتها وكفاءتها في مجال الاستخبارات والشرطة والدفاع ودورها في التمويل والاصلاحات في هذه المجالات؛ إذ ساهمت في الكثير من عمليات وبعثات الأمن والدفاع للاتحاد الاوربي، باعتبارها تشكل أكبر قوة عسكرية في الاتحاد، ان كان على مستوى اعداد القوات المسلحة أو على مستوى الصناعات الحربية او مستوى الإنفاق العسكري.

3-      اقتصاديا؛ إذ يعد الاقتصاد البريطاني من الاقتصاديات المتميزة والكبيرة، استنادا الى احصائيات البنك الدولي؛ إذ احتل المرتبة السابعة ومن ثم السادسة ومن ثم الخامسة ما نسبته:(13%) من مجمل سكان الاتحاد، وهو ما يشكله من خسارة اقتصادية وبشرية كانت تدعم قوة الاتحاد الاجمالية(غربي، 2018، ص103).

فكل هذه النقاط التي تم رصدها ان كانت بشكلها العام في اطار الاتحاد الاوربي، أم في شكلها الخاص المتمثل بالانسحاب البريطاني من الاتحاد، فإنها تشكل بمجموعها مصادر تحدي ليس بالبسيطة، تجعل منحنى تطور هذه التجربة المتميزة  يسير نحول التضاؤل والانكماش، أو على اقل تقدير الجمود النسبي، الذي يبعد الاتحاد عن تحقيق المزيد من التقدم والنمو على كافة الاصعدة والمستويات، وبالخصوص في ضل تلك الازمات التي تعصف بالعالم  بين الحين والاخر، ومن ثم سوف يحدث الابتعاد كثيراً عن المنطلقات الفكرية لنظريات التكامل ومقولاتها الرئيسة.

الخاتمــــة

كانت هناك عدد من النظريات التي فسرت النجاح المتميز لهذا المشروع الاوربي التكاملي بين دول تنتمي لنفس الاقليم، ولعل أهم ما يميز هذه النظريات أنها انطلقت من الدراسة العملية أو التجريبية لتطور الاتحاد الأوروبي من دول ضلت تحارب بعضها البعض لسنين واخرها الحرب العالمية الثانية التي انتجت انهاك اقتصادي واجتماعي وسياسي، الى التفاهم وتقارب الذي سار مراحل متقدمة نحو التكامل. وهناك من يرى أنه من الضروري قيام العلاقة التبادلية بين فهم هذا النجاح وفهم هذه النظريات المتعمقة التي تحقق سقفاً فكريًا وبوصلة طريق لنجاح عمليات التكامل المستقبلية.

لكن مع ذلك، تثير تلك التحديات والتهديدات وبالخصوص الخروج البريطاني تساؤلا كبيرا حول مستقبل نظريات التكامل الاقتصادي بشكل عام، خاصة مقولات النظريتين الوظيفية والوظيفية الجديدة، فقد مثلت هذه التحديات والتهديدات صدمة كبيرة  لمقولات هاتين النظريتين، اللتان اعتبرتا أن تركيز التكامل في القطاعات الفنية والاقتصادية (تجارة، بريد، …ألخ) يجنب عملية التكامل ويجعلها تتخطى التحديات السياسية التي قد تعيق تلك العملية؛ وبالتالي يرتفع مستوى الاعتماد المتبادل بين الدول في مقابل انخفاض مستوى التحسس في  القضايا السيادية، ما يؤدي إلى ظهور مؤسسات أو منظمات دولية ذات سلطة فوق القومية.

وباعتبار أن مواجهة الاتحاد الأوروبي عبر تلك العقود الماضية  للأزمات والمشاكل التي واجهته أمر متوقع وحتمي لكن طرق تعامل الاتحاد الأوروبي مع أبرز التحديات والأزمات ان كانت الداخلية أو الخارجية التي استعرضناها ومدى نجاح هذه الطرق في معالجة هذه الازمات، فإنه من الصعب الجزم على ان النموذج الاقليمي الاوربي يمثل نموذجًا واعدًا أم لا، لأن هذا الجزم سوف لن يتخلى عن النسبية المرتبطة بنوع الازمة وحجمها؛ فعلى سبيل المثال النجاح في مواجهة أزمة اليونان الاقتصادية وأزمة اللاجئين كان جزئيًّا ومؤقتًا، وقد أثبتت هذه الأزمات وجود تفاوت وانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي نفسها، كما أثبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي احباط وتراجع في رسم سياسة مشتركة متفق عليها من جميع الاعضاء، ومن جهة أخرى قد يؤدي هذا الانسحاب الى تحفيز دول اخرى للخروج من هذا الاتحاد ، وهو ما اشارت له العديد من التحليلات، كل هذه القضايا وغيرها، جعل ضرورة إعادة قراءة الأدبيات الرئيسية للنظريات التكاملية وبالخصوص الوظيفة الجديدة، وخاصة مفهوم “الانتشار”، والناتج النهائي لعملية التكامل، والذي لايمكن عزله كما اثبتته الخبرة التاريخية للاتحاد الاوربي، عن دور الفاعليين السياسيين المعنيين في هذه العملية.

لذلك فان هذه التحديات والازمات التي لم تجد لها حلولاً بالشكل الامثل في معظمها، سوف يقلل من جاذبية النموذج الاوربي كنموذج للتجمع والاتحاد، وبما ان معظم نظريات التكامل قد ارتبطت بهذا النموذج، فسوف يكون الترابط واضح بين تراجع النموذج الاوربي كواقع عملي فعلي للتكامل، وتراجع قوة وجاذبية نظريات التكامل، وبالخصوص نظرية الوظيفة والوظيفة الجديدة.

  • طويل نسيمة، 2018، “اكامل الدولي: دراسة في المفاهيم والمقتربات النظرية”، مجلة الناقد للدراسات للسياسية، العدد: (3).
  • عبد الله زايد، 2002، السياسة الدولية بين النظرية والممارسة، دار الرواد، ط1، ليبيا.
  • بوعشة محمد، 1999، التكامل والتنازع في العلاقات الدولية الراهنة (دراسة في المفاهيم والنظريات)، دار الكتب الوطنية، ليبيا.
  • دورتي جيمس ، بالستغراف روبرت، 1985، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ،( ترجمة) وليد عبد الحي، مكتبة شركة كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع ، الكويت.
  • جندلي عبد الناصر، 2007، التنظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية، دار الخلدونيـة، الجزائر.
  • د. خليل أنور إسماعيل، 2021، التحديات الأمنية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ عام 2003، دار الايام للنشر والتوزي ، (بغداد، 2021).
  • هلال نازك محمد، 2006،” التكامل في العلاقات الدولية دراسة حالة العلاقات السودانية – الليبية”، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الدراسات العليا، جامعة الخرطوم، الخرطوم.
  • ميد رامي، 2018، “الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي”، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، المجلد (5)، العدد: (1).
  • حسن نافعة، 2004، الاتحاد الأوربي والدروس المستفادة عربياً، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
  • بتلر نك، 2003، “الاتحاد الاكمل في المستقبل”، مجلة السياسة الخارجية(النسخة العربية)، دار الوطن، الكويت.
  • أبو سيف عاطف، 2019الاتحاد الأوروبي في القرن الواحد والعشرين.. أوروبا والبحث عن دور، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن.
  • بيندز جون، أشروود سايمون، 2015، الاتحاد الاوربي مقدمة قصيرة جداً، (ترجمة): خالد غريب علي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة.
  • د. أبو عامود، سعد، 2000، “البناء المؤسسي للاتحاد الاوربي”، مجلة السياسة الدولية، العدد: (142)، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة.
  • الجميلي صدام مرير، 2009، الاتحاد الاوربي ودوره في النظام العلمي الجديد، دار المنهل اللبناني، بيروت، 2009).
  • العمراني عبد الوهاب محمد، 2011، الاتحاد الأوربي والعلاقة اليمنية الاوربية، دار الشروق للنشر والتوزيع،( عمان، 2011).
  • عوض ابراهيم ، 2000، “التكامل الاوربي والبحر المتوسط”، سلسلة بحوث سياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة.
  • العطار علي، 2004، العولمة والنظام العالمي الجديد، دار العلوم العربية، بيروت0
  • غربي رقية، 2021 “السياسة الخارجية للاتحاد الاوربي بعد الحرب الباردة، رسالة ماجستير (غير منشورة)” ، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة محمد خضير، الجزائر.
  • غربي هيبة ، 2018، تداعيات الانسحاب البريطاني على المسألة الامنية في الاتحاد الاوربي،  المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، برلين.
  • النعيمي صفاء، 2016،، “9 أسباب وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي”،

https://www.cnbcarabia.com/news/view/19590/9

  • فريهان سيبي، 2020، “هل يمكن ان يتفكك الاتحاد الاوربي فعلاً؟”، http://www.almanhal.com
  • مقلد إسماعيل صبري مقلد، 2011، العلاقات السياسية الدولية (النظرية والواقع)، المكتبة الاكاديمية، الاسكندرية.

Buzan Barry and Weaver Ole,2003, “Region and Power: The Security”, Cambridge Studies  in International Relations, Cambridge  University, Press, (Cambridge,2003)

المصادر

أولاً: الكتب

1-      ابراهيم عوض، “التكامل الاوربي والبحر المتوسط”، سلسلة بحوث سياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، (جامعة القاهرة،  2000).

2-      د. إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية (النظرية والواقع)، المكتبة الاكاديمية، (الاسكندرية، 2011).

3-      د.أنور إسماعيل خليل، التحديات الأمنية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ عام 2003، دار الايام للنشر والتوزيع، ط1، (بغداد، 2021).

4-      جون بيندز و سايمون أشروود، الاتحاد الاوربي مقدمة قصيرة جداً، (ترجمة): خالد غريب علي، ط:(1)، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، (القاهرة، 2015).

5-      جيمس دورتي، روبرت بالستغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ،( ترجمة) وليد عبد الحي، مكتبة شركة كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع ،(الكويت، 1985).

6-      د.حسن نافعة، الاتحاد الاوربي والدروس المستفادة عربياً، مركز دراسات الوحدة العربية، (بيروت، 2004).

7-      زايد عبد الله، السياسة الدولية بين النظرية والممارسة، دار الرواد، ط1، (ليبيا، 2002).

8-      صدام مرير الجميلي، الاتحاد الاوربي ودوره في النظام العلمي الجديد، دار المنهل اللبناني، (بيروت، 2009).

9-      عاطف أبو سيف، الاتحاد الأوروبي في القرن الواحد والعشرين.. أوروبا والبحث عن دور، الأهلية للنشر والتوزيع، (الأردن، 2019).

10-    عبد الناصر جندلي، التنظير في العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية، دار الخلدونيـة، (الجزائر، 2007).

11-    عبد الوهاب محمد العمراني، الاتحاد الأوربي والعلاقة اليمنية الاوربية، دار الشروق للنشر والتوزيع،( عمان، 2011).

12-    علي العطار، العولمة والنظام العالمي الجديد، دار العلوم العربية، (بيروت، 2004)، ص100.

13-    محمد بوعشة، التكامل والتنازع في العلاقات الدولية الراهنة (دراسة في المفاهيم والنظريات)، دار الكتب الوطنية، (ليبيا،  1999).

14-    نك بتلر، “الاتحاد الاكمل في المستقبل”، مجلة السياسة الخارجية(النسخة العربية)، دار الوطن، (الكويت، شباط، 2003).

15-    هيبة غربي، تداعيات الانسحاب البريطاني على المسألة الامنية في الاتحاد الاوربي،  المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، (برلين2018).

ثانياً: الدوريات

1-      رامي حميد، “الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي”، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، المجلد (5)، العدد: (1)، المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، (الجزائر، 2018).

2-      د. سعد أبو عامود، “البناء المؤسسي للاتحاد الاوربي”، مجلة السياسة الدولية،  العدد: (142)، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (القاهرة، أكتوبر،2000).

3-      د. نسيمة طويل، “التكامل الدولي: دراسة  في المفاهيم والمقتربات النظرية”، مجلة الناقد للدراسات للسياسية، العدد: (3)، جامعة  محمد خيضر،( الجزائر، 2018).

ثالثاً: الرسائل و الاطاريح:

1-      رقية غربي، “السياسة الخارجية للاتحاد الاوربي بعد الحرب الباردة”، رسالة ماجستير (غير منشورة)”جامعة محمد خضير، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية،  (الجزائر، 2012).

2-      نازك محمد هلال،” التكامل في العلاقات الدولية  دراسة حالة العلاقات السودانية – الليبية”، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة الخرطوم، كلية الدراسات العليا، (الخرطوم، 2006).

رابعاً: الانترنيت

1-      د. سيبي فريهان، “هل يمكن ان يتفكك الاتحاد الاوربي فعلاً؟”، دراسة منشورة على موقع المنهل، بتاريخ: 6/2/2020 على الرابط                                 http://www.almanhal.com

2-      د. صفاء النعيمي، “9 أسباب وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي”، مقال منشور بتاريخ: 24-06-2016، على موقع: CNBC عربية الاخباري،

https://www.cnbcarabia.com/news/view/19590/9

خامساً: المصادر الاجنبية

1-      Barry Buzan and Ole Weaver, “Region and Power: The Security”, Cambridge Studies in International Relations, Cambridge  University, Press, (Cambridge,2003).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *