أ.د.حسين عبدعلي عيسى

كلية القانون / جامعة السليمانية

husseinissa@hotmail.com

009647702100958

الملخص

يتعلق البحث بدراسة أحد أهداف التنمية المستدامة الرئيسة الذي يرتبط بمسألة تمكين المرأة في المجتمع. وهو يبين دور القانون بصورة عامة، والقانون الجنائي بصورة خاصة في تحقيق ذلك.

ويركز البحث على إشكالية الحماية الجزائية للمرأة في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969. ويهدف إلى دراسة مدى كفاية الحماية القانونية التي يوفرها هذا القانون للمرأة من أجل ضمان حقوقها وحرياتها الأساسية، وبما يجسد مبدأ المساواة بين الجنسين، وتمكينها في المجتمع، وكذلك توضيح عدد من نواقصه بهذا الخصوص، وطرح التوصيات المناسبة لمعالجتها.

ويتوزع البحث على مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة. يوضح المطلب الأول جدلية العلاقة بين التنمية المستدامة والمرأة والقانون، ويكرس المطلب الثاني لاستعراض الحماية الجزائية للمرأة في ضوء قانون العقوبات العراقي لعام 1969، ويخصص المطلب الثالث لبيان الموقف من الحماية الجزائية للمرأة وتعزيزها.

وتوصل البحث إلى عدة استنتاجات، وأهمها: إن القانون يلعب دوراً فاعلاً في نطاق التنمية المستدامة بصفة عامة، وفي تمكين المرأة بصفة خاصة، ولاسيما في نطاق توفير الحماية الجزائية للمرأة. كما بيّن تحليل أحكام قانون العقوبات العراقي لعام 1969 أن الحماية الجزائية التي يوفرها للمرأة جاءت متفاوتة مقارنة بالرجل، بل وفي بعض الأحوال، جاءت بخلاف الغاية المبتغاة منها، كونها تنتهك حقوق المرأة، وتمس حرياتها، كما أن هذه الحماية يشوبها القصور.

وتضمن البحث عدداً من التوصيات المعنونة إلى المشرع العراقي، ومن أبرزها: أهمية إيلاء عناية أكبر لمسألة تعزيز تمكين المرأة في استراتجية التنمية المستدامة في العراق، وذلك من خلال إصدار القوانين الجديدة وتطوير القوانين النافذة ذات الصلة، التي تكفل حقوق المرأة وحرياتها المختلفة التي نص عليها دستور العراق لعام 2005، والعمل على مراجعة أحكام قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969، لاستبعاد ما يشوبه من سلبيات، وتطوير أحكامه المتعلقة بالحماية الجزائية للمرأة، صياغة ومضموناً، واستكمال أوجه الحماية الجزائية للمرأة فيه بتجريم الاعتداءات الجرمية التي لم ترد فيه، وضم ما جرمته القوانين العراقية الأخرى إليه، مع الأخذ بتجارب الدول الأخرى بهذا الخصوص.

الكلمات المفتاحية:

التنمية المستدامة، تمكين المرأةـ، الحماية الجزائية للمرأة، قانون العقوبات العراقي، تطوير قانون العقوبات.

Criminal protection for women and sustainable development

(A study in the Iraqi Penal Code of 1969)

Prof. Dr Hussein A. Issa

Collage of law, University of Sulaimani

husseinissa@hotmail.com

Abstract

The research studies one of the main sustainable development goals that are related to the issue of women’s empowerment in society. It shows the role of law in general, and criminal law in particular, in achieving this.

The research focuses on the problem of penal protection for women in the Iraqi Penal Code No. 111 of 1969. It aims to study the adequacy of the legal protection that this law provides to women to guarantee their fundamental rights and freedoms and embody the principle of gender equality and empower them in society, as well as explain some of its shortcomings in this regard and put forth appropriate recommendations to exclude them.

The research is divided into an introduction, three sections, and a conclusion. The first section explains the dialectic of the relationship between sustainable development, women and the law. The second section provides an overview of the criminal protection of women in light of the Iraqi Penal Code of 1969. The third section is devoted to the expression of views on the criminal protection of women and its strengthening.

The research reached several conclusions. The most important of them are: that the law plays an effective role in the field of sustainable development in general, and in empowering women in particular, especially in the framework of providing penal protection for women. Analysis of the norms of the Iraqi Criminal Code 1969 showed that the criminal protection it provides to women is unequal compared to men, and in some cases contradicts its intended purpose, since it violates the rights and freedoms of women, and this protection contains deficiency.

The research contains several recommendations addressed to the Iraqi legislator. The most prominent of which are: to pay more attention to the issue of promoting women’s empowerment in the sustainable development strategy in Iraq through the adoption of new laws and the development of relevant applicable laws guaranteeing the fundamental rights and freedoms of women in the Iraqi Constitution of 2005, and work to revise the norms of the Iraqi Criminal Code of 1969, eliminate its negative aspects and establish applicable norms for the criminal protection of women in terms of formulation and content, and complementing aspects of the criminal protection of women, by criminalizing criminal acts that are not mentioned in it, and adding what other Iraqi laws criminalize, taking into account the experience of other countries in this regard.

key-woords:

sustainable development, empowering women , penal protection for women, the Iraqi penal code, developing the penal cod.

المقدمة

هناك علاقة جدلية بين التنمية المستدامة والمرأة، فمن جهة يمكن أن تلعب المرأة دوراً بارزاً في عملية التنمية المستدامة، ومن جهة ثانية لا تتحقق التنمية المستدامة من دون مشاركة المرأة فيها، فالمرأة هي نصف المجتمع، ولها دورها في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ولا يمكن غض النظر عن هذا الدور المتميز، بدءاً من مكانتها في نطاق الأسرة وصولاً إلى تبوأها مختلف المواقع القيادية في أجهزة الدولة. ولذلك بات من غير المنطقي تحقيق التنمية المستدامة المنشودة من دونها، ومن ثم فأن مسألة تمكين المرأة، ولاسيما تحقيق مساواتها مع الرجل، تشكل في الوقت الراهن أحد أهدافها الأساس.

ويرتبط بهذه العلاقة الجدلية القائمة بين التنمية المستدامة وتمكين المرأة عنصر فاعل وبارز هو القانون الذي تنحصر الغاية منه في تنظيم الروابط القائمة بينهما، والمتعلقة بكل منهما، وكذلك توفير الحماية القانونية من الانتهاكات التي يمكن أن تمسهما. وفي هذا الإطار يكون للقانون الجنائي الدور الأبرز في ذلك، كونه يوفر الحماية الجزائية للمرأة، بوصفها (إنساناً) أولاً، ولكونها (إمرأة) ثانياً، وهذه الحماية من المقومات التي تشكل الأرضية اللازمة لتحقيق تمكين المرأة في المجتمع عامة وفي نطاق التنمية المستدامة خاصة.

مشكلة البحث:

إن تحليل أحكام قانون العقوبات العراقي لعام 1969 المتعلقة بالحماية الجزائية للمرأة يبيّن أن الحماية التي يوفرها هذا القانون جاءت متفاوتة مقارنة بالحماية المتعلقة بالرجل، بل وفي بعض الأحوال، جاءت بخلاف الغاية المبتغاة منها، كونها تشكل انتهاكاً لحقوق المرأة، ومساساً بحرياتها، كما أن هذه الحماية يشوبها القصور، مما يستدعي إعادة النظر فيها بما يحقق الحماية الجزائية المطلوبة والفعلية للمرأة، ويكفل حقوقها وحرياتها، ويعزز من دورها في التنمية المستدامة للمجتمع.

أهمية البحث:

تنبع أهمية البحث من أهمية الموضوع الذي يعالجه، إذ تشكل مسألة تمكين المرأة في المجتمع أحد أهداف التنمية المستدامة الرئيسة، ويلعب القانون دوراً فاعلاً في ذلك، لاسيما في نطاق توفير الحماية الجزائية للمرأة. ومن ثم فأن تحقيق هذه الحماية بصورة فعلية، من حيث وجودها وكفايتها أولاً، وتطويرها المتواصل بما يواكب تطورات العصر، والسياسة الجنائية ثانياً، لهما الأثر البالغ في تحقيق التنمية المستدامة بمشاركة المرأة بصورة فاعلة.

فضلاً عن هذا، يتصف البحث بأهميته النظرية والتطبيقية كونه يشتمل على تحليل أحكام قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969، وبيان عدد من ثغرات الحماية الجزائية للمرأة فيه، ويتضمن جملة من التوصيات المتعلقة بتطويره، ومن ثم فهو يشكل مساهمة في تطوير تمكين المرأة في المجتمع العراقي، وتفعيل دورها في التنمية المستدامة من خلال تعزيز حمايتها في القانون.

أهداف البحث:

تتمثل أبرز أهداف البحث فيما يأتي:

  1.  

مناهج البحث:

إقتضت أهداف البحث، من حيث الأساس، اعتماد المنهجين (الوصفي والتحليلي) في دراسة أحكام قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969، المتعلقة بالحماية الجزائية للمرأة، من خلال عرضها وتحليلها. كما استوجب الاستناد كذلك إلى المنهج المقارن، من خلال الإشارة إلى تجربة المشرع في القوانين العقابية للبلدان الأخرى في معالجة عدد من القضايا المرتبطة بموضوع البحث.

خطة البحث:

يتوزع موضوع البحث على مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة، يوضح المطلب الأول جدلية العلاقة بين التنمية المستدامة والمرأة والقانون، ويكرس المطلب الثاني لاستعراض الحماية الجزائية للمرأة في ضوء قانون العقوبات العراقي لعام 1969، ويخصص المطلب الثالث لبيان الموقف من الحماية الجزائية للمرأة وتطويرها. وتتضمن خاتمة البحث أبرز الاستنتاجات والتوصيات.

المطلب الأول

جدلية العلاقة بين التنمية المستدامة والمرأة والقانون

تعددت التعاريف الخاصة بالتنمية المستدامة الا أن أوسعها إنتشاراً هو تعريف اللجنة الدولية الخاصة بقضايا البيئة والتنمية التي أسستها منظمة الأمم المتحدة عام 1987 برئاسة رئيس وزراء النرويج آنذاك (هارلم بروندتلاند)، التي أوردت هذا المصطلح لأول مرة في تقريرها المعنون: (مستقبلنا المشترك)، وعرفت فيه التنمية المستدامة على أنها :”التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها” (World Commission, 1987, P.8,43).

وهناك من عرفها بأنها “السعي الدائم لتطوير نوعية الحياة الإنسانية مع الوضع في الاعتبار قدرات النظام البيئي” (فيانا، 1994)، في حين عرفتها منظمة الزراعة والأغذية العالمية (FAO) بأنها:”إدارة قاعدة الموارد وصونها وتوجيه عملية التغيير البيولوجي والمؤسسي على نحو يضمن إشباع الحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة بصفة مستمرة في كل القطاعات الاقتصادية، ولا تؤدي إلى تدهور البيئة وتتسم بالفنية والقبول” (وليم، 1990، ص 37).

وعلى أساس ما تقدم يمكن تعريفها بأنها “التنمية الشاملة القائمة على الاستخدام العقلاني للموارد الطبيعية، التي تراعي الإشباع المستدام للحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة، من دون الإضرار بالبيئة”.

لقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على عالمية حقوق الإنسان، وعلى أن محورها الرئيس هو المساواة بين جميع الناس، ومن ثم توالت العديد من الصكوك الدولية التي كفلت مختلف حقوق الإنسان، ومنها (إعلان الحق في التنمية)، الصادر عام 1986، الذي جعل من (الحق في التنمية) أحد حقوق الإنسان، وعرف (التنمية) بأنها “عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها”، وأكد على الترابط بين كل الجوانب المتعلقة بالتنمية، ووصفها بأنها جزء لا يتجزأ عن منظومة حقوق الإنسان (الإعلان، 1986).

وربط برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في فيينا عام 1993 بين حقوق الإنسان والتنمية، كما ربط بينهما وبين الديمقراطية، الأمر الذي أدى إلى ظهور مصطلح التنمية الإنسانية أو البشرية، ومن ثم أصبحت التنمية لا تعني نمواً اقتصادياً فحسب، بل وكذلك تنمية محورها الإنسان، الذي بات غايتها ووسيلتها في الوقت عينه. ومن ثم أمست التنمية غير ممكنة التحقيق من دون ضمان حريات الإنسان واستقلاليته في تحديد أساليب نشاطه الحياتي ومجالات هذا النشاط. مما يعني أن ضمان حقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق في ظل ظروف جامدة، كونها تتطور وتتنوع بتطور الحياة الاجتماعية وتوسع مناحي التنمية، فتطور حقوق الإنسان من جهة يهدد استقرار التنمية، في حين أن التنمية المستقرة هي وحدها، التي يمكن أن تمنح الحياة لحقوق الإنسان وحرياته، من جهة ثانية (إعلان وبرنامج عمل فيينا، 1993).

وبهذا الخصوص نصت المادة الثانية من (إعلان بشأن التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي) لعام 1969 على أن :”يؤسس التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي على احترام كرامة الشخص الإنساني وقيمته، ويجب أن يكفلا تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية”. ونصت الفقرة (ب) من هذه المادة على أن تحقيق ذلك يقتضي “الاعتراف بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإعمالها إعمالاً فعالاً، دون تمييز” (الإعلان، 1969).

وأكد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر في 29/6/2000 تحت عنوان (حقوق الإنسان والتنمية المستدامة. من أجل الحرية والتضامن) على أهمية حقوق الإنسان بالنسبة للتنمية في حياة المجتمع، ودعا المجتمع الدولي إلى العمل الحثيث من أجل تطبيق المواثيق الدولية الصادرة بهذا الصدد على أرض الواقع (التقرير، 2000).

وعلى أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 25 سبتمبر 2015 تحت عنوان (تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030) حُددت أهداف التنمية البشرية بـ (17) هدفاً، وغاياتها البالغة (169) غاية (القرار، 2015). وهي تمثل “برنامج عمل لأجل الناس وكوكب الأرض لأجل الازدهار، وتعزيز السلام العالمي، والقضاء على الفقر بجميع صوره وأبعاده”، كما يقصد بها “إعمال حقوق الإنسان الواجبة للجميع وتحقيق المساواة بين االجنسين وتمكين النساء والفتيات عامة”، وهي أهداف وغايات متكاملة غير قابلة للتجزئة تحقق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي (الديباجة).

وأعاد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2015 التأكيد على أهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وغيره من الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وعلى مسؤولة الدول كافة بحمايتها وتعزيزها “دونما تمييز من أي نوع على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل الاجتماعي، أو على أساس الملكية أو الميلاد أو الإعاقة، أو على أي أساس آخر” (التوصية 19).

وأشار القرار إلى أن تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة سيسهمان إسهاماً حاسماً في إحراز تقدم نحو تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة وغاياتها، فلا سبيل لتحقيق التنمية البشرية إذا ظل نصف البشرية محروماً من التمتع بكامل حقوق الإنسان والفرص الواجبة له، إذ يجب أن تتمتع النساء بالمساواة في فرص الحصول على التعليم الجيد والموارد الاقتصادية وفرص المشاركة السياسية، فضلاً عن المساواة مع الرجال في فرص العمل وتولي القيادة وصنع القرار على جميع المستويات (التوصية 20).

واعترافاً بدور المرأة على الصعيد العالمي وبأهمية مساهمتها في المجتمع وضرورة تفعيله من جهة، وبوجود نظام غير عادل يحول دون تحقيق ذلك من جهة ثانية، تصدرت قضايا المرأة برنامج عمل التنمية المستدامة للمرحلة (2016-2030)، إذ تناولها هذا البرنامج ضمن عشرة أهداف، خصص الهدف الخامس منها لتمكين المرأة وللمساواة بين الجنسين، وضمن تسعة أهداف أخرى، تناولت مختلف الجوانب التنموية والحياتية (برنامج عمل التنمية المستدامة، 2016-2030)، مما يشير إلى أن تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين يسهمان في تسريع التنمية المستدامة، كما أن وضع حد لأشكال التمييز ضد المرأة له الأثر في جميع مجالات التنمية الأخرى (التنمية المستدامة، 2018).

ونص هذا القرار في الهدف الخامس بضمن الأهداف الـ (17) للتنمية البشرية على (تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات)، مما يبرز أهمية ذلك على صعيد تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها المختلفة المترابطة. كما حدد القرار الآليات المتوجب اعتمادها في تجسيد هذا الهدف، وذلك من خلال: القضاء على جميع أشكال التمييز والعنف ضد جميع النساء والفتيات، وكذلك الممارسات الضارة، من قبيل زواج الصغار والزواج المبكر وتشويه الأعضاء التناسلية، والاعتراف بأعمال الرعاية والعمل المنزليين، وكفالة تكافؤ الفرص في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة للمجتمع، وضمان خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق الإنجابية، وتعزيز استخدام التكنولوجيا من أجل تمكين المرأة. وعلى الصعيد القانوني جرى التأكيد على “القيـام بإصــلاحات لتخويـل المــرأة حقوقـاً متســاوية في المـوارد الاقتصــادية، وكــذلك إمكانيـة حصـولها علـى حـق الملكيـة والتصـرف في الأراضـي وغيرهـا مـن الممتلكـات، وعلـى الخدمات المالية، والميراث والموارد الطبيعية، وفقاً للقوانين الوطنية، واعتمـاد سياسـات سـليمة وتشـريعات قابلـة للإنفـاذ وتعزيـز السياسـات والتشـريعات القائمـة مـن هـذا القبيـل للنـهوض بالمسـاواة بـين الجنسـين وتمكـين كـل النسـاء والفتيـات علـى جميع المستويات” (القرار، 2015، ص 27-28).

وارتباطاً بهذا أشار (التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020) إلى تحقيق البلدان العربية، وبضمنها جمهورية العراق، تقدماً ملموساً في توسيع نطاق حصول النساء على خدمات الرعاية الصحية والتعليم، كما تستمر المرأة في خوض آفاق جديدة في كثير من مجالات الحياة، غير أن القوانين والممارسات القانونية والأعراف الاجتماعية والثقافية بما تنطوي عليه من تمييز، وكذلك الحواجز الهيكيلية التي تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين لا تزال راسخة، ولا تزال المشاركة الاقتصادية للمرأة مـتأخرة، ولاسيما بين الشابات، ونتيجة لذلك تواجه المرأة في كثير من الأحيان قيوداً على استقلاليتها وتمتعها بحقوق الإنسان كافة، بما في ذلك الاضطلاع بدور فاعل في صنع القرار، في المنزل وفي المجال العام. وأكد التقرير على أن مشاركة المرأة في المجالين السياسي والاقتصادي عامل أساس لتحقيق الهدف الخامس وسائر أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 (التقرير العربي، ص 74).

وحدد التقرير أيضاً العوائق الرئيسة التي تواجه تحقيق هدف تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين (الهدف الخامس) في المنطقة العربية مشيراً إلى أنه :”رغم اختلاف الوضع بين البلدان، وبين الطبقات الاقتصادية والاجتماعية، وبين الفئات الاجتماعية لا تزال النساء يواجهن أشكالاً متنوعة من العقبات والقيود، كمحدودية التنقل والتمييز القانوني في قضايا الأحوال الشخصية، مثل الطلاق والحضانة، والفوارق بين الجنسين على مستوى الاقتصاد، والعبء الساحق للرعاية والعمل المنزلي، والمشاركة المحدودة في الحياة السياسية وصنع القرار، والتعرض للعنف، فضلاً عن قيود كثيرة أخرى. كما تتداخل القوانين والممارسات القانونية والأعراف الثقافية والاجتماعية التمييزية بدرجات متفاوتة. كما أن الصراعات والأزمات، إنسانية كانت أو اقتصادية ترسخ التمييز القائم لأن النساء أكثر عرضة لمخاطر الأزمات ويتحملن منها العبء الثقيل (التقرير العربي، ص 76).

وارتباطاً بما تقدم يعلب القانون، بنوعيه الدولي والوطني، دوراً بارزاً في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع، ففيما يتعلق بالقانون الدولي تحدد الصكوك الدولية المعايير الدولية الواجب اعتمادها في تحقيق ذلك، كما أنها تضع عادة على الدول الأطراف التزامات دولية يتوجب الإيفاء بها على صعيدي تدعيم المساواة بين الجنسين وتعزيز تمكين المرأة، فإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1991 تنظم حقوق المرأة، وتحدد عند الاقتضاء التدابير اللازمة لحمايتها، في حين تنظم إتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 حماية الأطفال، وبضمنهم الإناث، ويحظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، ومثله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، التمييز القائم على عدة أسس، وبضمنها الجنس، وهما يلزمان الدول الأطراف بضمان تحقيق المساواة بين الجنسين في نطاق التمتع بالحقوق المدرجة فيهما. كما حدد إعلان وبرنامج عمل بكين حقوق المرأة بوصفها من حقوق الإنسان (إعلان وبرنامج عمل بكين، 1995)، وكلاهما يستهدفان القضاء على أشكال عدم المساواة بين الجنسين كافة القائمة على أساس الجنس.

كما نصت إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1991 على عدد من الوسائل التي يمكن أن تتصدى الدول الأطراف من خلالها لمظاهر التمييز ضد المرأة، وعلى رأسها: إزالة الأحكام التمييزية من قوانينها، وسن التشريعات التي تحظر التمييز وتعاقب عليه، مع إلزام الدول الأطراف بسن القوانين أو إتخاذ التدابير المناسبة الأخرى لكفالة تنمية المرأة والنهوض بها بصورة كاملة كي تمارس حقوق الإنسان على أساس المساواة مع الرجل، وكذلك إتخاذ التدابير المناسبة لتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تعزز التمييز ضد المرأة (الإتفاقية، 1991، المواد 2، 3، 5).

إن هذه الصكوك الدولية وغيرها تنص على عديد من الحقوق بشأن المساواة بين الجنسين، وكذلك الحريات التي يتوجب أن تطبق على أساس مبدأ المساواة بصرف النظر عن مختلف الأسس، وبضمنها الجنس. وللمرأة الحق، وعلى قدم المساواة مع الرجل، في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا يجعل من هذه الصكوك الدولية أساساً قانونياً دولياً لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، الأمر الذي يستدعي من الدول الأطراف تعديل قوانينها الوطنية بما يتلاءم مع التزاماتها الدولية النابعة منها.

أما على صعيد القانون الوطني، فمن الملاحظ أن الدساتير توفر في الغالب إطاراً قانونياً أساسياً من شأنه تعزيز مكانة المرأة في المجتمع من خلال تضمنه عديداً من النصوص المتعلقة بحقوقها وحرياتها وضماناتها، فدستور جمهورية العراق لعام 2005 دعا في ديباجته إلى (الاهتمام بالمرأة وحقوقها)، ونص في مواده على المساواة بين العراقيين بناءً على عدة أسس، وبضمنها الجنس (المادة 14)، وكفل لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، وفي تكافؤ الفرص وفي الخصوصية (المواد 15-17)، ومنح المرأة حق التمتع بالجنسية العراقية، كما منح هذا الحق لأبنائها أيضاً، وعلى قدم المساواة مع أبناء الرجل (المادة 18)، ولها كذلك حق المشاركة في الحياة السياسية (المادة 20)، والحق في العمل (المادة 22)، والحق في التملك (المادة 23/ أ). كما كفل الدستور حقوق المرأة في نطاق الأسرة، ولاسيما ما يتعلق بالأمومة، ودعا إلى رعايتها في مرحلتي العجز والشيخوخة، وحظر ممارسة كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع (المادة 29)، ونص على الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين كافة ومقومات العيش الكريم، وبخاصة للطفل والمرأة (المادة 30)، وكذلك ضمن لها: الحق في الرعاية الصحية (المادة 31)، والحق في بيئة سليمة (المادة 32)، والحق في التعليم المجاني (المادة 33)، والحق في الرياضة (المادة 34). كما نص على أن حرية الإنسان وكرامته مصونة، وعلى عدم التعرض للتوقيف أو التحقيق الا بناء على قرار قضائي، وعلى حظر جميع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة غير الإنسانية، وكفالة الحماية من الإكراه الفكري والسياسي والديني، وحظر الاتجار بالنساء والأطفال، والاتجار بالجنس (المادة 37)، وحرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي (المادة 38)، وحرية تأسيس الجمعيات والأحزاب والانضمام إليها وحظر الإجبار على ذلك (المادة 39)، وحرية الإتصالات والمراسلات على اختلافها (المادة 40)، فضلاً عن حرية الفكر والضمير والعقيدة (المادة 42).

و يلاحظ أن الدستور العراقي لعام 2005 كفل نوعين من الحقوق والحريات للمرأة، النوع الأول أدرج في نطاق الحماية الدستورية العامة للمركز القانوني للمواطنين، والنوع الثاني تضمنته الحماية الدستورية الخاصة، التي إختص بها المرأة بصفة خاصة، مما يشير إلى عنايته بتوفير هذه الحماية للمرأة تحديداً. واستكمالاً للضمانات الدستورية المتقدمة، نصت المادة (13 / ثانياً) من الدستور على عدم جواز سن أي قانون يتعارض مع أحكامه، ففي هذا النص الدستوري ضمانة أخرى للحقوق والحريات التي يتمتع بها المواطنون العراقيون بصفة عامة، والمرأة بصفة خاصة.

فضلاً عن هذا يمكن أن تسهم القوانين الوطنية على اختلافها في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع، ومنها على وجه الخصوص: قوانين الأحوال الشخصية، والعمل، والعقوبات، والمدني، والصحة، وغيرها. الا أن جلّ هذه القوانين تتطلب مراجعة من طرف المشرع الوطني، وربما تحديثاً، كونها لم تعد تواكب التطورات الاجتماعية الطارئة، وبشكل متسارع، في العقود الأخيرة، ولاسيما المتعلقة منها بتنامي دور المرأة في المجتمع، مما يجعلها معيقاً لتمكين المرأة في نطاق التنمية المستدامة، كما أنها قد لا تتوافق مع مبادئ الصكوك الدولية بهذا الخصوص، ومن ثم مع الالتزامات الدولية النابعة منها. إضافة إلى أن الواقع الدولي المعاصر، وما يطرحه من برامج عالمية، سواءً في مجال التنمية المستدامة، أم فيما يتعلق بتجسيد أهدافها المختلفة، يفترضان العمل على سن قوانين جديدة من أجل توفير حماية قانونية للمرأة في الجوانب المعاصرة، التي لا تنظمها في الغالب القوانين القديمة، أو لتعزيز الحماية القانونية الواردة في القوانين النافذة.

المطلب الثاني

الحماية الجزائية للمرأة في قانون العقوبات العراقي لعام 1969

تُعرف الحماية القانونية بأنها “منع الأشخاص من الاعتداء على حقوق بعضهم البعض بموجب أحكام قواعد قانونية” (سرور، 1972، ص18). أما الحماية الجزائية، التي تعد إحدى صورها، فهي تعني “إضفاء الحماية التشريعية للمصالح التي يتوخاها الشارع ويعبر عنها بالجزاء الجنائي أو العقوبة” (السعدوني، 2017، ص 24، حافظ، 1998، ص 111)، كما تعرف بأنها “إحتياط يرتكز على وقاية شخص أو مال ضد المخاطر، وضمان سلامته، وذلك بواسطة وسائل قانونية أو مادية، وهذا الإحتياط يتوافق مع من يحميه أو ما يحميه” (العادلي، 2003، ص 6).

وتعد الحماية الجزائية، فضلاً عن كونها إحدى صور الحماية القانونية، أهم هذه الصور وأخطرها تأثيراً في كيان الإنسان، ووسيلة ذلك القانون الجنائي الذي تنفرد قواعده ونصوصه تارة بتحقيق تلك الحماية، وقد يشترك معها في ذلك فرع آخر من فروع القانون تارة أخرى (إبراهيم، 2012، ص 19). كما وتتصف الحماية الجزائية بكونها الأكثر فاعلية في نطاق وسائل الحماية لأن ذلك يرتبط بأن القانون الجنائي يمثل أداة المجتمع الرادعة وأكثرها فاعلية في توفير الحماية (السليني، 2011-2012، ص 1).

وتجسيدأ لذلك وفر قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 الحماية القانونية للمرأة في نطاق الحماية الجزائية العامة، من خلال العقاب عن الجرائم الواقعة عليها بوصفها محلاً للحماية القانونية التي يشمل بها أفراد المجتمع بصورة عامة. كما أنه فضلاً عن ذلك كفل الحماية الجزائية الخاصة للمرأة على وجه الخصوص في عدد من أحكامه، التي سنستعرضها استناداً إلى تتابعها فيه، وعلى الوجه الآتي:

أولاً: كفل القانون في نطاق (الجرائم التي تمس الأسرة) في المواد (376-380) منه الحماية الجزائية للمرأة من خلال العقاب عن نوعين من الجرائم هما: إبرام عقد زواج باطل، وزنا الزوجية، إذ عاقبت المادة (376) منه عن “عقد زواج مع العلم ببطلانه لأي سبب من الأسباب، شرعاً أو قانوناً، وكذلك من تولى إجراء هذا العقد مع العلم بسبب بطلان الزواج”، كما شددت هذه المادة عقوبة الزوج الذي قام سبب البطلان في حقه وأخفاه على الزوجة أو دخل بها بناءً على العقد الباطل. وكرست المادة (377) من القانون لعقاب الزوجة الزانية ومن زنا بها، مع اشتراط علمه بقيام الزوجية (الفقرة 1)، وعاقبت المادة نفسها، في فقرتها الثانية الزوج عن الجريمة نفسها مع اشتراط ارتكابها في منزل الزوجية.

وإختصت المادة (378) من القانون ببيان شروط تحريك الدعوى الجزائية في هذه الجريمة، إذ لا تحرك الدعوى فيها الا بناءً على شكوى من الزوج الآخر، في حين لا تقبل الشكوى فيها بعد انقضاء ثلاثة أشهر على إتصال علم الشاكي بالجريمة، أو رضاه باستئناف الحياة الزوجية على الرغم من إتصال علمه بالجريمة، أو إذا ثبت أن الزنا تم برضاه (الفقرة 1). كما بيّنت الفقرة الثانية من هذه المادة مفهوم (الزوج)، وهي الصفة التي يتوجب أن يتمتع بها الشاكي وقت ارتكاب الجريمة، ولو زالت عنه بعد ذلك، وقضت بالتمتع بالحق في تحريك دعوى الزنا ضد زوجته إلى انتهاء أربعة أشهر من طلاقها.

وكُرست المادة (379) من القانون لتوضيح دواعي إنقضاء دعوى الزنا وإسقاط الحق المدني بربطهما بـ (وفاة الزوج الشاكي أو تنازله عن محاكمة الزوج الزاني أو رضاه بالعودة إلى معاشرته) على أن يكون ذلك قبل صدور حكم نهائي في الدعوى. كما ويعد التنازل عن محاكمة الزوجة الزانية تنازلاً في الوقت عينه عن محاكمة من زنا بها (الفقرة 1)، كما وأجازت فقرتها الثانية للزوج أن يمنع السير في تنفيذ الحكم الصادر على زوجه. وفي حالة وفاة الشاكي يجوز لكل من أولاده من الزوج المشكو أو الوصي عليهم أن يمنع السير في تنفيذ الحكم.

ونصت المادة (380) من القانون على عقاب كل زوج حرض زوجته على الزنا، فزنت بناءَ على هذا التحريض. وتشكل هذه المادة العقابية إحدى الضمانات القانونية لحماية المرأة المتزوجة من الاستغلال الجنسي الذي يمكن أن تتعرض له من طرف زوجها.

وفضلاً عن الملاحظات التي سترد لاحقاً بخصوص هذه المواد العقابية، فأن مما لا يحسب للمشرع العراقي أنه أدرج في نطاقها عدداً من القواعد الإجرائية الجزائية، التي كان من الأصوب أن يكون محلها قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لعام 1971، وهو ما يلاحظ أيضاً في عدد آخر من مواد قانون العقوبات، وبضمنها المواد الخاصة بالحماية الجزائية للمرأة. (عيسى، 2005).

ثانياً: تضمنت (الجرائم المتعلقة بالبنوة ورعاية القاصر وتعريض الأطفال والعجزة للخطر وهجر العائلة) المدرجة في المواد (381-385) من القانون جريمتين بخصوص الحماية الجزائية للمرأة، إحداهما تتعلق بالامتناع عن أداء النفقة للزوج وفق ما يقرره القانون، مع القدرة على ذلك خلال الشهر التالي لإخباره بالتنفيذ (المادة 384). كما نصت المادة نفسها على عدم تحريك الدعوى الا بناءً على شكوى من صاحب الشأن (الزوج) أو الإدعاء العام، وعلى انقضاء الدعوى بتنازل الشاكي عنها أو بأداء المشكو ما تجمد بذمته، وفي حالة حصول التنازل أو الأداء بعد صدور الحكم في الدعوى يوقف تنفيذ العقوبة. وهذه القواعد الإجرائية الجزائية تسجل عليها الملاحظة السابقة عينها بخصوص أنها لا تدخل في نطاق وظيفة قانون العقوبات المعني بالتجريم والعقاب لا غير، فقانون العقوبات هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم حق الدولة في العقاب على الأفعال التي تنال من المصالح الجوهرية الجديرة بالحماية القانونية، وهي قواعد معينة وضِعت لسلوك الأفراد، بحيث يترتب على أي مخالفة لهذه القواعد جزاءً قانونياً، يتمثل في العقوبة. ولذلك يتضمن قانون العقوبات القواعد التي تأمر وتنهي، والأثر القانوني المترتب على مخالفة هذه القواعد. بمعنى أن قانون العقوبات يتضمن الأفعال التي تعدّ جرائم، وكذلك العقوبات المقررة لها كأثر قانوني لارتكاب هذه الجرائم. ويعدّ كل من هذين الشقين مكملاً للآخر، فلا جريمة بلا عقوبة، ولاعقوبة بغير جريمة (حسني، 1989، ص 2 ، سرور، 1981، ص 95).

أما الجريمة الثانية في نطاق الجرائم المدروسة فهي مواقعة المحارم أو اللواط بهم، وقد إختص بها المشرع المرأة على وجه الخصوص، فعلى وفق المادة (385) من القانون يعاقب كل من واقع إحدى محارمه أو لاط بها، واشترط القانون أن يكون ذلك برضاها وبإتمامها الثامنة عشرة من عمرها. كما عدّ القانون حمل المجنى عليها أو إزالة بكارتها أو إصابتها بمرض تناسلي نتيجة الفعل أو إذا كان الجاني من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن له سلطة عليها ظرفاً مشدداً للمسؤولية الجزائية. كما قضت هذه المادة (مع تحفظنا مجدداً على إدراج هذا النص الإجرائي الجزائي في قانون العقوبات) بعدم جواز تحريك الدعوى الجزائية أو إتخاذ أي إجراء فيه الا بناءً على شكوى من المجنى عليها نفسها، أو من أصولها أو فروعها أو إخوتها او أخواتها.

ثالثاً: ما يحسب للمشرع العراقي أنه في نطاق (الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة) التي عاقب عنها قانون العقوبات في المواد (393-404) أولى عناية خاصة وكبيرة للحماية الجزائية للمرأة، فعلى وفق المادة (393) من قانون العقوبات عاقب عن جريمتي اغتصاب أنثى أو اللواط بها (الفقرة 1)، كما وشدد المسؤولية الجزائية عنهما في حالة عدم بلوغ المجنى عليها ثماني عشرة سنة كاملة، أو إذا كان الجاني من أقارب المجنى عليها إلى الدرجة الثالثة أو كان من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن له سلطة عليها أو كان خادماً عندها أو عند أحد ممن ذكروا، أو كان من الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة أو من رجال الدين أو الأطباء واستغل مركزه أو مهنته أو الثقة به، أو إذا ساهم في الجريمة شخصان أو أكثر تعاونوا في التغلب على مقاومة المجنى عليها أو تعاقبوا على ارتكاب الفعل، أو إذا أصيبت المجنى عليها بمرض تناسلي أو حملت أو زالت بكارتها نتيجة الفعل (الفقرة 2)، أو إذا أفضى الفعل إلى موت المجنى عليها (الفقرة 3).

الا أن مما لا يحسب للمشرع العراقي عقابه في المادة (393) من القانون، عن جريمتين مختلفتين في مادة عقابية واحدة، هما (الاغتصاب واللواط)، مما يجعله عرضة للانتقاد عن ذلك (محمود، 2019، ص 74)..

كما عاقبت المادة (394) من القانون عن مواقعة أنثى في غير حالة الزواج أو اللواط بها برضاها، إذا كان من وقعت عليها الجريمة قد أتمت الخامسة عشرة من عمرها ولم تتم الثامنة عشرة سنة. وتشدد العقوبة إذا كانت المجنى عليها دون الخامسة عشرة سنة كاملة من العمر، مع تشديد العقوبة كذلك في حالة توافر الظروف المشددة الواردة في الفقرة (2) من المادة (393) من القانون.

وقضت المادة (396) من القانون بالعقاب عن الاعتداء بالقوة أو التهديد أو بالحيلة أو بأي وجه آخر من أوجه عدم الرضا على عرض شخص، ذكراً أو أنثى، أو الشروع في ذلك (الفقرة 1)، ونصت الفقرة الثانية منها بتشديد العقاب إذا كان المجنى عليه لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة أو كان الجاني ممن ورد ذكره في الفقرة (2) من المادة (393) من القانون. ومما يحسب للمشرع العراقي فيما يتعلق بهذه المادة العقابية توضيحه فيها لصور (عدم الرضا) ، وهو ما أغفله في المادة (393) من القانون التي سبقتها، الا أن مما لا يحسب له أن الاعتداء على عرض شخص (ذكر) في هذه المادة قد يكون تكراراً للعقاب عن جريمة اللواط، التي ورد ذكرها في المادة (393) من القانون، كونها تعد مصطلحاً مرادفاً لجريمة هتك العرض (نجم، 1999، ص 188)، أو تشكل على الأقل أبرز جرائم الاعتداء على العرض.

وعاقبت المادة (397) من القانون عن الجريمة ذاتها في حالة الاعتداء بغير قوة أو تهديد أو حيلة على عرض أنثى لم تتم الثامنة عشرة من عمرها، مع تشديد العقاب أيضاً في حالة كون الجاني أحد مما ذكرته الفقرة (2) من المادة (393) من القانون. الا أن الملاحظ أن الأساليب التي يلجأ إليها الجاني تشير إلى تحقق الرضاء من طرف المجنى عليها بالفعل الجنسي المرتكب معه، ولكن عدم بلوغها بعد سن الثامنة عشرة من عمرها هو ما يستوجب عقاب الجاني، ذلك أن رضاء المجنى عليها، التي لم تتم الثامنة عشرة من عمرها، لا يعتد به في هذه الحالة (محمود، مصدر سابق، ص 71)، ومن ثم فأن هذا لربما يكرر ما ورد في المادة (393) فقرة (2-أ) من القانون الخاصة باللواط بأنثى لم تبلغ بعد سن الثامنة عشرة من دون رضاها.

وعاقبت المادة (399) من القانون عن جريمة (التحريض على الفسق والفجور) كل من حرض ذكراً أو أنثى لم يبلغا ثمانية عشرة سنة كاملة على الفجور أو إتخاذ الفسق حرفة أو سهل لهما سبيل ذلك. وشددت المادة العقابية نفسها العقاب إذا كان الجاني ممن ورد ذكرهم في الفقرة (2/ ب) من المادة (393) من القانون، أو كان الفعل بقصد الربح أو تقاضي أجر عليه.

وهذا النص كان يتوجب أن ينقل إلى قانون مكافحة البغاء العراقي رقم (8) لعام 1988، أو على العكس من ذلك، نقل المواد العقابية الواردة في هذا القانون الخاص إلى قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969، وهو ما نؤيده.

وقضت المادة (400) من القانون بالعقاب عن (الفعل الفاضح المخل بالحياء)إذا ارتكب الجاني مع ذكر أو أنثى فعلاً مخلاً بالحياء بغير رضاه أو رضاها، كما وشددت المادة (401) من القانون المسؤولية الجزائية عن الجريمة نفسها في حالة إتيان الفعل المخل بالحياء علانية.

وعاقبت المادة (402) من القانون من طلب أمور مخالفة للآداب من آخر، ذكراً كان أو أنثى، أو تعرض لأنثى في محل عام بأقوال أو أفعال أو إشارات على وجه يخدش حياءها (الفقرة 1). وشدد القانون المسؤولية الجزائية للجاني في حالة العود إلى ارتكاب نفس نوع الجريمة خلال سنة من تأريخ الحكم عليه (الفقرة2).

ومما يحسب للمشرع العراقي في عقابه عن الجرائم المتعلقة بالتحريض على الفسق والفجور وكذلك الفعل الفاضح المخل بالحياء أنه، فضلاً عن تصديه للاعتداءات التي تشكل انتهاكاً للآداب وقواعد الأخلاق، فأنه في الوقت نفسه أولى عناية خاصة بالمرأة من خلال النص على أن المجنى عليه في هذه الجرائم يمكن أن يكون ذكراً أو أنثى على حد سواء.

رابعاً: إختص المشرع العراقي في (الجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه) في المواد (405-420) من القانون المرأة بالحماية الجزائية، وأن لم ينص على ذلك بنص صريح، ففي الفقرة (1/ د) من المادة (406) من القانون شدد المسؤولية الجزائية عن جريمة القتل العمدي في حالة وقوعها على (أصول القاتل)، ومفهوم (الأصول) في هذا النص العقابي ينطبق على أصول الجاني الذكور والإناث على حد سواء. كما يمكن أن يتحقق التشديد، جنباً إلى جنب هذا الظرف المشدد، في حالة توافر ظرف أو أكثر من الظروف المشددة الأخرى الواردة في المادة نفسها.

وبخلاف المادة (406) من القانون التي عاقبت عن القتل العمدي المشدد، عاقبت المادة (407) منه عن القتل العمد المخفف، وإختصت بالتخفيف عن جريمة القتل العمدي (المرأة) على وجه التحديد، إذ عاقبت (الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة إتقاءً للعار إذا كانت قد حملت به سفاحاً)، وذلك مراعاة لوضعها الاجتماعي وحالتها النفسية، فضلاً عما يرتب على ارتكابها لهذه الجريمة من آثار لاحقة عليها على صعيد المستقبل.

خامساً: من ضمن الجرائم التي عاقب عليها القانون في نطاق جرائم (الضرب المفضي إلى الموت والقتل الخطأ) في المواد (410-411)، وجرائم (الجرح والإيذاء العمد) في المواد (412-416)، عاقبت المادة (410) منه عن جريمة (الضرب المفضي إلى الموت)، التي تتحقق بالاعتداء عمداً على آخر بالضرب أو بالجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون، ولم يقصد من ذلك قتله، ولكنه أفضى إلى موته. وقضت هذه المادة بتشديد عقوبة الجاني في حالة توافر أحد الظروف المشددة المدرجة في المادة (406) من القانون، التي سبقت الإشارة إليها آنفاً، وهذا ما ينطبق على (أصول الجاني)، مع إمكانية التزام التشديد أكثر في حالة إقتران هذا الظرف بظروف مشددة أخرى.

وعاقبت المادة (412) من القانون عن الاعتداء العمدي نفسه إذا كان بقصد إحداث عاهة مستديمة للمجنى عليه (الفقرة 1)، في حين خففت فقرتها الثانية العقاب إذا نشأت هذه العاهة دون أن يقصد الجاني إحداثها. كما عاقبت المادة (413) من القانون عن الاعتداء العمدي ذاته إذا تسبب في أذى أو مرض (الفقرة 1)، وشُددت العقوبة في حالة كسر عظم، أو أذى أو مرض أعجز المجنى عليه من القيام بأشغاله المعتادة مدة لا تزيد على عشرين يوماً (الفقرة 2)، وحددت عقوبة أشد في حالة إحداث الإيذاء باستعمال سلاح ناري أو آلة معدة لغرض الإيذاء أو مادة محرقة أو آكلة أو ضارة (الفقرة 3).

وقضت المادة (414) من القانون بتشديد العقاب عن الجريمتين في المادتين (412) و (413) منه في حالة توافر عدد من الظروف المشددة، ومنها كون المجنى عليه من (أصول الجاني)، ما ينطبق أيضاً على الأصول الإناث، مع إمكانية إقتران هذا الظرف المشدد بالظروف المشددة الأخرى المدرجة إلى جانبه في المادة العقابية نفسها.

سادساً: في نطاق جرائم (الإجهاض) في المواد (417-419) من القانون عاقبت المادة (418) منه عن إجهاض المرأة عمداً بدون رضاها (الفقرة 1)، وشددت العقوبة في حالة إفضاء الإجهاض أو الوسيلة المستعملة في إحداثه ، ولو لم يتم الإجهاض، إلى موت المجنى عليها (الفقرة 2). وإذا كان الجاني طبيباً أو صيدلياً أو كيميائياً أو قابلة أو أحد معاونيهم عدّ ذلك ظرفاً مشدداً (الفقرة 3).

وعاقبت المادة (419) من القانون عن الاعتداء على إمرأة حبلى مع علم الجاني بحملها بالضرب أو بالجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون دون أن يقصد إجهاضها، وتسبب ذلك في إجهاضها.

سابعاً: في نطاق جرائم (القبض على الأشخاص وخطفهم وحجزهم) في المواد (421-427) من القانون يعاقب في المادة (422) منه من خطف بنفسه أو بواسطة غيره بغير إكراه أو حيلة شخصاً آخر، ونصت هذه المادة العقابية على تحديد عقوبة أشد في حالة كون المجنى عليه (أنثى). واعتمد المشرع العراقي الصياغة التشريعية ذاتها في تشديده العقوبة على وفق المادة العقابية نفسها في حالة ارتكاب الفعل بطريق الإكراه أو الحيلة أو عند توافر الظروف المشددة الواردة في المادة (421) من القانون، التي تتمثل في (حصول الفعل من شخص تزيا بدون حق بزي مستخدمي الحكومة أو حمل علامة رسمية مميزة لهم أو إتصف بصفة عامة كاذبة أو أبرز أمراً مزوراً بالقبض أو الحجز أو الحبس مدعياً صدوره من سلطة مختصة، أو إذا صحب الفعل تهديد بالقتل أو تعذيب بدني أو نفسي، أو إذا وقع الفعل من شخصين أو أكثر أو من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً، أو إذا زادت مدة القبض أو الحجز أو الحرمان من الحرية على خمسة عشر يوماً، أو إذا كان الغرض من الفعل الكسب أو الاعتداء على عرض المجنى عليه أو الانتقام منه أو من غيره، أو إذا وقع الفعل على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأدية وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك).

وعاقبت المادة (423) من القانون من خطف بنفسه أو بواسطة غيره بطريق الإكراه أو الحيلة أنثى أتمت الثامنة عشرة من العمر، وشددت هذه المادة العقابية العقوبة إذا صحب الخطف وقاع المجنى عليها أو الشروع فيه.

كما شددت المسؤولية الجزائية في حالتي إفضاء الإكراه المبين في المادتين (422) و (423) من القانون، أو التعذيب المبين في المادة (421) منه إلى موت المجنى عليها. وعاقبت المادة (425) من القانون كل من أعار محلاً للحبس أو الحجز غير الجائزين قانوناً مع علمه بذلك.

وبهذا الخصوص يلاحظ أن المادتين (426) فقرة (2)، و (427) من القانون تضمنتا عدداً من القواعد ذات الطبيعة الإجرائية الجزائية التي نوصي بنقلها إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لعام 1971.

وخلاصة يتبين أن المشرع العراقي أولى المرأة في أحكام قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 حماية جزائية خاصة، فضلاً عن شمولها استناداً إلى مبدأ المساواة بين الجنسين بالحماية الجزائية العامة، وهذا يؤكد حرصه على ضمان حقوق المرأة وحرياتها التي كفلها دستور جمهورية العراق لعام 2005.

المطلب الثالث

الموقف من الحماية الجزائية للمرأة وتعزيزها

يعدّ العراق من أوائل الدول التي إنضمت إلى منظمة الأمم المتحدة، التي أكد ميثاقها في المادة الأولى منه على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، وضمان ذلك من دون أي تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، وأكد على كرامة الفرد والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق (الميثاق، 1945). كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادتين الأولى والثانية على عدم التمييز، وعلى أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة فيه دون أي تمييز، بما في ذلك، التمييز القائم على أساس الجنس، كما أكدت المادة السابعة منه على أن الناس سواء أمام القانون، ويتمتعون بحماية القانون دون أي تمييز (الإعلان، 1948).

وألزمت الفقرة (ي) من المادة الثانية من إتفاقية الأمم المتحدة لعام 1979 الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الدول الأطراف فيها بأن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، ومن ذلك إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية وتشريعاتها، وكفالة تحقيقه عملياً من خلال التشريع والوسائل المناسبة الأخرى، وبضمنها خاصة (إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة) (الإتفاقية، 1979).

وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعين عاماً على إقرار هذه الإتفاقية (18/12/1979)، الا أن الملاحظ أن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 لم تطرأ عليه التعديلات اللازمة الكفيلة بتجسيد مبدأ المساواة بين الجنسين بصورة كاملة، بل فضلاً عن ذلك يوجد عدد من النصوص العقابية التي تمثل تفاوتاً على أساس الجنس في المساءلة الجزائية عن جرائم، ومنها ما يتعلق بجريمة الزنا في المواد (377-379)، أو إعفاء الرجل الجاني من المسؤولية الجزائية أو تخفيفها في جرائم الاغتصاب والخطف في حالات الزواج من المجنى عليها في المواد (393، 398، 423، 427).

وإلى جانب ذلك مازال قانون العقوبات العراقي لعام 1969 يحتوي على نصوص تكرس مبدأ التمييز بين الجنسين، ومن ذلك بصورة خاصة المادة (41) منه التي نصت في فقرتها الأولى على (تأديب الزوج زوجته)، بوصفه لا يعد جريمة، وبجعله من (أسباب الإباحة) وكونه استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون.

وارتباطاً بهذه المسألة يلاحظ أن القانون نفسه يعاقب عن جرائم الضرب العمد بكل صرامة وعن مختلف صوره، بما في ذلك الإيذاء الذي لا يترك أثراً بجسم المجنى عليه (المادة 415)، كما يشدد المسؤولية الجزائية عنه في بعض الحالات، ومن ذلك في حالة ارتكابه تجاه الأصول (المادة 414)، هذا علماً أن المادة الأولى من إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993 قد عدّت ذلك عنفاً أسرياً، إذ عرفته بأنه “أي عمل من أعمال العنف القائم على نوع الجنس يترتب عليه أو من المحتمل أن يترتب عليه أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة المرأة، بما في ذلك التهديد بأعمال من هذا القبيل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواءً حدث في الحياة العامة أو الخاصة”. وحددت المادة الثانية في فقرتها (1-أ) من الإعلان صور ذلك بأنها “أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث في نطاق الأسرة، بما في ذلك الضرب واغتصاب الزوجة والإهانة” (الإعلان، 1993).

ومن الملاحظ أبضاً أن المادة (41) من قانون العقوبات العراقي لعام 1969 قد نصت على تأديب الزوجة، وكذلك الأطفال الصغار، الا أن (الحق) في تأديب الصغار ينتهي ببلوغهم سن الرشد، في حين يستمر التأديب بالنسبة للمرأة مدى الحياة، وبصرف النظر عن موقعها الأسري والاجتماعي!

كما يكرس قانون العقوبات العراقي لعام 1969 في المادة (409) منه مبدأ التمييز بين الجنسين، كونها تتعلق بصورة أخرى، وأشد، من (تأديب) الزوجة، والتي تتمثل في (قتلها)، مع شريكها في حالة تلبسها بالزنا، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، أو في الاعتداء عليهما أو على أحدهما (كقاعدة الزوجة) اعتداءً يفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة. وفي مثل هذه الحالة يعاقب قانون العقوبات عن هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات (علماً أن الحد الأدنى لهذه العقوبة هو ثلاثة أشهر!). كما أن (التأديب) المذكور في هذه الحالة يشمل القريبات المحرمات للجاني أيضاً، بل ومنح هذا الحق (حق اقتراف هذه الجريمة) لأي من محارم المجنى عليها أيضاً.

الجدير بالذكر، إن عقوبة قتل شخص واحد على وفق القانون نفسه هي الحبس المؤقت أو المؤبد أو الإعدام (المادتان 405، 406)، أما عقوبة قتل شخصين فعقوبتها مطلقة، وتتمثل في الإعدام، وتنحصر عقوبة الاعتداء المفضي إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة في السجن مدة لا تزيد على خمسة عشرة سنة (المادتان 410، 412).

لذلك ففي حالة قتل الزوجة لزوجها مع شريكته في الزنا يتوجب على المحكمة تطبيق عقوبة الإعدام لقتل شخصين على وفق المادة (406) من قانون العقوبات نفسه! وحتى في حالة توافر ظرف مخفف للمسؤولية الجزائية، فأن هذه العقوبة يمكن أن تستبدل بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت أو الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة (المادة 130).

إن هذه النصوص تتعارض مع إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، ولاسيما المادة الثانية، الفقرة (ي)، التي دعت الدول الأطراف فيها إلى إلغاء جميع الأحكام الجزائية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

فضلاً عن ذلك، إن هذه النصوص تتعارض مع أحكام دستور جمهورية العراق لعام 2005، الذي نص في المادة الثانية (أولاً-ج) على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فيه، وهي تتعارض مع المادة (14) من الدستور التي نصت على أن (العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي)، وكذلك مع المادة (29) رابعاً منه التي أكدت على منع كافة أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة!

وفضلاً عن عدم كفالة قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 لمبدأ المساواة بين الجنسين في نطاق الحماية الجنائية للأشخاص، فأن المشرع العراقي لا يعمل من خلال أحكامه على توفير الحماية الجزائية المتطلبة للمرأة فيما يتعلق بعدد من الجرائم التي ترتكب تجاهها، ومن ذلك ما يأتي:

أولاً: العنف الأسري: تعد هذه الجريمة واحدة من الجرائم الواسعة الانتشار التي ترتكب ضد المرأة على صعيد المجتمع العراقي، فالمرأة العراقية تتعرض إلى مختلف أشكال العنف، البدني والمعنوي والجنسي في نطاق الأسرة، مما يجعل الجاني بمنأى عن العقاب لأسباب اجتماعية وأسرية وشخصية، كما أن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 جعل من العنف الممارس ضدها كما سبق ذكره من أسباب الإباحة، وبحجة التأديب، سواءً أتعلق بالزوجة أم الأطفال الصغار (المادة 41). الا أن ممارسة العنف ضد المرأة عامة يمكن أن تطال غيرها من الأناث في نطاق الأسرة، مثل، البنات، أو الأخوات أو الأمهات أو الجدات، أو غيرهن، كما أن العنف يمكن أن يتحقق من طرف الرجال والنساء على حد سواء في نطاق الأسرة، الأمر الذي يستدعي توفير الحماية الجنائية للنساء، وللضحايا الآخرين، أي النساء والرجال على حد سواء، كما أن قانون العقوبات يفترض أن يوفر الحماية الجزائية لجميع أفراد الأسرة استناداً إلى مبدأ المساواة، مع أهمية توفيرها للمرأة خاصة، في ظل ما تعانيه من تنوع أشكال العنف الممارس إزاءها حصراً.

وقد فعل المشرع في إقليم كردستان- العراق حسناً بإصداره قانون مناهضة العنف الأسري رقم (132) لعام 2011، وذلك من أجل حماية الأسرة وأفرادها داخل الإطار الأسري وكذلك بسبب استشراء مظاهر العنف الموجه ضد المرأة والأسرة وآثاره السلبية على المجتمع والأسرة والنظام العام وعلى تطور وتنمية المجتمع وبغية الحد من هذه المظاهر. وعلى الرغم من ايجابية خطوة المشرع الكوردستاني في إصداره لهذا القانون بوصفه قانوناً خاصاً يستهدف حماية أفراد الأسرة داخل إطار الأسرة ذاتها، ولكونه جاء متماشياً مع الإتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، كما ونص على العقاب عن العديد من الجرائم الواقعة على المرأة، التي حدد أبرزها في: الإكراه في الزواج، زواج الشغار وتزويج الصغير، التزويج بدلاً من الدية، الطلاق بالإكراه، قطع صلة الأرحام، إكراه الزوج للزوجة على البغاء وامتهان الدعارة، إجبار أفراد الأسرة على ترك الوظيفة أو العمل رغماً عنهم، إجبار الأطفال على العمل والتسول وترك الدراسة، الانتحار أثر العنف الأسري، الإجهاض أثر العنف الأسري، ضرب أفراد الأسرة والأطفال بأية حجة، الإهانة والسب وشتم الأهل وإبداء النظرة الدونية تجاه الزوجة وايذائها وممارسة الضغط النفسي عليها، انتهاك حقوقها والمعاشرة الزوجية بالإكراه (المادة الثانية). ومما يحسب للمشرع الكردستاني أيضاً أنه عاقب، وبنص خاص (المادة 6)، عن ختان الإناث (القانون، 2011).

الا أن القانون وعلى ما يبدو لم يكن موفقاً إلى حد كبير في تنظيم المواجهة التشريعية لجرائم العنف الأسري في الإقليم، إذ احتوى على عدد من السلبيات في معالجته لظاهرة العنف الأسري، كما إمتدت هذه السلبيات الى صياغته التشريعية، هذا فضلاً عن بروز عدد من الصعوبات التي ترافق تطبيقه في الواقع العملي، مما جعله موضع إنتقاد الباحثين (المزوري، 2015، ص 306، 314، عزيز، 2013، ص 126، 103).

أما على الصعيد الفيدرالي فتجري منذ سنوات عدة، وحتى في الوقت الراهن، محاولات لاستصدار قانون لمواجهة العنف الأسري، الا أن مشروع هذا القانون لم يحظَ لحد الآن بالقبول من طرف مجلس النواب العراقي على الرغم من حملات المطالبة باستصداره، التي قامت بها منظمات المجتمع المدني العراقية، وخاصة منها المنظمات النسوية، فضلاً عن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان (العفو الدولية، 2017).

ونرى بهذا الخصوص أن العقاب عن العنف الأسري، يمكن أن يتحقق في مادة عقابية أو أكثر، ويجب أن يكون محله من حيث الأساس في نطاق قانون العقوبات، فهذا القانون هو المعني دون غيره من القوانين بالعقاب عن الجرائم، ولا نرى ضرورة لاستحداث قوانين عقابية صغيرة، لاسيما وأنها لا تطبق الا بالاستناد على أحكامه، العامة أو الخاصة.

ثانياً: ختان الإناث: يتمثل أحد أوجه القصور في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 في عدم عقابه عن ختان الإناث، هذا على الرغم من انتشاره في جمهورية العراق، إذ أشار (التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020) إلى أنه “لا تزال ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث مستمرة في بعض البلدان العربية. وتشير التقديرات إلى أن 98 بالمائة من الفتيات والنساء بين عمر 15 و49 سنة في الصومال، و78 بالمائة في مصر تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية. وتسود هذه الممارسة أيضاً في جيبوتي والسودان والعراق وموريتانيا واليمن” (التقرير العربي، مصدر سابق، ص 75).

وتمثل ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث أحد أشكال التمييز ضد المرأة والفتاة. كما تنتهك هذه الممارسة حقهن في الصحة والأمن والسلامة البدنية، وحقهن في تجنب التعذيب والمعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، وحقهن في الحياة إذ ما أدت هذه الممارسة إلى الوفاة. ومن هنا تسعى منظمة الأمم المتحدة الى الحد منها، والقضاء عليها بحلول عام 2030، إذ اعتمدت جمعيتها العامة في 20 ديسمبر 2012، القرار (A/RES/67/146)، من أجل (تكثيـف الجهـود العالميـة مـن أجـل القـضاء علـى تـشويه الأعـضاء التناسلية للإناث)، الذي أوضحت فيه أثر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في صحتهن الجنسية والإنجابية، ومدى ارتباط ذلك بتمكين المرأة، والحد من العنف الممارس ضدها، وإيفاء الدول بالتزاماتها النابعة من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان. ومن ثم دعت فيه الدول إلى إدانـة جميـع الممارسـات الـضارة الـتي تـؤثر في المـرأة والفتـاة، وبخاصة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، سواء أُرتكبت هذه الممارسات داخل مؤسـسة طبيـة أم خارجها، وعلى إتخاذ جميع التدابير اللازمـة، بمـا في ذلـك سـن التـشريعات وإنفاذهـا، لحظـر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وحماية النساء والفتيات من هذا الـشكل مـن أشـكال العنـف، ووضع حد للإفلات من العقاب في هذا المجال (القرار، 2012، ص 4-5).

ومن الملاحظ إن عدداً من الدول العربية كانت سباقة إلى إصدار قوانين تحظر ممارسة الختان إزاء النساء، ومنها جمهورية مصر العربية، إذ ينص قانونها العقابي رقم (58) لعام 1937 على مادتين عقابتين مكرستين لتجريم ختان الإناث، هما (المادة 242 مكرراً)، و (المادة 242 مكرراً/ أ)، كما عملت السودان على إصدار قانون خاص بذلك في يوليو 2020.

ثالثاً: الإبتزاز الألكتروني: غالباً ما تطالعنا وسائل الإعلام بقضايا تتعلق بالإبتزاز الألكتروني، وقد عاقب قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 عن جريمة (الإبتزاز) تحت عنوان آخر هو (التهديد) في المادة (430) منه، التي تعاقب “كل من هدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه أو ماله أو ضد نفس أو مال غيره أو بإسناد أمور مخدشة بالشرف أو إفشائها، وكان مصحوباً بطلب أو بتكليف بأمر أو بامتناع عن فعل أو مقصوداً به ذلك” (الفقرة 1)، وعلى وفق هذا النص العقابي غالباً ما تتحقق هذه الجريمة إزاء المجنى عليها (الأنثى)، لاسيما فيما يتعلق بـ (إسناد أمور مخدشة بالشرف أو إفشائها، وكان مصحوباً بطلب أو بتكليف بأمر أو بامتناع عن فعل أو مقصوداً به ذلك)، إذ أن الجاني يعمل على إبتزاز المجنى عليها من خلال تهديدها بالكشف عن أمور شخصية أمكنه الإطلاع عليها، أو الحصول عليها بأية طريقة، أو كان على دراية بها، ومن ثم يهدد بالكشف عنها، مطالباً في الوقت نفسه بتسليمه مقابلاً مالياً (عبدالعزيز، 2018، ص 35-36)، مما يجعل هذه الجريمة واحدة من الجرائم الواقعة على الأشخاص والأموال في آن واحد، ولكن بالنظر للغاية منها، فهي تعدّ من الجرائم الواقعة على الأموال، مثلها مثل السرقة أو الاحتيال أو ما شابه. وفي ظل التطور التكنولوجي، باتت هذه الجريمة ترتكب عن طريق الوسائل الألكترونية، وقد عاقبت عنها القوانين المقارنة، مثل نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي رقم (79) لعام 2007 (المادة 3)، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الإماراتي رقم (5) لعام 2012 (المادة 16)، كما عاقب عنها قانون منع اساءة استعمال أجهزة الاتصالات في إقليم كُردستان- العراق رقم (6) لسنة 2008 (المادة 2)، ونص عليها مشروع قانون جرائم المعلوماتية العراقي المطروح على مجلس النواب العراقي منذ عام 2007 (المادة 11)،.

ونظراً لخطورة هذه الجريمة، وبصفة خاصة على المرأة، وكذلك لأهمية تكامل الحماية الجزائية التي يتوجب أن يوفرها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 للمرأة، نوصي، في الوقت الراهن، وحتى إصدار قانون جرائم المعلوماتية العراقي، الذي لعله يعاقب عن هذه الجريمة، بتعديل المادة (430) منه بتشديد العقاب عن التهديد المرتكب باستخدام الوسائل الألكترونية، مع تشديده أكثر في حالة وقوعه على المرأة.

وإلى جانب ما تقدم، من الملاحظ أن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 يعاقب في المادة (417) عن جريمة (الإجهاض)، فعلى وفق فقرتها الأولى تعاقب كل إمرأة أجهضت نفسها عمداً بأية وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها”. كما يعاقب بالعقوبة نفسها بموجب فقرتها الثانية “من أجهضها عمداً برضاها”، وتشدد عقوبته على وفق فقرتها الثالثة “إذا كان طبيباً أو صيدلياً أو كيميائياً أو قابلة أو أحد معاونيهم”. وقضت فقرتها الرابعة بعدّ إجهاض المرأة نفسها إتقاءً للعار ظرفاً قضائياً مخففاً، إذا كانت قد حملت سفاحاً.

وعلى الرغم من الأسباب الموجبة التي يبتغي المشرع تحقيقها بالعقاب عن جريمة الإجهاض، ولاسيما الحفاظ على الطفولة، بحماية الجنين، الا أن الأسباب التي تدفع المرأة إلى التخلص من جنينها، لا ترتبط في أغلب الأحوال بـ (إتقاء العار) وحده، ولا تقتصر عليه، كما أن هذه المسألة قد تتصف بأبعادها الشخصية، ومن ثم فأن إتخاذ قرار الإجهاض يعود إلى المرأة نفسها، وليس أن يفرض المشرع إرادته عليها ويهددها بفرض العقاب عليها، الأمر الذي يدفعها عادة إلى إجهاض نفسها بصورة غير قانونية، وربما غير صحية، أو باللجوء إلى عون غير المتخصصين في ذلك، مما يؤدي في بعض الحالات إلى موتها. لذلك نرى ضرورة شطب هذا النص العقابي حفاظاً على سلامة المرأة في المرتبة الأولى، وتجسيداً لحقوقها الشخصية في المرتبة الثانية، فالمرأة التي تكون مجبرة على إجهاض نفسها تكون بحاجة إلى الرعاية الطبية، وليس تحميلها المسؤولية الجزائية. وفي الأحوال كافة كان يفترض أن يجيز القانون ممارسة الإجهاض حينما تستوجبه ضرورة المحافظة على صحة الأم أو إنقاذ حياة المرأة الحامل من الخطر.

فضلاً عن هذا، يلاحظ أن المشرع العراقي عمد إلى إصدار قوانين جزائية خاصة، منها ما يتضمن نصوصاً جزائية، تتعلق بالحماية الجزائية للمرأة، ونخص بالذكر منها، قانون مكافحة البغاء رقم (8) لعام 1988، فعلى وفق المادة الخامسة منه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات “من استبقى ذكراً أو أنثى للبغاء أو اللواطة في محل ما بالخداع أو الإكراه والقوة والتهديد، وكان عمر المجنى عليه أو عليها أكثر من ثماني عشرة سنة” (الفقرة 1)، وشددت الفقرة (2) منها المسؤولية الجزائية في حالة عدم بلوغهما هذه السن الى السجن لمدة خمس عشرة سنة (القانون، 1988). كما أن عدداً آخر من القوانين، ومنها على سبيل المثال: قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لعام 1959، وهو من القوانين غير الجزائية، يضطلع هو الآخر بالعقاب عن عدد من الجرائم التي تنتهك حقوق المرأة، ويوفر الحماية الجزائية للمرأة، وتتمثل هذه الجرائم تحديداً في: تعدد الزوجات، والإكراه على الزواج، والزواج خارج المحكمة (القانون، المواد (3) فقرة (4-6)، 9، 10 فقرة (5))، فمما يحسب للمشرع العراقي عقابه عن الانتهاكات المتعلقة بحقوق المرأة وحرياتها، الا أن اعتماده على القوانين الخاصة أو التكميلية، كما في القانونين المذكورين، قد يعطي تصوراً عن أن هذه الانتهاكات لحقوق المرأة لا تعد جرائم، كما هو الحال في قانون العقوبات، أو أنها تتصف بدرجة جرمية أقل، وهذا ربما يقلل من الطبيعة الردعية للنصوص الجزائية الواردة في هذه القوانين. لذلك يكون من المستحسن والأصوب النص على هذه الأحكام، وما يماثلها، ذات الصلة بالحماية الجزائية للمرأة، المدرجة في القوانين الأخرى، في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 على وجه التحديد، وذلك من أجل توفير حماية جزائية أكبر وأفضل للمرأة.

وتأسيساً على ما تقدم، يمكن أن يلاحظ أن الحماية الجزائية للمرأة في نطاق قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 جاءت متفاوتة مقارنة بالحماية الجزائية للرجل، هذا فضلاً عن تضمنها انتهاكاً لحقوق المرأة وحرياتها، وإتصافها بالقصور في توفير الحماية الجزائية المتكاملة، ما يتطلب العمل على تطوير هذا القانون، باستبعاد هذه الثغرات والسلبيات، وبما يكفل تمكين المرأة وكفالة المساواة بين الجنسين على الصعيد الجنائي.

الخاتمة

توصلنا من خلال دراسة موضوع البحث إلى (الاستنتاجات والتوصيات) الآتية:

أولاً: الاستنتاجات: تتلخص أبرز الاستنتاجات فيما يأتي:

  1. تعددت التعاريف الموضوعة لمفهوم التنمية المستدامة، وبالاستناد إليها يمكن تعريفها بأنها: “التنمية الشاملة القائمة على الاستخدام العقلاني للموارد الطبيعية، التي تراعي الإشباع المستدام للحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة، من دون الإضرار بالبيئة”.
  2. أكدت الصكوك الدولية على أهمية التنمية المستدامة، وعلى ضرورة تمكين المرأة على أساس تجسيد مبدأ المساواة بين الجنسين، وإحتلت مسألة تمكين المرأة موقع الصدارة ضمن أهداف التنمية المستدامة في برنامج عمل التنمية المستدامة للمرحلة (2016-2030).
  3. يلعب القانون دوراً فاعلاً في نطاق التنمية المستدامة بصفة عامة، وفي تمكين المرأة بصفة خاصة، من خلال توفير الضمانات القانونية لتجسيد حقوق المواطنين وحرياتهم كافة استناداً إلى مبدأ المساواة بين الجنسين.
  4. يعمل القانون الجنائي بهذا الخصوص على توفير الحماية الجزائية للمرأة. ويسهم تحقيق الحماية الجنائية بصورة فعلية، من حيث وجودها وكفايتها أولاً، وتطويرها المتواصل بما يواكب تطورات العصر، والسياسة الجنائية ثانياً، في تعزيز تمكين المرأة في نطاق التنمية المستدامة، وله الأثر البالغ في ذلك.
  5. يبيّن تحليل أحكام قانون العقوبات العراقي لعام 1969 المتعلقة بالحماية الجزائية للمرأة أن هذه الحماية جاءت متفاوتة مقارنة بالحماية الجزائية للرجل، بل وفي بعض الأحيان، جاءت بخلاف الغاية المبتغاة منها، كونها شكلت انتهاكاً لحقوق المرأة وحرياتها، كما ويشوبها، في أحيان أخرى، القصور التشريعي، ما يستدعي إعادة النظر فيها بما يحقق الحماية الجزائية المطلوبة والفعلية للمرأة، ويكفل حقوقها وحرياتها، ويعزز من دورها في التنمية المستدامة للمجتمع.

ثانياً: التوصيات: تنحصر التوصيات الرئيسة فيما يأتي:

  1.  
  2.  
  3.  

قائمة المصادر

أولاً: الكتب:

  1. سرور، أحمد فتحي، (1972) ، أصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة.
  2. سرور، أحمد فتحي، (1981)، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم العام، دار النهضة العربية ، القاهرة.
  3. السعدوني، أحمد هادي ، (2017) الحماية الجنائية للأدوية الطبية، منشورات زين الحقوقية، بيروت.
  4. فيانا ،ميلوفانيا، (1994)، التنمية المتواصلة، قراءة في السكان والاستهلاك والبيئة، الجمعية المصرية للنشر والمعرفة، القاهرة.
  5. حافظ، مجدي محب، (1998) ، الحماية الجنائية لأسرار الدولة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
  6. إبراهيم، محمد رشاد قطب، (2012)، الحماية الجنائية لحقوق المتهم وحريته، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية.
  7. نجم، محمد صبحي، (1999) ، الجرائم الواقعة على الأشخاص، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان.
  8. العادلي، محمود صالح، (2003) ، الحماية الجنائية لالتزام المحامي بالمحافظة على أسرار موكليه، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية.
  9. حسني، محمود نجيب، (1989)، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة.

ثانياً: الرسائل الجامعية:

  1. السليني، عزمي، (2011-2012) ، الحماية الجنائية للأنثى، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة القاهرة.
  2. محمود، سليمان كريم، (2019)، صفة المجنى عليه في الجرائم الواقعة على الأشخاص، أطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة السليمانية.

ثالثاً: البحوث العلمية:

  1. عيسى، حسين عبدعلي، (2005)، الإتجاهات الرئيسة لتطوير التشريع العقابي العراقي، مجلة القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين، كلية القانون السياسة، العدد (3).
  2. المزوري، وعدي سليمان، (2015)، المواجهة التشريعية لجرائم العنف الأسري في إقليم كوردستان، العراق (دراسة تحليلية نقدية في ضوء القانون رقم 8 لسنة 2011) ، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، جامعة بابل، العدد (4).
  3. عزيز، سردار علي، (2013) ، قراءة نقدية لقانون مناهضة العنف الأسري لإقليم كردستان العراق المرقم 8 لسنة 2011، دراسات قانونية وسياسية، كلية القانون، جامعة السليمانية، العدد (1).
  4. عبدالعزيز، داليا، (2018)، المسؤولية الجنائية عن جريمة الإبتزاز الألكتروني في النظام السعودي، دراسة مقارنة، مجلة جيل الأبحاث المعمقة، العدد (25).
  5. وليم،راكزهاويت، (1990)، نحو عالم مستديم، مجلة العلوم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، العدد (1).

رابعاً: القوانين:

  1. دستور جمهورية العراق لعام 2005.
  2. قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لعام 1959.
  3. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969.
  4. قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لعام 1971.
  5. قانون مكافحة البغاء العراقي رقم (8) لعام 1988.
  6. قانون مناهضة العنف الأسري لإقليم كردستان رقم (8) لعام 2011.
  7. قانون منع إساءة استعمال أجهزة الإتصالات في إقليم كُردستان – العراق رقم (6) لعام 2008.
  8. قانون العقوبات المصري رقم (58) لعام 1939.
  9. نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي رقم (79) لعام 2007 ، متاح على الرابط الألكتروني:
https://laws.boe.gov.sa/BoeLaws/Laws/LawDetails/25df73d6-0f49-4dc5-b010-a9a700f2ec1d/1
  1. قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الإماراتي رقم (5) لعام 2012، متاح على الرابط الألكتروني:
https://u.ae/ar-AE/resources/laws
  1. (مشروع) قانون جرائم المعلوماتية العراقي، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.slideshare.net/hamzoz/arabic-version-law

خامساً: الوثائق الدولية:

  1. ميثاق منظمة الأمم المتحدة لعام 1945.
  2. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
  3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، متاح على الرابط الألكتروني:

http://hrlibrary.umn.edu/arab/b003.html

  • العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لعام 1966، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CESCR.aspx
  • إعلان بشأن التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي، 11/12/1969، متاح على الرابط الألكتروني:

http://hrlibrary.umn.edu/arab/b067.html

  • إعلان الحق في التنمية، 4/12/1986، متاح على الرابط الألكتروني:

http://hrlibrary.umn.edu/arab/b075.html

  • إتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CRC.aspx
  • إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1991، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CEDAW.aspx
  • إعلان وبرنامج عمل فيينا، 25 يونيو 1993، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/Vienna.aspx
  1. ) إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، 20 ديسمبر 1993، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/ViolenceAgainstWomen.aspx
  1. إعلان وبرنامج عمل مؤتمر بكين، 4-15/9/1995، متاح على الرابط الألكتروني:

http://hrlibrary.umn.edu/arabic/BeijingDeclPl.html

  1. تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (حقوق الإنسان والتنمية المستدامة. من أجل الحرية والتضامن)، 29/6/2000.
  2. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (A/RES/67/146) في 20/12/2012، متاح على الرابط الألكتروني:
https://undocs.org/ar/A/RES/67/146
  1. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2015، تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠، متاح على الرابط الألكتروني:

Undocs.org/ar/RES/70/1

سادساً: التقارير:

  1. التنمية المستدامة نحو تمكين أفضل للنساء والفتيات، العراق، وزارة التخطيط، قسم إحصاءات التنمية البشرية، 2018، ص 1، 3.
  2. التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020، متاح على الرابط الألكتروني:
https://asdr.unescwa.org/sdgs/pdf/ar/ASDR2020-Final-Online.pdf
  • تقرير منظمة العفو الدولية، تعليق على مشروع قانون العنف الأسري في العراق، ، 19/3/2017، متاح على الرابط الألكتروني:
https://www.hrw.org/ar/news/2017/03/19/301300

سابعاً: باللغة الإنكليزية:

  1. World Commission on Environment and Development (1987), Our Common Future, Oxford University Press.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *