الدكتورة سميرة شمعاوي

أستاذة باحثة بمركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط -المغرب

chemaouisamira@gmail.com

00212613221582 

الملخص

تطلب تعقد الظاهرة التربوية تدخل علوم كثيرة لمعالجة الإشكالات المرتبطة بالممارسات التعليمية، وهي ما يسمى بعلوم التربية(علم النفس، علم الاجتماع، البيولوجيا، اللسنيات…)، التي يرجع ارتباطها بالظاهرة التربوية في المجتمعات الغربية إلى القرن التاسع عشر، عندما أكد العالم هربارت على  ضرورة تأسيس “المدرسة التجريبية” إيمانا منه بأهمية التجريب لتطوير الممارسات التعليمية-التعلمية. وفي المغرب، يمكن القول إن علوم التربية دخلت ضمن هندسة التكوين الخاصة بمؤسسات التربية والتكوين منذ تأسيس مراكز تكوين المعلمات والمعلمين (25 أبريل 1980) التي كان يتخرج منها معلمو المرحلة الابتدائية، والمراكز التربوية الجهوية التي كانت تكون أساتذة المرحلة الإعدادية، ثم المدارس العليا للأساتذة التي استنسخها المغرب عن فرنسا، والتي أحدثت منذ السبعينات في إطار مغربة التعليم المغربي، وهي تكون أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، والتي تحولت إلى المدراس العليا للتربية والتكوين، مهمتها هي التكوين المستمر للعاملين. لكن المؤسسات الثلاث تم تجميعها في المراكز  الجهوية لمهن التربية والتكوين المحدثة في 23 دجنبر2011  والتي يتخرج منها المدرسون في الأسلاك الثلاث. إضافة إلى كلية علوم التربية المتخصصة في تكوين الطلبة في علوم التربية. يكشف هذا التاريخ عن اهتمام مبكر بعلوم التربية بما فيها علم النفس.  لكن السؤال الذي يطرح هو: هل التكوين في تلك المجالات يركز على الجانب العملي الذي يفيد المدرس في ممارساته المهنية؟ وأي أثر لذلك التكوين على ممارساته التربوية والبيداغوجية وتحصيل التلاميذ؟

إن من أهم دواعي البحث في هذه الإشكالية هو المقارنة بين الأسباب التي دفعت إلى اعتماد المقاربات النفسية في التعليم، ومنها تطوير شخصية التلميذ ومساعدته على الانفتاح في مختلف الجوانب، الجانب المعرفي، الجانب النفسي، الجانب الفكري… وبين النتائج الهزيلة التي يحصل عليها التلاميذ المغاربة وفق إحصائيات وطنية ودولية: بخصوص التقييمات الوطنية لمكتسبات التلاميذ(PNEA2019 )، توصل البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات إلى أن 30% من تلاميذ التعليم العمومي فقط يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال التعليم الابتدائي، و 10 % فقط من تلاميذ التعليم العمومي يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال التعليم الإعدادي. واحتل تلاميذ المغرب مراتب متأخرة حسب التقرير الدولي PISA 2018: المرتبة 77 من أصل 79 دولة في الرياضيات كما احتلوا المرتبة 75 من أصل 79 دولة في القراءة. والضعف الملاحظ على المستوى المعرفي يوازيه ضعف على المستوى الشخصي، بحيث لا تساهم مؤسساتنا التعليمية في تكوين شخصيات مسؤولة وناضحة وقادرة على الاندماج مع متطلبات الحياة الجديدة، ويرجع ذلك -حسب تقرير المجلس الأعلى للتربية والتعليم-” إلى محدودية نجاعة الطرق التربوية المعتمدة بسبب هيمنة ممارسات تعليمية غير ملائمة لأهداف التربية على القيم ولتنمية القدرات العملية وأهداف بناء الذات، ولاسيما شحن المتعلمين بالمعلومات، واتسام العلاقة التربوية أحيانا بالسلطوية والعنف “.

فرضيات البحث: انطلاقا من التساؤلات السابقة، نصوغ فرضيتين أساسيتين:

الفرضية الأولى: طغيان الجانب النظري لمجالات علم النفس على تكوين المدرسين يحول دون تأهيلهم لتطبيقه في المجال التربوي والتعليمي.

الفرضية الثانية: محدودية توظيف مجالات علم النفس يحول دون المساهمة في تطوير الجوانب المعرفية والشخصية للتلاميذ.

تتوخى هذه الدراسة الكشف عن التأثير المحدود لمجالات علم النفس في الممارسات التربوية والتعليمية ببلادنا، الذي سنرصده من خلال مجموعة من التقارير الوطنية والدولية حول التعليم، والقيام بتحليل الممارسات التربوية والتعليمية.

الكلمات المفتاحية: علم النفس، التربية،التعليم، الممارسات المهنية،  شخصية المتعلمين

 

Psychology and its Applications in the Moroccan educational field

Dr Chemaoui Samira

Research Professor at the Center for Guidance and Educational Planning in Rabat – Morocco

 

Abstract

The so-called educational sciences (psychology, sociology, biology, linguistics…), which are associated with the educational phenomenon in Western societies dates back to the nineteenth century, when the scientist Herbart stressed the need to establish the “experimental school”, Believing in the importance of experimentation to develop teaching-learning practices. In Morocco, We can say that the sciences of education practices were included in the training engineering of institutions for education and training, the training centres for teachers (April 25, 1980) from which primary school teachers graduated, the regional educational centres that used to form teachers of the preparatory stage, and then the Higher Schools of Teachers that Morocco copied from France, which were created since the seventies within the framework of the Moroccanization of Moroccan education, which are the teachers of qualifying secondary education, and who named after the Higher Schools of Education and Training, its task is continuous training for employees. The Regional Centers for Education and Training Professions were created on December 23, 2011, which worked to bring together the three previous institutions—in addition to the Faculty of Educational Sciences specialized in forming students in educational sciences.

The fields of psychology have an important share in the training of teachers, but the question that arises is: does the training in these areas focus on the practical aspect that benefits the teacher in his professional practices? What impact of training on its pedagogical practices?

 One of the most important reasons for researching in this problem is to compare, the reasons that prompted the adoption of psychological approaches in education, including the development of the student’s personality and helping him to open up in various aspects, the cognitive aspect, the psychological aspect, the intellectual aspect…, between the poor results obtained by Moroccan students according to national and international statistics: Regarding National Program for the Evaluation of Gains (PNEA 2019),  who found that 30% of public education students control the curriculum upon completion of primary education, and 10% of public education students control the curriculum upon completion of lower secondary education. Moroccan students ranked behind according to the PISA 2018 International Report (77 out of 79 ranging in mathematics and 75 out of 79 going in reading(

The weakness observed at the cognitive level is paralleled by weakness at the personal level, so our educational institutions do not contribute to the formation of responsible and mature personality who can integrate with the requirements of the new life, and this is due – according to the report of the Supreme Council for Education – “to the limited effectiveness of the educational methods adopted due to the dominance of educational practices that are inappropriate for the objectives of education on values, the development of practical capabilities and the goals of self-building, especially on the charging of learners with information, and the educational relationship is sometimes characterized by authoritarianism and violence.”

This is what prompts us to formulate the following hypotheses:

-The first hypothesis: The predominance of the theoretical aspect of the fields of psychology in the professional practices of teachers prevents them to apply it in the educational field.

-The second hypothesis: the limitation of the fields of psychology in contributing to the development of the cognitive and personal aspects of students.

 This study aims to detect the limited impact of the fields of psychology on educational practices in our country, which we will monitor through a set of national and international reports on education, and to carry out an analysis of educational and educational practices,

Keywords: – Psychology – Education – Teaching- Professional practices – Personality of learners.

مقدمة:

في السابق، تعددت مؤسسات تكوين مدرسي ومدرسات مختلف الأسلاك التعليمية بالمغرب، فقد كانت مراكز تكوين المعلمين متخصصة في تكوين فئة مدرسي المرحلة الابتدائية، وتخصصت المراكز التربوية الجهوية في التأهيل المهني لمدرسي المرحلة الإعدادية، وكان دور المدارس العليا للأساتذة هو تكوين مدرسي المرحلة الثانوية إلى جانب كلية علوم التربية التي كانت تكون أيضا أساتذة التعليم الثانوي المتخصصين في بعض الشعب. وفي سنة 2011، أحدثت المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بمقتضى المرسوم رقم 672-11-2 الصادر في 23 ديسمبر 2011، التي أسندت إليها مهمة تكوين مدرسي مختلف الأسلاك (ابتدائي، إعدادي، ثانوي)، إضافة إلى مهام أخرى مرتبطة بتكوين هيئة الإدارة لتربوية وتكوين أطر الدعم التربوي والاقتصادي والاجتماعي …

ومنذ الانطلاق، كان المشترك بين كل هذه المؤسسات هو تدريس علوم التربية لمختلف المدرسين، ففي التعليم الابتدائي، كان التركيز على التربية العملية منذ تم التعريب الكامل للتعليم الابتدائي سنة 1974(جوزي بلاط اينانيز&ركاردو مارين،1982، 228). وخلال المرحلة الإعدادية، يكتسب الطلبة المدرسون، إضافة إلى مواد التخصص، مواد خاصة بعلوم التربية والتقنيات التربوية. وفي المرحلة الثانوية، يبنى التأهيل المهني للمتدربين على مجموعة من المواد منها مبادئ التربية ومبادئ التربية الخاصة و علم النفس التربوي، وطرق تعليم مواد التخصص و التعليم المصغر (جوزي بلاط اينانيز&ركاردو مارين،1982، 229). إضافة إلى التداريب الميدانية التي تعتمد في تكوين جميع فئات المدرسين.

إن الاعتماد المبكرعلى مجالات علوم التربية سواء فلسفة التربية أو علم النفس التربوي أو علم الاجتماع التربوي أو المقاربات البيداغوجية … في تأهيل المدرس يعد مسألة ضرورية في اتجاه المهننة التي تتطلب امتلاك المدرس لمجموعة من الكفايات المهنية والشخصية المساعدةعلى التفاعل الإيجابي مع مجموعة القسم وفي الرفع من مستوياتهم المعرفية وفي تطوير جوانبهم الشخصية. غير أن النتائج التي يحصل عليها التلاميذ المغاربة  تظل دون المستوى مقارنة مع حجم الاهتمام بعلوم التربوي وخاصة علم النفس التربوي.بخصوص التقييمات الوطنية لمكتسبات التلاميذ (PNEA2019 )، توصل البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات إلى أن 30% من تلاميذ التعليم العمومي يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال التعليم الابتدائي، و10 % فقط من تلاميذ التعليم العمومي يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمال التعليم الإعدادي. واحتل تلاميذ المغرب مراتب متأخرة حسب التقرير الدولي PISA 2018: المرتبة 77 من أصل 79 دولة في الرياضيات كما احتل المرتبة 75 من أصل 79 دولة في القراءة. والضعف الملاحظ على المستوى المعرفي يوازيه ضعف على المستوى الشخصي، بحيث لا تساهم مؤسساتنا التعليمية في تكوين شخصيات مسؤولة وناضحة وقادرة على الاندماج مع متطلبات الحياة الجديدة. ونود أن نعرف فيما إذا كان النقص في التكوين في مجالات علم النفس مساهما في هذا التدني.

مشكلة الدراسة:

يثير الإدماج المبكر لمواد علم النفس في برامج تكوين المدرسين ومحدودية النتائج التي يحصل عليها التلاميذ وجانبيات شخصياتهم الأسئلة التالية:

-هل يمكن اعتبار طغيان الجانب النظري لمجالات علم النفس أثناء تكوين المدرسين أحد الأسباب التي تحول دون تطبيقه في المجال التربوي التعليمي؟

-هل يمكن اعتبار محدودية تطبيق مجالات علم النفس سببا في عدم المساهمة في تطوير الجوانب المعرفية والشخصية للتلاميذ.

فرضيات الدراسة:

في مقابل الأسئلة السابقة، نصوغ فرضيتين أساسيتين هما:

الفرضية الأولى: طغيان الجانب النظري لمجالات علم النفس على تكوين المدرسين يحول دون تأهيلهم لتطبيقه في المجال التربوي التعليمي.

الفرضية الثانية: محدودية تطبيق مجالات علم النفس لا تساعد على تطوير الجوانب المعرفية والشخصية للتلاميذ.

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن الأسباب التي تحول دون تأثير مجالات علم النفس بشكل كبير في المجال التربوي التعليمي، لا على مستوى النتائج التي يحصل عليها التلاميذ أو على مستوى تطوير كفاياتهم الشخصية المتمثلة في بناء شخصية متوازنة، منفتحة وقادرة على تحمل المسؤولية…، والكشف أيضا عن القصور الذي يعرفه التكوين في هذا المجال والتي يحول دون الاستثمار الجيد للمجال المعرفي السيكولوجي في مؤسسات تكوين الأطر التربوية.

مفاهيم الدراسة:

علم النفس:هو أحد العلوم الإنسانية التي يهتم بدراسة الشخصية الإنسانية في مختلف مكوناتها الوجدانية والفكريةوالسلوكية …وتعدد هذه المكونات وتعقدهاهو السبب وراء تنوع مجالات علم النفس، من علم النفس المعرفي، علم النفس السلوكي، علم النفس المرضي، علم النفس الفيزيولوجي، التحليل النفسي….

التربية:تمثل التربية مجموع العمليات التي يقوم بها الأفراد لنقل الانسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية، عبر اكسابه القيم والعادات والمعارف… التي تساعده على الاندماج في الجماعة، وهي عملية معقدة تبدأ منذ الولادة لتستمر طيلة حياة الإنسان.

التعليم: هو النظام المدرسي الهادف إلى تلقين المتعلمين المعارف والمعلومات والقيم… التي تمكنهم من الانخراط بفعالية في مجتمعهم. وتؤطر التعليم سياسة تعليمية موجهة لكل العمليات مثل صياغة البرامج التعليمية والمقررات الدراسية وأنماط التكوين وأدوار الفاعلين التربويين والإداريين….

تكوين المدرسين:يحتاج تأهيل المدرسين للقيام بأوارهم التعليمية والتربوية إلى تكوين أساس يتلقون خلاله مجموعة من المعارف البيداغوجية والديداكتيكية والقانونية… التي تؤطر عملهم، إلى جانب تكوينهم عمليا من خلال القيام بتداريب ميدانية تساعدهم على الاحتكاك المسبق بمجالات العمل. ويهدف التكوين إلى تطوير كفايات مهنية تستجيب لحاجيات الأدوار التي يقوم بها المدرس من تربية وتعليم للناشئة.

شخصية المتعلمين:المتعلمون هم مجموعة من الأفراد لكل واحد منهم شخصية مميزة له، وهي نتاج عوامل اجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية …تسهم في تشكيلها بطريقة تجعلها متفردة في طريقة تفكيرها وفي أسلوب تعاملها وفي علاقاتها بذاتها وبالآخرين وبالعالم الخارجي…أثناء الدراسة، تنسج هذه الشخصيات علاقات تفاعلية متشعبة فيما بينها وأيضا مع المدرسين والإداريين، وتخلق دينامية كبيرة داخل المؤسسة التعليمية.

منهجية الدراسة: اعتمدنا في هذه الدراسة على قراءة للتقاريرالوطنيةوالدولية الصادرة حول النظام التعليمي المغربي وكذا الاعتماد على دراسة ميدانية شملت عينةتتكون من 335 مدرسا ومدرسة تخرج معظمهم من المراكز التربوية الجهوية ومراكز تكوين المعلمين، ولديهم أقدمية في العمل تتراوح ما بين 29 سنة و6 سنوات وزعت عليهماستمارة تضم أسئلة تهم جميع مجالات الدراسة.

الفرضية الأولى: طغيان الجانب النظري لمجالات علم النفس على تكوين المدرسين يحول دون تأهيلهم لتطبيقه في المجال التربوي التعليمي

  • تكوين المدرسين في المجال المهني:

قبل الحديث عن تكوين المدرسين في المجال السيكولوجي، لابد من رصد مظاهر التكوين المهني الأساس التي يفترض أن يؤهل المدرسين للمهننة، وفي هذا الإطار، يفيدنا تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (تقرير،2021)، في تشخيص واقع مهنة الأستاذ بالمغرب على ضوء المقارنة الدولية والذي رصد من خلاله أربع أبعاد هي  كيفية توظيف المدرسين وممارساتهم البيداغوجية وكيفية تقييم أعمالهم وعلاقاتهم المهنية. واعتمدت فيه الهيئة الوطنية للتقييم على إطار نظري ومفاهيمي ثم التحليل الوثائقي المتضمن لتحليل الوثائق الرسمية، والقيام بدراسة مقارنة  بين البلدان المتقدمة والبلدان السائرة في طريق النمو إضافة إلى بحث ميداني كيفي شمل القيام بمقابلات مع مجموعات بؤرية.

وبعد جرد لمسارات التكوين التي عرفتها كل من مراكز تكوين المعلمين، المراكز التربوية الجهوية والمدارس العليا للأساتذة، تم الوقوف على التحول الذي حدث خلال الموسم التكويني 2012-2013 بعد تجميع المراكز الثلاث في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، حيث أصبحت المهننة هي الموجه للتكوين الأساس، وهي تنبني على تنمية أربع كفايات هي:

  • تخطيط أنشطة التعلم، إذ يكون الأستاذ المتدرب ملزما بضبط عمليات التخطيط؛
  • تدبير أنشطة التعلم، لأنه المجال يمكن من تطبيق مجموعة من الإجراءات والبيداغوجيات التي تساعد التلميذ على الاكتساب؛
  • تقييم تطور كفايات المتعلمين باستعمال أدوات للتقييم ملائمة لهم؛
  • اعتماد البحث التدخلي أسلوبا لتطوير الممارسة المهنية.

وتقتضي المهننة أيضا إعطاء الأهمية للجانب التطبيقي، لهذا يحظى هذا الجانب بنسبة 60%، إذ يكون المتدربون مطالبين بالقيام بتداريب ميدانية في المؤسسات التعليمية، تساعدهم على اكتساب الكفايات المهنية.

إن المجهودات الجبارة التي يقوم بها النظام التربوي والتعليمي في المغرب من أجل تصحيح الوضع القائم، لم تترجم إلى الواقع لأن هناك العديد من المعيقات تحول دون تطويره،وقد رصدالتقرير بعضها:

-طول برنامج التكوين بالمراكز يحول دون تطوير الجانب المهني؛

-طغيان الجانب النظري على الجانب العملي، بحيث يلاحظ أنه رغم النسبة المخصصة للتداريب العملية، فإن هذه الأخيرة لايتم الالتزام فيها بالمدة المخصصة لها؛

-ضعف التزام الأساتذة المؤطرين للتداريب الميدانية، بسبب عدم تلقيهم تعويضات عن التداريب؛

-تحول الدروس النظرية عند بعض الأساتذة إلى عروض غير مؤطرة، بحيث يكلفون المتدربين بعروض لا تخضع لتنظيم يجعلها مندمجة في المجزوءة ككل؛

-مشكلة عدم تأقلم المدرسين الجدد مع بعض البيئات التعليمية مثلا كيفية تدريس الأقسام المشتركة في غياب التهييء لمثل هذه الوضعيات أثناء التكوين؛

-الرهان على التكوين عن بعد كصيغة من صيغ التكوين لم ينجح بسبب غياب الثقافة التكنولوجية وأيضا ضعف التغطية خاصة في المناطق القروية….

ازدادت مشاكل التكوين عمقا مع ما يسمى بأطر الأكاديميات الذي يتلقون تكوينا لا يستجيب لحاجيات المهننة بسبب النقص الحاصل في أعداد المكونين، والذي تطلب تكوين أعداد كبيرة لا يتم الالتزام خلالها -أحيانا-بالعدة المقترحة للتكوين سواء من حيث المجزوءات المقترحة أو التدبير الزمني…

أ‌-             التكوين في مجزوءات علم النفس:

إن الهدف من إبراز مشاكل التكوين الأساس الذي يفترض أن تتقلص مع هندسات التكوين التجديدية هو التأكيد على أن تلك المشاكل تشمل جميع مكونات التكوين سواء تعلق الأمر بالمجزوءات المدرسة وضمنها نجد مجزوءة علوم التربية… أو التدبير الزمني القائم على تدبير حصص حضورية وحصص عن بعد، و على حصص نظرية وفترات تدريبية أو مجالات التقويم…وسنرصد وضعية التكوين في مجالات علم النفس من خلال استمارة وزعت على مجموعة من المدرسين، طرحتا فيه أسئلة خاصة فقط بمجالات علم النفس حتى نرصد تأثيره في مجال التعليم.

بخصوص التكوين في مجالات علم النفس، طرحنا السؤال التالي: هل درستم مواد علم النفس في مراكز التكوين؟ أجاب 80.6% بأنهم لم يكونوا في تلك المواد، والنسبة القليلة المتبقية التي درست مواد علم النفس، جاءت إجابتهم فضفاضة من قبيل «درسنا تلك المواد باقتضاب”، “تلقينا دروس في علم النفس التربوي”، “أخذنا دروسا في علوم التربية ودينامية الجماعة”، “درسنا نظريات في علم النفس”….

إن ارتفاع نسبة المدرسين الذين لم يتلقوا تكوينا في مواد علم النفس يثير الانتباه بالنظر إلى أقدمية 29 سنة لأول من تخرج من مركز لتكوين المدرسين (في العينة)، والتي من المفروض أن تكون قد انتعشت فيها علوم التربية-بما فيها مواد علم النفس-بشكلكبير، والملاحظ أن 19.4% المتبقية لم تستفد كثيرا من مواد علم النفس، ويبرز ذلك من خلال الإجابات المقدمة (درسنا نظريات علم النفس، درسنا باقتضاب مواد علم النفس…)، وهذا دليل على تهميش هذه العلوم التي لا شك سيكون له تأثير سلبي على الممارسة المهنية للمدرسين.

رغم الأوراش الكبرى التي عرفتها المنظومة التعليمية بالمغرب منذ صياغة الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، الذي أكد على أهمية التكوين الأساس حتى “يتمكن المدرسون والمشرفون التربويون والموجهون والإداريون من تكوين متين قبل استلامهم لمهامهم، وذلك وفق أهداف ومدد زمنية ونظام للتكوين والتدريب يتم تحديدهما بانتظام على ضوء التطورات التربوية والتقويم البيداغوجي”(الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 1999 (ص42). ورغم مرور ما يقارب 24 سنة على الميثاق الوطني لازالت مشاكل تكوين المدرسين حاضرة بقوة، وقد رصد بعضها تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، منها” عدم انتظام التكوينات التأهيلية وضعف بعضها، محدودية التنسيق والتكامل في المهام والأدوار بين المؤسسات التي تتولى التكوين الأساس…”(المجلس الأعلى للتربية والتكوين، 2018 (ص4)). ولتدارك النقص على مستوى التكوين في علوم التربية، أحدثت وزارة التربية الوطنية سلك الإجازة المهنية في علوم التربية يتلقى خلاله الطالب -في الجامعة-تكوينا في مادة التخصص إضافة إلى علوم التربية وتعطى الأسبقية لهؤلاء الطلبة لولوج سلك التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. لكن المشكل الذي لازال قائما هو ضعف التنسيق بين الجامعات ومراكز التكوين الذي يحول دون الاستثمار الجيد لعلوم التربية بما فيها مجزوءات علم النفس.

ب‌-           دور التداريب الميدانية في تطوير الممارسة المهنية:

ظلت التداريب الميدانية قاسما مشتركا بين جميع مراكز تكوين المدرسين، لأنها المجال الذي يساعد الأستاذ المتدرب على اكتساب كفايات مهنية من خلال الاحتكاك بواقع الممارسة الميدانية. وعندما كانت المراكز تختلف باختلاف الأسلاك، كان كل مركز ينظم التداريب بكيفية تختلف من حيث الوتيرة الزمنية والأنشطة المقترحة… لكن عندما تجمعت المراكز الثلاث في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، أصبح العمل مؤطرا بمذكرات آخرها المذكرة 22X002 التي تحدد الأهداف من التكوين، “والمدة الزمنية (6 ساعات كل أسبوع مدة 20 أسبوعا تكوينيا)، وكذا الأنشطة المزمع القيام بها أثناء التدريب كالملاحظات الفصلية والتحمل الجزئي للمسؤولية، وتنظيم وإنجاز أنشطة للدعم المدرسي لفائدة المتعلمين والمتعلمات وأنشطة تربوية أخرى تنمي الدور الاجتماعي للمدرس وتعزيز هويته المهنية” (المذكرة 22X002، ص3).

من خلال هذه الأنشطة، يفترض أن يكتسب الأستاذ المتدرب مهارات وقدرات تساعده على الاندماج مع الواقع المهني، ودور علوم التربية بصفة عامة وعلم النفس بصفة خاصة أساسي في تشكيل الهوية المهنية، فعلي سبيل المثال، يحتاج التحمل الجزئي للمسؤولية إلى الجرأة والقدرة على التفاعل مع فئة المتعلمين من خلال فهم شخصياتهم وحاجياتهم وكيفية تفكيرهم بمراعاة المرحلة العمرية التي يمرون بها. وبحكم تجربتي في مجال تكوين الفاعلين في مجال التربية والتكوين من مربيات ومدرسين ومديرين في مجزوءة سيكولوجية الطفل والمراهق لعقدين من الزمن تقريبا، كان فهم خصوصيات المتعلم يشكل مدخلا لتيسير التعامل معه، ولايقتصر الأمر على جرد لأهم التحولات الجسمية والنفسية والفكرية…التي يمر منها الطفل والمراهق، ولكن يحتاج الأمر إلى سبر أغوار الحياة النفسية لهذه الفئات  للفهم العميق لتلك التحولات بالقيام بتمارين وتطبيق اختبارات نفسية واعتماد البيداغوجيات الحديثة كالاشتغال بالورشات واعتماد تقنيات لعب الأدوار… لأن هذه التجديدات البيداغوجية تساعد على الاستيعاب الجيد لتلك التحولات…وأثناء التداريب ينبغي أن يكون المتدرب مسلحا بهذه الإمكانات حتى يسهل اندماجه في المحيط المهني.

وعلى هذا المستوى، تعترض التدرايب الميدانية بعض المعيقات منها أن بعض  المدرسين المستقبلين قد يفرضون على المتدرب -بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- الالتزام بالنهج التربوي للأستاذ المستقبل :مثال إذا أراد المتدرب أن يقوم ببعض الممارسات التجديدية، فقد يجد مقاومة من طرف الأستاذ المستقبل الذي اعتاد على ممارسات تعليمية تقليدية…، ومن الصعوبات التي تعترض المتدرب هو عدمتأهيله-بما فيه الكفاية- للواقع المهني التي يعرف مشاكل عدة  كمشكلة اكتظاظ التلاميذ ومشكلة العنف داخل المؤسسة التعليمية…ونقدم  الشهادة التالية لأحد المدرسين الواردة في تقرير المجلس  الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي  يقول فيها “في نهاية التدريب لايعرف الأستاذ كيف يتصرف مع التلامذة، ولايعرف أي شيء  عن سيكولوجيتهم، كما أنه لايتقن حقا تقنيات نقل المعارف”(تقرير المجلس الأعلى،2021، ص36). ركزت هذه الشهادة على بعدين مرتبطين بعلم النفس هو مجال التفاعل مع التلاميذ التي يتطلب مرونة كبيرة من المدرس يستطيع بموجبها خلق أجواء للتفاهم وتبادل الاحترام وترك الفرصة للمتعلمين للتعبير عن آرائهم بحرية…والمجال الثاني هو مجال سيكولوجية المتعلم التي تحتاج إلى فهم أعماقها تيسيرا لمعرفة كيفية التعامل معها، وهذا ما يربطنا بالبعد الثالث الوارد في الشهادة، إذ يصعب على المدرس نقل المعرفة إذا لم يكن ملما بالتطور الفكري والنفسي للمتعلم وخاصة ما تعلقبعلم نفس النمو عند بياجي وعند غيره من الباحثين الذين يصفون مراحل النمو الفكري بكيفية تساهم في معرفة ما نوع المعرفة التي يستطيع المتعلم استيعابها في فترة العمرية معينة، ولايكفي فقط الالمام النظري، ولكن الحاجة ماسة إلى  المعرفة العميقة لكيفية تعلم المتعلم، ويحتاج هذا الأمر إلى اشتغال المدرس على ذاته التكوينية باستمرار.

ج‌-            الممارسات البيداغوجية للمكونين:

تؤكد الدراسات الحديثة أن نجاح عملية التعليم والتعلم يتوقف على عدة عوامل منها اعتماد البيداغوجيات الجديدة والتي يقصد بها «مجموع طرق التعلم التي لا تتمركز حول التعليم أو تقييم المتعلمين، ولكنها تتمحور حول طريقة التعلم التي تجعل المتعلمين أكثر فعالية، أي أن يلعبوا دورا فعالا خلال تربيتهم”(Les principes clés de la pédagogie nouvelle، 2022).

وتماشيا مع الطابع التجديدي للممارسات البيداغوجية، اقترحت الرؤية الاستراتيجية ضرورة “تنويع المقاربات البيداغوجية وملاءمتها، سواء في التكوين الأساس للفاعلين التربويين أو في ممارسة أنشطة التدريس والتعلم والتكوين… وهي تستهدف الحد من التلقين والشحن، واستثمارها في اتجاه تنمية البناء الذاتي للتعلمات وحفز التفاعل الإيجابي وتشجيع المبادرة والابتكار…”(الرؤية الاستراتيجية للإصلاح2015-2030، ص33). وشكل الانتقال من التدريس بالأهداف إلى التدريس بالكفايات محطة أساسية في بلورة نظام تعليمي تعلمي يضع المتعلم في صلب الأولويات. ورغم المجهودات النظرية الجبارة التي قامت بها الوزارة الوصية في هذا الاتجاه (إن على مستوى هندسة التكوين، أو على مستوى المناهج والبرامج…) إلا أن الطريقة التقليدية في التكوين ظلت هي المهيمنة.

ويحاول بعض المدرسين تجديد ممارساتهم التكوينية غير أنهم يصطدمون بمجموعة من العوائق، منها قلة الوسائل التكنولوجية من قبيل قلة الحواسيب… كما أن مشكلة الحيز المكاني الضيق للفصول الدراسية تحول دون اعتماد طرق تنشيط حديثة كالعمل بالمجموعات…والعائق الأساس فيمجال علم النفس هو عدم القدرة على ضبط كيفية تعلم التلميذ والتعامل معه في جوانب متعددة دون التعمق في الوتيرة التي تلائم التلاميذ لاكتساب المعارف، خاصة وأن التلاميذ يختلفون في طريقة تعلمهم، وهناك مسألة أخرى مرتبطة بمجالات علم النفس والتي لابد من أخذها بعين الاعتبار أثناء التعامل مع مسألة الاكتساب وهي المتعلقة بنوع الذكاء الذي يتوفر عليه التلميذ، لأن النظريات الحديثة في مجال الذكاء تتحدث عن الذكاءات المتعددة، وخاصة نظرية كاردنر(Gardner، 1983) التي تتحدث عن وجود ثمانية أنواع من الذكاءات، وقلما نجد مدرسا يهتم  بهذه النظرية التي تساعد معرفتها على إنصاف التلاميذ بحيث لايتم التركيز على نوع واحد من الذكاء والحكم على التلاميذ من خلاله (كالقول إن من لايتوفر على الذكاء الرياضي فهو غبي)، بل يحتاج الأمر إلى اكتشاف نوع الذكاء أو أنواع الذكاء الموجودة  عند كل تلميذ وجعل البيداغوجيا والديداكتيك في خدمة تلك الذكاءات، بحيث لايتم إقصاء أي تلميذ من العملية التعليمية-التعلمية.

نتائج الفرضية الأولى:

يتضح من تحليل عناصر الفرضية الأولىوجود قصور في تكوين المدرسين، يرجع إلى قلة المجزوءات المرتبطة بعلم النفس، وهذا ما أكدته نتيجة البحث الميداني بحيث أن نسبة قليلة هي التي درست -بكيفية غير متعمقة- بعض مجزوءات علم النفس، ولم تستفد منها بشكل عميق حتى تتمكن من تطبيقها في الممارسة المهنية. وفي إطار التكوين الأساس والمستمر الذي أقوم به في مجزوءة علم نفس الطفل والمراهق، يؤكد مجموعة من الفاعلين (مستشارون في التوجيه التربوي، مديرون، مربون….) أنهم “لو درسوا هذه المجزوءة بهذه الطريقة المبتكرة في مراكز تكوين المدرسين، لتفادوا العديد من المشاكل التي اعترضتهم خلال مسيرتهم المهنية”.

كما أن النقص الحاصل في التكوين السيكولوجي ينعكس أيضا على الممارسات التدريبية التي تتطلب اشتغالا مستمرا على الذات يعمل بموجبه الأستاذ-المتدرب على إعادة النظر في علاقاته مع الآخرين ويبحث عن الصفات التي تجعله أكثر قدرة على التفاعل مع مجموعة القسم سواء مع التلاميذ أو مع الأستاذ المستقبل، بحيث يحتاج الأمر إلى حنكة وضبط للحركات والتحكم في الايماءات وفي وتيرة الحديث… وكلها آليات سيكولوجية تساعد على الاندماج السلس في عالم التربية والقدرة على تدبير تفاصيله، والركيزة الأساس للنجاح في ذلك هو الثقة في النفس التي تمثل إلى جانب المهارة” جيشا لا يقهر”.

والمسألة الثالثة التي يبدو أن النقص السيكولوجي مساهم فيها هي قلة التجديد التربوي في الممارسة التعليمية، لأن من مقومات التجديد الاعتراف بالمتعلم كفاعل في الفعل التربوي والبحث عن كل الوسائل المساعدة على انفتاحه، وهذا يتطلب أيضا فهم ميولاته وحاجياته وخصوصيات نموه… إذ لايمكن أن نعتمد أسلوبا تنشيطيا لتلاميذ التعليم الماقبل المدرسي يشبه آخر لتلاميذ الابتدائي على سبيل المثال.

الفرضية الثانية: محدودية تطبيق مجالات علم النفس لا تساعد على تطوير الجوانب المعرفية والشخصية للتلاميذ.

نعتمد في تحليل هذه الفرضية على مجموعة من التقارير الوطنية والدولية التي تهم المنظومة التعليمية المغربية وأيضا على الممارسات الميدانية للمدرسين وعلى نتائج استمارة البحث.

  • انعكاس محدودية تطبيق مجالات علم النفس على الجوانب المعرفية للتلاميذ:

انطلاقا من النتائج المتوصل إليها أثناء تحليل الفرضية الأولى يتضح أن مجال علم النفس لايحظبالأهمية في تكوين المدرسين، والقليل من النظريات التي يطلعون عليها بشكل نظري جاف لاتهيؤهم لاستثمار مجالات علم النفس في تعليم وتربية المتعلمين، وهذا ما ينعكس سلبا على العملية التربوية وعلى التحصيل الدراسي للتلاميذ، الذي يعتقد العديد من المدرسين أنهما محكومان فقط بما هو ديداكتيكي وبيداغوجي. بخصوص التحصيل الدراسي للتلاميذ، يكشف البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات ( PNEA 2019 )،عن ضعف النتائج التي يحصل عليها التلاميذ خلال المرحلة الابتدائية والاعدادية،وشملت العينة 36808 تلميذا وتلميذة: 18025 من تلاميذ المرحلة الابتدائية و18883 من تلاميذ المرحلة الإعدادية، واستهدف التقرير تلاميذ السنة السادسة والسنة الثالثة إعدادي باعتبارهما سنتي إنجازالامتحانات الاشهادية. واعتمد على روائز المواد التخصصية، الذي طوره مجموعة من الخبراء البيداغوجيين، المكونون من المفتشين والمدرسين، حيث صاغوا مجموعة من البنود ̷الأسئلة، وهي تخص الأهداف المحددة لكل مضمون مع مستواه المهاري المقابل لهوتم إرفاق ذلك بدليل التصحيح، واستعملت تقنية التحليل السيكو ميتري. وجاءت بعض نتائج البحث (PNEA 2019، ص14…28) على الشكل التالي:

كفايات التلاميذ في اللغة العربية:بالنسبة للسنة السادسة ابتدائي، 42% من تلاميذ المدراس العمومية هم الذين يتحكمون في البرنامج الدراسي للغة العربية، مقابل 65% من تلاميذ المدارس الخصوصية،

إن المقارنة بين تلاميذ المدارس العمومية في الوسط الحضري وتلاميذ المدارس الخصوصية في مادة اللغة العربية تكشف الفرق الموجود بينهما: فقد حصلت الفئة الأولى على المعدل الوطني المتمثل في 250 نقطة، في حين حصلت الفئة الثانية على 279 نقطة،

بالنسبة للسنة الثالثة إعدادي، 46% من التلاميذ استوعبوا أقل من 36% من برنامج اللغة العربية مقابل 10% من التلاميذ الذين استوعبوا أكثر من 90% من البرنامج.

كفايات التلاميذ في اللغة الفرنسية:41% من تلاميذ السنة السادسة لم يستوعبوا الموارد اللغوية المطلوبة لمتابعة دروس اللغة الفرنسية، ونجد أن 12% من التلاميذ هم الذين استوعبوا مجموع البرنامج الدراسي.

تظهر المقارنة أن تلاميذ المؤسسات العمومية الحضرية (246 نقطة) هم أحسن قليلا من تلاميذ المدراس العمومية القروية (236)، ورغم ذلك فإنهم لا يصلون إلى المعدل الوطني (250 نقطة). لكن المدارس الابتدائية الخصوصية تتقدم عليهما ب 293 نفطة.

بالنسبة للسنة الثالثة إعدادي، 76% من تلاميذ المدرسة العمومية استوعبوا أقل من 21% من البرنامج الرسمي للغة الفرنسية، مقابل 11% استوعبوا 91% من البرنامج.

لم يستطع تلاميذ المدرسة العمومية الحضرية والقروية الوصول إلى المعدل الوطني في اللغة الفرنسية وهو 250 نقطة.

كفايات التلاميذ في الرياضيات:

بالنسبة للسنة السادسة، كشفت الدراسة أن 48% من التلاميذ استوعبوا أقل من 23% من برنامج الرياضيات الخاص بالسنة السادسة ابتدائي، و27% من التلاميذ استوعبوا أكثر من 88% من البرنامج.

وبخصوص الرياضيات، لايوجد فرق دال بين تلاميذ المدراس العمومية وتلاميذ المدارس الخصوصية، هناك فرق 3 نقط فقط،

ويوجد 27% من تلاميذ المدارس الخصوصية الذين استوعبوا مجموع البرنامج الرسمي للرياضيات.

بالنسبة للسنة الثالثة إعدادي، 44% من التلاميذ استوعبوا 23% من البرنامج الرسمي للرياضيات و12% فقط استوعبوا أكثر من 85% من نفس البرنامج.

توصلت الدراسة إلى أن 1% فقط من تلاميذ السنة الثالثة إعدادي في المدارس العمومية يتحكمون في البرنامج الرسمي للرياضيات،

ويوجد فرق كبير في اكتساب الرياضيات بين تلاميذ الثالثة إعدادي يصل إلى 10 نقط في آخر المرحلة الإعدادية.

يأتي عرض هذه المعطيات لتوضيح النتائج المتواضعة التي يحصل عليها التلاميذ في المستوى السادس ابتدائي والثالثة إعدادي، ويرجع التقرير ضعف تلك النتائج إلى أسباب عديدة منها، وضعية الوسط السوسيو-تربوي أي فضاءات المؤسسة التعليمية والمرافق المكونة… والوسط السوسيو-اقتصادي لأسر التلاميذوإلى التكوين الأكاديمي للمدرسين وإلى خبرتهم المهنية…. لا نشكك في وجود أسباب متداخلة تؤثر على التحصيل الدراسي للتلاميذ، ولكن نعرف أن المرحلة الابتدائية هي أساس بناء التعلمات عند التلاميذ ولايتعلق الأمر بإكسابهم المعلومات والمعارف، ولكن يحتاج الأمر إلى حفزهم على اكتسابهما،عبر استثارة الجانب العاطفي، وهو ماأكده العالم بياجي عندما قال”بدون عاطفة، لا حاجة للتحفيز، والنتيجة، أن التلميذ لن يطرح أسئلة ولن يكون هناك ذكاء. العاطفة هي شرط أساس لبناء التعلمات”(بياجي، 1992، ص32).ورغم أن بياجي يؤكد أن المعارف تكتسب بالتدرج، ووضع لذلك سلما لإبراز أن البناء المعرفي يستند على اللبنات المعرفية السابقة، فإنه لم يهمل البعد العاطفي في العلاقة التربوية الذي يتعزز بفعل طبيعة العلاقة التي يربطها المدرس مع التلميذ، وهذا يتطلب تكوينا عميقا في مجال علم النفس المعرفي حتى يعرف كيف يساعد التلاميذ على  تطوير آلياتهم الفكرية وفق المرحلة العمرية التي يجتازونها. وتوجد العديد من الدراسات التي كشفت عن تأثير العواطف على العمليات الفكرية كالإدراك والتذكر والتركيز…،فالتلميذ الذي يدرس عند مدرس يحفزه ويتعامل بتقدير واحترام، يستطيع تعبئة كل موارده المعرفية وطاقته النفسية لكي يستوعب محتويات المادة المدرسة من طرف ذلك المدرس. ويبقى خلق أجواء مريحة ومشجعة هو الأسلوب الأمثل لحفز التلاميذ على التعلم. وفي مؤسساتنا التعليمية، يستعصي على المدرس أن يستحضر البعد العاطفي في التعلم بسبب ظروف عمل المدرس والوضع الاجتماعي السيء لغالبية التلاميذ واكتظاظ الأقسام… بحيث يكتفي معظم الأساتذة بتلقين المعارف، وقلة منهم يراعون الجانب العاطفي لتلامذتهم.

  • محدودية تطبيق مجالات علم النفس على الجوانب الشخصية للتلاميذ:

وبخصوص الجانب الشخصي، الرهان الأساس هو استثمار مجالات علم النفس لتنمية شخصية التلاميذ، ولكن تبين من الإجابات التي قدمها الأساتذة أنهم لم يستفيدوا من التكوين في سيكولوجيا الطفل والمراهق، وهي المجزوءة الأساس التي تساعد المدرس على فهم شخصيات التلاميذ وتقبل خصوصياتهم الشخصية وتفردهم وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة…، وأغلبية الأساتذة إما لم يستفيدوا من التكوين في هذه المجزوءة، أو تعرفوا فقط على الجوانب النظرية لسيكولوجيا الطفل والمراهق، بحيث لم يتمكنوا من سبر أغوار الحياة الداخلية لهذه الفئات. وقد يكون هذا العامل -إلى جانب عوامل أخرى -هو السبب في ارتفاع منسوب العنف في المؤسسات التعليمية، لأن الجهل بخصوصيات المراحل العمرية ينتج عنه اصطدامات مجانية بين التلاميذ والمدرسين.

كشف تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتعليم (تقرير المجلس الأعلى، 2019، ص44) أثناء بحثه عن جودة التعليم والذي اعتمد فيهعلى تصريحات المدرسين والمديرين والتلاميذ، عن بلوغ حالات العنف في مؤسساتنا التعليمية 54,8%، وهي نسبة معبرة عن وضع مقلق بالنظر إلى مظاهره وأنواعه والوسائل المعتمدة فيه…. وإذا كانت الأبحاث السوسيولوجية ترجع العنف إلى أسباب اجتماعية، فلايمكن إنكار دور الجانب النفسي في انفجار العنف عند التلاميذ الذين يعيشون تحت ضغوطات هائلة منها ما هو مرتبط بالتحولات الجسمية والوجدانية والفكرية…، وماهو مرتبط بوضع أسري لا يفهم الحاجيات الحقيقة للأطفال والمراهقين، إضافة إلى عالم الأنترنيت الذي يخلق مفارقات مع العالم الواقعي يعيشها الأطفال والمراهقون بنوع من التيه والضياع.

وتراهن الوزارة على التكوين في مجزوءة القيم لاستثمارها في الحد من السلوكات المشينة، لكن المجزوءة لوحدها غير كافية إذا لم ترافقها مواكبة سيكولوجية تعزز الصورة الإيجابية للذات عند التلاميذ من قبيل مجزوءة علم نفس الطفل والمراهق، ويظهر من خلال عينة البحث أن 55،8% من أفراد العينة هم الذين درسوا هذه المجزوءة خلال التكوين في المراكز. وقد تبدو هذه النسبة مهمة مقارنة مع عدد أفراد العينة، ولكن قراءة للعبارات التي استعملها الأساتذة من قبيل (درسنا قليلا من علم نفس الطفل، اطلاع شخصي فقط على مراحل التطور عند الطفل…) تبين غياب الاستفادة الحقيقة من المجزوءة التي تنعكس على العلاقة التفاعلية بين التلميذ والأستاذ، لأن التلميذ لا يهدف  فقط  إلى المشاركة في دروس تكون واضحة ومفهومة، ولكنه يرغب أيضا في التواجد مع مدرس “لطيف، بشوش، يلقي درسه وهو مبتسم، يشجع على المناقشة، يعتبر الخطأ أداة للتعلم، عادل…”، وهي كلها صفات وردت أثناء تقديم التلاميذ لشهاداتهم حول علاقاتهم بأساتذتهم” (تقرير المجلس الأعلى للتربية والتعليم،2021، ص39)، وهي شهادات قد تعبر عن رأي غالبية التلاميذ، الذين يشتكون من عدم فهمهم من طرف المدرسين والإداريين ، ويقدمون صفات أخرى من قبيل”لانتفاهم مع أساتذتنا لأنهم متشددون، يكونون أحيانا غير منصفين، يستخدم المدرس العنف … معلم يضربنا عندما نطرح سؤالا ويقول بأننا حمير لانفهم أي شيء…” (تقرير المجلس الأعلى للتربية والتعليم،2021، ص39).  تكشف هذه الشهادات عن نقص في تكوين المدرسين في مجالات علم النفس وخاصة مجال سيكولوجية الطفل والمراهق الذي  يمكن المدرس من الفهم العميق للتحولات الجسمية والنفسية والفكرية … التي يعرفها الطفل والمراهق، الشيء يساعد على فهم ردود أفعاله والتعامل معه وفق طرق ملائمة. بهذا الصدد أقدم شهادة لأستاذة تبين أن عدم الالمام بسيكولوجية المراهق من شأنه أن ينعكس سلبا عن مساره الحياتي، كتبت الأستاذة ” كانت “ه” تلميذة مجدة جدا ومهذبة… ولكن للأسف بدأت نتائجها تتناقص. وفي أحد الأيام، وبالصدفة وجدتها رفقة أحد الأشخاص في إحدى مقاهي المدينة… وخوفا على مستقبلها وبحسن نية استدعيت والدتها وأخبرتها بالأمر، فماكان من والدتها إلا أن حرمتها من الدراسة بصفة نهائية، والآن بعد أن درست سيكولوجية المراهق-تتحدث عن سنة 2023-، أدركت أنني كنت مخطئة في تعاملي مع الموقف”.  بالفعل، لو أدركت هذه المدرسة مبكرا بأن المراهقة هي مرحلة صراع ناتج عن فرط السيولة الغريزيةالجنسيةلدى المراهقين في مواجهة منظومة القيم التي تسود المجتمع ورقابة الأنا الأعلى الحاضرة بقوة، لعلمت بأن التواجد مع شاب هو نتاج الانجذاب إلى الجنس الآخر، وهو انجذاب طبيعي بين الأنثى والذكر، بحيث يريد كل واحد منهما اكتشاف الآخر، ذلك إن” الجنسية هي فترة مهمة في المراهقة، لأنها أكثر من اللذة، فإنها تساهم في الإحساس بالذات… وتقطع رمزيا الأواصر مع الآباء” (Cannard، 2019، ص160). إذا اكتسب المدرسون معارف̷الفعل   savoir d’actionالمرتبطة بمجزوءة الطفل والمراهق، فيساعدهم ذلك على فهم ذواتهم كمدخل لفهم الآخر، بحيث تتحول حصص علم النفس إلى مجالات لتعزيزالثقة في النفس وتنمية الصورة الإيجابية عن الذات… وكلها عناصر تساعد على خلق التسامح مع الذات ومع الآخر. ومواد علم النفس -إذا درست بالطريقة المناسبة -ستساعد في التخفيف من حدة التوترات بين المدرسين والتلاميذ.  ومن مشاكل التكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين أن يسندتدريس مواد علم النفس-أو غيرها من المواد- إلى أشخاص غير متخصصين في المجال، تعوزهم الإمكانية للاستيعاب العميق للنظريات.

ومن ضمن مواد علم النفس التي لا تحظأيضا بالاهتمام الكبير مجزوءة علم النفس المرضي، إذ أكد 96,1%من المستجوبين عدم تكوينهمفي المجزوءة، والأقلية المتبقة تلقت قليلا من المعارف في هذا المجال. وتعتبر المجزوءة ضرورية بالنظر إلى المشاكل ذات الطابع النفسي التي تعترض مجموعة من المتعلمين والتي تحول دون تعلمهم، وقد تكون سببا في مغادرة المؤسسة التعليمية. لانتوفر على إحصائيات دقيقة للحالات التي تعاني من اضطرابات عقلية ونفسية للأطفال والمراهقين في المؤسسات التعليمية، وآخر بحث أنجز سنة 2014 حول الإعاقة في المجتمع المغربي، كشف أن “النسبة الوطنية لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة للفئة العمرية من 6 إلى 17 سنة لا تتجاوز 41,6% أي 33000، ذلك أن نسبة تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة من الفئة العمرية 6-11 سنة لم تتجاوز 37,8%، وبلغت النسبة بالنسبة للفئة العمرية 12-14، 50,1%، وبالنسبة للفئة العمرية 15-17، بلغت النسبة 39,9%” (البحث الوطني الثاني حول الإعاقة 2014، ص19). قدم التقرير نظرة إجمالية عن الإعاقة في صفوف التلاميذ دون الدخول في تفاصيل الإعاقات. ويلاحظ أن الهدر المدرسي يطال هذه الفئة أكثر من الفئات التي لاتعاني من الإعاقة، قد تكون هناك أسباب متعددة تساهم في الهدر المدرسي للتلاميذ في حالة إعاقة، ولكن لا يمكن إنكار نقص تكوين المدرسين في علم النفس المرضي حتى  يتمكنوا من رصد الحالات التي تعاني مشاكل نفسية -جراء إعاقتها سواء كانت جسمية أو عقلية- قصد الاستباق وإحالتها على الاخصائيين النفسيين.

وقد أدرجت مجزوءة التربية الدامجة ضمن مجزوءات التكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بهدف تكوين المدرسين في مجال الإعاقة، لكن هذه المجزوءة لم تف بالغرض، رغم أنها جاءت في سياق تنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة الذي حظي باهتمام كبير من طرف الوزارة. وفي تقرير حول تقييم البرنامج ذاته” يبدي مجموعة من الآباء والمهنيين أسفهم ” لعدم دقة تشخيصات الأطفال في وضعية إعاقة، ذلك أن المدرسين أنفسهم هم الذين يقومون بتلك التشخيصات دون أن يكونوا قد تلقوا أي تكوين في ذلك، وفي هذا الإطار يقول أحد الأساتذة ” نقوم بالتشخيص بأنفسنا دون أن نكون متخصصين “(المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، 2019، ص45).

يشير التقرير بطريقة مباشرة إلى عدم معرفة المدرسين بالاضطرابات النفسية والعقلية، مما يفرض بإلحاح إدماج مجزوءة علم النفس المرضي أثناء تكوين الأساتذة بمراكز تكوين الأطر، والتركيز على الاضطرابات الأكثر انتشارا لدى التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، قصد رصدها والتشخيص الأولي لها وإحالة التلاميذ المضطربين علىالمتخصصين في المجال.  وينعكس جهل المعارف في مجال علم النفس المرضي على الأطفال في وضعية صعبة في ضعف النتائج الدراسية لأن الحواجز النفسية تحول دون اكتساب المعارف، فالخوف والقلق والاضطهاد… كلها أسباب تحول دون التعلم.    ورغم أن التقرير قد أكد على وجود تحسن على مستوى تنمية الكفايات الاجتماعية فإن ذلك يرجع إلى اختلاط الأطفال في وضعية إعاقة مع باقي الأطفال (التقرير السابق، (ص44))، ولا يرجع إلى استثمار مجالات علم النفس المرضي في تعليمنا المغربي.

نتائج الفرضية الثانية:

ما نستنجه من التحليل السابق للتقارير ولواقع الممارسة المهنية بالنسبة للجانب المعرفي، تظل النتائج الهزيلة التي يحصل عليها التلاميذ وفق تقارير وطنية ودولية دون مستوى المجهودات التي تبذلها وزارة التربية الوطنية لتصحيح الوضع التعليمي ببلادنا منذ الاستقلال. لا يمكن إنكار أن ذلك الوضع تساهم فيه عوامل كثيرة منها ما يرتبط بالسياسات التعليمية المتعاقبة ومنها ما يهم عدم الاستمرار في المشاريع بحيث تتوقف مجموعة من المشاريع بمجرد توقف الدعم المقدم من طرف منظمات دولية كما حدث مع البرنامج الاستعجالي الذي كلف الملايير ولكنه توقف نتيجة رفض أحد وزراء التعليم الاستمرار في المشروع دون ان تكلف الوزارة نفسها القيام بتقييم موضوعي لرصد مظاهر القوة ومظاهر الضعف في البرنامج. إضافة إلى ذلك، فإنه لايمكن إنكار أثر تكوين المدرسين في بناء شخصية مهنية قادرة على التحويل الديداكتيكي للمعارف وفق التطور الفكري للتلاميذ، وإبداع دروس تستجيب لحاجياتهم المعرفية والفكرية والنفسية… وتطور إمكانياتهم الفكرية وشخصياتهم.

لكن يتبن وجود معيقات تحول تطوير الكفايات المعرفية والشخصية للتلاميذ لأن ذلك يحتاج إلى مدرس متفهم لحاجيات التلاميذ، يأخذ بعين الاعتبار الفوارق الموجودة بينهم، ويتعامل معهم كأفراد متفردين لكل واحد شخصيته المتميزة التي يحترمها ويقدر مجهوداتها ويتحمل شغبها… لكن واقع الممارسة يكشف وجود اصطدامات كثيرة مع التلاميذ ناتجة عن سوء الفهم والتعالي الذي يتميز به الراشد، بحيث يريد دائما ممارسة السلطة على التلميذ كنوع من الهيمنة وإثبات الذات…ولإقامة علاقة جيدة مع التلاميذ يحتاج الأمر إلى ” الثقة والتقاسم المرتبطة بالعواطف الإيجابية وقرب كبير من التلاميذ حيث تحتل علاقات التواصل مكانة كبيرة”(Tavant، 2020، ص26).

يفتقر العديد من المدرسين لأساليب التواصل الفعال التي تضمن خلق أجواء مريحة للعلاقات التربوية، وفن التواصل يحتاج إلى مجالات علم النفس لأنها تحدد معالم الإنصات الجيد وكل مكونات العملية التواصلية من أسلوب التخاطب والحركات المناسبة والتحكم في مظاهر الضغط…

النتائج

 

تكشف هذه الدراسة عن وجود نقص واضح في التكوين في مجالات علم النفس بمختلف فروعه أثناء الفترة التدريبية التي يقضيها الأساتذة المتدربون في مراكز تكوين الأطر التربوية والإدارية، نظرا للاعتقاد السائد لدى أغلبية الفاعلين والمتحور حول التكوين في المجال الديداكتيكي والتركيز على المحتويات أكثر من الاهتمام بالتلميذ رغم الشعار الذي رفعته وزارة التربية الوطنية لسنوات “التلميذ محور العملية التعليمية-التعلمية”. ويبدو أن مسألة إعطاء الأولوية للتلميذ في العملية التعليمية تحتاج إلى مدرس يتمتع بالتواضع  المعرفي والأخلاقي، فعلى المستوى المعرفي، لابد أن يتمتع المدرس بقدرة على فهم كيف يفكر التلميذ؟ وكيف يستوعب المعارف؟ وكيف يحول المعارف حتى يتم استيعابها بشكل جيد؟… وكلها عمليات يحتاج فيها المدرس إلى مساعدة التلميذ على بناء معارفه من خلال تحفيز فكره ووجدانه حتى يقبل أكثر على بناء المعارف، وهي العملية التي لا يوفق فيها معظم المدرسين لأن تلك الإمكانيات تعوزهم لأنهم لم يتلقوا تكوينا صلبا في مجالات علم النفس، وقد بدا ذلك واضحا من خلال تحليل عناصر الفرضية الأولى  وجود نقص كبير في مجزوءات علم النفس أثناء التكوين في مراكز تكوين الأساتذة، ذلك أن التكوين في هذا المجال لايفيد فقط في فهم التلميذ وحاجياته، ولكنه يفيد المدرس أيضا من خلال معرفة مظاهر النقص الموجودة في شخصيته المهنية والتي يمكن تجاوزها بالاشتغال على الذات( كمثال على ذلك، قد يعاني بعض المدرسين من عرة  tic إما في شكل كلمة تتكرر أو سلوك عفوي، فيحتاجون إلى تقويم أنفسهم ..)، والحقيقة أن المدرسين الذين يطورون شخصيتهم المهنية عبر التهذيب المستمر لماهو نفسي وجسمي وفكري يتفوقون مهنيا على غيرهم، ولايمكنهم القيام بذلك إلا إذا توفروا على معارف وتقنيات في علم النفس. وهذا ما أكدته نتيجة البحث الميداني بحيث أن نسبة قليلة هي التي درست -بكيفية غير متعمقة- بعض مجزوءات علم النفس، ولم تستفد منها بشكل عميق حتى تتمكن من تطبيقها في الممارسة المهنية.

ولتدبير التفاعلات التربوية يحتاج المدرس إلى فهم أشكال العلاقات التي تربط بين التلاميذ وكيفية تشكلها وتموقع كل تلميذ في المجموعة وفق خصائص شخصيته: فهناك التلميذ الزعيم السلبي أو الإيجابي الذي يحتل موقعا متقدما في القسم يستطيع بموجبه السيطرة على جماعة القسم، وهناك الفئة التابعة التي تعطي مشروعية للزعيم…ولكي يفهم المدرس هذه التفاعلات يحتاج إلى مفاهيم علم النفس الاجتماعي التي يعمل على أجرأتها حتى يوفق في تدبيره لتلك التفاعلات.

بالموازاة مع ذلك، وحتى ينجذب التلاميذ إلى الدرس بشكل أفضل، على المدرس أن يبذل قصارى جهده لابتكار أساليب تربوية مثيرة محفزة على التحصيل. ولاينحصر الأمر عند ابتكار تقنيات، بل أساس ذلك هو اقتناع المدرس بفائدة هذا التجديد بالنسبة للمتعلمين، إذ يساهم في بناء شخصيات مليئة بالحيوية والعطاء لتتحول هي بدورها إلى طاقات مبدعة لأن التلاميذ يقلدون المدرس في سلوكاته وفي شخصيته.

ومن شأن النقص الحاصل في مجال التكوين في مجالات علم النفس أن ينعكس سلبا على الجوانب المعرفية والشخصية للمتعلمين، وهذا ماأكدته الفرضية الثانية التي اعتمدنا في التحقق من صحتها  على التقارير الوطنية والدولية التي تهم المنظومة التعليمية المغربية والتي تجمع على تردي المستوى المعرفي للتلاميذ رغم الإصلاحات المتعاقبة لتلك المنظومة والتي كانت تشمل المراجعة الشاملة للسياسة التعليمية وللبرامج والمناهج وهندسات التكوين… وتظل الحلقة المفقودة هي موقع علوم التربية بصفة عامة ومجالات علم النفس بصفة خاصة التي لم تحظ بالاهتمام  إلا في السنتين الأخيرتين  دون أن يصل الأمر إلى دراسة جادة لموقع هذه العلوم داخل منظومتنا التربوية. ومايثير الاستغراب هو أن أوضاع العديد من المؤسسات التعليمية تعج بالمشاكل ذات الطابع النفسي والاجتماعي المتمثل في حالات العنف والتنمر ومحاولات الانتحار والتعاطي للمخدرات…وتزايد حالات العنف ضد المدرسين والإداريين،  وكل ذلك يطرح أكثر من سؤال حول الأسباب المؤدية إلى هذا الوضع، ومع ذلك لا تنجزالوزارة دراسات للتشخيص الدقيق  لمعرفة الأسباب الحقيقة وراء تلك المشاكل، ويمكن تفسير ذلك بالتخوف من الكشف عن مشاكل  بنيوية ترتبط بالوضع الاجتماعي العام، فالتلميذ الذي يمارس العنف في المؤسسة التعليمية يجر وراءه مشاكل نفسية مرتبطة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للبيئة التي يعيش فيها.

ومايزيد الوضع تعقيدا هو الانعكاس السلبي للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية على المدرسين أيضا، فهذه الفئة تدهورت قدراتها الشرائية وتفاقمت معاناتها، وسيكون لذلك تأثير سلبي على العلاقات التربوية. ولهذا تزداد الحاجة إلى مواد علم النفس حتى يستطيع المدرس فهم ذاته وتدبير ضغوطاته النفسية حتى لا تنفجر في وجه التلاميذ، الذين يعيشون مراحل عمرية حساسة تحتاج إلى التفهم والإنصات وفتح قنوات الحوار…

يبدو أن الوضع الغامض لعلوم التربية بصفة عامة ولعلم النفس بصفة خاصة هو أحد الأسباب الأساسية المساهمة في عدم تطور منظومتنا التربوية التعليمية رغم العديد من الإصلاحات التي شملت كل مكونات تلك المنظومة. وبحكم مشاركتي في العديد من مشاريع الوزارة، فإنه يبدو أن إدماج المكون السيكولوجي في أي مشروع تعترضه مقاومة شديدة، لايمكن تفسيرها إلا في سياق المقاومة التي يعرفها علم النفس ليس في المغرب فقط، ولكن في العالم العربي أيضا (شمعاوي، مقاومة التحليل النفسي في العالم العربي).

التوصيات

1 ـ إعادة النظر في تكوين المكونين بمراكز تكوين أطر وزارة التربية والتعليم بحيث تعطى الأهمية لعلوم التربية ومجالات علم النفس والتركيز على جانبه التطبيقي،

2 ـ يبدو أن علم النفس لايحظ بالأهمية الكبرى في مجالات التربية بصفة عامة، فجهل الآباء بسيكولوجية أبنائهم يدفعهم لارتكاب أخطاء تربوية يذهب الأبناء ضحيتها ولا يستفيد المجتمع من طاقات أبناءه بالشكل المطلوب، لهذا لا بد من تنظيم حملات للتوعية بمبادئ التربية السليمة يستفيد منها المدرسون والآباء،

3-الرفع من جودة التكوين عبر تحديد مؤشرات تربوية دقيقة تساعد على الكشف عن مظاهر الخلل في الممارسات المهنية للمكونين والمدرسين، وأيضا في شخصياتهم حتى لا تتسرب إلى المؤسسات التعليمية حالات لمدرسين يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية وقد يستمرون في أداء مهامهم حتى التقاعد على حساب جودة التربية والتعليم،

4ـ ضرورة إدماج مجزوءات للتكوين في موضوع الصحة النفسية والعقلية في مراكز تكوين المدرسين لمساعدتهم على رصد حالات التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم أو من الاضطرابات النفسية بشكل مبكر قصد توجيهها للأخصائيين.

5-القيام بدراسات ميدانية تروم التعرف على الأسباب الحقيقية لعدم الاهتمام بمجال علم النفس في المنظومة التربوية التعليمية.

المراجع

  • جوزي بلاط جمينو وريكاردو مارين ايبانيز. (1982). إعداد معلمي المدرسة الابتدائية والمدرسة الثانوية. دراسة مقارنة. ترجمة د. عمر حسن الشيخ ود.سامي خصاونة. تونس. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
  • خارطة الطريق 2022-2026 في موقعgoogle.com
  • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. مهنة الأستاذ(ة) في المغرب على ضوء المقارنة الدولية. تقرير موضوعاتي. 2021
  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 1999 (ص42).
  • المذكرة 22X002 الصادرة في 05 فبراير 2022.
  • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. مهنة الأستاذ(ة) في المغرب على ضوء المقارنة الدولية. تقرير موضوعاتي. 2021 (ص36).
  • Science Pédagogie. Les principes clés de la pédagogie nouvelle. 4 Avril 2022. Consulté le 18-04-2023 vers 12H.
  • Adailton Di Lauro Dias. (2019). La performance de l’enseignant et la relation d’affectivité et d’apprentissage du point de vue de Piaget et Wallon. In Site ;nucleodoconhecimento.com.br
  • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2021). مهنة الأستاذ في المغرب على ضوء المقارنة الدولية. (ص39).
  • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2019). إطار الأداء لتتبع الرؤية الاستراتيجية في أفق 2030، المستوى الوطني 2015-2018 (ص44).

11-Gardner. Howard.(1983). Frames of Minds. The theory of multiple intelligence. Basic Books. New York.

12-Cannard.Christine. (2019). Le développement de l’adolescent, L’adolescent à la recherche de son identité. Deboeck. 3ème édition. P160.

13-البحث الوطني الثاني حول الإعاقة 2014 (فبراير 2015). وزارة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية. المملكة المغربية.

  • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2019). تقييم نموذج تربية الأطفال في وضعية إعاقة في المغرب، نحو تربية دامجة، تقرير موضوعاتي، بشراكة مع اليونسكو (ص45).

15-Tavant. Denis. (2020). Evaluer le rôle de l’enseignant dans le niveau de développement des compétences non académiques des élèves à l’école primaire, in, Evaluer, journal international de recherche en éducation et formation 6. p26.

16-شمعاوي. سميرة.(2021). مقاومة التحليل النفسي في ثقافة العالم العربي. المجلة العربية “نفسانيات”. العدد 70. شتاء 2021.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *