دكتورة ليندا محمد نيص

جامعة الامير سلطان – الرياض

lindanees1@gmail.com

00962790455276

الملخص

تشكل جريمة المخدرات رعباً دولياً نظرا لتهديها المستمر لكيان المجتمع ، حيث انها افة تصيب الكبير والصغير من الجنسين فتكون نتائجها فتاكة من كافة النواحي ، لذلك تحارب الدول هذه الجريمة بالتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية بسبب خطورتها واثارها السلبية الظاهرة بشكل ملحوظ سواء اكانت من الناحية الانسانية ام الاقتصادية ام الاجتماعية ام الصحية.

وتعد جريمة المخدرات من الجرائم العابرة للحدود التي تتزايد يوم بعد يوم ، وتتنوع اشكالها واساليب التعامل فيها من حين الى اخر، حتى اصبحت جريمة سهلة نظرا للتطور العلمي الذي ساعد على انتشارها او حتى تنوع اساليبها ، وبالتالي تنوعت اساليب اثباتها بهدف الحد منها ومعاقبة مرتكبيها باشد العقوبات بعد اثبات جريمتهم بشتى الطرق والتي منها استخدام الكلاب البوليسية ، ولتوضيح ذلك تم تقسيم بحثنا الى مبحثين : نتناول في المبحث الاول مفهوم جريمة المخدرات، وندرس في الثاني استخدام الكلاب البوليسية في الاثبات .

الكلمات المفتاحية :المخدرات- الجريمة -الاثبات -الكلاب البوليسية

 

Role of Sniffer Dogs in Proving Drug Crime

Dr Linda Mohamed Ness

Prince Sultan University – Riyadh

Abstract :

Drug crime is an issue of global concern due to its constant threat to the social unit. Everyone is affected by this crime, and it has devastating consequences. Therefore, this crime is penalized under national legislation and international conventions as it is serious and has negative effects on human beings, the economy, society and health.

Drug crime is transnational and is spread throughout the world. This crime has several forms, and methods of dealing with it vary from time to time. This crime has become easily committed due to the scientific development that helped spread it and diversify its methods. Hence, methods of proof of such crime have varied. These methods aim to reduce crime and impose severe punishment on perpetrators. Commission of this crime can be proven in many ways, including the use of sniffer dogs.  Accordingly, this paper is divided into two sections. The first section deals with the concept of a drug crime, and the second examines the use of sniffer dogs in evidence.

Keywords: drugs, crime, evidence, police dogs

اولا: مشكلة البحث:-

تتمثل مشكلة البحث في الإجابة عن الأسئلة التالية:-

  • ما المقصود في المواد المخدرة ؟
  • ما هي اركان جريمة المخدرات ؟
  • ما هو دور الكلاب البوليسية في اثبات جريمة المخدرات ؟
  • ما مشروعية استخدام الكلاب البوليسية ؟
  • ما هي ضوابط استخدام الكلاب البوليسية ؟

ثانيا:اهمية البحث.

تظهر أهمية البحث في التعرف على دور الكلاب البوليسية في اثبات جريمة المخدرات، لذلك هذا البحث متخصص في توضيح مفهوم جريمة المخدرات واركانها ،وكذلك معرفة طرق اثباتها بالتركيز على دور الكلاب البوليسية في ذلك ، موضحين بذلك مشروعية وضوابط استخدام الكلاب البوليسية وعليه سوف يكون هذا البحث اضافة بسيطة للمكتبة الحقوقية التي يستفيد منه المختصون في مجال القانون.

ثالثا: اهداف البحث :-

يهدف البحث الى بيان الامور الاتية :-

  • بيان المقصود في المواد المخدرة .
  • توضيح اركان جريمة المخدرات .
  • بيان دور الكلاب البوليسة في اثبات جريمة المخدرات .
  • توضيح مشروعية استخدام الكلاب البوليسية .
  • توضيح ضوابط استخدام الكلاب البوليسية .

رابعا: حدود البحث

الحدود الزمنية: تتمثل في طرح الموضوع من خلال اتفاقية المخدرات عام 1931 وتعريفها للمواد المخدرة وكيفية التعامل مع هذه الجريمة

الحدود المكانية: تتمثل في طرح الموضوع من خلال التشريعات لبعض الدول العربية التي واجهة جريمة المخدرات وكيفية اثباتها عن طريق الكلاب البوليسية .

خامسا: فروض البحث.

يمكننا صياغة الفرضيات الآتية بقصد مناقشتها وتحليلها :-

الفرضية الاولى : هناك طبيعة خاصة لجريمة المخدرات كونها عابرة للحدود من الجرائم التي تم مواجهتها بالتشريعات الوطنية بسبب خطورتها من كافة النواحي ، لذلك لا بد من توضيحها

الفرضية الثانية :هناك طرق اثبات عديدة لجريمة المخدرات ولكن نريد توضيح دور الكلاب البوليسية في ذلك .

سادسا : الدراسات السابقة:-

تتعدد الدراسات السابقة التي بحثت موضوع جريمة المخدرات وطرق اثباتها بصورة عامة ولكن التطرق لدور الكلاب البوليسية لاثبات جريمة المخدرات بصفة خاصة لم اصل الى دراسة محددة، وان كان هناك بحث تناول استعراف الكلاب البوليسية في الاثبات الجنائي بشكل عام ، لذلك ارتأيت ان يكون بحثنا اكثر تخصص.

سابعا :منهج الدراسة:-

تقوم هذه الدراسة على اتباع المنهج الوصفي التحليلي ، الذي يهتم بدراسة جريمة المخدرات من خلال تعريفها وتوضيح اركانها ، ومن ثم توضيح دور الكلاب البوليسية في اثبات جريمة المخدرات ومدى مشروعية ذلك ، وبيان ضوابط استخدام تلك الكلاب .

المقدمة

تستخدم الكلاب البوليسية من قبل الجهة المختصة ،وذلك بهدف الكشف عن الجريمة والتعرف على مرتكبيها، وكشف اماكن تواجد المخدرات وكل ما هو متعلق بها، وبالتالي يجب ان تكون الكلاب البوليسية المستعان بها مدربة جيدا وان يتم استخدامها ضمن ضوابط معينة حتى لا تكون هناك نتائج سلبية، لهذا ما يهمنا في بحثنا هو بيان الاستخدام المشروع و البعيد عن اجبار المتهم على الاعتراف،او تخويفه أو إهانته بواسطة تلك الكلاب، وذلك لتحقيق الغاية المرجوة منها، ولتوضيح هذا عمدنا الى بيان كيفية استخدام الكلاب البوليسية بالصورة القانونية، بعد تعريف جريمة المخدرات، وتوضيح اركانها

المبحث الاول

مفهوم جريمة المخدرات

تعتبر جريمة المخدرات من الجرائم القديمة الحديثة باساليبها وصورها، حيث ان التقدم التكنولوجي حاليا ساعد على انتشارها وتطور اساليبها بعد ما كانت جريمة تقليدية ، وتعد هذه الجريمة من الجرائم التي تشكل خطورة كبيرة لانها عابرة للحدود، والفاعل قد يكون فرد او جماعة واحيانا تكون منظمات ، لذلك اثارها قد تكون فردية او دولية، واخطر تلك الاثار هي التي تصيب العقل، حيث تؤثر المخدرات على الجهاز النفسي و العقلي للإنسان بشكل كبير، فتصيب العقل بالضعف والانحطاط والاضطراب والهذيان، كما انها تضعف الذاكرة وتفقد الإدراك والتميز، وبذلك قد يصل الأمر إلى حد  جنون الشخص المتعاطي لهاCamille bel ,P2 )  (، لذلك عمدت الدول على مواجهتها بعدة قوانيين بهدف الحد منها، ولتوضيح هذه الجريمة عمدنا الى تقسيم مبحثنا الى مطلبين: نبحث في الاول تعريف جريمة المخدرات، ونتناول في الثاني اركان جريمة المخدرات.

المطلب الاول : تعريف جريمة المخدرات

تعرف المخدرات من الناحية الفنية بانها العقاقير المجلبة للنوم( عبد الغني ،2006، ص7 ) وينظر اليها علم الادوية على انها مجموعة من العقاقير التي تؤثر على النشاط الذهني والحالة النفسية للشخص الذي يتناولها، وذلك اما عن طريق تنشيط او ابطاء الجهاز العصبي له، او تسبب له هلوسات او تخيلات او مشاكل اقتصادية او اجتماعية ( عيد،2006، ص121) وتعرفها لجنة المخدرات في الأمم المتحدة بأنها كل مادة خام أو مستحضرة تحتوي على مواد منبهة أو مسكنة تؤدي الى الادمان اذا تم استخدامها لغير الاغراض التي وجدت لاجلها – الطبية او الصناعية- وبالتالي تشكل ضرر كبير(شريط ،2015 ، ص 3 ) ايضا هي مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم وغياب الوعي المصحوب بتسكين الآلام ( الجابري ، 2018 ، ص18)

وتعرف المخدرات من الناحية الشرعية على انها كل مادة مسكرة أو مفترة طبيعية أو مستحضرة كيميائياً يحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لاغراض يحددها القانون وبصورة تتفق مع الشريعة الإسلامية، وذلك لان تناولها يؤدي الى زوال العقل جزئياً أو كلياً( عبدالله ،2015، ص 6 )، حيث ان من مقاصد الشريعة الاسلامية حفظ العقل لهذا تنهي عن تعاطي مثل تلك المواد.

 وينظر الفقه القانوني الى المخدرات على انها مادة لها صفات معينة تؤثر على المتعاطي لها بحيث يصبح مدمن عليها بسبب اخذها في غير اغراض العلاج المسموح بها من الجهات المختصة وبالتالي تترك تأثيرا ضارا بدنيا أو ذهنيا أو نفسياً سواءً تم تعاطيها عن طريق البلع أو الشم أو الحقن أو أي طريق آخر( محمد، 1996، ص21) ويعرفها البعض بأنها كل مادة منبهة أو مسكنة تؤثر في الفرد فتحدث تاثيرا ضارا نفسياً وجسمياً واجتماعياً( شعبان،1984، ص 15)، وايضا هي كل مادة طبيعية أو مركبة من المواد المدرجة في الجداول التي تحدد قوائم المخدرات والمستحضرات المحظورة من الناحية القانونوية( اتفاقية المخدرات 1931، المادة الاولى )

و يعرفها المشرع الأردني بأنها كل مادة طبيعية أو مركبة من المواد المدرجة في الجداول الملحقة في قانون المخدرات( قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الاردني ،2016، المادة 6 )، وايضا ينظر اليها المشرع اللبناني على أنها جميع النباتات والمواد الطبيعية والمركبة والمنتجات الموضوعة تحت المراقبة والخاضعة لتدابير رقابية بموجب أحكام القانون(قانون المخدرات والمؤثرات العقلية اللبناني ، 2022، المادة 6 )

وينص المشرع العراقي على ان المخدرات هي  كل مادة طبيعية أو مركبة من المواد المدرجة في الجداول الخاصة في هذا القانون( قانون المخدرات العراقي ،2016، المادة  2 / أ )

ونرى ان جريمة المخدرات هي فعل غير مشروع يقدم عليه الفاعل بارتكابه لاحدى الصور المكونة للركن المادي للجريمة ،وذلك يكون اما بالتعاطي او استخراج او ترويج او تصدير او انتاج لاي من المواد المنهي عن التعامل بها بموجب نص قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، وايضا نرى ان كافة القوانين نصت على ان المخدرات هي تلك المواد الطبيعية او المركبة التي يجب ان يبتعد عنها الفرد والا يستخدمها بطريق منهي عنه قانونا.

المطلب الثاني :اركان جريمة المخدرات

تتكون جريمة المخدرات كاي جريمة من ثلاثة اركان وهي الركن الشرعي، والمادي ، والمعنوي

أ-الركن الشرعي: يقصد به أن يكون الفعل المجرم منصوص عليه في قانون العقوبات، أو في القوانين المكملة له، وأن يكون المشرع قد حدد له جزاءا جنائيا وهذا تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني ) وهو المبدا الذي تنص عليه كافة القوانيين لمختلف الدول (مروك ،2007، ص27) ، حيث لا يمكن لاي جهة ان تعاقب احد على فعله الا اذا كان هناك نص يبيح ذلك( بدر ،2018، ص 106).

ب- الركن المادي: و يقصد به الفعل أو السلوك الاجرامي الذي تقوم به الجريمة ، فلا توجد جريمة بغير ماديتها التي تصيب حقوق الأفراد والجماعات باعتداء( ( Yann Bisiou,2002,p5 ، ويتحقق الركن المادي للجريمة بعدة صور تنص عليها القوانيين سواء اكان ذلك باستخراج المادة او انتاجها او زراعتها او تصنيعها او تعاطيها او تقديمها …. الخ تعتبر كل هذه الصور مجرمة ويعاقب فاعلها حسب ما ينص عليه القانون ، اما استهلاك المخدرات بصفة شرعية، وهو ما سمح به القانون للأطباء بوصف بعض المستحضرات الطبية للمريض يستعملها للتغلب على بعض الآلام، أو للتخدير في العمليات الجراحية، وإذا كان القانون يعطي الأطباء هذا الحق فهو يقيدهم بألا يكون وصفهم للمواد المخدرة للمريض، بقصد مساعدته على الإدمان، وباعتبار أن هذا الفعل يعرضهم للوقوع تحت طائلة العقاب ( بن خدة ، 2008، ص15 ) .

ج- الركن المعنوي: يشترط القانون لقيام أي جريمة قيام القصد العام المتعلق بكل الجرائم، والقصد الخاص المتعلق بكل جريمة على حدا، ووفقا للقواعد العامة، يقوم القصد الجنائي العام على عنصرين هما العلم والإرادة، بحيث ينبغي أن يحيط علم الجاني بكافة أركان الجريمة وأن تتجه إرادته إلى القيام بالسلوك  الاجرامي وإحداث النتيجة المطلوبة ، وأن تكون إرادته حرة  واعية ، ومدركة ومميزة عند قيامه بذلك السلوك ( هرجة، 1992 ،ص 195 )

يتمثل القصد الجنائي بانصراف ارادة الجاني الى تحقيق النتيجة المرجوة مع علمه بتحريم ذلك الفعل، و يعتبر القصد نية باطنية لا تستطيع المحكمة اثباته بطريقة مباشرة وانما بطرق الاستدلال والاستنتاج من الافعال واثار المتهم ومن ظروف الجريمة، فهي مسألة موضوعية متروكة للقاضي (بوراوي ،2014 ، ص 26 )

ونخلص الى ان جريمة المخدرات تعتبر من الجرائم العمدية ،ولهذا السبب تنص القوانيين على اشد العقوبات لها والتي تصل الى الاعدام في حال ارتكب الفاعل اكثر من فعل اجرامي، ايضا هناك عقوبة السجن ، والغرامة ، والمصادرة ، وتختلف العقوبة باختلاف الفعل المرتكب ، كذلك تعتبر من الجرائم العابرة للحدود نظرا لسهولة انتشارها وانتقالها بكافة صورها والتي من الممكن ان ترتكب بصورة فردية ام جماعية او حتى عن طريق منظمات .

المبحث الثاني

استخدام الكلاب البوليسية في الاثبات

تستخدم الكلاب البوليسية في الكشف عن جريمة المخدرات واثبات فاعلها والتعرف عليه وان كان بين مجموعة، وذلك بسبب ما تتمتع به من حاسة الشم القوية التي تميزها عن باقي الحيوانات بالاضافة الى التدريب المستمر والجاد على ذلك ، ويعد استخدام الكلاب البوليسية مشروعاً رغم عدم وجود نص قانوني صريح بذلك، ولكن يعتبر استخدامها قرينة قوية في اثبات جريمة المخدرات، وعليه عمدنا الى تقسيم مبحثنا هذا الى مطلبين: نبحث في الاول موقف المشرع من استخدام الكلاب البوليسية في الاثبات، ونتناول في الثاني ضوابط استخدام الكلاب البوليسية.

المطلب الاول : موقف المشرع من استخدام الكلاب البوليسية في الاثبات

يختلف مفهوم الاثبات باختلاف وجهات النظر اليه ، لذلك لا بد لنا بداية من الوقوف على مفهوم الاثبات، حيث يعرف الاثبات بانه كل الادلة التي تؤكد وقوع الجريمة، وتحقق حالة اليقين لدى القاضيحتى يتمكن من ادانة المتهم، او ترجح حالة الشك لديه فيقضي في برائته ،وايضا الاثبات هو كل ما يؤدي الى اظهار الحقيقة بهدف الحكم على المتهم في الجريمة المنسوبة اليه من خلال الادلة الموجودة امام القاضي (العرابي، 1940، ص558)، وكذلك الاثبات هو اقامة الدليل لدى السلطات المختصة على حقيقة واقعة لها اهمية قانونية و بالطرق التي حددها القانون وحسب القواعد التي تخضع لها (حسني ، بدون سنة، ص 417)، وكذلك يعرف الاثبات بأنه مجموعة الادلة اللازمة التي تمكن القاضي من الوصول الى الحقيقة و اسناد الفعل الاجرامي الى المتهم، فالاصل المتهم برئ حتى تثبت ادانته، لذلك يجب على الجهة المختصة ان تقوم بجمع الادلة للأثبات ، وان تتحرى عن الحقيقة بمختلف الوسائل لتكوين عقيدتها وحرية تقديرها دون ان يكون هناك اي تاثير عليها من اي جهة كانت(ربيع، بدون سنة، ص 2)، ويعرف الإثبات شرعا بانه الاتيان بالدليل الذي يثبت الحق او الواقعة المطروحة امام القاضي وفقا للطرق المحددة شرعا( ابو زهرة، بدون سنة، ص 139 ) وعلى اعتبار ان الكلاب البوليسية وسيلة من وسائل الاثبات يفترض عند استخدامها ان تراعى كافة الضوابط القانونية، وذلك حماية لكافة الاطراف ويعتبر استخدامها و معرفة مدى مشروعية ذلك امراً في غاية الاهمية، وبالتالي يفترض اي متهم تستخدم معه الكلاب البوليسية لاثبات جريمته ان يعامل حسب ما تنص عليه التشريعات ، وهذا ما يؤكد عليه المشرع الأردني حيث ينص على انه لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون، وانه يجب معاملة كل من يقبض عليه أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته معاملة طيبة لا تمس كرامته، ولا يجوز تعذيبه، أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً،ايضا لا يجوز حجزه في غير الأماكن المسموح بها من الناحية القانونية، والا ينزع منه اي قول  تحت التعذيب والتهديد( المادة 8 ، الدستور الاردني)، ونفهم من هذا النص انه عند استخدام الكلاب البوليسية يجب الا يكون هناك تعذيب او تهديد او ايذاء نفسي او بدني لاي شخص بهدف اخذ اقواله او نزع اعترافه على اعتبار ان الكلاب وسيلة من وسائل الاثبات .

ويشير المشرع المصري على أنه كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاوه بدنياً أومعنوياً، كما لا يجوز حجزه في غير الاماكن المخصصة حسب القانون، ولا يجوز الاخذ باي قول تم الوصول اليه بالقوة والتهديد والتخويف الواقع على المتهم ( المادة 42 ، الدستور المصري)

ونلاحظ ان المشرع الاردني والمصري يقتربان من بعضهما في مسالة معاملة اي شخص موقوف او محبوس او مقبوض عليه ،حيث نصا على الا تستخدم معه القوة والتهديد والايذاء باي طريقة كانت، ايضا نجد ان مسألة استخدام الكلاب البوليسية لها اساس في النصوص الدستورية التي تطلب ان يكون استخدامها بصورة تحفظ للإنسان كرامته وسلامة جسده، وعدم تعرضه للإيذاء النفسي أو البدني أو الوعيد أو التهديد وخلاف ذلك يكون استخدامها غير مشروع.

ونجد ان المشرع المصري لم يمنع أو يجيز صراحة استخدام الكلاب من قبل الجهة المختصة والمخول لها ذلك، غير أنه نص صراحة على حماية وصيانة السلامة الجسدية، والكرامة الإنسانية، لهذا يفهم انه لا يجوز استخدام الكلاب البوليسية بطريقة فيها اهانة او تهديد او تاثير نفسي وبدني على الشخص المعني( المادة 40 ، قانون الاجراءات المصري ) ،وبذلك يكون سمح باستخدام الكلاب البوليسية واعتبره أمرا مشروعا، ولكن هذه المشروعية ليست مطلقة وإنما مقيدة بقيود، أهمها ان تحفظ للإنسان كرامته، وسلامة جسده، وان لا تستخدم في إيذائه أو تعذيبه.

ونلاحظ ان المشرع المصري ساير باقي قوانين الدول في عدم تنظيم هذه المسألة، حيث جعل القواعد العامة هي الكفيلة بتنظيمها، مع ذلك استخدام الكلاب البوليسية لا يشكل دليلاً مستقلاً عن أدلة الإثبات، فهو يعتبر قرينة بحاجة إلى ما يعززها ويساندها لغايات الاعتماد عليها في إصدار الحكم على المتهم.

ويستخلص القاضي القرينة المساندة والمعززة من الظروف والملابسات والوقائع الموجودة امامه والمحيطة في الجريمة، وبالتالي ممكن للقاضي ان يستنبط واقعة مجهولة من واقعة معلومة وثابتة يعتمد عليها في اصداره للحكم( عبيد ، 1985، ص 725 ).

ونرى ان هذه القرائن يمكن أن تناقش ويمكن للقاضي أن يرفضها او يقتنع بها ويستند إليها فترقى إلى مستوى الدليل من خلاله يكون حكمه على المتهم.

المطلب الثاني : ضوابط استخدام الكلاب البوليسية

يجب ان تتقيد الجهة التي تستخدم الكلاب البوليسية بالهدف المطلوب وهو التعرف على المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة عن طريق الربط بين رائحة الاشياء التي تم ضبطها في مسرح الجريمة وبين رائحة مرتكب الجريمة ( السميني ،1983 ،ص297 )، وتكون الراوئح في شكل ابخرة تنتقل الى الكلب ويكفي أن يحمل الهواء منها قدرا ضئيلا لكي يحس بوجودها ونوعها وطبيعتها ويميزها عن غيرها (سليم ،1968 ،ص 116) وتعد الروائح البشرية نموذجاً خاصاً ومتميزا للأثر المادي الذي يتركه الجاني في مسرح الجريمة، حيث يؤكد العلم أن لكل شخص رائحة مختلفة تميزه عن غيره، بسبب وجود مواد بروتينية مجهولة التركيب تدخل الطعام اليومي للشخص وتفرز مع العرق، او إلى البكتيريا الموجودة على جسم الإنسان ولاجل ذلك يدرب الكلب جيدا حتى يتم استغلال حاسة الشم لديه لمعرفة ما يتركه الجاني من اثر، حيث يقوم الكلب بتتبع رائحة الجاني والتعرف عليه من خلال تلك الرائحة المميزة له (الحريشي، 2000 ، ص 128)، وحتى تتمكن الكلاب البوليسية من القيام بواجبها بالشكل الصحيح يجب ان تخضع لسلسلة متتالية ومستمرة من التدريبات، تحت اشراف مدربين من ذوي الإختصاص والمهارة (جوخدار ،1962 ،ص 11)

وتستخدم الكلاب البوليسية من قبل الجهة المختصة كي تساعدها في كشف او اثبات وجود المخدرات، وذلك لان لها صفات تكوينية جسمانية خاصة تساعدها على العمل الشاق المطلوب منها (زيدان ،1983، ص 19 ) رغم ان هذه الصفات التكوينية لا تكفي لقيامها في المهمة المطلوبة ولكن يجب مراعاة عدة امور منها:-

1-أن تستخدم الكلاب البوليسية بعد الحادث مباشرة، قبل أن يحدث اي تغيير أو تأثر على الاثر الموجود بسبب العوامل الطبيعية، حيث يجب مراعاة نوع الأثر وكيفية التحفظ عليه، فالملابس المتحفظ عليها تحتفظ برائحتها لمدة تختلف عن باقي الادوات والمعدات الاخرى المتحفظ عليها، لذلك يجب على الجهة المعنية مراعاة هذه المدد واخذها بعين الاعتبار حفاظا على وجود تلك الراوئح للاستفادة منها(الحديدي،1962، ص 8).

2-لا يجوز عرض عدة مضبوطات ومتهمين على الكلب البوليسي ، وذلك حتى يتمكن من التمييز بينهم ولا تختلط عليه الروائح، ويجب إخضاع الكلب البوليسي قبل استخدامه إلى تجربة تمهيديه لاختبار قوة حاسة الشم لديه (الحديدي ، 1962 ، ص 189 -190 ).

3-يفترض عرض ملابس المشتبه بهم ومخلفاتهم على الكلب البوليسي في مكان ضبطها، وإذا تعذر إرسال الكلب البوليسي إلى مكان ضبطها، يجب تحريزها جيداً (الملا ، 1974 ،ص 55 ).

4-يجب أن تستخدم الكلاب البوليسية تحت اشراف ذوي الإختصاص و ينظيم محضر بذلك يتضمن كافة التفاصيل المتعلقة في الجريمة ، ويحتم على الجهة المعنية سؤال مدرب الكلب البوليسي فيما إذا كان الكلب مجهداً أم لا، فإذا اخبرهمانه  مجهد، فيجب وقف استخدامه كونه لا يمكن الاعتماد عليه كونه مجهد ولن يركز بالروائح وبالتالي لن يعطي نتيجة جيدة( الملا ، 1974 ، ص 55 – 56 )

ونرى انه بالرغم من اهمية استخدام الكلاب البوليسية الا انه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نجبر المتهم على الاعتراف بالجرم المرتكب، او إكراهه وتعذيبه والتأثير على إرادته، او اهانة كرامته ، او حث الكلب على عقره، أو الوثوب عليه أو تمزيق ملابسه وإيذائه مهما كان المبرر أو الدافع إذ يشكل هذا الأمر جريمة.

 

الخاتمة

تناولت في هذا البحث استخدام الكلاب البوليسية في اثبات جريمة المخدرات توضيح اهمية الكلاب البوليسية حيث بينت ان الانسان منذ القدم ادراك ما للكلاب من مميزات وخصائص تنفررد بها عن سائر الحيوانات الأخرى، وايضا في العصر الحديث لذا تستخدم في الاغراض الامنية ومكافحة الجريمة واثباتها، وبالرغم من عدم وجود نص قانوني يحث على استخدامها، الا انه اعتاد رجال الضبط الجنائي على استخدامها وهي تعتبر قرينة في اثبات وجود المخدرات واثبات شخصية مرتكبها شرط مراعاة تدريبها جيدا من قبل مختص، واستخدامها بطريقة قانونية بعيدة عن تعذيب المجرم وانتهاك كرامته بهدف نزع اعتراف منه ، وبرزت اهمية البحث باعتباره يوضح دور الكلاب في اثبات جريمة المخدرات التي تعتبر من اخطر الجرائم .

النتائج :

1- عدم استخدام الكلاب البوليسية إلا من قبل المختصين بها، وتحت اشراف المدرب لها وان يكون هناك مبرر لاستخدامها.

2- عدم استخدام الكلاب البوليسية غير المدربة تدريباً كافيا حتى تقوم بالغرض المطلوب منها والغاية المخصصة لها.

3-عدم الإستمرار في استخدام الكلب البوليسي بعد أدائه للغرض المطلوب منه ويجب مراعاة العديد من الضوابط حتى ينجح في مهمته

4-لا يوجد نص صريح على استخدام الكلاب البوليسية وان استخدامها هو مجرد قرينة تحتاج الى دليل معزز لاثبات الجريمة

التوصيات :

-1 عدم تعذيب الكلب البوليسي قبل استخدامه في أعمال البحث عن الجرائم والجناة، لأن التعذيب يؤدي بدون شك إلى إجهاده وفشله، وعدم الوصول إلى النتيجة المطلوبة منها .

-2 عدم المبالغة في عدد الكلاب البوليسية المستخدمة للمهمة الواحدة، وذلك حتى لا تؤدي إلى إحداث الهلع والخوف في نفوس المشتبه بهم، وحتى لا يتم فقدان السيطرة عليها، خاصة ان كانوا من الأحداث والنساء وكبار السن والمصابين بامراض القلب أو الامراض النفسية.

3- ضرورة وجود طبيب بيطري للتأكد من سلامة وصحة الكلب البوليسي قبل استخدامه ، بالإضافة إلى طبيب عام، ليقدم الإسعافات الأولية للاشخاص المراد عرضهم على الكلب البوليسي في حالة عقرهم أو الهجوم عليهم من قبل الكلب البوليسي، أو إصابتهم بنوبات قلبية أو عصبية،أو حالات إغماء بسبب الخوف .

4- نحث المشرع أن يتدخل بنصوص صريحة تنظم وتعالج مسألة استخدام الكلاب البوليسية.

 

المراجع العربية

1- ابو زهره، محمد، بدون سنة،  موسوعة الفقه الاسلامي ،الجزء الثاني، جمعية الدراسات الاسلاميه القاهرة مطبعة مخيمر

2-بدر، احمد سلامة ،2018، المعالجة القانونية والقضائية لجرائم المخدرات في مصر ودول الخليج العربي ، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية ، القاهرة

3-بوراوي، شرف، 2014، جريمة تعاطي وترويج المخدرات ،رسالة ماجستير، جامعة بسكره، الجزائر

4-بن خدة، حمزة ، 2008، جريمة المخدرات بين الشريعة والقانون الجزائري ، الملتقى الدولي الاول حول الادمان على المخدرات .

5- الجابري، ايمان محمد ،2011، القواعد المنظمة للتعامل بالمخدرات في دولة الإمارات، بدون طبعة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية.

6- جوخدار، حسن، أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الثاني في المراحل الاجرائية التي تمر بها التهمة، منشورات جامعة دمشق.

7- الحديدي، محمد كمال، 1962 ، كلاب الشرطة في خدمة العدالة والمجتمع، دار النهضة العربية، القاهرة.

8- الحريشي، مدحت، 2000 ، تصحيح بعض المفاهيم حول الاستعانة بالكلاب في الشرطة، بحث منشور في محطة الأمن العام، عمان، العدد 170 ، ص 125

9-حسني، محمود نجيب، 1988، شرح قانون الاجراءات الجنائية، الطبعة الثانية مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ، دار النهضة العربية

10- الحلبي، محمد علي سالم، 1982 ، اختصاص رجال الضبط في التحري والاستدلال والتحقيق، منشورات جامعة الكويت، الكويت.

11- خراشي، عادل عبد العال، 2006 ، ضوابط التحري والاستدلال عن الجرائم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية.

12-ربيع، عماد محمد، بدون سنة ، القرائن وحجيتها في الاثبات الجنائي،مطبعة دار الكندي، عمان

13- زيدان، عدنان عبد الحميد، 1983 ، ضمانات المتهم والأساليب الحديثة للكشف عن الجريمة، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق، جامعة عين شمس.

14- سليم، حازم محمد، 1968 ، الرائحة والكشف عن الجريمة، بحث منشور في مجلة الأمن العام، عمان، العدد 43

15- السميني، حسن علي،1983، شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل الحديثة، رسالة دكتوراه كلية الحقوق، جامعة القاهرة.

16- شريط، مليكة،2015، مكافحة جرائم المخدرات بين الشريعة الإسلامية والقانون الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة الشهيد حمه لخضر، الوادي، الجزائر

17-شعبان، صباح كرم، 1984،جرائم المخدرات، دراسة مقارنة، بغداد: مطبعة الأديب.

18- عبد الله، عصام،2015، حماية المجتمع من خطر المخدرات من خلال السنة والسيرة النبوية، بحث منشور في مجلة مركز بحوث القرآن والسنة النبوية، جامعة القران الكريم والعلوم الإسلامية، السودان ، العدد 6.

19-عبد الغني، سمير محمد،2009، المخدرات ، القاهرة ، دار الكتب القانونية

20- عبيد، رؤوف، 1985 ، مبادئ الاجراءات الجنائية، دار الفكر العربي، القاهرة.

21- العرابي، علي زكي ،1940، المبادئ الاساسية للتحقيقات والاجراءات الجنائية،  طبعة لجنة التأليف والترجمة

22-عيد، محمد فتحي، 2006، جريمة تعاطي المخدرات في القانون المقارن، الرياض: المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب.

23-محمد، عوض،1996، قانون العقوبات الخاص، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي، القاهرة: المكتب المصري الحديث.

24-مروك ، نصر الدين، 2007،جريمة المخدرات في ضوء القوانيين والاتفاقيات الدولية ، دار هومة الجزائر

25- الملا، سامي صادق، 1974 ، حجية استعراف الكلاب الشرطية إمام القضاء، بحث منشور في المجلة الاجتماعية القومية ، العدد الأول ، القاهرة

26- هرجة، مصطفى مجدي ،1992، جرائم المخدرات قفي ضوء الفقه والقضاء، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية

 

المراجع الاجنبية

1- Camille bel, Auriance bonault, Julien brunin, les perturbation du système nerveux dû aux drogues.

2- Yann Bisiou, Les drogues et la loi, Groupement d’intérêt Public, mars

,2002, l’université Paul Valéry de Montpellier, france

القوانيين

  • الدستور الاردني وتعديلاته 2016
  • الدستور المصري وتعديلاته 2014
  • قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الاردني رقم (23 ) 2016
  • قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العراقي رقم (50 ) 2017
  • قانون المخدرات والمؤثرات العقلية اللبناني 2022
  • قانون اصول المحاكمات الاردني 2017
  • قانون الاجراءات المصري 2022
  • اتفاقية المخدرات لللامم اللمتحدة 1931

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *