أ.د.حسين عبدعلي عيسى

كلية القانون / جامعة السليمانية

husseinissa@hotmail.com

009647702100958

الملخص

يشكل قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 نتاجاً بارزاً للسياسة الجنائية التي إتبعها المشرع في العراق للتصدي للإجرام في المجتمع وردعه. الا أنه في ظل التطوراتالمتسارعة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية برزت تحديات جديدة أمام السياسة الجنائية في العالم بصورة عامة، وفي العراق بصورة خاصة، تمثلت في ظهور أنماط جديدة من الجرائم، منها الدولية، وأخرى ذات الطبيعة الدولية، وجرائم فرضتها ظروف الحياة المعاصرةوتطوراتها، كما تجسد ذلك في ظهور أنماط جديدة من التدابير العقابية، بل وفي اللجوء إلى بدائل عن التدابير العقابية التقليدية، أو في إلغاء بعضها، مما يطرح على بساط البحث، في إطار السياسة الجنائية الوطنية، أهمية دراسة مسألتي التصدي للجرائم الجديدة، ومدى إمكانية تطبيق التدابير العقابية الجديدة في القوانين العقابية.

ويعدّ العمل على تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 في ضوء التوجهات المعاصرة للسياسة الجنائية من الآليات البارزة لمكافحة الإجرام والعقاب عليه على صعيد العراق، كما أنه يتوجب أن يشكل العنصر الأساس في السياسة الجنائية المعتمدة فيه.

ويتوزع البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة. خصص المبحث الأول للتعريف بمفهوم السياسة الجنائية وتوجهاتها المعاصرة، وتناول المبحث الثاني تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على الصعيدين التجريمي والعقابي. وتوصل البحث إلى ضرورة تحديث هذا القانون استناداً إلى تطورات السياسة الجنائية، ويوصى المشرع العراقي بالقيام بذلك على أساس توجهاتها المعاصرة.

الكلمات المفتاحية:

السياسة الجنائية، التجريم، العقاب، تحديث القانون، قانون العقوبات العراقي.

الملخص

يشكل قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 نتاجاً بارزاً للسياسة الجنائية التي إتبعها المشرع في العراق للتصدي للإجرام في المجتمع وردعه. الا أنه في ظل التطوراتالمتسارعة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية برزت تحديات جديدة أمام السياسة الجنائية في العالم بصورة عامة، وفي العراق بصورة خاصة، تمثلت في ظهور أنماط جديدة من الجرائم، منها الدولية، وأخرى ذات الطبيعة الدولية، وجرائم فرضتها ظروف الحياة المعاصرةوتطوراتها، كما تجسد ذلك في ظهور أنماط جديدة من التدابير العقابية، بل وفي اللجوء إلى بدائل عن التدابير العقابية التقليدية، أو في إلغاء بعضها، مما يطرح على بساط البحث، في إطار السياسة الجنائية الوطنية، أهمية دراسة مسألتي التصدي للجرائم الجديدة، ومدى إمكانية تطبيق التدابير العقابية الجديدة في القوانين العقابية.

ويعدّ العمل على تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 في ضوء التوجهات المعاصرة للسياسة الجنائية من الآليات البارزة لمكافحة الإجرام والعقاب عليه على صعيد العراق، كما أنه يتوجب أن يشكل العنصر الأساس في السياسة الجنائية المعتمدة فيه.

ويتوزع البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة. خصص المبحث الأول للتعريف بمفهوم السياسة الجنائية وتوجهاتها المعاصرة، وتناول المبحث الثاني تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على الصعيدين التجريمي والعقابي. وتوصل البحث إلى ضرورة تحديث هذا القانون استناداً إلى تطورات السياسة الجنائية، ويوصى المشرع العراقي بالقيام بذلك على أساس توجهاتها المعاصرة.

الكلمات المفتاحية:

السياسة الجنائية، التجريم، العقاب، تحديث القانون، قانون العقوبات العراقي.

 

Modernizing the Iraqi Penal Code

in light of contemporary criminal policy trends

Prof. Dr Hussein A.Issa

College of Law, University of Sulaimani

 

Abstract

The Iraqi Penal Code No. (111) of 1969 is a product of the penal policy adopted by the Iraqi legislatorto counter and deter crime in society. But in the light of the rapid development of various aspects of public life, the criminal policy in the world in general and in Iraq, in particular, has faced new challenges, expressed in the emergence of new types of crimes, including international crimes, and other crimes with an international character. As well as crimes due to the conditions and development of modern life, which is expressed in the emergence of new types of punitive measures and even resorting to alternatives to traditional punitive measures, or the abolition of some of them, which raises the question, within the framework of national criminal policy, the importance of studying two issues of appeal for new crimes and the extent to which new penalties are applied in criminal law.

The work to modernize the Iraqi Criminal Code of 1969, taking into account modern trends in criminal policy, is one of the prominent mechanisms for combating crime and punishing its perpetrators in Iraq and should form a leading element of thecriminal policy adopted in it.

The study is divided into an introduction, two chapters, and a conclusion. The first chapter was devoted to the definition of the concept of criminal policy anditscurrent trends, andthe second chapte rwas devotedto updating theIraqiPenal Code of 1969 at the criminalization and punishment levels.The research found theneedto update this legislati onbased on thedevelopments in criminal policy, and the Iraqi legislator recommends doing this based on contemporary trends.

key-words:

Criminal police, criminalization, punishment, modernization of legislation, Iraqipenal code.

المقدمة

أولاً: التعريف بمشكلة البحث:لقد أدت التطورات المتنوعة في العالم إلى تسارع وتائر الإجرام وتنوعه، فإلى جانب الجرائم التقليدية برزت الجرائم الدولية (إلإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان) كما ظهرت أنواع جديدة وخطيرة من الجرائم، إتصف عدد كبير منها بطبيعتها الدولية، هذا إضافة إلى تطور وسائل اقتراف الجرائم التقليدية، وازدياد درجة خطورتها، مما دفع الدول إلىالتعاون معاً من أجل مكافحتها، وبخاصة من خلال تجريمها في الإتفاقيات الدولية واللجوء إلى مختلف صور التعاون الدولي للتصدي لها. ولم يكن ذلك بمعزل عن التطورات التي طرأت في نطاق السياسة الجنائية التي سعت إلى مواكبة التغيرات في الحياة الاجتماعية، وإلى وضع إستراتيجية لمواجهة الإجرام بما يتوافق مع تطوره وصوره المعاصرة.

لقد إنقضت على صدور قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 أكثر من نصف قرن، وخلال المدة المنصرمة لم تطرأ عليه تعديلات جوهرية بما يواكب التطورات المتسارعة في السياسة الجنائية، سواءً اكان ذلك على صعيد التجريم أم على صعيد العقاب، وبات هذا القانون في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى ذلك، الأمر الذي دفع السلطات المختصة في العراق إلى طرح مشروع له لغرض إجراء عدد من التعديلات عليه، ومن ثم فأن طرح عدد من التوصيات في نطاق هذا البحث استناداً إلى التوجهات المعاصرة في السياسة الجنائية وفي ضوء تجربة القوانين العقابية المقارنة يمكن أن تسهم في تطوير هذا القانون.

ثانياً: أهمية مشكلة البحث:ينطوي البحث في موضوع تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على أهمية نظرية وتطبيقية في آن واحد، فتحديث هذا القانون بات ضرورة، إذ أن دراسة أحكامه تدل على ضرورة إجراء تعديلات عليه، إضافة إلى سدّ الثغرات فيه، التي أشار إليها غير مرة الباحثون في القانون العراقي. وفي نطاق هذا البحث لا يتسع المجال لبيان ثغرات القانون جميعها، الا أن أهميته تتجلى في كونه يتضمن عدداً من التوصيات بخصوص تحديثه، ولعل التوصيات الواردة في هذا البحث تسهم في تقديم العون في هذا المجال.

ثالثاً: أهداف البحث:تنحصر الأهداف الرئيسة للبحث فيما يأتي :

  • بيان السياسة الجنائية في الإطار المفاهيمي وتوضيح توجهاتها المعاصرة.
  • دراسة أهمية تعديل قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 فيما يتعلق بالعقاب على الجرائم الدولية والجرائم ذات الطبيعة الدولية.
  • دراسة مدى ضرورة تطبيق الإختصاص العالمي بخصوص الجرائم الدولية والجرائم ذات الطبيعة الدولية.
  • دراسة أهمية تعديل التدابير العقابية في قانون العقوبات العراقي لسنة 1969.
  • طرح التوصيات المناسبة بخصوص تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 بصفة عامة.

رابعاً: مناهج البحث:تستندالدراسة إلى المنهج الوصفي في بيان مفهوم السياسة الجنائية وتوضيح توجهاتها، كما تعتمدالمنهجين التحليليوالمقارن في دراسة المواثيق الدولية، والنظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية وأحكام القوانين العراقية والمقارنة بخصوص موضوع البحث.

خامساً: خطة البحث:يتوزع على مقدمة ومبحثين وخاتمة. يكرس المبحث الأول للتعريف بمفهوم السياسة الجنائية وتوجهاتها المعاصرة، ويتناول المبحث الثاني تحديثقانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على صعيدي السياستين التجريمية والعقابية، وعلى الوجه الآتي:

المبحث الأول

مفهوم السياسة الجنائية وتوجهاتها المعاصرة

تشكل السياسة الجنائية جزءاً من السياسة القانونية للدولة، وهي تمثل السياسة التي تتبعها الدولة في نطاق مكافحة الإجرام وردعه، وتجسد الدولة الغايات منها من خلال سن القوانين العقابية أو تعديلها، وذلك بما يتوافق مع توجهاتها. ومن أجل توضيح المقصود بالسياسة الجنائية، وبيان توجهاتها المعاصرة نوزع هذا المبحث على مطلبين، نكرس المطلب الأول للتعريف بمفهوم السياسة الجنائية، ونخصص المطلب الثاني لعرض توجهاتها المعاصرة، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

مفهوم السياسة الجنائية

على الرغم من صدور كم هائل من الدراسات المكرسة لقضايا السياسة الجنائية الا أنه لا يوجد حتى الآن إتفاق على تعريف موحد لها. وبهذا الصدد يلاحظ وجود موقفين من ذلك، ففريق من الباحثين يأخذ بالتعريف الموسع للسياسة الجنائية، فجنباً إلى جنب التدابير ذات الطبيعة الجنائية المرتبطة بقانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية، وعلم الإجرام، وعلم العقاب، يدرج في تعريف السياسة الجنائيةمختلف التدابير العامةذات الطبيعة الاجتماعية، مثل التدابير الاقتصادية والأيديولوجية والطبية، وغيرها. إذ يرى أنصار هذا الموقف إن مضمون السياسة الجنائية يجب أن يشتمل على توجهات الدولة بخصوص التدابير الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكذلك وضعها للوسائل القانونية الجنائية لمكافحة الإجرام(غيرتنسنزون، 1970،ص 179، كالبرين وكورليانيديسكي، 1975، ص 12، كوفاليين وبورونين، 1980، ص 8).

ومثل هذا الموقف من الصعب الإتفاق معه، ذلك أن التوسع في مفهوم السياسة الجنائية على هذا النحو يجعل من السياسة التي تضعها الدولة على الصعيد الاجتماعي (السياسة الاجتماعية للدولة) هي السياسة الجنائية من الناحية العملية، هذا على الرغم من عدم نكران الدور غير المباشر الذي تلعبه التدابير الاجتماعية في ردع الإجرام. إذ لا يتوجب إدراج التدابير الاجتماعية كلها في نطاق مضمون السياسة الجنائية، باستثناء تلك التي تكون موجهة نحو مكافحة الإجرام بشكل مباشر.

أما الموقف الثاني فيلتزمه عدد كبير من الباحثين، الذين يدرجون في مضمون السياسة الجنائية التدابير الخاصة بمكافحة الإجرام التي تتضمنها قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية وتنفيذ العقاب. وفي رأي أنصار هذا الموقف إن السياسة الجنائية لا تمت بصلة لتوجهات مكافحة الإجرام كلها، بل بتلك التوجهات التي بمساعدتها توجه الدولة من خلال أجهزتها المعنية مكافحة الإجرام بوساطة العقاب(بورودين ، 1990، ص 4، شالينسكي، 1986، ص 12-18، إسماعليلوف، 1990، ص 101).

الا أن هذا الموقف ليس بمنأى عن النقد أيضاً كونه أبقى ردع الإجرام والوقاية منه خارج مضمون السياسة الجنائية. ومن ثم يرى فريق ثالث من الباحثين إن السياسة الجنائية يمكن أن تعرف بوصفها الأطر العامة للدولة بصدد التوجهات الأساسية لمواجهة الإجرام وغاياته ووسائلهالتي تنظمها القوانين العقابية والإجرائية والإصلاحية وتطبيقاتها، وذلك على أساس التدابير الموضوعة للوقاية من الإجرام(كودريافتسوف، 1982، ص 16، فتروف، وليبانوف، 1997، ص 73، إغناتوف وكراسيكوف ، 2001، ص 4).

وفي رأيهم، إن السياسة الجنائية عبارة عن إستراتيجية الدولة وتكتيكاتها لمكافحة الإجرام، التي تستهدف تقليص معدلات الإجرام على أساس استبعاد أسبابه والظروف المهيئة له باستخدام التدابير القانونية الجنائية والإجرائية والإصلاحية، إضافة إلى مختلف التدابير الوقائية. ويشكل هذا الموقف في الدراسات الراهنة الموقف السائد في أوساط الباحثين في تعريفاتهم للسياسة الجنائية، في ظل عدد من الاختلافات غير الجوهرية فيها.

ويستخلص مما تقدم، إن السياسة الجنائية هي أحد أجزاء السياسة الاجتماعية للدولة بصدد توجهات مكافحة الإجرام بصفة عامة، وأنماطه المختلفة بصفة خاصة بوساطة التدابير القانونية العقابية والإجرائية والإصلاحية والوقائية المختلفة.

وتحتل السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات مركز الصدارة في نطاقها، كونها تشكل الأساس القانوني لمكافحة الإجرام، أما بالنسبة للأجزاء الأخرى من السياسة الجنائية المرتبطة بقانون الإجراءات الجنائية وقوانين تنفيذ العقوبات الجزائية، فهي في واقع الحال تستند إليها.

ومن ثم فأن السياسة الجنائية في قانون العقوبات تشكل الأساس التشريعي لمكافحة الإجرام في العراق بوساطة عزل السلوك الإجرامي عن غير الإجرامي، وتحديد حلقة السلوكيات التي تعدّ جرائم والعقوبات التي تفرض على مرتكبيها. كما وأنها تحدد الأسس المعتمدة في إلغاء التدابير العقابية أو استبدالها بتدابير أخرى، وهذا ما يحدد بدوره إتجاهات تطور السياسة الجنائية في نطاق الاجراءات الجنائية وفي نطاق تنفيذ العقوبات الجزائية وفي نطاق التدابير المعتمدة للوقاية من الإجرام. بمعنى أن السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات تعدّ أحد أنشطة الدولة لمكافحة الإجرام بوساطة الوسائل القانونية الجنائية (العقابية).

وتأسيساً على هذا، يتكون مضمون السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات من عدد من العناصر التي تشتمل على تحديد المبادئ الأساسية التي تعكس التوجهات العامة للسياسة الجنائية للدولة في نطاق قانون العقوبات، التي تجد تثبيتاً لها في دستورها وقوانينها العقابية(عيسى، 2006، ص 13)، وكذلك تحديد الأفعال التي تعد جرائم (التجريم)، أو التي يستبعد تجريمها (الإباحة)، وتحديد التدابير العقابية على الجرائم (العقاب) أو شروط الإعفاء منها (الإباحة)، واعتماد التدابير البديلة عن العقاب، من قبيل التدابير المتخذة إزاء الأحداث، والتدابير الطبية المتخذة إزاء المصابين بعيب عقلي، وتفسير القواعد القانونية الجنائية النافذة بهدف شرح مضمونها وتوضيح معانيها، إضافة إلى التوجيهات المعنونة إلى أجهزة التحقيق والقضاء بالنسبة لتطبيقات قواعد القوانين العقابية والعمل على تفعيلها.

غني عن البيان، إن مضمون السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات لا يقتصر على الجانب التشريعي وحده (الصياغة التشريعية) فحسب، فهو يشتمل كذلك على جانب تطبيقي يتعلق بدراسة الظواهر التي تتوجب مكافحتها بوساطة الوسائل القانونية العقابية، والبحث في مدى ضرورة التنظيم القانوني الجنائي للمجتمع فيما يتعلق بتجريم سلوكيات معينة، أو تحديد العقاب وتدابيره المختلفة أو إلغائه، أو ما شابه ذلك. كما أن دراسة تسبيب التجريم والإباحة (الأسباب الموجبة) تحتل موقعاً بارزاً في نطاقها، ولاسيما من خلال دراسة قواعد القوانين العقابية للنظر في مدى فاعليتها بهدف تطويرها أو إلغائها أو استبدالها بأخرى أو لاستحداث قواعد قانونية جديدة، وذلك بما يواكب التطورات الاجتماعية والحاجات الحقيقية للمجتمع.

ومن ثم فإن قانون العقوبات يتوجب أن يكون مسبباً من الناحية الاجتماعية. بمعنى أنه يتوجب أن يجسد الحاجات الفعلية للمجتمع وأن يواكب التطورات المعتملة فيه، الا أن هذا لا يستبعد وجود عدد من القواعد العقابية فيه التي قد لا تجسد حاجة المجتمع لها على صعيد التنظيم القانوني العقابي على الوجه الأمثل، أو أنها قد تفتقر إلى الدقة في صياغتها التشريعية أو تعتورها الثغرات التشريعية أو تتطلب تحديثاً بما يتوافق مع التطورات الطارئة على توجهات مكافحة الإجرام المعاصرة(عيسى، 2011)، هذا إضافة إلى احتمالات ارتكاب أجهزة مكافحة الإجرام للأخطاء ارتباطاً بذلك في مسار تطبيق القوانين العقابية، ولاسيما منها الأجهزة القضائية(عيسى، 2013).

وغالباً ما يرتبط عدم فاعلية قواعد قانون العقوبات أو انخفاض درجة هذه الفاعليةبعدد من الأسباب، ومن أبرزها: عدم توافق قواعد قانون العقوبات مع تطورات المجتمع، عدم صحة تحديد الأسباب الموجبة لصدورها، عدم صحة اختيار وسائل بلوغ الغايات المنتظر تحقيقها منها، عدم صحة شروط نفاذها وتطبيقها، تعارضها وتنازعها مع قواعد القانون نفسه أو القوانين الأخرى النافذة، غموضها، عدم دقتها، وجود الصعوبات في تطبيق العقوبات التي تتضمنها، …إلخ.

وهذا يوصل إلى استنتاج عن أن العملية التشريعية المتعلقة بصياغة هذه القواعد تتطلب، إضافة إلى تحليلها، دراسة تطبيقات القوانين في الواقع العملي، والأمر نفسه ينطبق على تطوير قواعد قانون العقوبات العراقي النافذ لسنة 1969، فالقيام بذلك يقدم صورة متكاملة عن الثغرات التي تشوبه على الصعيدين التشريعي والتطبيقي.

وهذا يبيّن من ثم أن العملية التشريعية تجسد الصلة الوثيقة بين السياسة الجنائية من جهة، وقانون العقوبات من جهة أخرى، ويدل هذا ايضاً على أن قانون العقوبات هو جوهر السياسة الجنائية ونتاجها في مجال مكافحة الإجرام.

إن السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات، مثلها مثل أية سياسة، تستند إلى نظرية محددة، وتعدّ (نظرية التجريم والعقاب) هي الأساس النظري لهذه السياسة في المجال التشريعي. وتعدّ العلاقة بين التجريم والعقاب علاقة جدلية لا تنفصم، فلا جريمة من دون عقوبة، كما لا توجد عقوبة من دون جريمة، وهو ما يجسد المبدأ الرئيس للقانون الجنائي (لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون)، الذي تنص عليه المادة الأولى من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969.

وتتجلى هذه العلاقة الجدلية في أن عدّ السلوك جريمة (التجريم) وتحديد العقوبة عنه (العقاب) يشكلان جانبين لعملية واحدة، ومن ثم فأن درجة وطبيعة ووسائل التجريم تؤثر في العمليات الجزائية (العقاب) بالقدر نفسه، كما أن العقاب له أثره المعاكس بالنسبة لعملية التجريم، ولذلك يتوجب تحقيق التوازن بين التجريم والعقاب من جانب، وأن يتما، من جانب ثانٍ، بالتوافق مع مبادئ السياسة الجنائية في نطاق نظام القانون النافذ على وجه العموم، وقانون العقوبات على وجه الخصوص.

وفي ضوء ما تقدم، يمكن أن يعدّ قانون العقوبات مسبباً من الناحية العملية إن كان يتضمن بشكل كامل (من دون ثغرات) حلقة الأفعال، التي من الجائز والممكن والضروري أن تضطلع السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات بمكافحتها، وأن تستبعد في حينه تلك الجرائم المعاقب عليها بموجبه، التي فقدت الأسباب الموجبة لتجريمها، وأن تجسد بشكل كافٍ في تدابير العقوبة المحددة فيه درجة خطورة الجرائم التي ينص عليها، والتي يتوجب عليه مكافحتها، وذلك بتحقيق مبدأ التناسب بين العقوبة المحددة وخطورة الجريمة.

وفي ضوء ما تقدم، تتجسد توجهاتالسياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات من خلال المراحل الآتية:

  • جمع البيانات عن وجود الظواهر السلبية فيالمجتمع والتي تتطلب مكافحة قانونية جنائية.
  • دراسة تسبيب المكافحة المتطلبة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسايكولوجية والإجرامية.
  • وضع التنبؤات بالآثار المترتبة على تجريم هذه الظواهر والعقاب عليها.
  • الصياغة التشريعية للقواعد القانونية الجنائية اللازمة.
  • إصدار هذه القواعد بقانون.
  • عملية تطبيق هذه القواعد على الصعيد العملي.
  • تحليل مدى فعالية النشاط التطبيقي.

إن تحليل تطبيقات التشريعات العقابية النافذة يشكل تتويجاً لهذه العملية، وهذا يدل على أهمية الدور الذي تلعبه دراسة التغيرات الطارئة في المجتمع من جانب، وكذلك التوجهات التي حددتها الدولة لتطبيق القانون، من جانب ثانٍ، في تطوير السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات، وبالترابط مع هذين الجانبين يتوجب على المشرع العمل على تحديثه.

المطلب الثاني

توجهات السياسة الجنائية المعاصرة

تتنوع توجهات السياسة الجنائية، فمنها ما يتعلق بالصياغة التشريعية للقانون الجنائي بنوعيه الموضوعي والإجرائي، ومنها ما يخص تطبيق كل من قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، ومنها ما يرتبط بتطبيق العقوبات الجزائية المتخذة، وبخاصة معاملة السجناء، ومنها ما يختص بمكافحة الإجرام في المجتمع. وارتباطاً بموضوع البحث (تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969) فأن التوجهات المعاصرة للسياسة الجنائية المرتبطة بقانون العقوبات على وجه التحديد يمكن أن تنحصر بما يأتي:

أولاً: أنسنة السياسة الجنائية: يعود ظهور الأنسنة في السياسة الجنائية إلى بدايات تحديث الدولة والقانون (نهاية القرن الثامن عشر- بداية القرن التاسع عشر)، ففي هذه المرحلة طرحت على بساط البحث الجوانب النظرية لهذه المسألة، ومن ثم وجد التوجه الإنساني في السياسة الجنائية طريقه إلىالتطبيق من خلال التشريعات العقابية لعدد من الدول في أوربا، إذ تضمنت نصوصاً خففت من العقوبات الجنائية المحددة للجرائم المعاقب عليها بموجبها.

وشهد القرن العشرون إعادة النظر في السياسة الجنائية لدول مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، مما تمخض عن ذلك إجراء حركة إصلاح قانونية كبرى، تضمنت بشكل خاص أنسنة العقوبة الجزائية، إذ انعكس هذا في إنجلترا بإلغاء عقوبة الإعدام في التطبيق العملي، فعلى الرغم من الإبقاء عليها لقاء عدد من الجرائم، وبخاصة جريمة الخيانة وجريمة القرصنة، فأن الأحكام القضائية الصادرة بإتخاذ هذه العقوبة بقيت لردح طويل من الزمن بعيدة عن التنفيذ.

في حين نضجت في فرنسا في النصف الثاني من القرن العشرين ضرورة تشديد مكافحة الإجرام، الذي استشرى آنذاك بإتخاذه أشكالاً جديدة، من قبيل الإرهاب والجرائم البيئية، الا أن المرحلة (1960-1970) شهدت إعادة النظر في الجزء الأكبر من أحكام قانون العقوبات لسنة 1810، الأمر الذي أدى إلى إلغاء الكثير من الجرائم المعاقب عليها بموجبه وكذلك النص فيه على تدابير عقابية تستهدف تقليص إمكانية ارتكاب جرائم جديدة مثل: المنع من ممارسة نشاط معين أو مصادرة سيارة او ما شابه، كما  تمخضت حركة الإصلاح عن إجراء تعديلات جوهرية على نظام تطبيق العقوبة المحددة عن الجرائم ذات الخطورة البسيطة من خلال تقليص اعتماد العقوبات المقيدة للحرية واستبدالها بنظام العقوبات شبه المقيدة للحرية، إذ استبدل الاعتقال القصير الأمد بالجمع بين نظامي البقاء في أماكن الاعتقال والبقاء في المنزل.

وشهد قانون العقوبات الفرنسي الجديد لسنة 1992توسعاً في تشديد العقاب على الجرائم الاجتماعية الخطيرة، مع النص على الالتزام بالمبادئ الإنسانية للعقوبة المتخذة، كما إحتل الإنسان وحقوقه وحرياته الأساسية مركز الصدارة في نطاق الحماية الجنائية فيه (قانون العقوبات الفرنسي، 1992).

كما اعتمدت ألمانيا توجهات مماثلة لما إتبعته إنجلترا وفرنسا من خلال كفالتها لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبخاصة اعتمادها العدالة التصالحية مع المجنى عليه، وتوفير الإمكانية للمطالبة بتعويض الضرر المترتب عن الجرائم في مراحل الدعوى الجزائية كافة.

وشهد القانون الجنائي في الولايات المتحدة الأمريكية تطورات مماثلة على صعيد الأنسنة، إذ جرى التوسع في تطبيق (مدة التجربة)، التي تعدّ من أشكال بدائل العقوبة الجزائية المقيدة للحرية، والتي تتضمن الحكم على المتهم في دعوى الجزائية بعقوبة مقيدة للحرية، الا أن المحكوم عليه يكون لمدة من الزمن تحت رقابة خاصة، كما شهدت تطبيقات التشريعات الجنائية في السنوات الأخيرة عدم منح القضاة إمكانية الحكم بعقوبات مقيدة للحرية لمدد غير محددة، في حين منحت إدارات المؤسسات العقابية صلاحية النظر في الإفراج الشرطي عن المحكومين(ماكاييفا 2012، ص 3-4).

وفي روسيا شهدت نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين مناقشة واسعة لأفكار أنسنة السياسة الجنائية، وذلك ارتباطاً بالمساعي المطروحة لتطوير الدولة والقانون وتحديثهما عموماً. وفي ضوء ذلك صدر عدد من القوانين التي عدلت قانون العقوبات الروسي لسنة 1996،ومن ذلك القانون الصادر في أبريل 2010 وذلك بهدف العمل على أنسنته، إذ قضى بمنع القبض على الأشخاص فيالمواد العقابية الخاصة بالنشاط الاقتصادي. كما صدر في 7 مارس 2011 قانون آخر قضى بشطب الحد الأدنى للعقوبات المحددة عن ارتكاب ثمان وستين جريمة، مما منح القضاء صلاحية تحديد الحد الأدنى للعقوبة المتخذة على الجريمة المرتكبة(آبيخين 2012، ص 141).

ويمكن أن يأخذ المشرع العراقي بدوره بهذا النهج الذي إتبعته الدول المذكورة في أنسنة سياستها الجنائية، ولاسيما في نطاق أنسنة التدابير العقابية المحددة في قانون العقوبات لسنة 1969.

ثانياً: كفالة الأمن الشخصي وحماية الأمن الوطني من الاعتداءات الإجرامية: إن هذا التوجه يتوجب ان يكون أحد التوجهات الرئيسة التي يعتمدها المشرع العراقي في تحديث قانون العقوبات لسنة 1969، على أن يكون ذلك مع مراعاة تتابع جديد بالنسبة للقيم (المصالح المعتبرة) التي يحميها بأن تكون كما يأتي: (الإنسان أولاً ومن ثم المجتمع والدولة)، فالسياسة الجنائية ارتباطاً بهذه التوجه يمكن أن تلعب دوراً رائداً وفاعلاً في حماية الأمن الوطني للبلاد، التي تعني حماية المصالح الوطنية من التهديدات الخارجية والداخلية على حد سواء، وبما يكفل التطور المستدام للإنسان والمجتمع والدولة(بوسخولوف، 2004، ص 59).

وتشكل مكافحة الإرهاب والإجرام المنظم والفساد الضمانة الأبرز لحماية الأمن الوطني لجمهورية العراق، وهي التي يجب أن تضطلع بها أجهزة الدولة كافة. ويعدّ الاستخدام الفاعل لوسائل السياسة الجنائية على رأس العوامل الأساسية لتعزيز ذلك.

لقد أدى تنامي ظاهرة الإرهاب وإتصافها بمختلف مظاهر الوحشية ولكونها باتت ظاهرة عابرة للحدود الوطنية، ولتعاضد المنظمات الإرهابيةفي مختلف أصقاع العالم فيما بينها فيما يتعلق بتقديم المساعدات المالية والتقنية والبشرية، بل وكذلك في ارتكاب الأعمال الإرهابية، مما جعلها واحدة من الجرائم الخطيرة ذات الصفة الدولية(درابكين، 2002، ص 209) وأدىهذا إلى إتخاذ الدول على اختلاف نظمها السياسية تدابير عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة، بما في ذلك إصدار التشريعات العقابية، وقد أصدر المشرع العراقي بدوره قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، كما حذا حذوه المشرع في إقليم كردستان العراق بإصدار قانون مكافحة الارهاب رقم (5) لسنة 2006.

ويعدّ الإجرام المنظم إحدى أخطر الجرائم، كونه يتغذى على المجتمع، ومن ثم يهدد وجوده، كما أن خطورته تنحصر في تسبيبه الضرر المادي للدولة والمواطنين على حد سواء، وغالباً ما يتصف بالتخادم بين النشاط الاقتصادي غير القانوني من جهة، وأجهزة الدولة من جهة ثانية، هذا إضافة إلى طبيعته العابرة للحدود الوطنية (الدولية) في كثير من الأحيان. والملاحظ بهذا الخصوص، إن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 لا يعاقب على الإجرام المنظم (الجريمة المنظمة)، باستثناء ما نصت عليه المادة (55)، وهي لا تختص به تحديداً، كونها تعاقب على (الإتفاق الجنائي)، الذي لا يعبر عن خطورته وصوره الخطيرة المختلفة، مما يتطلب تدخل المشرع العراقي لمعالجة هذا القصور التشريعي في القانون(عيسى، 2021).

والحال نفسه ينطبق على جرائم  الفساد، إذ باتت هذه الجرائم من المشاكل البالغة الخطورة والمستعصية الحل التي يعاني منها المجتمع العراقي، ولا تنحصر خطورة الفساد في ارتباطه العضوي بالإجرام المنظم، بل وكذلك في أن الإجرام المنظم يعدّ المصدر الرئيس له. كما كان الفساد منذ نشوء الدولةمرافقاً حتمياً للمجتمع، فقد عانت منه المجتمعات البشرية منذ حقب زمنية بعيدة، وإذ كان الفساد يسود اليوم في دول العالم كافة، فأن ما يميزه في جمهورية العراق إتصافه بطبيعة نوعية مميزة، كونه أصاب أجهزة الدولة العراقية كافة، وبلا استثناء، الأمر الذي أدى إلى إصدار قانون هيئة النزاهة العراقي رقم (30) لسنة 2011 لمكافحته، وسار على النهج ذاته المشرع في إقليم كردستان العراق بإصدار قانون الهيئة العامة للنزاهة لأقليم كردستان رقم (3) لسنة 2011. ولما كانت جرائم الفساد تشكل مشكلة اجتماعية وقانونية في آن واحد، كما أنها من حيث طبيعتها مشكلة متعددة الجوانب، فهذا يتطلب إتخاذ موقفاً متعدد الجوانب منها أيضاً، باعتماد مختلف التدابير والوسائل لمواجهتها، مع تضافر جهود الدولة والمجتمع، بما في ذلك اعتماد سياسة جنائية ملاءمة لمواجهتها، وبخاصة بالعقاب على جرائم الفساد في قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على وجه التحديد، مع تحديد مفهومها وصورها المختلفة.

ثالثاً: مراعاة التوافق بين التشريع العقابي الوطني والمعايير الدولية: لقد أدى التنامي المطرد للإجرام وإتخاذه طابعاً دولياً إلى أن مكافحته باتت واحدة من المسائل الاجتماعية الرئيسة التي تتطلب بدورها تعاوناً دولياً من أجل ضمان الشرعية والنظام العام. ويجري تنظيم العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي استناداً إلى المعايير الدولية التي تحددها منظمة الأمم المتحدة، وبخاصة من خلال مؤتمراتها الدولية الدورية الخاصة بمنع الجريمة والعدالة الجنائية، التي عُقد أولها في جنيف/ سويسرا في (22/8- 3/9/1955) وكان آخرها (المؤتمر العشرون) في كيوتو/ اليابان في (7-12/3/2021)، والتي أولت المجنى عليهم عناية فائقة، ولاسيما فيما يخص ضمان حقوقهم في رد الاعتبار والتعويض عن الاعتداءات الإجرامية التي يتعرضون لها، في حين جاءت فئة السجناء بوصفهاالفئة الثانية التي أولتها منظمة الأمم المتحدة عنايتها الكبيرة(مؤتمرات الأمم المتحدة ، 2020)، إذ أصدرت في عام 1990 قراراً خاصاً بهم تحت عنوان: (المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء)، والذي بموجبه يجب أن يتمتع السجناء كافة بالحقوق والحريات الأساسية للإنسان، باستثناء الحق في التنقل، ومن ثم يتوجب التعامل معهم على هذا الأساس، من خلال كفالتها ومن دون أي تمييز. ومراعاة للجوانب السلبية التي يمكن تبرز ارتباطاً بابتعاد السجناء عن المجتمع فقد إتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 2015 قراراً بخصوص قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء(قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2015) التي تطلق عليهاتسمية (قواعد نيلسن مانديلا)، وفيها بينت القاعدة الثالثة أن الحبس وغيره من التدابير التي تفضي إلى عزل الأشخاص عن العالم الخارجي هي تدابير مؤلمة من حيث أنها تسلب الفرد حقه في تقرير مصيره بحرمانه من حريته، كما نصت القاعدة الرابعة منها على أن عقوبة الحبس وغيرها من تدابير حرمان الأشخاص من حريتهم ترمي بصفة أساسية إلى حماية المجتمع من الجريمة والحد من حالات معاودة الجريمة، ولا يمكن تحقيق هذين الغرضين الا إذا أُستخدمت مدة الحبس، وإلى أكبر قدر ممكن، من أجل ضمان اندماج السجناء بعد إطلاق سراحهم، بحيث يعيشون معتمدين على أنفسهم في ظل احترام القانون.

إن وضع منظمة الأمم المتحدة بوصفها المنظمة الدولية التي تضم في عضويتها أكبر عدد من الدول على صعيد العالم لهذا النوع من المعايير الدنيا لمعاملة السجناء يعدّ أساساً لاستعداد الدول الأعضاء فيها لتطبيقها في نطاق القانون الداخلي، كما أن تحديد هذه المعايير بوصفها معايير دنيا إنما يعني أنه يمكن تطبيقها بصورة تدريجية على صعيد القانون الدولي، وهو ما يشير أيضاً إلى تطور نوعي في العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي، ويوفر المقدمات الملاءمة لكفالة عدم الإفلات من العقاب ويمثل شرطاً مهماً لردع الإجرام وكفالةالشرعية والنظام العام.

وارتباطاً بموضوع البحث، فأن تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 يتطلب الأخذ بالتوجهات العامة المذكورة سابقاً للسياسة الجنائية، كما ويتطلب كذلك مراعاة عدد من التوجهات الأخرى (الخاصة)، ولاسيما منها:

أولاً: ضمان إجراء التحديث بما يتوافق مع أحكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005، ذلك أن قانون العقوبات العراقي لسنة 2005 لا يتضمن تجسيداً لعدد من أحكامه، وبخاصة ما يتعلق بأحكام القانون الدولي ومبادئه، فمن المفروغ منه إن قانون العقوبات النافذ في أي دولة فيالعالم يجب أن يستند إلى الدستور النافذ فيها من جهة، وإلى المبادئ العامة المعترف بها في القانون الدولي وكذلك قواعده، ولاسيما تلك التي تنبع من المواثيق الدولية التي صادقت عليها، من جهة ثانية.

وبهذا الخصوص ينص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في عدد من مواده على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فيه (المادة/ 2 أولاً ج)، والتي كفلها الدستور في الباب الثاني منه تحت عنوان (الحقوق والحريات) فيالمواد (14-45) منه، بل أن الدستور ذاته ، وفي المادة (46) منه) ينص على أن تقييد ممارسة أي من هذه الحقوق والحريات الواردة فيه أو تحديدها لا يكون الا بقانون أو بناءً عليه، على ألّا يمس جوهر الحق أو الحرية. كما تنص المادة (13/ ثانياً) منه على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور نفسه، ومن ثم فأن أي تحديث لقانون العقوبات العراقي لسنة 1969يتوجب أن يقوم على الثوابت التي حددها دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وهذا ما يجعل الحقوق والحريات الأساسية أساساً دستورياً بالنسبة لأي تحديث يجري القيام به على صعيده.

ومن الملاحظ أيضاً أن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 ينص في المادة (6) منه على أن تسري أحكامه على جميع الجرائم التي ترتكب فيالعراق، وقد تضمن عدداً غفيراً منالجرائم، ولاسيما تلك التي تنتهك الحقوق والحريات الأساسية، الا أن الملاحظ هو وجود مجموعة من القوانين العقابية الأخرى(الخاصة)، مثل قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005 وقانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012، وغيرهما، وكذلك قوانين أخرى غير جنائية (التكميلية)، مثل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، وقانون المرور رقم (8) لسنة 2019 وغيرهما، مما يتعارض مع هذا النص وينتهك من ثم وحدة التجريم والعقاب في النظام القانوني العراقي، وربما يعوق كفالة الحقوق والحريات الأساسية على الوجه الأمثل، مما يتطلب عند تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 أن تدرج فيه الجرائم كافة التي يعاقب عليها في القوانين العقابية الخاصة والتكميلية.

ثانياً: من الأهمية بمكان إعادة النظر في الصياغة التشريعية لأحكام قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، ولاسيما فيما يتعلق بتبويبه، وذلك بتقديم الجرائم الواقعة على الإنسان، ومن ثم تليها الجرائم الواقعة على المجتمع، وأخيراً الجرائم الواقعة على الدولة، كما سبق ذكره في موقع آخر من البحث، ومعالجة القصور فيه، بالعقاب على الجرائم الدولية والجرائم ذات الصفة الدولية، والتركيز خاصة على معالجة حالات الإفلات من العقاب على عدد من الجرائم من قبيل الاختفاء القسري للأشخاص والعنف ضد النساء والجرائم الألكترونية وغيرها، والجمع بين الجرائم التي تمس محلاً معيناً، و(غربلة) أحكامه، بشطب الكتاب الرابع منه، الخاص بالمخالفات، وتقليص عدد آخر منها، مثل الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي، وجرائم السرقة، وتطوير المتبقي منها، ومن الأهمية بمكان إيلاء العناية للصياغة التشريعية للأنموذج القانوني للجرائم فيه، كما في جريمتي القتل والاغتصاب وما شابه. مع إيلاء العناية لتطوير القسم العام من القانون بالنسبة لتعريف الجريمة، والركن المعنوي، وبخاصة فيما يتعلق بتعريفي القصد الجرمي والإهمال، مع أهمية اعتماد معيار آخر في تصنيف الجرائم، مع استبعاد المخالفات لخطورتها البسيطة. وبلا شك فأن عملية تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 تستدعي بالضرورة إعادة النظر في التدابير العقابية المحددة فيه من خلال الأخذ بالمستحدث منها على صعيد السياسة الجنائية المعاصرة، وبخاصة البدائل المعاصرة للعقوبة الجزائية.

المبحث الثاني

تحديث قانون العقوبات العراقي

إن تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 يستند إلى الوسائل التي تعتمدها السياسة الجنائية في ذلك، وهي تتمثل بالنسبة لقانون العقوبات في سياستي التجريم والعقاب، ومن ثم سنوزع هذا المبحث على مطلبين، نكرس المطلب الأول لسياسة التجريم، ونخصص المطلب الثاني لسياسة العقاب، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

سياسة التجريم

تعرف سياسة التجريم بأنها تجريم المشرع أفعالاًفي قانون العقوبات لم تجرم فيه من قبل فتنتقل من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم، كما تعني أيضاً استبعاده التجريم عن أفعال يعدّها قانون العقوبات جرائم، ومن ثم تنتقل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة(عيسى، 2006، ص 10)، أو هي إضفاء الحماية الجزائية على مصلحة معينة تعدّ من المصالح الإجتماعية التي تعتبر معياراً للتجريم، تعبر عن مطالب الجماعة كمجتمع إنساني، وتنطوي على المصالح العامة المعبرة عن مطالب الجماعة بإعتبارها شخصية قانونية(إبراهيم، 1999، ص 18).

وفي نطاق هذا المطلب لن يكون بالمستطاع تناول هذين الجانبين معاً، ومن ثم، وتحديداً لنطاق البحث، سنقتصر في هذا المحور من البحث على دراسة تجريم نوعين لا غير من الجرائم وهما: الجرائم الدولية، والجرائم ذات الطبيعة الدولية، وعلى الوجه الآتي:

أولاً: الجرائم الدولية: تعرف الجرائم الدولية بأنها كل فعل غير مشروع في نظر القانون الدولي صادر من شخص ذي إرادة معتبرة قانوناً ومتصل على نحو معين بالعلاقة بين دولتين أو أكثر وله عقوبة توقع من أجله(حسني، 1960، ص 34)، أو هي سلوك إرادي غير مشروع، يصدر عن فرد باسم الدولة أو تشجيع أو رضاء منها، ويكون منطوياً على مساس بمصلحة محمية دولياً(عبيد، 1979، ص 6)، أو هي كل سلوك إجرامي غير مشروع صادر عن إرادة إجرامية يرتكبه الفرد باسم الدول أو برضاء منها، وينطوي على انتهاك لمصلحة دولية يقرر القانون الدولي حمايتها عن طريق الجزاء الجنائي (الشاذلي، 2001، ص 206-207). ومن ثم تتميز هذه الجرائم كما وصفهاالنظام الأساس للمحكمة الجنائية  الدولية بأنها “الجرائم الأشد خطورة التي تثير المجتمع الدولي بأسره” أو هي “أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي” (النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، الديباجة، المادة 1)،فهي تمثل العدوان على المصالح التي تهم المجتمع الدولي بأسره ويترتب عليها زعزعة الأمن والاستقرار في الجماعة الدولية(درويش، 2010، ص 96).

ويعاقب النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية على الجرائم الدولية، ويحصرها في: جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان وهي مجمل الجرائم الدولية التي يقتصر اختصاص هذه المحكمة عليها (المادة الخامسة)، كما ويعاقب عدد من التشريعات العقابية المقارنة عليها، ومن ذلك: قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1992 في الباب الأول من الكتاب الثاني (الجنايات ضد الإنسانية)، قانون العقوبات الروسي لسنة 1996 في الباب الرابع الثلاثين من القسم الخاص (الجرائم ضد السلام وأمن البشرية)، قانون الجرائم ضد القانون الدولي الألماني لسنة 2002في (الجزء الثاني) منه،وغيرها.

كما وشهدت جمهورية العراق بعد عام 2003 وارتباطاً بمحاكمة أركان النظام البائد العقاب على (جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب) في التشريع الجنائي الوطني بإصدار قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005، الذي حدد اختصاصها في المادة الأولى/ ثانياً منه بأن ولاية المحكمة تسري على أي شخص طبيعي سواءً أكان عراقياً أم غير عراقي مقيم في العراق ومتهم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات القوانين العراقية في المدة بين 17/7/1967 ولغاية 1/5/2003. كما تضمن القانون تجريماً لهذه الجرائم الدولية، إذ عاقب في المادة (11)منه على جريمة الإبادة الجماعية وفي المادة (12)على الجرائم ضد الإنسانية وفي المادة (13)على جرائم الحرب. ولكن ارتباطاً بطبيعة هذا القانون فأنه لا يسري على غير الأشخاص المعنيين به، كما أنه لا يسري على الجرائم المرتكبة بعد 1/5/2003، ومن ذلك ما تعرض له المواطنون العراقيون من الأيزيديين وغيرهم من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية من طرف تنظيم داعش الإرهابي.

ولكن في الأحوال كافة فأن تجربة المحكمة الجنائية العراقية العليا تكتسب أهمية كبيرة فيما يتعلق بالمقاضاة عن الجرائم الدولية من طرف المحاكم الوطنية، لاسيما وأن النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية يؤكد على أن المحكمة المذكورة تعدّ مكملة للإختصاصات القضائية الجنائية الوطنية (الديباجة)، وهذا ما يوجب العقاب على الجرائم الدولية محل البحث في التشريع الوطني، هذا إضافة إلى ما تنص عليه المواثيق الدولية من إلزام الدول الأطراف فيها بذلك، إذ تنص المادة السادسة من إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لسنة 1948،على سبيل المثال، على أن تتعهد الدول الأطراف بإتخاذ التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ هذه الإتفاقية بتجريم الإبادة الجماعية والنص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبيها. واستناداً إلى هذه الأسباب وغيرها يتوجب العقاب على الجرائم الدولية في قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 بالاستناد إلى المواثيق الدولية ذات الصلة وتجربة العقاب عليها في التشريعات العقابية المقارنة مع الاستفادة من تجربة العقاب عليها في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005.

ثانياً: الجرائم ذات الطبيعة الدولية: يطلق هذا المصطلح على مجموعة كبيرة من الجرائم الخطيرة التي تنظمها المواثيق الدولية، والتي تتصف بطبيعتها العالمية، كونها يمكن أن تمس مصالح دولة أخرى أو عدة دول، أو تشكل تهديداً لدول العالم كافة، ومن ذلك على سبيل المثال: الجريمة المنظمة والإرهاب وتمويله والإتجار بالمخدرات وتزييف العملة والقرصنة وخطف الرهائن والإتجار بالأشخاصوالإتجار بالأسلحة والجرائم الألكترونية وغيرها.

وقد أولى المشرع العراقي مكافحة هذه الجرائم عنايته إذ يعاقب على الإرهاب في قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، وعلى الإتجار بالأشخاص بموجب قانون الإتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012، وعلى الإتجار بالمخدرات على وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017، إلى غير ذلك. ومع تحفظنا على المنهج الذي إتبعه المشرع العراقي في العقاب على النوع من الجرائم بإصدار قوانين عقابية خاصة أو تكميلية، إذ كان يستحسن العقاب عليها بموجب قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، بوصفه القانون المعني بالتجريم والعقاب في نطاق نظام القانون في جمهورية العراق، كما أنه ينص في المادة (13) من القانون ذاته على تطبيق ما يسمى (الإختصاص الشامل) بالنسبة لعدد من هذه الجرائم ويخص منها بالذكر: تخريب أو تعطيل وسائل المخابرات والمواصلات الدولية والإتجار بالنساء والأطفال أو بالرقيق أو بالمخدرات، وذلك بالنسبة لمن ارتكب إحدى هذه الجرائم ووجد في العراق، إذ يطبق عليه قانون العقوبات العراقي لسنة 1969!

إن الجرائم ذات الطبيعة الدولية تعدّ من الجرائم التي تتطلب تعاون الدول كافة في مكافحتها، ومن ثم يمكن أنتعمل الدول معاً على العقاب عليها بموجب إتفاقيات دولية، وتلتزم  الدول الأطراف فيها بتنفيذ الالتزامات النابعة منها. كما أن مكافحة هذه الجرائم تتطلب في الوقت عينه العقاب عليها بموجب التشريعات العقابية الوطنية، وهو ما أخذت به الدول الأطراف في الإتفاقيات المذكورة، الا أن تطبيق أحكام هذه التشريعات، وتحقيقالغاية المنشودة منها، لا يجب أن يقتصر على معاقبة مواطنيها على جرائمهم، بل يتطلب أن تتمتع قوانينها العقابية بالإختصاص العالمي، بمعنى أنها يجب أن تكون نافذة بالنسبة للجرائم ذات الطبيعة الدولية بصرف النظر عن مكان ارتكابها وعن جنسية مرتكبيها(علي، 1998-1999، ص 340، عيسى ومحمود، 2019)،إذ يعرف الاختصاص العالمي بأنه صلاحية تقررت للقضاء الوطني في ملاحقة ومحاكمة مرتكب أنواع معينة من الجرائم التي يحددها التشريع الجنائي دون النظر لمكان ارتكابها ودون اشتراط توفر ارتباط معين يجمع بين الدولة وبين مرتكبها أو ضحاياها وأيا ما كانت جنسية مرتكبيها أو ضحاياها(سرور، 2006، ص 25).ومن ثم فأن الاختصاص الجنائي العالمي يعني عالمية النص الجزائي أو صلاحيته الشاملة ووجوب تطبيقه على كل جريمة يقبض على مرتكبها في إقليم الدولة، أياً كان الإقليم الذي أُرتكبت فيه وأياً كانت جنسية مرتكبها، ويمتاز هذا المبدأ بأنه يقرر للنص الجزائي نطاقاً متسعاً يكاد يمتد إلى العالم بأسره، إذ لا يجعل لمكان ارتكاب الجريمة أو جنسية مرتكبها اعتباراً، ولا يشترط سوى أن يقبض على المجرم في إقليم الدولة التي تريد أن تطبق تشريعها عليه(حسني، 1984، ص 156).

ومما تقدم يتبين أن الجرائم ذات الطبيعة الدولية مقارنة بالجرائم الدولية هي من إختصاص التشريعات العقابية الوطنية، الا أن مكافحتها تتطلب جهود الدول كافة، كما أنها من إختصاص المحاكم الجنائية الوطنية على وجه التحديد، ومن ثم لا تكون من اختصاص المحاكم الجنائية الدولية، هذا على الرغم من أن الجرائم الدولية والجرائم ذات الطبيعة الدولية تتسببان على نحو مماثل في انتهاك النظام العام العالمي، الا الجرائم الدولية بصفة عامة تشكل خطورة أكبر مقارنة بالجرائم ذات الطبيعة الدولية. كما أن الجرائم الدولية هي بخلاف الجرائم ذات الطبيعة الدولية لا تتميز بوجود الركن الدولي فيها، الذي يعني أن الجريمة ترتكب بالمساس بمصالح دولة أخرى، كما أن ارتكابها يكون بناءً على تخطيط أو طلب من دولة أو موافقتها، في حين أن الجرائم ذات الطبيعة الدولية تنتهك مصالح الأشخاص عادة وكذلك مصالح الدولة في بعض الأحيان وتستهدف الربح في الغالب، ومن ثم فأن شبكات الجريمة المنظمة هي التي ترتكبها، وغالباً ما تكون عابرة للحدود، مما يكسبها طابعاً دولياً، بما تحققه من أضرار للدول التي تقترف فيها أو تمس بمصالحها.

وبصرف النظر عن اختلاف الجرائم الدولية والجرائم ذات الطبيعة الدولية من حيث الطبيعة القانونية الا أن مكافحتها تتطلب في المقام الأول تجريماً في التشريعات العقابية الوطنية والعقاب عليها على وفقه. كما تتطلب مكافحتها اعتماد الاختصاص العالمي فيها، فالجناة فيها يمكن أن يرتكبوا الجريمة الدولية أو ذات الطبيعة الدولية في دولة ما ويهربون إلى دولة أخرى، مما يؤدي إلى إفلاتهم من العقاب. في حين أن تطبيق الإختصاص العالمي يعني إمكانية تطبيق التشريعات العقابية النافذة في مكان إقامتهم وأن يكون للمحاكم الجنائية الوطنية فيه الولاية القضائية للنظر في جرائمهم والعقاب عليها.

ومن ثم فأن المشرع الجنائي في جمهورية العراق مدعو للعقاب على الجرائم الدولية (الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب)، وكذلك الجرائم ذات الطبيعة الدولية، في نطاق قانون العقوبات لسنة 1969 ، مع ضرورة الأخذ بالاختصاص العالمي على وجه التحديد. ولعل معالجة القصور التشريعي بخصوصها في هذا القانون يتوجب أن يكون من ضمن الأسس المعتمدة في تحديثه في نطاق سياسة التجريم.

المطلب الثاني

سياسة العقاب

سياسة العقاب هي الشطر الثاني من السياسة الجنائية(إبراهيم، 1999، ص 56)، وهذه السياسة تعني فرض العقوبة المناسبة على الجريمة المرتكبة، كما يمكن أن تعني إلغاء العقوبة المحددة أو تعديلها بتشديدها أو تخفيفها أو استبدالها بتدابير غير عقابية أو ما شابه، فسياسة العقاب هي السياسة التي تتبعها الدولة على وجه العموم فيما يتعلق بالنظر في مدى ملاءمة التدابير العقابية المحددة في التشريعات العقابية بالنسبة للأفعال المدرجة فيها والتي تعدّ جرائم. ومن ثم ندعو المشرع العراقي إلى النظر في أحكام قانون العقوبات لسنة 1969، ومراجعة سياسة العقاب فيه بما يتوافق مع توجهات السياسة الجنائية المعاصرة مع التركيز بوجه خاص على ما يأتي:

أولاً: إلغاء عقوبة الإعدام أو الإمتناع عن إتخاذها: لقد شهد القرن الماضي توجه الدول إلى إلغاء عقوبة الإعدام أو النص عليها في التشريع العقابي فيما يتعلق بعدد قليل من الجرائم ، وفي نهاية الثمانيات ألغت أكثر من ثلاثين دولة في العالم عقوبة الإعدام، ومع بداية التسعينات ألغت أكثر من أربعين دولة هذه العقوبة، ويزداد في السنوات الأخيرة عدد الدول التي عملت على إلغائها أو تنوي القيام بذلك(جعفر، 1997، ص 70، الهامش). وهذا ما يطرح على المشرع العراقي أهمية الأخذ بهذا التوجه أيضاً، إذ أن قانون العقوبات لسنة 1969 ينص على تطبيق هذه العقوبة على عدد غفير من الجرائم، وعلى رأسها: الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي، والجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي وغيرها، ما يستدعي من المشرع العراقي دراسة جدوى النص على هذه العقوبة بالنسبة للجرائم المذكورة وغيرها مما يعاقب عليه قانون العقوبات العراقي، كما ونقترح التقليل قدر الإمكان من فرض هذه العقوبة في القانون أو استبدالها بعقوبة مقيدة للحرية طويلة الأمد أو النص عليهما بصورة اختيارية.

ثانياً: تطبيق بدائل العقوبة المقيدة للحرية: يعود طرح استبدال العقوبة المقيدة للحرية بتدابير إجتماعية إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كما وجسد عدد من التشريعات العقابية في أوربا ذلك. الا أن تطبيق هذا النهج على نطاق واسع لم يتجسد الا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين. وقد أولت منظمة الأمم المتحدة هذه المسألة جل عنايتها، ولا سيما في السنوات الأخيرة ، وقد أشارت وثائق مؤتمرها السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في ميلانو (إيطاليا) في المدة (26/8-6/9/ 1985)إلى أهمية الأخذ ببدائل العقوبة المقيدة للحرية المتمثلة في الغرامة والعمل الإجباري من دون تقييد الحرية، والإفراج الشرطي، والتعويض(وثائق المؤتمر السابع). كما أوصى مؤتمرها الثامنلمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا (كوبا) في المدة (27/8-7/9/ 1990) بالأخذ بالتدابير غير الاحتجازية على نطاق واسع، كما حث على دراسة الأساليب التي يمكن بها تيسير التصالح بين المجرمين وضحاياهم عن طريق وضع البرامج التي ترمي إلى إفساح المجال للتوسط والتعويض(وثائق المؤتمر الثامن).

ومن أبرز بدائل العقوبة المقيدة للحرية التي شاعت في السنوات الأخيرة في التشريعات العقابية: العمل لمنفعة المجتمع، والحجز على الحرية، والاحتجاز المنزلي، والحجز المرحلي.

إن عقوبة العمل لمنفعة المجتمع تعود الى مرحلة تأريخية قريبة، إذ ظهرت في فرنسا عام 1983، ومن ثم في هولندا (1989)، وزيمبابا (1992)، واليونان (1996)، وكازاخستان وقرقيزيا (1997)، وأوكرانيا (2001)، ومولدوفا (2002)، ورومانيا وطاجكستان وروسيا (2004). وعلى الرغم من أن هذه العقوبة قد ظهرت منذ مدة وجيزة، الا إنها إنتشرت في التشريعات العقابية المختلفة. والأمر نفسه ينطبق على عقوبة تقييد الحرية، التي تنص عليها التشريعات العقابية في كل من كازاخستان وساحل العاج وكوبا وبولندا والبرتغال وروسيا وطاجكستان وأوكرانيا وفرنسا وتشيلي وغيرها.

وتعدّ عقوبة الحجز المرحلي مماثلة لعقوبة الحجز على الحرية، فهي تعني تمضية العقوبة المقيدة للحرية بصورة جزئية (في أيام العطل)، إذ تستهدف هذه العقوبة الحفاظ على العلاقات الطبيعية للمدان بها فيما يتعلق بالأسرة والعمل. وتنص عليها التشريعات العقابية في ألبانيا، والبرازيل والمكسيك والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإستونيا وجنوب أفريقيا وغيرها.

ويعد الاحتجاز المنزلي تدبيراً عقابياً جديداً بدأ بالظهور في السنوات الأخيرة في عدد قليل من البلدان، ومنها بوليفيا وإنكلترا وإسبانيا وكولومبيا والمغرب والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والفيلبين وغيرها(عيسى، 2016، ص 23).

ويمكن أن يستعين المشرع العراقي بهذه التدابير بوصفها بدائل للعقوبة المقيدة للحرية، ولاسيما فيما يتعلق بالجرائم ذات الخطورة البسيطة أو تلك التي ترتكب لأول مرة، ولكونها تدابير عقابية حديثة، فأن هذا سيكون له أثره في تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969.

ثالثاً: توسيع أسس الإعفاء من المسؤولية الجنائية أو تخفيفها: إن التوجه الرئيس لأنسنة القانون الجنائي والسياسة الجنائية ينحصر في البحث عن مناهج بديلة ومناسبة للبت في النزاعات الجنائية، التي تمكن من جهة من إستبدال العقوبة المقيدة للحرية ببدائل عنها، وفي تجنب اللجوء الى القضاء من جهة ثانية.

وقد بدأ (التصالح مع المجنى عليه) بوصفه أساساً للإعفاء من المسؤولية الجنائية يحصل على اعتراف واسع في مختلف دول العالم، ولاسيما وأنه يعدّ من البدائل التي اقترحتها السياسة الجنائية التقليدية، وذلك من خلال مذهبين، أولهما (العدالة التصالحية)، وثانيهما (الوساطة). وينحصر جوهر المذهب الأول في أن الوظيفة الأساس للعملية الجنائية لا تنحصر في معاقبة المذنبين فقط، بل وكذلك في إعادة حقوق المجنى عليه التي إنتهكتها الجريمة، وكذلك في إعادة العلاقات الاجتماعية المنتهكة الى نصابها أيضاً. أما (التسوية) فتنحصر في تعزيز مكانة المجنى عليه في الإجراءات الجنائية، ومنحها صفة مدنية.

وشهدت السنوات الأخيرة إنتشاراً للإجراءات التصالحية في تطبيقات الكثير من الدول مثل أستراليا وبلجيكا وإنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وهولندا وكندا وألمانيا وغيرها.

وعلى الصعيد نفسه يلاحظ تطور مفهوم (الدفاع الشرعي)، إذ لا يساءل جزائياً أو يعفى من المسؤولية الجزائية بصورة كاملةعن ارتكاب الجريمة في حالة (تجاوز حدود الدفاع الشرعي)، كما لا يعدّ تجاوزاً لحدود الدفاع الشرعي ارتكاب المدافع فعله نتيجة التدخل أو الهياج النفسي العنيف أو الخوف أو الفزع أو ما شابه، كما تنص على هذا التشريعات العقابية في كل من النمسا وبلغاريا والنرويج واليونان وألمانيا والدانمارك وجمهوريات يوغسلافيا السابقة وكوبا وكازاخستان وغيرها.

كما وانتشر في السنوت الأخيرة في التشريعات العقابية مفهوم (سلامة العقل المحدودة) المعروف منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، وذلك بوصفه أساساً لتخفيف المسؤولية الجزائية، كما هو الحال في القوانين العقابية لدول الإتحاد السوفيتي السابق ودول أوربا الشرقية والبرتغال وأثيوبيا.

ويلاحظ أن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 لا يتطرق إلى (التصالح) أو (التسوية)، هذا على الرغم من أن قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 يعدّ (الصلح) في المواد (194-198) و(التنازل عن الدعوى الجزائية) في المادة (9) منه من بدائل الدعوى الجزائية، ومن ثم ندعو المشرع العراقي أن يعمل من جانبه على النص على الصلح وكذلك التسوية في قانون العقوبات لسنة 1969، بوصفهما من بدائل العقوبة الجزائية.

رابعاً: تطوير التدابير المتخذة أزاء الأحداث: لقرون عديدة عانى الأحداث (بل والصغار أيضاً) من قساوة العقوبات المتخذة ضدهم، ففي بداية القرن التاسع عشر، وفي دولة متحضرة مثل إنكلترا كان يمكن أن يتعرض الصغير لعقوبة الإعدام في حالة سرقة قطعة خبز. الا أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تغير هذا الموقف في القانون الأوربي والأمريكي، إذ بدأ الاعتراف وبشكل واسع بأهمية وجود نظام خاص من العقوبة بالنسبة للأحداث، يتميز بتخفيف صرامة العقوبة أو استبدال العقوبة بتدابير ذات طبيعة إصلاحية وتربوية.

وقد تطور هذا الموقف الإنساني أزاء الأحداث في النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك إرتباطاً بصدور كثير من الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل. وفي ضوء ذلك، بات نظام التدابير الخاص يحظى بدعم المشرع في كثير من التشريعات العقابية في بلدان العالم كافة تقريباً. وفي أغلب دول العالم يوجد حالياً قانون خاص بالأحداث، كما في ألمانيا (1974)(شالينسكي، 2006، ص 334)، وإسبانيا (2000)، وسويسرا (2002)، في حين يوجد باب خاص بجرائم الأحداث وعقوباتها في تشريعات الدول الأخرى (رابطة الدول المستقلة، وجمهوريات يوغسلافيا السابقة وبلغاريا والمجر وفيتنام وهولندا ورومانيا وأثيوبيا وغيرها).

ومما يحسب للمشرع في جمهورية العراق إصداره قانوناً خاصاً بالأحداث وبمسؤوليتهم في حالة اقترافهم جرائم، هوقانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983، الا أن الملاحظ أن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 يتضمن أيضاً في المواد (66-79) أحكاماً مماثلة تحت عنوان (مسؤولية الأحداث)، مما خلق نوعاً من التكرار في تنظيم هذه المسؤولية، بل أن قانون رعاية الأحداث لسنة 1983ينص على أن “تطبق أحكام قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية فيما لم يرد به نص في هذا القانون بما يتلاءم وطبيعة أسس وأهداف قانون رعاية الأحداث” (المادة 108)، كما أن هناك تعارضاً في تحديد سن المسؤولية الجزائية، فقانون العقوبات في المادة (64) ينص على أن: “لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم السابعة من عمره”، في حين يتضمن قانون رعاية الأحداث لسنة 1983 نصاً مماثلاً في المادة (47) منه يحدد سن التاسعة بدلاً من سن السابعة، إذ تنص الفقرة أولاً من هذه المادة على أن: “لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره”.

ومن ثم نقترح على المشرع العراقي تعديل قانون العقوبات لسنة 1969 بشطب المواد (66-79) منها لتكرارها في نطاق قانون رعاية الأحداث لسنة 1983، كما ندعو إلى تعديل نص المادة (64) منه على أن يكون: “لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره”، وذلك لإلغاء تعارضها مع نص المادة (47) من قانون رعاية الأحداث لسنة 1983.

خامساً: الحد من العقاب (شطب أنواع من الجرائم): في السنوات الأخيرة من القرن العشرين تم إستبعاد عدد كبير من الانتهاكات القانونية من دائرة التجريم، ويجري الاكتفاء بالمساءلة الادارية عنها، أي بوصفها مخالفات إدارية. ففي السويد مثلاً ألغي في السبعينات تجريم الظهور في الأماكن العام في حالة سكر، كما ألغيت جملة من الجرائم ذات الطبيعة الأخلاقية، أو التي تمثل إنتهاكاً للعقيدة أو إهانة لشعارات الدولة أو إنتهاكاً لقانون الزواج، بل وكذلك السرقات البسيطة(آنانيان، 1992، ص 22-23)

وقد طرأت مثل هذه التعديلات في كثير من التشريعات العقابية في مختلف دول العالم، ومن الجرائم التي شطبت ما يتعلق بالعلاقات الجنسية المثلية والإجهاض والسرقات البسيطة والتسول والخيانة الزوجية والجرائم الدينية والمنشورات الإباحية وغيرها.

وفي هذا الإطار ندعو المشرع العراقي إلى أن يعمل بدوره على شطب الجرائم المماثلة من قانون العقوبات، ومن ذلك مثلاً ما يخص جرائم السكر (المواد 386-388) ولعب القمار (المادة 289) والتسول (المواد 390-392)، والجرائم كافة في الكتاب الرابع (المواد 487-503)، فهذه الجرائم هي من قبيل المخالفات التي تتصف من جهة بدرجة خطورتها البسيطة، وبتحديد عقوبات تتمثل في الغرامة أو عقوبة مقيدة للحرية قصيرة الأمد، مما يجعلها من اختصاص مراكز الشرطة (مخالفات إدارية).

الخاتمة

توصلنا في هذا البحث إلى الاستنتاجات والتوصيات الآتية:

أولاً: الاستنتاجات:

  • تعرف السياسة الجنائية بأنها استراتيجية الدولة وتكتيكاتها لمكافحة الإجرام، التي تستهدف تقليص معدلات الإجرام على أساس استبعاد أسبابه والظروف المهيئة له باستخدام التدابير القانونية الجنائية والإجرائية والإصلاحية والوقائية.
  • تحتل السياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات مركز الصدارة فيها فهي تشكل الأساس القانوني لمكافحة الإجرام،أما مضمونها فينحصر في تحديد المبادئ الأساسية التي تعكس التوجهات العامة للسياسة الجنائية للدولة، التي تجد تثبيتاً لها في دستورها وقوانينها العقابية.
  • تتمثل التوجهات المعاصرة العامة للسياسة الجنائية في نطاق قانون العقوبات في أنسنة السياسة الجنائية وكفالة الأمن الشخصي وحماية الأمن الوطني من الاعتداءات الإجرامية ومراعاة التوافق بين التشريع العقابي الوطني والمعايير الدولية. كما ويتطلب تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 الأخذ بهذه التوجهات معأهميةضمان إجراء التحديث بما يتوافق مع أحكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وضرورة إعادة النظر في الصياغة التشريعية لأحكامهوفي تبويبه.
  • يمكن تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على صعيد (التجريم) من خلال تجريم الجرائم الدولية (جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان)والجرائم ذات الطبيعة الدولية، وهي مختلف الجرائم الجسيمة التي تتصف بطبيعتها العابرة للحدود، والتي تتطلب مكافحتها تعاونَ الدول كافة، مع الأخذ بخصوصهابمبدأ الاختصاص العالمي، وبمقتضاه تكون هذه الجرائم من اختصاص المحاكم الوطنية بصرف النظر عن جنسية مرتكبيها ومكان ارتكابها.
  • يمكن أن يتحقق تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 على صعيد (العقاب)باعتماد عدد من التدابير التي تقوم على إلغاء عقوبة الإعدام أو الإمتناع عن إتخاذها وتطبيق بدائل العقوبة المقيدة للحرية وتوسيع أسس الإعفاء من المسؤولية الجنائية أو تخفيفها وتطوير التدابير المتخذة أزاء الأحداث والحد من العقاب (شطب أنواع من الجرائم).

ثانياً: التوصيات:نوصي المشرع العراقي بالأخذ بالتوصيات الآتية:

  • العمل على تحديث قانون العقوبات العرقي لعام 1969 بما يتماشى مع توجهات السياسة الجنائية المعاصرة في التجريم والعقاب، وأن يكون ذلك متوافقاً مع أحكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005، مع إيلاء العناية لصياغته التشريعية وتبويبه.
  • تحديثقانون العقوبات العراقي لسنة 1969 فيما يخص التجريم بالعقاب على الجرائم الدولية والجرائم ذات الطبيعة الدولية واعتماد مبدأ الاختصاص العالمي بخصوصها.
  • تحديث قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 فيما يتعلق بالعقاب وذلكبمراعاة توجهات السياسة الجنائية المعاصرة بهذا الخصوص، وبخاصة من خلالإلغاء العقوبات الجنائية القاسية وتوسيع أسس الإعفاء من المسؤولية الجنائية أو تخفيفها وتطوير التدابير المتخذة أزاء الأحداث والحد من العقاب (شطب المخالفات).
  • الالتزام بالتوجهات التقليدية للسياسة الجنائية من خلال المراجعة الجدية والدورية لقانون العقوبات العراقي، وذلك بالاستناد إلى نتائج الدراسات القانونية المكرسة لمعالجة أوجه القصور فيه.

قائمة المصادر

أولاً: الكتب:

  • باللغة العربية:
  • إبراهيم ، أكرم نشأت، السياسة الجنائية، دراسة مقارنة، شركة آب للطباعة الفنية المحدودة، بغداد، 1999.
  • جعفر، علي محمد، فلسفة العقوبات في القانون والشرع الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1997.
  • حسني،محمود نجيب، دروس في القانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1960.
  • حسني،محمود نجيب، شرح قانون العقوبات اللبناني، القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984.
  • درويش،وريا خمو، مسؤولية الدولة الجنائية، إجراءاتها والقضاء المختص، دار المعرفة، بيروت، 2010.
  • سرور،طارق، الإختصاص الجنائي العالمي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006.
  • الشاذلي،فتوح عبدالله، القانون الدولي الجنائي، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2001.
  • عبيد،حسنين إبراهيم صالح، الجريمة الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979.
  • علي، ماجد إبراهيم، قانون العلاقات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998-1999.
  • باللغة الروسية:
  • إسماعليلوف إ.أ. الإجرام والسياسة الجنائية/ المشاكل الملحة لتنظيم مكافحة الإجرام، باكو، 1990.
  • إغناتوف أ.ن. وكراسيكوف يو.أ. كورس القانون الجنائي الروسي بمجلدين، م 1، القسم العام، موسكو، 2001.
  • آنانيان ل.ل. بعض مشاكل السياسة الجنائية في بلدان أوربا الشمالية، موسكو، 1992.
  • بورودين س.ف. مكافحة الإجرام، موسكو، 1990.
  • بوسخولوف س.س. أصول السياسة الجنائية، موسكو، 2004.
  • درابكين ل.با. الجوانب التحقيقية لمواجهة تمويل الإرهاب الدولي. في مؤلف: الإجرام الاقتصادي، تحت إشراف: ف.ف. ليونيف، ف.إ.باريسوف، موسكو، 2002.
  • شالينسكي أ.إ. القانون الجنائي الألماني المعاصر، دار الطريق، موسكو، 2006.
  • شالينسكي أ.إ. مضمون السياسة الجنائية/ السياسة الجنائية في مكافحة الإجرام، سفردلوفسك، 1986.
  • غيرتنسنزون أ.أ. القانون الجنائي وعلم الاجتماع الجنائي، موسكو، 1970.
  • فتروفن.إ. وليبانوفيو.إ. القانون الجنائي، القسم العام، موسكو، 1997.
  • كالبرين إ.م. وكورليانيديسكي ف.إ. موضوع السياسة الجنائية والتوجهات الأساسية لدراستها: المشاكل الأساسية لمكافحة الإجرام، موسكو، 1975.
  • كودريافتسوف ف.ن. أسس التحريم القانوني الجنائي: التجريم ورفع التجريم، موسكو، 1982.
  • كوفاليين م.إ. وبورونين يو.أ. علم الإجرام والسياسة الجنائية، سفردلوفسك، 1980.

ثانياً: البحوث العلمية:

  • باللغة العربية:
  • عيسى،حسين عبدعلي، المبادئ الدستورية للسياسة الجنائية، مجلة جامعة السليمانية (B)، 2006، العدد، (1).
  • عيسى،حسين عبدعلي، الثغرات في قانون العقوبات، أسبابها ووسائل معالجتها، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية، جامعة كركوك، 2011، الجزء 1، العدد (1).
  • عيسى،حسين عبدعلي، الأخطاء القضائية، مجلة دراسات قانونية وسياسية، مركز الدراسات القانونية والسياسية، كلية القانون، جامعة السليمانية، 2013،العدد (2).
  • عيسى،حسين عبدعلي، إصلاح قانون العقوبات ومستلزمات إقامة الحكم الرشيد، مجلة جامعة التنمية البشرية، 2016،العدد (4).
  • عيسى،حسين عبدعلي، ومحمود،شيروان علي، الاختصاص الجنائي العالمي، دراسات قانونية وسياسية، مركز الدراسات القانونية والسياسية، جامعة السليمانية، 2019، العدد (2).
  • عيسى،حسين عبدعلي، مواجهة جريمة الإتجار بالبشر المرتكبة من جماعة إجرامية منظمة، مجلة ميسان للدراسات القانونية المقارنة، المجلد 1، 2021،العدد (4).
  • باللغة الروسية:
  • آبيخين أ.يو. الإتجاهات الأساسية للسياسة الجنائية لروسيا، مجلة الاقتصاد والقانون، 2012، العدد (3).
  • ماكاييفا ن.ف. أولويات السياسة الجنائية للإتحاد الروسي في المرحلة العاصرة، أخبار مؤسسات التعليم العالي، العلوم الاجتماعية، السياسة والقانون، 2012، العدد (23).

ثالثاً: الوثائق الدولية:

  • إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لسنة 1948.
  • وثائق المؤتمر السابع لمنظمة الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمي،تقرير الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بدائل عقوبة السجن وإعادة إندماج المساجين، 1985، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.unodc.org/documents/congress//Previous_Congresses/7th_Congress_1985/015_ACONF.121.13.ADD1_Alternatives_to_imprisonment_and_measures_for_the_social_resettlement_of_prisoners_Report_of_the_SG_R.pdf

  • وثائق المؤتمر الثامنلمنظمة الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين،تقرير الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بدائل عقوبة السجن وإعادة إندماج المساجين، 1990، متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.unodc.org/documents/congress//Previous_Congresses/8th_Congress_1990/016_ACONF.144.13_Report_Crim_Justice_Policies_in_Relation_to_Problems_of_Imprisonment_Other_Penal_Sanctions_Alter_Measures_R.pdf

  • قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (70/175) في 17 ديسمبر 2015. النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 2000.
  • مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، 1955- 2020، 65 عاماً من الإنجازات، مركز المؤتمرات الدولي في كيوتو، اليابان، 2020.

رابعاً: القوانين:

  • القوانين العراقية:
  • دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
  • قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959.
  • قانون العقوبات العراقي لسنة 1969.
  • قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971.
  • قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983.
  • قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005.
  • قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005.
  • قانون هيئة النزاهة العراقي رقم (30) لسنة 2011.
  • قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012.
  • قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017.
  • قانون المرور رقم (8) لسنة 2019.
  • قانون مكافحة الارهاب لإقليم كُردستان العراق رقم (5) لسنة 2006.
  • قانون الهيئة العامة للنزاهة لإقليم كُردستان رقم (3) لسنة 2011

) القوانين المقارنة:

  • قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1992.
  • قانون العقوبات الروسي لسنة 1996.
  • قانون الجرائم ضد القانون الدولي الألماني لسنة 2002.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *