بحوث الأستاذ محمد عبد الرحمن يونس المنشورة في مجلة العاصمة الهندية – المجلة الأمريكية الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية

أ.م.د. آن شمناد

أستاذ الأدب ، كلية الجامعة، تروننتبورام، ولاية كيرالا، الهند .

إن للقاص والروائي والباحث والأستاذ الجامعي السوري الدكتور محمد عبد الرحمن يونس بحوثا علمية متميزة في مجلات عربية مختلفة تصدر عن هيئات علمية متنوعة من المشرق إلى المغرب. وقد قام الأستاذ يونس بنشر مقالات عدة في مجلة العاصمة الهندية. وهذه المجلة هي بحثية محكمة، مطبوعة وإلكترونية، تصدر عن قسم اللغة العربية، كلية الجامعة، تروننتبرام، ولاية كيرالا، الهند.

لقد نشرت مجلة العاصمة حتى الآن عشرة بحوث علمية متنوعة للأستاذ يونس، أربعة منها تتمحور حول مباحث ألف ليلة وليلة، والباقية تدور حول المواضيع الأدبية المختلفة. ومقالتي هذه تبحث عن أهم القضايا المتناولة في تلك البحوث التي نشرها الأستاذ يونس في صفحات مجلة العاصمة المحكمة.

محمد عبد الرحمن يونس

الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن يونس هو قاص وروائي وباحث وأستاذ جامعي سوري، عمل أستاذا في كثير من الجامعات العربية وغير العربية في اليمن والصين وتايوان والسعودية والنمسا وهولندا ولبنان والعراق. وهو عضو شرف في عديد من الاتحادات الأدبية واللجان العلمية داخل العالم العربي وخارجه. كتب في القصّة والرواية والنقد الأدبيّ، وله مئات من المقالات والأبحاث الأكاديمية، والأعمال الإبداعية، والدراسات النقدية المنشورة في الصحف والمجلات بالوطن العربي، وأوروبا، وأمريكا، والصين واليابان، وتايوان، واستراليا، وكندا .

“ولادة بنت المستكفي في فاس” هي روايته المنشورة في عام 1997، وله نحو سبع مجموعات قصصية، من أهمها: ” مليكة والنورس ووهران”، و”رقص سماح على أنغام زرياب” (1994)، و”اللوتس” (1995)، و”ذكريات ومواجع على ضفاف عدن” (2016). وللأستاذ يونس عدة مؤلفات علمية، منها: “تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح العربيّ الحديث والمعاصر” (1995)، و”الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة” (1998)، و”الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة” (2007)، و”المدينة في ألف ليلة وليلة: ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية” (2008)، و”نساء القصر في ألف ليلة وليلة: الفكر والسلوك” (2010)، و”مقاربات في مفهوم الأسطورة شعرا وفكرا” (2011)، و”الأسطورة، مصادرها وبعض المظاهر السلبية في توظيفها” (2014)، وهو المشرف على الموسوعة المسماة “موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثا”. وقد أنجزت عدة دراسات عنه في المجلات والصحف العربية، وبحث دبلوم الدراسات العليا في جامعة تشرين بسوريا، وفصل من رسالة ماجستير في نقده الأدبي في الإمارات العربية المتحدة، وفصل من رسالة ماجستير عن قصصه وروايته في برلين بألمانيا، وفصل من أطروحة دكتوراه عن روايته “ولادة بنت المستكفي…” في جامعة برلين بألمانيا، وفصول من أطروحة دكتوراه عن نقد دراساته في ألف ليلة وليلة في جامعة بكين بالصين، ورسالة ماجستير عن مجموعاته القصصية في جامعة المنوفية بمصر، وقد حصل الأستاذ يونس على (17) جائزة أدبية في النقد والدراسات والبحوث والإبداع القصصي والروائي، ومنها جائزة مركز ابن خلدون الإنمائيّ عام 1991م. يعمل الأستاذ يونس الآن نائب رئيس جامعة ابن رشد في هولندا للشؤون العلمية، وعميد كلية اللغة العربية في الجامعة نفسها، التعليم عن بعد.

مجلة العاصمة الهندية

وأحب أن أشير إلى أن مجلة العاصمة هي مجلة بحثية محكمة، مطبوعة وإلكترونية، صادرة عن قسم اللغة العربية، كلية الجامعة، تروننتبرام، ولاية كيرالا، الهند. وقد صدر العدد الأول من هذه المجلة في عام 2009، ونشرنا حتى الآن اثني عشر مجلدا. وهي معتمدة لدى كثير من الجامعات العربية مثل الجامعات الجزائرية، ومعامل التأثير العربي للمجلة لسنة 2020 وصل إلى نسبة 2.88.

إن اتحاد الجامعات العربية بالقاهرة هو الذي يقوم بتصنيف المجلات العربية ذات الجودة العالية باعتبار معايير عدة: منها نسبة استشهاد بحوث تلك المجلات في بحوث الآخرين. وفي السنة 2020، صنف مشروع معامل التأثير العربي أكثر من 400 مجلة عربية. وقد احتلت مجلة العاصمة المرتبة الثالثة بين 442 مجلة عربية وعالمية من مختلف التخصصات من 27 دولة عربية وغير عربية. وتنشر مجلة العاصمة عموما مقالات تتعلق بمحور عام لكل مجلد، وكان المحور الرئيس للمجلد الثاني عشر (2020) هو “الأدب العربي في بلاد المغرب العربي”. و قد نشرت المجلة 60 مقالا أكاديميا محكما، وفي مجالات فكرية ونقدية متعددة هذا المجلد.

بحوث الأستاذ محمد عبد الرحمن يونس المنشورة في مجلة العاصمة الهندية

إن للأستاذ محمد عبد الرحمن يونس علاقة علمية متميزة وصداقة كبيرة بمجلة العاصمة، وهو عضو الهيئة الاستشارية لهذه المجلة. وقد نشرت المجلة له، حتى الآن، عشرة بحوث علمية متنوعة، أربعة منها تتمحور حول مباحث ألف ليلة وليلة، والباقية تدور حول المواضيع الأدبية المختلفة.

أ ــــ البحوث المنشورة حول مباحث ألف ليلة وليلة

الأستاذ محمد عبد الرحمن يونس هو متخصص في بحوث ألف ليلة وليلة، وله أربعة بحوث حول محاور ألف ليلة وليلة في مجلة العاصمة. البحث الأول هو الذي نشر في المجلد الرابع للمجلة في عام 2012، بعنوان: “قراءة في الملامح الرئيسة لمدن ألف ليلة وليلة العربية والهندية والإسلامية”. تحاول هذه الدراسة أن تتبين بعض الملامح العريضة لمدن ألف ليلة وليلة منطلقة من بنية نص الليالي نفسه، باعتباره نصا منفتحا على عالم من التخيل السردي والإبداعي، إلا أنها لا تركز على النص باعتباره عملا تخيليا فقط، بل تعتبره عملا يمكن أن يتحقق في كثير من جوانبه في بنية الزمان والمكان، فاعتبار مدن ألف ليلة وليلة مدنا وهمية لن يساعد على تبيان العلاقات القائمة سياسيا واجتماعيا بين المدينة وسكانها من جهة، وبين السلطة القائمة فيها، وبين أفراد الشعب من جهة أخرى ( يونس، محمد عبد الرحمن. (2012) ، قراءة في الملامح الرئيسة لمدن ألف ليلة وليلة العربية والهندية والإسلامية ، 8-14 )

ويحاول الباحث في هذه الدراسة التركيز على علاقة السلطة بالمواطن في مدن الليالي على المستويين الاجتماعي والطبقي، وبالتالي على مستوى الملكية، ودور هذه الملكية في اغتراب المواطن وإحساسه بالاستلاب والقطيعة بينه وبين مدينته، ودور السلطة في الليالي، في تهديم العلاقات البشرية الإنسانية، التي تحقق للمواطن توازنا وطمأنينة، وعلى بنية قصور السلطة، ودور المرأة في ترسيخ الحيلة والسحر في هذه القصور، باعتبار أن بنية القصر الداخلية تعكس وضعا سياسيا وسوسيولوجيا وثقافيا تعيش فيه المدينة، معتمدا بالدرجة الأولى ما يفرزه النص الأدبي، والحكاية من أنظمة فكرية وعلاقات متناقضة تارة ومتداخلة ومعقدة ومنسجمة تارة أخرى، ومستفيدا أيضا من بعض خلفيات المدينة الإسلامية كما تشير إليها الأدبيات التاريخية. تتحدد المدينة في ألف ليلة وليلة بفضائين سريين وحميمين، فضاء الرجال وفضاء النساء، مدينة الرجال ومدينة النساء، سلطة الرجال وسلطة النساء، ومن خلال بنية هذين الفضائين المكانيين تُفْرَز سياقات فكرية وثقافية تؤدي بدورها إلى سياقات سلطوية أخرى.

والمقالة الثانية هي التي ظهرت في صفحات المجلد الخامس للمجلة في سنة 2013، بعنوان: “ملامح شخصيّة الخليفة عمر بن عبد العزيز في ألف ليلة وليلة”. يحاول هذا المقال العلمي أن يركّز على أهم الملامح الرئيسة للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز كما وردت في حكايات ألف ليلة وليلة، معتمدا بالدرجة الأولى على خطاب حكايات ألف ليلة وليلة، وتحديدا في الحكاية الموسومة بـــ”الملك عمر النّعمان وولديه شركان وضوء المكان”، ثم يعمل على مقارنة النص الحكائي كما ورد في الليالي بالنص التاريخي الذي أثبتته بعض المراجع والمصادر التاريخية لهذا الخليفة الذي يعدّ أكثر خلفاء الدولة الأموية عدلا وعلما وتواضعا إنسانيا، والذي كرّس حياته ليكون منارة للحق والخير والعدل في الدولة الإسلامية في عهد بني أمية، كما يركز هذا المقال على إبراز الجانب الحضاري المضيء في سيرة هذا الخليفة، ودور هذا الخليفة في إلغاء سياسة الجور التي كانت سائدة قبله في عهد الدولة الأموية( يونس، محمد عبد الرحمن.(2013) ملامح شخصيّة الخليفة عمر بن عبد العزيز في ألف ليلة وليلة. 8-12)

أما البحث الثالث فهو بعنوان “مظاهر تأثير حكايات ألف ليلة وليلة في آداب الأمم والشعوب”. وقد نشر هذا البحث في المجلد السادس في عام 2014. ويرى الباحث في بحثه أن لحكايات ألف ليلة وليلة أثرا كبيرا في مختلف الأجناس الأدبية، سواء أكانت شعرا أم قصة أم رواية أم مسرحا. ولم يقتصر تأثير هذا العمل الكبير على الأدب العربي فحسب، بل كان تأثيرا شديدا في مختلف آداب الشعوب والحضارات المعاصرة. إنّ لألف ليلة وليلة تأثيرا بعيد المدى في آداب الأمم والشعوب وفنونها العديدة، فقد أثّرت في آداب هذه الأمم وما تزال تؤثر حتّى الآن، وبخاصة في الآداب العربية والهندية والفارسية. ويمكن القول: إنّ كتاب ألف ليلة وليلة ترجم إلى معظم لغات العالم الرئيسة، وتأثّر به كبار رجال الفكر والأدب في العالم، واستلهموا منه أجمل ما كتبوه من نصوص إبداعية. يقول الباحث بأن حكايات ألف ليلة وليلة قد أسهمت في خلق الصور الرومانسية الخيالية عن الشرق، إذ حملته معها ونقلته إلى الغرب. وتسنّى للغرب من خلال حكايات شهرزاد اكتشاف الشرق(يونس، محمد عبد الرحمن.(2014) مظاهر تأثير حكايات ألف ليلة وليلة في آداب الأمم والشعوب، 8-11 ) .

لقد أثرت ألف ليلة وليلة في جميع الأجناس الأدبية الأجنبية، وفي الفنون أيضا، وقد كان تأثيرها واضحا في الكتابات القصصية التي ظهرت في فرنسا وانجلترا وإيطاليا خلال القرن الثامن عشر، والتي ظهرت في أمريكا خلال القرن التاسع عشر. لقد دخلت حكايات ألف ليلة وليلة في نسيج التركيب المعرفيّ للثقافة الأجنبية، على اتساعها الزماني والمكاني، وأثّرت فيها تأثيرا شديدا، ولا تزال تؤثّر حتى الآن، ويصعب على أيّ باحث، مهما كان واسع الإطلاع والمعرفة، أن يكشف عن جميع جوانب هذا التأثير، في جميع الأجناس الأدبيّة، سواء أكانت أوروبية أم أمريكية، أم آسيوية، أم غير ذلك. ويبدو اهتمام الغرب الأوروبي بهذا العمل واضحا في الأدب والرسم والنحت والموسيقى.

البحث الأخير للأستاذ يونس حول محاور ألف ليلة وليلة هو بعنوان “المعالم الرئيسة لفضاء الأسواق التجارية في متن حكايات ألف ليلة وليلة”، ونشر هذا البحث في المجلد الأخير لمجلة العاصمة، المجلد الثاني عشر، في عام 2020. ويذكر الباحث بأن الأسواق تتعدّد في ألف ليلة وليلة، وتلتقي جميعها في البيع والشراء والسمسرة والمزايدات العلنيّة. وهو في هذا المقال يركز على أهم المعالم التجارية في هذه الأسواق منطلقا من بنية حكايات ألف ليلة وليلة واحتفاء رواة الحكايات بهذه الأسواق احتفاء كبيرا ومهما( يونس، محمد عبد الرحمن.( 2020) المعالم الرئيسة لفضاء الأسواق التجارية في متن حكايات ألف ليلة وليلة، 294-301 ) ونظرا لأنّ حكايات ألف ليلة وليلة هي حكايات المدينة العربيّة الإسلاميّة، وغيرها من المدن الواقعيّة والمتخيّلة، ونظراً لأنّها تُشكّل صورة عن حياة الناس وطموحهم، في حلّهم وترحالهم، فقد احتاجت إلى فضاءات مكانيّة تتسع من خلالها مادتها الحكائيّة، فلا وجود للحكي إلاّ من خلال المكان الذي ينمو من خلاله هذا الحكي. وكانت الأسواق التجاريّة والأزقّة والدكاكين في ألف ليلة وليلة فضاءات مهمّة يرتحل السرد منها وإليها، وتتشكّل البنية الحكائيّة العامّة من خلالها.

ب. البحوث المنشورة حول المحاور العامة

التركيب الفني والسردي والخلفيات المعرفية في الرواية المغربية المعاصرة: رواية “سوق النساء“ لجمال بوطيب أنموذجا

هذه مقالة علمية نشرت في المجلد الحادي من المجلة في عام 2019. ورواية “سوق النساء أو (ص. ب. 26)” هي رواية مغربية من تأليف الناقد والشاعر والباحث الدكتور جمال بوطيب، الأستاذ في جامعة فاس بالمغرب. وتعدّ هذه الرواية من أهمّ الروايات العربية والمغاربية المعاصرة، التي تجسّد تجربة جديدة ومغايرة في المنجز الروائي العربي المعاصر، كونها اعتمدت تقنيات فنيّة وسرديّة خاصّة بها. ويتناول الباحث هذه الرواية وفق المحورين: التركيب الفني والسردي في الرواية، والتناص والخلفيات المرجعية في الرواية( يونس، محمد عبد الرحمن.( 2019) ، التركيب الفني والسردي والخلفيات المعرفية في الرواية المغربية المعاصرة: رواية “سوق النساء” لجمال بوطيب أنموذجا 25-30) . يقول الباحث :((هذه الرواية تكسر ترتيب الرواية السردي النمطي، إنّها تؤسس سردا حديثا، إبداعيا، ينأى عن كل أشكال السرد المباشر التقريري. ومن هنا يمكن للقارئ أن يقرأ الرواية في أي فصل يشاء من فصولها، إذ يمكن أن يقرأها ابتداء من فصلها الأخير العاشر ثم يعود إلى الأول، ثم إلى التاسع، وهكذا. إن رواية سوق النساء على قدر كبير من الفنيّة الجمالية والشكلية، على مستوى السرد والحوار والتداعي والنهل من الذكريات، واستخدام المنولوج الداخلي والخارجي، وتقنيات القطع والوصل، وتقنيات السينما، وتوظيف اللغة الثرّة الغنيّة)). ويحاول يونس أن يشير إلى بعض من الخصائص التي يتميز بها الخطاب الروائي عند جمال بوطيب، ومن أهمها اللغة السردية الموغلة في القراءات الإبداعية الكثيرة شعرا ونثرا، والقراءات الفكرية المتعددة في الفلسفة والتاريخ والتراث والأمثال الشعبية، والأدب الأجنبي الحديث والمعاصر.

قراءة في القصة السورية المعاصرة: مجموعة “تراتيل محزنة في دير مهجور” للقاص السوري المعاصر محمد أحمد سوسو

نشر الأستاذ محمد عبد الرحمن يونس هذا البحث النقدي في المجلد العاشر للمجلة في عام 2018. ويحاول في بحثه أن يقدم دراسة نقدية حول المجموعة القصصية الموسومة بـــ: “تراتيل محزنة في دير مهجور للقاص السوري المعاصر محمد أحمد سوسو”. هذه المجموعة التي كتبت بتقنيات حديثة جدا، وتداخلت فيها الخلفيات والخطابات المرجعية المعرفية العديدة، فهي رمزية وأسطورية وواقعية، وإيديولوجية، ورومانسية شفيفة، وهي تعزف على أوجاع المواطن السوري عزفا آسيا، ناقلة خبايا روحه المنكسرة والحزينة. ويرى الباحث يونس أنّ فضاءات الخطاب القصصي عند محمد سوسو لا تمنح بعدها السيميائي ولا تفكّ استغلاقات رموزها بسهولة لمتلقي الخطاب القصصي، ومن هنا فنحن مطالبون بأن نقرأ النص غير مرّة حتى يمكن أن نفهم البعد الإشاري للرموز المتداخلة الذي يستفيد منها القاص( . يونس، محمد عبد الرحمن.( 2018) ، تراتيل محزنة في دير مهجور: قراءة في القصة السورية المعاصرة 4.-44 )

إنّ فضاءات مدن القاص محمد أحمد سوسو فضاءات للضياع والموت والمستنقعات والخواء الإنساني، وهو لا يتوانى، في مجمل أعماله، عن إدانة هذه الفضاءات بجرأة لاذعة يحمّلها بحمولات إيديولوجية معرفيّة، تنمو مع نمو مكوّنات الخطاب القصصي. ويتزامن خطاب السخرية مع الخطاب الإيديولوجي، فتُشحَن العبارة القصصية ببعد إشاري دال هدفه تعرية هذه الفضاءات والتركيز على قتامتها، وبالتالي تعميق إحساس المتلقي بعمق الفاجع والمأساة. وفي المجموعة القصصية “تراتيل محزنة في دير مهجور”، تتشكل فضاءات جديدة، أكثر بعدا وعمقا في حقولها المرجعيّة، إذ سينزاح خطاب الواقع والإيديولوجيا بدرجات كبيرة واضحة ليترك لخطاب الفلسفة والأسطورة والرمز فسحات أكثر اتساعا ينفذ منها الحلم والتخيّل، وتتحول الكتابة إلى نوع من التجريب الجمالي عن طريق المزج بين ما هو واقعي وما هو متخيّل، وأسطوري ومرمّز في آن.

سيمفونية الحنين والشوق والأنثى والأحزان في القصة العراقية المعاصرة: قراءة نقدية في مجموعة قصصية

تعرض هذه المقالة التي نشرت في المجلد التاسع لمجلة العاصمة (2017) قراءة نقدية حول المجموعة القصصية “الخبز حبر الكلام” للشاعر والقاص والروائي والناقد العراقي جعفر كمال. ويقول الباحث في دراسته: “تُعدّ القصة القصيرة العراقية الجديدة والمعاصرة، من أهم تيارات القصة العربية، رؤية وفكرة ومضمونا، وتشكيلا جماليا، على مستوى السرد والحوار، والتنوّع في استخدام الأزمنة والأمكنة، ابتداء من العراق إلى أوروبا حتى جميع دول المهجر الأخرى، التي يعيش فيها أدباء العراق، بعد أن غادروا بلدانهم، نتيجة الحروب، والأزمات السياسية والاقتصادية، والطائفية التي تحكّمت في بنية العراق منذ ثلاثين سنة سابقة، وحتى الوقت الراهن. فهناك تعددية واضحة في استخدام الأمكنة والأزمنة، وتقنيات السرد المعاصرة المستفيدة من تقنيات السرد في القصة الأجنبية المعاصرة، كون أدباء العراق في ترحال دائم، وعلى إطلاع دائم على ثقافة الأخر وفكره. وهناك أيضا تعددية في استخدام مستويات الخطاب الإيديولوجي، وأطروحاته السياسية والفكرية التي تحكّمت في بينة المجتمع العراقي، سكّانا، وثقافة، وسياسية.

ومن أهمّ مضامين الخطاب القصصي في القصة القصيرة العراقية المعاصرة، والتي وظّفها قاصو العراق، سواء أكانوا داخل العراق أم خارجه: الترحال والغربة والحنين، والأحزان، والإحساس بالفاجع الحاد، وبأنّهم فقدوا وطنهم العراق الذي مزّقته الحروب والمذاهب الطائفية من جهة، ولأنّهم فقدوا حريتهم وكرامتهم في ظلّ الأنظمة السياسية التي حكمهم، من جهة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك تأخذ المرأة الأنثى، فضاء واسعا في هذا الخطاب، كونها تشكّل معادلا موضوعيا لحالات الاستلاب والفقد التي يعيشها أدباء العراق داخل الوطن العراق، وفي الدول الأجنبيّة التي يرتحلون إليها، والتي هي بالنسبة لهم، ليست إلا منافي يعانون فيها الاغتراب والتمييز العنصري ضدهم. ويأتي هذا المقال للأستاذ يونس ليدرس أهم هذه المضامين آنفة الذكر، في المجموعة القصصية “الخبز حبر الكلام” للشاعر العراقي جعفر كمال( يونس، محمد عبد الرحمن ( 2017) . سيمفونية الحنين والشوق والأنثى والأحزان في القصة العراقية المعاصرة: قراءة نقدية في مجموعة قصصية. 10-17)

فضاء النص الأسطوري والميثولوجي في فضاء النص الشعري العربي المعاصر: مفاهيم نظرية

هذا البحث المنشور في المجلد الثامن في عام 2016، يتحدث عن فضاء النص الأسطوري والميثولوجي في فضاء النص الشعري العربي المعاصر. ويقول الباحث في هذا البحث: توظيف الأسطورة في النص الشعري العربي المعاصر مسألة في غاية الأهمية، فما من شاعر عربي معاصر معروف إلا واستخدم الأسطورة في أعماله، وهناك حالات استثنائية وطفيفة لا يقاس عليها. وإنّ استخدام الأسطورة والرمز والتاريخ في الخطاب الشعري العربي المعاصر نوع من التجريب الجمالي، قبل أن يكون عودة إلى التراث، والتأكيد على حضوره. وهذا التجريب الجمالي في بنيته العميقة ينبغي أن يؤكد مكانة الإنسان، ودوره الحضاري، ويستحضر أعمق مشاعره الإنسانية وأدقّها. إن الأسطورة تشكّل نظاما خاصا في بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر، وقد يبدو هذا النظام عصيّا على الضبط والتحديد، وذلك لضبابية الرؤية المُراد طرحها في النص الشعري، ولكثافة الأسطورة نفسها غموضا وتداخلا مع حقول معرفيّة أخرى. فعندما نستحضر الأسطورة فإننا نستحضر التاريخ متداخلا مع الميثولوجيا والخرافة، والحكاية الشعبية، وهنا يصعب علينا معرفة أوجهها كاملة، وذلك لتناصّها مع هذه الحقول المعرفيّة الأخرى( يونس، محمد عبد الرحمن.( 2016) فضاء النص الأسطوري والميثولوجي في فضاء النص الشعري العربي المعاصر: مفاهيم نظرية. 22-28) .

إنّ اللجوء إلى الأسطورة في الفكر العربي المعاصر هو استحضار للبطولة الغائبة، وحنين لها، وتوق لزمن نظيف، وتاريخ غير ملوّث بالطغاة والظَلمة. وإنّ العودة إلى التراث لا تعني هيمنة الرؤية التراثية على الرؤية المعاصرة. ولقد استطاع الشاعر العربي المعاصر أن ينطلق من البنية التراثية نفسها، ليبدع بديلا منها، ويتجاوزها، وصارت الحكاية الأسطورية والخرافية عند الأدباء المعاصرين تُرَدّ إلى عناصرها وكثيرا ما تضاف إليها عناصر جديدة تتواصل مع العناصر التقليدية. صار التراث الأسطوري في القصيدة العربية المعاصرة جزءا من رؤية جماليّة، بعد أن تعامل معه الشعراء المعاصرون وفقا لمنظور إنساني وحضاري، إذ أن كثيرا من الرموز التراثية قادرة على الاستمرار في نسق الواقع المعاصر

مقاربات نظرية في مفهوم الأسطورة وأهم الاتجاهات الفكرية في تفسيرها

هذه مقالة علمية ظهرت في صفحات مجلة العاصمة، المجلد الثالث، 2011. يصف الباحث الأسطورة قائلا: “إن الأسطورة بنية ثقافية مركّبة ووعي جمعي صاغته عشرات المعارف والخبرات والتواريخ والحكايات، ويبدو للباحث أنّ الذي يبحث في مصادر الأسطورة وأبعادها لا يستطيع فصلها عن التاريخ والدين والطقوس والمعتقدات. وقبل أن تكون الأسطورة حكاية بأحداث وشخوص يتجاورون، ويتفاعلون ويتعاركون، فإنها منهج فكري اعتمد عليه الإنسان القديم ليفسّر به نشوء الكون ونظامه، وبدء الخليقة، ومن ثمّ ليفهم ظواهره وتناقضاتها، وانسجامها وليتصوّر أشكالا ومواقف وسلوكات لطبيعة الآلهة التي خلقت هذا الكون، والتي ظنّها هذا الإنسان أنها متعددة، منها ما هو للبحار، وللسماء وللأرض والكواكب، ومنها ما هو لعالم الجحيم والموت والحياة، والجمال والحكمة، وليجمح هذا الإنسان بخياله العفوي والتأملي الإبداعي معتقدا أنّ لهؤلاء الآلهة صورا مشابهة لبني البشر من حيث كونهم يعشقون ويتزوجون ويتعاركون، ويتباغضون في سبيل المُلك والسطوة والنساء، ومن هنا فإنّ الأسطورة عند هذا الإنسان تعبير عن خيالات وأوهام وأفكار تأمّلية، قبل أن تكون تعبيرا عن منهج عقلي، لكنها سجلٌ لخبرات الإنسان ومعارفه وحكمته ورؤيته لثنائية الصراع الأبدي بين الخير والشّر، وتغليبه فكرة انتصار الخير، من دون أن ينهزم الشّر أو ينتهي، وبالتالي ديمومة الحياة ونماؤها، إلى جانب استمرار الشّر وظواهر الفناء. نظرا إلى الأهمية التي تحتلها الأسطورة في الفكر الإنساني فقد خضع تفسيرها لاتجاهات فكرية متعددة سواء كانت نفسية أو دينية، أو شعبية أو عقلانية، أو إيديولوجية يغلب عليها خطاب الأطروحة ويتحكم في مسار توجهها العام( يونس، محمد عبد الرحمن. ( 2011) مقاربات نظرية في مفهوم الأسطورة وأهم الاتجاهات الفكرية في تفسيرها، 8- 18) .

إنّ التباينات داخل الاتجاهات الفكرية التي حاولت تفسير أساطير الأمم والحضارات السابقة، قدّمت للمهتمين بالبحث الميثولوجي خدمات جُلّة رغم تباينها. ويبدو أنّ المنهج الواحد بعينه قاصرٌ عن استيعاب طاقات الأسطورة، وتداخلاتها الشديدة مع الخرافة والحكاية والرموز الشعبية. إنّ الباحث في هذا الحقل يحتاج إلى أكثر من اتجاه لفهم الرؤية الأسطورية العميقة وبواعثها ومكوّناتها، وطالما أنّ مصطلحها نفسه يكتنفه الغموض وعدم الثبات، إذ ليس من السهل تثبيت دعائم هذا المصطلح، فهو يشير اليوم إلى حقل من حقول المعاني. فنحن نسمع عن رسامين وشعراء يبحثون عن نواحٍ أسطورية، ونسمع عن أسطورة التقدم أو الديمقراطية، كما أننا نسمع عن عودة الأسطورة في الأدب العالمي. ومع ذلك نسمع أنّ ليس بوسع المرء أن يبدع أسطورة أو يختار الاعتقاد بها أو يرغب في إيجاد أحدها. وطالما أن المصطلح غامض، فإنّ الاتجاهات والمدارس الفكرية التي فسّرت هذا المصطلح ودرست علاقته مع العلوم الأخرى ليست نهائية، بل قابلة لمزيد من البحث والتجريب المعرفيين.

بعض إشكاليات البحث العلمي في الجامعات العربية المعاصرة

هذه المقالة التربوية قد نشرت في المجلد السابع لمجلة العاصمة في 2015 م. ويشير الباحث في مقالته إلى بعض الإشكاليات التي تقف في وجه موهبة الباحث العربي ورغبته في تحصيل المعرفة، وتمنعهما من التوثب والانطلاق نحو آفاق البحث الرحبة. يقول الباحث إنّ عددا كبيرا من الجامعات العربية، ذات الرؤية أحادية الجانب، غير قادرة على قراءة النصوص إلاّ قراءة واحدة، ووفقا لرؤية نقدية واحدة، وذلك نظرا لسطوة المناهج الدراسية المعمول بها، ذات الطرق التقليدية المحافظة، هذه الطرق التي تبدو واضحة في كيفية التعليم وإلقاء المحاضرات ونظام إعداد الأبحاث، ونظام الامتحانات، هذا النظام الذي يسهم بشكل أساسي في جعل الطالب صورة تقليدية تابعة لأستاذة، إذ تتعطّل طاقاته النقديّة الفاحصة، وأدواته المعرفية الكاشفة، لتتحول إلى ذاكرة تجهد نفسها في حفظ النصوص التي قُدمت له أثناء المحاضرات، من دون تمثُّل لأبعادها المعرفية ودلالاتها الرمزيّة، ودورها الفاعل في البناء العلمي والتشكيل المعرفي، وإذا حاول الطالب أن يخرج عن المعلومات التي فُرِضت عليه، أو يُعمِل فيها منهاج شكّه، أو يحاكمها بموضوعية وعلميّة، فإن مصيره الفشل في الامتحانات الشفوية والكتابية. ويبدو للباحث أنّ البحث المنهجي في الجامعات العربية المعاصرة لن يستطيع التخلّص مستقبلا من كثير من الصعوبات التي تعترض الباحث في عمله، إلاّ باعتماده وسائل التقنية الجديدة التي ظهرت مع تقدّم علوم الكومبيوتر( يونس، محمد عبد الرحمن.( 2015) بعض إشكاليات البحث العلمي في الجامعات العربية المعاصرة. 8-12).

وأخيرا يمكن القول: إن الباحث الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن يونس، هو باحث متعدد في قراءاته واتجاهات هذه القراءات، وفي بحوثه النقدية الأكاديمية التي تتناول مختلف الأجناس الأدبية: شعرا ورواية وقصة قصيرة ومسرحا معاصرا، بالإضافة إلى دراساته المتعددة في التراث العربي والإسلامي، وهو من أكثر الباحثين العرب نشرا في مجلتنا، مجلة العاصمة الأكاديمية المحكمة التي تصدر في ولاية كيرالا بالهند.

الهوامش :

– يونس، محمد عبد الرحمن. قراءة في الملامح الرئيسة لمدن ألف ليلة وليلة العربية والهندية والإسلامية. مجلة العاصمة. المجلد الرابع. 2012. الهند: كلية الجامعة.

– يونس، محمد عبد الرحمن. ملامح شخصيّة الخليفة عمر بن عبد العزيز في ألف ليلة وليلة. مجلة العاصمة. المجلد الخامس. 2013. الهند: كلية الجامعة. ص: 8-12

يونس، محمد عبد الرحمن. مظاهر تأثير حكايات ألف ليلة وليلة في آداب الأمم والشعوب. مجلة العاصمة. المجلد السادس. 2014. الهند: كلية الجامعة. ص: 8-11
– يونس، محمد عبد الرحمن. المعالم الرئيسة لفضاء الأسواق التجارية في متن حكايات ألف ليلة وليلة. مجلة العاصمة. المجلد الثاني عشر. 2020. الهند: كلية الجامعة. ص: 294-301
يونس، محمد عبد الرحمن. التركيب الفني والسردي والخلفيات المعرفية في الرواية المغربية المعاصرة: رواية “سوق النساء” لجمال بوطيب أنموذجا. مجلة العاصمة. المجلد الحادي عشر. 2019. الهند: كلية الجامعة. ص: 25-30
يونس، محمد عبد الرحمن. تراتيل محزنة في دير مهجور: قراءة في القصة السورية المعاصرة. مجلة العاصمة. المجلد العاشر. 2018. الهند: كلية الجامعة. ص: 4.-44 .
– يونس، محمد عبد الرحمن. سيمفونية الحنين والشوق والأنثى والأحزان في القصة العراقية المعاصرة: قراءة نقدية في مجموعة قصصية. مجلة العاصمة. المجلد التاسع. 2017. الهند: كلية الجامعة. ص: 10-17
يونس، محمد عبد الرحمن. فضاء النص الأسطوري والميثولوجي في فضاء النص الشعري العربي المعاصر: مفاهيم نظرية. مجلة العاصمة. المجلد الثامن. 2016. الهند: كلية الجامعة. ص: 22-28 .

يونس، محمد عبد الرحمن. مقاربات نظرية في مفهوم الأسطورة وأهم الاتجاهات الفكرية في تفسيرها. مجلة العاصمة. المجلد الثالث. 2011. الهند: كلية الجامعة. ص: 8-18