د. زهير ابعيزة

كلية علوم التربية بالرباط – المغرب

Zouhair.baiza@gmail.com

00212610101837

الملخص

مما لاشك فيه أن من أهم الأدوار التي يجب أن تضطلع بها مدرسة القرن الواحد والعشرين، تمكين المتعلمين من المهارات الحياتية، وإعدادهم للتكيف مع التغيرات التي تطبع عصرنا الحالي، والتعامل بمرونة مع مختلف التحديات التي تعرفها مجالات الحياة، ومن ثمة بناء جيل قادر على  مسايرة ومواكبة التفجر المعرفي الذي يعرفه العالم في ظل العولمة والتطور التكنولوجي.وعليه، فإننا نروم في هذه الدراسة إبراز أهمية إدماج المهارات الحياتية في البرامج والمناهج التعليمية، وبناء قائمة لأهم المهارات الحياتية الواجب توافرها في متعلمي ومتعلمات القرن الواحد والعشرين.

الكلمات المفتاحية: الكفايات، المهارات الحياتية، المتعلم، التنمية المستدامة.

 

Life Skills:Towards an effective pedagogicalparadigm

DR ZOUHAIR BAIZA

Faculty of Education Sciences in Rabat – Morocco

 

Abstract

Undoubtedly, one of the most important roles played by the school of the 21st century is to equip learners with life skills and prepare them to adapt to the changes that characterize our current times and to face them with flexibility.  to the various challenges facing the areas of life.  , thus building a generation capable of keeping pace with the explosion of knowledge that the world is experiencing in light of globalization and technological development, and therefore in thisstudyweaim highlights the importance of integrating life skills in educational curricula and programs and builds a list of the most important life skills that need to be available to 21st-century learners.

Keywords: competencies, life skills, the learner, sustainable development.

مقدمة

يشهد العالم تغيرات متسارعة على مستوى الميادين المعرفية والعلمية والتكنولوجية، الشيء الذي يجعل رهانمنظومة التربية والتعليم علىالمهارات الحياتية، مطلبا تربويا وحضاريا ملحا، لما لها من أهمية بالغة في تشكيل شخصية المتعلمين وتهذيب سلوكهم، وتنمية حسهم الفني وذوقهم الجمالي، وصقل ملكاتهموقدراتهم النقدية والإبداعية، بغية تأهيلهم للاندماج في محيطهم السوسيوـ اقتصادي، والتكيف مع التحديات المختلفة التي يعرفها القرن الواحد والعشرين.

ونظراللأهمية القصوى التي يضطلع بها التعليم في الارتقاء بالرأسمال البشري،وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، أكدت الرؤية الاستراتيجية على “ضرورة توفير تعليم وتكوين موفور الجودة والجدوى والجاذبية، وملائم للحياة العملية، ومستشرف لمهن المستقبل، علاوة على ضرورة تربية المتعلمين على تنويع الاهتمامات، وربط تعلماتهم بمختلف مجالات الحياة، لفهم جدوى الدراسة والتثقيف، ودورهما في انفتاحهم وإقبالهم على المبادرة والمشاركة والعمل الجماعي، وكل ما يهيئ لحسن ولوج الحياة الاجتماعية والمهنية”، والتعامل بفعالية مع متطلباتها والتحديات التي تطرحها.

لقد أكدت مجموعة من التقارير والدراسات الدولية على أن الأنظمة التعليمة قد أخفقت بشكل كبير في دفع عملية التطور الاجتماعي والفردي، وضمان تعليم جيد وعادل وشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة.ولا غرو أن إدماج المهارات الحياتية في منظومة التربية والتعليم، يعد مطلبا مهما، نظرا لتموقع المدرسة في صلب المشروع المجتمعي من جهة، واعتبارا للأدوار التي تضطلع بها في تنزيل الغايات الكبرى المتوخاة من النموذج التنموي من جهة أخرى.

غير أن متعلم اليوم، وفي ظِّلِّ الانفجار المعرفي وتدفقه الجارف عبر وسائل الاتصال والتكنولوجيا، لم يعد يجد في المناهج والبرامج الرسمية ما يؤهله لمسايرة سرعة العصر، لا سيما أنها باتت شبه جامدة في مقابل المعارف والخبرات المتجددة يوما بعد يوم، لذلك كثيرا ما نلاحظ ضعف الحافزية في قاعات الدرس، المؤسسة على الأسس التقليدية كالأنشطة المبرمجة للجميع، والمعارف الخاضعة لصرامة علمية معينة، ووفق شروط مرسومة: طاولات، مكتب، سبورة، فضاء مسور، منهاج- مقرر- كفايات محددة…

يتعلق الأمر، هاهنا، بمعرفة يتم تشييدها عن طريق الحواس، معرفة “دنيا” تختلف عن المنطق والعلوم، توازي المعرفة العلمية العقلية أو المعارف العليا، والتي يتحول فعل التعلم بموجبها فعلا عاما يشمل الحياة كلها، تتكامل فيه المعارف العليا ( العلوم الخاضعة للمنطق) والمعارف الدنيا ( المعارف الخاضعة للإحساس). ومن ثمة، يحل لنا القول: إن مجال التعلم أوسع من الدرس الصفي، الذي ينمي الكفايات المعرفية والتواصلية والتقنية اللازمة للاندماج في المجتمع، عبر محتويات وأنشطة مدروسة وفق منطق معين، يجعل المنتج المتحصل عليه موحدا.

لذا صار الحديث عن تعليم المهارات المؤهلة للاندماج الفعال في الحياة أمرا سائرا على الألسن، وموضوعا دارجا في الأوساط التربوية والأكاديمية، بل بات مطلبا ملحا تسعى إلى تحقيقه النظم التربوية، على أساس  أن الاستثمار في الرأسمال البشري رهان لا خيار فيه إلا النجاح في كسبه. من أجل الارتقاء بالمتعلمين والمتعلمات والمنظومة ككل على حد سواء.

  1. الإطار الإشكالية للدراسة
  2. الاشكالية

تقر العديد من الدراسات التربوية بأهمية المهارات الحياتية، وقد اتخذت هذه الأهمية مكانتها في الدرس التربوي، فاستدمجتها النظم التربوية في برامجها ومقرراتها على شكل أنشطة ومحتويات، يتم تخطيطها وتدبيرها بطريقة أكاديمية ومنهجية، تصطنع لها إطاراتها وسياقاتها الموضوعية، وغالبا ما يتم تقزيم الوضعيات الحياتية لتناسب سياق ونسق التعليم في حصة أو مجزوءة. مما يجعلنا أمام مفارقتين اثنتين: تتمثل الأولى في أن المدرسة مهما انفتحت على وضعيات حياتية، تبني من خلالها مهارة ما، فإنها تبقى قاصرة على استيعاب المعارف والمعلومات التي يمكن ان يتزود بها المتعلم في كل لحظة يعيشها في ديناميتها وفي أبعادها المختلفة، لسبب بسيط أن فعل التعليم رهين بزمن الحصة، ورهين بالغائية التي تستبعد كل العناصر التي لا تخدم الهدف من التعلم. أما الثانية فيتعلق بطريقة تمثل المعلومات التي تقدمها الحياة، إذ يتم الاشتغال عليها لتصير معرفة علمية تقاس بمقاييس منطقية، ومن ثمة نجد المدرسة قد أهملت مجالات لا تنضبط للمنطق المعلل، كما أهملت المعارف والمهارات التي يمكن تحصيلها عفوا بدون استعداد مسبق أو تخطيط. ومنه سنسعى من خلال هذه الدراسة الإجابة على الإشكال الآتي: إلى حد تستجيب منظومة التربية والتعليم إلى التغيرات المتسارعة التي تطبع عصرنا؟ هل تعد المتعلمين إلى ما ينتظرهم مستقبلا؟ وإلى أي مدى تساهم المهارات الحياتية في الارتقاء بمنظومة التربية والتعليم؟ وما المداخل القمينة لبنائها؟

  1. الفرضيات

إجابة عن الإشكال المطروح، تنطلق الدراسة من الفرضيات الآتية:

  • تدني مستويات مخرجات التعليم يعزى إلى افتقار المتعلمين للمهارات اللازمة للنجاح في المدرسة والمجتمع؛
  • الاستناد إلى نموذج تعلم رباعي الأبعاد من شأنه تعزيز التعلم مدى الحياة؛
  • المهارات الحياتية رافعة أساسية للارتقاء بمنظومة التربية والتعليم؛
  • أنشطة الحياة المدرسية مدخل ناجع لناء المهارات الحياتية للمتعلمين والمتعلمات.
  1. أهمية الدراسة

يتسم العصر الحالي بجملة من التغييرات المتسارعة، جعلت المدرسة عاجزة عن مسايرة  ركب التقدم والتطور، وعن الاستجابة لمتطلبات عصر العولمة ومجتمع المعرفة، إلى درجة يصح معها القول: إن كل شيء تغير في المجتمع ما عدا المدرسة، مما يفرض على النظم التعليمية إعادة النظر في برامجها ومناهجها، والبحث عن براديغمات بيداغوجية حديثة، تستجيب لرغبات المتعلمين المعرفية والوجدانية والحس حركية من جهة، وتستشرف عبر مدخلاتها ومخرجاتها، حاجيات المجتمع المستقبلية المرتبطة بمهن المستقبل وسوق الشغل. وعموما تتجلى أهمية الدراسة في اقتراحها باراديغما بيداغوجيا فعالا ومستداما من شأنه أن يتجاوز الاكراهات التي يطرحها التعليم التقليدي القائم الحفظ والاستظهار، ويمكن المتعلمين والمتعلمات من مجموعة من المهارات الحياتية القمينة بجعلهم قادرين على الاندماج بفعالية في محيطهم السوسيو اقتصادي.

 

  1. أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى تحقيق جملة من الأهداف، لعل أهمها:

  • إبراز الدور الكبير الذي تضطلع به المهارات الحياتية في الارتقاء بمنظومة التربية والتعليم؛
  • بناء قائمة من المهارات الحياتية الواجب توافرها في البرامج والمناهج التعليمية؛
  • معالجة الفجوة المفاهيمية التي يطرحها موضوع المهارات الحياتية، عبر حصر المفهوم وتصنيف المهارات الحياتية؛
  • بناء مقترح لتنمية المهارات الحياتية للمتعلمين والمتعلمات، بغض النظر عن المستوى الدراسي.
  1. منهج الدراسة

ارتكزت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، لانسجامه وطبيعة الموضوع المعالج.

  1. الإطار النظري للدراسة
  2. المهارات الحياتية: نحو براديغم بيداغوجي فعال ومستدام

اعتبرت منظمة اليونيسف من خلال مبادرة تعليم المهارات الحياتية والمواطنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن حالة التعلم “تستدعى رؤية للتعليم تكون شمولية وتستمر مدى الحياة، تقوم على الحقوق وتعمل على تعظيم إمكانيات كل الشباب والأطفال، وتعدهم بشكل أفضل لاستنباط المعاني من المعارف، وكذلك مواجهة الانتقالات من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، ومن التعليم إلى العمل، ومن النشأة غير المتبصرة إلى المواطنة النشطة والمسؤولة، من أجل استثمار أفضل وأنجع في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفردية”.( الإطار المفاهيمي والبرامجي، صفحة 18)

بالرغم من التقدم الحاصل في كل مختلف مناحي الحياة، ما تزال النظم التعليمية في مجتمعاتنا تنأى عن تغيير وتجديد برامجها ومناهجها التربوية، وسيناريوهاتها البيداغوجية، إذ لا يزال دورها  دورا تقليديا عتيقا، يقتصر على استقبال المتعلمين والمتعلمات وإكسابهم جملة من المعلومات والمعارف تساعدهم على الاندماج داخل المجتمع. ولا نغالي إن قلنا إن “نظامنا التعليمي، ضمن ما يعانيه، خاصة في جانبه المتعلق بأساليب التعليم وطرائقه ، نوعا من الانفصال والابتعاد عن عالم المتعلمين واحتياجاتهم، فالمواد التعليمية التعلمية تقدم في أغلب الأحيان بطريقة جافة ومملة، مما يجعل المتعلمين يتعاملون معها دون تأثر أو انفعال وجداني، يقربها إلى اهتماماتهم وميولهم، فيسود لديهم النفور منها ومن المدرس على حد سواء”.(أوزي، 2017، صفحة 43).

ولا غرو أن التحدي الذي تواجهه منظومة التربية والتكوين اليوم،  يتعلق أساسا بعدم الملاءمة بيم مخرجات البرامج والمناهج التعليمية ومتطلبات سوق الشغل، ويعزى الأمر إلى لقد الاعتقاد السائد  لوقت طويل بأن “الاستثمار يتعلق فقط بالاستثمار المادي الطبيعي، وزيادة نسب النمو الاقتصادي في المجتمعات، ترجع فقط إلى الزيادة الحاصلة في الرأسمال المادي، إضافة إلى الزيادة في عدد العمال. أما التعليم فكان ينظر إليه على أنه نوع من الترف، وأنه ضرب من ضروب الاستهلاك وقطاعا غير منتج. ومع الوقت توصل عدد من الاقتصاديين أمثال آدم سميث، ألفرد مارشال، دينيسون، وغيرهم، إلى العلاقة الطردية بين الاستثمار في التعليم زيادة ثروات المجتمع، أثبتوا أنه كلما زاد الاستثمار في التعليم كان الاستثمار في المادي ايجابيا، وأن الاستثمار في الرأسمال البشري ليس ترفا، بل إن أهميته تفوق في كثير من الأحيان المفهوم التقليدي للاستثمار، خاصة مع التقدم المتسارع في المجال التكنولوجي الذي يحتاج بدوره إلى مؤهلات بشرية مدربة للتعامل مع التقنيات الجديدة”(أوعبو، 2018، صفحة 29) والتكيف مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.

إن إيقاع التطور السريع الذي لمس مختلف جوانب الحياة، جعل المدرسة عاجزة عن مسايرة متطلبات العصر الجديد، عصر العولمة ومجتمع المعرفة. ومن ثم، يعد بناء مدرسة الارتقاء الفردي والمجتمعي، خيارا استراتيجيا لا محيد عنه، “عبر توفير تعليم وتكوين موفور الجودة والجدوى والجاذبية، ملائم للحياة العملية ومتطلبات الاندماج السوسيوـ اقتصادي، مستشرف لمهن المستقبل، ومواكب للتحولات المتسارعة على الصعيد الدولي”.(الرؤية الاستراتيجة للإصلاح، الرافعة السادسة عشر).

ومن هذا المنطلق، فالنظم التعليمية مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، باعتماد برامج ومناهج تربوية تستشرف عبر مدخلاتها ومخرجاتها، حاجيات المجتمع المستقبلية المرتبطة بمهن المستقبل وسوق الشغل، علاوة على تجاوز التعلم الظرفي للمعارف، عبر اكساب المتعلمبن والمتعلمات المهارات الحياتية والقيم، وتنويع الاهتمامات، وربط تعلماتهم بمختلف مناحي الحياة. فالمدرسة ـحسب النمودج التنموي ــ”يجب أن تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني، كما يجب أن تصبح هذه المدرسة بوتقة لتكوين شباب متفتح يطور ذاته ويصنع مستقبل المغرب، من خلال تلقينه معنى الاستقلالية والمسؤولية وأخلاقيات مطبوعة بالقيم الانسانية الراسخة في الهوية المغربية، وفكر منفتح، وقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة” من أجل تحقيق تحول عميق في النظام التربوي، وضمان تعليم مستدام ومدى الحياة.

ومن المسلم به، أن المهارات الحياتية  تضطلع  بدور فعال وناجع في البرامج والمناهج التعليمية، “كونها تحقق التكامل بين المدرسة والحياة، من خلال ربط حاجات المتعلمين والمتعلمات ومواقف الحياة باحتياجات المجتمع، مما يساعد المتعلم على إدارة حياته بنوع من المرونة والفاعلية، والاعتماد على النفس، والقدرة على التكيف الإيجابي مع بيئته، ومواكبة التغيرات ومواجهة الضغوط؛ بحيث تمنح المتعلم فرصة كي يعيش بشكل أفضل، خاصة في مجتمع يتميز عصره بالانفجار المعرفي والمعلوماتي والتقني السريع؛ وذلك لأن المهارات الحياتية تكسب المتعلم خبرات مباشرة، من خلال التعامل المباشر مع الأشخاص والظواهر الحياتية، مما يعطيه القدرة على الدمج بين ما يتعلمه وما يدرسه وبين ما يواجهه خلال التفاعل مع الواقع المحيط، الشيء الذي يعزز لديه الشعور بمشكلات المجتمع والرغبة في حلها والتعاون مع المحيطين به في ذلك”. (دليل المهارات الحياتية والنثقيف بالنظير، صفحة 10)

  1. مفهوم المهارات الحياتية

يعتبر مفهوم المهارات الحياتية من أصعب المفاهيم المستعصية على الشرح والتفسير، نظرا لعدم وجود توافق تام في الآراء حول التعريف الأدق والعناصر الأساسية لمهارات القرن الحادي والعشرين، ويعزى هذا الارتباك، حسب منظمة اليونيسيف، إلى التداخل الحاصل بين مفهوم الكفاءات والمهارات والمهارات الحياتية.يتكون مفهوم المهارات الحياتية من كلمتين: مهارات وحياة، أماالمهارات لغة: مفرد “مهارة”، وهي مصدر”مهر”، وتعني القدرة على أداء عمل بحذق وبراعة وإتقان. أما في الاصطلاح التربوي فهي “هدف من أهداف التعليم، يشمل كفاءات المتعلمين وقدراتهم على أداء مهام معينة بكيفية دقيقة أو متناسقة أو ناجعة، ويترجم هذا الأداء درجة التحكم في أهداف مهارية”savoir faire” (الفاربي، 1994، صفحة 161).

أما المهارات الحياتية فيقصد بها مجموعة من “الأداءات والقدرات المجتمعة والمنظمة في شكل كفاية، مرتبطة بحياة الأفراد، ضمن نسق متكامل لبناء توجهاتهم السلمية وتنميتها، مثل الكفاية في التواصل الجيد، كفاية الحسم في القرارات، الكفاية في التوافضوإدارة المشاعر، والكفاية في التعامل مع الضغوط…، فهي تجميع لقدرات عدة مترابطة فيما بينها، وليس القدرة الواحدة المحدودة في نشاط معين”.

عرفت المنظمة العالمية للشباب IFY المهارات الحياتية على أنها ” مجموعة شاملة من المهارات والقدرات الإدراكية وغير الإدراكية العامة، وسلوكيات الاتصال، والتوجهات الشخصية التي ينميها الشباب ويحتفظون بها طوال حياتهم”(المنظمة الدولية للشباب، 2014، صفحة 3). أما منظمة الصحة العالمية WHO فتعتبر أن المهارات الحياتية هي ” القدرة على انتهاج سلوك تكيفي وإيجابي، يمكن الفرد من التعامل بفعالية مع متطلبات وتحديات الحياة اليومية”. في حين تعرفها منظمة الأمم المتحدة للطفولة UNICEF بكونها مجموعة من ” المهارات النفسية والشخصية والتواصلية التي تساعد الناس في اتخاد قرارات مدروسة، والتواصل بفعالية، وتنمية مهارات التأقلم، وإدارة الذات، التي من شأنها أن تؤدي إلى عيش حياة صحية ومنتجة”(اليونيسف، 2012).

وبناء على التعاريف السابقة  يمكننا القول إن المهارات الحياتية هي جملة الكفايات والاستعدادات والقيم، التي يمكن تنميتها مدى الحياة، من أجل إقدار الأفراد على اتخاذ القرارات، وحل المشاكل، والتفكير بطريقة إبداعية ونقدية، والتعامل الايجابي مع الحياة ومتطلباتها، ومواجهة مختلف الوضعيات والتحديات التي تعترضهم بمرونة وطلاقة.

  1. أبعاد التعلم في بناء المهارات الحياتية

ترتكز أبعاد التعلم على مقاربة شاملة للتعليم، “تأخذ المتعلم ككل بعين الاعتبار من خلال إقرار تعددية أبعاد التعليم، والتي لا يقتصر دورها فقط على المعرفة والإدراك، بل يشمل أيضا الجوانب الفردية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالتطوير الشخصي والتلاحم الاجتماعي، والتنمية المستدامة، ويتم تصوير التعليم الجيد، ضمن إطار العمل هذا، على أنه يعزز الأفراد المتمكنين الذين يمكنهم التعلم بفعالية، والاضطلاع بمسؤولياتهم الاجتماعية، مع قدرتهم على تحقيق النجاح في سياق العمل”.(الإطار المفاهيميوالبرامجي،صفحة 2).

وعلى هذا الأساس، تشكل شخصية المتعلم  في منظومة التربية والتعليم كلا متكاملا غير قابل للتجزئة، لذا، يتأسس بناء المهارات الحياتية على تداخل  وتفاعل أبعاد التعلم الأربعة، دون أن يكون هناك اقتصار على بعد دون الآخر؛ حيث يتم الانتقال من الجانب المعرفي النظري إلى الجانب العملي التطبيقي، من أجل إضفاء البعد الوظيفي على التعلمات، وجعلها موضع تنفيذ في الحياة اليومية، استجابة لجميع رغبات المتعلمين وحاجاتهم المعرفية والوجدانية والحسية والحركية والروحية والاجتماعية، عوض اختصار العملية التعليمية التعلمية في البعد المعرفي فقط.

وللاعتبارات سالفة الذكر، اقترح الإطار المفاهيمي والبرامجي وضع فهم مشترك للمفاهيم والتعريفات الخاصة بمهارات القرن الحادي والعشرين، استنادا إلى نموذج تعلم رباعي الأبعاد:

  • التعلم للمعرفة أو البعد المعرفي : ويشمل تطوير قدرات التركيز وحل المشكلات والتفكير النقدي، والتركيز على الفضول والإبداع والرغبة في الحصول على فهم أفضل للعالم وللبشر؛
  • التعلم للعمل أو البعد الأدواتي: التركيز على كيفية دعم الأطفال والشباب لتطبيق ما تعلموه على أرض الواقع، وكيفية تكييف التعليم لخدمة عالم الأعمال على نحو أفضل، من أجل وضع التعلم النظري موضع تنفيذ؛
  • التعلم لنكون أو البعد الفردي: ويقصد به التعلم لتحقيق الذات والنمو الشخصي والتمكين الذاتي، ويشمل المهارات المعرفية الذاتية، ومهارات التعامل مع الآخرين؛
  • التعلم من أجل العيش المشترك أو البعد الاجتماعي: بعد أخلاقي يعزز قيم ومبادئ العدالة الديموقراطية والاجتماعية، ويشكل الأساس الأخلاقي للأبعاد الثلاثة الأولى.

هذا، ولا ينبغي اعتبار أبعاد التعلم الأربعة على أنها مختلفة أو متعارضة مع بعضها البعض، ذلك لأن الواقع أكثر دينامية؛ حيث أنها تتداخل وتتشابك وتعزز بعضها البعض، لتتجمع لدى الفرد المتعلم، كما توفر إطارا علميا للنظر في المهارات الحياتية المتعلقة بأغراض التعلم المختلفة، وهذا بمثابة أداة عملية للاختيار الجيد للمهارات ذات الصلة بالتعلم الجيد. ( الإطار المفاهيمي والبرامجي، صفحة 5)

ويوضح الشكل الآتي تفاعل أبعاد التعلم الأربعة في بناء المهارات الحياتية:

4. تصنيف المهارات الحياتية

لقد أدى التباين على مستوى تحديد مفهوم المهارات الحياتية، إلى الاختلاف حول تصنيفها، حيث قسمتها منظمة اليونيسف إلى أربعة أقسام رئيسة: مهارات الإدارة (تقدير الذات، الثقة بالنفس) والمهارات الإدراكية (اتخاد القرار، حل المشكلات) ومهارات العمل المشترك (التخطيط والقيادة) ثم المهارات الاجتماعية (التواصل، التفاوض). كما تم تصنيفها إلى ثلاث مهارات أساسية: مهارات نفسية (إدارة المشاعر)، مهارات اجتماعية (التواصل والعلاقات بين الأشخاص)، ومهارات عقلية ( الإبداع، التفكير النقدي).

وأمام هذا الاختلاف في تحديد المهارات الحياتية الأساسية، اتبع الإطار المفاهيمي والبرامجي عملية ناجعة ارتكزت على ثلاث خطوات أساسية؛ شملت الخطوة الأولى إدراج قائمة تحليلية شاملة لمجموعة من المهارات تحت كل بعد من أبعاد التعلم الأربعة بغية تعزيز جودة التعليم ونتائج التعلم، والمقدرة على التوظف وريادة الأعمال، وتعزيز التمكين الفردي والمشاركة المدنية. أما لخطوة الثانية فقد جرى تحديد مجموعة مكونة من ثلاث مهارات لكل بعد، استنادا إلى أهميتها وتأثيرها وعلى تضمنها لمهارات أخرى عديدة أو مهارات فرعية، في حين اضطلعت الخطوة الثالثةبإجراء تحليل معمق للمهارات الاثنتي عشرة بالنظر إلى الطبيعة المتداخلة للأبعاد الأربعة، ومهاراتها ذات الصلة ، وإبراز مساهمتها الخاصة في كل بعد متصلة به من جهة، ومساهمتها في الأبعاد الثلاثة الأخرى من جهة ثانية.

وبناء عليه، يقترح النموذج رباعي الأبعاد للتعلم، عنقودا من المهارات لكل بعد، حيث يتضمن العنقود عددا من المهارات الحياتية المرتبطة به، بناء عليه تم تصنيف المهارات الحياتية إلى اثنتي عشرة مهارة تستمر مدى الحياة، وتقدم للمتعلم مقاربة شاملة للتعلم تستند إلى القيمة والوظيفية:

  • مهارات من أجل التعلم: تتضمن مهارات الإبداع، التفكير النقدي، حل المشكلات؛
  • مهارات من أجل المقدرة على التوظف: تتضمن مهارات : التعاون، التفاوض، صنع القرارات؛
  • مهارات من أجل التمكين الشخصي: تتمثل في إدارة الذات، الصمود، التواصل؛
  • مهارات من أجل المواطنة النشطة: تتجلى في احترام التنوع، التعاطف، المشاركة. ويببن الشكل تصنيف المهارات الحياتية في علاقتها بأبعاد التعلم الأربعة:

5. الحياة المدرسية مدخل أساسي لبناء المهارات الحياتية

لا يفترض أن يقتصر بناء المهارات الحياتية للمتعلمين على البرامج والمناهج التربوية فقط، بل يجب أن يمتد تعليمها ليشمل كذلك  أنشطة الحياة المدرسية، وبناء عليه، جعل الميثاق الوطني للتربية والتكوين من الحياة المدرسية عاملا محددا لتشييد معالم مدرسة مغربية مفعمة بالحياة والدينامية، وذلك بفضل أسس مقاربة تربوية مغايرة، قوامها الارتقاء بالمتعلم من سياق التلقي السلبي إلى مستوى المشاركة الفاعلة في جميع الممارسات والأنشطة التربوية، وتحفيزه على التعلم الذاتي، وجعل المدرسة فضاء منفتحا على محيطها الاقتصادي والسوسيو مهني، ومجالا حيويا للارتقاء بالفرد والمجتمع ، مسايرة لمتطلبات التنمية البشرية والمستدامة. (مديرية الحياة المدرسية، 2019، صفحة 4). لقد نص القانون الإطار رقم 51.17 على ضرورة إكساب المتعلم المهارات الحياتية والكفايات الازمة التي تمكنه من الاندماج في الحياة العلمية، والمشاركة الفاعلة في الأوراش التنموية للبلاد، وعلى تنمية القدرات الذاتية للمتعلمين، وصقل حسهم النقدي، وتفعيل الذكاء وتشجيع قيم النبوغ والابتكار في جميع المجالات.

وتهتم الحياة المدرسية بالتنشئة الشاملة لشخصية المتعلم، وذلك بواسطة أنشطة تفاعلية متنوعة، تروم تحقيق تربية تقوم على تعدد الأبعاد والأساليب والمقاربات والمساهمين، في إطار رؤية شمولية توافقية بين جميع الفاعلين والمتدخلين في المنظومة التربية على مستوى المؤسسة، منفتحة على محيطها الخارجي باعتباره امتدادا طبيعيا لها، يساهم إلى جانبها في التنشئة التربوية، وتنمية الكفايات التي تؤهل المتعلمين للاندماج في الحياة. (مديرية الحياة المدرسية، 2019، صفحة 9) وانطلاقا من الارتباط الوثيق بين الحياة المدرسية والحياة العامة، باعتبار الحياة المدرسية صورة مصغرة للحياة الاجتماعية في أماكن وأوقات مناسبة، وانعكاسا لما يقع فيها، وما يفرضه ذلك من تفاعل وتجاوب مع المتغيرات الاقتصادية، والقيم الاجتماعية، والتطورات المعرفية والتكنولوجية، فإن الأنشطة التربوية للحياة المدرسية تتغيا تمكين المتعلم من :

  • حفز المتعلمين على العمل ضمن فريق، وتوعيتهم بأهمية التعلم الجماعي والتعاوني؛
  • إعمال الفكر، والقدرة على الفهم والتحليل والنقاش الحر، وإبداء الرأي واحترام قيم الاختلاف؛
  • ضمان النمو المتوازن عقليا، وجدانيا، حس حركيا؛
  • تكريس المظاهر السلوكية الإيجابية، والتحلي بالسلوك الحسن أثناء التعامل مع كل الفاعلين في الحياة المدرسية؛
  • تحرير الطاقات الإبداعية؛ عبر فتح المجال أمامهم لممارسة التفكير النقدي والتفكير التحليلي والنقد الذاتي؛
  • تحسيسهم بأهمية الانفتاح على المحيط، والاقبال على الحياة بكل إيجابية؛
  • تدريبهم على أهمية توظيف مجموعة من الذكاءات المتعددة من أجل مواجهة مختلف التحديات بكل مرونة وطلاقة.
  1. خاتمة وتوصيات

بناء علىماسبق، يمكننا القول إن تبني فلسفة التعلم من أجل الحياة، لم بعد ترفا بل أضحى ضرورة ملحة، استجابة للتغيرات المتسارعة التي يشهدها عصر العولمة، ويفرضها مجتمع المعرفة، وتحقيق التكامل المطلوب بين مخرجات المدرسة ومتطلبات سوق الشغل، مما يساعد المتعلم على إدارة حياته بنوع من المرونة والفاعلية، والاعتماد على النفس، والقدرة على التكيف الإيجابي مع بيئته، ومواكبة التغيرات ومواجهة الضغوط والتحديات، وحل المشكلات التي تعترضه. ولتحقيق هذه الغايات، فإن الدراسة توصي ب :

  • إحداث قطيعة مع التعليم البنكي القائم على الحفظ والاستظهار، وتني سياسة التعلم من أجل الحياة؛
  • الاستثمار في الرأسمال البشري، عبر دعم التعليم المتمركز على المهارات الحياتية؛
  • إدراج المهارات الحياتية في البرامج والمناهج التربوية، بدءا من التعليم الأولى، مرورا بالتعليم الابتدائي، وانتهاء بالتعليم الثانوي؛
  • تفعيل أنشطة الحياة المدرسية، لم لها من أدوار جوهرية في بناء المهارات الحياتية للمتعلمين والمتعلمات؛
  • إعداد دليل خاص بهندسة تعلمات المهارات الحياتية؛
  • إدراج مصوغات المهارات الحياتية في رزنامة تكوين الأساتذة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؛
  • الانفتاح على متخصصين في التنمية البشرية وعلم النفس وعلم الاجتماع عند إعداد المناهج التعليمة.

المراجع المعتمدة

  • أوزي، أحمد. (2017) بيداغوجية فعالة ومجددة: كفايات التعليم والتعلم للقرن الحادي والعشرين، الرباط، مطبعة النجاح الجديدة؛
  • شاش، سهير. (2015) تنمية المهارات الحياتية والاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة، القاهرة، مكتبة زهراء الشرق؛
  • عمران، تغريد وآخرون. (2001) المهارات الحياتية، القاهرة، مكتبة زهراء الشرق؛
  • الفارابي عبد اللطيف، وآخرون. (1994) معجم علوم التربية: مصطلحات البيداغوجيا والديدكتيك، الرباط، دار الخطابي للطباعة والنشر؛
  • وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. (2019) دليل الحياة المدرسية، مديرية الحياة المدرسية، الرباط؛
  • وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، دليل المهارات الحياتية والتثقيف بالنظير.
  • اليونيسف، الإطار المفاهيمي والبرامجي: مبادرة تعليم المهارات الحياتية والمواطنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عمان، الأردن؛

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *