أ.د.حسين عبدعلي عيسى

كلية القانون / جامعة السليمانية

husseinissa@hotmail.com

009647702100958

الملخص

تتصف جريمة الإبادة الجماعية في نطاق الجرائم الدولية بخطورتها البالغة، وتزداد درجة خطورتها في حالة ارتكابها في ظل المساهمة فيها، وذلك بالنظر لتعدد الجناة فيها وإمكانية تسبيبها أضراراً كبيرة للجماعات البشرية المستهدفة. ومن ثم فقد إختص النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية المساهمة في الجرائم الدولية، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، بعدد من الأحكام المنظمة لها، والتي على أساسها تجرى المساءلة الجزائية للمساهمين في ارتكابها (المادة 25).

وارتباطاً بأن النظام الأساس للمحكمة ينص على أنالمحكمة،لدى ممارستها لإختصاصها، تطبقنظامها الأساسوأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة، والمعاهدات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي وقواعده، وكذلك المبادئ العامة للقانون التي تستخلصها من النظم القانونية الوطنيةلدول العالم (المادة 21)، مما يطرح التساؤلات عن النظام القانوني الذي تعتمده المحكمة في المساءلة الجزائية عن المساهمة في جريمة الإبادة الجماعية، وذلك بالنظر لاختلاف النظم القانونية الوطنية في تنظيمها للمساهمة في الجريمة، وبخاصة فيما يتعلق بأنواع المساهمين في الجريمة، وبمساءلتهم الجزائية.

وفي ضوء ذلك يبيّن البحث أشكال المساهمة في الجريمة في النظم القانونية المختلفة، ويتناول بالدراسة نظام المساهمة في جريمة الإبادة الجماعية في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، وفي تطبيقاتها القضائية، وكذلك التطبيقات القضائية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، بهذا الخصوص.

الكلمات المفتاحية:

جريمة الإبادة الجماعية، المساهمة في الجريمة، النظم القانونية الوطنية، المحكمة الجنائية الدولية، تطبيقات المحاكم الجنائية الدولية.

 

Contribution to the crime of genocide

in light of the statute of the International Criminal Court 

Prof. Dr Hussein A.Issa

College of Law, University of Sulaimani

 

Abstract

The crime of genocide within the scope of international crimes is characterized by its extreme gravity. Its severity increases if it is committed in light of its contribution, given the multiplicity of perpetrators and the possibility of causing great harm to the targeted human groups. Accordingly, the International Criminal Court statute specialized in contributing to international crimes, including the crime of genocide, with some provisions regulating them, based on which criminal accountability is held for those who contributed to its commission (Article 25).

And because the statute of the court provides that the court, in exercising its jurisdiction, applies its statute, corpus delicti, procedural rules and rules of proof for the court, relevant international treaties and principles and norms of international law, as well as the general principles of law that it arises from the national legal systems of the countries of the world (article 21), which raises questions about the legal system adopted by the court in criminal liability for the contribution to the crime of genocide, given the different national legal systems in regulating participation in the crime, especially about the types of accomplices in the crime, and their criminal responsibility.

In light of this, the study shows the forms of complicity in crime in various legal systems and studies the Institute of complicity in the crime of genocide in the statute of the International Criminal Court and its judicial decisions, as well as judicial decisions of the Provisional International Criminal Courts in this regard.

Keywords: The crime of genocide, contribution to crime, national legal systems, international criminal court, applications of international criminal courts.

المقدمة

أولاً: مشكلة البحث:

يشكل ارتكاب الجريمة، مهما كانت طبيعتها، خطورة على القيم والمصالح التي يحرص المجتمع على حمايتها. وتتصف جريمة الإبادة الجماعية بخطورتها البالغة على صعيد الأمن الداخلي والعالمي على حد سواء، وذلك بالنظر للطبيعة الخاصة للجماعات البشرية المستهدفة بها، مما استدعى اللجوء إلى آليات دولية وداخلية لمواجهتها. وتشكل إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948 إحدى أبرز الآليات الدولية المعتمدة في ذلك، والتي وجدت تجسيداًلأحكامها في تأسيس المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، ومن ثم المحكمة الجنائيةالدوليةالدائمة، وفي القرارات القضائية الصادرة عنها.

ويشكل النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية إحدى الآليات القانونية الدولية الأخرى المعتمدة في مواجهة جريمة الإبادة الجماعية، كونه يحدد الجرائم الدولية التي تدخل في دائرة اختصاص هذه المحكمة، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، كما ويعاقب عليها.

ونظراً لخطورة المساهمة في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية فقد إختصها النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية بعدد من الأحكام المنظمة لها (المادة 25)، الا أنه لا يحدد النظام الذي تعتمده في تطبيقها، لكنه ينص في المادة (21) منه على أن المحكمة، لدى ممارستها لإختصاصها، تطبق نظامها الأساس وأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة، والمعاهدات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي وقواعده، وكذلك المبادئ العامة للقانون التي تستخلصها من النظم القانونية الوطنية لدول العالم.

ونظراً لاختلاف النظم القانونية الوطنية المختلفة في تنظيمها للمساهمة في الجريمة، من حيث تحديدها لمفهوم المساهمة، ولأنواع المساهمين في الجريمة، ومساءلتهم جزائياً، فأن هذا ما يدعو إلى دراسة المساهمة في الجريمة فيها، ومن ثم تحليل أحكام النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بالمساهمة في جريمة الإبادة الجماعية، وكذلكتطبيقاتها القضائية، والتطبيقات القضائية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، وذلك لتحديدنظام المساهمة المتبع بخصوص هذه الجريمة في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية.

ثانياً: أهمية البحث:

تنحصر أهمية البحث من الناحية النظرية في دراسة المساهمة في جريمة الإبادة الجماعية في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك في ظل اعتمادها في تطبيقاتها القضائية على جملة مصادر، وبضمنها النظم القانونية الوطنية، مما يستدعي بيان النظام القانوني الذي تعتمده في ذلك، مع الإستناد بهذا الخصوص إلى تطبيقات المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة.

كما ويلقي البحث الضوء على المساهمة في الجريمة في النظم القانونية الوطنية لدول العالم، من خلال الاستعراض المكثف لها في النظامين القانونيين، الأنكلوسكسوني، والروماني الجرماني.

وتتجلى أهمية البحث من الناحية التطبيقية في أن دراسة هاتين المسألتين تشكل إضافة علمية جديدة على صعيد الدراسات القانونية في نطاق القانون الجنائي، والقانون الدولي الجنائي على حد سواء، ويمكن أن تعتمدها المحاكم الجنائية الوطنية في تطبيقاتها القضائية لدى نظرها في المساهمة في الجرائم الدولية عامة، وفي جريمة الإبادة الجماعية خاصة.

ثالثاً: أهداف البحث ونطاقه:

في ضوء ما تقدم ذكره، يمكن حصر الأهداف المبتغاة من البحثونطاقه فيما يأتي:

  • بيان الأحكام العامة للمساهمة في الجريمة في النظم القانونية الجنائية الرئيسة في العالم، مع التركيز بشكل خاص على النظامين القانونيين الأنكلوسكسوني، والروماني الجرماني.
  • دراسة خصائص المساهمة في جريمة الإبادة الجماعية في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية.
  • تحديد المبادئ العامةللمساهمة في الجرائم الدولية عامة، وفي جريمة الإبادة الجماعية خاصة، المعتمدة في التطبيقات القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك التطبيقات القضائية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة.
  • بيان موقف المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة من دور الأشخاص المساهمين في النشاط الإجرامي المتعلق بارتكاب الجرائم الدولية، ولاسيما جريمة الإبادة الجماعية.

رابعاً: مناهج البحث:

في مسار البحث في المساهمة في الجريمة في النظم القانونية الجنائية الوطنية محل البحث، وفي النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، وفي تحليل التطبيقات القضائية لهذه المحكمة وللمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة سيجري الاستناد إلى عدد من مناهج البحث،.ومن أبرزها: المنهج الوصفي والمنهج التحليليوالمنهج المقارن.

خامساً: خطة البحث:

يتوزع البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة. يكرسالمبحث الأول لدراسة المساهمة في الجريمة في النظم القانونية الوطنية، ويخصص المبحث الثاني لللبحث في المساهمة في جريمة الإبادة الجماعية بالاستناد إلى النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية. وتحتوي خاتمة البحث على أبرز الاستنتاجات والتوصيات المستخلصة منه.

المبحث الأول

المساهمة في الجريمةفي النظم القانونية الوطنية

اختلف فقهاء القانون في تقسيم النظم القانونية في العالم إلى أنواع، ففريق يوزعها على: النظام الأنجلوسكسوني (الكومون لو)، والنظام الروماني الجرماني (الفرنسي)، والنظام العرفي- التقليدي، والنظام الإسلامي، والنظام الهندوسي، والنظام السلافي(ماتوزوفا ومالكو، 2001، ص 1790)، في حين يوزعها فريق آخر على: النظام الروماني الجرماني، والنظام الأنجلوسكسوني (الكومون لو)، والنظام الاشتراكي، والنظام الإسلامي(ناوموف، 1998، ص 50-58).

ونظراً لأن النظام الأنجلوسكسوني يسود في الوقت الراهن في ستين دولة تقريباً، في حين ينتشر النظام الروماني الجرماني في حوالى ثلثي دول العالم،ومن ثم فأن المحكمة الجنائية الدولية تعتمد، على أغلب الظن، هذين النظامين دون غيرهما في تطبيقاتها القضائية، لذلك ستقتصر دراستنا للمساهمة في الجريمة في الأنظمة القانونية الوطنية على هذين النظامين تحديداً، مع التركيز في ذلك على القانونين الجنائيين الإنكليزي والفرنسي بوجه خاص، وعلى النحو الآتي:

 

المطلب الأول

القانون الجنائيالإنكليزي

يعود تنظيم المساهمة في الجريمة في القانون الجنائي الإنكليزي إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، فاستناداً إلى (الكومون لو)، الذي يقوم على نظام (السابقة القضائية)، وكذلك الاجتهادات الفقهية(عيسى، 2012، ص 152-186)،يجرى تقسيم المساهمين في الجريمة انطلاقاً منتصنيفالجرائم فيه إلى (جرائم الخيانة، وجرائم الجنايات، وجرائم الجنح). ففيما يتعلق بالجنايات يوزع المساهمون إلى فاعلين من الدرجة الأولى وفاعلين من الدرجة الثانية، وشركاء قبل ارتكاب الجريمة وشركاء بعد ارتكابها، في حين يعدّ المساهمون في جرائم الخيانة متساويين، فكل مساهم فيها يعدّ فاعلاً للجريمة بصرف النظر عن دوره في النشاط الإجرامي، وذلك بالنظر لخطورتها البالغة، كمالا يصنف المساهمون في الجنح إلى أنواع أيضاً ارتباطاً بدرجة خطورتها البسيطة(إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 234-235).

وقد أدى إصلاح القانون الجنائي الإنكليزي في منتصف القرن التاسع عشر إلى إجراء تعديلات على تنظيم المساهمة في الجريمة أيضاً، إذ صدر قانون بشأن المساعدين والمحرضين لعام 1861 (Accessories and Abettors Act, 1861)، الذي، بصرف النظر عن عنوانه هذا، لم يحتوِ على أية تفاصيل خاصة بأنواع المساهمين، بل تضمن تنظيم الجوانب الإجرائية الجنائية المتعلقة بهم فحسب، ومن ثم فأن تصنيف المساهمين إلى أنواع بقي كالسابق مستنداً إلى (الكومون لو).

وعلى وفق هذا القانون يحال الفاعل من الدرجة الثانية إلى المحكمة سواءً أجرت إحالة الفاعل من الدرجة الأولى إليها أم لا. واستبعد القانون كذلك قاعدة محاكمة المساهم لوحده، بل تنظر المحكمة في قضية المساهمين جميعهم معاً، مع إصدار حكم واحد بشأنهم.كما أن القانون لا يتضمن تعريفاً للمساهمة، بل يدرج قائمة بالأفعال التي تشكل تحريضاً على ارتكابها أو مساعدة في ارتكابها، إذ نصت المادة الثامنة منه على أن: أي شخص يساعد، أو يحرض، أو ينصح، أو يضمن ارتكاب الجريمة، يوجه إليه قرار بالاتهام، يعد مذنباً في ارتكاب الجريمة(كوزاجكين، 2010، ص 77-78).

وتضمن قانون بشأن القانون الجنائي لعام 1967 (Criminal Law Act 1967)نظاماً خاصاًفيما يتعلقبالمساهمة في الجنايات، فعلى أساسه يتوزع المساهمون على: فاعلين، ومساعدينقبل ارتكاب الجريمة، ومساعدين بعد ارتكابها. ويقسم الفاعلون بدورهم إلى: فاعلين من الدرجة الأولى، وفاعلين من الدرجة الثانية. واستند القانون كما يلاحظ إلى (الكومون لو) في تقسيمه للمساهمين على أنواع.

ويطلق مفهوم (الفاعل من الدرجة الأولى) على المذنب الرئيس في الجريمة المرتكبة. وهو ينطبق على الشخص الذي يرتكبها بصورة شخصية أو يستعين بأشخاص آخرين في ارتكابها (بالواسطة)، وهؤلاء لا يحملوا المسؤولية الجزائية لانتفاء الركن المعنوي للجريمة (mens rea) لديهم إزاء النشاط الإجرامي المرتكب، أو لكونهم عديمي الأهلية، أو ارتكبوا الفعل الإجرامي في ظل الاكراه. كما يمكن في بعض الأحيان استخدام الحيوانات المدربة في ارتكاب جرائم السرقة، أو الكلاب في مهاجمة المارة(Kenny, 1929).

ومثالاً على ارتكاب الجريمة من طرف شخص غير مذنب يشار إلى قضية (Anon,1665)، فبناء على طلب أمها قامت بتقديم الدواء لأبيها المريض، وكان الدواء يحتوي على مادة سامة من دون أن تعلم بذلك، فتوفي نتيجة لذلك. ففي هذه الواقعة ينتفي (mens rea) لدى الإبنة، ويتوجب تحميل الأم وحدها المسؤولية الجزائية. الا أن القضاء عدّ الإبنة (فاعلاً) للجريمة، في حين عدّ الأم (شريكاً) في الجريمة.وفي قضية (Stinger,1991) قام مدير شركة بصرف سندات صرف مزورة إلى العاميلن فيها لاستلام أموال من الحساب المصرفي للشركة، فعدّه القضاء مذنباً في سرقة أموال الشركة باستخدام مستندات مزورة، وعن طريق وسطاء غير مذنبين(كيني، 1949، ص 92).

أما (الفاعل من الدرجة الثانية) فاستناداً إلى (الكومون لو) هو من يقوم بالتحريض على ارتكاب الجريمة أو تقديم المساعدة في ارتكابها (aiding and abetting). ومن يقوم بذلك يتوجب أن يقوم بنشاط ملحوظ، قولاً أو فعلاً، بنية تحريض (الفاعل) أو (الفاعلين) على ارتكاب الجريمة، كما يستخدم هذا المصطلح في بعض الأحيان للدلالة على تقديم المساعدة في ارتكاب الجريمة أو التهيئة لارتكابها أيضاً.

ويساءل الشخص الذي يقدم المساعدة في ارتكاب الجريمة التي ينفذها المذنب الرئيس عندما يكون ذلك تحقيقاً لـ (مشروع مشترك)، كما في قضية(Rex v Betts and Ridley, 1931)، إذ كان هدفهما الرئيس هو ارتكاب جريمة السطو، الا أن أحدهما قام بقتل المجنى عليه، وكان ذلك بحضور الثاني، الذي كان قد حرض على ارتكاب جريمة السطو، أي بوصفه فاعلاً من الدرجة الثانية، فعدّهما القضاء مذنبين معاً في ارتكاب جريمة القتل العمد، هذا على الرغم من أن الثاني لم يعطِ أية موافقة بخصوص الإكراه الذي حصل بقتل المجنى عليه(كيني، 1949، ص 94).

ويطلق مصطلح (المساعد قبل ارتكاب الجريمة) على الشخص الذي يقدم المساعدة والمشورة لأي من الفاعلين الرئيسين في ارتكاب الجريمة، ويحمل المسؤولية الجزائية عن الجريمة المرتكبة حتى في حالة لجوء الفاعل الرئيس إلى أسلوب مختلف في ارتكابها عمّا تم الإتفاق عليه. لذلك ففي حالة قيام (أ) بتقديم سلاح ناري إلى (ب) من أجل قتل شخص ثالث، في حين يقترف (ب) الجريمة باستخدام السم، فأن هذا لا يعفي (أ) من المسؤولية الجزائية عن جريمة القتل بوصفه شريكاً فيها. الا أنه في بعض الأحوال يمكن أن يرتكب (ب) جريمة غير الجريمة المتفق مع (أ) على ارتكابها، وعندها لا يساءل (أ) جزائياً عنها، بشرط ألّا تكون سبباً محتملاً للجريمة التي أتفق مع (ب) على ارتكابها. ففي قضية (Konders and Arger) أقنع أحدهما الآخر بتقديم تفاحة مسمومة لإمرأة بنية قتلها، الا انها أعطت التفاحة لطفلها الذي توفى حال تناولها. ورأت المحكمة بأن النتيجة التي ترتبت لم تكن نتيجة محتملة، لذلك لم تحمل (المحرض) المسؤولية الجزائية عن المساهمة في قتل الطفل.ويطلق مصطلح (المساعد بعد ارتكاب الجريمة) على وفق (الكومون لو) على الشخص الذي يعلم بارتكاب شخص آخر لجناية، ويقدم له مساعدة، بتوفير ملجأ له، أو يساعده بأية طريقة بنية الإفلات من الملاحقة والعقاب. أما بالنسبة للمساعدة المقدمة بعد ارتكاب جنحة فلا يترتب عليها في القانون الجنائي الإنكليزي تحميل المسؤولية الجزائية(كيني، 1949، ص 95).

وإضافة إلى ضرورة تحقق الركن المادي للجريمة (acts reus)، ينطوي الركن المعنوي للجريمة (mensrea) على أهمية كبيرة في نطاق المساهمة في الجريمة، إذ يتصف في القانون الجنائي الإنكليزي بطبيعته المزدوجة، فالمساهم، من جهة، يتوجب أن تكون لديه نية ارتكاب الأفعال الإجرامية، وأن يعلم مسبقاً بأنها ستضمن تحقق الجريمة. ومن جهة ثانية، يتوجب أن يعلم مسبقاً بالعناصر الأساسية للجريمة التي ينوي ارتكابها(إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 239).

إلى جانب هذا، يمكن في القانون الجنائي الإنكليزي تحقق المساهمة في الجرائم غير العمدية أيضاً، ولكن بشرط أن يكون المساهمون في الجريمة قد أحاطوا علماً بالأفعال المفضية إلى التسبيب غير العمدي للنتيجة الإجرامية المترتبة. ومن ثم فأن (القصد المباشر) لا يعدّ الشكل الضروري والوحيد للعلاقة بين المساهمين في الجريمة، إذ يكفي لتحقق المساهمة في الجريمة توافر (التوقع المحتمل) بأن ارتكاب الفاعل الأفعال الإجرامية يؤدي إلى النتيجة الإجرامية المترتبة(إيشجوف وسلياكوف، 2005، ص 126).

ومن الجائز في القانون الجنائي الإنكليزي الحكم بإدانة المساهمين حتى في حالة عدم إدانة المذنب الرئيس في الجريمة، بل وحتى في حالة الحكم ببراءته أو موته. وقبل صدور قانون بشأن المساعدين والمحرضين لعام 1861 كانت إدانة المساهمين الآخرين غير جائزة قبل إدانة المذنب الرئيس في الجريمة. ولم تكن تختلف آنذاك الا عقوبة المساعد بعد ارتكاب الجريمة التي كانت أخف مقارنة بعقوبة المساهمين الآخرين. ولكن بصدور القانون بشأن القانون الجنائي لعام 1967 تم إلغاء التصنيف الرباعي لأنواع المساهمين. وعلى أساس ذلك جرى اعتماد المادة الثامنة من قانون بشأن المساعدين والمحرضين لعام 1861 (بحسب تعديل عام 1977)، والتي تعاقب سائر المساهمين بعقوبة الفاعل، الا أن على المحكمة أن تقوم كذلك بتقييم دور كل منهم في نطاق الجريمة المرتكبة(كوزاجكين، 2001، ص 73-76).

وعلى الرغم من صدور عدد من القوانين خلال الأعوام (1861، 1967، 1977) الا أن دور (الكومون لو) بقي، كما في السابق، فيما يتعلق بتكييف جرائم المساهمة وتحديد عقوبة المساهمين.

لقد وضع القانون الجنائي الإنكليزي قاعدة المشروع المشترك (joint enterprise)، والتي بموجبها يحمل الشخص المسؤولية الجزائية عن سلوك الآخرين الموجه نحو بلوغ الهدف الإجرامي العام، الذين توحدوا من أجل تحقيقه. الا أن هذه القاعدة لا تطبق في حالة ارتكاب أحد المساهمين فعلاً يخرج عن نطاق النية الإجرامية المشتركة، إذ يساءل عنها بصورة منفردة. ويتحقق الإخلال بقاعدة المشروع المشترك، في حالة ارتكاب الجريمة المتفق عليها بصورة مختلفة، أو في حالة ارتكاب جريمة أقل جسامة، أو جريمة أشد جسامة.

الا أن الحال يتغير في حالة خروج المساهم عن الهدف الإجرامي المشترك عن طريق الصدفة، إذ يعدّ مذنباً أن توقع الظروف كافة التي تؤدي إلى مساءلته جزائياً. ففي قضية (Powell,1997)، الذي ذهب برفقة صديقيه لشراء المخدرات من أحد المتاجرين بها، الذي قُتل حال فتحه الباب، من دون معرفة من قتله منهم. ورأى مجلس اللوردات إن صديق المذنب يعد مذنباً أيضاً في جريمة القتل المشدد، كونه على علم مسبق بوجود السلاح الناري لديه، وأنه يمكن أن يستخدم في ارتكاب جريمة قتل أو تسبيب الإيذاء البدني.وعلى وفق قرار مجلس اللوردات: إذا توقع أحد المساهمين في النشاط الإجرامي المشترك أثناء ارتكاب الجريمة وجود إمكانية حقيقية لارتكاب جريمة أخرى، فأنه يساءل عنها كما يساءل مرتكبها. كما يتحقق ذلك حتى في حالة إبدائه، (بشكل مباشر وبدقة) عدم موافقته، بل وحتى في حالة اعتراضه على ذلك.

الا أن المجلس نفسه إتخذ في قضية (Rex v English,1997) قراراً مخالفاً، إذ هاجم شخص شرطياً وضربه بفرع شجرة. وعلى الرغم من أن الشرطي توفي بفعل طعنة سكين وجهها له شخص ثانٍ، الا أن مجلس اللوردات عدّ الأول مساهماً في جريمة القتل المشدد. ورأى المجلس أنه إذا كان المساهم قد افترض وتوقع أن الفاعل ينوي أو يمكن أن ينفذ بناءَ على الركن المعنوي للجريمة (mens rea) جريمة إنتواها، فأن المساهم لا يمكن أن يحمل المسؤولية عن ارتكاب الجريمة، إذا كانت أفعال الفاعل قد أُرتكبت بشكل مختلف عن الخطة الموضوعة(إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 240-242).

وبخصوص العدول الاختياري للمساهمين فأنه يمكن أن تستبعد المسؤولية الجزائية عن الشخص المساهم في ارتكاب الجريمة بشرط أن يعدل عن ارتكابها قبل ترتب النتائج الإجرامية. وتطبق هذه القاعدة في التطبيقات القضائية وتعتمد في الفقه الجنائي، الا أنها لا تجسد في التشريعات النافذة. ولا يوجد إتفاق في التطبيقات القضائية بصدد صور العدول الإختياري، ألا أنه يتوجب أن يكون مفصلاً، وفي حالة إيقاف النشاط الإجرامي لأحد المساهمين من خلال القبض عليه فأنه لا يعفى من المسؤولية الجزائية.ولكن يمكن أن يتحقق العدول الاختياري بإعلام أحد المساهمين غيره بذلك، أو بتدخله شخصياً لايقاف الجريمة، ففي قضية (Becker, 1944) رأت محكمة الاستئناف انتفاء العدول الإختياري عن المساهمة في الأفعال الإجرامية بعد مهاجمة شخص (جرى قتله)، بتراجع المتهم قائلاً:”أنا لن أشارك في هذا”. ففي كل قضية على حدة، يتوجب على المحكمة ان تحدد مقدار الامتناع عن السلوك الإجرامي من أجل أن يكون العدول فاعلاً وطوعياً(Smith and Hogan. 1993.P.159).

وعلى وفق قانون بشأن القانون الجنائي لعام 1967 أُلغيت المسؤولية بالنسبة للمساعدين بعد ارتكاب الجريمة، وجرى النص على جريمة مستقلة هي: المساعدة في ارتكاب الجريمة بناءً على علم مسبق. وبموجب المادة الرابعة منه: إذا كان الشخص على علم أو كان واثقاً بأن الشخص الآخر ارتكب جريمة يجوز فيها القبض عليه، وقام بقصد أو من دون توافر الصلاحيات اللازمة لديه أو من دون أعذار كافية، بوضع المعوقات أمام القبض عليه ومعاقبته، فأنه يعدّ مذنباً في إعاقة الملاحقة الجزائية. وهذه المساعدة يمكن أن تجسد كذلك عن طريق الأقوال، كما في حالة الإدلاء بمعلومات كاذبة، أو ما شابه. وتكون عقوبة الجاني مماثلة لعقوبة من قدمت إليه المساعدة. وفي حالة تحديد عقوبة صارمة في القانون، فأن العقوبة تكون السجن لمدة عشر سنوات، أما إذا كانت 10 أو 14 سنة فأن عقوبته تكون النصف، وفي الأحوال الأخرى لا تزيد العقوبة على ثلاث سنوات(كوزاجكين، 2001، ص 80).

المطلب الثاني

القانون الجنائي الفرنسي

إن قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992لا يتضمن تعريفاً للمساهمة في الجريمة، ويقتصر على ذكر أنواع المساهمين لا غير، في حين يعرفهم الفقه الجنائي الفرنسي على أساس معيار توزيع الأدوار بين المساهمين، فالشريك، بالاختلاف عن الفاعل، الوارد ذكره في أركان عدد من الجرائم في القسم الخاص من القانون، هو من ينضم بفعله أو امتناعه عن الفعل إلى النشاط الإجرامي بالتحريض عليه أو بتسهيل ارتكابه. فنظرية القانون الجنائي في فرنسا تقوم على نظرية (الاستعارة)، إذ أن المسؤولية الجزائية في المساهمة في الجريمة ترتبط بالنشاط الإجرامي للفاعل، وعلى أساس ذلكتكيّف أفعال الفاعل والشركاء تكييفاً واحداً، أما في حالة عدم تكييف سلوك الفاعل بوصفه نشاطاً إجرامياً، فهذا يطبق أيضاً على الشركاء(إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 244).

إن ارتكاب الفاعل الجريمة مع غيره، إي في حالة ارتكاب الجريمة من شخصين فأكثر، ويقوم كل منهم بدور الفاعل بتنفيذ الركن المادي للجريمة، لا يعدّ مساهمة في الجريمة، ومن ثم يعاقب كل منهما أو منهم على إنفراد، وكأنما قام بها لوحده. بمعنى إن(الاشتراك في التنفيذ) لا يعدّ في قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 من صور المساهمة في الجريمة(آرياموف، 2018، ص 43، إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 129). ومن ثم تتحقق المساهمة في الجريمة في حالة وجود فاعل وشركاء. أي أنها تستند إلى معيار توزيع الأدوار بين المساهمين في الجريمة(كوزاجكين، 2010، ص 371).

كما وتقوم المساهمة على أساس نوع الجريمة المرتكبة، فالقانون يعاقب على المساهمة في الجنايات والجنح (المادة 121-7 فقرة 1)، كما قضت بذلك محكمة النقض الفرنسية في قرارها المؤرخ في 7 نوفمبر 1952، في حين يعاقب على التحريض على ارتكاب المخالفات، حتى في الأحوال التي لا ينص فيها القانون على ذلك (الفقرة الثانية من المادة نفسها). أما المساهمة في المخالفات من خلال تقديم المساعدة أو التعاون في ارتكابها، فبوصفها أقل خطورة مقارنة بالجنايات والجنح فأن القانون لا يعاقب على ارتكابها. الا أن القانون في بعض الأحوال يعاقب عليها عندما ينص عليها بوصفها جريمة مستقلة، كما في حالة تقديم المساعدة العمدية في التحضير لارتكاب أعمال العنف أو في ارتكابها فيما يتعلق بالمخالفات من الدرجة الخامسة. كما يعاقب عليها في حالة الشروع فيها أو في حالة عدم تحقق النتائج الإجرامية (مخالفات،المادة 625-1)، أو في حالة استخدام العنف المفضي إلى فقدان القدرة على العمل لمدة ثمانية أيام أو أقل، أو إتلاف أو إهلاك أو تعطيل أموال شخص آخر (مخالفات، المادة 635-1)(كوزاجكين، 2001، ص 329-330).

واستناداً إلى قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 تتحقق المساهمة في الجريمة عند توافر الركنين المادي والمعنوي، ويتحقق ركنها المادي بالنسبة للفاعل على وفق (المادة 121-4) منه بارتكاب أي من الأفعال التي تنص عليها المادة العقابية ذات الصلة، أو الشروع في الجناية، أو الشروع في الجنحة في الحالات التي ينص عليها القانون. لذلك ففي حالة ارتكاب أية أفعال أخرى، تنتفي المساهمة في الجريمة.

ويعاقب الجاني بوصفه (فاعلاً) في نطاق المساهمة في الجريمة أنتوافرت في سلوكه الإجرامي الشروط الآتية:

  • ينبغي أن يرتكب هذا السلوك بصورة فعلية، لذلك فأن امتناع الفاعل عن اقترافه يؤدي إلى عدم مساءلته. كما يعني هذا عدم العقاب على الأعمال التحضيرية والشروع في الجريمة. لذلك فأن تقديم المال لشخص من أجل قتل شخص ثالث لا يؤدي إلى المساءلة الجزائية في حالة عدم تنفيذ ذلك.
  • يتوجب أن يؤدي السلوك المرتكب إلى تحميل المسؤولية الجزائية. أي أن يتصف هذا السلوك بطبيعة إجرامية، لذلك فأن تقديم المساعدة في النشاط غير الإجرامي أو التحريض على ارتكابه لا يعدّ مساهمة في الجريمة. ومن ثم فأن تقديم المساعدة في الانتحار لا يشكل مساهمة في الجريمة، ذلك لأن الانتحار غير معاقب عليه في القانون بوصفه جريمة. واستثناءً من هذه القاعدة ينص القانون على حالات من التحريض أو المساعدة بوصفها جرائم مستقلة، كما في حالة تقديم مواد إلى إمرأة لغرض الإجهاض (المادة 223-12)، أو في حالة تحريض شخصاً آخر على الانتحار على أن يفضي هذا التحريض إلى ذلك أو الشروع فيه (المادة 223-13).
  • يتوجب أن يكون العقاب على السلوك الإجرامي الرئيس ممكناً من الناحية الموضوعية، إذ تنتفي هذه الإمكانية في حالة انقضاء مدة التقادم، أو العفو، أو توافر أسباب تستبعد العقاب، مثل (الدفاع الشرعي، الجهل بالقانون، وما شابه)، أو لدى عدم ملاحقة الجاني جنائياً لتمتعه بالحصانة، كما في حالة السرقة بين الأزواج (المادة 311-12 فقرة 2)(كوزاجكين، 2009، ص 373-374).

إضافة إلى هذا، ليس من الضروري أن يعاقب المساهم على السلوك الإجرامي بصورة فعلية، فالعقاب على المساهمة في الجريمة يُربط في الفقه الجنائي بالسلوك الإجرامي المرتكب تحديداً، وليس بالفاعل الرئيس، لذلك فأن عدم مساءلته عن الجريمة لا يعني عدم مساءلة المساهمين الآخرين عن الجريمة. ففي حالة عدم مساءلة الفاعل لهربه من وجه العدالة أو لكونه مصاباً بعيب عقلي أو لصغر سنه أو لصدور قرار بالعفو الخاص عنه، أو ما شابه، فأن ذلك لا يمنع من مساءلة الشركاء جزائياً(كوزاجكين، 2001، ص 374، إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 246).

وفي ضوء تطبيقات المحاكم الفرنسية غالباً ما يعاقب الشركاء في ظل الجهل بشخصية الفاعل الرئيس، إذ تقوم الإدانة على أساس توافر أركان الجريمة في السلوك الذي اقترفه الفاعل الرئيس. كما يساءل الشريك حتى في حالة عدم إدانة الفاعل الرئيس، وذلك لأسباب مثل العيب العقلي أو العفو الخاص. كما أن عدم إدانة الشريك لا تعوق مسألة إنفاذ الحكم المتخذ بحق الفاعل الرئيس(كوزاجكين، 2009، ص 231).

ويتحقق (الاشتراك) في المساهمة على وفق (المادة 121-7) من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 من خلال المساعدة أو التحريض، وسنوضح كلاً منهما كما يأتي:

أولاً: الاشتراك بالمساعدة: يتحقق ذلك من خلال تقديم المساعدة في ارتكاب السلوك الإجرامي أو التعاون في ارتكابه، ويتم ذلك بارتكاب السلوك الإيجابي (الفعل)، وليس السلبي (الامتناع عن الفعل)، قبل ارتكاب السلوك الإجرامي الرئيس، أي بتقديم المساعدة في ذلك، أو في بعض الأحوال في ارتكابه (التعاون في ذلك). ويتحقق ذلك على سبيل المثال بتقديم السلاح في جرائم القتل أو المفاتيح المقلدة في جرائم السرقة أو ما شابه، ولا يشترط أن تستخدم هذه الأدوات في ارتكاب الجريمة لكي يساءل الشريك عن فعله، فهو يساءل لأن قيامه بذلك يشد من عزيمة الفاعل ويدفعه نحو ارتكاب الجريمة. أما بالنسبة للامتناع عن الفعل فلا يعد اشتراكاً، كما في حالة الوعد بالتزام الصمت، إذ رأت محكمة النقض الفرنسية في قرارها في 15 يناير 1948 إن الشخص لا يعدّ شريكاً في الجريمة في حالة إبداء موافقته على وعد اللصوص له بمكافأة في حالة التزامه الصمت وعدم الإبلاغ عن ارتكابهم للجريمة، إذ رأت المحكمة أنه لم يقم بأي سلوك إيجابي يجعل منه شريكاً في جريمة السرقة المرتكبة.

أما في حالة تقديم المساعدة بعد ارتكاب الجريمة فلا يعدّ هذا مساهمة في القانون الجنائي الفرنسي حتى في حالة الانضمام الى النشاط الإجرامي المرتكب، لذلك فأن الاشتراك بتقديم المساعدة يمكن أن يتحقق في حالة الأعمال التحضيرية والشروع في الجريمة. الا أن (الوعد المسبق) بالمساعدة بعد ارتكاب الجريمة يعد استثناءً من هذه القاعدة، كما في حالة انتظار الفاعل في سيارة لمساعدته في الإفلات من العدالة. أما (الإخفاء) من دون وعد مسبق فيعاقب عنه بوصفه جريمة مستقلة، ويعاقب فاعله حتى في حالة عدم معاقبة الفاعل الرئيس(كوزاجكين، 2009، ص 332-334، إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 247-249).

ثانياً: الاشتراك بالتحريض: على وفق المادة (121-7) من قانون العقوبات الفرنسي يعرف الشريك بالتحريض بأنه من يحرض على ارتكاب الجريمة من خلال الهدايا أو الوعود أو التهديد او المطالبة أو بأساءة استعمال السلطة أو الصلاحيات، أو يعطي توجيهات بارتكابها. وعلى أساس هذه المادة العقابية يمكن أن يتحقق النشاط التحريضي من خلال:

(أ) التحريض: يتحقق التحريض على ارتكاب الجريمة من خلال ارتكاب الأفعال الواردة في المادة (121-7) من قانون العقوبات الفرنسي (تقديم الهدايا، الوعود، …إلخ) حصراً، سواءً أكان ذلك بارتكاب أحدها أم أكثر (مثل وعد العشيق عشيقته الحامل بمنحها مساعدة مالية في حالة الموافقة على الإجهاض، مع تهديدها بعدم مساعدتها مالياً في حالة الرفض). ومن ثم فأن اللجوء إلى غير هذه الأفعال لا يعدّ تحريضاً استناداً إلى القانون(إيشجوف وسلياكوف، 2005، ص 134).

(ب) إعطاء التوجيهات: يتمثل هذا بإعطاء الشريك تلك المعلومات الضرورية لارتكاب الفاعل الرئيس للجريمة. وفي هذه الحالة يتم ذلك من دون إكراه. وتختلف هنا التوجيهات عمّا يمكن تسميته بالتوجيهات البسيطة التي لا تؤدي إلى ارتكاب الجريمة، ومثال ذلك أن يجيب العشيق على سؤال لعشيقته بأنها يمكن أن تجري الإجهاض، إذ عدّت المحكمة ذلك توجيهاً عاماً وغير محدد ومن التوجيهات البسيطة (كوزاجكين، 2009، ص 334-3346، إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 249-251).

ويتحقق الركن المعنوي للمساهمة على وفقالشق الأول من المادة (121-7) من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992عندما يكون الاشتراك بالمساعدة في ارتكاب الجناية أو الجنحة أو التحريض عليهما اشتراكاً واعياً، مما يشير إلى أن المساهمة تتحقق في الجرائم العمدية على وجه التحديد.

ولكن على الصعيد التطبيقي يمكن أن تكون المساهمة عمدية أو غير عمدية على حد سواء، فالسائق الذي يحث سائق سيارة الأجرة على الإسراع، مما يؤدي إلى دعس أحد المارة نتيجة ذلك، يعدّ شريكاً في الدعس على وفق قرار محكمة النقض الفرنسية في 14 ديسمبر 1934، والتي قضت فيه بأن أحكام المادتين (49)، و(60) من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810 (النافذ آنذاك) تتصف بطبيعة عامة، وتطبق بالنسبة للجرائم عامة، سواءً أكانت عمدية أم غير عمدية(إيشجوف وسلياكوف، 2005، ص 132، يورجنكو، 2015، ص 67).

كما أن الفقه الجنائي الفرنسي يأخذ بهذا النهج، فإتفاق الأشخاص السابق على ارتكاب سلوك يقترفه أحدهم يجعلهم جميعاً مسؤولين عنه، لوعيهم جميعهم وفي الوقت عينه بأنهم يقدمون على هذا السلوك الخطير(أيستوفا وكراييف، 2020، ص 38). وعلى الصعيد الفقهي يعدّ كل منهم (فاعلاً) للجريمة، ففي المثال السابق يعدّ الراكب فاعلاً للجريمة، مثله مثل سائق سيارة الأجرة.ويصادف مثل ذلك على الصعيد التطبيقي، فمالك سيارة الحمل المعطلة الذي يسلمها لأحد العاملين لديه، فيدعس شخصاً آخر فيتوفى، يعدّ فاعلاً لجريمة القتل غير العمدي، والحال نفسه ينطبق على من يقوم بإعطاء سيارته لشخص آخر لا يمتلك إجازة سوق فيتسبب في موت أحد الأشخاص ووقوع أضرار مادية(كوزاجكين، 2009، ص 336-337).

وتساءل المحاكم الفرنسية الفاعل جزائياً عمّا اقترفه في حالةخروجه عن(الهدف العام) للنشاط الإجرامي، كما ويتوجب أن يساءل الشريك أيضاً،لأنه على وفق قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر في 31 ديسمبر 1947:”يتوجب أن يتوقع الظروف المشددة كافة المتعلقة بالجريمة المستهدف ارتكابها، وكذلك الظروف الأخرى المرافقة لها كافة”. الا أنه لا يساءل في حالة تزويده الفاعل بأدوات ارتكاب الجريمة، ولكنه يستعيدها فيما بعد، ولا يقوم بتقديم أية مساعدة أخرى في ارتكاب الجريمة(إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 252-253).

وتقوم عقوبة المساهمين استناداً إلى المادة (121-6) من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 على وفق عقوبة الفاعل، فنظرية المساهمة في القانون الجنائي الفرنسي تستند إلى نظرية (الاستعارة) التي تعني (الإنضمام إلى جريمة الفاعل)، ومن ثم (الإنضمام إلى عقوبته).

وعلى الرغم من أن قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 يقوم على مبدأ المسؤولية الجزائية شخصية، وكل شخص مسؤول عن أفعاله الشخصية على وفق المادة (121-1)، الا أنه ينص على عدد من الحالات المتعلقة بالمسؤولية الجزائية عن فعل الغير(عقيدة، 2004، ص 95-105)، إذ يساءل رب العمل عن الأفعال التي يرتكبها العاملون لديه لإخلاله بالتزاماته بالرقابة عليهم كونه مسؤولاً عن أفعالهم، كما يساءل مالك السيارة المعارة إلى شخص آخر عن تسبيب حوادث المرور،وتساءل الأشخاص المعنوية عن أفعال ممثليها ما لم يثبت توافر الخطأ لديهم(إيساكوف وكريلوفا وسيريبرونيكوفا، 2009، ص 253-255).

 

المبحث الثاني

المساهمة في جريمة الإبادة الجماعية

تنص المادة (25) في فقرتها الثانية من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية على المسؤولية الجزائية للأشخاص عن المساهمة في ارتكاب الجرائم الدوليةالتي تدخل في اختصاص المحكمة، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، ويكون كل منهم مسؤولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب على وفق نظامها الأساس(شريف، 2020، 129-133)، الا أن هذه المادة، وكذلكالمواد الأخرى منه، لا تحدد النظام القانوني الذي تتبعه المحكمة في مساءلة الأشخاص المساهمين في الجرائم الدولية، فاعلين كانوا أم شركاء، ما يستدعي البحث في ذلك، وعلى الوجه الآتي:

المطلب الأول

فاعل جريمة الإبادة الجماعية

تنص الفقرة الثانية (أ) من المادة (25) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية على أن فاعل الجريمة الدولية هو من يرتكبها “… بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائياً”.

ومن ثم فأن فاعل جريمة الإبادة الجماعية في نطاق المساهمة في ارتكابها يمكن أن يقترفها بشكل منفرد، أو بشكل مشترك مع شخص آخر أو أشخاص آخرين، أو بواسطة شخص آخر (بواسطة الغير). وسنوضح هذه الأشكال كما يأتي:

لقد وضعت المحكمة الجنائية الدولية في قضية (Lubanga, Par.327-329)، المعايير التي تعتمدها في عزل النشاط الإجرامي للفاعل عن النشاط الإجرامي لسائر المساهمين في الجريمة، وحصرتها في ثلاثة معايير هي: المعيار المادي، والمعيار المعنوي، ومعيار السيطرة على الجريمة،كما أشارت إليها في قضية (Germain, Par. 480-481)، وكذلك في قضية (Al Bashir, Par. 210). وبيّنت أن المعيار المادي يتحقق من خلال التنفيذ المادي لعنصر أو أكثر من عناصر الجريمة، في حين يقوم العنصر المعنوي على وجود (هدف عام) في النشاط الإجرامي، مع وعي الجاني أنه يقوم بدور فيه من أجل بلوغه، ويتمثل المعيار الثالث في وجود أشخاص آخرين، الذين على الرغم من غيابهم عن مكان ارتكاب الجريمة، يراقبون مسار تنفيذ الفاعل لها، ويقومون بإدارة هذا التنفيذ.

وتأسيساً على هذا، يتحقق قيام الجاني بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية(بنفسه) من خلال تنفيذه بصورة شخصية لعناصرها المادية المتمثلة، على وفق المادة الخامسة من النظام الأساس للمحكمة، في(قتل أعضاء من الجماعة المستهدفة، إلحاق أذى جسدي أو روحي جسيم بأعضاء منها، إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى)(عثمان، 2020، ص 33-45)، وقد جسدت هذه المادة بصورة حرفية عناصر هذه الجريمة المحددة في المادة الثانية من إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948(الإتفاقية، 1948).

الا إن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من فاعل واحد يشكل ظاهرة نادرة للغاية، هذا أن حصلت أصلاً، ففي الغالب ترتكبها مجموعة أو مجموعات من الأشخاص، وبصورة مشتركة، كما ويكون لكل منهم دوره في ذلك، وتكون أفعالهم موجهة على أساس تحقيق هدف خاص يتمثل في إبادة الجماعة المستهدفة بالإبادة الجماعية كلياً أو جزئياً، وهو ما يحقق ارتكاب الفاعل الجريمة (بالاشتراك مع آخر). وهذا ما يشير إلى وجود نوع من(التعاون الإجرامي) بين المساهمين فيها، الذي يعدّ موضع خلاف في القوانين العقابية الوطنية ، إذ أن القوانين التي تنتمي إلى النظام الروماني الجرماني، بخلاف القوانين التي تنتمي إلى النظام الأنكلوسكسوني، لا تعدّ (الإتفاق الجنائي) جريمة مستقلة ما لم يجسد هذا الإتفاق بسلوك معين. وفي الوقت عينه، لا يعترف القانون الدولي الجنائي بصورة عامة بمثل هذه الجريمة، ما لم تنص عليها المواثيق الدولية بشكل صريح، كما هو الحال مثلاً في النص على (التآمر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية) في المادة الثالثة فقرة (ب) من إتفاقية منع جريمة الإبادةالجماعية والعقاب عليها لعام 1948،(Hamdan v.Rumsfeld , 2006)،الأمر الذيأدى إلى اختلاف المحاكمالجنائية الدولية بهذا الصدد.

لقد شكل قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة في قضية (Tadic, Par.194-195)بهذا الخصوص منعطفاً بارزاً في تطبيقات المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، وذلك باستحداثها نظرية (المشروع الإجرامي المشترك)(كاسيزي، 2015، ص 305-333)،التيتبلورت صياغتها النهائية في القرارات اللاحقة لهذه المحكمة، ومن ثم باتت أساساً لقرارات غيرها من المحاكم الجنائية الدولية الخاصة لرواندا((Rwamakuda, 2004, Ntakirutimana, 2004وسيراليوان(Norman, 2005)، وتيمور الشرقية(Cardoso, 2003).

وفي الوقت الراهن، يمكن أن يتخذ (المشروع الإجرامي المشترك) في القانون الدولي الجنائي ثلاث صور، هي: الأساسية، والنظامية، والموسعة. وتتحقق الصورة الأولى بوجود إتفاق عام بين عدة أشخاص، والعمل على تجسيده بالتوافق مع الهدف العام، في حين تتجسد الصورة الثانية من خلال وجود نظام خاص للتعامل مع ضحايا الجريمة الدولية (System to ill-treat)، كما هو الحال مثلاً في معسكرات الأسرى، ويتوجب أن يعي الجناة طبيعة الأفعال المرتكبة إتجاه الضحايا، وأن يساهموا بفاعلية في النشاط الإجرامي المرتكب بقصد تجسيد الهدف العام. وفي هذه الحالة يحمّل كل منهم المسؤولية الجزائية بوصفه فاعلاً عن الجرائم المرتكبة في نطاق الخطة العامة. أما الصورة الموسعة، فأن مرتكب الجريمة الدولية يحمل المسؤولية الجزائية بشكل فردي، ويكفي لإدانته أن يشارك في النشاط الإجرامي المشترك بهدف ارتكاب جرائم أخرى(Rwamakuda, Par.6, Brdanin, Par. 5).

الا أن المحكمة الجنائية الدولية إتخذت من هذه النظرية موقفاً انتقادياً ومعارضاً، ولذلك فأن الدائرة التمهيدية للمحكمة لم تأخذ بها في قراراتها حتى الآن. وربما يشير التزامها بإدراج معايير مادية ومعنوية في قراراتها القضائية بالنسبة لمساءلة مرتكبي الجرائم الدولية جزائياً عن (الاشتراك في التنفيذ)، أي إشتراك شخصين أو أكثر في في تنفيذها، إلى أخذها بنظرية (السيطرة على الجريمة)(كاسيزي، 2015، ص 333-338)، بوصفها عنصراً رئيساً في تحققه، ففي قضية (لوبانغا) رأت الدائرة التمهيدية للمحكمة بهذا الخصوص إن المساهمة المستندة إلى السيطرة المشتركة على الجريمة تتطلب في المقام الأول أن يجسد الأشخاص العناصر المعنوية كلها للجريمة المتهمين بها، وبضمن ذلك القصد الخاص أو أية نية أخرى. كما يتوجب أن يقوم كل مشارك في تنفيذ الجريمة بدور جوهري في تجسيد الخطة العامة(Lubanga, Par.349).

ويحظىهذا الموقف للمحكمة الجنائية الدولية بتأييد عدد من فقهاء القانون الدولي الجنائي، كونه يعدّ تجسيداً للمبادئ العامة للقانون الدولي مقارنة بنظرية (المشروع الإجرامي المشترك)(فيرليه، 2013، ص 241-242). في حين ينظر معارضوهذا الموقفإليهبحذر، إذ يرون فيه تجسيداً للنظم القانونية الوطنية، التي من الصعب الأخذ بها في القانون الدولي الجنائي، وفي رأيهم، إن نظرية (المشروع الإجرامي المشترك) سبق أن وجدت لها تسويغاً وتفصيلاً في قرارات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة، في حين أن نظرية (السيطرة على الجريمة)، التي طرحتها الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية في قضية (لوبانغا)، ومن ثم في قضية (جرمين)، لاتزال بحاجة إلى جهود إضافية من أجل تدعيمها، ولاسيما فيما يتعلق بتحديد مفهوم (الدور الجوهري) للجاني في تجسيد الخطة العامة، وذلك من أجل استبعاد أية شكوك بخصوص تكييف سلوكه بوصفه فاعلاً للجريمة(Cassese et al,2011, P.360).

إن وجه الخلاف بين الموقفين المتقدمين للمحاكم الجنائية الدولية إزاء ارتكاب الجاني الجريمة مع غيره، أي(الاشتراك في التنفيذ)، يرتبط بالاختلاف في التقييم، فالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة تعدّ الركن المعنوي للجاني هو المعيار الحاسم في الاستدلال على اشتراكه في تنفيذ الجريمة، كونه يكون واعياً لخطر ترتب النتيجة الإجرامية، في حين أن (الاشتراك في التنفيذ) بحسب المحكمة الجنائية الدولية يتطلب تحقق الركنين المادي والمعنوي للجريمة، المجسدين في (الدور الجوهري)للجاني في تنفيذ الخطة العامة، وفي (السيطرة على الجريمة) من المساهمين في التنفيذ بصورة مشتركة على ذلك، وكذلك في تحقق العناصر المعنوية للجريمة كافة، وبخاصة القصد الخاص (كما في جريمة الإبادة الجماعية على سبيل المثال)(Ambos, 2008, Art.10. Par.10).

أما الشكل الثالث من الإشتراك في تنفيذ الجرائم الدولية فيتحقق من خلال ارتكابها بالواسطة (عن طريق شخص آخر)، وهو ما يجد تجسيده في النظم القانونية الوطنية تحت تسميات متعددة، منها: الوكيل غير المسؤول (innocent agent) في (الكومون لو) في النظام الأنكلوسكسوني، أو بوصفه أداة (as instrument) في الفصل (16) من قانون العقوبات الإسباني لعام 1995، أو التسبيب بالواسطة في المادة (33) فقرة (2) من قانون العقوبات الروسي لعام 1996، كما تطلق عليه تسمية (الفاعل المعنوي)(عبدالستار، 1967، ص 331-332، عبيد، 2008، ص 350).وقد عرفه قانون العقوبات العراقي لعام 1969 في المادة (47) فقرة (3) بأنه “من دفع بأية وسيلة شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائياً عنها لأي سبب”.

ومن ثم فأن الفاعل بالواسطة (المعنوي) هو من يسخر غيره على ارتكاب الجريمة مستغلاً توافر مانع من موانع المسؤولية الجزائية لديه، أو حسن نيته(طعيمان، 2010، ص 350)، ولذلك فهو يختلف عن الفاعل (المنفذ المادي) في أنه لا يرتكب الجريمة بنفسه، مما يستبعد تحقق الركن المادي في سلوكه، ولا يتوافر فيه سوى الركن المعنوي للجريمة، في حين أن الفاعل (المنفذ المادي) يرتكب السلوك الإجرامي بنفسه أو مع غيره، ومن ثم يتوافر لديه الركنان المادي والمعنوي للجريمة معاً.

الا أن النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية بالاختلاف عن النظم القانونية الوطنية يعدّالسلوك الإجرامي (للفاعل بالواسطة) متحققاً،ليس بالارتباط بحالة استخدامه في ارتكاب الجريمة شخصاً(غير مسؤول) لإنعدام الأهلية الجنائية لديه بسبب صغر السن أو لعيب في العقل فحسب، بل وكذلك عند استخدام الشخص المسؤول أيضاً. أي باستخدام من يتمتع بالأهلية الجنائية المطلوبة (بلوغ سن المساءلة الجزائية، وسلامة العقل). وهذا ما يجسد فكرة (الفاعل الذي يقف وراء الفاعل)(كاسيزي، 2015، 338-340)، التي اعتمدتهاالدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لأول مرة في قضية (Germain and Ngudjolo, 2008)، إذ رأت أن تحقق ذلك يقوم على المعايير الثلاثة الآتية:

  • يتوجب أن يكون القائد والفاعل عضوين في نظام يقوم على التراتبية (رئيس ومرؤوس).
  • يتوجب أن يتمتع هذا النظام بإمكانية منح القائد صلاحية ارتكاب الجريمة (بأيدي) المرؤوسين.
  • يتوجب أن تقوم طبيعة هذا النظام على تنفيذ الأوامر الصادرة بصورة تلقائية.

واعتمدت الدائرة التمهيدية للمحكمة في تسبيب رأيها هذا على الفقه الألماني، ولاسيما مؤلفات س. روكسين، الذي يرى أن الخاصية المهمة في النظامالمذكور تقوم على تلك الآلية التي تمنح القيادة العليا إمكانية التنفيذ التلقائي للأمر الصادر عنها. كما أن هذا النظاميقوم بوظائفه بصرف النظر عن أي ارتباط بالتغييرات الطارئة على الأفراد في هيكله، كما تنفذ وظائفه بصرف النظر عن شخصية الفاعل، لأن ذلك يجري بصورة تلقائية(Roxin, 2006.S.245).

المطلب الثاني

الشريك في جريمة الإبادة الجماعية

تنص المادة (25) من النظام الأساس للمحكمة الجنائيةالدولية على عدة صور للاشتراك في الجرائم الدولية(فلاك، 2010-2011، ص 44-63)، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، وهي: الأمر أو الإغراء، أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شُرع فيها، تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها، وكذلك المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها (فقرة 3- ب، ج، د). وسنتوقف عند هذه الصور على الوجه الآتي:

أولاً: إصدار الأوامر: إن المسؤولية الجزائية عن (توجيه الأوامر) بوصفه من صور التحريض على الجريمة، يتوجب عزلها عن المسؤولية الجزائية للفاعل عن تنفيذ الجريمة بالواسطة. كما يتوجب عزلها عن المسؤولية الجزائية للقادة والرؤساء، المنصوص عليها في المادة (28) من النظام الأساس للمحكمة. وتعدّ الصورة الأخيرة من القواعد الأصلية في القانون الدولي الجنائي، وهي تتمثل في مسؤولية الرئيس أو القائد عن الجريمة الدولية التي يرتكبها مرؤوسيه، وذلك نتيجة انتهاكه لواجباته بالنسبة للرقابة على أفعالهم، سواءً أكان ذلك بفعل أو امتناع عن فعل. وهي من ثم صورة مستقلة تختلف عن مسؤولية الفاعل بالواسطة أو مسؤولية المحرض الذي يصدر الأوامر.

وتعدّ العلاقة التي تربط بين الرئيس (المحرض) والمرؤوسين (الفاعل)، والمتمثلة في خضوعهم له هي القاسم المشترك بين صور المسؤولية الثلاث المذكورة، مما يتطلب عند البت في مسألة التحريض من خلال إصدار الأوامر، بحسب قرارات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة،تحليل مضمون الركن المعنوي للجريمة على وجه الخصوص، فالقائد أو الرئيس يتوجب أن يقوم بإصدار الأوامر بنية تحقيق الجريمة من خلال تنفيذ المرؤوسين لها، أو بنية ارتكابها مستقبلاً(Brima et al, 2007, Milutinovic et al, 2009).وعلى وفق المادة (28) من النظام الأساس للمحكمة ليس من الضروري توافر القصد الخاص لدى القائد، في حين يتوجب تحقق ذلك لدى المرؤوسين، ولا يشترط من ثم مشاطرة القائد لهم في ذلك. وهذا يشير إلى أن درجة خطورة القائد هي أقل من درجة خطورة المرؤوسين، فالقائد الذي تنطبق عليه هذه الصورة من المسؤولية الجزائية هو من القيادات العسكرية الوسطى،التي تنقل أوامر القيادات العسكرية العليا، في حين أن القيادات العسكرية العليا التيتصدرالأوامر بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية تطبق عليهاأحكام المادة (25) فقرة (3-أ) من النظام الأساس للمحكمة، بوصف أفرادها فاعلين بالواسطة (الفاعل عن طريق شخص آخر).

ثانياً: التحريض والحث على ارتكاب الجريمة: وهما صورتان من الصعب الفصل بينهما، فهما مصطلحان مترادفان من حيث معناهما اللغوي،وغالباً ما يستخدم مصطلح (التحريض) منهما للتعبير عن “خلق فكرة الجريمة لدى شخص، ثم تدعيمها حتى تتحول إلى تصميم على ارتكابها”(حسني، 1998، ص 435، عبدالستار، 1967، ص 186-187).

واعتمدت المحاكم الجنائية الدولية في قراراتها لوصف أسلوب التأثير في الفاعل مصطلح (التحفيز) الذي يقوم به المحرض، مع الإشارة إلى توافر علاقة السببية بين تأثير المحرض، سواءً أكان فعلاً أو امتناعاً عن الفعل(Kordic and Cerkez, 2004, P.27)، وارتكاب الفاعل للجريمة، ويشترط أن يكون التأثير التحفيزي جوهرياً (كبيراً) على سلوك الفاعل(Ndindabanizil, 2007, P.480).

ويفترض الركن المعنوي لذلك أن تتوافر لدى المحرض نية تحفيز الفاعل على ارتكاب الجريمة، مع وعيه بأن تحقق الجريمة المرتكبة هو نتاج لإفعاله هذه. وهذا ما يطرح مسألة توافر القصد الخاص لدى الفاعل، أو يعكس مديات تبلوره لديه. وفي ضوء عدم وجود التطبيقات القضائية للمحكمة الجنائيةالدولية بهذا الخصوص، فأن البعض يرى أن الركن المعنوي يعد متحققاً لدى المحرض في حالة معرفته (علمه) بالقصد الخاص للفاعل، وأن لم يشاطره فيه(فيرليه، 2013، ص 247).

ثالثاً: المساعدة: لقد حصلت نظرية المساعدة في ارتكاب الجريمة على تطور كبير في نطاق تطبيقات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة، ففي ضوء قراراتها تتمثل المساعدة في التقديم العملي (المادي) لمختلف أشكال المساعدة للفاعل في ارتكاب الجريمة أو دعمه في ذلك، وكذلك في المساندة المعنوية له(Delic, Par.327, Tadic, Par.299)، ويشترط أن يكون لهذه المساعدة التأثير الكبير في ارتكاب الجريمة(Vasiljevic, Par.102). ويمكن أن يتحقق الركن المادي للمساعدة من خلال ارتكاب الفعل أو الامتناع عن الفعل، سواءً أكان ذلك قبل ارتكاب الجريمة أم أثنائها أم بعد ارتكابها(Naletilic and Martinovic, Par.63).

وتولي المحاكم الجنائية الدولية أهمية كبيرة لتحليل الركن المعنوي للسلوك الإجرامي للمساعدين، وبخاصة تحليل دور الرؤساء أو القادة في ارتكاب الجريمة، وبهذا الخصوص تشير المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة في أحد قراراتها إلى أن “وجود المساعد في مكان ارتكاب الجريمة هو ظرف له أثره الكبير في أفعال الفاعل. وإن اقتصار دوره على ارتكاب تلك الأفعال التي تعدّ (واجبات روتينية) لا يعفيه من المسؤولية، ولا يسوغ تبرئته”(Blagajevic, 2007, P.189).

الا إن تواجد القائد في مكان ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية لا يعدّ أساساً كافياً لطرح استنتاج عن تحقق المساعدة، ولكن أخذ مرؤوسيه بتواجده بعين الاعتبار يعدّ شكلاً من أشكال الدعم المعنوي، ولاسيما في حالة إبداء التأييد الصامت لأفعالهم، مما يشكل اشتراكاً بالمساعدة في الجريمة المرتكبة(Furundzija, Par.209).وفي رأي المحاكم الجنائية الدولية إن هذا التواجد لا يعدّ امتناعاً عن فعل، بل هو مساعدة على وجه التحديد. ويرتبط هذا بجملة عوامل، وعلى رأسها: مركزه القيادي، كما أن واقعة وجوده في مكان ارتكاب الجريمة مع عدم تدخله لمنع الأفعال الإجرامية المرتكبة تدّل على تغاضيهعنها، والذي تثمنه المحكمة بوصفه دعماً مسانداًلمرتكبيها(Brima, et al, Par.777).

أما الركن المعنوي للمساعدةفينحصر في وعي الجاني (المساعد) لواقعة تقديم العون (المساعدة) لفاعل الجريمة(Vasiljevic, Par.102)، ووجود افتراض محتمل لديه عن طبيعة الجريمة المرتكبة، من دون وجوب المطالبة بالعلم المسبق عنطبيعة الجريمة المزمع ارتكابها(Blaskic, Par.50).وهذا يعني،إن المساعد يتوجب أن يكون على علم بالعناصر الأساسية للجريمة المرتكبة، ولا يتوجب أن يشاطر الفاعل قصده الخاص(Aleksovski, Par.162). وفي حالة تحقق نية الإبادة الجماعية لدى الفاعل يمكن أن تتحقق أيضاً لدى المساعد، وذلك في حالة توافر العلم المسبق البسيط بالهدف (الغاية) من أفعال الفاعل(Krstic, Par.140-141).

رابعاً: تقديم العون لمجموعة أشخاص في ارتكاب الجريمة: تنص المادة (25) فقرة (3-د) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية على صورة خاصة للمساهمة، وهي تتمثل في:”المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تقدم:

  • إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.
  • أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة”.

وهذه الصورة سبق أن اعتمدتها (الإتفاقية الدولية بشأن قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لعام 1997)، في المادة الثانية فقرة (3-ج) منها بنصها:” كل من يساهم بأي طريقة أخرى في قيام مجموعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك، بارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم المبينة في الفقرة 1 أو الفقرة 2 من هذه المادة؛ ويجب أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تجري إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي العام أو الغرض الإجرامي للمجموعة أو مع العلم بنية المجموعة ارتكاب الجريمة أو الجرائم المعنية”. وكما يلاحظ فأن النظام الأساس للمحكمة أخذ بنص هذه المادة بصورة حرفية تقريباً.

وسبق للمحاكم الجنائية الدولية أن بيّنت في قراراتها إن (مجموعة أشخاص) تطلق على أية جماعة لاتقل عن ثلاثة أشخاص، ويتصف نشاطها بطبيعته التعاضدية(Lubanga, Par.337).واستناداً إلى أن هذه الصورة من المساهمة في الجريمة وردت في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية بشكل مستقل عن غيرها من الصور، فهذا يعني أن المساعدة التي تقدم إلى مجموعة أشخاص في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية على أساس هذا النظام يتوجب أن تكيّف بصورة مستقلة عنها أيضاً، ومن ثم يمكن أن تتمثلالمساعدة التي تقدم إلى مجموعة أشخاص على سبيل المثال في تمويلهامن أجل ارتكاب الجرائم الدولية(فيرليه، 2013، ص 252)،وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية.

أما الركن المعنوي لهذه الصورة من المساعدة فقد حددها النظام الأساس للمحكمة في المادة (25) فقرة (3-د)، كما تقدم ذكره، وحصرها في أنها تكون عمدية (متعمدة)، وتكون بهدف “تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة” أو “مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة”.

 

الخاتمة

توصلنا من خلال هذا البحث إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات، ومن أبرزها ما يأتي:

أولاً: الاستنتاجات:

  • مازال تصنيف المساهمين يستند في القانون الجنائي الإنكليزي إلى (الكومون لو)، الذي يقسمهم بالارتباط مع تصنيف الجرائم إلى: جرائم الخيانة، والجنايات، والجنح، ويعامل المساهمين في جرائم الخيانة، والجنح بوصفهم فاعلين، ويوزعهم في الجنايات على أربعة أنواع: الفاعل من الدرجة الأولى، والفاعل من الدرجة الثانية، الشريك قبل ارتكاب الجريمة، والشريك بعد ارتكابها.
  • تقوم المساهمة في الجريمة في القانون الجنائي الإنكليزي على ركنين، هما: الركن المادي للجريمة (acts reas)، والركن المعنوي للجريمة (mens rea). ويتصف الركن المعنوي للجريمة بأهمية خاصة فيما يتعلق بالمساهمة في الجريمة، إذ يمكن أن تتحقق المساهمة في الجرائم العمدية أو غير العمدية على حد سواء.
  • ترتبط المساهمة في الجريمة في قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 بالتقسيم الثلاثي للجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات، فهي يمكن أن تتحقق في الجنايات والجنح فقط، ولا تتحقق في المخالفات الا في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك. كما وتكون المساهمة في الجريمة مع توزيع الأدوار، ولا تتحقق في حالة (الاشتراك في التنفيذ).
  • يتوزع المساهمون بموجب قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 على (فاعلين)، وشركاء (بالمساعدة أو التحريض). ويتحقق الاشتراك بالمساعدة في حالتي التحضير للجريمة، أو الشروع فيها. أما المساعدة بعد ارتكاب الجريمة فتعدّ جريمة مستقلة، ما لم تكن مقترنة بوعد مسبق بذلك. ويتحقق الاشتراك بالتحريض على ارتكاب الجريمة من خلال الأفعال التحريضية التي حددها القانون حصراً، أو بإعطاء الفاعل التوجيهات لارتكابها.
  • تتحقق المساهمة في قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992 في الجرائم العمدية فقط، ولكن على صعيد تطبيقات المحاكم الفرنسية يمكن أن تتحقق كذلك في الجرائم غير العمدية.
  • يقوم تجريم المساهمين وعقابهم في القانون الجنائي الإنكليزي وكذلك الفرنسي على نظرية (الاستعارة)، إذ يستمد المساهمون تجريمهم، وعقوبتهم، من تجريم الفاعل وعقابه.
  • تنص المادة (25) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية على المسؤولية الجزائية للأشخاص عن المساهمة في الجرائم الدولية، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية. الا أنها لا تحدد تعريفاً لها، ولكنها تحدد نوعين من المساهمين فيها، وهما: الفاعلون والشركاء، مما يشير إلى الأخذ بتصنيف المساهمين المعتمد في النظام الروماني الجرماني.
  • الفاعل على وفق المادة (25) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية هو من يرتكب الجرائم الدولية، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر، أو عن طريق شخص آخر (فقرة 3- أ). أما الاشتراك في هذه الجرائم فيتحقق من خلال إصدار الأوامر بارتكابها أو التحريض أو الحث على ارتكابها أو عن طريق مختلف أشكال المساعدة المقدمة في ذلك، أو بتقديم العون لمجموعة أشخاص في ارتكابها (فقرة 3 – ب، ج، د).
  • يتنازع البت في تحقق اشتراك الفاعلين في ارتكاب الجرائم الدولية، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، أي (الاشتراك في التنفيذ)، في تطبيقات المحاكم الجنائية الدولية، موقفان، أحدهما هو (المشروع الإجرامي المشترك)، الذي تعتمده المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة، وثانيهما موقف المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المتمثل في (السيطرة على الجريمة).
  • يشكل ارتكاب شخص واحد لجريمة الإبادة الجماعية حالة من الصعب تحققها، فارتكابها يقوم على أساس (التعاضد الإجرامي)، الذي عاقبت عليه النظم القانونية المقارنة تحت تسمية (الإتفاق الجنائي) أو (المؤامرة)، ونصت على العقاب عليه إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948 في المادة (3) فقرة (ب) منها تحت عنوان (التآمر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية)، الا أن النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لا ينص على العقاب عليه.
  • يعدّ تقديم العون لمجموعة أشخاص لارتكاب الجرائم الدولية، وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية، صورة جديدة للمساهمة في القانون الدولي الجنائي، ينص عليها النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 25 فقرة 3- د)، بوصفها اشتراكاً بالمساعدة في ارتكابها.
  • تعدّ الجرائم الدولية، التي تدخل دائرة إختصاصالمحكمة الجنائية الدوليةعلى وفق نظامها الأساس، من الجرائم العمدية، كما أن جريمة الإبادة الجماعية إضافة إلى كونها من الجرائم العمدية، تتطلب قصداً خاصاً، مما يعني إن المساهمة في هذه الجريمة، وغيرها من الجرائم الدولية لا تتحقق ما لم تكن عمدية، وذلك بخلاف الموقف من المساهمة في النظم القانونية المقارنة.

 

ثانياً: التوصيات:

  • نوصي بالعمل على إعادة النظر في صياغة الأحكام المتعلقة بالمساهمة في الجرائم الدولية عامة، وفي جريمة الإبادة الجماعية خاصة، الواردة في المادة (25) من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، ذلك لأن المشرع الدولي لم يكن موفقاً فيها على الوجه الأمثل.
  • نوصي بالعقاب على (التآمر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية) في نطاق الأحكام الخاصة بالمساهمة في جريمة الإبادة الجماعية، بوصف ذلك تجسيداً للتعاضد الإجرامي الخطير في ارتكابها، وبما يجسد أحكام إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948 بهذا الخصوص.
  • نوصي بدراسة التطبيقات القضائية للمحاكم الجنائية الدولية، وبشكل خاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، لما لذلك من أهمية كبيرة على الصعيدين الدولي والوطني في مواجهة المساهمة في الجرائم الدولية، ولاسيما في جريمة الإبادة الجماعية.
  • نوصي المشرع العراقي بالعقاب في قانون العقوبات العراقي لعام 1969 على الجرائم الدولية، وبخاصة جريمة الإبادة الجماعية، مع أهمية إيلاء عناية كبيرة للعقاب على المساهمة فيها، وذلك مع مراعاة صياغتها التشريعية في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية.

قائمة المصادر

أولاً: الكتب:

  • باللغة العربية:
  • حسني، محمود نجيب، شرح قانون العقوبات، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.
  • طعيمان،يحيى عبدالله، جرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية، دار الكتب اليمنية، صنعاء، 2010.
  • عبدالستار،فوزية، المساهمة الأصلية في الجريمة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967.
  • عبيد،رؤوف، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي، دار الفكر العربي، القاهرة، 2008.
  • عقيدة، محمد أبو العلا، الإتجاهات الحديثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004.
  • كاسيزي،أنطونيو، القانون الجنائي الدولي، ترجمة مكتبة صادر ناشرون، المنشورات الحقوقية صادر، بيروت، 2015.
  • باللغة الروسية:
  • آرياموف أ.أ. القانون الجنائي للدول الأجنبية، موسكو، 2018.
  • إيساكوف غ.أ، كريلوفا ن.إ.، سيريبرونيكوفا أ.ف. القانون الجنائي للبلدان الأجنبية، موسكو، 2009.
  • أيستوفا ل.س.، كراييف د.يو. القانون الجنائي للدول الأجنبية، سانت-بطرسبورغ، 2020.
  • إيشجوف أ.ن.، سلياكوف ، ن.أ. التشريع الجنائي لبلدان الإتحاد الأوربي، آرخانكلس، جوبتير، 2005.
  • فيرليه غ. مبادئ القانون الدولي الجنائي، موسكو، 2013.
  • كوزاجكين إ.د.، القانون الجنائي للدول الأجنبية، القسم العام والقسم الخاص، موسكو، 2010.
  • كوزاجكين إ.د.القانون الجنائي للدول الأجنبية، موسكو، 2001.
  • كيني ك. أسس القانون الجنائي، موسكو، 1949.
  • ماتوزوفان.إ. مالكو أ.م. ، نظرية الدولة والقانون، موسكو، 2001.
  • يورجنكو إ.أ. القانون الجنائي للبلدان الأجنبية، موسكو، 2015.
  • باللغة الإنكليزية:
  • Cassese A., Acquaviva G., Fan M., Waiting A. International Criminal Law: Cases and Commentary. Oxford, 2011.
  • Outlines of Criminal Law, Cambridge University Press, London, 1929.
  • Smith J.C. & Hogan B. Criminal Law.Cases and Materials. Londen, 1993.
  • باللغة الألمانية:
  • Roxin C. Täterschaft und Tatherrschaft. 8 Aufl. Berlin. 2006.

ثانياً: الرسائل الجامعية:

  • شريف،كريم طه طاهر، المسؤولية الجنائية الفردية للمساهمين في الجرائم الدولية، أطروحة دكتوراه، جامعة السليمانية، كلية القانون، 2020.
  • عثمان، لاجان محمد أمين، مواجهة الإبادة الجماعية للأقليات في القانون الدولي والداخلي، أطروحة دكتوراه، جامعة السليمانية، كلية القانون، 2020.
  • فلاك، مراد، المساهمة التبعية في القانون الجنائي الوطني والدولي، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح / ورقلة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2010-2011.

ثالثاً: البحوث:

  • عيسى، حسين عبدعلي، مصادر القانون الجزائي الإنكليزي، مجلة الرافدين للحقوق، كلية القانون، جامعة الموصل، العدد (55)، 2012.
  • ناوموف أ.ب. تقارب النظم القانونية حصيلةً لتطور القانون الجنائي في القرن العشرين وآفاقه في القرن الحادي والعشرين، الدولة والقانون، أكاديمية العلوم الروسية، 1998، العدد (6) (باللغة الروسية).
  • Ambos k. Article 25: Individual Criminal In: O.Trifflerer (ed.) Commentary on the Rome Statute of the International Criminal Court. 2008. Art.10.

رابعاً: المواثيق الدولية:

  • إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والعقاب عليها لعام 1948.
  • الإتفاقية الدولية بشأن قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لعام 1997.
  • النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.

خامساً: القوانين:

  • قانون بشأن المساعدين والمحرضين لعام 1861.
  • قانون بشأن القانون الجنائي لعام 1967.
  • قانون العقوبات العراقي لعام 1969.
  • قانون العقوبات الفرنسي لعام 1992.
  • قانون العقوبات الإسباني لعام 1995.
  • قانون العقوبات الروسي لعام 1996.

سادساً: القرارات القضائية:

  • قرارات المحاكم الجنائية الدولية:
  • Prosecutor v.Aleksovski, Decision on 2 September 1998.
  • Prosecutor v.Aleksovski, Decision on 24 March 2000.
  • Prosecutor v.Delic et al, Decision on 16 November 1998.
  • Prosecutor v.Tadic, Decision on 15 July 1999.
  • Prosecutor v.Jose Cardoso, Decision on 5 April 2003.
  • Prosecutor v.Vasiljevic, Decision on 25 February 2004.
  • Prosecutor v.Brdanin, Decision on 19 March 2004.
  • Prosecutor v. Krstic, Decision on 19 April 2004.
  • Prosecutor v. Blaskic, Decision on 29 July 2004.
  • Prosecutor v.Rwamakuda, Decision of Pre-Trial on 22 oktober 2004.
  • Prosecutor v.Ntakirutimana, Decision of Pre-Trial on 13 December 2004.
  • Prosecutor v. Kordic and Cerkez, Decision on 17 December 2004.
  • Prosecutor v.Norman, Decision on 21 oktober 2005.
  • Prosecutor v. Thomas Lubanga Dyilo, Decision of Pre-Trial on 29 January 2007.
  • Prosecutor v. Brima et al., Decision on 20 June 2007.
  • Prosecutor v.Brdanin, Decision on 3 April 2007.
  • Prosecutor v.Blagajevic and Jokic, Decision on 9 May 2007.
  • Prosecutor v.Brima, Kamara, and Kanu, Decision on 20 June 2007.
  • Prosecutor v. Ndindabanizil, Decision on 27 November 2007.
  • Prosecutor v. Germain Katanga and Mathieu Ngudjolo Chui, Decision of Pre-Trial on 28 September 2008.
  • Prosecutor v. Milutinovic et al, Decision on 28 February 2009.
  • Prosecutor v. Al Bashir, Decision of Pre-Trial on 4 march 2009.
  • قرارات المحاكم الأجنبية:
  • قرار المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية في قضية Hamdan v.Rumsfeld 548 U.S.557,606-12 (2006).
  • قرارات المحاكم الإنكليزية في قضية (Rex v Betts and Ridley, 1931)، وقضية (Rex v Powell,1997)، وقضية(Rex v English,1997).

سابعاً: المواقع الألكترونية:

  • قرارات المحكمة الجنائية الدولية، متاح على الرابط الألكتروني:.

https://www.icc-cpi.int/Pages/cases.aspx

  • قرارات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة،متاح على الرابط الألكتروني:

https://www.icty.org/en/cases

  • قرارات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لرواندا، متاح على الرابط الألكتروني:

https://unictr.irmct.org/en/cases

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *