الدكتورة برجم سومية

الجامعة: جامعة الشادلي بن جديد الطارف الجزائر

sousousemsem3@gmail.com

00213659914308

 الملخص

تمثلت الإشكالية البحثية لهذا البحث في ضرورة الكشف عن مدى تأثر المجتمعات المعاصرة بالمشكلات الحديثة التي انتشرت به خاصة مشكلات الجريمة بشتى أنواعها منها الجرائم الجنسية والإدمان على المخدرات وفساد الأغذية وانتشار الأمراض والأوبئة، وتلوث البيئة ومشكلات البطالة والإرهاب …وغيرها ومن الظواهر الخطيرة الأخرى التي تهدد أمن المجتمع بكل فئاته حتى تلك المصنفة في قمة السلم الاجتماعي حيث انتشر الخوف والقلق لدى الافراد على حاضرهم ومستقبلهم مما استدعى الامر الى وجوب تفسير كل هذه المخاطر وإيجاد حلول علمية لها لتفاديها والتقليل من حدتها لأجل زرع الطمأنينة بنفس الفرد وإحلال الامن والسلام بالمجتمعات .

كما يهتم بيك بدراسة المخاطر الناجمة من عصر الحداثة وما بعدها، أي أنه يتناول بالدراسة المخاطر التي يعرفها عالمنا اليوم وأثرها على المجتمع الإنساني، وهذه المخاطر الاجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات وبنيتها الثقافية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال يعد النمو السكاني السريع مشكلة اجتماعية ترتبط بأخطار في المجتمعات النامية الا ان الوضع قد يكون معكوس في الدول المتقدمة التي تعاني من انخفاض في نسبة النمو السكاني. وكثير من الظواهر قد تختلف في تأثيرها من مجتمع لأخر. وهنا يمكن طرح التساؤل التالي: هل فعلا هناك مخاطر تهدد المجتمعات المعاصرة أم لا ؟؟

وللإجابة عن هذا التساؤل اعتمدنا على نظرية العالم اولريش بيك في التحليل والتفسير لإعطاء صورة واضحة ومفهومة عن كل ما عرض سابقا.

تكمن أهمية هذا البحث في أن هذا الموضوع يستدعي البحث والدراسة نظرا لمدى استفحاله بالمجتمع والذي أصبح يؤرق الفرد ويأثر على جل عملياته الاتصالية والعلائقية، ونسبة تزايد المشكلات أدى الى ضرورة ملحة في وجوب البحث والاستفسار عن مدى انتشارها.

كما نجد أن هذه الدراسة هدفت الى التعرف عن المخاطر الاجتماعية التي تهدد المجتمعات المعاصرة حسب ما قدمه اولريش بيك في نظريته مجتمع المخاطرة ، وكذلك التعرف على الأسباب التي أدت الى ظهور مثل هذه المخاطر بالمجتمع ومعرفة مدى تأثيرها به.

بينما وضعت منهجية التحليل الوصفي للظاهرة المدروسة نتيجة ما خلفته هذه المشكلات من زعزعة لأمن المجتمع حيث تغيرت العلاقات الإنسانية بين الافراد وأصبحت تمتاز بالجفاف والنفور وعدم الثقة بين الأطراف وقل فيها الاتصال واصبح يعتمد فيه على التقنية التي اخذت صبغة جديدة للتواصل فيما بينهم خاصة بالفترة الأخيرة مع انتشار فيروس كورونا.

الكلمات المفتاحية: المخاطرة ، المجتمع، مجتمع المخاطرة ، المجتمعات المعاصرة، الآفات الاجتماعية

 

The social risks threatening contemporary societies

« As Applied to Ulrich Beck’s Theory”

Dr. Berredjem Soumaya

El Chadli Bendjedid University El-Taref 

 

Abstract

The research problem of this research was the need to reveal the extent to which contemporary societies are affected by the modern problems that have spread, especially the problems of the crime of various kinds, including sexual offences, drug addiction, food corruption, the spread of diseases and epidemics, environmental pollution, unemployment problems and terrorism …And other dangerous phenomena that threaten the security of society in all its categories, even those classified at the top of the social ladder, where fear and anxiety spread among individuals over their present and future, which necessitated the necessity of explaining all these risks and finding scientific solutions to avoid and minimize them to instill reassurance in the individual and bring security and peace to societies.

Beck is also interested in studying the risks arising from the era of modernity and beyond, that is, he deals with the study of the risks that our world knows today and their impact on human society, and these social risks vary according to different societies and their cultural and economic structure, for example, rapid population growth is a social problem associated with risks in developing societies, but the situation may be reversed in developed countries suffering from a decrease in population growth. Many phenomena may differ in their impact from one society to another. Here the following question can be asked: Are there dangers threatening contemporary societies or not

To answer this question, we relied on the theory of the scientist Ulrich Beck in analysis and interpretation to give a clear and understandable picture of everything that was presented earlier.

The importance of this research lies in the fact that this topic requires research and study due to the extent of its aggravation in society, which has become a concern for the individual and affects most of his communication and relational processes. The increasing rate of problems has led to an urgent need to research and inquire about the extent of their spread.

We also find that this study aimed to identify the social risks that threaten contemporary societies, as presented by Ulrich Beck in his theory of risk society, as well as to identify the reasons that led to the emergence of such risks in community and to know the extent of their impact on it.

While the methodology of descriptive analysis of the studied phenomenon was developed as a result of the destabilization of the security of society caused by these problems, as human relations between individuals have changed and become characterized by dryness, aversion and distrust between the parties, and communication has decreased and it has become dependent on the technology that has taken on a new character to communicate with each other, especially in the recent period with the spread of the coronavirus.

Keywords: risk, Society, risk society, contemporary societies, Social pests.

 

1-مقدمة:

ارتبط موضوع المخاطر في المجتمعات المعاصرة بالعالم الألماني “اولريش بيك” الذي حدد مصطلح “المخاطرة” من خلال كتابه الذي أصدره عام 1986 تحت ما يسمى “مجتمع المخاطرة” ثم عقبه بمؤلف آخر سماه ” مجتمع المخاطر العالمي:بحث عن الأمان المفقود” الذي تحدث فيه عن مدى خطورة العالم المعاصر لما يحدث فيه من فوضى واندثار للقيم والأعراف التي سادت المجتمعات الحديثة من قبل لأنها نابعة من مخلفات الحداثة العلمية والتكنولوجية الهائلة التي شهدتها الشعوب، فانتقال المجتمعات من مجتمعات تقليدية إلى مجتمعات صناعية ثم إلى مجتمعات حديثة أنتج مخاطر مباشرة وغير مباشرة( أي أنها خفية) لأنها استفحلت ضمن مختلف القطاعات العامة والخاصة الاجتماعية منها و السياسية والاقتصادية والبيئية والصحية وحتى الثقافية منها، فهو ما عبر عن انعكاسات جمة للحداثة وتأثيراتها السلبية على المجتمعات الإنسانية أين أصبحت ظاهرة الخطر والمخاطرة في علاقتهما مع الحداثة والعولمة من المواضيع المقلقة في الحقل السوسيولوجي المعاصر.

2-الإشكالية :

مع مطلع الألفية الثالثة بدأت الأنظار تتجه إلى ما يسمى بالمخاطر الاجتماعية التي أفرزتها العولمة خاصة مع صدور وثيقة عالمية عن الأمم المتحدة تتحدث عن مجتمع المخاطر في عصر العولمة، والتهديدات المتنوعة التي باتت تهدد أمن المجتمعات واستقرارها، وأصبح من الصعب السيطرة على تلك المخاطر أو حبسها داخل حدود جغرافية معينة، بسبب العولمة التي باتت تصدر الكثير من المخاطر والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية إلى كافة دول العالم ،بما في ذلك دول العالم الثالث الأكثر عرضة للمخاطر بسبب نقص التنمية وضعف السياسات الاجتماعية لذلك أصبح من الضروري توافر الجهود الدولية والعالمية لمواجهة تلك المخاطر ، و كذا وضع سياسات اجتماعية قوية للحد من خطورتها على المستوى الفردي والجماعي. ويعتقد الكثير من الباحثين والمنظرين الاجتماعيين أن المشكلات الاجتماعية حينما تترك لفترة طويلة من الزمن فإنها تبدأ في إنتاج مشكلات أخرى، ومن ثم تؤدي إلى تهميش الفئة التي تعاني من تلك المشكلة وإقصائها عن المساهمة في مسيرة المجتمع وتنميته، وفي هذه الحالة فإنها تشكل خطورة اجتماعية، التي تتجلى غالبا في الاحتجاجات، غلق الطرقات والأبنية الرسمية، العنف المجتمعي لفظي ومادي، ارتفاع نسب البطالة يقابلها ضعف القدرة الشرائية عند المواطن، انتشار الجريمة والمخدرات وغيرها. كل هذه المظاهر تمثل مخاطر اجتماعية حقيقية وجب معالجتها والتصدي لها من خلال وضع السياسات التنموية والاجتماعية الشاملة.

أظهرت تقارير التنمية البشرية أن حياة معظم السكان في معظم دول العالم في تقدم مستمر، و التطورات التكنولوجية و التعليم و الدخل تحمل بشائر في حياة أفضل و أطول عمرا و أكثر أمانا، و قد عادت العولمة بالكثير من المكاسب على التنمية البشرية.

لكن هذا لا ينفي بوجود مخاطر تهدد العالم كتدني مستوى المعيشة و التوترات المجتمعية و أعمال العنف و إهمال الصحة العامة و المخاطر البيئية و الجريمة و التمييز كلها عوامل تزيد من تعرض الأفراد و المجتمعات للمخاطر.

ولهذا سلطنا الضوء على أهم الاخطار التي تحدث للافراد وتمس بجميع خصوصياتهم وانجازاتهم المستقبلية، كما يجب إعطاء حلول ومقترحات تقلل من هذه المخاطر وتعمل على البحث في أسبابها. كما نركز في موضوعنا على المخاطر النابعة من المجتمع والتي تكون ضمن البناء الاجتماعي لإحداث الضرر بالأفراد و الجماعات فيه، لأن المخاطر الاجتماعية تشمل مخاطر تتعلق بالأسرة وبناءها، و تتعلق بالطفولة و بكبار السن و حمايتهم، و تتعلق بالمجتمع و معايير بناءه و مخاطر تتعلق بالمؤسسة و مدى استقرارها و صمودها أمام التحديات بالإضافة الى المخاطر الناتجة عن البيئة و تلوثها. . وهنا يمكن طرح التساؤل التالي: هل فعلا هناك مخاطر تهدد المجتمعات المعاصرة أم لا ؟؟

3-أهمية البحث:

تكمن أهمية هذا البحث في أن هذا الموضوع يستدعي البحث والدراسة نظرا لمدى استفحاله بالمجتمع والذي أصبح يؤرق الافراد خاصة لأنه يمس بالدرجة الأولى أمن واستقرار المجتمع والذي وجب دراسته من الناحية العلمية والنفسية والاجتماعية على حد سواء وهنا تكمن الأهمية في ما يلي:

  • تزايد نسبة المشكلات الاجتماعية بشكل ملفت للانتباه في السنوات الأخيرة .
  • تحث على التنبيه لمدى كثرت المشكلات التي يعاني منها الفرد .
  • محاولة التخفيف من هذه الظاهرة من خلال وضع أنشطة أو دورات إعلامية تحسيسية حول مخلفات هذه الظاهرة وانعكاساتها على الفرد في مختلف مراحلهم العمرية.

4-أهداف البحث:

تسعى هذه الورقة البحثية لتسليط الضوء على ظاهرة سلبية تعمل على تهديم الميدان الاجتماعي في مراحله التأسيسية الاولى وهنا سنضع بعض الاهداف علها تساهم في الحد أو التقليل منها مستقبلا:

  • التعرف على الأسباب المؤدية لانتشار المشكلات والآفات الاجتماعية .
  • كذلك التعرف على مدى التأثير الذي يتركه الاجرام وتبعاته على نفسية الفرد و المجتمع .
  • كذلك التعرف الآليات الوقائية التي تعتمدها المصالح المعنية في الحد والقضاء على هذه الظاهرة.

 

5-تحديد المصطلحات:

1-تعريف المخاطر:

لغويا: من خطر يخطر، خطورة وخطر فهو خطر وخطير وخطر: لأمر أي كان مؤديا إلى الهلاك والتلف، وصار خطيرا أما مخاطر جمع أخطار وتعني مهلكات، تجنب مخاطر الطريق.

اصطلاحا: يعرف “طوني بينيت” المخاطرة أو المجازفة على انها شيء يشعر الافراد الذين يقطنون في المجتمعات البرجوازية المعاصرة وقد ارتبطت بالشعور بالأمن وتوفر الحياة الكريمة لتفادي الضرر وما يميز المخاطر هي محاولة تثبيها والتحكم فيها، والمجازفة أو المخاطرة أصبحت تختلف عن مجرد الأخطار كالمجاعات أو الكوارث الطبيعية (نهى محمد, أحمد السيد;) فهو مصطلح يتكون من كلمتين مجتمع ومخاطرة ويعرفه “لاروس” هو إمكانية أو احتمال فعل حادث فيه أذى أو ضرر، وهو المجتمع الذي يشرف على الهلاك ، ومجتمع اليوم هو مجتمع تسوده العديد من المخاطر التي تحدث مشكلات عديدة لحوادث المرور وظهور الجريمة بكل اشكالها كجرائم الاغتصاب والبغاء والادمان على الخمر وتناول المخدرات وانتشار الامراض والاوبئة وتلوث الطبيعة وانتشار البطالة…وغيرها من ظواهر باثولوجية خطيرة تهدد أمن المجتمع بكل فئاته حتى الموضوعة على قمة الهرم الاجتماعي الا انه انتشر الخوف بالمجتمع وانتشر القلق على مستقبلهم ، وهذا بالذات ما يتوافق مع الوصف الذي قدمه “اولريش بيك” بان وصفه من حلال الموقف الذي يمكن أن ينتج اقل قرار فيه اخطر كارثة حيث أن التحولات التي تتعرض لها البيئة تحتوي على مضاعفات خطيرة بالمجتمع ، ومخاطر المواد الكيميائية السامة والنفايات والتلوث…الخ وما من احد يقدر على اجتناب آثار ارتفاع حرارة الارض.

وهنا بعض التعريفات الموجزة من قبل هؤلاء الباحثين:

عرفه “اولريش بيك ” على انه طريقة منهجية للتعامل مع المخاطر وانعدام الأمن الناجم ، ويتم عرضه من قبل الحداثة نفسها.

كما عرفه “انطوني غيدنز”: بأنه المجتمع الذي تتزايد فيه الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، فهذا المجتمع يعد من مجتمعات الخطر.

وعرفه “روبرت كاستال” في كتابه الأمن الاجتماعي فمجتمع المخاطر هو المجتمع الذي تحدث به الكوارث التي تقع ضمن الحالات الاستعجالية والتي تهدد بأن تكون حالات عادية.

أما نيكولاس لومان في كتابه المخاطرة نظرية سوسيولوجية عرف المخاطر ،على أنها أذى محتمل يخيف الفرد ،ويرتكز على قرار اتخذه بنفسه أنها عملية حسابية تأخذ بعين الاعتبار الخسارة والفائدة المحتملة باستناد إلى الزمن. (شفيقة , سرار;، 2017)

كل هذه التعريفات السابقة تتفق مع ما ورد في كتاب مجتمع المخاطرة “لاولريش بيك ” الذي يعني به حالة من توافق الظروف أصبحت فيها فكرة إمكانية التحكم في الآثار الجانبية والأخطار التي يفرضها اتخاذ القرارات محل شك، كما فرق بين المخاطر والكارثة فالمخاطرة حسبه تعني بوقوع الكوارث أي بإمكانها أن تتحول مستقبلا واذا ما نجحت بالتحول تصبح كارثة، فالمحاطر هي أحداث تقعد بحوثه أما الكارثة فه واقع فعلي. (أنتوني , غيدنز ت، فايز الصباغ;، 2005)  .

وهنا نرى أن المخاطر متصلة باتخاذ القرار يضم سلوك معين قد يتحقق، ومع تزايد المخاطر والاخطار مقابل الفرص فإن المجتمع أصبح يعيش في اللامن وفقدان اليقين بخصوص قدرته على مواجهة هذه الأخطار والمخاطر عبر الزمان والمكان.

2- تعريف المجتمع:

تشكل هذا التعريف باعتباره موضوعا جديدا في الجزء الثاني من القرن 19 عشر، الا انه يمكن اعتبار أن مضمونه اقترح قبل ذلك. كما أن مجال الشبكات العلائقية بين الافراد تشكلت ككيان مستقل ومتنوع عن إرادة الافراد التي تحكم فيها آلية التشغيل الداخلية والهي التحولات التي لا تتحكم بها الافراد بشكل واعي.

انها المسلمة التي تقول بأن هذا الكيان يؤثر مباشرة في ذاتية افراد وسلوكياتهم. وان هذه الفئات البشرية ليست طبيعية ومتحررة من الزمن، بل هم عبارة عن ذوات متحولة وموضوعة تاريخيا، بمعنى آخر أن ليسوا مكونين من قبل. بل هم من يعتمدون على تغير الافراد، والتبدل وقت ما أرادوا ضمن مؤسساتهم، بل العكس هم الأفراد فاعلون على المدى التاريخي يحسدون ويعبرون عن حالات اجتماعية تضع شروط معينة للفعل الإنساني، ان صياغة هذه الكرة السابقة للأفراد وعلاقاتهم وتفاعلاتهم ضمن المجتمع فهي نظرة نابعة من فكرة تعريف الفرد، وقد وضعت هذه الأفكار ضمن التعريف الحديث المعارض للنموذج الفرداني. وهذا الطرح جاء بهدف انتقاء المفهوم السابق للفرد الا ان هذا المفهوم نبع نتيجة التناقضات التي خلفت بين النموذج الفرداني والعمل الفعلي للنظام الليبيرالي على مستوى العمل اذ يمكننا العثور على أصل هذه العملية التي عملت على تولد هذا التعريف الحديث ضمن الاستياء الذي حدث ضمن الباحثين في النظام السياسي. فهذا الشل الذي انتج الشعور بإحباط أسهم في انبثاق الفكر النظري والتوجيهي مما أدى الى ولادة مفهوم المجتمع. ان اقتناع بفكرة تطبيق مبدأ الليبيرالية لم يعطي النتائج المرجوة والمنشودة التي تدفع بالبحث عن أسباب فشله، وقد تبين أن الأسباب الحقيقية تكمن في طبيعة المقدمات النظرية للفكرة الليبيرالية، كما أن هذا النقص لا يرجع بالأساس الى نقص تطبيق المبادئ الليبيرالية كما أكد الباحثون المحبطون بل ارجع الى أن الليبيرالية كانت تستند على مجموعة من أفكار النظرية الخاطئة غير المبررة للعالم وهو ما أدى الى عدم كونها وسيلة لتحقيق اهداف التي كانت تسعى لها الثورة الليبيرالية.

كما أن لهذا الفشل أسباب نظرية هي تعرضت لعديد الانتقادات بهدف وضع نموذج جديد يسمع بضرورة اكمال نجاح عملية تبلور المؤسسات والعلاقات التي احدثتها الثورة الليبيرالية، فهذا يعتبر أهم النماذج التي انبثقت من ردود افعال النقدية ضد الليبيرالية. (ميغيل كابريرا; ت، حسن احجيج;، 2023).

فالمجتمع هو عبارة عن أراد يعيشون فيما بينهم في بيئة جغرافية واحدة يتأثرون بكل ما يحيط بهم من ظروف خارجية وداخلية تطرأ عليهم وتتغير بتغيرها ، فالعادات والتقاليد والأعراف السائدة بالمجتمع هيا المتحكم الأساسي في العلاقات الاجتماعية بين الافراد.

6 -نظرية اولريش بيك عن مجتمع المخاطرة:

يرى أن مجتمع المخاطر نشأ في نصف القرن 20، وهو مجتمع ناجم عن سلبيات الحداثة ، كما يبحث في  ضرورة معرفة إدارة هذه الاخطار وكيفية الوقاية منها وهذا ما أوضحه أولريش بيك في كتابه مجتمع المخاطرة والذي أشار يه الى أن أفراد القرن 20 أصبحوا مرغمين على مواجهة السلبيات  التي خلتها الحداثة ومحاولة إيجاد حلول لها للتقليل من تحدياتها ومواجهتها، وهو ما اسماه (بعقد المخاطرة) (أولريش بيك ت، علا عادل وآخرون;، 2013)أي مدى القدرة في التحكم في الأخطار الناتجة عن الصناعة والقدرة على تغييرها…غير أنه في كتابه الأخر الذي أسماه “مجتمع المخاطر العالمي” حيث يتبين لنا انه يتحدث عن مجتمع عالمي تنتشر فيه المخاطر والأخطار في مختلف الأماكن…أو كما تم وصفها بالمخاطر الطيارة التي تنتقل من مكان لآخر دون أن نقدر على التحكم فيها والتي تؤدي للعولمة وانسيابية التدفق وتخطي الحدود القومية دورا بالغا في عولمة المخاطر والأخطار ومنه توسيع نطاق عدم الأمان المصطنع.

فنجده انطلق في نظريته من ثلاث وجهات هي:

1) العولمة: حيث أدت الى عولمة المخاطر والأخطار وتجسيد اللاقومية مع تراجع الدولة القومية، فبات ضروريا أ يتم فهم المخاطر في سياق عالمي ( بالقومية المنهجية).

ويواصل بيك حديثه عن مجتمع المخاطر بقوله أن مرحلة العولمة هي مرحلة الشكوك وهي غير مسئولة  ومن ثم فان الاستقرار السياسي داخل الدولة سيكون مرتبط باستمرارية عدم التفكير في أي شيء لعدم وجود الثوابت. وفي ظل ذلك الوضع أصبح التمييز غير ذي معنى فلا يمكن التمييز بين الأمور السياسية والأمور الاقتصادية أو الطبيعية أو الثقافية أو المادة وإعادة إنتاج المعرفة، ومن ثم فالسبيل الوحيد لفهم ما يدور في مرحلة العولمة علينا أن نعي أن العالم أضحى في مرحلة انقسام وعلينا أن نسلخ أنفسنا (بالمواجهة الذاتية) للآثار غير المقصودة لعملية الحداثة وهو ما يطلق عليه بيك (الحداثة الانعكاسية) أو (الحداثة الثانية) ذلك لان دينامية التدمير الذاتي للحداثة الأولى المصاحبة لمرحلة ما بعد التصنيع   قد أصبحت ذو طابع انعكاسي (نهى محمد, أحمد السيد;)  .

2) التصوير والإخراج: وهو يعني أن المخاطرة والتي هي أمر كارثي متوقع ومتنبأ به يتم إخراجه وتصويره بوصفه توقعا ذا مصداقية ما يكسبه الصفة الحقيقة فيشكل صورة نمطية ذهنية في عقول الناس بأن الكارثة حاضرة بينهم أي أن مستقبل الكارثة حاضرا، الأمر الذي يهدف غالبا إلى منعها وتفاديها والتصوير السينمائي للمخاطرة لا يعني تزوير الحقيقة من خلال تزوير مخاطر غير حقيقية وإنما هو عرض سياسي إعلامي للجمهور وللعالم حتى يدركوا مستقبل المخاطرة ومنه تفادي الوقوع في الكارثة من خلال التأثير على القرارات الحالية وحسن إدارة الوضع والتحكم فيه.

3) المقارنة بين المخاطر البيئية والاقتصادية والإرهابية: انطلق بيك في تحليله من 3 منطلقات للمخاطر الكونية وهي مخاطر بيئية ،ومخاطر اقتصادية مالية، ومخاطر الإرهاب فاعتبر أم المخاطر البيئية والاقتصادية أي عن حسن نية، أما مخاطر الإرهاب فهي مقصودة عن سوء نية ، ويربط بيك كل هذه المخاطر بثقافة المجتمع الناشئة فيه وفق ما اسماه ب الإدراك الثقافي للمخاطر وهو أن كل مجتمع له تقييمه الخاص لمستوى المخاطر ودرجتها، وكلما قلت إمكانية تقدير الخطر اكتسب الإدراك الثقافي المتنوع المخاطر ثقلا أكبر وتنوعت المخاطر وأخطار كتلوث الهواء والبحار والغازان الدفينة. (أولريش بيك ت علا عادل وآخرون;) .

أهم العناصر الني أنهت ما يسمى بعصر الحداثة:

1)العولمة: فان العولمة تتحدى سيادة الدولة وتضر بالاستقلالية اقتصادية عن طريق اجبار الدول على اعتماد سياسات تتناسب مع نزوات رأس المال المتنقل .

فإن ظاهرة العولمة تتشعب فيها أمور عديدة وتتداخل فيما بينها كالثقافة والاقتصاد ،ولا شك أن للعولمة عدة إيجابيات وسلبيات يمكن حصرها في جل الاصعدة الثقافية والاقتصادية أو السياسية ففي الوطن العربي لازال هناك صراع أيديولوجي رافض للعولمة نتيجة عدم وجود دراسات كافية لها، من دون وجود تيارات يمكن تقبلها دون شروط. ويمكن القول ان هذه  المرحلة الاخيرة قد بدأت بوادر الدراسات الرصينة للعولمة بهدف صيغة استراتيجيات عربية، وعدم مواجهة الآراء المناهضة والرافضة للتفاعل… فنحن نقوم باختيار كل ما يساعدنا ولا يخالف تعاليم ديننا ومبادئنا لأنه جعل من العلم فريضة إنسانية ، فالله  عزوجل اكرما بكل ما في السموات والأرض وانعم علينا بكل خيراته الظاهرة والباطنة لهذا وجب أن يكون لنا مشروع نهضوي متكامل ننتقي له أفضل ما في العولمة من مزايا المنهجية والتجارة والتطبيقات ، ولكن يجب علينا  أن نقوم بفرز مزايا العولمة من سلبياتها.

سنحاول هنا الوقوف عند هذه الآثار :

 

الاثار الإيجابية:

– فالعولمة تعمل على تطور الحياة الإنسانية و ازدهارهــا، كمـا تـؤثر و تتأثر بالحركة التاريخية ، كما  تعمل عل خلق نوع من روح التعاون في جل القطاعات .

– كما تعمل على إيجاد حوار متبادل بين الثقافات المتغيرة والأديان لأنه يعمل على ترسيخ التعاون والتسامح والتعايش بين الحضارات – كمـــا أن للعولمـــة آثـــار ايجابية فـــي إلغـــاء المســـافات بين الـــدول وتوحيد المقاييس و المواصـــفات للمنتجات في مختلف أصقاع العالم ، وتحسين جودتهـا ، كمـا و تعمـل العولمـة علـى تحرير التجـارة مـن القيود الجمركية و تســاعد علــى ســهولة انتقــال رأس المــال ، ممــا يفسح المجــال أمــام الــدول للابتكــار والتجديد و يزكي المنافسة بين المنتجين مما يؤدي إلى جودة الإنتاج ورفعه.

– حرص الكثير من البلدان على الموازنة بين الثقافات العالمية و الثقافة المحلية ، بالتفتح على الآخر من جهة و المحافظة على هوية المجتمع و قيمه من جهة أخرى ، مما سيفسح المجال لأبناء البلدان المتأخرة من تحسين فرصهم في الارتقاء الاجتماعي والثقافي و السياسي.

– تفـرض التغيـرات المصـاحبة للعولمـة تـوفير المزيـد مـن الحريات السياسـية و المجتمعيـة و الثقافيـة فـلا عجـــب أن يـــنعكس ذلـــك المطلـــب علـــى البلـــدان الناميـــة ، التـــي أصـــبحت مرغمـــة علـــى نشـــر القـــيم الديمقراطيـة عـلاوة علـى ديمقراطـية التعلـيم ، مـن حيـث إتاحـة فـرص التعلـيم للجميـع ، وقـد أصـبح ينظـر للمدرسة كأداة فاعلة للمساهمة في هذا التحول الديمقراطي ، بحيث تصبح مجتمعا مصغرا يمارس فيه التلميذ حريته ، وتنمو فيه خصائصه الاجتماعية .

 

الاثار السلبية:

– تزايد نسب البطالة في الدول النامية لعجزها عن منافسة الشركات العظمى الممارسة للتجارة ، مما يترتب عليه تدمير القطاع الصناعي ، و اغلاق المصانع و تسريح العاملين .

_ زيــادة الطلــب علــى بعــض الســلع التــي كانــت تعتبــر غيــر ضــرورية مــن خــلال إشــاعة أنمــاط مــن الاستهلاك ترتكز على الدعاية لسلع كمالية كالأطباق الفضائية و الهواتف المحمولة .

– تقليص دور الحكومـات و المنظمـات الدوليـة فـي تنظـيم الإعـلام لصـالح الشـركات الاحتكاريـة متعـددة الجنسية ، بما يستتبع ذلك من خصخصة لوسائل الإعلام بما في ذلـك مـن مخـاطر الدعايـة المغرضـة وعدم الالتزام بالقيم الأخلاقية ، بالإضافة إلى ترويج القيم والتقاليد الأمريكية، وا حلال اللهجات العامية محل اللغة العربية الفصيحة ، و ا شاعة الفساد و الانحلال الخلقي في الشعوب المستهدفة وخصوصا طبقة الأطفال و المراهقين.

– مما لا شك يه ان من اهداف العولمة هو تحطيم وتهديم الهوية القفافية للامة وطس كل مععالمها الدينية خاصة الإسلامية منها من خلال تسخير التقنيات الحديثة في الإعلام لبعث الشبهات والشهوات، واشاعة أنماط سلوكية و مفاهيم دخيلة و غريبة عن ثقافة الأمة و حضارتها .

– الهيمنة الاقتصادية الغربية و تدمير اقتصاديات الأمم الأخرى ، أو جعلها تابعة للاقتصاد الرأسمالي الغربي (عمار , جيدال وآخرون;، د.ت)  .

2)الفردية والمخاطر: تعني أن الفرد هو محور كل برنامج أو مشروع يتبناه المجتمع كما تعني حرية الفرد في الحياة وفي الاختيار وهو بذلك أساس منطلق كل عمل تنموي أو تحديثي.

ويرى بيك ان زيادة الفردية قد اسهمت في تراجع مؤسسات الزواج وذلك بسبب التحرر من القيود الاجتماعية من خلال التعليم العام والسفر والعمل والهجرة وإعادة التوطين وبذلك أصبحت بعض المؤسسات كالأسرة مهددة الآن في حين أن العديد من علماء الاجتماع ينظرون تقليديا إلى هذه العملية على أنها تحريرية ( تحرير الأفراد من قيود العشيرة القبيلية أو الإقطاعية الدينية) .وبالتالي فهم ينظرون إلى المسؤولية الفردية بدل المسؤولية الأسرية لان الأسرة كانت تعتبر لأزمنة عديدة أساس الأمن الاجتماعي والاقتصادي من خلال تماسكها ورعايتها لأفرادها أما في حال المسؤولية الفردية أصبح لزاما على الأفراد تأمين أنفسهم بأنفسهم بالإكراه ويصبح الأفراد الذين تحرروا من التقاليد تابعين لسوق العمل وأيضا تأمين للتأهيل للاستهلاك، والتنظيم، ولأنظمة الحماية للقوانين الاجتماعية لتنظيم المرور للعروض الاستهلاكية للإمكانيات والطرق في مجال الاستشارات والعلاجات الطبية النفسية والتربوية وبالتالي فان زيادة التفرد يصاحبها مخاطر فردية أكبر.

3) الثورة الجنسانية: لقد أصبحت العائلة مسرحا للتناقضات الحاصلة بين الجنسين ولكنها ليست السبب في ذلك، فكل ما يحصل من أزمات عقلانية بين الزوجين ومجالات العمل وتربية الأبناء وطرق التدبير المنزلي والتطوير الفردي مرده إلى طبيعة النظام الصناعي الحديث ودينامية التفرد التي فصلت الإنسان عن انتمائه الطبقي فلم يعد يفرق بين الرجل والمرأة إلا من خلال العمل والمنفعة وتحقيق المصالح فأصبح ينظر إلى أعضاء المجتمع بغض النظر إلى كونهم ذكورا أو إناثا مما أدى إلى التحرر من حدها الأدنى كل هذا جاء بسبب الفردية.

إن الثورة الجنسانية في ظل الحداثة قامت بتوسيع نطاق الفرص المتاحة للمرأة مزيدا من فرص التعليم وفرص العمل وهذا ما أدى أيضا إلى مخاطر بالنسبة للمرأة فالمساواة المحققة بين الجنسين رفعت الحماية الاجتماعية للنساء وألغت المسؤولية الاجتماعية تجاهها.

7-العوامل المساهمة في انتشار ظاهرة المخاطر:
لقد وجدت الاخطار العالمية منذ وجود الانسان على وجه الأرض وهي تختلف باختلاف الأزمنة …فنجد أن العالمية اولريش بيك وانطوني غيدنز قد اتفقا على كون فكرة المخاطرة ارتبطت بالعصر الحديث وعصر العولمة بظهور النهضة الأوروبية في القرنين 16 و 17 عشر. فنجد أن جيدنز قال بأن ارتباط المخاطر وجد حسب ارتباطها بالمكان والزمان فموضوع المخاطرة هو وليد الظروف الاجتماعية المرتبطة بالمشكلات التي مست جميع الأصعدة كالتي تتعلق بالمشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية …الخ، وكان هذا كله من مخلات الحداثة التي عملت على توجيه المؤسسات التكنولوجية لخدمتها وتحقيق أهدافها.

الا انها شهدت العديد من الاخفاقات تمثلت في تدمير العناصر البيئية المتمثلة في (الانسان، الهواء، الحيوان، الأرض، المياه) وهو ما أثر على البعد اجتماعي والثقافي، من خلال انهيار الروابط الاجتماعية. فظهرت على انها علاقات طيارة من جهة لأنها تتشكل وتنصهر بسرعة وهذا ما ينذر بالخطر من جهة أخرى فهي تمتد وتتطور متحدية بذلك المكان والزمان بفضل تكنولوجيا المعلومات لأنها تعتمد على علاقات افتراضية لأنها بالحقيقة تتشكل خطرا على العلاقات الأساسية (الحقيقة).

إضافة الى ذلك فتوسع العلاقات الاجتماعية عبر الفضاءات الكترونية تعمل على خلق مخاطر في توسع شبكة العلاقات الاجرامية لأنها تعمل على تغذية الصراعات والنزاعات العرقية ذات طابع ثقافي وديني مما قد يترتب عنها اخطار عالمية أخرى.

وهنا نقول أن العولمة قد ساهمت بشكل ملفت الى تشكل المخاطر الاجتماعية وتوسعها عبر مختلف الدول عن طريق التجارة العالمية والأسواق الحرة. وهذا ما أدى الى خلق مشاكل عالمية كالأزمة المالية وتكدس السلع المحلية وانتشار البطالة والفقر، أما على الجانب الثقافي فقد ظهرت ثقافات محلية وإقليمية بسبب الهيمنة الثقافية على الدول الكبرى وهذا ما انتج صراعات طائفية وعرقية وقومية كثير.

8- أولريش بيك، المخاطر بين عدم اليقين وانعدام الأمن:

يذهب أولریش بیك إلى أنه من أجل فهم عدم اليقين المصنعة، و انعدام الأمن في مجتمع المخاطر العالمي هناك حاجة إلى تحول نموذجي في العلوم الاجتماعية. ويذكر بیك بوضوح أن الهدف هو السعي إلى “فهم وتصور علم اجتماعي مستوحى ومستنيرا من انعدام الأمن للروح المعاصرة. بحيث يتم التركيز على إدارة المخاطر، بدلا من إنتاج السلع، فالمخاطرة قد صارت أكثر من مجرد تهديد، (متعلق بالأمن) لقد صارت مقياسا لفعلنا. فقد حل منطق توزيع المخاطر مكان منطق توزيع الثروات، فمجتمع المخاطرة يجعل من المستقبل سؤال الحاضر. ولذلك فمضمون المخاطرة يعني الحدث الذي – لم يحدث بعد – والذي يحفز الفعل. لذلك لا يمكن تلخيص المخاطر بالنتائج وبالأضرار التي حصلت فعلا لأنها تستند في جزء منها إلى امتداد الأضرار الحاصلة في الحاضر و المستقبل، وفي جزء منها أيضا إلى خسارة في الثقة العامة أو إلى خسارة الثقة فيمن يفترض فيهم حمايتنا من المخاطر. هكذا تمتاز المخاطر بجزء منها حكما إلى التكهن، بما فيها من تدمير لم يحصل بعد، لكنه يتهددنا، إذ إن حقيقته الحاضرة تكون ماثلة تحديدا في بعده المستقبلي. ومن ثم فالوعي الذي نعطيه عن المخاطرة ليس وعيا واقعيا في الحاضر، بل موقعه الأساس هو المستقبل. والمستقبل كما نعلم شيء غير موجود، إنه بناء، إنه وهم، وهو الذي يصبح سبب التجربة والفعل الحاضرين.

ومن ثم فإن واحدة من القضايا التي يتعامل معها أولریش بك هي انهيار أشكال التأمين الاجتماعي في مواجهة المخاطر المجتمعية. فالدولة وعدم قدرتها على “ضمان” حماية المواطنين ضد هذه المخاطر، في ضوء مشكلة عدم اليقين التي تثير تساؤلات حول الكيفية في مواجهة الدولة، إلى جانب المؤسسات والأفراد، ولهذا فسوسیولوجیا المخاطر الامنية قد تساعد على تسليط الضوء على حقيقة سوسیولوجیا الأمن داخل المجتمعات الرأسمالية المتأخرة. وعلى ذلك فتركيز بیك على إدارة “المخاطر”، بدلا من إنتاج السلع، في مجتمعات المخاطر، فضلا عن تأكيده على عدم اليقين الناجمة عن “التحديث الانعكاسي،” يوفر إطار ا للنظر في أدوار الدول في تنفيذ الأمن كظاهرة (عالمية) سياسية واقتصادية، والنتائج المحتملة للتوسع في الأمن، وأشكال إدارة مخاطره. التي تقرها الدولة، ذلك أن أولریش بیك يعتقد أن العيش في عالم الحداثة وهو أن نعيش في بيئة من الفرص والمخاطر. ومن ثم فمحاولات تقييم المخاطر، لا غنى عنها للاحتلال للمستقبل.

ومن جهة أخرى فإن أولریش بیك الذي يفترض تغييرا عاما في الحداثة، يفترض أيضا أنه مع تآكل المؤسسات التقليدية وثقة المعرفة العلمية تصبح القضية غالبا ما تنتج بنشاط من قبل الأفراد. على اعتبار أن العمل تتخذ ما يشير: أن الثقة أسهل بكثير للتدمير من البناء. و اذا تم تقويض الثقة مرة واحدة فمن الأصعب استعادتها. الاجتماعي بشكل عام يعتمد أكثر أو أقل على الثقة، هناك نتائج تجريبية في سياق تصور المخاطر، فالمخاطر إلى جانب أن الإلمام بمكان أو وضع أو شخص ينتج الثقة. ولذلك سوف يطور الأشخاص الثقة إذا  كان للشخص أو الحالة خصائص تقييمية بشكل ايجابي . ولهذا فإنه ومنذ أن تآكلت الثقة العامة في مؤسسات مثل الحكومة ووسائل الإعلام أو الأسرة، وهي تثير المزيد والمزيد من الاهتمام في العلوم الاجتماعية (السعيد رشدي كريمة فلاحي;، 2020)

9-الآثار المتوقع حدوثها نتيجة مجتمع المخاطر

  • لقد أصبح الفرد جزء من الاخطار العالمية باعتبارها شئنا داخليا لدولة ما، فلا يمكن لأي دولة ان تواجه الاخطار لوحدها ومنه تنجم أنظمة صراعات جديدة ي عدم التكافؤ الاجتماعي.
  • أصبح تقدم العلوم يكمن في دور العلماء بمجال العلوم والتكنولوجيا والتي تعمل على توضيح التحولات وفهمها على أساس المبدأ التالي: أنا لا أرى مخاطرة إذن لا وجود للمخاطرة، وهذا يهدف الى زيادة من حدة الوعي بالمخاطرة.
  • يحدد الخوف بالإحساس بالحياة حيث تحتل مسائل الأمن والحرية والمساواة المراكز المتقدمة من حسن أولويات على مقياس التدرج القيم مما يؤدي إلى تغليط القوانين وزيادة حدثها أو إلى نوع من الشمولية ضد المخاطر.
  • يتمتع الخطر بنفس القوة المدمرة للحرب، وهو يصيب كل الأفراد الأغنياء والفقراء وفي كافة المجالات(أولريش بيك ت. علا عادل وآخرون;)

في الواقع لا يمكن تلخيص المخاطر بالنتائج والأضرار التي حصلت فعلا ففيها نجد أساسا التعبير عن مركب مستقبلي يستند في جزء منه إلى امتداد الأضرار الحاصلة في الحاضر إلى المستقبل وفي جزء منها أيضا إلى خسارة في الثقة العامة أو إلى من يفترض بهم تقوية المخاطر (اولريش بيك ت.جورج كتورة، الهام الشعراني;، 2009).

10- خاتمة:

لقد تعرض المجتمع الإنساني طوال السنوات الماضية للمخاطر نتيجة لعملية التحديث التي عملت على تغير أنظمة الاقتصادية والاجتماعية، كما أن النظرة المستقبلية للعلم والتكنولوجيا غير مستقرة فكثيرا ما تنجم عنها معرفة متناقضة حول وجود المخاطر المعاصرة وتركز على دراسة المخاطر الناتجة عن التهديدات التكنولوجية.

إلا أن المجتمعات الصناعية الحديثة أنتج مخاطر جمة رغم حرصها الشديد على الحرص والحد من أضرارها إلا أن العالم اليوم شهد طفرة خطيرة لم يشهد مثيلها من قبل الا وهو ظهور وبروز فيروس كورونا الذي عمل على تهديم كل الأبنية الصحية لكبريات دول العالم وزعزع كل الخطط التي كانت تطمح إلى تطويرها وتنظيمها حسب كل ما يتطلب له المجتمعات المعاصرة من رفاهية ورقي لتحسين كل المستويات المعيشية للأفراد ففيروس كورونا جعل من العالم قرية وبائية كبرى تسبح ضمن مشاكل صحية عديدة لا تقوى على مجابهتها نتيجة لما توصلت له البلدان المعاصرة من انحطاط في المجال الصحي مما اضطر العديد من الدول لغلق الحدود والمدارس وحتى أن الحياة اليومية للأفراد انقلبت رأسا على عقب من تردي الأوضاع الصحية والمعيشية للأفراد خاصة من كانوا يعيشون على توفير قوت يومهم من خلال عملية البيع والشراء، وهذا ما تكلم عنه بيك في أن المجتمعات الصناعية ولدت خاطر مجتمعية على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية والصحية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية المصاحبة للحداثة وفي ذات الوقت فإن المؤسسات العلمية والتكنولوجية هدف إلى تحقيق عديد من الانتصارات الإنسانية إلا انه شهد نوعا من الإخفاقات التي أثرت على الإنسان والحيوان والبيئة كالتجارب النووية والحروب البيولوجية والكيميائية التي أطلقتها بعض الدول لمحاولة منها القضاء على العنصر البشري،إلا إن الطموح العلمي الزائد أدى إلى ظهور أوبئة وأمراض جمة لم يستطع الإنسان تجاوزها .

 

قائمة المراجع

  • السعيد رشدي كريمة فلاحي;. (2020, 09 03). اولريش بيك وسوسيولوجيا المحاطر الامنية. مجلة التواصل في العلوم الانسانية والاجتماعية, 26, 497-498.
  • أنتوني , غيدنز ت، فايز الصباغ;. (2005). علم الاجتماع (Vol. ط1). بيروت, لبنان: المنظمة العربية.
  • اولريش بيك ت.جورج كتورة، الهام الشعراني;. (2009). مجتمع المخاطرة (Vol. ط1). د.ت: المكتبة الشرقية.
  • أولريش بيك ت علا عادل وآخرون;. (s.d.). مرجع سابق.
  • أولريش بيك ت. علا عادل وآخرون;. (s.d.). مرجع سابق.
  • أولريش بيك ت، علا عادل وآخرون;. (2013). مجتمه المخاطر العالمي (بحثا عن الامان المفقود) (Vol. ط1). القاهرة, مصر: المركز القومي للترجمة.
  • شفيقة , سرار;. (2017, 02 01). مجتمع المخاطرة والامن الاجتماعي. Récupéré sur موقع انتربوس
  • عمار , جيدال وآخرون;. (د.ت). الاسلام والعولمة. دار القومية العربية.
  • ميغيل كابريرا; ت، حسن احجيج;. (2023). مفهوم المجتمع في العلوم الاجتماعية. المركز العربي ودراسة السياسات.
  • نهى محمد, أحمد السيد;. (s.d.). سوسيولوجيا المخاطر التي يتعرض لها الشباب في ظل العلوملة (رؤية اولريش بيك). مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية, 31, 15.
  • نهى محمد, أحمد السيد;. (s.d.). مرجع سابق.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *