الدكتورة ريما فضل الله شهيب

لبنان – عاليه – مكتب ريما شهيب للمحاماة

rima.sh@hotmail.com

009613690465

الملخص:

الانتخابات هي عصب أي نظام ديمقراطي، سواءً إن كانت نيابية أم بلدية أم اختيارية.

الانتخابات النيابية هي الإجراء الذي يعبّــــر به المواطن عن إرادته وخياره في تسمية حكامه ونوابه البرلمانيين من بين عدة مرشحين.

تعد الانتخابات بمثابة الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، ويعتبر حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، فهي وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو مجموعة إلى أُخرى. تختلف إجراءات ونظم الانتخابات من بلدٍ لآخر، إلا أن هناك أسساً معينة يجري العمل بها في كثير من البلاد من اجل تأمين  معايير نزاهة الانتخابات الديمقراطية والتي من ابرزها  حق الاقتراع العام، وتسجيل الناخبين بشفافية وحياد، دورية الانتخاب وقانون انتخابي عادل وفعال، ويبقى أهمها الحياد السياسي للقائمين على إدارة الانتخابات في جميع مراحلها بدءاً من الإشراف على عملية تسجيل الناخبين والمرشحين، ومروراً بإدارة يوم الانتخابات، وانتهاءً بعملية فرز الأصوات وإعلان نتائجها النهائية، والإشراف على حق الناخبين والمرشحين في الشكوى والتظلم أو الطعن.

ومن اجل التأكد من نزاهة الانتخابات وصحة التمثيل يجب تأمين الإشراف والرقابة على صحة العملية الإنتخابية من خلال الهيئات التي تراقب صحة الانتخابات والتي تشكل الركيزة الأساسية لنزاهة وصحة الانتخابات وبعد إعلان نتائج الإنتخابات النظر في الطعون الانتخابية من خلال المرجعيات المخولة بإجراء هذه الرقابة والمتمثلة في لبنان بالمجلس الدستوري الذي هو هيئة دستورية مستقلة أنشئت بموجب التعديل الدستوري لعام 1990.

الكلمات المفتاحية:

الدستور –   الانتخابات –  هيئات الرقابة  – المجلس الدستوري –  الطعون الانتخابية.

 

Monitoring of Parliamentary

Elections/Lebanon as a role model

      Dr. Rima Fadlallah Chehayeb

Rima Chehayeb Law Firm – Aley – Lebanon

 

Abstract:

Elections are the backbone of any democratic system, whether they are parliamentary, municipal or mayors.

Parliamentary elections are t e procedure by which the citizen expresses will and his choice in naming his rulers and parliamentary this representative from among several candidates.

Elections are the primary means by which people qualify to participate in managing the public affairs of their countries, which in turn is a fundamental human right that people all over the world have fought for.

The right to vote in democratic countries is one of the most important political practices, as it is a means of peacefully transferring power from one person to another, or one group to another. Election procedures and systems differ from one country to another, but there are certain bases that are being implemented in many countries in order to ensure the integrity standards of democratic elections, the most prominent of which is the right to public voting. The registration of voters with transparency and impartiality, the periodicity of the elections and a fair and effective electoral law, The most important of which remains the political neutrality of those in charge of managing the elections at all stages, starting with the supervision of the voter and candidate registration process, passing through the administration of the election day, ending with the vote counting process and announcing its final results, and supervising the right of voters and candidates to complain, grievance or appeal.

In order to ensure the integrity of the elections and the correctness of representation, supervision and oversight of the validity of the electoral process must be secured through the entities that monitor the validity of the elections, which constitute the main pillar of the integrity and validity of the elections. Which is an independent constitutional body established by the constitutional amendment of 1990.

Keywords:

Constitution – Elections – Oversight Bodies – Constitutional Council – Electoral Appeals.

 

مقدمة البحث:

لبنان منذ تأسيسه تبنى النظام الديمقراطي الذي يقضي بإجراء انتخابات دورية مفترض ان تؤمن التمثيل الشعبي الصحيح وتفتح الطريق امام تجديد السلطة وتداولها، الامر الذي يستوجب وجود قانون انتخابي عصري عادل يؤمن المساواة.

كما يستوجب وجود أجهزة ادارية وامنية وقضائية قادرة على مواكبة العملية الانتخابية وتامين صحتها وشفافيتها من خلال الرقابة مما يؤدي الى ارتقاء المجتمع وتطوير الحياة السياسية ويكون للشعب دوره في المساهمة في صنع القرار السياسي وتحقيق صحة التمثيل.

مشكلة البحث:

تعد الإشكالية في كيفية انتاج العملية الانتخابية لصحة التمثيل الشعبي والدور الذي تلعبه الأجهزة الرقابية ومدى قدرتها على ممارسة سلطتها ومدى فعالية هذه الرقابة وأثر السلطات السياسية على عملها.

أهمية البحث:

يتبين لنا في هذا البحث الدور البارز الذي تلعبه الانتخابات النيابية في تعزيز التمثيل الشعبي وإبراز إرادة الشعب في تشكيل السلطات وكيفية ضمان صحة هذا التمثيل من خلال ضمان حسن سير العملية الانتخابية والرقابة الفعالة.

اهداف البحث:

هدف هذا البحث الى التطرق والتعرف الى الأسس التي تؤدي الى شفافية الانتخابات وتحديد دور أجهزة الرقابة في ضمان صحة الانتخابات وشفافيتها التي من شأنها ان تعكس الإرادة الصحيحة للناخب.

أسئلة البحث:

تتطرق هذه الدراسة لمجموعة من الأسئلة حول موضوع الرقابة على الانتخابات ومنها:

– ما هي شروط الترشح وما هي إجراءات وشروط الحملة الانتخابية؟

– من هي الهيئات ذات الصلاحية لإجراء الرقابة؟

– ما هي النتائج التي تترتب على قرارات ابطال النيابة؟

 

حدود البحث:

تحدد هذه الدراسة من خلال التشريع اللبناني والتشريعات المقارنة للعملية الانتخابية والأجهزة التي تمارس الرقابة عليها.

منهج البحث:

اتبع الباحث منهجين:

المنهج الوصفي: من خلال عرض وشرح النصوص القانونية التي ترعى العملية الانتخابية والأجهزة التي تمارس الرقابة عليها.

– المنهج التحليلي: من خلال تحليل النصوص التشريعية التي نظمت موضوع الانتخابات النيابية والرقابة عليها وتحليل القرارات الصادرة عن أجهزة الرقابة والمتعلقة بالموضوع.

خطة البحث:

تقتضي طبيعة البحث تقسيمه الى مقدمة ومبحثين وخاتمة موزعة على الشكل التالي:

المقدمة وتشمل أهداف البحث وأهميته واشكاليته ومنهجيته.

 

المبحث الأول: جرى تخصيصه الى تبيان الرقابة على الأعمال التمهيدية للعملية الانتخابية بحيث تناولنا في المطلب الأول، هيئة الأشراف على الانتخابات النيابية صلاحياتها ومدى فعالية رقابتها. وفي المطلب الثاني تناولنا رقابة مجلس شورى الدولة عن طريق مراجعة الابطال دون وجود نص صريح ورقابته بموجب نص صريح.

المبحث الثاني: جرى تخصيصه لبيان الرقابة عن طريق الطعون الانتخابية التي تجري بعد الانتهاء من العملية الانتخابية واعلان النتائج بحيث تناولنا في المطلب الأول، البت في الطعون الانتخابية في ظل دستور 1926 اللبناني. وفي المطلب الثاني تناولنا رقابة المجلس الدستوري في البت في الطعون الانتخابية.

– الخاتمة: تتضمن النتائج والتوصيات.

تمهيد:

تبنى لبنان منذ إنشاء دولته النظام الديمقراطي دون ان يرد ذلك بوضوح في دستوره لعام 1926 (شيحا، ص. 587) ولكن بعد التعديل الدستوري ورد بشكل واضح وصريح تبنيه هذ النظام حيث ورد في الفقرة ج من مقدمة الدستور اللبناني وفقاً للقانون التعديلي رقم 18 تاريخ 21/9/1990 “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل”.

وأكدت وثيقة الوفاق الوطني التي اعتبرت في حينه انها المخرج من آتون الطائفية والسبيل الى الانتقال بالحياة السياسية في لبنان من مرحلة الطائفية السياسية الى مرحلة العلمانية على وجوب أن يحظى لبنان بقانون انتخابي جديد وعصري منبثق من الدستور ومعبّر عن وحدة البلاد والتزامها بالديمقراطية. وعلى هذا الأساس نص اتفاق الطائف على أن تجري الانتخابات على أساس المحافظة – بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري – على اعتبار أن المحافظة تؤمن التعددية والوحدة في آن وتحفز في الوقت نفسه على الخطاب الوطني المعتدل الذي يتوجه إلى جميع الأفرقاء وليس إلى فريق واحد. وبناءً عليه يمكن أن تؤدي الانتخابات مهمتها في تعزيز الوحدة الوطنية ونقلها إلى مستوى أعلى بدلاً من المساهمة في تعميق الهوة بين مكونات الشعب اللبناني كما يحصل عندما يكون القضاء هو الدائرة الانتخابية. (الدنف، 2003، ص. 3 – 44).

رغم ما ذكر في وثيقة الوفاق الوطني وما أدرج في نص الدستور المادة 24 معدلة وفقاً للقانون الدستوري تاريخ 17/10/1927 والقرار  129 الصادر في 18/3/1943 والقانون الدستوري الصادر في 21/1/1947 والقـــــــــــــــــــــانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 نجد انه منذ التعديل الدستوري لعام 1990 تعاقبت على لبنان عدة قوانين انتخابية تزامنت مع كل دورة انتخابية لم يكن الهدف منها مراعاة حسن التمثيل الشعبي وتأمين الانصهار الوطني بل كانت هذه القوانين تفصل على قياس الزعامات السياسية وخدمة لمصالحهم.

تتطلب العملية الانتخابية اعمال إدارية عديدة تمهيدا للانتخابات كتجهيز قوائم انتخابية ودعوة الهيئات الناخبة وفتح باب الترشيح وتنظيم الحملة الانتخابية الى آخره.

يعتمد النظام في لبنان على تعددية المراجع المولجة بمواكبة ومراقبة العملية الانتخابية بدأ من نشر قانون الانتخاب الى وضع القوائم الانتخابية وقبول طلبات تصحيحها ودعوة الهيئات الناخبة وافتتاح صناديق الاقتراع وغيرها.

 

فتوزع هذه المهام على نوعين من المراجع: هيئات إدارية من جهة وهيئات قضائية (كلجان القيد الابتدائية والعليا) او ذات طابع تنظيمي ورقابي (كوزارة الداخلية وهيئة الاشراف على الانتخابات). اما لناحية المراجع القضائية، قد يلعب القاضي الجزائي دورا مهما في مواكبة العملية الانتخابية في كافة مراحلها فيما يختص بالجرائم المتصلة بالانتخابات لكن الدور الأهم في الرقابة على صحة الانتخابات وتسوية النزاعات الناتجة عنها يعود الى مرجعين قضائيين أساسيين في لبنان هما القضاء الإداري والدستوري. وسوف نقسم البحث الى مبحثين الأول يتناول الرقابة على الاعمال التمهيدية والمبحث الثاني يتناول الرقابة عن طريق الطعون الانتخابية.

المبحث الأول: الرقابة على الأعمال التمهيدية للعملية الانتخابية

تؤدي هيئة الاشراف على الانتخابات ومجلس شورى الدولة دوراً رقابياً مهما في المرحلة التمهيدية للانتخابات والدور الرقابي لكل من هذه المرجعيات يوزع على الشكل التالي:

المطلب الأول: رقابة هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية:

صدر في العام 2017 القانون رقم 44 الذي عدل قانون الانتخاب اللبناني فغير نظام الانتخاب من النظام الاكثري الى النظام النسبي حيث ورد في المادة الأولى منه، “يتألف مجلس النواب من ماية وثمانية وعشرين عضواً تكون مدة ولايتهم أربع سنوات، يُنتخبون على أساس النظام النسبي، ويكون الاقتراع عاماً وسرياً وفي دورة واحدة”.

اعتبر هذا القانون خطوة في تصحيح التمثيل كون اعتماد النسبية يؤدي الى أوسع تمثيل ممكن في المجلس النيابي بما يتيح وجود صوت لمختلف الأفرقاء مقابل النظام الأكثري الذي يحجب أصوات بقية المقترعين مهما بلغ عددهم ولو بفارق صوت واحد. لكن توزيع الدوائر الانتخابية بالشكل الذي وزعت به حال دون ان يتمكن القانون من تحقيق التمثيل الصحيح، لانه من المفترض ان تجتمع النسبية مع الدائرة الموسعة الامر الذي يؤدي الى تحقيق الاستقرار السياسي.

كما نص هذا القانون في المادة التاسعة منه على ان “تُنشأ هيئة دائمة تسمى “هيئة الإشراف على الانتخابات”.

تمارس الهيئة الإشراف على الانتخابات وفقاً للمهام المحددة لها في القانون بصورة مستقلة وبالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات.

1 – صلاحيات هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية:

يقوم الاعلام بدور مهم في الانتخابات الديمقراطية فالاعلام الحر المستقل والتعددي امر أساسي لضمان شفافية الانتخابات وان احترام وظيفة الاعلام والاعلان الانتخابي من شأنه تحقيق الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرار وتحقيق الديمقراطية.

رسم قانون الانتخاب ملامح الدور المناط بهيئة الاشراف على الانتخابات في مجال مراقبة الاعلام والاعلان الانتخابي في فترات الحملات الانتخابية، فأولى هيئة الاشراف على الانتخابات عدة مهام وصلاحيات وردت في المادة 19 من القانون رقم 44/2017 من ضمنها:

– رفع ما تراه مناسباً من اقتراحات الى الوزير واصدار قرارات وتعاميم تقع ضمن نطاق صلاحياتها، وضع قواعد للتغطية الإعلامية واستلام طلبات الوسائل الإعلامية الخاصة التي ترغب في تغطية الإعلانات الانتخابية المدفوعة الاجر طبقاً لأحكام قانون 44/2017. ومراقبة مدى التزام اللوائح الانتخابية والمرشحين بالإضافة الى الوسائل الإعلامية على اختلاف أنواعها بالتشريعات التي ترعى قواعد المنافسة الانتخابية استناداً للقانون المذكور. وضع قواعد وشروط إجراء عمليات استطلاع الرأي ونشر النتائج خلال الحملة الانتخابية. تلقي الكشوفات المالية المتعلقة بالحملات الانتخابية وتدقيقها ضمن فترة شهر من تاريخ إتمام الانتخابات.  إجراء الرقابة على عملية الانفاق الانتخابي سنداً لأحكام القانون 44/2017 ومراقبة الالتزام بفترة الصمت الانتخابي. تلقي كافة الشكاوى المتعلقة بصلاحياتها ومهامها والبت بها كما يحق للهيئة التحرك تلقائياً عند وقوع أي مخالفة اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها كما لها نشر الثقافة الانتخابية وتعزيز الوعي والممارسات الديمقراطية بكافة الوسائل المتاحة لها.

مما اضفاه القانون الانتخابي هذا انه وسّع مجال رقابة هيئة الاشراف على الانتخابات فأصبحت تشمل الهيئات المدنية، المحلية والدولية، التي تلعب دوراً في مراقبة العملية الانتخابية. كما منحها القانون دوراً في نشر الثقافة الانتخابية وتعزيز الوعي الوطني من خلال تعزيز الممارسات الديمقراطية بكافة الوسائل الممنوحة لها. غير أن هذا القانون لم ينص على آلية محددة لممارسة هذه المهام، كما انه لم يمنح للهيئة أي دور في انتاج برامج انتخابية تثقيفية يترتب على وسائل الاعلام المسموع والمرئي بثها ضمن مدة الحملة الانتخابية. كما منح الهيئة مهمة النظر في صحة البيان الحسابي الذي يتقدم به المرشحين ضمن المهلة المحددة قانوناً، وفي حال تجاوز المرشحين في بيانهم الحسابي للسقف الإنفاقي المحدد أو في حال مخالفة القانون يعود للهيئة رفضه. كما نص القانون على فرض غرامة على كل من يتخلف عن تقديم هذا البيان، الامر الذي من شأنه ان يقلل من حالات التخلف أو التأخر في تقديم هذه التقارير في المستقبل. ولجهة الرقابة على الإعلان والإعلام الانتخابي، فان القانون وسع نطاق هذه الوسائل الإعلانية والإعلامية التي تقع تحت رقابة الهيئة، بحيث أصبحت تطال الوسائل الالكترونية مهما كانت تقنيتها.

تمارس هيئة الاشراف على الانتخابات رقابتها طوال فترة الحملة الانتخابية، المحددة في نص المادة 56 من قانون 44 /2017 والتي تبدأ من تاريخ فتح باب الترشيح، وتنتهي بتاريخ إقفال صناديق الاقتراع.

أن اقتصار مدة الحملة الانتخابية وفقا لما ذكر في المادة المذكورة أعلاه، وإن كانت مطبقة على جميع المرشحين، فأنها تعتبر قصيرة وبالتالي لا تفي بالغرض المرجو منها مقارنة بفرنسا حيث تحتسب النفقات طوال السنة التي تسبق تاريخ الانتخاب.

رغم ذلك فأن مهام الهيئة لا تنتهي بانقضاء فترة الحملة الانتخابية، بل تستمر إلى ما بعد إتمام الانتخابات، حيث يعود للهيئة دراسة بيانات الحسابات الشاملة التي يتوجب على المرشحين تقديمها ضمن ثلاثين يوما تلي إعلان نتائج الانتخابات الرسمية، وتقوم بالبت بها بعد تدقيقها والفصل بصحتها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمها، وتحيل هذه القرارات إلى المجلس الدستوري.

رغم ما ورد من نصوص قانونية غير أن عددا من المرشحين لم يتقيدوا بها، فلم يبادروا الى تقديم البيان الحسابي ضمن المهل المحددة قانوناً، وبعضهم تخلفوا عن تقديمه. وإذا كان القانون 44/2017 قضى بفرض غرامة تأخير على المتخلفين كعقوبة لكن هذه العقوبة لم تكن كافية ولم تحل دون مخالفة القانون. كما ان قانون السرية المصرفية قد شكلت عائقاً اساسياً للهيئة، بحيث اجيز للهيئة فقط الاطلاع على حساب الحملة الانتخابية الخاصة بالمرشحين دون حساباتهم الأخرى، مما يفتح الباب امام  المرشحين للتحايل على القانون والقيام بالصرف من خارج الحساب الانتخابي المصرح به دون أي رقابة لاسيما وان لأغلب المرشحين خبرتهم في استغلال الناخبين من خلال شراء الاصوات فالرشوة الانتخابية كان لها تأثير على الانتخابات النيابية، لاسيما مع تدني قيمة النقد الوطني وبروز الأزمة الاقتصادية في انتخابات العام 2022.

حاولت الهيئة في الانتخابات النيابية اللبنانية فرض رقابتها بالشكل الذي يجعل الاعلام يلتزم القوانين ويطبق نزاهة الانتخابات لكن وسائل الاعلام بغالبيتها لم تلتزم بقواعد القانون ولا حتى بقرارات الهيئة وتعاميمها.

2- مدى فعالية رقابة هيئة الاشراف:

حاول القانون تعزيز مهام هيئة الإشراف وتوسيع صلاحياتها في ظل قانون رقم 44 بحيث أصبحت تتميز بكيان خاص بها،

تقوم بمهامها بشكل مستقل وبالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات الذي ترتبط به إدارياً والذي يشرف على أعمالها، ويحق له حضور اجتماعاتها حين يشاء، حيث يترأس الاجتماعات عند تواجده دون أن يكون له حق في التصويت. وهنا لابد من الإشارة بان إشراف الوزير على أعمال الهيئة يقتصر على التدابير الإدارية وليس له علاقة بالصلاحيات الممنوحة لها طبقاً للمادة 19 من قانون الانتخاب المذكور آنفاً مما يفيد بان الهيئة تتمتع بالاستقلالية فيما يتعلق بأداء مهامها. كذلك فان الهيئة مستقلة هي التي تعد نظامها الداخلي، كما أن القرارات التي تصدر عنها تكون نافذة وملزمة بمجرد صدورها دون اي تدخل من أي مرجع إداري، ما عدا النظام الداخلي الذي يحتاج إلى تصديق الوزير. (المادة 14 من قانون 44/2017).

وعليه فأن الهيئة تمارس مهامها دون الخضوع لأي سلطة وصاية أو أي تراتبية وظائفية. وقد منحها القانون صلاحية اصدار قرارات وتعاميم تنظيمية تنفيذاً لمهامها، وبعض قراراتها والتدابير المتخذة من قبلها هي ذات صفة قمعية، عقابية ترمي لضبط التجاوزات والمخالفات التي ترتكب اثناء الحملة الانتخابية.

كما ان القانون وسع صلاحيات الهيئة بمنحها سلطة اتخاذ قرارات تتمتع بالصفة القضائية وذلك خلال البت في صحة البيانات الحسابية المقدمة من المرشحــــــــــــــــــــــــين بعد الانتهاء من الانتخابات وضمن الفترة المحددة قانوناً. كذلك فان القانون قد قيد تدخل السلطة التنفيذية في اعمال الهيئة وذلك من خلال تقييدها في عملية تعيين أعضاء الهيئة، بحيث أصبح يتم اختيارهم من بين ثلاثة مرشحين تسميهم كل من الجهات التي ينتمي اليها مختلف الاعضاء. (المادة 10 و11 من قانون 44/2017).

وايضاً منح القانون الهيئة صلاحية إعداد مشروع الموازنة الخاص بها. وبناءً على اقتراح الوزير المختص يصار الى تخصيص اعتمادات لموازنتها من ضمن موازنة وزارة الداخلية والبلديات. وفي الختام، يتبين ان ما نص عليه القانون الانتخابي الاخير من تعديل على الاحكام المتعلقة بهيئة الإشراف على الانتخابات خطوة جيدة باتجاه تأمين استقلالية الهيئة لكنها غير كافية بحيث انها لم تؤمن سوى استقلالية نسبية للهيئة. فمن ناحية أولى، ان القانون لم يمنح رئيسها صلاحية تقارب صلاحية الوزير فيما يتعلق بصرف الاعتمادات، بل ابقى هذه الصلاحية لدى وزير الداخلية والبلديات. ومن ناحية ثانية، احتفظت السلطة التنفيذية بكلمة الفصل في تعيين أعضاء الهيئة من خلال اختيارها اسماً من بين الأسماء المطروحة لتي تقدم إليها الامر الذي يبقي العضو المعين يشعر بالتابعية الى السلطة التي كان لها الفضل باختياره. وكان من الاجدر إعطاء الهيئة كافة الصلاحيات التي تجعلها قادرة على إدارة عملية الانتخابات في جميع مراحلها التحضيرية وفي يوم الاقتراع. كما كان يقتضي جعل هيئة الاشراف تتمتع بالشخصية المعنوية وجعلها تتولى إدارة وتنظيم كامل العملية الانتخابية، كما هو الحال في العديد من بلدان أميركا اللاتينية وفي الأردن وفلسطين وتونس، حيث تتولى هيئة تتمتع بالشخصية المعنوية، مستقلة، إدارة العملية الانتخابية برمتها بمعزل عن السلطة التنفيذية. في حين انه في لبنان، ما تزال العملية الانتخابية تنظيماً وادارةً في عهدة وزارة الداخلية، ما خلا الأعمال المناط رقابتها صراحة بهيئة الاشراف.

وعليه يجب منح الهيئة الاستقلالية المالية التامة واقرار مبدأ عدم امكانية إقالة الأعضاء المعينين طوال مدة ولايتهم، إلا بناءً على شروط محددة حصراً وفي حالات جد استثنائية كما هو حال أعضاء المجلس الدستوري على سبيل المثال، لأن مبـــــــــــدأ عدم إقالة أعضاء الهيئة هو من الضمانات الاساسية لاستقلاليتهم وتحررهم من قيود السلطة التنفيذية.كما أن جميع التعديلات التي ذكرت لم تكن كافية لمواجهة الثغرات التي تواجه عمل الهيئة. فلناحية ضبط ورقابة الإنفاق الانتخابي، فان الإبقاء على الاستثناء المتعلق بالتقديمات والتبرعات التي اعتاد المرشح أو المؤسسة التي يملكها على تقديمها خلال فترة لا تقل عن ثلاث سنوات من التصرفات غير الممنوعة، مما جعلها قادرة على تعطيل مفهوم الضبط الانفاقي الانتخابي بشكل كبير. اضافة إلى ذلك فأن غياب قانون يجيز مراقبة مالية الأحزاب السياسية والتدقيق في تمويلها يشكل عائقاً اساسياً أمام الهيئة يحيل دون تمكنها من ضبط التقديمات العينية والمادية الممنوحة من الأحزاب والكتل السياسية للمرشحين والتي تكون في غالبية الأحيان ممولة منهم بشكل كامل او جزئي، كذلك فان ما يشكل عائقا هو عدم رفع السرية المصرفية عن كامل الحسابات العائدة إلى المرشحين وأصولهم وفروعهم وأزواجهم.

اخيراً فقد بينت التجارب السابقة انه “هيئة الاشراف على الانتخابات واجهت عوائق وصعوبات عديدة اثرت على فاعليتها في ممارسة مهامها الرقابية، ولا سيما تلك المتعلقة بالرقابة على الاتفاق وتمويل الحملة الانتخابية من جهة، والاشراف على الاعلام والاعلان الانتخابيين، منها الإمكانيات المحدودة والصلاحيات المعطاة لها في القانون، فان  كل هيئة لا تتوفر لها العناصر المادية والمعنوية والبشرية واللوجستية الكافية للقيام بمهامها بفعالية لن تتمكن من تحقيق النتيجة المرجوة، فما بال حال هيئة الاشراف على الانتخابات وعددها المحصور في 11 عضوا فقط وعدم وجود أجهزة كافية للمساعدة والمساندة كما انه لا يوجد لديها جهازا تكلفه بأي إجراءات تنفيذية على واقع الأرض بل كل ما تفعله هو فقط تحويل المخالفة على القضاء المختص، وعليه فان عمل الهيئة رصد وتقصٍ، دون أي صلاحية أو سلطة تفرضها على مرتكبي المخالفة.”

من هنا يلعب وعي المواطن دورا مهما في تعزيز عمل هيئة الاشراف على الانتخابات حيث يتوجب على جميع المواطنين مهما كانت انتماءاتهم، والأحزاب والهيئات والمرشحين وكل من يرصد انتهاكاً أو رشوة او أي من المخالفات القانونية، أن يتقدموا بشكوى للهيئة، مما يساعد الهيئة من الاطلاع على المخالفات التي تحصل ميدانياً وتتمكن على أساسها الهيئة من التحرك والتحقيق، ومن ثم إحالة المخالفين على المراجع القضائية المختصة، والتي تتمثل في النيابة العامة. ان الرشوة في كل اوجهها تشكل جرماً جزائياً، يقع على عاتق السلطات القضائية أن تحقق به وتدعي فيه.

المطلب الثاني: رقابة مجلس شورى الدولة على الانتخابات النيابية:

تتطلب العملية الانتخابية عدة اعمال تمهيدية إدارية تحضيراً ليوم الانتخابات منها تحضير لوائح الشطب ودعوة الهيئات الناخبة، فتح باب الترشيح وتسجيل اللوائح الانتخابية وتنظيم العملية الانتخابية بكافة جوانبها وصولاً الى يوم الانتخاب وفرز الأصوات وإعلان النتائج  فيمارس مجلس شورى الدولة دورا رقابيا اساسياً في هذه المرحلة التمهيدية بحيث انه المرجع الصالح للطعن في الاعمال والقرارات الإدارية المتعلقة بالانتخابات والتي نص القانون على صلاحية المجلس بالبت بها كقرارات رفض طلب الترشيح وطلب تسجيل اللوائح الانتخابية الى جانب كونه مرجعا للطعن بالقرارات الصادرة عن لجان القيد العليا والمرجع الصالح للطعن بالقرارات الصادرة عن هيئة الاشراف على الانتخابات.

ان جميع الاعمال التمهيدية التي تعتب منفصلة عن العملية الانتخابية تدخل ضمن نطاق اختصاص مجلس شورى الدولة عن طريق مراجعة الابطال او كمرجع استئنافي او تمييزي.

1- دور مجلس شورى الدولة في الرقابة عن طريق مراجعة الابطال دون وجود نص صريح:

تتضمن العملية الانتخابية عدة أعمال وقرارات تتخذها الإدارة تحضيراً للانتخابات. ان المشرع لحظ عدة قضايا وأدرجــــــــــــــــها في نصوص تشريعية تدار بها العملية الانتخابية ولكن تبقى أمور قد تستجد لم يلحظها المشرع بنص

واضح وصريح وإزاء هذا النقص في النصوص فان مجلس شورى الدولة يبقى هو قاضي الابطال لكل القرارات الإدارية بوجود قرار صريح او عدمه.

وقد أعتبر اجتهاد مجلس شورى الدولة على غرار ما سار عليه اجتهاد نظيره الفرنسي فاعتبر ان الاعمال التمهيدية المنفصلة عن العملية الانتخابية تدخل ضمن اختصاصه وذلك عن طريق مراجعة الابطال وتخرج عن اختصاص المجلس الدستوري صاحب الصلاحية في البت في النزاعات الانتخابية.

ان اجتهاد مجلس شورى الدولة اللبناني قد تطور فيما يتعلق بالأعمال التمهيدية للانتخابات النيابية وقد وسع صلاحياته للنظر في الاعمال المنفصلة عن العملية الانتخابية وطورها. (قرار مجلس شورى الدولة رقم 718/2013).

فاعتبر ان البت في صحة مرسوم دعوة الهيئات الناخبة من صلاحيته وقد أعتبر في قراره المذكور انه صاحب الصلاحية للنظر بشرعية هذا المرسوم باعتبار ان المرسوم هذا هو من الاعمال المنفصلة عن الاعمال الانتخابية بالتالي تخرج عن صلاحية المجلس الدستوري. في حين أعلن مجلس شورى الدولة عدم اختصاصه في النظر فيما يتعلق بإعلان الفوز بالتزكية إذ اعتبر ان مثل هكذا قرارات اكانت تتناول اعلان الفوز بالتزكية او رفضه هي اعمال متصلة بالعملية الانتخابية.

أيضاً اعتبر مجلس شورى الدولة ان الصلاحية تعود له بوصفه قاضي انتخابي في النظر في شرعية الاعمال الإدارية التي تسبق الانتخابات واستقر اجتهاده على اعتبار ان الاعتراض على الترشيح يتم فمن قبل المرشح الذي رفض تسليمه الايصال النهائي بالترشيح. اما قبول الترشيح اعتبره المجلس غير قابل للطعن من الغير بشكل منفصل عن عملية الانتخاب. (قرار مجلس شورى الدولة رقم 535/2002).

وقد أصدر مؤخرا مجلس شورى الدولة قرارا مهما الزم بموجبه وزارة الداخلية قبول طلب ترشح السيد محمد ناصر للانتخابات النيابية عام 2022 رغم شطب طائفته عن سجلات قيد النفوس.

ان هذا القرار كما ورد في حيثياته أكد ان شطب الطائفة عن السجل ليس له ان يكون عائقا امام المواطنين في ممارسة حقوقهم المحفوظة بموجب احكام الدستور اللبناني، لا سيما تلك المختصة بالترشح للانتخابات النيابية.

وهو تأكيد على ان الانتماء الطائفي يجب ان يكون خيارا فرديا وليس شرطا للمواطنة. فالرابط الحقوقي بين الدولة والمواطن هو رابط مباشر وليس لأي علاقة اجتماعية اولية ولا يقررها الفرد لنفسه ان تكون وسيطا بينهما. (قرار مجلس شورى الدولة رقم 353/2021-2022).

ان الرقابة القضائية على النزاعات التي تطرأ خلال المرحلة التمهيدية وقبل فتح صناديق الاقتراع امر ضروري لانها تجنب إجراء الاقتراع بشكل غير صحيح.

2- رقابة مجلس شورى الدولة بموجب نص صريح:

ينص القانون على اعتبار مجلس شورى الدولة مرجعا استئنافيا او تمييزيا في القضايا الانتخابية التي حدد لها القانون محكمة خاصة او هيئة إدارية ذات صفة قضائية فهو مرجع تمييزي للطعن في بالقرارات الصادرة عن لجان القيد العليا المختصة بتصحيح القوائم الانتخابية كما انه يشكل مرجعا استئنافيا للقرارات الصادرة عن هيئة الاشراف على الانتخابات.

– تمييز قرارات لجان القيد العليا:

يحق لكل ناخب ان يطلب ضمن مهل معينة تصحيح خطأ متعلق به في القوائم الانتخابية على سبيل المثال ان يكون قد سقط قيده او حصول خطأ في بياناته فيقدم طلب التصحيح الى لجنة القيد الابتدائية، كما يحق لكل ناخب ان يطلب من لجنة القيد شطب أي اسم جرى قيده او إضافة اسم اغفل قيده خلافا للقانون كما للمحافظ والقائمقام والمختار المختص ممارسة هذا الحق.

كما ان قانون الانتخاب رقم 44/2017 منح الحق للناخبين غير المقيمين على الأراضي النيابية بالتصويت.

تصدر القرارات عن لجان القيد الابتدائية فيما يتعلق بتصحيح القوائم الانتخابية ضمن مهلة ثلاثة أيام عمل تبدأ من تاريخ تقديم طلب التصحيح وتبلغ الى ذوي العلاقة والى المديرية العامة للأحوال الشخصية. قرارات هذه اللجنــــــــــــــــــــــة تكون قابلة للاستئناف امام لجنة القيد العليا خلال مهلة ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ تبت لجان القيد العليا بالاستئناف ضمن مهلة ثلاثة أيام عمل تبدأ من تاريخ ورود الاستئانف،. وهذه القرارات قابلة للتمييز امام مجلس شورى الدولة ضمن مهلة شهرين من تبلغ القرار وفقا لأحكام المادة 117 من نظام مجلس شورى الدولة التي تنص على انه يمكن تمييز الاحكام الصادرة بالدرجة الاخيرة عن الهيئات الادارية ذات الصفة القضائية وإن لم ينص القانون على ذلك.

– استئناف قرارات هيئة الاشراف على الانتخابات:

عزز قانون الانتخابات رقم 44/2017 صلاحيات هيئة الاشراف على الانتخابات حيث أولاها صلاحية اتخاذ قرارات تتمتع بالصفة القضائية وذلك عندما تنظر في صحة البيان الحسابي الشامل المقدم من المرشحين بعد إجراء الانتخابات وضمن المهلة المحددة لهم. ان قرارات هيئة الإشراف التي تتمتع بطابع القرار الإداري النافذ تكون قابلة للاستئناف أمام مجلس شورى الدولة ضمن مهلة ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ أو النشر، الذي عليه البت بها خلال مهلة ثلاثة أيام من تاريخ تقديم المراجعة.

المبحث الثاني: رقابة المجلس الدستوري على الانتخابات:

يلعب المجلس الدستوري دوراً بارزاً في التحقق من صحة التمثيل النيابي وتحقيق شفافية الانتخابات من خلال الرقابة على الانتخابات عن طريق النظر والبت في الطعون الانتخابية بعد اعلان النتائج. وعليه سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبين الأول يتناول الرقابة في ظل دستور 1926 والثاني يتناول الرقابة بعد انشاء المجلس.

المطلب الأول: البت في الطعون الانتخابية في ظل دستور 1926 اللبناني:

وضع الدستور اللبناني في العام 1926 في زمن الانتداب الفرنسي وقد استوحيت أغلبية نصوصه من دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا، وقد كان الجســم الرقابــي الوحيــد المخــول فــي النظــر فــي صحــة نتائــج الانتخابــات النيابيــة هــو مجلــس النــواب نفســه. (دمج، 2003، ص. 93-97).

فقد نصت المادة 30 من الدستور اللبناني لعام 1926 قبل تعديله في العام 1990 “للنواب وحدهم الحق بالفصل في صحة نيابتهم ولا يجوز أبطال انتخاب نائب ما إلا بغالبية الثلثين من مجموع الأعضاء”.

ان هذه المادة حصرت حق الفصل في نيابة أعضاء المجلس بالمجلس نفسه أي ان هذا الحق مقتصر على السلطة التشريعية وذلك محاولة واضحة لتكريس وحجز كفة البرلمان على السلطتين الإجرائية والقضائية وقاعدة حصر البت بصحة انتخاب النواب بالمجلس النيابي مستوحاة من البرلمانات الغربية الإنجليزية والفرنسية في زمن كان القضاء فيه لا يوحي بالثقة لانه كان للملك تأثير قوي على القضاء. (رباط، 1970، ص. 567).

 

وقد اعتبر الدكتور زهير شكر ان “قاعدة حصر النظر بصحة الانتخابات بالمجلس النيابي تتنافى مع مبدأ العدالة الدستورية والقانون، لان بموجبها يصبح النائب المطعون بصحة انتخابه متهماً وحكماً. وعلى افتراض قدمت طعون ضد انتخاب جميع النواب وهذا امر جائز نظرياً على الأقل فكيف يجوز لجميع النواب المطعون بصحة انتخابهم محاكمة انفسهم”، (شكر، 2001، ص. 456).  ان اعتبار المجلس النيابي هو المرجع الوحيد للبت في الطعون الموجهة ضد نائب لعدم صحة انتخابه وبهذه الأغلبية الموصوفة كانت رقابة غير فعّالة بحيث إن المجلس النيابي طــــــــــــــــــــــــــــــــوال الفترة السابقة لإنشاء المجلس الدستوري لم يبطل نيابة أي نائب في المجلس على الإطلاق، ( زين، ص. 161) فهذه الرقابة بقيت شكلية أكثر منها فعلية وتتعارض مع الديمقراطية ولا تحقق العدالة المفروضة كون المجلس النيابي كان بموقع الخصم والحكم. (شيحا، ص. 704 – 709).

وبقــي الوضــع على هذه الحال حتــى توقيع وثيقة الطائف في العام 1989 وبناء عليها التعديل الدستوري الحاصل عام 1990.

 

المطلب الثاني: رقابة المجلس الدستوري عن طريق البت في الطعون الانتخابية:

نصــت الـمـادة 19 من الدستور على ان ” ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية.

بناءً على هذا النص أصبح المجلس الدستوري المرجع الوحيد الصالح للبت في الطعون الانتخابية ينظر بها وفقاً لما يلي:

1- خصوصية مراجعة الطعن:

قد تكون نتائج العملية الانتخابية مدار طعن يطال صحة وصدقية العملية الانتخابية فالمجلس الدستوري لا يراقب الانتخابات بشكل مباشر وتلقائي بل يجري رقابته من خلال مراجعة ذات طابع شخصي بين مرشحين او أكثر. (بو عيد، 2007، ص. 425 – 450).

وعليه فان الدستور قد اولى المجلس الدستوري “دور قاضي الانتخابات الرئاسية والنيابية، اضافة الى مهماته الاخرى المتعلقة برقابة دستورية القوانين فيسهر على صدقية الانتخابات ونزاهتها عبر النظر في الطعون الانتخابية التي يتقدم بها امامه المرشحون الخاسرون في وجه اخصامهم من النواب الفائزين”. فهو لا ينظر تلقائيا بصحة الانتخابات بل يراقب الانتخابات من خلال الطعون التي تقدم اليه. تتميز المراجعة الآيلة الى البت بصحة الانتخابات النيابية عن سائر

النزاعات القضائية بخصوصيتها إذ انها لا تهدف الى تحقيق التوازن بين مصالح خاصة بالمتخاصمين كما هي الحال في دعاوى النزاعات العادية بل تسعى الى تحقق القاضي الانتخابي من صدقية الانتخابات ونزاهتها. وبناءً على هذا فقد رأى المجلس الدستوري ان التنازل الذي قدمه الطاعن عن مراجعة الطعن في صحة نيابة خصمه في قرار صدر في طعون انتخابات 2018 معتبرا ان سحب الطعن من قبل الطاعن لا يؤدي الى رفع يد المجلس الدستوري عن الطعن بصفته قاضي انتخاب. وقد اعتبر المجلس في هذا القرار ان الطعن في الانتخابات النيابية امام المجلس الدستوري هو طعن في صحة الانتخابات ونزاهتها وصدقيتها وليس له صفة النزاع بخصوص حقوق شخصية بين الطاعن والمطعون في نيابته.

وقد خلص الى اعتبار ان صحة الانتخاب ونزاهته وصدقيته هي أساس الوكالة النيابية واساس شرعية السلطة المنبثقة من الانتخاب، مما يضفي القيمة الدستورية على صحة الانتخابات ونزاهتها وصدقيتها. (قرار 4/2019).

وعليه اذا كان ليس للطعن في انتخاب مرشح معلن فوزه من مرشح خاسر صفة النزاع الشخصي فان بعض الدول ومنها فرنسا قد أعطت لأي ناخب مسجل في الدائرة الانتخابية ولو لم يكن هو مرشحا حق الطعن في نيابة مرشح فائز عنها.

2- آلية إجراءات الطعن:

يجري المجلس الدستوري رقابته بناء على طعن يقدم اليه وفق آلية معينة، ( المادة 24 من القانون 250/1993) فبمقتضى المادة 24 من قانون إنشاء المجلس الدستوري اللبناني، معطوفة على المادة 46 من نظامه الداخلي، يوجه الطعن بصحة نيابة نائب منتخب الى رئاسة المجلس الدستوري بموجب طلب يسجل في قلم المجلس (مادة 25 من قانون 250/1993).

وعليه فإن المجلس الدستوري اللبناني لا ينظر في الانتخابات النيابية إلا بناءً على مراجعة طعن مقدمة من المرشح المنافس الخاسر عن الدائرة الانتخابية التي ترشح عنها، في حين انه في فرنسا أعطي الحق بتقديم مراجعة الطعن لأي مرشح خاسر أو أي ناخب في الدائرة الانتخابية. ( روسيون، ص. 33).

وان مهلة الطعن بالانتخابات النيابية امام المجلس الدستوري اللبناني أقصاها ثلاثون يوماً تلي تاريخ إعلان النتائج الانتخابية رسمياً، تحت طائلة سقوط حقه في تقديمها وهذه المهلة تتعلق بالانتظام العام بحيث يعود للمجلس الدستوري إثارة الدفع بعدم قبول المراجعة تلقائيا وعفوا. (بو عيد، ص. 461).

ويجب أن يوقّع الطعن من المرشح الخاسر أو من محام يعينه بموجب سند توكيل قانوني يرفق بالطعن بالإضافة الى الوثائق والمستندات التي تؤيد أسباب الطعن ويجب أن يوجه الطعن الى رئيس المجلس الدستوري ويسجل في قلم المجلس ويجب أن يذكر في مراجعة الطعن اسم المرشح الخاسر المعترض وصفته والدائرة التي ترشح عنها واسم المطعون في نيابته، والأسباب المسند اليها الإبطال وعلى الطاعن أن يرفق بالطعن جميع الوثائق والمستندات التي تؤيد مراجعته. ولا يقبل المجلس الدستوري المذكرات التوضيحية أو تبادل اللوائح كما هو الحال أمام المحاكم الاخرى. يبلغ المجلس الدستوري

المطعون بنيابته بالمراجعة، الذي عليه خلال مهلة خمسة عشر يوما من تاريخ تبلغه ان يقدم ملاحظاته ودفاعه مع المستندات التي في حوزته. (المادة 27 من قانون 150/1999).

كما اوجب على رئيس المجلس تكليف عضو مقرر يقوم بإجراء التحقيقات اللازمة وعليه ان يضع تقريره في مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ تكليفه لوضع تقريره في الطعن في مهلة ثلاثة أشهر من تكليفه ورفعه إلى رئيس المجلس الدستوري.

كما فرض على المجلس البت فورا بالطعن بعد ورود التقرير على ان لا تتعدى مهلة البت شهرا واحدا. (المادة 29 من قانون 250/1993).

فرض المشرع اللبناني على الهيئات القضائية الناظرة بشتى النزاعات الانتخابية مهل وجيزة عليها التقيد بها. بالرغم من ذلك ان هذه المهل لا تشكل مهل اسقاط انما هي من نوع مهل الحث علما ان هناك اراء فقهية ترى عدم جواز التساهل في شان احترام هذه المهل ولا يجوز للمجلس الدستوري التساهل في احترام تلك المهل المنصوص عليها قانوناً او اعتبار ان مهلة الثلاثة أشهر لوضع التقرير يجوز تمديدها الى امد مجهول.

فرغم ان المشترع قد قيد السير في إجراءات المحاكمة والبت بها بمهل قصيرة نجد ان الطعون الناتجة عن انتخابات 2005 لم يبت بها الا بعد أربع سنوات اي في العام2009   (المجلس الدستوري، 2009-2010، ص. 27).

وذلك يعود الى فقدان النصاب في المجلس الدستوري بفعل توقف خمسة من اعضائه عن ممارسة مهامهم في المجلس وتخلف السلطة عن تعيين أعضاء جدد طوال تلك الفترة. فاعتبر المجلس، بعد ان اكتمل تشكيله، في هذا السياق ان المراجعات مردودة لانتفاء المصلحة القانونية وزوال موضوعها معتبرا انها ليست بدعوى عادية تهدف الى حماية حقوق شخصية وانما هي مراجعة ترمي الى الحماية القضائية للوضع القانوني بذاته” بصرف النظر مما ينشأ عن هذه الحماية بصورة غير مباشرة من آثار ومفاعيل شخصية والتي لا تدخل في نطاق المجلس أصلاً. (خوري، ص. 273).

كذلك الطعون التي قدمت الى المجلس الدستوري في انتخابات العام 1996 على سبيل المثال استغرق بتها وإصدار قرارات بشأنها مدة 8 أشهر.

3- اثر مراجعة الطعن على النائب المطعون في نيابته :

تتمتع قرارات المجلس الدستوري في البت في الطعون الانتخابية بالطابع الانشائي الذي هو وفقا لمفهوم القرارت القضائية الانشائية ينشئ الحالة الجديدة وكل ما سبقها يبقى قائماً، ( شكر، ص. 1119) فالمنتخب يبقى نائباً، رغم الطعن المقدم بوجهه. (المادة 13 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمادة 26 من قانون250/1993 ).

ان الشعب هو مصدر السلطات وعليه فانه عندما يمارس سلطته بانتخاب ممثليه تعتبر ارادته صحيحة وكلمته متمتعة بالحجية، لحين فصل المجلس الدستوري بالطعن ويعتبر المنتخب نائبا مكتمل الصلاحيات ولا تتوقف هذه الحجية الا بعد صدور قرار من المجلس الدستوري يقضي بعدم صحة الانتخاب وابلاغه من رئاسة المجلس النيابي. (بو عيد، 400 – 401).

اما في فرنسا فان اعلان نتيجة الانتخاب هي قرينة على ان المرشح قد انتخب ولكنه لا يتمتع بجميع حقوق النيابة ولا يشترك في جميع اعمال البرلمان الا بعد التصديق على انتخابه فاذا ما قدم طعن بصحة انتخاب نائب عندها لا يشترك في اعمال البرلمان الى ان يفصل المجلس الدستوري بصحة الطعن والحل المعتمد في فرنسا يجنب الإشكالات التي يمكن ان تنشأ عن ممارسة النائب لصلاحياته قبل صدور المجلس الدستوري ويمارس جميع صلاحياته وحقوقه النيابية من تاريخ إعلان فوزه بالانتخابات. مما يعني إنه في حال إبطال نتيجة الانتخابات فإن جميع الأعمال التي شارك فيها النائب، على سبيل المثال، إقرار قوانين، انتخابات هيئة مكتب المجلس، الثقة في الحكومة وغيرها، تبقى صحيحة ولا تأثير لإبطال نيابة النائب في صحة الأعمال التي قام بها قبل صدور قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابته.

ان هذا الامر يثير إشكالية مهمة يجب ان تحل لأنه ليس من المنطقي ان تعتبر الاعمال التي شارك فيها النائب الذي ابطلت نيابته صحيحة خاصة في حال كان صوت هذا النائب هو الصوت المرجح وان هذا الامر مخالف لمبدأ قانوني عام “ان ما بني على باطل هو باطل”، لا سيما وانه كما ذكرنا هناك مراجعات استغرق البت بها فترات زمنية طويلة تجاوزت المدة المحددة قانوناً.

يتبع المجلس الدستوري اللبناني في تسوية النزاعات الانتخابية في لبنان الأصول الإجرائية والمبادئ الأساسية التي ترعاها كوجاهية المحاكمة وحق الدفاع واصول التحقيق.

لكن هناك عدة عوائق قد تعترض مقدمي الطعن منها صعوبة اثبات المخالفات وتشدد المرجعيات الادارية في هذا الشأن وعدم تعاونها مع الطاعنين مما يشكل صعوبة في اثبات الوقائع المخالفة وتدعيم مطالبهم الواردة في طعونهم.

4- مدى سلطة المجلس الدستوري لدى البت في الطعون:

يجب ان تكون العملية الانتخابية سليمة وبشكل عام كي تكون كذلك يتوجب ان تكون خالية من اعمال وتصرفات تعيبها مما يعني ان إرادة الناخبين يجب ان تكون حرة ومنزهة عن أي عيب يشوبها وعليه كي يؤخــــــــــذ بالعيب

الذي يشوب صحة الانتخاب يرى المجلس الدستوري ان رأي الناخب لم يحترم وانه لم يمارس تصويته بحرية دون أي ضغط او إذا تبين له انه لم يتم الالتزام بالاحكام القانونية او التنظيميةـ، Loïc. Pages 70 et 71))، حيث يعلن المجلس الدستوري في قراراته صحة أو عدم صحة نيابة العضو المطعون بنيابته وفي حال إعلان عدم صحة نيابة العضو يعود للمجلس إما إلغاء نتيجة الانتخاب وإبطــــــــــــــــــال نيابة العضو وإعلان فوز المرشح الحائز على أغلبية الأصوات، وإمّا إعلان بطلان نيابة المطعون في نيابته وإعادة الانتخاب عن المقعد الذي شغر نتيجة الإبطال عندما يتبين للمجلس وجود مخالفات جسيمة من شأنها التأثير في حرية الانتخاب.( المادة 31 من القانون 250/1993)

وفي حال إعادة إجراء الانتخابات يجوز للمرشح الخاسر والذي ابطلت نيابته ولكل من تتوفر فيه شروط الترشيح ان يترشح للانتخابات الفرعية. (بو عيد، ص. 259).

إن قرارات المجلس الدستوري فيما يختص بالانتخابات الرئاسية والنيابية تبلغ الى رئيس مجلس النواب ووزارة الداخلية والى كل من المتداعين. وهذه القرارات هي قرارات مبرمة نهائية لا تقبل اي طريق من طرق المراجعة. لقد وضع المجلس الدستوري من خلال عدة قرارات أطر الصلاحية المناطة به خلال نظره في الطعون الانتخابية. فقد اعتمد المجلس الدستوري بشكل عام مبدأ الحصرية فحصر صلاحيته بالنزاع القائم بين المرشح الخاسر ومنافســـــــــــــــــــــــــــه النائب الفائز المطعون في صحة انتخابه. فأكد على خصوصية المراجعة وحصرها فقط بين الطاعن والمطعون في صحة نيابته، وعدم النظر في صحة العملية الانتخابية برمّتها بل حصر النتيجة بين افرقاء النزاع دون سواهم. بالتالي، فان ابطال نيابة أحد النواب بنتيجة الطعن المقدم من منافسه الخاسر لا يمتد بمفاعيله ليطال انتخاب نائب آخر حتى ولو كان العملية الانتخابية مشوبة بذات المخالفات.

فقد اعتبر المجلس انّه يجب التركيز على خصوصية كل مراجعة وظروفها وليس الحكم على عملية الانتخابات برمّتها. فالطعون الانتخابية لا تهدف الى النظر في المخالفات التي طالت عملية الانتخابات بحدّ ذاتها، بل تنحصر في النظر في صدقية وصحة انتخاب المطعون في صحة نيابته. كذلك أعتبر المجلس الدستوري من خلال عدة اجتهادات عدم اختصاصه للنظر في الاعمال التحضيرية للانتخابات، الا اذا كانت المخالفات والأخطاء المشكو منها لها تأثير على نزاهة وشفافية الانتخابات. كما حصر المجلس الدستوري صلاحيته في النظر بالأسباب القانونية المثارة من قبل الطاعن دون غيرها الا اذا كانت من الاسباب المتعلقة بالانتظام العام عندها يثيرها القاضي عفواً. كما أعلن المجلس عن عدم اختصاصه، عند النظر في الطعون الانتخابية كقاضي انتخاب، النظر في مدى دستورية قانون الانتخاب الذي جرت الانتخابات في ظله.

يعلن المجلس في قراراته صحة أو عدم صحة نيابة العضو المطعون بنيابته وفي حال إعلان عدم صحة نيابة العضو يعود للمجلس إما إلغاء نتيجة الانتخاب وإبطال نيابة العضو وإعلان فوز المرشح الحائز على أغلبية الأصوات، وإمّا إعلان بطلان نيابة المطعون في نيابته وإعادة الانتخاب عن المقعد الذي شغر نتيجة الإبطال.

وفي حال إعادة إجراء الانتخابات يجوز للمرشح الخاسر والذي ابطلت نيابته ولكل من تتوفر فيه شروط الترشيح ان يترشح للانتخابات الفرعية.

اخيراً يلعب المجلس الدستوري دوراً مهماً في الرقابة على صحة الانتخابات ضمن الصلاحيات المعطاة له بموجب القانون ولكن لا يمكن فصل تركيبة المجلس الدستوري وعملية اختيار الأعضاء وطريقة تعيينهم وحصرها بالسلطتين التنفيذية والتشريعية عن الاعتبارات السياسية والطائفية والتي كانت في أحيانٍ عديدة السبب في شل عمل المجلس. (المادة 2- قانون رقم 250 /1993 ).

الخـاتمــــــــــة:

ان النظام الانتخابي هو انعكاس للنظام السياسي الذي ولد منه كذلك الهيئات الرقابية التي تشكلت من لدن هذا النظام لا تستطيع ان تكون متحررة من قيوده. لذلك فانه في ظل الطائفية السياسية المتجذرة يصبح من الصعب، وليس من المستحيل، الارتقاء إلى نظام انتخابي عصري يحقق صحة التمثيل ويسهم في ترسيخ الانصهار الوطني. وان الانتخابات النيابية تسهم في تعزيز الديموقراطية وارساء الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، لا سيما في بلد يمر في عدة أزمات كما هو الحال في لبنان، وبالتالي فان تنظيم سير العملية الانتخابية والاشراف عليها ومراقبة حسن سيرها ونزاهتها يتطلب في الدرجة الاولى الوعي والحس والوطني لدى الناخب كما يتطلب التعاون والتنسيق بين مختلف الافرقاء القيمين عليها، كي تجري في جو من الاطمئنان والشفافية والحرية والنزاهة ووفقا لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين”.

 

تعرضنا من خلال هذا البحث لبيان الانتخابات ودورها في صحة التمثيل في حال تمتعها بالشفافية وانطباقها على التشريع وبينا دور الرقابة في تعزيز الشفافية وصحة التمثيل لوضع حد لاية تجاوزات من قبل السلطة الإدارية او من قبل المرشحين وقد خلصنا الى مجموعة من النتائج التوصيات.

أولاً- النتائج:

ان موضوع الرقابة على الانتخابات له من الأهمية مكانة مهمة فالرقابة تعمل على تصحيح أي خطاء يشوب الانتخابات من بدئها حتى اختتامها وإعلان النتائج وقد اهتمت الدساتير وقوانين الانتخاب في العالم بتحديد الجهات التي لها صلاحية الرقابة وتحديد نطاق رقابتها. وفي لبنان حدد الدستور صلاحية المجلس الدستوري في الرقابة عن طريق البت في الطعون الانتخابية وحددت القوانين لا سيما قوانين الانتخاب دور هيئة الاشراف على الانتخاب ومجلس شورى الدولة في الرقابة.

  • يتبين ان الرقابة على الانتخابات النيابية متشعبة يتداخل فيها القانون الإداري مع قوانين المجلس الدستوري وان كل منهما يساهم ضمن نطاقه في توفير الحماية القضائية في مختلف مراحل عملية الانتخابات.
  • ان قوانين الانتخاب في تطور مستمر كي تتأقلم مع تطورات الحياة الحديثة فقد رأينا كيف ان قانون الانتخاب اللبناني قد ادخل وسائل التواصل الاجتماعي ضمن وسائل الاعلام موضع رقابة هيئة الاشراف على الانتخابات.
  • يتبين ان مجلس شورى الدولة يبقى قاضي الابطال ضد أي قرار اداري مخالف للقوانين وانحصار مراجعته بالمرشح صاحب الصفة وان المجلس الدستوري بعد انشائه اصبح هو المرجع الوحيد للنظر في الطعون الانتخابية وبينا الإجراءات المتبعة امامه والعوائق التي قد تواجهه اثناء البت في الطعون مثل صعوبة الاثبات. كما يطغى عليه العامل السياسي بشكل ملحوظ مما يعرقل وظيفته الرقابية في أحيان كثيرة ويحد من فعاليتها.
  • يتبين صعوبة مراقبة الانتخابات نظرا الى الثغرات القانونية التي رافقت قوانين الانتخاب والقوانين المتعلقة بالمجلس الدستوري.

ثانياً – التوصيات:

  • يجب تعديل قوانين الانتخاب وإزالة العوائق وتعزيز الإمكانات المادية والبشرية لدى هيئة الاشراف على الانتخابات ومنح الهيئة صلاحية الاطلاع على مالية الأحزاب ورفع السرية المصرفية عن كافة حسابات المرشحين.
  • يلعب وعي المواطن دورا مهما في تعزيز عمل هيئات الرقابة لا سيما هيئة الاشراف على الانتخابات، لذا يتوجب نشر الوعي لدى المواطنين من خلال برامج التوعية والتركيز على حق الشعب في تقرير مصيره.
  • من الضروري تعزيز الرقابة على وسائل الاعلام وفرض القوانين التي من شأنها تعزيز الاعلام وتحقيق شفافيته.
  • في النهاية يبقى القضاء رغم كل الملاحظات على إدائه هو حامي الحريات والحقوق الأساسية والقضاء الانتخابي يبقى المرجع المؤتمن على صحة الانتخاب التي ينبثق عنها صحة التمثيل والنظام الديمقراطي في لبنان لذا يتوجب تعزيز استقلال الهيئات الرقابية عن السلطات السياسية.

 

المراجع:

1 – د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، النظم السياسية والقانون الدستوري، الدار الجامعية..

2 – صلاح الدنف، وثيقة الوفاق الوطني لعام 1989 جذور وحاضر وآفاق، بيروت، 2003.

3– النزاعات الانتخابية في لبنان، دراسة مقارنة، الأستاذ كمال عبد الرحمن دمج، بيروت، آب 2003.

3– د. ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري، دار العلم للملايين، بيروت، 1970.

4– د. زهير شكر _ الوسيط في القانون الدستوري اللبناني – نشأة ومسار النظام السياسي والدستوري والمؤسسات الدستورية – دار بلال – 2001.

5– المجلس الدستوري في لبنان، خليل الهندي، وانطوان الناشف، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس لبنان، 1998.

6– الياس بو عيد، المجلس الدستوري بين النص والاجتهاد والفقه المقارن، 2007.

7– هنري روسيون، المجلس الدستوري، ترجمة الدكتور محمد وطفه، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.

8 –  خليل الهندي، وانطوان الناشف، المجلس الدستوري في لبنان، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس لبنان.

9- Loïc Philip: Le contentieux des élections aux assemblées politiques françaises Bibliothèque de droit public.

10 – مجلة القضاء الإداري 2005.

11 – المجلس الدستوري، الكتاب السنوي، قرارات المجلس الدستوري.

12- أحمد زين، الطعون من دفع الميرة والزكاة الى عصر الشيكات وابدال المذاهب 148 طعنة، تراث لجنة الطعون واقتراحات بإلغاء 5 نيابات وانتخاب دائرتين، المجلس الدستوري في لبنان، خليل الهندي، وانطوان الناشف، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس لبنان، ص. 161.

13 – د. رئيف خوري، قرارات المجلس الدستوري بشأن طعون 2005، نهاية الحق بنهاية الوكالة، المجلس الدستوري، الكتاب السنوي، 2009-2010.

14 – القانون الدستوري  اللبناني رقم 18  الصادر بتاريخ 21/9/1990

15– قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017.

16 – قانون انشاء المجلس الدستوري رقم 250/1993 وتعديلاته.

17- النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *