استاذ دكتور ليندا محمد نيص

الاردن

lindanees1@gmail.com

00962790455276

الملخص

ما زالت العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة هي السائدة في الانظمة العقابية، رغم المطالبات بتطبيق بدائل عنها تُمكن المحكوم عليه من تنفيذ عقوبته خارج السجن، وذلك بهدف القضاء على مساوىء السجن و تحقيق هدف السياسة الجنائية الحديثة وهو اصلاح الجاني وتأهيله واعادته فرداً صالحاً في المجتمع المحيط له لا مجرد تنفيذ عقوبة ما بحقه .

وتعد الخدمة المجتمعية (العمل للمنفعة العامة ) احدى العقوبات البديلة التي علت الاصوات مطالبة بتطبيقها في سبيل تحقيق الهدف المنشود من السياسة الجنائية الحديثة ، وقد عمل المشرع الاردني خيرا عندما نص على هذه العقوبة في قانون العقوبات لعام 2017 ، وبذلك لحق مركب الدول التي تطبق هذه العقوبة، رغم ان البعض لا زال لا يؤمن بها كعقوبة رادعة، علما ان تطبيق هذه العقوبة لا يكون الا اذا كانت متفقة مع البنية الجسدية للمحكوم عليه وقدراته العلمية والمكانة الاجتماعية ، ويشترط ان يكون الجرم المرتكب من ضمن الجرائم البسيطة، وعليه قسمنا دراستنا هذه الى مبحثين، نتناول في الاول مفهوم الخدمة المجتمعية، ونعرض في الثاني الاطار التشريعي للخدمة المجتمعية .

الكلمات المفتاحية: العقوبة البديلة  العقوبة السالبة للحرية، الخدمة المجتمعية(العمل للمنفعة العامة) المراقبة المجتمعية

Community Service as an Alternative Punishment in the Jordanian Law

A comparative study

 

Abstract

  Despite the appeals for the application of alternative penalties that enable a convicted person to serve the sentence outside the prison to avoid the disadvantages of prison and achieve the goal of the new criminal policy, i.e. correcting and rehabilitating an offender and reintegrating him into the community, the short-term custodial penalties have still been prevalent in the penal laws.

      Community service is one of the alternative penalties that have been strongly demanded recently to achieve the desired goal of modern criminal policy.

      The Jordanian legislator did well as he provided for the said alternative penalty in the Penal Code of 2017, catching up with the countries that apply a such penalty, though some countries do not believe that it is a deterrent punishment. It should be noted that this penalty is only applied if it is in line with a convicted person’s physical condition, scientific capacity and social status. Further, this only applies to minor offences. This study is divided into two themes. The first of which deals with the concept of community service and the second discusses the legal framework of community service.

Keywords: alternative punishment, custodial penalty, community service and community control.

 

المقدمة

تعد الاثار السلبية للعقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة هي الدافع القوي للبحث عن بدائل سواء اكانت تلك السلبيات متعلقة في ارتفاع نفقات السجون، ام بسبب ما يصيب المحكوم عليه من اثار اجتماعية ، ونفسية ، واسرية ، وامكانية عودته للجريمة، وقد سعت العديد من الدول الى تطوير نظامها العقابي لهذه الغاية، فكانت الخدمة المجتمعية احدى تلك البدائل .

وتهتم هذه الدراسة بتفصيل عقوبة الخدمة المجتمعية على اعتبار انها نظاما حديثا، وقد اعتمدته بعض الدول كتجربة اولية الا انه رغم ذلك لاقى نجاحا مما ساعد على انتشاره بصورة ملحوظة، ويعامل الجاني من خلال تطبيق مثل هذه العقوبة معاملة عقابية خاصة هدفها اصلاحه وتأهيله بعيدا عن السجن ، وذلك لان هناك حالات اجرام بسيطة لبعض الاشخاص من الافضل ان يترك حرا في المجتمع بدل من الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة طالما كان ظاهرا من شخصيته وظروفه امكانية اصلاحه، وبهذا نخفف على الدولة ونلزمه بأعمال ونشاطات اجتماعية وانسانية تنمي شعوره بالمسؤولية ، وتقيد حريته، مما يجعله يفكر اكثر بفعله وعدم عودته للجريمة.

مشكلة الدراسة :-

تتمثل مشكلة هذه الدراسة في السعي نحو الإجابة عن الأسئلة التالية:-

  • ما المقصود في عقوبة الخدمة المجتمعية ؟
  • ما هي الطبيعة القانونية لعقوبة الخدمة المجتمعية ؟
  • ما هي خصائص عقوبة الخدمة المجتمعية ؟
  • ما هي أغراض عقوبة الخدمة المجتمعية ؟
  • ما هو الاطار التشريعي لعقوبة الخدمة المجتمعية ؟

اهداف الدراسة :-

لقد جاءت هذه الدراسة لبيان الأمور الالية:-

  • بيان المقصود من عقوبة الخدمة المجتمعية .
  • بيان الطبيعة القانونية لعقوبة الخدمة المجتمعية .
  • بيان خصائص الخدمة المجتمعية .
  • بيان أغراض عقوبة الخدمة المجتمعية .
  • توضيح الاطار التشريعي لعقوبة الخدمة المجتمعية .

الدراسات السابقة:-

تتعدد الدراسات السابقة التي بحثت الموضوع بمفهوم العمل للمنفعة العامة، ولكن في اغلبها كان خاص بما هو منصوص عليه في تشريع دولة الباحث ، وكذلك هناك دراسات بحثت الموضوع بشكل عام، والجديد في دراستنا هو تحليل ما جاء في  تعديلات قانون العقوبات الأردني الصادر في عام 2017 على اعتبار انه نص جديد لمثل هذه العقوبة البديلة تحت مسمى ( بدائل الاصلاح المجتمعية )، ومقارنة ذلك بما جاء في القانون الفرنسي كونه من القوانين السَباقة التي نصت على هذه العقوبة .

منهج الدراسة:-

تقوم هذه الدراسة على اتباع المناهج التلية :-

  • المنهج الوصفي التحليلي وذلك من خلال تحليل النصوص القانونية الخاصة في عقوبة الخدمة المجتمعية ، وأيضا تحليل الآراء التي تحدثت عن هذه العقوبة باعتبارها عقوبة بديلة وحديثة .
  • المنهج المقارن بين القوانين التي اخذت بالنص على هذه العقوبة .

وعليه اقتضى الامر تقسيم دراستنا الى مبحثين تناولنا في الاول، مفهوم الخدمة المجتمعية وخصصنا الثاني، لبحث، الاطار التشريعي لعقوبة الخدمة المجتمعية .

المبحث الاول

مفهوم الخدمة المجتمعية

تعتبر الخدمة المجتمعية ( العمل للمنفعة العامة ) من اهم العقوبات البديلة تطبيقا وأكثر فعالية، وقد استحدثت لمواجهة مساوئ عقوبة السجن القصيرة المدة، والتي لا زالت هي السائدة في دول العالم وكثير من الاحصائيات تشير الى ذلك، فقليلة هي الدول التي تسعى الى تطبيق بدائل لهذه العقوبات بهدف اعادة تأهيل المحكوم عليه واندماجه مع المجتمع المحيط مرة اخرى، وعليه قسمنا مبحثنا الى مطلبين، نبحث في الاول، تعريف الخدمة المجتمعية وطبيعتها القانونية ، ونتناول في الثاني، خصائص و اغراض الخدمة المجتمعية.

المطلب الاول : تعريف الخدمة المجتمعية وطبيعتها القانونية.

اولا: تعريف الخدمة المجتمعية

تختلف مسميات الخدمة المجتمعية باختلاف وجهة نظر المتحدث عنها، لذا البعض يطلق عليها العمل للمنفعة العامة، وغيرهم العمل لصالح العام ، وكذلك العمل للنفع العام، و ايضا العمل لمصلحة المجتمع وهكذا…

يقصد بالعمل للمنفعة العامة “الزام المحكوم عليه بإتمام عمل دون مقابل لمصلحة المجتمع بدلا من دخوله السجن ،وذلك خلال مدة معينة تحددها المحكمة “، بهدف توفير معاملة عقابية خاصة غايتها التهذيب من خلال العمل ثم التأهيل دون ان يكون هناك سلب لحرية الجاني (اوتاني ، 2009 ، ص430 )

ويعرف العمل للمنفعة العامة على أنه نظام يطبق على المحكوم عليه خارج المؤسسة العقابية حيث يتم الزامه بالقيام بأعمال معينة لخدمة المجتمع دون مقابل خلال المدة المقررة في حكم الإدانة، وذلك في الحدود المنصوص عليها قانونا (شريف، 1999 ، ص 46 )، وكذلك هو” أداء عمل بدون أجر، يؤدى لصالح شخص معنوي عام أو مؤسسة عامة أو لفائدة جمعية مؤهلة ، وايضا هي “الزام المحكوم عليه بالعمل في احدى المؤسسات الحكومية لعدد معين من الساعات، او الايام خلال فترة العقوبة وفقا لما هو مذكور في الحكم الصادر ،حيث انه يجب على القاضي ان يحدد عدد الساعات والايام ونمط العمل المناسب للمحكوم عليه مراعيا في ذلك خبراته ومهاراته وقدرته النفسية والصحية”(زيني ، 2004 ، ص 209) ، وكذلك هي الالية المتبعة في تنفيذ العمل المكلف به المحكوم عليه من قبل هيئة المحكمة بديلا للعقوبة السالبة للحرية شريطة ان يكون العمل يتناسب مع الوضع القانوني للمحكوم عليه من ناحية العمر والقدرة الجسدية ودرجته العلمية ومكانته الاجتماعية ودون مقابل تحقيقا لمبدأ الاصلاح والتاهيل .

وينص القانون الفرنسي على ان العمل للمنفعة العامة هو”العمل بلا مقابل لمصلحة شخصية معنوية عامة، او جمعية مخولة بمباشرة أعمال للمصلحة العامة “(احمد ، 2015 ،ص 45 ).

ويعرف القانون الاردني الخدمة المجتمعية على انها” الزام المحكوم عليه بالقيام بعمل غير مدفوع الاجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن ( 40) ساعة ولا تزيد عن ( 200) ساعة على ان يتم تنفيذ العمل خلال مدة لا تزيد على سنة” ( الدليل الارشادي للعقوبات المجتمعية 2019)

ويعرف الفقه الخدمة المجتمعية بانها تلك الخدمة غير السالبة للحرية ويتم تنفيذها في مجال حر وتطبق على مرتكبي الجرم الذين لا يمتلكون الروح الاجرامية ولا يتسمون في الخطورة حيث يتم الزامهم بعمل مادي او ذهني بدون مقابل مادي يعود بالنفع على المجتمع الذي يعيش به (المغيض ، 2019 ،ص 2418)

ونرى أن الخدمة المجتمعية هي عقوبة صادرة من جهة قضائية مختصة بدلا عن السجن وذلك بهدف اصلاح المحكوم عليه واعادة تأهيله من خلال ادائه لعمل ما لمصلحة المجتمع و بلا مقابل متى ما استوفى الشروط القانونية المطلوبة .

ثانيا: الطبيعة القانونية للخدمة المجتمعية .

تختلف الآراء حول الطبيعة القانونية للخدمة المجتمعية ( العمل للمنفعة العامة) ، فالبعض يرى انها عقوبة، في حين يرى اخرون انها تدبير والثالث يجمع على انها عقوبة وتدبير في ذات الوقت على اعتبار ان لها طبيعة خاصة، وتحقق الخدمة المجتمعية  الردع العام والخاص في ذات الوقت، حيث انها تمثل تكليف واجبار جسدي ونفسي للمحكوم عليه، وكذلك تمثل انذار للجميع بسوء عاقبة الاجرام، ويجب ان يكون العمل الذي يقدمه المحكوم عليه عملا مفيد وبدون مقابل وذلك تعويض منه عن الضرر الذي وقع بسببه (حسني ، 1967 ، ص98 – 100)

وتسعى الخدمة المجتمعية الى تحقيق هدفين هما اصلاح ضرر الجريمة ، والآخر اعادة تأهيل المحكوم عليه اجتماعيا ، حيث ان العمل الذي يقدمه المحكوم عليه يعد معاملة عقابية من نوع خاص، فهي تؤدي الى تعميق الشعور بالمسؤولية وتعزيز التضامن الاجتماعي، ويختلف الخدمة المجتمعية عن التدبير، حيث ان التدبير يفرض لمواجهة خطورة إجرامية (السراج ، 1990 ، ص 511 – 515 )، في حين تعتبر الخدمة المجتمعية  بديلا عن العقوبة قصيرة المدة .

وتكون الخدمة المجتمعية مجاناً في المصالح الحكومية خلال العطل الأسبوعية وخارج اوقات العمل الرسمي، ويفرض على اشخاص لا يعملون فيمكنهم العمل، ويجب ان يكون هناك تناسب بين العمل و الجريمة المرتكبة (كلاس ، 2013 ، ص 3-4 )

المطلب الثاني: خصائص و اغراض الخدمة المجتمعية.

اولا: خصائص الخدمة المجتمعية .

تمتاز الخدمة المجتمعية بنوعين من الخصائص الاولى عامة وهي تشترك بها مع الاصلية الا وهي العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة ، و الاخرى خاصة بها على اعتبار انها عقوبة بديلة .

أ : الخصائص العامة :

1- خضوع الخدمة المجتمعية لمبدأ الشرعية وذلك لضمان حماية حقوق الأفراد من احتمال تعسف القضاة عند استعمال هذا النوع من العقوبات، أو تجاوز الحدود والقواعد التي وضعها المشرع فالمشرع عادة يحدد لعقوبة الخدمة المجتمعية الحالات التي تفرض فيها، وكذلك شروط تطبيقها، ويترك للمحكمة سلطة تقديرية في تحديد طبيعة العمل وشروطه وعدد ساعاته وجهة العمل التي سيلتحق بها.

2صدور عقوبة الخدمة المجتمعية بحكم قضائي وبالتالي يجب ان تكون صادرة عن محكمة جزائية مختصة وفقاً للقانون، فلا يجوز فرضها من قبل الادارية للدولة،او من قبل الهيئات العامة التي سيتم تنفيذ العمل لصالحها.

3- خضوع الخدمة المجتمعية لمبدأ الشخصية اي لا تقع إلا على من تثبت إدانته بارتكاب جريمة معينة، ولا تنفذ الا بحقه وفقال قواعد المسؤولية الجزائية، فلا يجوز أن تمتد العقوبة الى أحداً غيره من أفراد أسرته، أو ورثته.

4- خضوع الخدمة المجتمعية لمبدأ المساواة حيث انه من المهم جدا ان تنفذ دون أي تمييز بين الجناة ممن تنطبق عليهم الشروط المطلوبة، وقد ترك الامر في ذلك لسلطة القاضي التقديرية، حيث يقوم في تحديد عدد ساعات العمل من بين حديها الاعلى و الادنى، مراعيا في ذلك جسامة الفعل المرتكب، وإمكانية تأهيل الفاعل (سعيد ،2002 ، ص 645 – 646)

ب : الخصائص الخاصة :

1- خضوع المحكوم عليه للخدمة المجتمعية لفحص شامل ودقيق .

تشترط جميع التشريعات التي تاخذ في هذه العقوبة أن يسبق الحكم فحص شامل ودقيق للمحكوم عليه، وتحقيق اجتماعي عن شخصيته وظروف حياته، ووضعه العائلي والمعيشي والمهني، وسلوكه الماضي وطبيعة وظروف ارتكابه للجريمة، بحيث يؤخذ بالحسبان ضرورة كونه حسن السيرة والسلوك، والا يكون لديه ميل اجرامي، بهدف التأكد من انه أهلٌ للعمل من الناحية الجسدية والسلوكية والمهنية، وكذلك للتأكد من أن وجوده خارج السجن لا يشكل اضطراباً أو خطراً على الآخرين، وايضا تمكين المحكمة من فرض العمل الأكثر ملاءمة لشخصيته، وظروفه الاجتماعية والأكثر قدرة وفعالية في إعادة تأهيله، و تحقيق هذه الاهداف امر في غاية الاهمية حتى لا يتولد بصورة غير مباشرة لدى الرأي العام شعور بأن هناك تراخياً من قبل السلطات القضائية،أو أن الدولة لم تعد قادرة على وقاية المجتمع من الجريمة والتصدي للمجرم بوسائل رادعة وفعالة بهدف تحقيق الردع العام والخاص (العوجي ، 1993 ، ص 184 – 190 )

ونؤيد هذا الفحص نظرا لأهميته حيث يساعد في الوقوف على كل ما يتعلق في الجريمة والمجرم، وبالتالي نحفظ التوازن بين حقوق المجتمع في الحفاظ على أمنه واستقراره، وحقوق الأفراد.

2- رضا وموافقة المحكوم عليه بالخدمة المجتمعية بالخضوع لها قبل الحكم بها .

يعتبر رضا المحكوم عليه امر في غاية الاهمية، حيث انه لا يمكن النطق بهذه العقوبة إلا في حضور المحكوم عليه ورضاه بخضوعه لها، لأنه يتطلب منه القيام بعمل وبالتالي لا  يمكن ضمان حسن تنفيذه إلا إذا كان موافقاً عليه وقابلاً لتنفيذه PRADEL,1983 ,p 589 ) )، ايضا يعتبر رضا المحكوم عليه امراً مطلوب نفسياً لاننا نضمن تعاونه مع الجهات المشرفة على سلوكه، وتلك التي يعمل لديها، وايضا هو دليل على الوفاء بالالتزامات المفروضة عليه، وذلك لان طبيعة العمل للمنفعة العامة تفترض الاستجابة التلقائية وتأبى الإكراهو والرضا مطلوب من الناحية القانونية حتى لا يعد انتهاك لحقوق الانسان TULKENS, 1986 . p113) (

ثانيا: اغراض الخدمة المجتمعية.

تحقق الخدمة المجتمعية أغراضاً تأهيلية واقتصادية مهمة، حيث يستفيد منها المحكوم عليه بألا يدخل السجن الذي يفسد عملية التأهيل الاجتماعي من جهة، ويكبد الدولة نفقات باهظة من جهة أخرى، وايضا يستفيد المجتمع من خدمات مجانية يقدمها المحكوم عليه .

أ : الغرض التأهيلي.

يترتب على تنفيذ عقوبة الخدمة المجتمعية عدة آثار في مواجهة المحكوم عليه، إذ يمكن أن تنقضي بنجاح ، كما يمكن أن تلغى بسبب ما يؤدي إلى فشلها، ونجاح هذه العقوبة مرتبط في قيام المحكوم عليه بتنفيذ جميع الالتزامات المفروضة عليه وفقا للبرنامج وعدد الساعات المقررة، اما فشله فيكون بسبب عدم تنفيذ الالتزامات المفروضة من قبل المحكوم عليه بسبب التقصير في أداء العمل وفقا للضوابط المطلوبة، أو لعدم احترامه ساعات العمل أو أبدى تصرفات مشينة، ويظهر الغرض التأهيلي واضحاً من عدة زوايا منها:-

1- تعزيز مجموعة التدابير البديلة للعقوبة السالبة للحرية. تعد الخدمة المجتمعية إحدى أهم العقوبات البديلة التي تعزز من مساهمة المجتمع في مجال العدالة الجنائية، وايضا تنفذ في إطار مؤسسات الدولة والمجتمع، فتنفيذها يعتمد بشكل أساسي على مساهمة الأفراد في تحقيق أغراضها، كما أنها تعد تعويضاً عن الضرر الذي سببته الجريمة لأمن المجتمع ، كونها تؤدى بصورة مجانية .

2-المساهمة في عملية التأهيل بصورة فعالة. تعتبر الخدمة المجتمعية طريقة أكثر إنسانية تساعد على إعادة التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه، حيث يبقى الجاني في مجتمعه الطبيعي الذي سيعود إليه حتماً فيما بعد عند تنفيذ العقوبة داخل السجن.

وتسعى الخدمة المجتمعية في الوقت ذاته إلى خلق شعور لدى المحكوم عليه بان لديه قدرات على تأدية عمل نافع ومفيد لمصلحة المجتمع الذي ارتكب بحقه جريمة منهي عنها قانونا ،وتنمية هذا الشعور امر في غاية الاهمية لأنه يكشف عن انعدام خطورة الجاني وانه شخص طبيعي منتج وفعال في محيطه، وبالتالي يجب تعزيز ثقته بنفس وبدوره الإيجابي في المجتمع، وهذا يساعد في تأهيله و اعادة اندماجه بالمجتمع (اوتاني ، 2009 ، ص 440 – 442)، كذلك تقلل من المشكلات الاجتماعية التي تتعرض لها اسرة المحكوم عليه بعقوبة السجن، كما أن نسبة العودة للجريمة أقل عندما يحكم بعقوبة الخدمة المجتمعية(العوجي ، 1987 ،ص 686 – 687 ) .

و يتضح لنا أن الخدمة المجتمعية تساهم في الحد من تصاعد الجريمة وتكرارها،كذلك تحقق فائدة وحماية للمجتمع بصورة فعالة أكثر من عقوبة السجن .

3تخفيف الأعباء عن المحاكم وإدارات السجون.

تشكل الأحكام الصادرة بعقوبات السجن، الحيز الأكبر من عمل المحاكم وتاخذ وقت كبير  من عملها (عقيدة ، 2000 ، ص 182 ) وذلك بسبب كثرة الجرائم البسيطة التي يعاقب عليها بهذه العقوبة من جهة، والميل الطبيعي لدى القضاة إلى الأخذ باعتبارات العدالة، واستخدام سلطة القاضي التقديرية في تطبيق الظروف المخففة، متى ما سمحت ظروف الجريمة ومرتكبها، ومن ثَم إصدار أحكام تقترب من الحد الأدنى للعقوبة من جهة أخرى(السراج ، 1990، ص 425).

ب: الغرض الاقتصادي

تساعد الخدمة المجتمعية في تخفيف العبء الاقتصادي الناتج عن اكتظاظ السجون، والذي يكبد الدولة نفقات مرتفعة جدا من كافة النواحي، حيث ان وضع المحكوم عليه في السجن امر مكلف وفيه هدر للأموال العامة مجتمع السجن مكلف ماليا ( Otani,2002, p 311- 322)

وتتمثل الفائدة الاقتصادية والمكاسب المالية فيما ينجزه المحكوم عليه من أعمال ضمن الإدارات والمرافق العامة التي تلتزم الدولة بالانفاق على اعمالها، كما ان المحكوم عليه لا يتقاضى أجراً أو مقابلاً لعمله فيها وهذا يوفر على الدولة الكثير من النفقات التي تخصصها عادة لإنجازها.

و وتنشيء الخدمة المجتمعية علاقة بين اليد العاملة المجانية وبين الهيئات التي تقدم خدمات عامة، والتي يمكنها ضمن إطار هذه العقوبة ان يحصل على خدمات وأعمال قد لا تملك هذه الهيئات الميزانية والتمويل اللازم للقيام بها، ويتوقف نجاح عقوبة الخدمة المجتمعية في تحقيق اغراضه اعلى عدة امور منها:-

  • وجود الكادر التشريعي الذي يسمح بتنفيذ وتطبيق هذه العقوبة بطريقة جيدة .
  • وجود مؤسسات يمكن الاعتماد عليها في تنفيذ هذه العقوبة.
  • وجود اخصائي اجتماعي يساعد القضاة بالتحقيقات الاجتماعية اللازمة لتقرير مدى ملاءمة هذه العقوبة للجاني .

ونرى ان الغرض الاقتصادي يحقق نتائج جيدة من كافة الجوانب، ويستفيد منه كافة الاطراف سواء اكانت الدولة، ام الهيئات والمرافق العامة، ام المحكوم عليه ذاتها حيث يكتسب عملا في المستقبل لدى احدى الجهات تلك ان وجدت فيه الثقة والأمانة والردع وانه لا خطورة اجرامية له .

 

المبحث الثاني

الاطار التشريعي للخدمة المجتمعية

تحدثت مؤتمرات الأمم المتحدة بصورة دائمة مع الدول لوضع سياسات تقلل من اللجوء إلى عقوبة السجن قصير المدة، وان تتوجه إلى اعتماد العقوبات البديلة عنه، وكذلك طالبت فيما يخص الاحداث بتفعيل اللجوء إلى التدابير غير السالبة للحرية ومنها الخدمة في المجتمع المحلي مع موافقة الحدث، وقد استجابت التشريعات العقابية سواء اكانت غربية ام عربية لهذه النداءات و التوصيات فنصت على تضمين عقوبة الخدمة المجتمعية (العمل للمنفعة العامة ) في تشريعاتها الجزائية العقابية، وعليه قسمنا مبحثنا الى مطلبين خصصنا الاول، لبحث موقف االمشرع الفرنسي، وتناولنا في الثاني ، موقف المشرع الاردني .

المطلب الاول : موقف المشرع الفرنسي

تناول المشرع الفرنسي العمل للمنفعة العامة كعقوبة بديلة عن السجن المفروضة على الجرائم البسيطة (المادة 131 /8 /22/24 ، القانون الفرنسي ) إلا أنه لم يحدد هذه الجرائم، و يمكن فرض العمل للمنفعة العامة كعقوبة اضافية في المخالفات والجنح المنصوص عليها في قانون السير في حال القيادة تحت تأثير الكحول او المخدرات.

وينص ايضا على انه “في حال ارتكاب جنحة معاقب عليها بالحبس، يمكن للمحكمة أن تفرض بدلاً عن عقوبة الحبس إتمام مدة تتراوح بين 40- 240 ساعة عمل للمنفعة العامة دون مقابل، لصالح شخص معنوي من أشخاص القانون العام، أو هيئة عامة مرخص بإتمام عمل للمنفعة العامة لصالحها”(اوتاني ، 2009 ، ص454 ) .

و يتطلب الحكم بالعمل للمنفعة العامة حضور المحكوم عليه جلسة النطق بالحكم، ورضاه وتسجل الأعمال المطلوب إنجازها ضمن إطار العمل للمنفعة العامة في قائمة لدى كل محكمة (المادة 131/8، قانون العفوبات الفرنسي ) وينفذ العمل للمنفعة العامة في حال قبول المحكوم عليه حسب الاصول، حيث تحدد المحكمة مدة  العمل بين 40 -420 ساعة في مواد الجنح، وبين 20-120 ساعة في مواد المخالفات، وذلك خلال مهلة 18 شهراً، ويبلغ هذا القرار إلى المحكوم عليه، واذا كان عاملاً لا يجوز أن تتجاوز مدة العمل للمنفعة العامة 12 ساعة أسبوعياً .

ويطبق القانون الفرنسي عقوبة العمل للمنفعة العامة على كلا من البالغين و الأحداث من عمر16-18 عاماً، لان هذا السن يتفق مع سن السماح للأحداث بالعمل، الا ان هذه العقوبة لا تطبق في المحاكم العسكرية على العسكريين(اوتاني ،2009 ،ص 453 -458)

وتقوم المؤسسات والهيئات والجمعيات المحلية التي تقدم خدمات عامة بتقديم طلب لهذه الغاية تحدد فيه الأعمال والمهام المطلوبة، بالإضافة الى توضيح طبيعة وطريقة تنفيذها ومن ثم يقوم قاضي تنفيذ العقوبة بإجراء تحقيق حول هذه الأعمال، ويرسل صورة عن هذه الطلبات إلى مجلس المنطقة المختص بمكافحة الجريمة موضحا فيه راي النيابة العامة، ثم يقوم باختيار الهيئة التي سيتم العمل لصالحها، ويختار القاضي العمل المناسب لإعادة اندماج المحكوم عليه بالإضافة الى كون العمل مفيد من الناحية الاجتماعية من ثم  يصدر قرار تنفيذ العقوبة ويحدد فيه طريقة تنفيذ العمل للمنفعة العامة، وايضا يحدد فيه(المادة 131 / 19، قانون العفوبات الفرنسي ).

-الجهة التي يتم سوف يعمل لديها

-طبيعة العمل وتوقيته

-اسم المشرف الاجتماعي المكلف بالإشراف ومساعدة المحكوم عليه.

ولا يدخل في حساب هذه المدة مدة الانتقال، و ساعات الراحة أو الطعام ، واذا كان المحكوم عليه حدثاً فان قاضي الأطفال يحل محل قاضي تنفيذ العقوبة في القيام بهذه الإجراءات.

يخضع العمل للمنفعة العامة المتعلق بالعمل الليلي، والصحة والسلامة المهنية لقواعد قانون العمل، اما الحوادث وإصابات العمل فهي تخضع لأحكام قانون الضمان الاجتماعي ، وعندما يتم العامل المحكوم عليه العمل المطلوب منه، فإن الجهة التي يعمل لديها تقدم وثيقة لقاضي تنفيذ العقوبة، وكذلك للمحكوم عليه. تشعره بإتمام العمل و في هذه الحالة تعد العقوبة منفذة بشكل كامل.

ويمكن للمحكوم عليه أن يستفيد من إعادة الاعتبار، وذلك بعد مرور مدة تجربة مقدارها “خمس سنوات ، بالمقابل فإن الإبطال أو الإلغاء يكون في حال عدم تنفيذ العمل بشكل صحيح، أو عدم الرد على التزامات المراقبة والإشراف، ويتعرض المحكوم عليه الذي اخل بالتزاماته للعقوبات المنصوص عليها في القانون ومن ثم يتعرض للحبس مدة سنتين وغرامة 30000 يورو بالإضافة الى المنع من الحقوق المدنية(المادة 131 / 30  / 36  / 42، قانون العفوبات الفرنسي ).   .

وينص القانون الفرنسي على صورة جديدة لوقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية وهي الاختبار مع القيام بعمل للمنفعة العاامة ويشترط لتطبيقها وتنفيذها عدة شروط :-

1-ان يكون الحكم بعقوبة الحبس من أجل جناية أو جنحة من جرائم القانون العام، على ألا تتجاور مدته 5 سنوات

2-الحكم بالاختبار مع الإلزام بالقيام بعمل للمنفعة العامة لا يكون إلا بحضور المحكوم عليه وموافقته ورضاه  بالخضوع  له ويمكن تطبيق الاختبار مع القيام بعمل للمنفعة العامة بغض النظر عن ماضي المحكوم عليه الإجرامي، ويمكن لقاضي تنفيذ العقوبة أن يفرض الاختبار مع القيام بالعمل للمنفعة العامة بعد الحصول على موافقة المحكوم عليه، وذلك خلال مدة أقصاها 18 شهراً من تاريخ النطق بالحكم، واذا اتم المحكوم عليه العمل للمنفعة العامة قبل انتهاء هذه المدة، فتنتهي مدة التجربة التي يخضع إليها، ويعد الحكم الصادر كأن لم يكن ، ويمكن لقاضي تنفيذ العقوبة أن يمدد هذه المدة، وذلك عندما يقرر إيقاف هذا العمل مؤقتاً لاعتبارات تتعلق بالجاني سواء اكانت من ناحية صحية، أو اسرية ، أو مهنية أو اجتماعية خطيرة .

ويخضع المحكوم عليه بهذه العقوبة لعدد من الالتزامات المنصوص عليها

1- ان يستجيب لكل ما هو مطلوب منه سواء اكان من قاضي تنفيذ العقوبة أو مشرف الاختبار

2-ان يخضع للفحوصات الطبية اللازمة للتأكد من عدم إصابته بمرض خطر قد يؤثر على زملائه في العمل، والتأكد من لياقته الصحية، وقدرته على القيام بالعمل المطلوب.

3-ان يبرر كل تغيير يقوم به سواء اكان يتعلق في العمل أو محل الإقامة خلافاً لما هو محدد في  الحكم ، ولا بد ان يحصل على إذن مسبق من قاضي تنفيذ العقوبة من أجل أي تغيير في ذلك.

5-ان يستقبل مشرف الاختبار ويقديم كلّ المستندات والوثائق المتعلقة بتنفيذ العقوبة.

و يعد الحكم كأن لم يكن في حال اتم تنفيذ كامل العمل، أما في حال خرقه للالتزامات المفروضة عليه، فإن المساعد الاجتماعي يخبر قاضي تنفيذ العقوبة الذي يمكنه إحالة المحكوم عليه إلى محكمة الجنح، والتي يمكنها أن تقضي إما بزيادة مدة العمل، أو تعديل الالتزامات المفروضة على المحكوم عليه، وتحديد عمل آخر ينفذ للمنفعة العامة، أو إلغاء الاختبار، وإعادة تنفيذ عقوبة الحبس كلياً أو جزئياً (اوتاني ، 2009 ، ص 458 – 460 ) .

وتتنوع الاعمال التي من الممكن ان يقوم بها المحكوم عليه، فمنها الأعمال اليدوية ، كحماية الطبيعة وتحسين البيئة، الاشتراك في حملات النظافة،والعناية بالحدائق العامة، وايضا الأعمال التي تتعلق بصيانة وتجديد المباني العامة، كالطلاء والنجارة وتصليح وتجديد الأثاث المدرسي، وهناك أعمال وظيفية، كالاشتراك في فرق محو الأمية و المساهمة في التدريب المهني للشباب، وايضا الأعمال التي تحمل طابع التضامن الاجتماعي، كالقيام بحفلات ترفيهية لصالح جمعية خيرية وتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية في مؤسسات الأحداث ، …وغيرها(اوتاني ، 2009 ، 431 – 432).

المطلب الثاني: موقف المشرع الردني   .

تعد استجابة المشرع الأردني للمطالب الفقهية التي تضمنت التدابیر القضائیة التي تفرض على الحدث من خلال إشراف مراقب السلوك على تصرفاته خلال فترة زمنیة محددة امرا في غاية الاهمية (المادة 24 / ز، 2014 ، قانون الاجداث الاردني)، كما اھتم المشرع الأردني بخصوصیة الجنس (المغيض، بدون سنة ، ص 2423)،حيث یتم مراقبة الحدث الأنثى من قبل مراقبة سلوك أنثى مراعاة للخصوصیة وفي بيئة مهيأة وبإشراف قضائي(المغيض ،2019، ص 2424 ) .

وينص القانون الاردني على ان للمحكمة ان تتخذ أي من التدابير التالیة في حق الحدث (المادة 24 ، 2014 ، قانون الاحداث الاردني)

أ – اللوم والتأدیب : توجه المحكمة اللوم والتأدیب إلى الحدث على ما صدر عنه وتحذیره بأن لا یكرر مثل هذا السلوك مرة أخرى بشرط عدم الحط من كرامته

ب – التسلیم :

– بتسلیم الحدث إلى أحد أبويه أو إلى من له الولایة أو الوصایة علیه، وفي حال عدم وجود ايا منهم يسلم إلى من یكون اهلا لذلك من أفراد أسرته فإن لم یتوافر ذلك یسلم إلى شخص مؤتمن يتعهد بتربیته أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك بعد موافقتهم على ذلك .

– یكون الحكم بتسلیم الحدث إلى غیر الملزم بالإنفاق عليه لمدة لا تزید على سنة .

ج- الإلزام بالخدمة للمنفعة العامة في أحد مرافق النفع العام أو إحدى مؤسسات المجتمع المدني التطوعي لمدة لا تزید عن سنة .

د- الإلحاق بالتدریب المهني في أحد المراكز المختصة التي یعتمدها الوزیر لهذه الغایة لمدة لا تزید عن سنة .

ھ- القیام بواجبات معینة أو الامتناع عن القیام بعمل معین لمدة لا تزید عن سنة وإلحاق الحدث ببرامج تأهيلية  تنظمها الوزارة أو أي من مؤسسات المجتمع المدني أو أي جهة أخرى یعتمدها الوزیر.

وينص المشرع الاردني على البدائل الاصلاحية المجتمعية، ويعرف الخدمة المجتمعية على انها “الزام المحكوم عليه بالقيام بعمل غير مدفوع الاجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن 40 ساعة ولا تزيد على 200 ساعة على ان يتم تنفيذ العمل خلال مدة لا تزيد على سنة” (المادة 25 مكرر فقرة 1، 2017 ، قانون العقوبات الاردني) ، وكذلك يعرف المراقبة المجتمعية على انها “الزام المحكوم عليه بالخضوع لرقابة مجتمعية لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات” (المادة 25 مكرر فقرة 2، 2017 ، قانون العقوبات الاردني)،اما المراقبة المجتمعية المشروطة لبرنامج تأهيل او اكثر فهي”الزام المحكوم عليه بالخضوع لبرنامج تأهيل تحدده المحكمة يهدف لتقويم سلوك المحكوم عليه وتحسينه”((المادة 25 مكرر فقرة 3، 2017 ، قانون العقوبات الاردني)

ويلاحظ ان المشرع الاردني تناول هذه البدائل عوضا عن عقوبة السجن  قصيرة المدة ، كما انه اعطى السلطة التقديرية للقاضي ليحدد مدة هذه البدائل من ضمن الحد الادنى والاعلى الذي تم تحديده بموجب النص، والقاضي ليس عليه الا ان يختار ما يتفق وشخصية المحكوم عليه، بالإضافة الى ظروفه وظروف الجريمة، وذلك لضمان اصلاحه و تأهيله.

ويعطي المشرع الاردني للقاضي سلطة التقديرية في ان يحكم بأكثر من برنامج تأهيلي على المحكوم عليه ان كان يحتاج لذلك حتى نحقق الاصلاح والتأهيل له واعادة اندماجه في المجتمع.

ويشير القانون الأردني الى ان للمحكمة ان تحكم بإحدى البدائل الاصلاحية او جميعها عند الحكم بوقف تنفيذ العقوبة الاصلية ولكن بشرط (المادة 45 مكرر ثانيا فقرة 1  ، 2017 ، قانون العقوبات الاردني)

  • ان تكون الحالة الاجتماعية للمحكوم عليه تنبئ عن امكانية اصلاحه وتأهيله.
  • موافقة المحكوم عليه ان يخضع الى تلك البدائل .
  • الا يكون المحكوم عليه عائد للجريمة ( حالة تكرار ) .

ويقصد بوقف تنفيذ العقوبة هو”تعليق تنفيذ العقوبة المحكوم بها على شرط موقف خلال مدة يعينها القانون(حسني ، ص 516 ، 1967) وكذلك هي ابعاد المحكوم عليه بالسجن عن تنفيذها متى تبين للقاضي من فحص شخصيته وظروفه ما يبعث على الاعتقاد انه لن يعود الى ارتكاب الجريمة مرة أخرى(زيدان ،1978 ،ص199 ) .

ويجوز للمحكمة ان تامر بوقف تنفيذ العقوبة سواء اكانت جناية ام جنحة بالسجن او الحبس ومدتها لا تزيد عن سنة واحدة متى ما رات من اخلاق المحكوم عليه، او ماضيه، او سنه، او الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة والتي من خلالها يستطيع القاضي ان يستشف عدم عودة المحكوم عليه لمخالفة القانون، ولا بد ان يوضح القاضي هذه الاسباب في حكم وقف التنفيذ (المادة 54 مكرر ، قانون العقوبات الاردني).

و يشير المشرع الاردني الى ان للمحكمة الصلاحية في الغاء بدائل الاصلاح  المحكوم بها بسبب تقرير الحالة الاجتماعية، ومن ثم تعود الى تنفيذ العقوبة الاصلية ، ولكن لا يتم ذلك الا في حالتين :-

الحالة الاولى : اذا كان هناك حكم صادر بإلغاء وقف التنفيذ .

الحالة الثانية : اذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ البدائل او قصر في تنفيذها دون عذر تقبله المحكمة ، فليس من المهم ان يقدم عذر، ولكن الاهم من ذلك قبول هذا العذر من قبل المحكمة وهذا يتوقف على قناعتها ((المادة 54 مكرر ثانيا / فقرة 2 ، 2017 ، قانون العقوبات الاردني)).

و تطبق عقوبة الخدمة المجتمعية من خلال المديرية المختصة في وزارة العدل تحت اشراف قاضي تنفيذ العقوبة(المدعي العام او قاضي الصلح  في المراكز التي لا يوجد فيها مدع عام) حيث يقوم بإنفاذ الأحكام الجزائية ومراقبة مشروعية تنفيذها، وأي عقوبات مجتمعية مقررة في التشريعات النافذة تطبق تحت إشرافه من خلال المديرية المختصة. (المادة 353 فقرة 3-4، 2017 ، قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني)

ويوضح القانون الاجراءات الخاصة في تطبيق عقوبة الخدمة المجتمعية ، حيث يبين انه على الهيئة الحاكمة ان تصدر عند النطق بالحكم إذا كان الحكم وجاهيا مذكرة عقوبة مجتمعیة بحق المحكوم عليه، أما إذا كان الحكم بمثابة الوجاهي تصدر الهيئة الحاكمة مذكرة إعلام عقوبة مجتمعیة بحق المحكوم عليه، وكذلك يوضح انه بعد إصدار الحكم بإلزام المحكوم عليه بتنفیذ بدائل الإصلاح المجتمعي، ثم یرسل ملف الدعوى إلى النیابة العامة من أجل مشاهدة الحكم ، وفي حال عدم الطعن بالقرار من قبل النیابة العامة يكتسب الدرجة القطعیة یتم إرسال نسخة من القرار وتقریر عن الحالة الاجتماعیة إلى قاضي تنفیذ العقوبة الذي یقوم بفتح ملف خاص بتنفیذ العقوبة المجتمعیة.

ويبين المشرع ان ضابط الارتباط للعقوبات البدیلة لدى المحكمة يجب ان یقوم بإرسال خلاصة الحكم ومذكرة حضور موقعة حسب الأصول، ویتم بعد ذلك التنسیق بین مدیریة العقوبات المجتمعیة والمؤسسة الشریكة لتنسیق كیفیة تنفیذ العقوبة البدیلة المقررة من خلال تعبئة جدول خاص یحدد برنامج المحكوم عليه العملي لدى المؤسسة الشریكة، ویقوم المشرف الإجتماعي بمتابعة حسن تنفیذ المحكوم عليه للجدول الموضوع له ضمن نموذج مخصص لذلك من خلال المتابعة الدوریة للمحكوم عليه من ثم إجراء تقییم نهائي له لضمان تنفیذ الخدمة ( المغيض ،2019، ص 2429- 2431)، وعادة يتم توضيح مختلف الاعمال التي من الممكن ان يقوم بها المحكوم عليه خلال تنفيذ عقوبة الخدمة المجتمعية ( الدليل الارشادي لبدائل الاصلاح المجتمعي ،2019، ص 17)

ونلاحظ بعد دراسة نص المشرع الاردني، انه يسمي العمل للمنفعة العامة في “بدائل الاصلاح المجتمعية” وهو بذلك يقترب من السياسة الجنائية الحديثة و التي تهدف الى اصلاح الجاني واعادة تأهيله، كما انه اعطى سلطة تقديرية واسعة للقاضي من كافة النواحي.

ونخلص في مبحثنا هذا الى ان التشريع الفرنسي اسبق في تطبيق عقوبة العمل للمنفعة العامة ( الخدمة المجتمعية ) من التشريع الاردني علما انه طبقها على الاحداث بصورة اسبق من تطبيقها على البالغين ولربما يعود السبب في ذلك الى أن عمر الحدث الصغير يساعد في إمكانية تحقيق أهداف الخدمة الاجتماعية والتي تهدف الى غرس القيم الاجتماعية كالعدالة والأمن واحترام العمل و الوقت، كما يؤدي العمل إلى تعويد الحدث على الاتصال بقطاعات المجتمع الخارجي، وغرس روح الانتماء والولاء لديه تجاه مجتمعه وهذا يؤدي إلى تخفيف نسبة جنوحه.

 

الخاتمة

لا زالت العديد من الدول لا تطبق العقوبات البديلة عوضا عن عقوبة السجن، لأنه ينظر اليها على انها عقوبة خفيفة، في حين يعتبر السجن كمؤسسة عقابية هو النظام الأكثر تحقيقاً للأمن وهو يمنع العودة الى ارتكاب الجريمة حسب رايهم ، ولكن هذا الراي غير صحيح لان فكرة العقوبات البديلة والتي منها الخدمة المجتمعية تقوم على تحقيق الحماية للمجتمع و معاقبة المحكوم عليه بطريقة تساعد على إعادة اندماجه بالمجتمع بعد اصلاحه وتأهيله.

ويلاحظ ايضا ان قليل من المؤسسات والهيئات الخاصة تقبل استقبال فئة المحكوم عليهم بعقوبة الخدمة المجتمعية، وذلك بسبب تخوفها من هذه الفئة وعدم الثقة بإصلاحها، لذلك تسعى الدولة ان يكون تنفيذ هذه العقوبات في المؤسسات والهيئات العامة ، والاصل ان يتظافر القطاع العام والخاص في اصلاح المحكوم عليه واعادة تأهيله .

النتائج:-

1-تعتبر الخدمة المجتمعية عقوبة من افضل العقوبات البديلة كونها تسمح للمحكوم عليه ان يعيش حرا بصورة كاملة .

2-عقوبة الخدمة المجتمعية تغرس في نفس المحكوم عليه حب العمل الاجتماعي وتكسبه مهارات معينة.

  • يعتبر نجاح عقوبة الخدمة المجتمعية امرا في غاية الاهمية وهو مرهون بتقبلها من قبل المحكوم عليه ومن المجتمع .
  • تعد عقوبة الخدمة المجتمعية نظام عقابي حديث، لا زالت العديد من الدول لا تطبقها على البالغين وانما تحصر تطبيقها على الاحداث وهذا ما فعله المشرع الاردني في البداية .
  • عقوبة الخدمة المجتمعية نص عليها حديثا في قانون العقوبات الاردني تحت مسمى بدائل الاصلاح المجتمعية .

التوصيات:-

  • الاهتمام بنشر مفاهيم العقوبات البديلة ومنها عقوبة الخدمة المجتمعية وذلك لتهيئة كافة الاطراف المعنية بذلك.
  • توفير البيئة الجيدة لتطبيق عقوبة الخدمة المجتمعية حتى يقبل المحكوم عليه بها، بالإضافة الى اختيار الاعمال المفيدة له والتي تظهر قدراته وميوله .
  • تكاتف كافة الجهات لإنجاح هذه العقوبة سواء اكان القطاع العام ام الخاص، وذلك بتقبل المحكوم عليه في العمل لديها فترة تنفيذ العقوبة.
  • تكثيف جهود المراقبين للمحكوم عليه خلال فترة تنفيذ عقوبة الخدمة المجتمعية لضمان نجاح هذه الفترة.
  • توفير عدد كاف من المراقبين الاجتماعين المدربين مسبقا على كيفية التعامل والتواصل مع هذ الفئة، وذلك لإنجاح عملية اصلاح وتأهيل المحكوم عليه واعادة اندماجه بالمجتمع

 

 

*المراجع

اولا: الكتب

  1. احمد، يعقوب، العقوبات البديلة لعقوبة الحبس قصير المدة ،العمل للنفع العام نموذجا، رسالة ماجستير ،جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي، الجزائر كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية 2015
  2. اوتاني، صفاء، العمل للمنفعة العامة في السياسة العقابية المعاصرة دراسة مقارنه ، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية ،مجلد 25 ،العدد 2 ، دمشق، سوريا،2009.
  3. حسني، محمود نجيب ،علم العقاب ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، مصر، 1967.
  4. زيدان ، فاضل ، العقوبات السالبة للحرية ، رسالة ماجستير، جامعة بغداد 1978
  5. زيني، ايمن رمضان ، العقوبات السالبة للحرية القصيرة المده وبدائلها دراسة مقارنة،الطبعة الاولى ،بدون ناشر، بدون مكان نشر، 2004.
  6. سراج، عبود، قانون العقوبات؛ القسم العام، الطبعة 10، منشورات جامعة دمشق، سوريا،2007.
  7. سعيد، كامل، شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات، الدار العلمية الدولية و دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الاردن،2002 .
  8. شريف، سيد كامل، الحبس قصير المدة في التشريع الجنائي الحديث، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999
  9. عقيدة ، محمد ابو العلا ، اصول علم العقاب ،مطابع عين شمس ، دار الفكر العربي، مصر، 1997.
  10. العوجي ،مصطفى ، التأهيل الاجتماعي في المؤسسات العقابية، الطبعة الأولى، مؤسسة بحسون، بيروت، 1993
  11. العوجي ، مصطفى ، دروس في العلم الجزائي، الجزء الثانيالسياسة الجنائية والتصدي للجريمة، الطبعة الثانية، مؤسسة نوفل، بيروت،1987
  12. كلاس، ايلي، العقوبات البديلة، المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، جامعة الدول العربية، بيروت، لبنان، 2013.
  13. المغيض، محمد علي ، بدائل الاصلاح المجتمعي في ظل تعديلات قانون العقوبات الاردني – دراسة مقارنة 2019

 

ثانيا: القوانين

1-قانون العقوبات الفرنسي 204 لعام 2004

2 –قانون الاحداث الاردني لعام  2014

3-قانون العقوبات الاردني رقم 86 لعام 2001  وتعديلاته 2017

  • قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني رقم 32 لعام 2017
  • الدليل الارشادي لبدائل الاصلاح المجتمعي الاردني 2019

ثالثا: المراجع الاجنبية

1- PRADEL Jean , Les nouvelles alternatives à l’emprisonnement créées par la loi du 10 juin 1983,

  1. 1984, chron. pp.111-117.

2 –TULKENS Henri, Le centenaire de la peine privative de liberté aux Pays-Bas, Groningen,

3-  OTANI Safaa, L’exécution de la peine privative de liberté en milieu fermé. Etude comparée des

droits français, syrien et libanais, thèse, Université de Poitiers, dactyl., Poitiers, 2002.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *