أ.د. برزان مُيّسر حـــامد الحميـــد  

 جامعة الموصل- العراق

dr.barzan_78@yahoo.com

009647701601393    

أ.د.عبد الرحمن ابراهيم حمد الغنطوسي

الجامعة العراقية – العراق

          ملخص :

                 لأبن حزم الأندلسي مفكر الأسلام الكبير ( ت:456ه) مؤلفات كثيرة كشفت النقاب عن صروف حياته المتقلبة في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، اكثر عصور الاندلس مأساوية ، كما أبانت عن الجوانب المتنوعة في آثاره بوصفه عالماً نفسانيّاً ، ومهذباً للأخلاق، ومنظّراً لغوياً، وفقيهاً ظاهرياً، ومؤرخاً للأفكار الدينية .

ولقد وصلنا من مؤلفات  ابن حزم حوالي أثني عشر كتاباً أعلقها بالنفس كتاب ((طوق الحمامة في الألفة والأّلأّف )) الذي وضعه في شبابه .وقد عمد  أبن حزم  في كتابه هذا – وهو دراسة حقيقية للحُب والمُحبين- الى بيان مفهومه للحب. ولا شك في أن هذا الموضوع لم يكن مستحدثاً في الأدب العربي ، فقبل تأليف ((طوق الحمامة)) بأكثر من قرن وضع ((الجاحظ))  في المشرق الاسلامي زمن الدولة العباسية ، رسالة صغيرة في الحبّ والنساء سمّاها بــــــــ ((في العشق والنساء)) . وفي القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي نجد الموضوع نفسه في إحدى رسائل ((اخوان الصفا)) ، وفي العصر ذاته يكاد ((المسعودي)) قد تحدث أيضاً عن الحب في ((مروج الذهب ومعادن الجوهر)) .

ألأّ ان ابن حزم استطاع ان يُجريّ إجراءً طريفاً حول مصطلح الحب هذا، فضمّنه عناصر سيرة ذاتية مطبوعة بطابع الصدق. فأبن حزم يُحدثنا في هذا المؤلف عمّا عاشه وأحسّه في أعماق نفسه. وفي كتاب الأعترافات هذا نجد أنّ الشخصيات التي تحوم حول أبن حزم  إنما هي أندلسية عرفها الرجل وعاشرها  من امراء ووزراء وعلماء وطلبة علم ، وقد روى لنا  أبن حزم قصص حُبّهم المتنوعة .

لقد أهتم أبن حزم وبيّن في كتابه ((طوق الحمامة )) أن الحبّ ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، اذ القلوب بيد الله تبارك وتعالى ، وأستشهد بمن كان عاشقاً من الخلفاء الامويين بالاندلس . وقد وصف الحب ّشعراً

فقـــــــــــــــال :               جَرى الحبُّ منــــّـــــــــي مَجرى النَفسِ      وأعطيتُ عَيني عنانَ الفَرسِ

من خلال ما تقدم سنتناول في دراستنا هذه موضوع ((الحب العذري)) عند  ابن حزم من خلال ماتم عرضه في كتابه  ((طوق الحمامة)) وكذلك عند التروبادور [شعراء وموسيقيين العصور الوسطى]، مستشهدين بألامثلة والنصوص التي أورداها ، ومعتمدين المنهج الوصفي التحليلي للوصول الى  النتائج المرجوة في ختام هذه الدراسة .

الكلمات المفتاحية : الحبُّ ، العذري ، ابن حزم ، الأندلسي، طوق الحمامة .

 

 

Virginal love according to Ibn Hazm al-Andalusi                 

         Prof. Dr. Barzan moyasir hamid alhameed                         

College of Education for Human Sciences          

University of Mosul           

Prof. Dr. Abdurahman ibraheem hamd Algantossi                 

College of Education

            University of  Iraqi           

   

    Abstract :

     Ibn Hazm al-Andalusi, the great thinker of Islam (died: 456 AH), wrote many books that revealed the volatile ways of his life in the fifth century AH / eleventh century AD, the most tragic eras of Andalusia. A jurist outwardly, and a historian of religious ideas.

     We have come from Ibn Hazm’s writings about twelve books, the book “The Dove’s Ring on Intimacy and Aluf” which he wrote in his youth. In this book, Ibn Hazm, which is a true study of love and lovers, deliberately explained his concept of love. There is no doubt that this topic was not new in Arabic literature. More than a century before the compilation of “The Pigeon Collar” Al-Jahiz wrote in the Islamic East at the time of the Abbasid state, a small treatise on love and women, which he called “On Love and Women”. In the fourth century AH / tenth century AD, we find the same topic in one of the letters of the “Brothers of Safa”, and in the same era almost “Al-Masudi” also spoke about love in “The Meadows of Gold and Minerals of the Essence”.

      However, “Ibn Hazm” was able to make a funny procedure about this term of love, so he included in it the elements of a biography printed with the character of honesty. Ibn Hazm tells us in this author about what he experienced and felt in the depths of his soul. In this book of Confessions, we find that the personalities that revolve around “Ibn Hazm” are Andalusian, whom the man knew and lived with: princes, ministers, scholars and students of knowledge, and “Ibn Hazm” told us their various love stories.

      Ibn Hazm was concerned and explained in his book “The Pigeon Collar” that love is neither anathema in religion nor prohibited in Sharia because hearts are in the hands of God, Blessed and Exalted be He. Love has been described as poetry He said: Love ran from me like a soul, and I gave my eyes the reins of a horse.

        Through the foregoing, we will deal in this study with the topic of “virgin love” the honourable and pure according to “Ibn Hazm” through what was presented in his book “The Pigeon Collar” as well as with the Troubadour, citing the examples and texts he cited and adopting the descriptive analytical approach to reach the desired results in the conclusion this study.

         Keywords: love, virginity, Ibn Hazm, Andalusian, pigeon collar.

 

المقدمـــــــــة :

يُعد ابن حزم ) 384-456ه) واحد من أهم وأشهر العلماء والفلاسفة المسلمين في الاندلس، فإسهاماته لم تكن في العلوم الإسلامية وحسب، بل قدَّم العديد من الإسهامات للحضارة الإنسانية، فهو لم يكن فقط ذلك الفتى الذي هام بجاريتين من جواريه هياماً رومانسياً، وإنما هو أيضاً المتكلم والفيلسوف والفقيه والباحث واللغوي والمؤرخ والشاعر والثائر وعالم النفس والأخلاق ورجل الفكر والعمل السياسي والحالم. وفي كل هذه الجوانب كان ابن حزم واضح الانتماء إلى حضارته العربية الإسلامية لا إلى أية حضارة أخرى. بل هو معتز بهذا الانتماء اعتزازاً كبيراً، وهذا ما يستنتج من مصادر كثيرة في أدبه وفكره. وإذا كان ابن حزم قد انفتح على السوق الثقافي الاسباني الذي كانت تؤمنه له قرطبة والأندلس، من حيث التفاعل مع آداب قشتالية ولاتينية كانت موجودة في الاندلس الإسلامية إلى جانب الثقافة العربية الإسلامية، فإن هذا الانفتاح لا يلغي الأصالة. والأكيد أن ابن حزم لم يكن ضامر الثقافة العربية، أو موزع الذات بين هذه الثقافة والثقافة الأجنبية، وإنما كان في سياق حياته، وفي سياق عصره، مثقفاً وكاتباً عربياً كاملاً .

أما الذين يطاردون ابن حزم في مطاوي نفسه، أو في “اخفى طيات أعماق روجه”، كما يقولون، ليستنتجوا اسبانيته، أو ليفترضوا وجود مسيحية كامنة فيه، فإنهم يخالفون أبسط قواعد المنهجية العلمية. فمن التعسف وضع ابن حزم بين قمم الفكر الاسباني على امتداد كل العصور، في حين أنه، وبشهادة تراثه، عربي ومسلم كأي عربي أو مسلم آخر. أما الذين يتحدثون عن صفات نفسية فيه شبيهة أو مماثلة للصفات النفسية عند الاسبان ليستنتجوا اسبانيته، وليبعدوه ابعاداً تاماً عن العرب، فإنهم يقعون في الخطأ وفي العنصرية في آن واحد، وكأن العرب لم يعرفوا في تاريخهم ما يمكن تسميته بمؤسسة مكارم الأخلاق، وهي مؤسسة لم تزدهر لدى أي شعب من شعوب العالم كما ازدهرت لدى العرب والمسلمين ( فاضل، 1428ه، موقع جريدة الرياض الألكتروني ) .

ولا يكاد القارئ يمضي خطوات مع ابن حزم في ((طوق الحمامة)) حتى يجد نفسه أمام نبض من ذكرياته، عن نفسه وعن أصدقائه، وآخرين مجهولين، وكلهم من العشاق: زفراتهم حارة، وأحاسيسهم صادقة، يخلطون المداد بالدمع، ويستخدمون في التراسل الحمام والعيون والرسل، ويعانون من الوشاة، ويموتون من الحب. وهو، الى جانب ذلك، معرض حافل بالحديث عن شيوخ ابن حزم، والشخصيات العامة في قرطبة،وبالاشارات التاريخية، والأحداث الهامة والحفلات الخاصة، وتخطيط العاصمة ومعمارها، ومساكن آل حزم ومستواها. وكلها تتحرك نابضة بالحياة، وتمضي متماسكة مثل عناقيد العنب. والكتاب قبل كل ذلك سيرة ذاتية لابن حزم، خطها بقلمه، واعترافات مخلصة باح بها في جرأة وصدق غير مألوفين في التراث القديم .

وإذا كان بعض الباحثين الاسبان يركزون على النزعة العذرية في كتاب “طوق الحمامة”، وعند ابن حزم شخصياً، ليؤكدوا انتماءه إلى التراث المسيحي، أو إلى التراث الاسباني السابق للمرحلة الاندلسية، فقد خاب سعيهم، فالنزعة العذرية من لزوميات تاريخ العشق عند العرب، وانطلاقاً منها كتب الشعراء العذريون العرب أمجد صفحات العشق وابقاها، بل أن هذه النزعة تنسب لآل عذرة !، وهم قبيلة من قبائل العرب القديمة .

على أن أهمية ابن حزم تتبدّى، أكثر ما تتبدّى، في كتابه ((طوق الحمامة)) الذي ليس له مثيل في تاريخ الشعوب والحضارات القديمة ،حيث نُقل هذا الكتاب إلى العديد من اللغات الحيّة المعاصرة، وأثار اهتماماً واسعاً مشابهاً للاهتمام الذي أثاره كتاب ألف ليلة وليلة . غير أنّ في ((طوق الحمامة)) تبدو شخصية ابن حزم في قمة توهجها حيث يلتقي الشاعر وعالم النفس والأديب ليرسموا لوحة جميلة نادرة للحياة العاطفية في الأندلس على أيامه (فاضل، 1428ه، موقع جريدة الرياض الألكتروني) .

أهمية الدراسة : تكمن اهميتها في الوقوف عند مفهوم الحب والعشق عند ابن حزم الذي جسّده من خلال كتاب  ((طوق الحمامة في الألفة والأّلأّف )) والذي صُنّف (( أروع كتاب درس الحب في العصر الوسيط في الشرق والغرب في العالمين المسيحي والأسلامي )) .

هدف الدراسة : الوصول الى امر جدأ مهم عند أبن حزم من خلال كتابه (( طوق الحمامة )) وهو بيان أن الحب ليس بمنكر في الديانة( المسيحية) ولا بمحظور في الشريعة( الأسلامية) ، اذ القلوب بيد الله تبارك وتعالى ، وأستشهد بمن كان عاشقاً من الخلفاء الامويين بالاندلس .

مشكلة الدراسة : محاولة بعض المستشرقين إبعاد نظرية الحب العذري عن الطبيعة الإسلامية أو الفطرة العربية وإن هذا الغزل العفيف لا تعرفه الأخلاق العربية ولا الديانة الأسلامية ، وأنه تحدّر الى(( أبن حزم)) إرثاً من اجداده الأؤل المسيحيين، في محاولة منهم لأرجاع أبن حزم الى أصوله المسيحية وأبعاده عن النسب العربي والدين الأسلامي .

منهج الدراسة : اعتمدنا المنهج الوصفي التحليلي في محاولة منّا للوقوف عند فلسفة الحب وماهيته عند ابن حزم الأندلسي من خلال ما أورده من قصص وروايات عن الحب والمحبين في كتابه طوق الحمامة لأشخاص عاصرهم .

هيكلية الدراسة : تناول البحث في بدايته نبذة عن المفكر الاسلامي الكبير ابن حزم الاندلسي وأنه ليس أول من كتب في الحب من أدباء العرب، فقد سبقه إلى ذلك الكثيرون، ثم تقديم عرض لكتاب ” طوق الحمامة” وتحقيق نصه العربي وطبعاته وأبوابه حسب تقسيمات مؤلفه. ثم عرّج البحث بعد ذلك الى مفهوم الحب وأغراضه عند ابن حزم والتروبادور. ليصل عند الأيدلوجية الغرامية عند ابن حزم والتروبادور وبيان أوجه الأتفاق والاختلاف في نظرية الحب العذري عند كل من أبن حزم والتروبادور وهو خاتمة لموضوع البحث .

حدود الدراسة : تتمحور في بيان مفهوم الحب والعشق ورواية الكثير من هذه القصص من خلال ما شاهده وعاصره في البلاط الاندلسي خلال عصر الخلافة الاموية وجزء من عصر الطوائف .

مُـدخـــل :

لقد قدّم ابن حزم للحضارتين الإنسانية والإسلامية إلى جانب ما قدمه في ميدان المزج بين النظر المنطقي والنظر الديني وما قدمه في ميدان تاريخ المذاهب والأديان نظرية جديدة حول ((الحب)) من الوجهتين النفسية والاجتماعية.

وعلى الرغم من أنه ليس أول من كتب في الحب من أدباء العرب، فقد سبقه إلى ذلك أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري في كتابه ( الزهرة ( ، وابن الجوزي في كتابه) الحدائق(، وإخوان الصفا في(بعض رسائلهم، وابن المقفع في) الأدب الكبير والأدب الصغير (,والجاحظ في )أحدى رسائله في العشق والنساء( وأبو إسحاق الحصري في كتابه) المصون في سر الهوى المكنون(، إلاّ أن ابن حزم قد فاق كل هؤلاء في دقة منهجه وتسلسل أفكاره، وترابط بحثه ورقة حسه، وبعد غوصه وأتباعه منهجاً استبطانيًا واستقرائيًا، فجاءت رسالته )طوق الحمامة(  حافلة بالملاحظات النفسية الدقيقة والخبرات الحية المعاشة والأمثلة التاريخية والنماذج البشرية المتنوعة، أو بتعبير آخر جاء ما قدمه في “طوق الحمامة” نظرية متكاملة عن الحب اعتمدت على عناصر البحث النفسي والاجتماعي( آل تركي،2018، موقع ساقية الالكتروني) .

فــــــــ (ابن حزم) هذا الفقيه الظاهري الأصولي لم يجد أي تناقض بين ما قدّمه في “طوق الحمامة” وما قدّمه في الُمحلّى أو الفصل، ولو أنه – بكل ما عُرف من دين قد اكتشف على امتداد عمره – تناقضاً لأعلنه ورجع عنه .

ويأبى بعض المستشرقين أن ترجع نظرية الحب العذري إلى الطبيعة الإسلامية أو الفطرة العربية. فحين وقف (رينهارت دوزي) على قصة الحب الرقيقة لــــــ” أبن حزم” ، وأستكثرها على العرب وعلى المسلمين بالرغم من أنه علماني لا يحب الكنيسة ولا يتعاطف مع رجال الدين المسيحي ، وقال إن هذا الغزل العفيف لا تعرفه الأخلاق العربية ولا الديانة الأسلامية ، وأنه تحدّر الى” أبن حزم” إرثاً من اجداده الأؤل المسيحيين( آل تركي،2018، موقع ساقية الالكتروني)  .

بيدّ أنّ كثيراً من المستشرقين من امثال المستشرق الروسي ميغل آسين بلاثيوس قد تصدى له مفنداً آراءه في دراسة عن ابن حزم وكذلك الراهب (إميليو غارسيا غوميز) والمستشرق الفرنسي اليهودي( ليفي بروفنسال) وغيرهم ، قد ردّوا هذا الزعم أو الأدعاء وبينّوا أصوله الأسلامية والعربية حتى في البيئة الجاهلية .

وبما أننا لا نميل إلى أن لـــ (ابن حزم) أصولاً مسيحية بل نرى نسبته في فارس التي نسب إليها نفسه، ونسبه إليها أقرب تلامذته، فنحن بالتالي لا نرى ضرورة للبحث في قضية الأصول هذهِ، ونرى أن عقليته وتكوينه النفسي إنما هما إسلاميان عربيان لحمةً وسدى .

إن المحاولات التي سبقت ابن حزم في مجال الحب ليست سوى نظرات جريئة لم تستطع أن تشق لها رافداً في نهر الحضارة سواء منها ما أنتجه العقل العربي أو أنتجه العقل الأوروبي .

أما طوق الحمامة فقد كان كما يصفه بحق الدكتور الطاهر مكي: (( أروع كتاب درس الحب في العصر الوسيط في الشرق والغرب في العالمين الاسلامي والمسيحي)) وتتبع أطواره وحلل عناصره وجمع بين الفكرة الفلسفية والواقع التاريخي وواجه أدق قضاياه في وضوح وصراحة ( آل تركي،2018، موقع ساقية الالكتروني) .

وكان (ابن حزم) الدارس الواقعي، في كل خطاه، أفكاره محلّقة وقدماه على الأرض، ويصدر في نظريته عن تجربة عميقة ذات أبعاد إنسانية واسعة وعن إدراك ذكي لطبائع البشر.

رحلة الكتاب :

يشير الدكتور الطاهر أحمد مكي أنه في نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، قام السفير الهولندي المستشرق فون وارنر بدراسة المخطوطات العربية خلال فترة انتدابه سفيراً في الأستانة من سنة 1644 إلى 1665 م .

وفي ذلك الوقت توفي حاجي خليفة الذي كان يملك واحدة من أكبر مكتبات الأستانة، فاشترى فون وارنر الكثير من المخطوطات ممن آل إليهم أمر مكتبة حاجي خليفة فكان من بين هذه المخطوطات مخطوط ((طوق الحمامة))، الذي قُدر له أن يستقر في مكتبة ليدن بهولندا، لمدة 175 عاماً، إلى أن جاء مطلع القرن التاسع عشر، حيث قام المستشرق الهولندي رينهارت دوزي بإصدار أول طبعة لفهرس المخطوطات العربية في جامعة ليدن، عرف العالم من خلالها مخطوطة (( طوق الحمامة )) .

النص العربي :

ودام الحال إلى أن قام المستشرق الروسي  د. ك. بيتروف (D.K. Petrof) بتحقيق النص العربي لطوق الحمامة كاملاً في سلسلة كتب كانت تصدرها كلية الاداب في جامعة بطرسبرغ، وطُبع في مطبعة ” بريل” العربية في ليدن عام 1914م . وبعد سبعة عشر عاماً قام السيد محمد ياسين عرفة، صاحب مكتبة عرفة في دمشق ، بطبع النص العربي ثانية عام 1930 .

ولم يجرَ تغييراً كبيراً عن نسخة بيتروف، إلى أن صدرت الطبعة الثالثة عام 1949م على يد المستشرق الفرنسي “ليون برشيه “في الجزائر، وبعدها بعام، أي عام 1950م قام الأستاذ حسن كامل الصيرفي بطباعة النسخة الرابعة للكتاب في القاهرة، لكن هذه الطبعة جاءت أسوأ مما صدر من طبعات، لجهل الصيرفي بتاريخ الأندلس وحضارتها .

طبعات أخرى :

ومن ثم تقدم الدكتور الطاهر أحمد مكي بضبط نص الكتاب وتحرير هوامشه، في طبعة صدرت عن دار المعارف المصرية عام 1975م ، وفي عام 1993م حقق الدكتور إحسان عباس الكتاب ونشره، وهناك طبعات أخرى كثيرة، كما قام الدكتور حاتم بن محمد الجفري بوضع كتاب عام 2009م بعنوان (( الحب.. .أعزك الله )) .

ثم ظهرت له ترجمات عديدة إلى لغات أوروبية من سنة 1931م إلى سنة 1952م . وقد حدد  “ليون بيرشي”  (Leon Bercher) الذي ترجم (( طوق الحمامة )) إلى الفرنسية سنة 1949م المخّطط العام للكتاب على هذا النحو : (( إنما وضع ابن حزم هذه الرسالة الصغيرة في الحب، والأحوال التي ينشأ فيها، والآفات التي تعرض له ، والسلوك الذي يفرضه على المحبين ، بطلب من صديق له من المرية جاء يزوره في بيته بمدينة شاطبة الأندلسية . وبُعيد ذلك نبّه  ليفي بروفنسال ((Levi-Provencalعند مراجعته لــــــــ (( طوق الحمامة )) إلى ما يضمه الكتاب من تفاصيل تتعلق بالحفاوة القرطبية في آواخر أيام الخلافة الأموية pp.335-375) ،1950 ،PROVENÇAL) .

وقد أشار- بما عُرف عنه من نفاذ بصيرة- [أي أبن حزم] إلى أن هذا الكُتيّب المؤلَف سنة 412ه/ 1022م

(( يبسط من خلال صفحاته نظرية في المثالية الغرامية )) تلائم تمام الملاءمة تلك النظرية التي يمكن أن نستخرجها من الدراسة المقارنة لبعض شعراء التروبادور ([1] ) في جنوب فرنسا. وهم الشعراء والموسيقيين الذين ازدهر شعرهم الغناني في مطلع القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي إلى نهاية القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي

p.293)، 1948، (PROVENÇAL والحق أن ما ضمه كتاب(( طوق الحمامة )) من مفهوم سامٍ للحب قد بدأ في الظهور منذ القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي عند عدد لا بأس به من الشعراء الأندلسيين . وبُعيد ذلك ومن الجهة الأخرى لجبال البرانس شرع التروبادور – وهم شعراء وموسيقيون معاً –  كما أسلفنا في التغنّي بالحب العذري ، وهو صداقة عشقية ، وعبودية تلقائية للمرأة . إن تنظيم المقاطع الشعرية ، والحب المثالي والحب الشهواني عناصر موجودة في القرون الوسطی المتأخرة في الحب الأندلسي والحب الأوكسيتاني (pp283-304،1948، poesie) .

والكتاب في مضمونه يعالج حالات الحبّ ويصنفها ابتداءً من “الود” إلى مرحلة “الجنون” التي تصيب العاشق، ويُقدّم ابن حزم نصائح للعاشقين والمحبين عبر مجموعة من الأشعار والقصص .

لقد تناول ابن حزم الألفة بين المحبين في وصف أكبر وأشمل وأعمق من الحب، وعالج العاطفة من منظور إنساني تحليلي،مستعينًا بكتاب “مأدبة الحب الأفلاطونية” و”مجالس يحيى البرمكي” وكتاب “الزهرة” لابن داود الأصبهاني(ابن حزم، 2016، ص11-16).                                                              

وجاءت تسمية الكتاب بـ “طوق الحمامة” كنايةً عن الجمال الذي يعتبر مساراً  للحب، مستلهماً من قصة منح النبي نوح(عليه السلام) الطوق للحمامة التي أرشدته بعد الطوفان، بالإضافة إلى أن الحمامة رمز للحب عند فينوس آلهة الحب في الأساطير اليونانية (ابن حزم، 2016، مقدمة الكتاب).                                   

أبواب الكتاب :

ضم الكتاب مجموعة أبواب، من ضمنها؛ باب ذكر من أحب في النوم، باب من أحب من نظرة واحدة، باب التعريض بالقول، باب الإشارة بالعين، باب المراسلة، باب السفير، باب الإذاعة، باب العاذل، باب الوصل، باب الوفاء، وباب الموت. وخير ما ختم به ابن حزم كتابه باب الكلام في قبح المعصية، وباب الكلام في فضل التعفف استشهد فيهما بالآيات والأحاديث عن قبح المعصية وفضل التعفف، فلئن كان القلب يخرج عن طوع صاحبه ويميل ويحب والشخص غير ملوم على هوى قلبه فإنه يحاسب على فعله، كأنما الكاتب في هذين البابين يحاول أن يقول: ((إذا فقدت قلبك، حاول أن لا تفقد عقلك)) .                                                                    

تعريف الحب عند أبن حزم والتروبادور :

      لقد اهتم  ابن حزم ببيان أن الحب: (( ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، إذ القلوب بيد الله عز وجل)) ( ابن حزم ، 2016، ص 11). واستشهد بمن كان عاشقاً من الخلفاء الأمويين بالأندلس. وقد وصف الحب شعراً فقال :

جرى الحب مني مجرى النفس وأعطيت عيني عنان الفرس

لقد أفاض الناس في الحديث عن الحب إذ أنهم لم يتفقوا في طبيعته ، أما ابن حزم فيقول : (( والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في أصل عنصرها الرفيع)) . ويستطرد قائلاً: ((إن الحب شيء في ذات النفس)) ؛ فصحّ بذلك أن الحب: (( استحسان روحاني وأمتزاج نفساني )) (طوق الحمامة ص ص 13-14، 19). ويفّسر هذا الحبّ الذي پستولي على النفوس بما بين الأرواح من تناسب في القوى . إن الاندفاع التلقائي إلى الأسمی يطبع الحبّ عند  ابن حزم  بطابع أفلاطوني ، ونتبين في ذلك أثر ((مأدبة )) أفلاطون .

أما عند التروبادور فالحب العذري انجذاب غرامي ينزع إلى المماثلة بين نفسين شريفتين والتوحيد بينهما ، وقد رأى بعض الدارسين في هذا الحب ضرباً من تصعيد الاندفاع الأولي وروحنته p.147)،1961،DAVENSON) . وبدءًا من سنة 545ه/1150م أخذ التروبادور يلحّون على طبيعة الحب الروحانية الصرف، ولئن كانت الشهوة منفلتة من عقالها فإن الحب العذري ينصاع لقواعد معينة ، ولكي تتحقق العذرية (la cortezia) تحققاً تاماً فإنها تقتضي من الإنسان أن يلتزم سنّة معلومة بأن يبدي (( اعتدالا)) (mesura )، أي نمط تصرّف وآداب سلوك هي واجب إجتماعي مهم . وعلى الإنسان أيضاً أن يراعي متطلبات الفتية (Jovens) وهي جملة من الخصال الأخلاقية والمروءة والكرم (33 ، 30، pp.27-28 ، 1964 ،LAZAR) .

ویری  أبن حزم أنّ الحب ينجر عنه تحوّل ، فهو (( يزّين للمرء ما كان يأنف منه ، ويسهل عليه ما كان بصعب عنده، حتى يحيل الطبائع المركبّة والجميلة المخلوقة )) ( ابن حزم ،2016،  ص15) .

وللحب على العشاق في نظر این جزم  حكم ماضِ ، إنه:((داء عياء ، وسقام مستلذ ، وعلّة مشتهاة لا يودّ سليمها البرء ولا يتمنى عليلها الإفاقة)) (ابن حزم ، 2016 ، ص 15) .

وقد التقى ابن حزم بفتى من بعض معارفه هو بمثابة السقيم الذي لا يريد فقدّ سقمه لشدة ما (( وحل في الحبّ وتورّط في حبائله))(ابن حزم، 2016، ص16 ويرى برناردي فونتادور: ((أن الحبّ سجن)) (آريي،1988 ، ص45) .

ويعتبر كل من ابن حزم  والتروبادور أن الشهوة نار مهلكة، وقد شبّه المفكر القرطبي العاشق بفراشة أحرقتها النار (ابن حزم،2016 ص34-35) . ويؤكد برناردي فونتادور أنه يعاني من الآلام بقدر ما يعاني: ((من يحتضر وسط النيران)) (آريي،1988 ، ص45). إن الهوى يملك النفس من أقطارها، ويُترع الفؤاد غمّاً ، إلاّ أنّ عذاب الحبّ عذب المذاق . ويفسّر ابن حزم هذا الجانب السلبي للحب في إطار تعريفه ، فلا يكون المرء تعيساً في حبه إلا إذا كانت روح المحبوب في شغل شاغل عن نداء نصفها الآخر لأنها مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة (ابن حزم،2016 ص13) . وليس لــــ (( جوفري رودل)) من رغبة (( سوى هذا الحب النائي )) الذي يملك عليه نفسه . ويُنشِد (( سير كامون )) ذلك الحب الذي أوقعه في شراکه ، ولم يعطه إلا ((النّكال والغم)) : وهو يرى أن لا شيء أغلى من حبيبي الوحيد ولا شيء يثير فيّ الأمل غير ما لم أستطع الحصول عليها

58) ،X1 PP.54،،1934،DAJEANNE).كما إن الانتظار يغيظ التروبادور ويدفعه إلى أن يبدع ويكون طاهراً ، وإنّ روعة أغاني ((برناردي فونتادور)) ناشئة عن الأسى الذي استولى عليه نتيجة لقساوة السيدة التي تعذبه ، وإن الحب المكبوت يدفعه إلى البحث عن المثل الأعلى .

المرأة والعاشق والغير :

ثمة في الحب العذري ثالوث لا بدّ منه : المرأة والعاشق والغير.  كما كان معيار الجمال الأنثوي في شعر الشرق الإسلامي وفي شعر الأندلس متمثلاً في السمراء ذات الشعر الفاحم الأثيث . وفي القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي تغزل الأندلسيون المسلمون في أشعارهم بالمرأة الغيداء القصيرة الشعر(p43،1968،vadet) .

أما  ابن حزم  فقد كان شغوقاً أيما شغف بالشقراوات : ((إني أحببتُ في صباي جارية لي شقراء الشعر، فما استحسنت من ذلك الوقت سوداء الشعر، ولو أنّه على الشمس،أو على صورة الحسن نفسه))( ابن حزم،2016، ص 38) .

وقد ذكر بعد ذلك إيثار الخلفاء الأمويين بقرطبة للشقراوات ، وأضاف أن المرأة الجبداء لم تكن تُقدّم دائماً على ذات الجيد العادي ، وإنما الأمر مُرتهن بالذوق الشخصي . وقلما نجد عند  ابن حزم  حديثاً عن أعضاء المرأة ، ويظل وصفه العام لمحبوبته تقليدياً صرفاً حين يرى في ضوء القمر انعكاساً لبهائها ، وهو يعجب ببياض البشرة وبالخيلان وبالنمش الذي يزّين الوجه ، وبمشية المحبوبة المتمايلة وبقدّها المهتزّ كالغصن (ابن حزم،2016، ص ص73-77،80- 83، 109، 153-155) .

وقد حازت المحبوبة على الفضائل كلها، وهذا ما نستنتجه من قصة وقعت لأبن حزم شخصياً، فقد شغف حباً بجارية فتية في السادسة عشرة من عمرها كبرت في بيت أبيه وظل يذكر أنها :

(( غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها وخفرها ودماثتها عديمة الهزل منيعة البذل ، بديعة البشر مسبلة الستر ، فقيدة الذام قليلة الكلام ، مغضوضة البصر شديدة الحذر ، نقية من العيوب دائمة القطوب ، حلوة الأعراض مطبوعة الانقباض ، مليحة الصدود (ابن حزم ،2016، ص 136-137) .

إن الصفات التي درج التروبادور على استعمالها تضفي على المرأة المحبوبة شيئاً من الألق. فـــــــــ (( قيوم IX)) يتغزل بأمرأة (( أشد بياضاً من العاب)) ، ويتغنّی شاعر مغمور بجسد حبیبته (( الأبيض كزنبقة ثلجية)) (( غریض لونها کوردة أيار – أشقر كالذهب شعرها الرائق)) )) (آريي، 1988، ص46). ومع ذلك يظل وصف الجمال الأنثوي مبهماً وتقليدياً صرفاً والشعراء الغنائيون الأوكسيتانيون إنما يتغزلون بنحافة القدّ ، وبهاء البشرة البيضاء كالثلج ، القرمزية كالوردة ، ورقة الحواجب ، وبياض الأسنان ، وتناسب أقسام الوجه تناسباً لطيفاً . وهم لا يشيرون البتة إلى لون العيون ، ولا إلى ما تّبين عنه هيئة الوجه . إن المرأة المحبوبة عند التروبادور هي أكمل مخلوقات الله ؛ ويعتبرها )) برناردي فونتادور (( فوق نساء الدنيا جميعاً )) (آريي، 1988 ، ص46). ويمتنع التروبادور عن الفصل بين خصال المرأة المعنوية وصفاتها الجسدية. إنها امرأة عظيمة بمالها من نسب تليد ، وهي رقيقة رشيقة فطنة . وهي تحسن الجمع بين (( الأحاديث العذبة )) و (( الأعمال الحميدة )) . ويتصور التروبادور جمال المرأة موسوماً بالرقة والذكاء . إن محبوبة التروبادور تملك صفات أكمل النساء في الدنيا .

وعلى هذا النحو يحدد  ابن حزم  سلوك العاشق : يشيح العاشق جهراً عن كل الحاضرين سوی محبوبه . ويبلغ به الأمر أن يحب أهل المحبوبة وقرابتها وخاصتها حتى يكونوا أحظى لديه من أهله ومن جميع خاصته (ابن حزم،2016، ص 22) .

ویری (( قيوم 1X)) أنه من الواجب على العاشق أن يحترم كل من يقيم مع محبوبته . ويعتبر برناردي فونتادور  أنه على العاشق أن يكون بشوشاً حتى مع المنافس أو العدو . إن المحبّ يبدي للمرأة توقيراً كبيراً . فـــــــ ((أرثر دانیال)) (Arnaut Daniel) يقول : (( إنني أكرّم ألف إمرأة في الدنيا)). أُحب أن يُبعث في قلب العاشق كل الفضائل . وعلى العاشق الكامل أن يُعرض عن كل صنيع من شأنه ألاّ يروق المرأة . وتتدّرج واجباته من مجرّد الاحترام من باب المجاملة إلى تقديم البراهين على تفانيه في الوله. ويشترط التروبادور على العاشق أن يمسك زمام عواطفه وغرائزه طبقاً لسنن الحب العذري . ويحتاج المرء إلى بذل جهد كبير حتى يصبح عاشقاً كاملاً . فلا يغدو جديراً بهذه التسمية إلاّ من تخلص من كل غرور ذَکري . وعلى العاشق أن يسعى إلى أن يفتن المرأة بشدوه حتى يكون موضع إعجابها . ويصرّح برناردي فونتادور إنه متدّله في حب المرأة، وهو ملك لها قلباً وقالباً ، وهو يبتهل إليها ويعبدها كما لو كانت إلهاً . ويستطرد قائلاً :

((اني مدين لمعشوقتي بقيمتي وبروحي معاً ؛ ومن فضلها مرحي اللذيذ وعاداتي الطيبة ، فلو لم أرها لما أحببت ولما سعيت البتة إلى أن أحظى بالإعجاب)) .

وربما شكا العاشق أمر الحبيبة إذا ما أصابته بخيبة أمل كبيرة . وقد عبّر ((قیوم (( IXفي أناشيده الأولى عن أسفه لغدر النساء. وقد حدث لـــــ برنار دي فوتتا دور انقلاب مفاجيء: فقد خاب أمله ومن ثم أصبح سعيداً بفراق حبيبته واتهم النساء كلهن بالتقلب (آريي، 1988 ، ص47). وتتحرك على ركح الحب العذري شخصيات ثانوية قليلة الأهمية .

فالصديق المساعد حسب اعتقاد ابن حزم  صديق مخلص لطيف القول مأمون الخيانة كريم النفس مبذول النصيحة . (( ولمن يفقد الإنسان من صاحب هذه الصفة عوناً جمیلاً)) (ابن حزم،2016، ص 67). وربما كان الصديق الوفي عاذلاً في الوقت نفسه. والعاذل صديق قد أسقطت مؤونة التحفظ بينك وبينه، فعذله أفضل من كثير من المساعدات ، ولكنه خطب شديد أن يكون العاذل زاجراً لا يفيق أبداً من الملامة (ابن حزم،2016، ص 65) ، ويصّور فيرو دي بوراي (Guiraut de Borneil) عند مطلع الفجر المثال الكامل للصديق الذي يسلخ الليل يرعى الشاعر ومحبوبته (آريي، 1988 ، ص47) .

إن المرء ليشعر بالارتياح إذ يستطيع أن يبوح له بسعادته . إلا أن الصديق الذي تطلعه أكثر على أسرارك ، غالباً ما يتضح أنه مهذار . ولذلك فبعد أن نصح فيرو العاشق باتخاذ صديق يأتمنه على أسراره توقع المخاطر المنجزة عن هذا الوضع، وانتهى به الأمر إلى القول بأنه إن وجد ثلاثة « رفاق» كان أحدهم عادة (( زائداً عن الحاجة)) وإذا حلت الثقة بين العاشقين وقع إدخال ((السفير)) الذي خصّه  ابن حزم  بفصل قصير (ابن حزم،2016، ، ص ص 47-48) .

وينبغي أن يتخير العاشق السفير بشيء كثير من العناية، وأن يرتاده من بين أكثر الناس حذقاً . وينصح ابن حزم  العاشق بأن يعهد بأداء الرسالة إلى إنسان حافظ للأسرار وفيّ للعهد قنوع ناصح ، ومن لم يتحّل بهذه الصفات كان ذا ضرر على باعثه ، وقد كان المحّبون في قرطبة يستعملون في هذه المهمة النساء ذوات الصناعة التي تقربهن من الناس : كالطبيبة والحجامة والدلاّلة والماشطة والنائحة والمغنية والكاهنة والصنّاع في المغزل والنسيج ( ابن حزم،2016، ص47) .

وينتظر التروبادور السفير بنفاد صبر ، وهذا برتادي فونتادور يكتب : (( أيها السفير رح عدواّ وحدّث أجمل النساء عن الحزن المرير والعذاب اللذين أقاسيهما حتى الموت))(آريي،1988، ص47) . وغالباً ما يكلًف السفير بنقل تذكار من المحبوبة إلى العاشق .

أغراض الحب العذري :

يری ابن حزم  أن الحبّ الحسي يمكن أن ينشأ عنه حب حقيقي. وإذا وافقت العلاقات الجنسية أخلاق النفس تولدت المحبة (( إذ الأعضاء الحساسة مسالك إلى النفوس ومؤديبت نحوها )) والحب عند  ابن حزم  يمكن أن يقع بالوصف دون المعاينة (( فإن للحكايات ونعت المحاسن ووصف الأخبار تأثيراً في النفس ظاهراً)) (ابن حزم،2016، ص 27) .

وحسب ابن حزم فأن نشوء الحب تصحبه دوماً أعراض ، وهذه العلامات التي تُظهر الحبَّ تكشف سرَّ العاشق  وهي مختلفة ، منها إدمان النظر للمحبوب، والإنصات لحديثه إذا حدّث ، والدّنو منه. وكثير من حركات العاشق ذات دلالة : منها تعمده لمس يد المحبوب عند المحادثة ، وشرب فضلة ما أبقي المحبوب في الإناء . ومن علامات الحبّ كثرة الغمز الخفي والتلميح بالكلام ، ومراعاة المحبَّ لمحبوبه ، وحفظه لكل ما يقع منه . ومنها بهن يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة ، ومنها اضطراب يبدو على المحبّ عند سماع اسم محبوبه (ابن حزم ،2016 ص ص 30-39). وقد أحسن « سيركامون» وصف ما يعتريه من اضطراب أمام حبيبته إذ قال :

(( من فرط عجيي حين أكون معها

  عجزي عن البوح بمرادي

وعند انصرافي عنها يخيّل إليّ

 أني فقدت كل أحساس وكل معرفة)) (ابن حزم، 2016، ص50 ) .

ومن علامات الحب الحياء ، ويتحدث ابن حزم عن الحياء المركب الذي يكون في المحب فيحول بينه وبين التعريف بما يجد المحبوب.((فيتطاول الأمر وتتراخي المدة ويبلی جدید المودة ويحدث السلّو))(ابن حزم،2016، ص 134) . وهذا سير كامون لا يجرؤ على قول شيء لحبيبته . ولما باح بحبّه بعد أن يسلخ في العشق حولين أو ثلاثة (آريي، 1988، ص50) .

ومن علامات الحب البكاء، وهو دليل على حرارة الحب وصدقه. وقد قال ((ابن حزم)) في هذا شعراً :

  دليل الأسى نار على القلب تلفــــح                    ودمع على الخدين يحمي ويسفح

  إذا كتم المشغوف سر دموعــــــــــه                       فإن دموع العين تبدي وتفضــــــــح

  إذا ما جفون إلعين سالت شؤونها                     ففي القلب داء للغرام مبــــــــــــــــــرح

                                                             (ابن حزم،2016 ص 23) .

       وعند التروبادور تكون الدموع سبباً في شحوب العاشق ونحوله . يقول برناردي فونتادور : ((من ماء عيوني الجاري أكتب أكثر من مائة سلام أبعث بها إلى أحسن النساء وأجملهن)). وليس لـــــــ آرنودي ماروي (Arnaut de Mareuil) من حديث إلا عن دموعه X1 P.103) ،1934،DAJEANNE) .

ويكون عذاب المحب أيضاً معنوياً ، وهو يقاسي كل أنواع الهموم . ويتحدث ابن حزم عن الجزع الشديد الذي يغلب على الحبَّ وتنفسه الصعداء (ابن حزم، 2016، ص22). يقول برناردي فونتادور إن الحبَّ جعله متأرجحاً كالسفينة الشراعيّة فوق الموج ، ويصرّح بأنه أكثر عذاباً من ((تریستان)) :

لي من الحب آلآم مبّرحة

لم يذق مثلها (( تريستان )) العاشق

من جرّاء (( ایزوت )) الشقراء (آريي، 1988، ص51) .

إن المرأة تبدو موصولة وصلاً مكيناً بكلّ ما يجعل الطبيعة جميلة .وقد قام  ابن حزم  بوضع المحبين في إطار ريفي. وفي هذا المعنى نعرض الأبيات التي نظمها من ((الروضیات)) :

نَعِمنَا على نُورٍ من الروضِ زاهِر       سَقتهُ العَوَادي فَهْو يُثني ويَحمدُ

          كأنّ الحَيَا والمُزنَ والرَّوضَ عاطراً       دُموعٌ وأجفانٌ وَخدٌ مُوّردٌ (ابن حزم، 2016، ص 43).

ولبعض موضوعات الحب العذري طابع بالغ التميّز ، وقد جلعنا أهمّها قوة الحب، وقد ذكرها ابن حزم  بقوله :

((اعلم أن للحب حكماً في الناس ماضياً وسلطاناً قاضياً وأمراً لا يخالف وحدّاً لا يُعصى ومُلكاً لا يُتعدَّى وطاعة لا تصرف ونفاذاً لا يردّ…)) ( ابن حزم ،2016، ص 37) .

وينبغي أن نربط بين الشوق وقوة الحب، فلكل عاشق شوق إلى اللقاء. وعندما يمتزج شخصان في حبّ واحد تنشأ بينهما مراسلة . وقد أفرد ابن حزم للمراسلة فصلاً قصيراً يقول فيه :

(( إن لوصول الكتاب إلى المحبوب وعلم المحب أنه قد وقع بيده ورآه للذة يجدها المحب عجيبة تقوم مقام الرؤية… ))

( ابن حزم،2016،، ص 45) .

ويقدم لنا ابن حزم دليلاً على قوة الحب فيروي لنا قصة المحب الذي قطّع يده بسكين له فسال الدم وأستمدّ منه وكتب به الكتاب أجمع (ابن حزم،2016 ، ص 46). ويمجّد التروبادور الشوق الطويل الذي يروم تخليد الحلم السرمدي برؤية الحبيبة أو امتلاكها . وقد کتب (( جوفري رودل )) سير بلاي الذي لم يكن له من غاية غير ملاقاة ” كونتيسة طرابلس أبياتا يقول فيها :

أسير محني الظهر من رغبتي

دون أن تكون الأغاني وأزهار الزعرور

بالنسبة إلىَّ شيئاً أكثر من ثلج الشتاء

وظنّي – بل يقيني – أن الله

سيريني حبيّ البعيد  (آريي، 1988، ص52) .

وكتمان السر من القواعد الأساسية في الحبّ العذري ، وقد التزم به  ابن حزم  التزاماً تاماً إذ هو لم يذكر أسماء الأشخاص الذين عرفهم وذكر مغامراتهم. ويرى ابن حزم  أنّ على المحب أن يكتم سره وأن يتجنب أن يفتضح أمره بالشحوب أو النظرات أو الدموع. وكثيراً ما يكون سبب الكتمان في المجتمع القرطبي توّقي المحبَّ على نفسه من إظهار سره لجلالة قدر المحبوب (ابن حزم،2016، ص50). وربما كان إفشاء السر سبباً في قطع الحب . ويتلو باب طي السرَّ باب الإذاعة ، وفي مثل هذه الحالة يغلب الحب الحياء فلا يملك الإنسان حينئذٍ لنفسه صرفاً ولا عدلاً .    ويرى  ابن حزم  أن ذلك داعيةُ نِفار المحبوب وضعف في السياسة من قِبل المحبّ (ابن حزم،2016، ص54) .

والكتمان عند التروبادور أولى العلامات الدالة على احترام المحبوبة : إذ ينبغي على العاشق – إكراما لها- أن يمحضها وجداً مكتوماً يسكن حناياه . والكتمان ضروري للحبّ خصوصاً إذا كان قائماً على خيانة زوجية . وعلى العاشق أن يخفي اضطرابه إذا ما راقبه أحد ، فلا حياة للحب العذري إلا في الخفاء . وفي إذاعة الحب، على غرار ما يفعل الوشاة ، قتلٌ له : ولذلك كانت ثرثرة هؤلاء النمّامين المخادعين خطرة . ومهما يكن من أمر فإنّ على العاشق المثالي أن يحفظ سير حبه حفظاً مطلقاً . وبصرّح (( برناردي فونتادور )) لحبيبته بقوله : (( إنني لن أفشي أبداً سرّ حُبنا، كوني على يقين من ذلك )) (آريي،1988، ص53) .

وابن حزم – شأنه شأن شعراء القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي الأندلسيين – يُبقي طي الكتمان اسم المحبوبة في الأخبار التي يرّصع بها ((طوق الحمامة)). ويتجلى الكتمان في استعمال ضمير المذكر للدلالة على المحبوبة ؛ وهي تدّعي حيناً ((سیدي)) وحيناً ((مولاي)) (ابن حزم،2016، ص ص 119-121،132- 133،156-157،170-171،238-239،248-249) . ويكثر في الحب الأوكسيتاني استعمال العلامة (Le Serhal) وهي التكنية عن الحبيبة باسم مستعار .

إن موضوع الخضوع للحبيبة جزءًا لا يتجزأ من الحب العذري ، ويعود هذا الخضوع الغرامي في الغزل العربي إلى الجاهلية ، ولما كان ابن حزم وريثًا للسنّة [الأدبية] المشرقية فإنه يعظم من شأن قوة الحب الخارقة فيقول :

                 ليس التذلل في الهوى يستنكر      فالحب فيسه يخضع المستكبر

لا تعجبوا من ذُلّتي في حالةٍ           قد ذُلّ فيها قبلي المستبصر(ابن حزم،2016، ص 58)

ويستطرد أبن حزم قائلاً :(( ولا يقولن قائل إن صبر المحب على ذلة المحبوب دناءة في النفس ، فهذا خطأ . وليس سبّه وجفاؤه مما يُعيّر به الإنسان ولا يبقى ذكره على الأحقاب)) (ابن حزم،2016، ص 58) .

وليس في نظر أبن حزم  ثمة مقام ألذ وأشهى من مقام المحب المتذلل الخاضع المتضرع الذي يسأل حبيبه المغفرة . وفي ذلك يقول ابن حزم :

(( ولقد وطئت بساط الخلفاء ، وشاهدت محاضر الملوك فما رأيت هيبة تعدل هيبة مُحِبٌ لمحبوبه ، ورأيت تحكّم الوزراء وانبساط مدّبري الدول فما رأيت أشد تبجحاً ولا أعظم مروراً بما هو فيه من محبّ أيقن أنّ قلب محبوبه عنده . وحضرت مقام المعتذرين بين أيدي السلاطين فما رأيت أذلّ من موقف محبّ هيمانٌ بين يدي محبوب غضبان قد غمره السخط وغلب عليه الجفاء)) (ابن حزم ،2016، ص ص 92-93) .

ويترتب عن الخضوع الوفاءُ ، يقول ابن حزم :

(( إن الوفاء على المحبّ أوجب منه على المحبوب ، وشرطه له ألزم ، لأن المحبّ هو البادي بالّلصوق … والمحبوب إنما هو مجلوب إليه ومقصود نحوه )) (ابن حزم،2016، ص ص 103) .

ويخص  ابن حزم  حوادث ألحب بأبواب كثيرة . وهذه النواحي السلبية ناجمة عن تعريفه للحب ، وعلى هذا النحو فإن :

(( نفس الذي لا يحب من يُحبه مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية ، فلم تحسّ بالجزء الذي كان متصلاً بها قبل حلولها حيث هي ، ولو تخلّصت لاستويا في الاتصال والمحبة )) (ابن حزم، 2016، ص 13 ) .

وأكثر أحداث الحب وقوعاً العذل والهجر والبين والعذر والسلو، وقلة الصبر آفة إذ المحب لم يجد بعد من المحبوب ما يدل على حبه .ويؤكد التروبادور أن الحب عذاب، وهموم الحب لا عدّ لها ولا حصر (آريي،1988، ص55). واليأس، بما هو إحدى آنات الحب ، يتضمن حسب  ابن حزم  مراتب مختلفة .

ومن مخاطر الحب المتواترة عند ابن حزم  الضنّى. وهو يظهر حين يمنع المحب من إعلان حبه لسبب من الأسباب، أو يكون ممنوع الوصل إما بّبينٍ أو بهجر ( ابن حزم، 2016، ص ص 129-131) .

ومهما يكن حظّ العاشق من عزة النفس ونبلها ضئيلاً فإن ما تبديه له المحبوبة من قساوة يلجئه إلى السلو ، وهو موقف من المواقف التي صورها کتاب طوق الحمامة  ونجد باديء ذي بدء السّلو الطبيعي وهو المسمّى بالنسيان يخلو به القلب ، ثم نجد السلّو التطبّعي الذي فيه قهر للنفس . فالمرء الذي يُظهر التجلد وفي قلبه أشد لدغاً من وخز الأشقى ، ليس بناسٍ لكنه ذاكر و(( متجرّع مرارات الصبر )) كما يقول  ابن حزم (ابن حزم،2016 ص ص 133-142). ومن أسباب السلو عند  ابن حزم  الغدر ، وهو يدينه إن كان من فعل المحبوب، إذ يقول :

((ولا يلام السالي عنه على أيّ وجه كان ناسياً أو متصبراً)) (ابن حزم،2016، ص ص 139-140) .

ونعثر عند  ابن حزم  وعند التروبادور معاً على غرض مشترك هو الموت ، وقد خصّه  ابن حزم بباب مشحون بالأمثلة التي استمدّها من قصص حبّ معاصريه ، والموت هو المصيبة الطبيعية التي تضع حداً للحب ، وقد يقع لمن كان مفرط الرقة أن يبلغ به فرحه بعودة المحبوب حدّ الموت. وفي بعض الأحيان يستهلك الهوى المحبّ ، ويسبب له الضنّى ثم الموت(ابن حزم،2016، ص ص 143-148) .

الإيديولوجية الغرامية عند  ابن حزم  والتروبادور : مثالية وواقعية .

إن متابعتنا للبحث لا تحول دوننا ودون التأكيد على بيان هذا الخليط المكون من المثالية والواقعية الذي يعد أسّ الإيديولوجية الغرامية عند ابن حزم والإيديولوجية الغرامية عند التروبادور.

حيث ينتهي طوق الحمامة  ببابين أخلاقيين : أحدهما في قبح المعصية والآخر في فضل التعفف (ابن حزم،2016، ص ص 149-177) .  ولا تفسير لهذا المؤلَف إلا من خلال تأثير المذهب الظاهري . فلم يفتأ  أبن حزم  يذكر بأنها من الأحسن فيما يتعلّق بالعقيدة والشرع أن يقف المرء عنده نصّ القرآن والحديث ، ومع ذلك فإنّ مفهوم الحب الذي يظهر طوال  طوق الحمامة  مستمد من السنّة المشرقية. ففي المشرق الإسلامي يقترن الحب الروحاني بصفة (العذري ) التي تحدّرت من اسم قبيلة بدوية من شمال الجزيرة العربية ظهر بين أفرادها عدد من العشاق المدلّهين ومنذ القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي ظهر ضرب من الأدب القصصي موضوعه الأزواج المتلازمون   أمثال : قيس وليلى ، وكثير وعزة ، وجميل وبثينة العفيفة وغيرهم كثير .

ومنذ ثلاثة عقود شبّه المستعرب الإسباني الكبير  إيميليو غارثيا قومز Emilio Garcia) (Gomez هذا الحب بكونه ( تخليداً مرضياً للرغبة) ( p.41 ،1952، Gomez  ) . ولقد كان رائد نظرية الحب الأفلاطوني فقيها ظاهرياً هو ابن داؤد(آريي،1988، ص 57) أصيل إصفهان المتوفى سنة 294 ه/ 907 م. وقد ترك لنا رأس المدرسة هذا الذي قاد الحركة الظاهرية البغدادية بعد وفاة أبيه  داؤد بن علي كتاب مختارات عذرية، هو(( كتاب الزهرة )) pp.388-390)،1975،L. Massignon) الذي ترجم تارة بمعنى [الريحان] (Le livre de la fleur) وتارة بمعنى [الكوكب] Le livre de Venus)) ، وفيه حوالي خمسين باباً كل واحد منها تصوير لحكمة مسجوعة ، وفي الأبواب العشرة الأولى عرض لضرب من آداب الحب ، وفي الأبواب العشرة الموالية ذكر للنتائج المختلفة للهوى والمصائب التي تنزل بالمحبين : كالنّمامين والوشاة والفرّاق؛ وفي الأبواب العشرة التي تلي تعداد لما يعرض للهوى من عراقيل من قبيل السلو والهجران وما يترتب عنه من نتائج. وفي القسم الأخير يتحدث المؤلف عن القيم الأخلاقية ، وعلى وجه التخصيص عن إخفاء الحب وموته .

وفوق ذلك فإن (كتاب الزهرة ) هو المصدر المكتوب الوحيد لــــــــ (طوق الحمامة)، إذ أن  ابن حزم  قد أطلّع على كتاب ( أبن داؤد ) كما تدل على ذلك فقرة من فقرات  طوق الحمامة  (ابن حزم، 2016، ص ص14-15). ولمّا كان  أبن حزم  متشيعاً للمذهب الظاهري مدفوعاً بمثالية ، فقد آثر الحب الطاهر. وفي الصفحات الأخيرة من طوق الحمامة  يذكر  ابن حزم  فضائل التعفف ويدعو إلى كبح جماح الحب حتى لا ينحط . على أنه لا يرفض الحب الحسّي وتشهد على ذلك فقرات عديدة من  كتابه طوق الحمامة . وقد أفرد في رسالته عن الحب مكاناً مهماً للحديث عن المفاتن الجسدية والعلاقات الجنسية . ويرى  ابن حزم أن الحواس طريق إلى الروح، ولا تتوطّد الصلات المتينة إلاّ عبرها . أما الواقعية فهي طليقة العنان في النوادر التي توشي طوق الحمامة  وفي نوادر يغلب عليها الفحش واللغة المباشرة والاحماض(ابن حزم، 2016، ص ص7-37) .

وجوه الاتفاق والاختلاف في نظرية الحب العذري عند  ابن حزم  والتروبادور :

في نظرية الحب العذري نقاط يلتقي فيها ابن حزم والتروبادور. وسنتولی – في إيجاز – استخراج أوجه الاتفاق الأساسية بينهم . لقد اعتنی أبن حزم  والتروبادور بالشعر الغنائي الغرامي. ويلفت هذا العالم الأندلسي الأنتباه إلى أن المحب إنما يشّرع في إبداء حبه لمحبوبه بإنشاد الشعر، وتلك طريقة تحببه إلى نفس المحبوب . وقد بين  برناردي فونتادور  من خلال حياته واثاره ما للشعر والحب مجتمعين من قوة عجيبة. إن شعر التروبادور مبشّر بالحب، ونجد أحياناً أن الأغنية، عوض أن تنفتح بذكر جمال الربيع ، تبدأ بالتذكير بما للمحبوبة من ملكة ملهمة ، وتنغلق غالباً بأبيات شعرية مهداة إلى الحبيبة . وقد كان الصدق في الهوى يملأ على ابن حزم والتروبادور معاً أقطار النفس وقد توصلوا إلى مفهوم واحد للحب .

ولئن تعذرت البرهنة على وجود صلات قربى بين مفهوم الحب عند ابن حزم وعند التروبادور، فلا يمكن أن نغفل عمّا بينهما من أوجه شبه غريبة في المواضيع، وخصوصاً في ظهور الشخصيات الثانوية،وأستعمال ضمير المذكر للمرأة تشريفاً لها(p. 97، 1964، R. Nelli ) .

أما أوجه الاختلاف بين هذين المفهومين للحب فإنها تبرز في نواح جزئية ، ولا بد في رأينا من لفت النظر إلى طرافة طوق الحمامة. فابن حزم  – وهو يشرح الحب – لا يزكي البتة منهجاً بعينه ، وهو – على وجه اليقين – يميل إلى الظرف والوفاء بل وحتی التعفف، إلا أنه يترك الخيار في ذلك كله للمحبين. إن الحب مغامرة تولد في كل تجربة. والأمر على نقيض ذلك في أوكسيتانيا حيث قُنّن موقف المحب من حبيبته تقنیناً دقيقاً، فغدا حظ النزوات ضئيلاً في هذا الحب الذي يتمثل في التقّيد بوصفة عذرية تقيداً كلياً. أما أضرب التعبير بل وحتى أضرب العواطف فإنها لا تكاد تختلف من تروبادور إلى آخر، وينبعث أحياناً من الشعر الأوكسيتاني شيء من الرتابة .

ومن خلال النوادر التي يوردها ابن حزم فإن الحب يقع عن طريق الحواس ، وعلى الخصوص العيون . وقد أفرد في طوق الحمامة باب لمن أحب من نظرة واحدة (ابن حزم،2016، ص ص، 31-33). وللجمال في هذا الحب منزلة أساسية. على أن هذا الحب إنما يشتد عوده بالتعّود والوفاء وتجرية الحواس، فكأنّ المرأة إذا غدت محبوبة تحلّت بكل الفضائل ، وليس من الضروري أن يكون المحبوب امرأة حرة . فأريستوقراطيو الأندلس وخاصة قرطبة الذين يحدثنا  ابن حزم  عن قصص حبهم حديثاً مفصلاً ، كثيراً ما يهيمون حباً بإماء . وإننا لنذكر الدور الذي اضطلعت به الجارية في الشعر الأندلسي . (pp.400-430,1953،PERS) . أما المرأة في الحب العذري الأوكسيتاني فمتخّيرة، ذلك أن المرأة التي يهبها العاشق حبهُ لا بدّ أن تتحلّى بما يجعلها جديرة بذلك الحب، ويعّبر قي دوسال  عن رأيه فيقول :

(( ولكنني اخترتك أنت يا سيدتي

لأنك رفيعة المنزلة )) (آريي،1988، ص60) .

 

إن حب التروبادور مختلف اختلافاً كلياً عن حب القدامى المحتوم الذي يشلّ الإرادة . إنه عبادة حقيقية للمرأة ، وطقوس الولاء والغزل محددة تحديداً صارماً . ولدينا بعض المعلومات عن الوضع الاجتماعي لكثير من التروبادور. فنحن نعرف أن بعضهم كان ينتمي إلى طبقة الفرسان الدنيا أو طبقة التجار، وقد كان (( أرنودي ماروي )) كاتب دواوين ، وبعض التروبادور منحدرون من أسر متواضعة جدا شأن (( قيرودي بورناي )) و(( أوك دي سان سيرك )) ، أما (( برناردي فونتادور )) فقد كان أبوه خباز قصر فونتادور . ولا بد لنا من أن نشير إلى أن شعر هؤلاء الذين عاشوا في ظل الأسياد قد وجّه إلى زوجات هؤلاء الأسياد الشرعيات . إن محبوبة التروبادور يجب أن تكون بالضرورة متزوجة ، والأمر عند  أبن حزم  على نقيض ذلك ، فلا محل عنده للخيانة الزوجية ، وهو يدينها إدانة صارمة لأن الحب في هذه الحالة يفقد طهارته . وقد رأينا أن الحب في نظر  ابن حزم  التقاء بين روحين فُرق بينهما في عهد سالف ، وهیّئتا للتلاقي من جديد . ففي الزنا (( من إباحة الحريم وإفساد النسل والتفريق بين الأزواج الذي عظّم الله أمره ما لا يهون على ذي عقل أو من له أقل خلاق… )) (ابن حزم،2016، ص 163) .

وكذلك الشأن في الغيرة ، فنحن واجدون لها [عند  ابن حزم  والتروبادور] مفهومين متقابلين تقابلاً كلياً . وقد كتب  ابن حزم  إن : (( غيرة شديدة رُكّبت فيّ ))، وهو يرى أن الغيرة إنما هي علامة الحب (ابن حزم،2016، ص 169) ، وهي متأتية من الشعور البالغ الحدة بالشرف عند العرب . أما التروبادور فيرون أن الغيرة تنشّط الحب ، ولا يرى التروبادور ضيراً في أن يتغزل غيره بحبيبته : (( إن كان لحبيبتي عشاق سواي ، فلن أواجهها لذلك بتجهم )) P.112)،X1،1934،DAJEANNE) والموت حباً موضوع فرعي آخر يقوم شاهداً على التقابل بين  ابن حزم  والتروبادور ، فكثيراً ما أشرف  ابن حزم  على الموت ، إذ أنه عاش في عهد اضطرابات (( الفتنة )) زمن (( ملوك الطوائف 483-541ه )). لذلك يتحدث عن الموت حديثا مأسوياً : فالحب مرتبط بالموت . أما الشعراء الأوكسيتانيون فالموت عندهم رَوْسم  أدبي . فالمحب يموت من كثرة التنهد والألم . ولما كانت المحبوية تبعث بقسوتها اليأس في قلب المحب ، فإنه يتألم حتى الموت . وقد عبّر  برناردي فونتادور  في أغانيه مراراً عن هذه الفكرة الغرامية ، كما في قوله : (( إن قلبي يتفطّر حزناً ، حتى إني أشرف على الموت وأكاد أقضي نحبي )) (آريي،1988، ص61) .ولولا مساعدة محبوبته لهلك . أما الموت الحقيقي فلا ورود له البتة . وينبغي على المحب أن يقبل الانتظار ، وأن يظل ناذر نفسه لمحبوبته وإن كانت لا تُحبه أو أنه راودته فكرة هجرانها .

وفي مسألة العلاقة بين الدين والحب تقابل أيضاً بين  أبن حزم  والتروبادور ، إذ أن  ابن حزم  لا يتوانى عن تعزيز مفهومه للحب أثناء حديثه عن طبيعة الحب وتطوره بالآية القرآنية الكريمة : ((خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ))[سورة الزمر، من الآية:6]، ويضيف بأن الله تعالى (( جعل علّة السكون [ الذي يجده آدم في حواء] أنها أي [حواء] منه [أي من أدم])) (ابن حزم،2016،، ص12) .

وبغّض النظر عن تفسيرات الحب والنوادر الماجنة ، يضم كتاب طوق الحمامة  بيانات عن الشرع الإسلامي . فالإسلام حاضر في الكتاب حضوراً دائماً، ويكشف فيه  ابن حزم  عن حرصه على البقاء في حيّز الإسلام وذلك بالاستشهاد بالقرآن والحديث النبوي. فالمحب يتخذ المؤمن مثالاً ، والوفاء للمحبوب يحُسّن الطبع ويسمو به ، والتذلل في الحب يكرّم صاحبه كما يكرّم التذلّل لله تعالى العبد الورع. وعلى نقيض ذلك ، فإن حب التروبادور منفصل عن الأخلاق المسيحية ، وله أخلاقية خاصة به . فالحب البروفنسالي بصوّر على أنه (( وسيلة )) لتحقيق كل الكمالات الروحية . ولقد أدركت الكنيسة ذلك إدراكاً جيداً وأبدت منذ البدء اعتراضها على الشعر  العذري وأدانت الأخلاق الشهوانية التي يروجها . ورغم ما قام به الشاعر التروبادور (( مونتانها قول )) (Montanhagol) من بسط لميول أخلاقية النزعة في أغانيه الممتدة من سنة 631ه/1233م الى سنة655ه/1258م ، ورغم ما ذكره فيها من تمجيد للحب الأفلاطوني فإن الكنيسة واصلت نبذها للأدب العذري وفي سنة 676ه/1277م حرم أسقف باريس(( ارناست تومبيي )) (Ernest Tompier) رسمياً على رؤوس الملأ هذا الأدب لما يتصف به من هرطقة .

 

الخـــــاتمة : بعد هذه الجولة في كتاب طوق الحمامة ومعرفة ماهية الحب العذري وصلته بأبن حزم والتروبادور، لا بدّ من تسجيل أهم ما توصلنا إليه من نتائج، وهي على النحو التالي :-

  • اذا كان الحب لدى بعض الفقهاء من المحرمات التي ينبغي الاحتراز منها، فإنابن حزم لا يعتبره قط من المحظورات في الشريعة، ولا من المنكرات في الديانة ما دامت القلوب ليست بيد أصحابها، وإنما بيد الله تعالى، فهو لا يتصور محاسبة الإنسان في شيء لا يملك الحرية فيه ولا القدرة على الاختيار، إذ القلوب كما يقول ابن حزم بيد موليها الذي هو الله تبارك وتعالى .
  • إنّ كتاب طوق الحمامة بما فيه من عذرية وعفة متأثر بشكل رئيسي بكتاب (الزهرة) لصاحبه (محمد بن داوود الظاهري). مما ينفي تأثر أبن حزم بالعفّة المسيحية. وقد قال الأستاذ غرسيه غومس في تفنيد ذلك إنّه على الرغم من إشارة نصيّة بسيطة ومن التوافق في الاتجاهات العاطفيّة، فإنّ الطوق لايكاد يدين للزهرة بشيء أو إن شئت يدين لها بشيء محدود للغاية .
  • شكّل الحب بؤرة مركزية في ((طوق الحمامة))، ولعل مبدأ المجانسة والمشاكلة من أهم مبادئه ، إذ إن الحب لا يقع إلاّ بتوافق المحب والمحبوب في صفات معّينة ، ومن ثمّ فإنه لا يقوم على التنافر لأن التباين بين المحبيّن معناه التباعد . وعليه فسمات التوافق تفضي إلى الاتصال ، وإذا ما انتفت تحقق الانفصال .
  • لم يكن حب ابن حزم الأفلاطوني وليد عدوى سلالية ، أو أنّه تلقاه من نفسية أسلافه المسيحيين كما ذكر البعض من المستشرقين أمثال رينهارت دوزي الذي رباطاً واهناً بين أبن حزم والمسيحية المفترضة كدين لآبائه، ونسي أو تناسى ذلك الموروث العربي العفيف الهالك في ثقافة العرب المسلمين التي نهل منها ابن حزم، أو على الأقل من معظمها كما ذكر بلسانه في كتابه (طوق الحمامة) وفي سيرة حياته .؛ ذلك أنّ كثير من أبطال الغزل الرومانسي ينحدرون من أصول عربية خالصة، ولا يمكن أن يجري في دمائهم الخصائص الموروثة التي نفترض أنّها عند ابن حزم الاندلسي .
  • يبدو أنّ الحب العفيف كان شائعاً في مدينة ابن حزم [الحاضرة قرطبة]، ومنها استوحى مادة كتابه إذ يقول فيه: ما رأيت قط متعاشقين إلا وهما يتهاويان خُصل الشعر مبخّرة بالعنبر مرشوشةٌ بماء الورد، وقد جُمعت في أصلها بالُمصْطكي، وبالشمع الأبيض المصفّى، ولُفّت في تطاريف الوشي والخزّ، وما أشبه ذلك تكون تذكره عند البين .كما أنّ حياة ابن حزم لها علاقة بهذا المجتمع إذ إنّه كما يقول قد تربّى على أيدي النساء، وعنهن أخذ آدابه الأولى إلى جانب تجربته العفيفة في الحبّ التي انتهت بزواجه من حبيبته (نُعم)، وهو دون العشرين من عمره .
  • وفي هذا السياق، فإنّ الحب عند أبن حزم لا يأتي من الأجسام ، وأنما يأتي من النفوس . وتبعاً لذلك فالأجسام هي وسائط تسمح للنفوس بالتقارب أو التباعد .
  • كما فرّق أبن حزم بين الحب والشهوة ، وحدّد المسافة الفاصلة بين الروحي والجسدي ، وبخاصة لما رفض فكرة التعلّق بشخصين في آنٍ واحد .
  • كما أنّ البيئة الأندلسية كانت تمدّ ابن حزم بشيئين مهمين: أولهما ذلك الشعر العفيف المتشبه بالشعر العذري نزولاً على أحكام الظرف، وقد مهّد ابن فرج في كتاب (الحدائق) لذلك السياق الأندلسي الخالص في شعر الحبّ، وكان ابن حزم معجباً بكتابه، وقد حفظ الكثير منه. وفي طيّات الكتاب أورد ابن حزم الكثير من القصص عن أبناء مدينته، بل كان يذكرهم بالاسم مثل: الرمادي وحبّه لحلوة، وابن قزمان وحبّه لأسلم، وعبد الله بن يحيى الأزدي المعروف بابن الجزري
  • إنّ الكثير إن لم نقل معظم القصص التي أوردها ابن حزم في كتابه هي من القصص المتصلة بعائلته أو أصدقائه، أو عن من عُرف عنهم أو سمع عنهم في مجتمعه. وفي ذلك يقول: التزمت في كتابي هذا الوقوف عند حدّك والأقتصار على ما رأيت أو صحّ عندي بنقل الثُقات .
  • أتفق أبن حزم في بعض النقاط وأختلف بأخرى مع التروبادور[ شعراء وموسيقيين العصور الوسطى] حول مفهوم الحب وماهيته وأغراضه، ولكل منهما وجهة نظره التي قد تتوافق أو تتعارض مع الدين والشريعة .

التوصيات :

  • يرى ابن حزم وهو الإمام الفقيه أنّ الغاية من الحبّ غاية عفيفة وهي الزواج وهو مقصد شرعيّ وفيه تتحقق السعادة وما دون ذلك فهي عبارة عن أفعال غير أخلاقية، فالحبّ كما يرى نمطًا إنسانيًّا رفيعًا ورابطة وثيقة يُنظمها الدين.
  • كما يرى ابن حزم أنّ الأصل في الحبّ التعفف ويرفض الحبّ العذري وغيره ويدعو في كتابه ( طوق الحمامة) إلى ترك المعاصي وما يُقرّب إليها، ويُحذّر من الزنا والوقوع فيه وهو بذلك يعكس بُعدًا دينيًّا وأخلاقيًّا إذ غلبت الصبغة الدينية على طبعِهِ وكتابتهِ وليس ذلك بغريب على فقيه وفيلسوف كأبن حزم  . ونحن بدورنا ندعو من خلال ما تم عرضه في هذه الدراسة الى ابتغاء العفة من وراء الحب وهذه العفة تتجسد في الزواج وهو مقصد شرعي وفيه تتحقق السعادة وراحة النفوس، وما دون ذلك فهي افعال لا تمت الى الدين والشريعة بصلة .

 

ثبت المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم
  • المصادر والمراجع العربية والمُعرّبة :
  • آريي، راشال،(1408ه/1988م)، أبن حزم والحب العذري، تعريب: محمد القاضي، مجلة دراسات أندلسية، العدد 1، المطبعة المغاربية للطباعة والنشر والأشهار، تونس .
  • آل تركي، خالد،(2018م)، نظريتي الحب والمعرفة عند ابن حزم ، تحرير: احمد بادغيش، مراجعة : احلام العمري، موقع ساقية الالكتروني :https://saqya.com .
  • ابن حزم،علي الأندلسي،(2016م)،طوق الحمامة في الألفة والأّالأّف،ط1،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة .
  • فاضل، جهاد،(1428ه/2007م)، الحب العذري صناعة عربية أو أبن حزم وأجداده بنو عذره، جريدة الرياض الالكترونية، مكتب الرياض، بيروت : https://alantologia.com.
  • المراجع الأجنبية :
  • DAVENSON (H.) Les troubadours, Paris, 1961 .

6-DAJEANNE (J.M.L) éd., Poésies complètes du troubadour  Marcabru, Toulouse, 1948 .

7- JEANROY (A.) éd., Les Chansons de Guillaume IX, duc d’Aquitaine, Paris, 1934.

8- LAZAR (M.)., Amour courtois et Fin’amors, Thèse de Doctorat, Paris, 1964 .

9- LÉVI-PROVENÇAL (E.) Islam d’Occident, Paris, 1948.

10- LÉVI-PROVENÇAL (E.), «En relisant le Collier de la Colombe», in AlAndalus, vol. XV, fasc. 2, Madrid ،1950 .

11- MASSIGNON (L.). La Passion de Hallaj, rééd., Paris, 1975.

12-NELLİ (R.)L’érotique des troubadours ,Toulouse,1963.

13- PERS (H.) La poésie andalouse en arabe classique au XIe siècle, 2e éd., Paris, 1953 .

14-VADET (J.CI.) L’esprit courtois en Orient dans les cinq premiers siècles de l’Hégire, Paris, 1968 .

 ([1]) هم شعراء أو موسيقيين عاشوا في القرون الوسطى، وكان يؤدون أدواراً أو يخصص شخصاً لتأدية هذه الأدوار منشداً أشعار ألفوها عند الملوك والسلاطين في الجنوب الشرقي لفرنسا وسرقسطة في مملكة أراغون وضواحيها بالخصوص.  وان أصل هذا النوع الموسيقي هو أندلسي، وأسم الكلمة مشتق من طرب وكلمة دور. وكانوا يعزفون الموسيقى متنقلين بين القصور، أي كانوا يدورون من قصر إلى آخر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *