أ.د. مازن خلف ناصر                             الباحث/ علي حسن أبراهيم

كلية القانون – الجامعة المستنصرية                            كلية القانون – الجامعة المستنصرية

كلية القانون – الجامعة المستنصرية                            كلية القانون – الجامعة المستنصرية

009647711592004                                                    009647722600997

 

الملخص

      أن حق المتهم في توكيل محامٍ ليست مجرد ميزة منحها له القانون، بل هو أصل ثابت، ألا وهو حق المتهم في الدفاع عن نفسه، لذا فإن المتهم مهما كان مثقفاً فقد يعجز عن الإلمام بكافة النصوص القانونية وبشكل خاص الجنائية منها، ومن هنا جاءت الحاجة إلى وجود شخص بجانب المتهم يكون ملما بكافة مشكلات الدعوى الجزائية وإجراءاتها .

      وفي الواقع أن تمكين المتهم من توكيل محامٍ للدفاع عنه لا يعني البتة تهيئة السبيل أمامه للإفلات من العقاب، وإنما يعني التأكيد على دعامة أساسية للعدالة من شأنها بث الطمأنينة في نفوس جمهور الناس إلى حسن سير آلياتها واضطلاعها برسالتها، ومن ثم تكون مصلحة المجتمع واضحة في الحرص على ألا يدان بريء وأن لا يفلت مجرم من عقاب يستحقه .

       إذ أن التوازن بين الحقوق والحريات الشخصية، وبين مصلحة المجتمع في تحقيق أمنه واستقراره واقتضاء حقه في ملاحقة المذنب ومعاقبته، إنما يكون في إطار افتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات مسبوق بإجراءات تكفل له حق الدفاع عن نفسه .

        ومن ثم ينبغي أن يتحصن المتهم عندما يكون أمام القضاء بالضمانات ذاتها المقررة له في مرحلتي التحري وجمع الأدلة والتحقيق الابتدائي، ومن هذه الضمانات أن يكون للمتهم الحق في اختيار محامٍ للدفاع عنه، ذلك أن المشرع إذا كان قد كفل للمتهم الحق في أن يوكل محامٍ للدفاع عنه في مواجهة الاتهامات الموجهة إليه، فإن من حق الأخير أن يكون له الحق في اختيار من يوليه ثقته من المحامين، فالقاعدة العامة في ذلك أن المتهم حر في اختيار محاميه، وحقه في ذلك مقدم على حق المحكمة في تعيينه، فإذا اختار المتهم محامياً فليس للقاضي أن ينتدب غيره لتولى الدفاع عنه، ما لم يبدي المحامي المختار تعمده تعطيل الدعوى .

الكلمات المفتاحية: المحامي ،  المتهم  ، الدفاع  ، الحق ، التوكيل .

Objective aspects of the right of the accused

to appoint a lawyer for the defence

A comparative study

Ali Ibraheem Hasan              Pro. Dr Mazin Khalaf Naser

College of Law – Al-Mustansiriya University

Abstract

   The right of the accused to appoint a lawyer is not just an advantage granted to him by law, but rather is a fixed asset, namely the right of the accused to defend himself. The presence of a person next to the accused who is familiar with all the problems and procedures of the criminal case. Enabling the accused to appoint a lawyer to defend him does not mean at all preparing the way for him to escape punishment. Rather, it means emphasizing a basic pillar of justice that would reassure the masses of people about the proper functioning of its mechanisms and the fulfilment of its mission, and then the interest of the community is clear in being careful Provided that an innocent person is not convicted and that a criminal does not escape the punishment he deserves.                             The balance between personal rights and freedoms, the interest of society in achieving its security and stability, and the requirement of its right to prosecute and punish the offender, is within the framework of the presumption of innocence of the accused until proven guilty by a final court ruling preceded by procedures that guarantee him the right to defend himself.                                                                                            

   Therefore, the accused should be immunized when he is before the judiciary with the same guarantees granted to him in the stages of the investigation, evidence-gathering and preliminary investigation, and among these guarantees, the accused has the right to choose a lawyer to defend him, because if the legislator has guaranteed the accused the right to appoint a lawyer to defend him In the face of the accusations levelled against him, the latter has the right to choose the lawyers he trusts.          

   The general rule in this is that the accused is free to choose his lawyer, and his right to do so takes precedence over the right of the court to appoint him. If the accused chooses a lawyer, the judge does not have the right to A third party is delegated to defend him, unless the chosen lawyer expresses his intention to delay the case.                                                    

Keywords: lawer, accused, defense, right, attorney. 

المقدمة

      يعد حق توكيل محامٍ للدفاع من أهم المواضيع المتعلقة بحقوق وضمانات الأفراد المكفولة لهم، ويتمثل هذا الحق في إسناد مهمة الدفاع عن المتهم لمحامٍ يباشره مستنداً في ذلك إلى توكيل من المتهم أو ندب من المحكمة في الأحوال التي تتطلب ذلك، فيتبع كافة الإجراءات ويحضر مع المتهم أو ينوب عنه في الأوضاع التي يجيز فيها القانون ذلك، وإذا كان الإنسان هو أولى الناس بالدفاع عن نفسه، إلا إنه حين يمثل متهماً أمام السلطة، فإن في ذلك رهبة تقوض قواه وتشل قريحته عن الجود بما يعينه في الخروج من ضغط الاتهام، وتكون النتيجة أن يؤخذ بجرم هو منه بريء، وهذا هو الظلم الذي يراد دفعه، مما يدفعه ذلك إلى إيكال مهمة الدفاع لمحامٍ يكون قادراً على إخراجه من هذا المأزق.                                                                                

       إن العلاقة بمحامي الدفاع علاقة تقوم في جوهرها على الثقة التي يوليها المتهم أليه، والتي حملته على اختياره بالذات من دون غيره من المحامين، لاعتبارات الكفاءة والأمانة وغير ذلك من الصفات التي جعلت من هذا المحامي موضع ثقة المتهم، فلا يجوز والحال كذلك أن يهدر هذا الاختيار، ما دام لم يثبت من سلوك المحامي أنه يهدف إلى عرقلة وتعطيل الفصل في الدعوى.

أولا- أهمية موضوع البحث

       يعد حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع الركيزة الجوهرية للمحاكمة المنصفة، كما ويرتبط بأكثر من حق من الحقوق الدستورية، فهو لصيق الصلة بالحق في افتراض البراءة، وهو حق لا ينفصل عن الحق في المساواة، فإن احترام حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع ضمانة أساسية للعدالة، بل لا نتصور عدالة تقوم مع انتهاك هذا الحق.

      فهو حق دستوري مصون للمتهم ولذلك أجازته جميع الأنظمة والتشريعات، حتى أن أغلب الأنظمة أجازت للمتهم حين الاستجواب من قبل المحقق أن يمتنع عن الإجابة إلى أن يحضر محاميه الذي اختاره، وعليه فإن حضور المحامي ضمانة هامة أتاحها القانون للمتهم فلا يجوز حرمانه منها.

      وتبرز هذه الأهمية في الوقت الذي يصبح فيه ضعيفا إزاء السلطة القائمة بالتحقيق الابتدائي، وما لديها من صلاحيات وما يسببه توجيه التهمة من خوف واضطراب لدى المتهم وما يتصف فيه الموقف من رهبة، قد تؤدي إلى إخفاقه في الدفاع عن نفسه أو غفلته عن حقوقه التي خولها القانون له وهو لا يعلم بها.

      ومن ثم فإن دور المحامي يعد مهم وضمانة أساسية للمتهم يعينه ويساعده في الدفاع عن نفسه، ويعين العدالة الجنائية على إظهار الحقيقة من دون إدانة بريء، فضلاً عن أن الغرض من توكيل محامٍ للمتهم هو أن يكون رقيباً على الإجراءات التي تجري بحق موكله، سواء أكانت في دور التحقيق أم المحاكمة.

ثانياً- مشكلة البحث

      تتمحور مشكلة البحث في مدى كفالة النصوص الإجرائية في التشريعات الجزائية العراقية لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع في مراحل الدعوى الجزائية كافة، ومن خلال هذه البحث نحاول الإجابة على التساؤلات التالية:

      أيهما أقرب للمنطق أن يكون توكيل محامٍ للدفاع حق أم حرية للمتهم، وما هي الاعتبارات الفلسفية لتقرير أي منهما؟ ما هو التكييف القانوني للعلاقة بين المتهم ومحام الدفاع؟ وما حدود التزامات محام الدفاع عن المتهم؟ وهل يحق للمحامي الدفاع عن المصالح المتعارضة في ذات الدعوى الجزائية؟ وما هو نطاق حق التوكيل بمحامٍ في الدعوى الجزائية، وهل هناك ما يحد من ذلك؟

ثالثا- منهجية البحث

       نظراً لطبيعة الموضوع والتساؤلات المطروحة فسيتم أتباع المنهج التحليلي، وذلك من خلال استقراء النصوص القانونية المتعلقة بحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع وتحليلها، والوقوف على الآراء الفقهية المتعلقة بالموضوع ومناقشتها وبيان الراجح منها، وانسجاما مع المنهج الحديث في الدراسات القانونية، فسوف يتم اعتماد المنهج المقارن بين  فرنسا ومصر والعراق، مع بعض الدول الأخرى التي تتطلب الدراسة بيانها، وذلك للوقوف على السياسة التشريعية حول مدى كفالة حق التوكيل بمحامٍ للمتهم والنصوص المقررة لهذا الحق، والاستفادة منها في بيان الوسائل المتبعة في كفالة حق التوكيل بمحامٍ بالنسبة للعراق .

      ولأجل الإحاطة بالموضوع فقد قسمنا البحث الى مبحثين، تناولنا في المبحث الأول ماهية حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، أما المبحث الثاني فقد خصصناه لبيان الإطار القانوني لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، وقد أنهينا البحث بخاتمة اشتملت على جملة من النتائج والمقترحات.

المبحث الاول

ماهية حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      إن حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع ليس مجرد ميزة منحها القانون له، أو مجرد مكنة ينصحه المشرع بأتباعها كلما أراد، بل هو حقٌ أصيل قديم قدم العدالة، وهو فرع من فروع حق أعلى وأشمل، ألا وهو حقُ المتهم في الدفاع عن نفسه، ولرسم صورة واضحة عن حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع سنقسم المبحث على مطلبين، نخصص الأول لبيان مفهوم حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، ونبين في الثاني الإطار القانوني لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، وذلك على النحو الآتي:

المطلب الاول

مفهوم حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      يعد حق المتهم في توكيل محامٍ، من الحقوق الأساسية المقررة لحماية المتهم في إطار الدعوى الجزائية، وكما يعد حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع عنه فرعاً من فروع حق الدفاع.

      وفي ضوء ذلك سنقسم هذا المبحث على ثلاثة فروع، نتناول في الأول التعريف الاصطلاحي لمفهوم التوكيل، بينما نبحث في الثاني الطبيعة القانونية لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع أساس هذا الحق، ونخصص الفرع الثالث لبحث الاستثناءات الواردة على حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، وذلك على النحو الآتي بيانه:

الفرع الاول

التعريف الاصطلاحي لمفهوم التوكيل

      إن تعريف التوكيل في الاصطلاح القانوني مأخوذ من الوكالة، فقد عرفت القوانين عقد الوكالة تعريفات عدة، إذ عرفها المشرع المصري في المادة (699) بأنها :((عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل)).

      كما وعرف المشرع الفرنسي في المادة (198) عقد الوكالة بأنها ((الوكالة أو التفويض عقد بمقتضاه يعطي شخص أخر سلطة للقيام بعمل شيء للموكل وباسمه))، وأيضاً عرف المشرع العراقي في المادة (927) من القانون المدني العراقي عقد الوكالة بأنها ((عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز ومعلوم)).

      كما وبين قانون المرافعات المدنية العراقي الوكالة بأنها:( (الوكالة هي التي تخول الوكيل ممارسة الاعمال والإجراءات التي تحفظ حق موكله، ورفع الدعاوى والمرافعة فيها حتى ختامها ومراجعة طرق الطعن القانونية، مالم ينص سند الوكالة خلاف ذلك أو يوجب القانون تفويضاً خاصاً)).

       وعرفها جانب من الفقهبأنها (عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل وهو في الفرض الغالب من المحامين أن يقوم بعمل قانوني هو المرافعة امام القضاء) (النداوي، بلا سنة نشر)، وكما بينها فقهاء آخرون بأنها (الاتفاق الذي يتم بين الخصم أو ممثله القانوني أو الاتفاقي وبين وكيله- محامياً أم غير محامٍ- لأجل تمثيله أمام القضاء)، وذكرها بعضهم بأنها (مهمة تمثيل ومساعدة أطراف النزاع) (الشرقاوي، بلا سنة نشر).

       وكما يبدو أن التعريف الثاني أوسع نطاقا من التعريف الأول، وذلك لأنه لم يقتصر على محامي الدفاع، وإنما شمل غير المحامي أيضاً. 

      ومن خلال استعراضنا لتعاريف الوكالة أو التوكيل، نلاحظ أنها تقوم جميعها على نقل مهمة الدفاع وأسنادها الى الوكيل الذي هو في موضوع دراستنا المحامي كونه عالم بالأمور القانونية أكثر من المتهم وله من الامكانية ما تخوله في مواجهة سلطة الاتهام لحسم موضوع الدعوى لصالح وكيله.

     لذلك ومما تقدم يمكننا تعريف التوكيل بأنه: (عقد أو تفويض يخول فيه الوكيل للقيام بالأمور القانونية لحساب موكله في حدود ما وكلَ به ساعياً لإنقاذه من الموقف الذي وضع فيه)، أو نعرفه على نحو آخر بأنه (عقد بين الشخص الموكل ووكيله في الإطار القانوني الذي يخول الوكيل في الدفاع عن مصالح موكله).

الفرع الثاني

الطبيعة القانونية لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      لتحديد الطبيعة القانونية لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع يلزمنا في البداية أن نبين ما إذا كان حق بالمعنى الدقيق أم هو حرية للمتهم (علوب، 1970)، وأن كان حقاً فهل يعد من الحقوق الاساسية للإنسان، ولإيضاح ذلك يلزمنا أن نبين ما المقصود بهذه المفردات، وذلك للوصول إلى التكييف القانوني لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع.

     إذ يفترض في كل من الحق (الواجب) أو الحرية (الرخصة) أن يكون هناك طرفين، الأول صاحب الحق أو الرخصة، والطرف الثاني من يستعمل في مواجهته ذلك الحق أو الرخصة، أو من يطلب منه عدم إعاقة الشخص الذي يمارس عمل معين، ويعد الشخص ملتزماً بأداء عمل معين متى أوجب القانون عليه ذلك على وجه الإلزام، إذ يجرده من أي حرية في أداء هذا العمل أو رفضه، ومن ناحية أخرى يقابل الواجب الواقع على الطرف الثاني في هذه الرابطة القانونية واجب ثانٍ يتمثل في ألا يعيق الطرف الاول أثناء ممارسة العمل المكلف به (طه، 1999).

      فالشخص يعد صاحب حقٍ متى بين له القانون وأتاح له أن يستعمل هذا الحق أو ألا يستعمله، من دون أن يرتب عليه إخلال بالتزام قانوني، في حين أنه إذا بادر واستعمل هذا الحق فأنه يكون من واجب الطرف الثاني في الرابطة القانونية أن يمكنه منه، وإلا عد هذا الاخير مُخَل بالالتزام القانوني المترتب عليه (الشواربي، 2015).

      وأخيرا إن الشخص صاحب الرخصة أو الامتياز لا يصل إلى مرتبة الحق أو الواجب عندما يكون استعماله لهذه الرخصة متروكٌ لتقديره الشخصي، من دون أن يسبب ذلك في حالة كونه لا يستعملها وتركها أي أثم، وفي نفس الوقت إذا قرر هذا الاخير أي صاحب الرخصة، أن يستعملها، فأنه لا يكون على الطرف الأخر بالرابطة القانونية أي التزام اتجاهه يحتم عليه أن يمكن صاحب الرخصة من استعمالها، إذ تكون له حرية تمكينه من ذلك أو لا يمكنه من استعمالها (علوب، بلا سنة نشر).

      وفي ذلك نقول أنه إذ رأينا أن حق المتهم في توكيل محامٍ واجباً يقع على أجهزة الدولة المختصة، فإننا نسميه ( حقاً)، وأن نظرنا اليها على أنها مكنة يكفلها القانون للشخص المقتدر على توكيل محامٍ فإننا نسميها  حرية أو امتياز، إذ يكون من واجب الدولة توفير هذا الحق لكل شخص كلما كان الإنسان أو حريته في خطر المساس بها أو تقييدها وخاصة في الجرائم الخطيرة ، وتطبيقاً لذلك فقد نص المشرع العراقي في المادة (144) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه 🙁 أ- يندب رئيس محكمة الجنايات محامياً للمتهم في الجنايات أن لم يكن قد وكلَ محامياً عنه… ب- على المحامي المنتدب أن يحضر المرافعة ويدافع عن المتهم أو ينيب عنه من يقوم مقامه من المحامين…. ) .

      ولتكييف هذا التوكيل بأنه حق، ينبغي أن يكون لصاحبه حق التنازل عنه إذا رأى ذلك، فلا محل للقول بأن للشخص حقاً إذا لم يكن في استطاعته التخلي عنه، وإلا أنقلب الحق إلى ضرب من الواجب، في الحالات التي يكون حق التمثيل بمحامٍ إلزامي ومفروض على المتهم، حتى إذا لم يريدها كما في المحاكمة في الجناية، ويستقيم تكييفنا للتوكيل بأنه حق حتى في الحالات الإلزامية، إذ يكون هذا الإلزام نوع من النيابة القانونية المفروضة على المتهم يقتضيها حسن سير العدالة.

      ذلك أن هذا الحق هو مصلحة يحميها القانون والمصلحة واحدة في الحالتين، إذ هي ضمان حسن سير العدالة والتي تتحقق باختيار المتهم لمن يتولى الدفاع عنه، أو الواجب المفروض على أجهزة الدولة بتهيئة المدافع إذا تعذر عليه ذلك، أو بالإلزام الذي يفرض عليه من قبل الدولة في قبول معونة محامٍ، إذا قصر في ممارسة حقه، في الأحوال التي يرى فيها القانون أن من حسن سير العدالة وجوب وجود محامٍ، كما في محاكمات الجنايات (علوب، بلا سنة نشر وأحمد، 2006).

      ومن ناحية أخرى فأن مصلحة المتهم في وجود محامٍ في المحاكمات التي تجرى في الجنايات يعد أمراً ضرورياً تقتضيه حسن سير العدالة، وكذلك ضمان لطريقة إدارة المحاكمات بصورة عادلة، إذ تكفل للمتهم حقه في ممارسة الدفاع وتفنيد أسانيد الاتهام في ذلك مصلحة للمتهم وللمجتمع، في إلا يكون أحد أفراده تتم محاكمته عن تهمة خطيرة من دون أن تهيئ له وسيلة للدفاع، لكي يقدم فيها دفوعه، والتي لا تصبح فعالة إلا من خلال متابعة محامٍ لإجراءات الدعوى، كما أن الموقف الذي يوضع فيه المتهم يجعله من الناحية القانونية في منزلة القاصر أو الذي لديه نقص في إدراكه، إذ تفرض عليه الوصاية أو قوامة لغرض حراسة حقوقه لما تحقق هذه الحقوق حماية للمصلحة الاجتماعية (عبيد، 2003).

الفرع الثالث

الاستثناءات الواردة على حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      تأخذ أغلب التشريعات بحق المتهم في توكيل محام للدفاع عنه، أما في مرحلة التحري وجمع الادلة، وأما في مرحلة التحقيق الابتدائي بوصفه ضمانة هامة نصت عليها أغلب التشريعات مقررة لمصلحة الشخص المتهم، في مواجهة سلطة الاتهام والتي يكون لها من الرهبة ما يجعل الشخص المتهم غير قادر على ضبط أعصابه واستجماع قواه وقدراته والتركيز الذهني، لذا دأبت أغلب الدول على كفالة هذا الحق للشخص الذي يكون موضعاً للاتهام، إذ كفل هذا الحق آصاله أو وكالة باعتباره حقا طبيعيا للشخص أقرته أغلب المؤتمرات والمواثيق الدولية ومنها العلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948كونه ضمانة هامة للمحاكمة العادلة ولأصل البراءة في المتهم.

      ومع ذلك نجد أن هناك بعض الاستثناءات على هذا الحق المقرر للشخص الذي يكون موضعا للاشتباه والاتهام، وذلك في بعض التشريعات، نذكر منها ما ورد في التشريع الروسي، إذ نصت المادة (13) من قانون الإجراءات الجنائية الروسي على أنه ( للمتهم الحق في الدفاع بالأسلوب والوسائل المنصوص عليها في القانون منذ اللحظة التي يخطر فيها المتهم بالتهمة المقدمة ضده)، ووفقاً لهذه المادة فإن المتهم لا يحق له توكيل محامٍ للدفاع عنه، إلا بعد توجيه الاتهام إليه، ولما كان الاتهام لا يوجه في التحقيق الأول ولا في التحقيق الابتدائي، فإن ذلك يعني عدم إقرار الحق للمتهم في توكيل محامٍ للدفاع عنه قبل المحاكمة (الويس، 1998).

      كذلك نصت المادة (20) من ذات القانون (على عدم اشتراك المدافع ( أي المحامي) في إجراءات التحقيق) (طه، 1999)، وايضا جاءت المادة (22) من القانون نفسه بأنه ( للمدافع الحق في الاشتراك في الدعوى منذ لحظة إعلان المتهم بانتهاء التحقيق الابتدائي، واطلاعه على أوراق الدعوى) (القاضي، 1993)، وبينت المادة (49) من ذات القانون حالات الاشتراك الإلزامي للمدافع في القضية، وهي حالة مساهمة ممثل رسمي أو اجتماعي للاتهام، وحالة الأبكم الأصم أو الأعمى أو الاشخاص الأخرين الذين يعجزون بسبب حالتهم الجسمانية أو العقلية من ممارسة حقهم في الدفاع، وحالة الأحداث أو الاشخاص الذين لا يجيدون اللغة التي تدار بها الإجراءات، أو الاشخاص الذين يقدمون إلى محاكمة يمكن أن توقع عليهم عقوبة الإعدام (الحسيني، 1978).

      كما أن حق توكيل محامٍ يكون إلزاميا في مرحلة التحقيق في حالة الأحداث والعاجزين عن ممارسة الدفاع من ألصم أو ألبكم أو بسبب عاهة جسمانية أو عقلية، إذ تفرض على المحقق في تلك الأحوال انتداب محامٍ، إذا لم يتم اختيار محامٍ.

      وقد اضافت المادة (201) من قانون الإجراءات الجنائية الروسي بقولها بأنه (قبل الإلزام بإخطار المتهم بحقه في الاطلاع على الاجراءات، يلزم إخطاره بغلق التحقيق، ثم حقه في الاطلاع شخصياً أو بواسطة محامٍ على الاجراءات) (علوب والقاضي، مصدر سابق).

      ومن ذلك يتبين لنا أن قانون الإجراءات الجنائية الروسي لم يكفل للمتهم الحق في توكيل محامٍ للدفاع في التحقيق، إلا لبعض الحالات التي تم ذكرها سابقاً، كما ضمن حق التوكيل بمحامٍ في الأحوال العادية فقط عند غلق التحقيق وفي مرحلة المحاكمة.

      أما بالنسبة إلى قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي، فقد ألغى هذا القانون التحقيق الابتدائي الذي كانت تقوم به النيابة العامة، وأصبح دور النيابة اتهامي فقط، وإلغاء التحقيق الابتدائي الذي كانت تقوم به الشرطة القضائية، وأصبح دورها قاصراً على مرحلة التحري، من دون أن يكون لها دور في عملية التحقيق (طه، مصدر سابق)، إذ تم إحلال الجلسة التمهيدية محل التحقيق الابتدائي، ويدير هذه الجلسة قاضي التحريات الابتدائي، وكما تعد هذه الجلسة مرحلة وسط بين مرحلة التحري ومرحلة المحاكمة، وتبدأ الجلسة التمهيدية بعد إيداع النيابة العامة طلب الإحالة إلى المحاكمة في قلم كتاب المحكمة وفقاً للمادة (416/ 1) من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي، كما وأوجبت المادة (420) من ذات القانون على ضرورة انتداب محامٍ للمتهم بديل عن المحامي الذي اختاره، في حالة تخلفه عن الجلسة .

      ومما ينبغي ملاحظته أن المشرع الإيطالي لم يكفل حق التوكيل بمحامٍ في التحقيق الابتدائي، بخلاف مرحلة التحري وجمع الأدلة (المادة (96/1) من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي)، فقد نصت المادة (104/1) من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي بأنه (للمتهم المحبوس احتياطياً الحق في الاتصال بمحاميه منذ بداية تنفيذ هذا الإجراء) (زيد، مصدر سابق).

      ومن ذلك يتضح لنا أن المشرع الإيطالي لم ينص على حق المتهم في توكيل محامٍ في مرحلة التحقيق الابتدائي، والذي تأخذ به أغلب التشريعات، وذلك لكونه قد ألغى هذه المرحلة وقام بإحلال الجلسة التمهيدية بدلاً عنها، إلا أنه أقر للمتهم ضمانة هامة، ألا وهي حقه في أن يوكل محامياً له في مرحلة التحري، أما قانون الإجراءات الجنائية السوداني (قانون الإجراءات الجنائية السوداني رقم (65) لسنة 1991 النافذ)، فإنه لم يكفل للمتهم حق توكيل محامٍ في مرحلة التحقيق الابتدائي، وذلك لأن الدعوى الجزائية فيه تبدأ بوقوع الجريمة والتحري عنها، ومن ثم المحاكمة وإصدار الحكم بحق المتهم (الطاهر، 2007)، ولم يكفل الحق للمتهم في توكيل محامٍ للدفاع عنه في مرحلة المحاكمة إلا في نص واحد، وذلك في المادة (135) والتي جاء فيها أنه (1ـ يكون للمتهم الحق في أن يدافع عنه محامٍ أو مترافع. 2ـ يجوز للمحكمة أن تأذن لأي شخص أن يترافع أمامها، إذا رأته أهلاً لذلك. 3- إذا كان المتهم بجريمة معاقب عليها بالسجن مدة سبعة سنوات أو أكثر أو بالقطع أو بالإعدام معسراً، فعلى وزير العدل بناءً على طلب المتهم أن يعين من يدافع عنه وتتحمل الدولة كل النفقات أو بعضها) (القيسي، 2013).

المطلب الثاني

أساس حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      للتعرف على الأساس الذي يقوم عليه حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، يجب علينا أن نبحث هذا الحق من عدة أوجه ومن خلالها نتعرف على الأساس التأصيلي والدستوري والقانوني لحق المتهم في توكيل محامٍ، وذلك في الأفرع الآتية:

الفرع الأول

الأساس التأصيلي لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      إن حق المتهم في توكيل محامٍ ليست فكرة وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل تمتد جذورها إلى قرون ماضية، ومن ثم شغلت هذه الفكرة أذهان المفكرين ما بين مؤيد لها ومعارض (بكار، 1996)، إذ كان الملوك في العصر القديم يعدون أنفسهم مصدراً للعدالة، لذا استأثروا لأنفسهم بكافة السلطات فاستبدوا وتحكموا لتشهد تلك الفترة أبشع الانظمة العقابية وأكثرها هدراً لضمانات الدفاع (بكار، مصدر سابق)، مما أدى ذلك إلى ظهور الفلاسفة والمفكرين، الذين نددوا بالاستبداد والقسوة، حتى أدت مجهوداتهم إلى فاتحة عصر جديد، أطلق عليه عصر الرحمة والإنسانية (الملك، بلا سنة نشر)، ففي إنكلترا، لم يكن يسمح للمتهم في التمثيل بمدافع في الجرائم السياسية منها والتي تهم الدولة (الجنايات)، والتي تحاكم في محكمة النجمة (Star chamber)، وهي محكمة تفرعت عن مجلس البلاط المخصوص لتكون محكمة استثنائية ذات سلطات تحكمية، كما لم يكن يسمح بطلب التمثيل بمحامٍ أمامها (Lester Bernhart  Orfield 1947,)، وقد ألغيت تلك المحكمة سنة 1640، وكانت قواعد القانون العام في إنكلترا تحظر حق المتهم بتوكيل محامٍ في الجنايات .

      فقد ندد الفيلسوف الإنكليزي ((جون لوك)) سنة 1689 بعد الثورة سنة 1688، بفكرة المصدر الإلهي لسلطة الحاكم، ونادى بأن الشعب مصدر كل سلطة، مما دفع الملك (غليوم الثالث) إلى التوقيع على وثيقة إعلان الحقوق، الذي وافق عليها البرلمان الإنكليزي (خميس، 2006).

      وقاعدة حرمان المتهم من حقه في توكيل محامٍ وجدت حتى عصر ((بلا كستون)) سنة 1758، إذ بالرغم من تسليمه بأن القاعدة قد استقرت في القانون العام، إلا أنه عاب عليها عدم انسجامها مع بقية المعاملة الإنسانية للمتهمين في القانون الإنكليزي إذ يقول ((لأنه على أي حال من العقل يمكن أن تجحد هذه المساعدة لإنقاذ حياة رجل حينما تعطى له في الدعاوى عن أي تعد بسيط)) (علوب، مصدر سابق).

       وبالمقابل ظهر رأي معارض له، إذ قال (لورد كوك) في دفاعه عن تلك القاعدة بشأن حرمان المتهم من التمثيل بمدافع، هي أنه في الجنايات تكون المحكمة نفسها هي المدافع عن المتهم، ومن الاسباب التي قيلت لتأييد القاعدة أيضاً بأن المتهم في تلك الجنايات لا يدان إلا ببينات لا يجد مدافع لنفيها (1955, Beaney).

       وفي الولايات المتحدة الأمريكية، لم يعرف حق المتهم في التمثيل بمدافع لغاية التعديل السادس من الدستور الفدرالي، الذي أضاف هذا الحق ووسع من مفهومه، فقد طورت المحاكم عرفاً بانتداب مدافعين في الجنايات الخطيرة غير الكبرى، ووجدت قاعدة في عدد من المحاكم الفدرالية تقضي بأن المدافع الذي تنتدبه المحكمة يقوم بعمله من دون أتعاب، حينما يكلف من قبلها للدفاع عن المتهمين.

      وفي فرنسا، كانت إجراءات التنقيب تجيز تعذيب المتهم، وانتقل ذلك إلى القانون الكنسي كنتيجة لطغيان أثر القانون الروماني عليه، إذ شهدت بعدها المحاكم الفرنسية تطرفاً في الإجراءات التنقيبية لمقاومة الإلحاد، فكانت تلك الإجراءات تسمى (التحري المقدس)، ومن ثم كان المتهم يستجوب في الحال بوساطة القاضي سواء قبض عليه أو أحضر بعد الابلاغ عنه، وكان هذا الاستجواب يجري في بيت القاضي وفي غرفة مخصصة لذلك الغرض من المحكمة، وكان الاستجواب قاسيا وراميا إلى الإدانة، وفي كل الأحوال كان المتهم تحت رحمة القاضي، إذ كان عليه أن يجيب من دون أن يحصل على مساعدة محامٍ، ومن دون أن يخطر بموضوع البلاغ ضده (بكار، مصدر سابق و سرور، بلا سنة نشر).     

      وقد أدخل المشرع الفرنسي تعديلات في الحظر المفروض على المتهم في التمثيل بمحام، ومن ثم أجاز حق التمثيل بمدافع في حالتين، أولاهما هي حالة الاتهام بالجرائم المعقدة، كالاختلاس من الدولة، أما الثانية إذ اجازت لقاضي التحقيق بعد الاستجواب أن يسمح للمتهم بأن يتصل بمن يريد مع قيد بألا يكون الاتهام بإحدى الجرائم الكبرى (1903 ,G. Andrier).

      وقد أثار ذلك الوضع حفيظة الفقهاء، إذ نادوا بأن الحق في الدفاع وأخذ نصيحة المحامي من القانون الطبيعي(علوب، مصدر سابق)، وكما كانت لتعاليم (مونتسكيو) سنة 1748 التي اوردها في كتابه ( روح القوانين) الذي نادى فيه بتنظيم الدولة دستورياً من خلال سلطات ثلاثة؛ تشريعية، وقضائية وتنفيذية، وهاجم تركيز السلطة في قبضة واحدة، لأن ذلك يجعل منها سلطة مستبدة تهدد حريات الافراد وحقوقهم، وامتداداً لذلك؛ أصدر المفكر (روسو) سنة 1762 كتابه الشهير (العقد الاجتماعي)، والذي أكد فيه أن سلطة الدولة لا تنبع من مصدر إلهي، وإنما مبعثها الشعب صاحب السيادة، فالدولة تنشأ بعقد بين الافراد يتفقون فيه على رئيس يدينون له بالطاعة، في إطار ما يحققه لهم من توازن بين حرياتهم وحقوقهم.

      وكل ذلك كان له الأثر بإصلاح التشريعات وضمانات للمتهمين، وجاءت المادة التاسعة من إعلان حقوق الانسان والمواطن لسنة 1789معلنة المبدأ الأساسي حينما نصت بأن ( كل شخص تفترض فيه البراءة إلى أن تثبت إدانته، وإذا كان لا غنى عن القبض عليه فكل القيود التي لا داعي لها، لكفالة حضوره شخصياً، يجب أن تدان بشدة في القانون)، وفي ايطاليا صدر كتاب للفقيه (سيزار بكاريا ) سنة 1764، الذي يحمل عنوان (الجرائم والعقوبات)، الذي وضع فيه مجموعة من المبادئ الجوهرية، التي كان لها تأثير إيجابي أنعكس صداه على كثير من التشريعات دعماً لحق المتهم في الدفاع (القاضي، 2008).

       ومن المبادئ التي تضمنها هذا المؤلف أنه لا ينبغي إساءة معاملة المتهم باعتباره شخص لم تثبت إدانته، وهو ما يعرف بمبدأ (قرينة البراءة) (خميس، مصدر سابق و بهنام، 1997).

الفرع الثاني

الأساس الدستوري لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

      اختلفت دساتير دول العالم وقوانينها الأساسية في شأن حق الدفاع، فمنها ما نصت على حق الدفاع على نحو عام، وبعضها نصت على حق الدفاع وحق المتهم في توكيل محامٍ، وبعضها الآخر قد خلا من النص على حق الدفاع (أبو العينين، 2010).

      لقد ورد النص على حق المتهم في الدفاع في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ، وذلك في الباب الثاني من الحقوق والحريات، والتي نصت المادة (19) في فقرتها الرابعة بقولها ((حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة)).

       كما وكفل الدستور حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع في المادة (19) في الفقرة الحادي عشر منها، وذلك بقولها ((تنتدب المحكمة محامياً للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه، وعلى نفقة الدولة)).

      وبالنظر في هذا النص نلاحظ أن الدولة كفلت حق المتهم في توكيل محامٍ لمن ليس لديه محامٍ، فإذا كانت الدولة توفر للمتهمين بجنحة أو جناية محامٍ للدفاع عنهم وعلى نفقتها، فأن عدم النص عليه لا يعني غفلة من المشرع، ولكن المتمعن بهذا النص يرى أن المشرع العراقي كفله للشخص الذي لا يقدر على توكيل محامٍ للدفاع عن نفسه وليس للذي يقدر.

      إما في الدستور المصري الصادر سنة 2014 والنافذ، والذي نصت المادة (54) منه بقولها ((ويجب أن يبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابةً، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته، ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محامٍ، ندب له محامٍ، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة في القانون….، وفي جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محامٍ موكل أو منتدب))، ومن خلال استعراضنا لهذا النص نرى بأن المشرع  المصري أكد بصورة مباشرة على حق المتهم في توكيل محامٍ، وكذلك أحاطه بالضمانات الدستورية إذ تطلب حضوره التحقيق لكي يبدأ، وحق المتهم في الاتصال بمحاميه، وهذا ما لا نجده في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ .

      لذا نأمل من مشرعنا الدستوري النص على هذه الضمانات وتعزيزها لكفالة حقوق المتهم من الانتهاك من قبل سلطة التحقيق، وبذلك فإن حق المتهم في توكيل محامٍ، يرقى إلى الضمانات الدستورية في الأحوال التي يترتب عليها تقييد الحرية أو فقدها، وذلك انطلاقا من وضع حق المتهم في التوكيل كأحد الحقوق الأساسية للإنسان.

الفرع الثالث

الأساس القانوني لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

   إن الغاية النهائية من تطبيق قواعد الإجراءات الجزائية، هي توفير العدالة أياً كانت نتيجتها، سواء أكانت في أتجاه البراءة أم الادانة، إذ تبرز أهمية مبدأ المحاكمة العادلة الذي يرتكز على عنصر رئيس، وهو كفالة حق المتهم في توكيل محامٍ لمن توجه ضده هذه الإجراءات (العيفان، 2020).

    ومن ثم كان الهدف من ممارسة المتهم لحق الدفاع بالوكالة يتبلور في الضرورة التي تفرضها دواعي العدالة وحق الدفاع، فالمحاماة تشارك القضاء في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وكفالة حق الدفاع عن حريات وحقوق المواطنين إعلاء للمصلحة العامة (خميس، مصدر سابق).

     ويعد حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع من الحقوق الأساسية للإنسان، ونتطرق إلى بيان الأساس القانوني لحق المتهم في التوكيل على الصعيد الدولي والصعيد الوطني في القوانين الإجرائية وفقاً للآتي:

أولا- الأساس القانوني في المواثيق الدولية والإقليمية

      ظهر هذا الحق في توصية اللجنة الفنية لعصبة الامم سنة 1939، والتي أوجبت إلزام السلطات بإخطار المتهم عن حضوره لأول مرة أمام المحقق بحقه في توكيل محامٍ، ومن ثم ظهر هذا الحق في ميثاق الأمم المتحدة ومكملاً له في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 في المادة (11) منه، وكذلك في الاتفاقية الاوربية لحقوق الإنسان لسنة 1950 في المادة (6/3) والتي أكدت على وجوب أن يكون للمتهم محامٍ ولكل شخص متهم بجريمة.

      وأكدت الاتفاقية الامريكية لحقوق الإنسان لسنة 1969 على حق المتهم في توكيل محامٍ، كما وبينت في المادة (8/2) من الاتفاقية على (حق المتهم في الدفاع عن نفسه شخصياً أو بواسطة محامٍ يختاره بنفسه وحقه في الاتصال بمحاميه بحرية).

      وكذلك تضمن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة 1966 في المادة (24) منه على ضرورة (أن يكون لكل متهم محام يختاره، وأن يسمح له بالاتصال بمحاميه لإعداد دفاعه، وأن توفر المحكمة له محامٍ يدافع عنه من دون تحميله أجراً، إذ كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر) (بسيوني، 1998)، وأيماناً من الدول الاعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية بواجب النهوض بحقوق وحريات الإنسان والشعوب وحمايتها، فقد قرر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان لسنة 1981 جملة من الحقوق، من بينها حق المتهم في الدفاع، بما في ذلك الحق في اختيار مدافع عنه.

      ومن جهة أخرى فقد أكدت المؤتمرات الدولية هذا الحق، وأصدرت توصيات عديدة بهذا الخصوص نذكر منها، توصيات المؤتمر الدولي لرجال القانون المنعقد في أثيناسنة 1950، بوجوب أن تكفل للمتهم الضمانات اللازمة لدفاعه عن نفسه أو يستعين بمدافع يختاره، وإذا عجز عن دفع الاتعاب فتعين الدولة له مدافعاً، وكذلك توصيات المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات في روما سنة 1953، بوجوب إخطار المتهم قبل الإدلاء بأقواله بحقه في ألا يجيب إلا بحضور محاميه (مصطفى، 1988).

ثانيا- الأساس القانوني في التشريعات الداخلية

      نتناول أساس حق المتهم في توكيل محامٍ في النظم الإجرائية وما تضمنته تشريعاتها القانونية، ففي فرنسا؛ مثلا نص قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في المادة (63/4) في فقرته الأولى، (على حق المحتجز في أن يجتمع بمحاميه بعد مضي عشرين ساعة منذ بدء الاحتجاز، فإذا لم يكن بمقدور المتهم توكيل محامٍ أو لم يكن في الإمكان أن يتصل به، كان له أن يطلب ندب أحد المحامين من خلال نقيب المحامين).

      أما ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (63) بخصوص تمديد الميعاد المذكور في الفقرة الاولى، والتي مددت ساعة لقاء المتهم بمحاميه الى (36) ساعة في بعض الجرائم، وهي جرائم القوادة المشددة والجريمة المنظمة، وجرائم سلب الاموال المشددة، وبعد (72) ساعة في حالة جرائم الارهاب، أو الاتجار بالمخدرات.

      ولا نعلم لما هذه التفرقة بين الاشخاص المتهمين استنادا لنوع الجريمة وخطورتها، إذ إن المتهم في الجرائم الخطيرة أحوج إلى الاتصال بالمحام من غيره، وذلك لأن جسامة الجريمة وخطورتها تجعله في وضع نفسي مضطرب وغير قادر على الدفاع عن نفسه، كما هو إخلال بمبدأ البراءة المفترضة في الإنسان.

      وكذلك تضمنت ذات المادة إعطاء الشخص المتحفظ عليه حرية الاختيار في أن يلتقي بمحاميه مرة واحدة أو مرتين، أو ثلاث مرات في حالة التمديد، وفي جميع الأحوال يكون اللقاء في كل مرة لمدة (30) دقيقة، أي أن القانون يضمن ثلاث لقاءات بين المتهم ومحاميه، وفي نهاية كل لقاء يكون للمحامي الحق في أبداء ما يراه من ملاحظات، ويتم تدوينها في محضر قسم البوليس (الشيباني، 2006).

      وكما تضمنت المادة (144) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، والتي أجازت حضور محام المتهم أثناء الاستجواب أمام قاضي التحقيق متى طلب المتهم ذلك، ولو كان حضور المتهم لأول مرة أمام القاضي، إذ يتعين على القاضي بأن ينبه المتهم بأن من حقه توكيل محامٍ للدفاع عنه، فإذا لم يختار المتهم مدافعاً بنفسه يقوم القاضي باختيار محامٍ له إذا طلب ذلك (عواد، 2017).

      أما في مصر، فقد نص على هذا الحق في قانون الإجراءات الجنائية في المواد (125،124،78،77)، والتي كفلت هذه النصوص حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، إذ نصت المادة (77) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أنه (حضور الخصوم ووكلاؤهم جميع إجراءات التحقيق، ولقاضي التحقيق أن يجري التحقيق في غيبتهم متى رأى أنه يساعد على إظهار الحقيقة، ويسمح لهم في الاطلاع على التحقيق بمجرد الانتهاء من تلك الضرورة)، كما بينت (78) أنه (في حالة الاستعجال إذا عرف المحامي مكان وموعد بدء إجراءات التحقيق جاز له الحضور دون أن يمنعه المحقق استنادا إلى حالة الضرورة والاستعجال) (حسني، 1998)، ونصت المادة (124) من ذات القانون على أنه (في غير حالة التلبس والسرعة بسبب الخوف من ضياع الادلة، لا يجوز للمحقق في الجنايات أن يستجوب المتهم بدون دعوة محاميه للحضور أن وجد)، وكما جاءت المادة ( 125) من القانون نفسه لتبين (حق المتهم في ان يكون بجانبه محامٍ يدافع عنه ويبث في نفسه الاطمئنان، إذ منعت الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه اثناء التحقيق) (عبيد، 1960).

      ومن ذلك نستخلص أن هذه الضمانات التي نص عليها كل من المشرع الفرنسي في قانون الإجراءات الجنائية، بخصوص مدة الاتصال وحقه في لقاءه ضمانة أساسية تكفل للمتهم الذي يوجه إليه الاتهام، وهذا ما لا نجده في قانون الإجراءات الجنائية المصري، إلا أن الأمر يدق حين يقوم المشرع بوضع بعض الاستثناءات التي تفرق بين متهم وأخر في بعض الجرائم، التي بينها المشرع الفرنسي وحدد لها مدة لكي يتمكن المتهم من الاتصال بمحاميه، ومن وجهة نظرنا نجد أن ذلك منافياً لحقوق الإنسان، التي كفلتها كل القوانين، وثارت من أجلها الشعوب ضد الظلم والاستبداد، إذ يكون هذا الحق ثابت في الإنسان، وذلك لافتراض البراءة فيه، والتي تكون أساساً للمحاكمة العادلة .

      في حين نجد من خلال استعراض نصوص قانون الإجراءات الجنائية، أن المشرع المصري قد كفل حق المتهم في توكيل محامٍ، وبين بأنه لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه إذا حضر معه أثناء التحقيق، وذلك لأن هذا الازدواج البشري أي بين المحام والمتهم يعد واحداً – كما بيناه سابقاً في تعريف التوكيل- إذ هو إحلال شخص مقام الأخر، وبين قانون الإجراءات الجنائية حدود دعوة محام المتهم، وذلك في المادة (124) التي أوجبت في قضايا الجنايات بعدم بدء الاستجواب لحين دعوة محامي المتهم للحضور.

      أما الوضع في العراق، فقد جاء في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل، في المادة (123/ ب ، ج) بأنه ( قبل إجراء التحقيق مع المتهم ينبغي على قاضي التحقيق إعلام المتهم، بأن له الحق في أن يتم تمثيله من قبل محامٍ، وأن لم تكن له القدرة على توكيل محامٍ تقوم المحكمة بتعيين محامٍ منتدب له، من دون تحميله اتعاب المحاماة)، ونص كذلك بأن (على قاضي التحقيق أو المحقق حسم موضوع رغبة المتهم في توكيل محامٍ قبل مباشرة التحقيق، وفي حال رغبة المتهم في توكيل محامٍ، فلا يجوز لقاضي التحقيق أو المحقق مباشرة الإجراءات حتى توكيل محامٍ ).

      ومن ناحية أخرى تضمنت المادة (57/ أ) من القانون ذاته بالسماح للمتهم ووكيله المحامي أن يحضر إجراءات التحقيق، إلا أنها لم توجب دعوة محام المتهم كما فعل قانون الإجراءات الجنائية المصري، إذ أوجب القانون الأخير حضور محام المتهم قبل البدء بالتحقيق ودعوته من قبل المحقق قبل بدء الاستجواب، وذلك لكون المشرع العراقي أعطى للقاضي والمحقق الحق في منع محام المتهم من الحضور، على أن يبين اسباب المنع ويدونها في محضر القضية، ويبيح للمحام بعد ذلك الاطلاع على التحقيق بعد زوال الاسباب والضرورة التي دعت الى المنع.

     وكما أن المشرع العراقي لم يعطِ ضمانة كافية للمتهم حتى بوجود محاميه، إذ يبين أن محام الدفاع ليس له دور إيجابي في الدعوى، وذلك لمنعه من الكلام والدفاع عن المتهم إلا بأذن من القاضي، على عكس ما تضمنه المشرع المصري، من حق الاتصال ووجوب دعوة محام المتهم أثناء الاستجواب، وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن (حق الدفاع ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامي ضرورياً كرادع لرجال السلطة العامة إذا عمدوا إلى مخالفة القانون؛ مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على اعمالهم أو غفوتها، وعدم اقتصار قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها، بل تمتد مظلتها إلى الحالة السابقة عليها، سواء كانت أثناء التحقيق الابتدائي أو قبله، فقد تحدد نتيجة هذه المرحلة المصير النهائي للمتهم… والمتهم بجناية عادة ما يكون مضطربا مهددا بإدانته بارتكابها إذا فقد المعاونة الفعالة من محامٍ له) ( الشيباني، مصدر سابق)، ومن ثم أوجبت المادة (144/أ/ب) من القانون نفسه، بأن يكون للمتهم في قضايا الجنايات محامٍ للدفاع عنه، فإذا لم يكن له محامٍ يندب رئيس محكمة الجنايات محامياً له، ويعد قرار الندب بحكم الوكالة.

      ومن الملاحظ على هذه المادة أن المشرع قد اوجب أن يكون للمتهم في الجنايات محامياً من دون كفالة هذا الحق بالنسبة للجنح، ومن ثم يعد ذلك نقصاً تشريعياً، إلا أن المشرع الدستوري فطن إلى هذا النقص ونص عليه في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ في المادة (19) في الفقرة الحادية عشر التي اوضحت وجوب هذا الحق للجنايات والجنح، وذلك لما لبعض جرائم الجنح من عقوبات توجب الحبس لمدة ليست بيسيرة.

      وهذا ما أكدته محكمة التمييز الاتحادية، إذ قضت بأن (عدم انتداب محامي للدفاع عن المتهم هو أهدار لضمانة من ضمانات المتهم القانونية في المادتين (144) من أصول المحاكمات الجزائية والمادة (19) حادي عشر من الدستور)، وقضت في حكم آخر لها بأنه (يتم انتداب محام للدفاع عن المتهم المحال على محكمة الجنايات أو محكمة الجنح عن جريمة واضحة، ولا يتم ذلك عن مخالفة ارتكبها المتهم).

المبحث الثاني

الإطار القانوني لحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع

     إذا كان حق الدفاع من الحقوق الطبيعية للإنسان، فإن صاحب هذا الحق هو الأجدر على استظهاره وممارسته، ومن ثم كان من أولى الناس للدفاع عن نفسه، إلا أنه عندما يوُضع موضع الاتهام هنا تظهر الحاجة إلى ضرورة وجود محامٍ إلى جانبه، كما أن مهمة المحامي تكمن بصفة أساسية في مد يدَ العون للمتهم في مباشرة حقوقه القانونية التي غالباً ما يجهلها، لذا سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبين، نخصص الأول لبيان التكييف القانوني للعلاقة بين المتهم ومحامِ الدفاع، ونبين في الثاني الحقوق المتفرعة عن حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، وذلك على النحو الآتي:

المطلب الاول

التكييف القانوني للعلاقة بين المتهم ومحام الدفاع

      تبدو العلاقة بين المتهم ومحاميه للوهلة الاولى بأنها واضحة المعالم، إلا أنه عند النظر بتمعن فيها، فإنه يصعب تحديد ما هو التكييف القانوني لهذه العلاقة، فالبعض يكيفها بأنها عقد من عقود القانون العام، والبعض الأخر يكيفها بأنها من عقود القانون الخاص، كما أن الفقه والقضاء له موقف من هذه العلاقة، وعلى ذلك سنقسم هذا المطلب على ثلاثة فروع، إذ نخصص الفرع الأول لبيان علاقة المتهم بمحاميه من عقود القانون العام، والفرع الثاني نتطرق فيه إلى علاقة المتهم بمحاميه في عقود القانون الخاص، وذلك وفقاً للآتي:

الفرع الاول

علاقة المتهم بمحاميه من عقود القانون العام

      تصدى جانب من الفقه لبيان طبيعة العلاقة بين المتهم والمحامي، وذهب رأي إلى أن هذه العلاقة هي علاقة عقد من عقود القانون العام، ويستند الفقهاء من أنصار هذا الرأي مذهبهم إلى طبيعة العمل الذي يؤديه المحامي، فهو عمل ذو نفع عام؛ لأن المحامي من أعوان القضاء، ولأن مهمة المحامي هي تأدية العدالة وإنجازها، وهو وأن كان يمثل الخصم، إلا أن هذا التمثيل لا يكون بالاتفاق بينه وبين الخصم في كل الاحوال، ذلك لأن المحامي قد يكون معينا من المحكمة ذاتها، كما أنه قد يكون منتدبا من نقابة المحامين (أبلتون، بلا سنة نشر).

      وذهب جانب أخر إلى أن المحامي ينتمي إلى نقابة المحامين التي تتبع مرفق العدالة، وهو مرفق عام من مرافق الدولة، وكما أنه يمارس أيضاً مهنة تتصل بمرفق القضاء، وهو مرفق عام، وبالتالي يعد موظفا عاما، ومن ثم فإن العقد الذي يربط المحامي بعميله هو عقد من عقود القانون العام، وكما أن تحقيق العدالة ليس مقصوراً على القضاء فقط، ولكن يمتد إلى الأجهزة المعاونة كافة، مثل النيابة العامة والخبراء، وبالرغم مما قيل في تأييد هذه النظرية فإنها كانت محلا للعديد من أوجه النقد (حسين، 1993)، وذلك لأن المحامي ليس بموظف عام، والدولة لا تسأل عن أخطائه، ومن ثم فأنه لا وجه للقول بأنه لما كان المحامي من أعوان القضاء فإنه يسعى لتحقيق النفع العام؛ لأنه يسعى في ظل موجبات القانون إلى نفع المتهم. كذلك فإن المحكمة وأن كانت تعين للخصم أحياناً محامياً للدفاع عنه أو قد يكون منتدباً لذلك من نقابة المحامين، إلا أن ذلك لا أثر له في التكييف القانوني للعلاقة بين المتهم والمحامي، وذلك لأن هذا التعيين ليس بأصل، وإنما هو استثناء، وتكييف العلاقة لا يبنى على الاستثناء، وإنما على الاصل القائم على حرية اختيار المتهم لمحاميه، ولأن الأصل هو حضور المتهم بنفسه وقدرته على الدفاع عن ذاته ومصالحه.

الفرع الثاني

علاقة المتهم بمحاميه من عقود القانون الخاص

      إذا كانت العلاقة بين المتهم والمحامي قد ابتعدت من أن تكون علاقة يحكمها القانون العام، فإنه يمكن أن تكون علاقة يحكمها القانون الخاص، وقد تعددت التكييفات في هذا الجانب، فمنهم من كيفها بأنها عقد عمل، وظهر اتجاه أخر أعطى تكييفاً لهذه العلاقة بين المتهم ومحاميه بأنها عقد مقاولة، وأن المحامي كالمقاول يؤدي الأعمال لحساب صاحب العمل، وظهر اتجاه معاكس لهم، وفي إطار القانون الخاص، وعَدَ العلاقة بين المتهم ومحاميه بأنها عقد وكالة بحسب طبيعة الأمور، وسوف نبين ذلك حسب التفصيل الآتي:

أولاً- تكييف العلاقة بين المتهم ومحاميه بأنها عقد عمل

     هناك فريق من الفقه يرى أن العلاقة بين المتهم والمحامي هي عقد عمل، إذ يقول هذا الفريق أن علاقة المحامي بالشخص الذي يدافع عنه يمكن تكييفها على أساس أنها عقد تأجير خدمات أو عقد عمل (عبيد، مصدر سابق).

     وقد عرف عقد العمل بأنه:( (العقد الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين أن يعمل في خدمة المتعاقد الآخر وتحت إدارته وإشرافه مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الاخر)).

     إن ما ذهب إليه أنصار هذا الرأي الذي يرى أن العلاقة بين المحامي والعميل عقد عمل غير سليم، وذلك أن من يعمل لحساب شخص أخر لا يقوم بتمثيله في هذا العمل كما يفعل المحامي بالنسبة لعميله (مرسي، 1952).

      وكما أن العلاقة بين المحامي وصاحب الدعوى (المتهم) ليست علاقة تابع بمتبوع (عبيد، مصدر سابق)، فإذا أخطأ المحامي فأساء إلى أحد الخصوم إساءة تقتضي إلزامه بالتعويض المدني، فإن المتهم عند ذلك لا يُسأل مدنياً عن خطأ المحامي، وكما أن عقد العمل يتطلب رابطة مستقرة ودائمة وهذا غير متوفر في العلاقة بين المتهم ومحاميه (عبيد، مصدر سابق).

ثانياً- تكييف العلاقة بين المتهم ومحاميه بأنها عقد مقاولة

      هناك أتجاه في الفقه المصري ذهب إلى عد العقد بين المحامي والمتهم هو عقد مقاولة، ويبررون ذلك في تكييف العلاقة بأنها عقد مقاولة إلى تمحيص الدور الذي يؤديه المحامي لحساب المتهم (رمزي، 1991)، ذلك لأن المحامي يؤدي ذات المهام المادية التي يؤديها المقاول لحساب صاحب العمل، ويتقدم بالمذكرات فهو يعمل لحساب المتهم، وهذه الأعمال يؤجرها المحامي لعميله (المتهم)، ويتقاضى عنها أجراً محددا.

      وقد تعرض هذا الرأي لانتقاد كبير، ويرى عدم وصف العقد بأنه مقاولة، وذلك لأنه بالرغم من أن المحامي يباشر بعض الأعمال المادية لحساب العميل، فإن المشرع قد أجاز للمحامي أن يفسخ هذا العقد من دون أن يتحمل أي التزام (الظاهر، 1950)، وأما في عقد المقاولة فإن المقاول لا يمكنه هذا الفسخ، لذلك قيل بأن العقد بين المحامي والمتهم هو من العقود الجائزة، وكما أن للمحامي أن ينهي العلاقة بموكله (المتهم) وينهي هذا العقد في أي وقت إذا اقتنع بأنه لا يمكنه أداء العمل المطلوب منه وفق ما يرى.

       وهكذا فإن هذه النظرية تخالف نص المادة (209) من القانون المدني المصري والتي تنص على أنه (( في الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يطلب ترخيصاً من القضاء في تنفيذ الالتزام إذا كان هذا التنفيذ ممكناً))، وهذا لا ينطبق على علاقة المتهم بالمحامي لأنه لا يشترط عند فقدان ثقة المتهم في المحامي أن يلجأ إلى القضاء لتعيين محامي آخر بدلاً من المحامي المقصر في متابعة الدعوى على حساب ذلك المحامي، وكما أن الأعمال التي يقوم بها المحامي هي في أغلبها أعمال قانونية وليست أعمال مادية، ولذلك ينتفي هنا عقد المقاولة (قنان، 1987).

ثالثاً- تكييف علاقة المتهم بمحاميه بأنها عقد وكالة        

      يرى جانب من الفقه الإجرائي المصري بأن العلاقة بين المتهم والمحامي هي عقد وكالة، والسبب من ذلك أن كل ما يجريه المحامي من تصرفات قانونية تنصرف أثارها إلى موكله (المتهم)، ومن ثم أن الطابع الغالب في عمل المحامي ليس هو العمل المادي، وكما أنه صحيح أن المحامي يقوم بهذا العمل، ولكن العمل المادي عارض في طبيعة عمل المحامي.

      ويضاف إلى ذلك أن لطرفي الرابطة العقدية في هذا العقد أن يتحلل كل منهما من التزامه وينهي علاقته بالطرف الأخر من دون أن يترتب على ذلك مسؤولية أو التزاماً بالتعويض، وكذلك رأي المحامي هو تعبير يعتد به قانوناً عن إرادة الموكل (سيف، 1960)، تطبيقا لنص المادة (699) من القانون المدني المصري الذي عرف عقد الوكالة بأنه ((عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل))، وبذلك يرى جانب من الفقه أن تكون علاقة المحامي بموكله هي عقد وكالة (علوب، مصدر سابق و عبيد، مصدر سابق)، وكما أن محكمة النقض المصرية قد مالت إلى هذا التكييف وتبنته وأكدت عليه في أحكام عديدة لها (والي، 2009)، وقد تحفظ بعض أنصار الوكالة بالخصومة فيما يتعلق بمسألة ندب محامٍ للحضور عن المتهم بأنه في هذه الحالة ـ أي حالة الندب ـ نكون إزاء نيابة قانونية مفروضة بحكم القانون، وذلك على أساس أن الوكالة عقد يتطلب التراضي؛ أي تلاقي الإيجاب والقبول، في حين أنه في حالة الندب لا يتوفر مثل هذا التراضي، ويعتنق هذا الاتجاه الفقه (السنهوري، 1964)، والقضاء في مصر، وقد أخذ بهذا التكييف كذلك في فرنسا (علوب، مصدر سابق).

       والتكييف السائد اليوم في إنكلترا للعلاقة بين المتهم والمحامي هو تكييف الوكالة، كما وأخذ بهذا التكييف في الولايات المتحدة الأمريكية، وأما بخصوص من قال بأنها وكالة من نوع خاص، فإنه يرجع ذلك إلى الرغبة في الحفاظ على استقلال المحامي في أدائه لعمله الفني، ولكون هذه العلاقة تخضع للقواعد العامة للوكالة في القانون المدني فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون المرافعات والمحاماة (فهمي، 1990).

      ولم تسلم نظرية الوكالة التي قيل بها من النقد، ذلك لأن طبيعة عمل المحامي تتعدى صفة الوكالة المقررة في أحكام القانون المدني، كما أن وجود المحامي بجانب المتهم في المواد الجنائية للدفاع عنه، لا يقتضي أن يلتزم المحامي خطة الدفاع التي رسمها المتهم هو لنفسه، بل أن المحامي حر في توجيه الدفاع على الوجه الذي يراه محققاً لمصلحة المتهم وفق ما يتمتع به من خبرة قانونية وما تقتضيه تقاليد المهنة وما يرضي ضميره. 

       وفضلا عن هذه الانتقادات فقد وجهت إلى هذا التكييف بأن الوكالة في الأصل تقوم على الرضا، وهذا غير متوفر في حالة المحامي المنتدب للدفاع عن المتهم في جناية، إذ لا يكون له حق في اختيار من ينتدب للدفاع عنه، وفي هذه الحالة تكون العلاقة أشبه بالنيابة القانونية المفروضة بحكم القانون على المتهم.

      ورغم هذه الانتقادات البسيطة، ألا أن المشرع المصري أخذ بتكييف العلاقة بين المتهم ومحاميه بأنها عقد وكالة، وذلك في قانون المحاماة المصري، الذي جاء في الفصل الثالث من الباب الثاني بعنوان (علاقة المحامي بموكله)، وكما نصت كذلك المادة (77) من ذات القانون على أنه (يتولى المحامي تمثيل موكله في النزاع الموكل فيه في حدود ما يعهد به إليه وطبقاً لطلباته مع احتفاظه بحرية دفاعه في تكييف الدعوى وعرض الأسانيد القانونية طبقاً لأصول الفهم القانوني السليم).

      أما بالنسبة للمشرع العراقي، فقد حسم في قانون أصول المحاكمات الجزائية المسألة، وعد العلاقة بين المتهم ومحاميه هي عقد وكالة وفق المادة 123 والمادة 144/ أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي)، وكذلك في قانون المحاماة العراقي، والذي يفهم من نصوصه بأن العلاقة بين المتهم والمحامي بأنها عقد وكالة.

      ومما تقدم ذكره نرى أن التكييف المناسب لعلاقة المتهم بمحاميه هو كقاعدة عامة عقد وكالة، وفي حالات استثنائية يمكن أن نكيف العلاقة بينهما على أنها عقد إنابة قانونية، وذلك في حالة ندب محامي للمتهم من قبل قاضي التحقيق والمحكمة، وحسناً فعل ذلك المشرع العراقي، إذ جعل القرار الصادر من رئيس محكمة الجنايات في انتداب محامٍ للمتهم في جناية بحكم قرار الوكالة، وهذا ما يؤيد رأينا في طبيعة هذه العلاقة القانونية، وكذلك ما جاء به المشرع في قانون المحاماة العراقي في المادة (69) منه والتي نصت بأنه : (( يقوم كتاب ندب المحامي الصادر من لجنة المعونة القضائية مقام الوكالة القانونية ولا يخضع لرسم الطابع )).

المطلب الثاني

التزامات محامي الدفاع إزاء موكله المتهم

      ثمة مجموعة من الالتزامات ملقاة على عاتق محامي الدفاع عن المتهم، والتي يكون ملزم في أداءها والمحافظة على طبيعة هذه الالتزامات كونها تمثل ركيزة أساسية في العلاقة بينهما، وهذه الالتزامات أما تكون منصوص عليها في القانون، وأما تكون من خلال العرف الذي جرى العمل به في مهنة المحاماة، وعليه سنقسم هذا المطلب على أربعة فروع، نخصص الفرع الأول لبيان التزام محامي الدفاع في الحفاظ على أسرار المتهم، ونبين في الفرع الثاني التزام محامي الدفاع في عدم تمثيله للمصالح المتعارضة، وأما الفرع الثالث نتطرق فيه إلى التزام محامي الدفاع ببذل العناية في أداء مهمته، ونوضح أخيراً في الفرع الرابع التزام محامي الدفاع بالصدق والأمانة وتقديم المشورة للمتهم، وذلك وفقاً للآتي:

الفرع الاول

التزام محامي الدفاع في الحفاظ على أسرار المتهم

      السر، هو واقعة أو معلومة ينحصر نطاق العلم بها في عدد محدود من الأشخاص، إذا كانت ثمة مصلحة يعترف بها القانون لشخص أو أكثر في أن يظل العلم بها محصوراً في ذلك النطاق (بكار، مصدر سابق)، وكما أن حماية أسرار المتهم لدى محاميه هي إحدى تطبيقات حماية أسرار الأفراد لدى أرباب المهن ممن عدّهم القانون أمناء عليها، وتلك الحماية التي فرضت استجابة لمتطلبات الصالح العام والمصالح الخاصة على السواء (سرور، 1991).  

      ومما لا شك فيه أن علاقة المحامي بموكله تقوم على أساس الثقة المتبادلة التي يوليها هذا الأخير فيمن يختاره أميناً على مصالحه عموماً، وعلى أسرار دفاعه الجنائي على وجه الخصوص، وسواء كان المحامي مختاراً أو منتدباً، وهذه الثقة هي التي تدفع الموكل إلى الإفضاء بأسراره لمحاميه بغية تحقيق مصالحه في الدعوى أو غيرها من الأعمال التي تندرج تحت مهنة المحاماة، وتدعيم هذه الثقة القائمة على خصوصية العلاقة بين المحامي وموكله يتيح للمحامي الاطلاع على ما خفي عن غيره من معلومات، فيؤهله ذلك في القيام بواجبه نحو موكله على أفضل وجه ممكن، ولذلك كان التزام المحامي في المحافظة على أسرار موكله من قبيل الواجب الأخلاقي والمهني، بعده أمراً تستلزمه أخلاقيات ومتطلبات ممارسة المهنة (زغلول، 2019).

        وفي الحقيقة أن المحافظة على سر المهنة يحقق مصلحة اجتماعية هامة تتمثل في نشر الطمأنينة بين المتقاضين خلال سير إجراءات التقاضي، وهو ما يدعم الثقة في مرفق القضاء وعدالة ونزاهة أحكامه، وبالمقابل لو أجيز للمحامي إفشاء أسرار موكله لأحجم المتقاضون عموماً، بمن فيهم المتهمون جنائياً عن الإفضاء إلى محاميهم بحقائق الأشياء وما تشمل عليه من معلومات قد تفيد في إقامة العدالة، فيخل ذلك بالسير السليم لمرفق القضاء لغياب التعاون بين القاضي والمحامي الناجم عن انتفاء الثقة بين المتهم ومحاميه، ولن يقتصر عندئذ على المصالح الشخصية للمتقاضي أو للمتهم، بل يمتد إلى المصلحة العامة للمجتمع (الشاذلي، 1988).

      فالمحامي ملزم بكتمان سر موكله، سواء ما أسر له به، أو ما يكون قد أحاط به بحكم مهنته ولو لم يكن معلوماً لصاحبه، إذ إن المحامي يقف – بحكم عمله – على جميع وقائع الدعوى التي وكل إليه مهمة الدفاع فيها، ويتمكن من الاطلاع على سائر مستنداتها ويقف على ما تشمل عليه من أسرار، ويتمكن كذلك – بحكم قربه من موكله – من الوقوف على بعض ظروفه الشخصية والعائلية مما يكون له طابع الخصوصية، ويتعين عليه أن يحافظ عليها جميعاً، حتى تلك التي يكون قد علمها عن غير طريق المتهم (موكله) متى كان عمله مرتبطاً بمهنته متعلقاً بأدائه لها، ولا يجوز له البوح بها إلا لأغراض الدفاع وضمن الوفاء بمتطلباته، ومما يتفرع عن ذلك أنه لا يجوز للمحامي أن يفضي بسر المتهم الذي أوكله إليه مهمة الدفاع عنه فيها، وبالبناء على ذلك يقع إفضاؤه بالسر تحت طائلة العقاب، إذا حصل أمام جهة قضائية غير تلك التي تفصل في الدعوى موضوع وكالته، وبالمثل فإنه يقع تحت طائلة العقاب إذا استهدف بإفشاء سر موكله هدفاً غير ما يستلزمه الدفاع، حتى ولو تم ذلك أمام الجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى التي أوكل إليه مهمة الدفاع فيها (بكار، مصدر سابق).

       ففي فرنسا، ورد السر المهني للمحامي في القانون رقم (11) فبراير 2004، وذلك في المادة (422/11) من قانون الملكية الفكرية، والذي كان مضمونه في أن احترام السر المهني يعد من النظام العام، الذي لا يجوز الاتفاق على مخالفته (2011, Castelain).

       أما في مصر، فقد عد أفشاء السر بين المحامي وموكله جريمة يعاقب عليها القانون (المادة 310 من قانون العقوبات المصري)، وكما نص قانون المحاماة المصري في المادة (65) على أنه: ( على المحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إذا طلب منه ذلك من أبلغها إليه، إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة)، وكذلك ما نصت عليه المادة (79) من ذات القانون من أنه: (على المحامي أن يحتفظ بما يفضي به إليه موكله من معلومات، ما لم يطلب منه ابداءها للدفاع عن مصالحه في الدعوى).

      ويستفاد من هذه النصوص أن المحامي ملتزم بموجب مهنته بالمحافظة على أسرار موكليه، لدرجة توجب عليه الامتناع عن أداء الشهادة بشأنها أمام القضاء، إلا إذا كان من شأن هذه الأسرار منع ارتكاب جريمة.

      وفي العراق عاقب المشرع على إفشاء سر المهنة وعدها جريمة، وكما أنه شدد عقوبة هذه الجريمة ـ على عكس المشرع المصري ـ وجعلها الحبس لمدة سنتين وبغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك في قانون العقوبات العراقي.

      وكما بين ذلك في قانون المحاماة العراقي المعدل، والذي جاءت فيه المادة (46/ 1) بقولها: (لا يجوز للمحامي أن يفشي سراً اؤتمن عليه أو عرفه هو عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء وكالته، إلا إذا كان ذلك من شأنه منع ارتكاب جريمة).

      وأكثر من ذلك فقد الزم المشرع العراقي في قانون المحاماة بعدم جواز أداء المحامي شهادة ضد موكله في الدعوى التي هو وكيل فيها، وكما لم يجز للمحامي بأداء الشهادة في نزاع وكَلَ أو استشير فيه، ومن ذلك نلاحظ أن المشرع حرص على توفير حماية مطلقة لهذه الأسرار، فلم يلزم المحامي بإفشاء هذه الأسرار، ولا يشكل الامتناع عن الإدلاء بها أمام المحكمة امتناعاً عن الشهادة، إلا إذا طلب منه موكله ذلك أو كانت شهادته تؤدي إلى منع وقوع جريمة وفق المادة 89 من قانون الأثبات العراقي.

الفرع الثاني

التزام محامي الدفاع بعدم تمثيل المصالح المتعارضة

      يمتنع على المحامي أن يتولى الدفاع عن المتهمين الذين تتعارض مصالحهم في الدفاع، وذلك لأنه لن يستطيع أن يقوم بدوره كاملاً بالنسبة لكل منهم، ولا يجوز أن يرجح المحامي مصلحة على أخرى مما يلحق الضرر بمن يحدث ذلك الرجحان ضده، أو أن يجري مصالحة بين تلك المصالح المتعارضة من دون أن يفاضل بينها، الأمر الذي يؤدي إلى الانتقاص من فعالية الدفاع عن كل منها، فضلاً عما يفضي إليه مثل هذا المسلك من تناقض في الدفاع ومن تناقض المحامي مع نفسه، وهو وضع يأباه المنطق وسلامة النظر للأمور كما تنكره العدالة (علوب، مصدر سابق)، وليس هناك قانوناً ما يمنع تولي محامٍ واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين في قضية، ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم، يوجب إقرار كل متهم بمحامٍ خاص به يتولى الدفاع عنه، سواء أكان هذا المحامي موكلاً أو منتدباً.

      أما إذا قام التعارض في مصالح المتهمين، فإن إجراءات المحاكمة تكون معيبة للإخلال بحق الدفاع، هذا فضلاً عن إمكان القول ببطلان الإجراءات، وذلك أن حضور محامٍ واحد عن متهمين تتعارض مصالحهم يجاوز في خطورته عدم حضوره عن أيهما، فالحضور الضار أخطر من عدم الحضور كلية ومثله الحضور الشكلي (عبيد، مصدر سابق).

      فعلى المحامي دائما البحث والسعي لإثبات براءة موكله بشكل عام، كما ويجب عليه أن يسوغ ما نسب إلى المتهم في ظل الظروف والملابسات المتوفرة، ولا يتأتى للمحامي أن يقوم بذلك الدور وحده بشكل مكتمل، إذا تعارض مع مصالح أكثر من متهم يدافع عنهم المحامي بنفسه (عبيد، مصدر سابق).

      وينبغي ضمان عدم التعارض بين المتهمين عند وحدة الدفاع عنهم، فقد يحدث أحياناً أن يكون في الدعوى أكثر من متهم بارتكاب الجريمة ويتولى الدفاع عنهم محامٍ واحد، فلا مانع من ذلك مادام أنه لا تعارض بين مصالح المتهمين في الدفاع، ولكن إذا كان هناك تعارضاً بين مصالح المتهمين في الدفاع، إذ يكون الدفاع عن أحدهما يلزمه الطعن في المتهم الآخر، وبما يحمل إلصاق التهمة به وحده، فهنا يلزم أن يكون لكل متهم منهما محامٍ خاص به، لأن وجود محامٍ واحد للدفاع عنهما فيه لإخلال بحقهما في الدفاع (مهدي، 1997).

وصور التعارض بين مصالح المتهمين في قضاء محكمة النقض المصرية متعددة (القيسي، مصدر سابق)، فمن أبرزها:

1ـ حالة أن يتبادل متهمون إسناد نفس التهمة تبادلاً صريحاً، فتصبح شائعة بينهما بحسب التعبير السائد في العمل، وهذه أقوى صور التعارض.

2ـ حالة أن يكون الفعل المكون للجريمة في حق أحد المتهمين أو بعضهم مؤدياً إلى تبرئة الأخرين منها، حتى ولو لم يتبادلوا الاتهام صراحة، إذا كانت ظروف الواقعة تؤدي إلى القول بأن إسناد التهمة بين المتهمين شائع بين متهمين أو أكثر ولو شيوعاً ضمنياً.

 3ـ حالة أن تدور مرافعة الدفاع عن متهم معين على واقعة لو صحت لأثرت في مركز المتهم الآخر من الاتهام، بأن نفت عنه ما يكون قد تمسك به من توافر سبب إباحة كالدفاع الشرعي، أو سبب امتناع مسؤولية كحالة الضرورة، أو من توافر عذر مخفف للعقاب أو معف منه، كما إذا أدعى كل من المتهمين أنه الأسبق تبليغاً من زملائه عن واقعة اتفاق جنائي، أو عن جناية تزييف مسكوكات ( م 205) عقوبات مصري، للاستفادة من العذر المعفي المقرر في القانون لمن يبادر أولاً بالتبليغ عن الجريمة، وقبل الشروع في التحقيق مع الجناة أو حتى بعده، فلا يصح أن يترافع عن المتهمين معاً محامٍ واحد .

4ـ حالة أن تدور واقعة الدفاع عن متهم معين حول وقائع لو صحت لأحدثت أثرها في تقدير العقوبة من وجهة قضائية بالنسبة للمتهم الآخر، فإنه ينبغي القول بتعارض المصلحة في هذه الحالة أيضاً.

5ـ حالة أن يذهب كل من المتهمين في الدفاع عن نفسه مذهباً يختلف عن مذهب زميله في الدفاع، ويكون بين المذهبين تباين لا تجانس فيه، ويتعذر إذا معه أن يقوم محامٍ واحد بالدفاع عنهما معاً، كأن تكون أدلة الإثبات مشتركة بين متهمين فينفي أولهما وجوده في مكان الحادث كلية، إذ يدافع ثانيهما بأنه كان موجوداً ولكن كان في حالة دفاع شرعي.

      ويلاحظ أن أحكام محكمة النقض المصرية تميل إلى التشدد في تفسير تعارض المصلحة بين المتهمين في الجنايات بما يذكر لها التأييد التام، فإن هذا التشدد ينبئ عن الحرص على كفالة حق الدفاع من جانب، وعلى سمو رسالة المحاماة من جانب آخر، فالمحاماة رسالة أصيلة تنبع من إيمان المحامي بحق موكله، وليست مجرد أقوال كما يفهمه البعض، والمحامي الذي يترافع عن وجهتي نظر متعارضتين من الطبيعي أنه لا يكون مقتنعاً بصدق أيهما، ومن العسير على المتهم أن يطالب قاضيه بأن يقتنع بما لم يقتنع به محاميه نفسه من صدق دفاعه (عبد المطلب، 1988).

الفرع الثالث

التزام محامي الدفاع ببذل العناية في أداء مهمته

      ويقصد بذلك وجوب حضور المحامي وقيامه بدور فعّال في الدفاع عن المتهم وجديته، والدفاع بهذا المعنى يبدو أمراً لازماً ونتيجة منطقية لحق المتهم في توكيل محامٍ (المرصفاوي، 2007).

      فالغاية من هذا الحق ليست مجرد منح المتهم ضمانة شكلية أو إجرائية تتعلق لمجرد حضور محامٍ معه أمام المحكمة، وإنما تتجاوز ذلك إلى وجوب وضرورة أن يكون ذلك الحضور مؤثراً وفعالاً وهو ما لم يتحقق، إلا إذا كان هناك دور جدي وحقيقي يمارسه المحامي في الدفاع عن المتهم (سرور، مصدر سابق).

      ونتيجة لذلك فقد نصت المادة (63) من قانون المحاماة المصري بأن ((يلتزم المحامي بأن يدافع عن المصالح التي تعهد إليه بكفاية وأن يبذل في ذلك غاية جهده وعنايته، ولا يجـوز لـه النكوص عن الدفاع عن متهم في دعوى جنائية، إلا إذا استشعر أنه لن يستطيع بسبب ظروفه أو ملابسات الدعــوى أن يؤدي واجب الدفاع فيها بأمانة وكفاية)).

      أما بالنسبة لقانون المحاماة العراقي، فقد نص على جدية الدفاع وعدها من الواجبات الاساسية للمحامي، وذلك في المادة (43) بقولها بأن: (على المحامي أن يدافع عن موكله بكل أمانة واخلاص ويكون مسؤولاً في حالة تجاوزه حدود الوكالة أو خطئه الجسيم).

      ومن الملاحظ عليه أن قانون المحاماة المصري جاء بضمانات للمتهم بشكل كبير، بخلاف قانون المحاماة العراقي، الذي اوجب على المحامي بأن يدافع عن موكله بكل أمانة واخلاص، ويكون مسؤولاً في حال تجاوز حدود الوكالة التي عهدت إليه، أو في حال ارتكابه خطأ جسيماً، لذا نأمل من مشرعنا العراقي سد هذا النقص في قانون المحاماة، والمضي قدماً كما فعل المشرع المصري.

      وكما أن جدية المحامي في أداء مهمته تعد مفترضاً أساسياً لمباشرة المتهم الذي يدافع عنه لحقه في الدفاع على النحو المطلوب، فإذا كان من المهم أن يكون للمتهم محامٍ، فإن الأهم أن يؤدي هذا الأخير واجبه بجدية وإتقان، ومن متطلبات هذه الجدية الالتزام بمتابعة الدعوى في الجلسات المخصصة لنظرها وعدم التخلف عنها، إلا بعذر قاهر شريطة اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على مصالح موكله (بكار وعبيد، مصدر سابق).

      وكذلك ينبغي على المحامي مراعاة الشكليات التي يفرض القانون التقيد بها لمباشرة إجراء معين؛ كالتقدم بدفع شكلي قبل الخوض في موضوع الدعوى أو التقرير بالاستئناف أو النقض في الميعاد المحدد، أو إيداع مذكرة الطعن بالنقض كشرط لقبوله.

      وكما تظهر جدية المحامي في المرافعة الشفوية، ومن خلال ما يقدمه من مذكرات متممة، فهو ملزم بتقديم الحجج اللازمة، وشرح أسانيد وجهة نظره ضمن الإطار الشكلي الذي يفرضه القانون وتقتضيه تقاليد المهنة، ولا شبهة في أن عدم يقظة المحامي في مراعاة النواحي الشكلية ـ وهي الحدود الدنيا لالتزامه بالجدية ـ تظهر بشكل جلي ما يكون عليه من تقصير، وهي تخل بحق المتهم في الدفاع عن نفسه اعتماداً على محامٍ جادٍ وكفء، ومن ثم أن ذلك الحق الذي يخل به كذلك، هو أن يلتمس المحامي الرأفة بالمتهم في موضع يكون طلب البراءة أكثر إلحاحاً وأبين حججاً لو بذل القدر المطلوب من الجدية (بكار، مصدر سابق).

      وتطبيقاً لذلك، فإن المحامي لا يكون قادراً على الدفاع إذا كانت المحكمة قد انتدبته في الجلسة ولم تمنح له الوقت الكافي للاطلاع حتى ولو قبل المحامي ذلك، أو إذا ثبت أن المحامي كان جاهلاً بالقانون الذي يحاكم المتهم بمقتضاه، أو أن يطلب من المتهم في ختام المرافعة أن يعترف بالتهمة من دون مبرر، أو أن ينضم إلى الاتهام نظراً لبشاعة التهمة، فذلك موقف انفعالي خال من أي مضمون للدفاع (علوب، مصدر سابق).

        وكما قضت كذلك محكمة التمييز في العراق بقولها (أن المحكمة لم تكن على صواب لاقتران قراراتها بأخطاء جوهرية تكمن في أن المحكمة كانت قد انتدبت للمتهم محامياً وقد قدم هذا دفاعه بشكل مقتضب جداً لا يتلاءم مع أصول الدفاع عن متهم في جريمة قتل عمدي) (سرور، مصدر سابق).

الخاتمة

      بعد أن وفقنا الله عز وجل وانتهينا من البحث، فقد توصلنا إلى جملة من النتائج والمقترحات، نجملها على النحو الآتي:

أولاً- النتائج

1- بالرغم من اختلاف تعريفات الحق في التوكيل، إلا أنها جميعها تتضمن المعنى نفسه، ألا وهو عقد أو تفويض يخول فيه الوكيل للقيام بالأمور القانونية لحساب موكله في حدود ما وكَلَ به، ساعياً لإنقاذه من الموقف الذي وضع فيه، وبذلك يعد حق التوكيل بمحامٍ من الحقوق الأساسية والطبيعية للشخص الذي يكون في موضع الاتهام لدحض التهمة عنه، ومن ثم يعد صون هذا الحق للإنسان وبصفة خاصة للمتهم في أن يوكل محامياً للدفاع عنه، هو صون للعدالة ذاتها.

2- عند إجراء البحث عن الطبيعة القانونية لحق المتهم في توكيل محامٍ، تبين لنا أنها قد تكون حقاً في بعض الأحوال، يفرض التزاماً مقابلاً على عاتق الدولة بتهيئة محامٍ للمتهم، كما أنها قد تكون في أحيان أخرى امتيازاً للمتهم يجيز له التوكيل بمحامٍ كلما كان قادراً على دفع الأتعاب.

3- إن حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع هو حق أصيل وقديم قدم العدالة ذاتها، إذ ثبت أن المتهم حينما يقف أمام سلطات الاتهام يكون عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، وذلك لما يحدثه الاتهام من رهبة وخوف تجعله غير قادر على مواجهته والرد على التهمة، مما قد يؤدي إلى إدانته حتى لو كان بريئاً، ولا سيما أن كان غير ملم بنصوص القانون، الأمر الذي يستلزم وجود محامٍ إلى جانبه يكون له عوناً في مواجهة التهم المنسوبة إليه.

4- يعد موضوع حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع من الموضوعات الحيوية والمهمة، إذ حظي حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع منذ وقت ليس بالقريب بالاهتمام، بل أن هذه الفكرة كانت لها جذور ممتدة في القرون الماضية، وشغلت أذهان الفقهاء، مما قد وسع من دائرة الاهتمام بهذا الموضوع على الصعيدين الدولي والوطني، فكان محوراً لحديث كثير من المؤتمرات، وحقاً تضمنته العديد من الاتفاقيات الدولية، ونصاً في كل الدساتير الوطنية والقوانين الأجنبية، فضلاً عن قوانين المحاماة لغالبية الدول، لذلك أصبح هذا الحق حقاً مقدساً لا مناص من تحقيقه.

5- إن مهنة المحاماة في القضاء الجنائي ضرورية لكفالة مبدأ المساواة بينها وبين الاتهام، حتى لا يقف المتهم وحيداً أمام الاتهام وأدلته في ساحة القضاء لإقناع القاضي ببراءته، إذ لا بد من وجود معاونة للمتهم لكي يقارع الحجة بالحجة، ويفند أدلة الاتهام ليصدر الحكم على المتهم من دون إخلال بميزان العدالة.

6- توجد هناك حقوق متفرعة عن حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، إذ لا يبلغ هذا الحق غايته ما لم تكفل له، وهي حقوق تكون ممهدة ومكملة له، ومن هذه الحقوق، حق المتهم في اختيار محامٍ للدفاع عنه، وحقه في الاتصال بمحاميه لإعداد خطة الدفاع، وحقه في أن ينتدب محامٍ للدفاع عنه إذا كان معسراً لا يقدر على دفع تكاليف المحامي.

7- لاحظنا وجود اختلاف فيما بين الفقهاء حول تكييف طبيعة العلاقة بين المتهم ومحاميه، فقد أنقسموا في ذلك إلى قسمين، البعض منهم يرى أن المحامي يقوم بعمل ذو نفع عام، ويعد من أعوان القضاء ومهمته تأدية العدالة، بينما  أبعد البعض الأخر العلاقة بين المتهم ومحاميه من أطار القانون العام وأدخلها في أحكام القانون الخاص، إلا أنهم أعطوها تكييفات متعددة، فمنهم من أنها عقد عمل أساسها علاقة تابع بمتبوع، ومنهم من كييف هذه العلاقة بأنها عقد مقاولة وأن المحامي يؤجر خدماته إلى عميله مقابل أجراً محدداً، في حين جاء اتجاه آخر منهم وبين أن العلاقة بين المتهم ومحاميه هي علاقة وكالة بحسب طبيعة الأمور(وهو الذي نؤيده) .

8- توجد التزامات ملقاة على عاتق محام الدفاع، إذ يكون المحامي ملزم بأدائها للمتهم، فهي تعد الركيزة الأساسية لضمان استمرارية العلاقة فيما بينهم، وهذه الالتزامات أما يكون منصوص عليها في القانون كالتزام محام الدفاع في الحفاظ على أسرار المتهم، وإلا تعرض للعقاب لارتكابه جريمة أفشاء الأسرار، وكذلك التزام المحامي تجاه المتهم في عدم تمثيل أي مصالح تتعارض مع الأخير في الدعوى، وإلا عد ذلك إخلال بحق المتهم في الدفاع، مما يتوجب على المحامي مراعاة مصالح موكله في الدعوى، أما الالتزام الثاني فمنبعه من العرف الذي سارت عليه مهنة المحاماة وتقاليدها، وهو التزامه ببذل العناية في أداء مهمته للدفاع عن المتهم، وكذلك تقديم النصح والإرشاد والمشورة للمتهم في قضيته.

9- إن حق المتهم في توكيل محامٍ في الإجراءات الجزائية ليس ميزة أعطيت للمتهم يستخدمها متى أراد ويتركها متى أراد، بل هو حق أصيل لابد أن يستخدمه في مراحل الدعوى وإجراءاتها كافة، ويجب على السلطات العامة أن تنبهه إلى هذا الحق عنما يجد نفسه بين يديها وفي وضع يستحق فيها أن يكون شخص ذو علم ودراية بأمور القانون إلى جانبه، ألا وهو المحامي، إذ أثبت الواقع أن وجود أي شخص تحت تهديد الاتهام يفقده التركيز والقدرة على الدفاع عن نفسه بصورة صحيحة.

ثانياً- المقترحات

1- ندعو المشرع العراقي لتكريس المزيد من النصوص الدستورية والإجرائية لكفالة حق المتهم في توكيل محامٍ في مراحل الدعوى الجزائية كافة، وذلك لكون هذا الحق من الموضوعات المهمة، بسبب ارتباطه الوثيق بحقوق الإنسان، لذلك فإن النص على هذا الحق وتعزيزه بالنصوص الدستورية والإجرائية يكفل حقوق المتهمين من الانتهاك من قبل سلطات التحقيق.

2- نناشد المشرع العراقي بالنص على كفالة حق المتهم في الاتصال بمحاميه في قانون أصول المحاكمات الجزائية – أسوة ببقية التشريعات – وجعله من واجبات القاضي والمحقق عند البدء في الدعوى، وعد ذلك من الضمانات المقررة للمتهم والتي بدورها تضمن حسن سير العدالة من خلال بث الطمأنينة في نفس المتهم، ونقترح أن يكون النص وفقاً للآتي:

((لقاضي التحقيق والمحقق أن يمنع المتهم من الاتصال بغيره من المسجونين، وأن يمنع عليه الزيارة لضرورات التحقيق، وكل ذلك من دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بمحاميه لإعداد خطة الدفاع، وتوفير المساحة الكافية لهم والوقت تحت أنظار رجال الشرطة، ومن دون مسمع منهم، على أن تكون الزيارة بطلب يقدم من قبل محامي المتهم إلى قاضي التحقيق المختص في كل مرة يتطلب ذلك، وللقاضي منع ذلك لفترة محددة وفقاً لضرورات التحقيق وذلك في القضايا المستعجلة والماسة بأمن الدولة)).

3- ندعو المشرع العراقي إلى تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم (22) لسنة 2016، وذلك بالنص على حق التوكيل بمحامٍ في الجنح والجنايات أسوة بقانون أصول محاكمات قوى الأمن الداخلي رقم (17) لسنة 2008، وعدم اقتصار ذلك على مرحلة المحاكمة فقط، بل يجب أن يكون حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع عنه في كافة مراحل الدعوى، وذلك بغية اعطاء المتهم ضمانات كافية لتحقيق دفاعه ودرء التهمة عنه.

4- نأمل من مشرعنا العراقي تعديل نص المادة (144/ أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971، وذلك بالنص على كفالة حق التوكيل بمحامٍ في الجنح والجنايات، حتى يكون هذا النص حجة للدفاع عن كل شخص سلبت حريته، صحيح أن الجناية لها من الخطورة الأثر الكبيرة الذي يتولد لدى وقعه في نفس المتهم، إلا أن الجنح لا تقل عنها خطورة إذ تتوفر فيها نفس المعنى لدى المتهم، إذ بكل الأحوال يكون قد صدر حكم بحقه ولا يوجد فرق بين الجناية والجنحة، إلا في الفترة التي يقضيها المحكوم عليه في السجن، والسبب الآخر الذي يدعونا إلى مناشدة المشرع لتعديل نص المادة المذكورة أنفاً، إلى أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ قد نص في المادة (19/ 11) منه على كفالة حق التوكيل بمحامٍ في الجنايات والجنح، بالإضافة إلى أنه أوجب على المحكمة انتداب محامياً للمتهم في حالة لم يكن له محامٍ، وعلى نفقة الدولة، وبما أن الدستور يعد الوثيقة الأسمى والأعلى للبلاد فيجب على جميع القوانين العادية أن تكون موافقة لما جاء به، ناهيك عن أن قانون أصول المحاكمات الجزائية يعد المرجع الأول للقوانين الجزائية الأخرى وقانون العقوبات، لذا نقترح أن يكون النص كالآتي:                                                                                                 (( يندب رئيس المحكمة محامياً للمتهم في الجنايات والجنح أن لم يكن قد وكل محامياً عنه…)).

5- نناشد مشرعنا العراقي بالنص على وجوب دعوة محامي المتهم لحضور إجراءات التحقيق، بعد ذلك ضمانة هامة للمتهم تتعلق بحق الدفاع المقرر له، وذلك لأن الغاية الأساسية لحضور المحامي إجراءات التحقيق لكي يكون رقيباً على سلطات التحقيق ويتأكد من سلامة الإجراءات وموافقتها للقانون، ولكي يضفي شيئاً من الاطمئنان لموكله، إذ له أن يبدي بعض الملاحظات للمحقق أو يعترض على طريقة توجيه الأسئلة إلى موكله وله أن يبدي اعتراضه على ذلك، لذا نقترح أن يكون النص كالآتي: (( على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتهم في حضور محاميه، ولا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه عند المباشرة بالتحقيق، وللقاضي أو المحقق دعوة المحامي لحضور التحقيق، إذا أعلن المتهم عن أسم محاميه الذي وكله، ويدون ذلك في ملف الدعوى، ويجب أن يكون حضور المحامي خلال الموعد المحدد للبدء بالتحقيق وفي حالة تعذر ذلك، وجب البدء بالتحقيق مع المتهم وانتداب محامٍ للدفاع عنه من المقيدين في جدول المحكمة)).

نأمل من المشرع العراقي أن يوسع من نطاق المادة (46/1) من قانون المحاماة والتي أجاز فيها للمحامي أفشاء السر إذا كان الغرض منه منع ارتكاب جريمة، وذلك بإضافة نص آخر يتضمن الإخبار عن الجرائم المرتكبة أثناء ممارسته مهنته في الدفاع عن المتهم، إذ يحق للمحامي أفشاء السر طالما كانت مصلحة كتمانه غير مشروعة.

6- ضرورة النص من قبل المشرع العراقي على المسؤولية المدنية للمحامي بالتحديد، أياً كانت عقدية أم تقصيرية، وذلك في حالة الإخلال بالتزاماته تجاه موكله وإلحاق الضرر به، فلابد من الرجوع عليه مدنياً بالتعويض لجبر الضرر الناتج عن فعله. 

التأكيد على تفعيل دور نقابة المحامين، وذلك بعمل دورات للمحامين بأخلاقيات وضوابط مهنة المحاماة، لكيلا يتعرض في حالة الإخلال بها إلى المسؤولية الجزائية والمدنية والتأديبية، ولا ضير من التنسيق مع هيئات الانتداب في المحاكم بعمل هذه الدورات التثقيفية للمحامين مع اصدار كتيب بضوابط عمل المهنة والسلوك المهني للمحامين.

7- ندعوا مشرعنا العراقي بالنص في قانون أصول المحاكمات الجزائية أو في قانون المحاماة بأن يحصر تقديم العريضة التمييزية والطعن والتوقيع عليها بالمحامين فقط، والعلة من ذلك أن المحامون هم أعرف بتفاصيل الحكم بحكم خبرتهم وفهمهم للنصوص القانونية، بالإضافة إلى أن اقتصار تقديم الطعن على هذه الفئة فيه حماية للمحكوم عليه من الأخطاء التي تشوب العريضة التي يتقدم بها، لأن المحامي لا يجد صعوبة من اظهارها بخلاف المتهم، فلذلك سوف يكون الطعن ذو نتيجة وفائدة تعود على المتهم بحصر الأسباب التي يجب الطعن فيها في العريضة، والسبب الآخر هو عدم أهدار المدة المحددة للطعن بأسباب لا تجدي نفعاً للطعن بها وبالنهاية يرد الطعن لعدم وجود أسباب لنقض الحكم.

8- نأمل من مشرعنا العراقي النص على جزاء مخالفة العمل الإجرائي بإقراره (البطلان) كجزاء يوقع على مخالفة القاعدة الإجرائية، وذلك لغرض توفير الحماية للخصوم في الدعوى الجزائية من الإجراءات الباطلة التي تنال من حقوقهم، إذ إن من مقتضيات سير العدالة الأخذ بتصحيح الإجراءات والأحكام من الناحية الموضوعية وليس فقط الشكلية، لذا نناشد مشرعنا العراقي بتعديل نص المادة (225) من قانون أصول المحاكمات الجزائية واعطاء الحق للمحكمة بالرجوع في القرار الذي اتخذته إذا شابه البطلان، لكي ينتج هذا التصحيح الغاية المرجو منه، ولا يقتصر على الإجراءات المادية فقط، ونقترح أن يكون النص كالآتي: (( للمحكمة أن ترجع عن الحكم أو القرار الذي أصدرته أو تغير أو تبدل فيه، وإذا كان رجوعها في ذلك لخطأ مادي، فيجب أن يدون في حاشية له ويعد جزءاً منه)).

9- نقترح، على المشرع العراقي أن يأخذ بالبطلان القانوني إلى جانب البطلان الذاتي، وذلك أسوةً بالتشريع الفرنسي والمصري، وأن ينص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك بإضافة نص مستقل إلى المادة (249)، ويتضمن البطلان في حالة الإخلال بحق دفاع المتهم، والعلة من ذلك أنه سوف يؤدي إلى جعل دفاع المتهم أكثر حماية وفاعلية، إذ بإقرار هذا النص سيتوجب على القاضي أن يقرر البطلان على الإجراء الذي يخل بحق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع، بدلاً من أن يبقى تقدير الإجراء المخالف متروكاً لسلطة القاضي التقديرية يقرره متى شاء، بالإضافة إلى أن الأخذ بذلك سيؤدي إلى تقليل نقض القرارات، لذا نقترح أن يكون النص كالآتي: ((لا يعتد بالعمل الإجرائي الذي يؤثر في حق المتهم في الدفاع ويخل به)).

وأخيراً ادعوا الله عز وجل أن تسهم هذه الدراسة المتواضعة (( حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع)) ولو بالقليل في أرساء أحد مبادئ ودعائم العدالة بما يحفظ حقوق الإفراد ويحميها ويحقق مصالح المجتمع، كما أتطلع إلى القارئ الكريم أن يتناول هذا العمل كعمل إنساني لا يخلو من النقص، واني لأرجوه أن يلتمس لي عذراً، إذ لا يخلو عمل بشري من نقص، ولا تقترب أفكار البشر إلى الكمال، وجل الكامل الذي لا يعتريه نقص ولا يلحقه عيب، المحيط بكل شيء علماً.

المصادر

أولا- الكتب القانونية

1- د. أحمد فتحي سرور، 1991، الوسيط في قانون العقوبات – القسم الخاص – الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار النهضة العربية، القاهرة.

2- د. أحمد فتحي سرور، بلا سنة نشر، الشرعية والإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة. 

3- د. أدم وهيب ألنداوي، بلا سنة نشر، المرافعات المدنية، مكتبة السنهوري، بغداد.

4- د. محمد كامل مرسي، 1952، شرح القانون المدني ـ العقود المسماة ـ الجزء الاول، ط2، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة.

5- د. حاج أدم حسن الطاهر، 2007، قانون الإجراءات الجنائية السوداني، ط2، منشورات جامعة السودان المفتوحة.

6- د. حاتم بكار، 1996، حماية حق المتهم في محاكمة عادلة- دراسة تحليلية تأصيلية انتقادية مقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية.

7- د. جندي عبد الملك، بلا سنة نشر، الموسوعة الجنائية ـ ج5، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

8- د. سعد حماد القبائلي، 1998، ضمانات حق المتهم في الدفاع أمام القضاء الجنائي، دار النهضة العربية، القاهرة.

9- د. علاء محمد الصاوي، 2001، حق المتهم في محاكمة عادلة – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة.

10- د. عبد المنعم الشرقاوي، د. فتحي والي، 1977، المرافعات المدنية والتجارية، دار النهضة العربية، القاهرة.

11- د. حسن محمد علوب، 1970، استعانة المتهم بمحام في القانون المقارن، دار النشر الجامعات المصرية، القاهرة.

12- د. محمود أحمد طه، 1999، حق الاستعانة بمحام أثناء تحقيقات الشرطة القضائية، دار النهضة العربية، القاهرة.

13- د. عبد الحميد الشواربي، 2015، الإخلال بحق الدفاع في ضوء الفقه والقضاء، دار الكتب والدراسات القانونية، القاهرة.

14- جان أبلتون، بلا سنة نشر، محيط المحاماة علماً وعملاً، ترجمة محمود عاصم، دار مجلة دنيا القانون، القاهرة.

15- د. حسن صادق المرصفاوي، 2007، أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الإسكندرية.

16- د. رمزي سيف، 1960، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة.

17- د. عبد الرزاق السنهوري، 1964، الوسيط في شرح القانون المدني ـ الجزء الاول، دار النهضة العربية، القاهرة.

18- د. عبد الرؤوف مهدي، 1997، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية – الجزء الأول، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة.

19- د. عبد المنعم سالم شرف الشيباني، 2006، الحماية الجنائية للحق في أصل البراءة- دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة.

20- د. فتحي والي، 2009، الوسيط في قانون القضاء المدني ـ قانون المرافعات المدنية والتجارية وأهم التشريعات المكملة له، دار النهضة العربية، القاهرة.

21- د. فتوح عبد الله الشاذلي، 2002، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية.

22- مبدر ألويس، 1998، أثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة، ط1، منشأة المعارف، الإسكندرية.

23- د. محمد محمد مصباح القاضي، 1993، مبادئ النظام الإجرائي الجنائي الروسي، دار النهضة العربية، القاهرة.

24- د. محمد محمد مصباح القاضي، 2008، حق الإنسان في محاكمة عادلة ـ دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة.

25- د. مأمون محمد سلامة، 1971، الإجراءات الجنائية في التشريع الليبي ـ الجزء الأول، منشورات الجامعة الليبية، مطبعة دار الكتب، بيروت.

26- د. محمد خميس، 2006، الإخلال بحق المتهم في الدفاع، ط2، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2006.

28- د. محمد عبد الظاهر حسين، 1993، المسئولية المدنية للمحامي تجاه العميل، دار النهضة العربية، القاهرة.

29- د. محمد لبيب شنب، 1962، شرح أحكام عقد المقاولة، دار النهضة العربية، القاهرة.

30- د. محمود محمود مصطفى، 1988، شرح قانون الإجراءات الجنائية، ط12، مطبعة الكتاب الجامعي، القاهرة.

31- د. محمود نجيب حسني، 1998، شرح قانون الاجراءات الجنائية، ط3، دار النهضة العربية، القاهرة.

32- ناطق شمس الدين كوخا حسين، 2012، حق المتهم في توكيل محامٍ للدفاع عنه ـ دراسة مقارنة، بحث مقدم إلى مجلس القضاء في اقليم كوردستان لأغراض الترقية.

ثانيا- الأطاريح الجامعية

1- أحمد فتحي أبو العينين، 2010، حقوق الانسان في الاجراءات الجنائية مرحلة ما قبل المحاكمة، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة المنصورة، القاهرة.

2- أحمد كامل سلامة، 1988، الحماية الجنائية لأسرار المهنة، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة.

3- حسام أحمد محمد صبحي العطار، 2013، حقوق الإنسان الإجرائية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة.

4- موفق علي عبيد، سرية التحقيقات الجزائية وحقوق الدفاع، 2003، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون جامعة بغداد.

5- محمد بهاء الدين أبو شقة، 2005، ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة الجنائية ـ دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى جامعة القاهرة كلية الحقوق.

ثالثا- المجلات الدورية

1- د. بشير سعد زغلول، 2019، ضمانات الحماية الجنائية لممارسة مهنة المحاماة (دراسة تحليلية نقدية)، مجلة القانون والاقتصاد، القاهرة، العدد 93.

2- د. عبد الجبار ضاحي عواد، 2017، ضمانات المتهم خلال مراحل التحقيق المختلفة، مجلة كلية الحقوق جامعة النهرين، المجلد19، العدد1.

3- د. رؤوف عبيد، 1960، دور المحامي في التحقيق والمحاكمة ـ دراسة قضائية، مجلة مصر المعاصرة ـ الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، المجلد 51، العدد 301.

4-سامح عاشور، 1980، حق استعانة المتهم بمحام في التشريعات العربية والمقارنة، مجلة الحق، س11 ع1، 26- 30 يونية.

5- سليمان مبارك حسين القيسي، 2013، حق المتهم في الاستعانة بمحامٍ أثناء المحاكمة في القانون السوداني واليمني ـ دراسة مقارنة، مجلة العدل، وزارة العدل، السودان، العدد 40، س.

7- د. سامي حسني الحسيني، 1978، ضمانات الدفاع ـ دراسة مقارنة، مجلة الحقوق والشريعة ـ الكويت، المجلد2، العدد1.

8- د. مشاري خليفة العيفان، 2011، دور الدولة في تأكيد حق المتهم في الاستعانة بمحام- دراسة مقارنة بين القانون الكويتي والقانون الامريكي، مجلة الحقوق جامعة الكويت، مجلد 35، العدد 2.

9- د. محمد شريف بسيوني، 2003، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الثاني، الوثائق الإسلامية والإقليمية، دار الشروق، القاهرة.

رابعا- المصادر الاجنبية

(1) Lester Bernhart Orfield,1947, Criminal Procedure from Arrest to Appeal, New York, University, Op.Cit.p.350.     

(2) Beaney,1955, Right to Counsel In American Courts, University of Michigan, Ann U . S.A. OP. Cit, P. 9-11.

(3) G. Andrier, 1903, Intervention Du Defenseur Dans instruction Preparatoire, théses, Paris, P.24-39.

 (4) Castelain, J, 2011, La responsabilite civil des professions juridiques, Paris, P. 11.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *