عدنان شبين

    كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية

جامعة الجزائر ٣   ـ الجزائرـ

ademadnanchebine@gmail.com

الملخص:

نسعى عبر هذا البحث تحليل التغطية الإعلامية للحرب في ليبيا من طرف القنوات الليبية و دورها في تاجيج حالة الصراع وتصعيد وتيرة العنف الداخلي فيها ، وكيف يتم توظيف الإعلام في خدمة اجندة الأطراف المتنازعة في ليبيا ؛ وذلك عن طريق تحليل المضامين الإعلامية للقنوات الليبية المختلفة  بالاعتماد على مقاربة يوهان غالتونغ في إعلام الحرب وإعلام السلم،  فقد أصبحت بعض وسائل الإعلام في ليبيا آلة لفبركة واستنساخ الشائعات والأخبار المضللة.  من دون مراعاة ممارسات العمل الصحفي،  عن طريق الترويج لخطاب الكراهية، مما آدى إلى نتائج كارثية في تعقيد الأزمة الليبية و استمرار أعمال العنف والانتقام وتصفية الحسابات ، إلى جانب الاصطفاف السياسي والجهوي والمناطقي. فالقنوات الفضائية لم تنأَ بنفسها عن الانقسام العميق بين السياسيين في شرق  وغرب البلاد، بل أضحت تمتدد على خريطة واسعة من تركيا إلى الأردن ومن القاهرة إلى بريطانيا مروررا بقطر، التي تقوم بدفع الجماعات إلى الاقتتال بفعل المحتوى الفئوي الذي يعكس الميول السياسية لطرف على حساب الطرف الأخر بعيدا عن أي مبادئ تحكم صناعة الأعلام.

الكلمات المفتاحية:

النزاع الليبي، إعلام الحرب، إعلام السلم، التغطية الإعلامية، خطاب الكراهية، الدعاية والتضليل.

 
 Abstract: Through this article, we seek to analyze the media coverage of the war in Libya by Libyan channels and its role in fueling the conflict situation and intensifying the pace of internal violence, and how the media are used to serve the agenda. parties in conflict in Libya by analyzing the media content of the various Libyan artefacts based on an approach. Johan Galtung in the war media and the peace media, like some media in Libya, has become a tool for fabricating and reproducing rumours and misleading information. Without taking into account the practices of journalistic work, promoting hate speech has led to disastrous results by complicating the Libyan crisis and by continuing acts of violence, revenge and settling of scores, as well as the alignment of political, and regional, Satellite channels have not distanced themselves from the deep divide between politicians in the east of the country. Rather, they span a large map from Turkey to Jordan and Cairo to Great Britain to Qatar, which push groups to fight through factional content that targets political inclinations of 'one party at the expense of the other far from All principles governing the media industry.
Keywords:
The Libyan conflict, the war media, the peace media, media coverage, hate speech, propaganda and disinformation
 
مقدمة:

بعد أن كان الإعلام الليبي في عهد القذافي عبارة عن مؤسسات إعلامية ذات التوجه الواحد، والفكر الواحد، أصبحت الساحة الإعلامية الليبية، بعد 2011 تعج بالقنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الألكترونية ، فتغير المشهد الإعلامي الليبي من وحدوية وسلبية إلى انفتاح وزخم لم تعرفه ليبيا من قبل، لدرجة أن هناك من نعت هذا الزخم بالانفجار الإعلامي، وبالكثرة التي تهدد بضياع الهوية الإعلامية فيها.

ومع تطورات الحرب الأهلية التي أثرت على جميع القطاعات الحيوية، في ظل غياب الدولة وتفكك مختلف مؤسساتها صنع القرار فيها ، إذ إن مفهوم الدولة قد أفرغ من محتواه مع عدم وجود سلطة سياسية موحدة وتوافقية تعكس طموحات الشعب الليبي، فبعد إنهيار الدولة و تشتت السلطة بين الحكومة التي تمخضت عن اتفاقية الصخيرات عام 2015 وجماعات فجر ليبيا والمؤتمر الوطني العام  في الغرب، وبرلمان طبرق في الشرق المدعوم من طرف خليفة حفتر، فضلا عن القبائل التي ما تزال تتمتع بنفوذ واسع في مختلف المناطق. وبينما تزداد الأوضاع تعقيدا في البلاد وتواجه السلطات الليبية صعوبات في إنتزاع شرعية حقيقية أمام المليشيات والجماعات المسلحة المتسببة في غياب الاستقرار، تجد المؤسسات الإعلامية نفسها ضحية هذه الفوضى السياسية و العسكرية، إذ يشهد قطاع الإعلام حالة الفوضى بعدّ قربه الطبيعي من دوائر صنع القرار في عملية بحثه عن المعلومة من مصدرها، ولاعتبار أخر متعلق برغبة كل طرف في الهيمنة على الإعلام الذي يمثل في نهاية المطاف الوسيلة الأمثل للوصول إلى الجماهير وللتأثير على الرأي العام.

إن المنظومة الإعلامية في ليبيا، على قدر مابها من هشاشة، لم تنجُ من الوقوع تحت تأثير الانقسامات السياسية الحادة التي تعيشها ليبيا منذ سقوط القذافي عام 2011 ولم القنوات التلفزيونية بنفسها عن الانقسام العنيف بين ساسة شرق البلاد وغربها بل تتمدد على خريطة واسعة من أنقرة إلى العاصمة الأردنية عمان، ومن القاهرة إلى الدوحة وصولا إلى لندن.

وقد تم توظيف القنوات الليبية من أجل تغطية مجريات الأحداث الخاصة بالتطورات السياسية والعسكرية للنزاع القائم، وهنا يبزر الدور لكبير الذي يمكن للإعلام أن يلعبه أما على سبيل تصعيد حالة العنف بانتهاج مسلك إعلام الحرب  عن طريق تغطية النزاع وتحول القنوات التلفزيونية إلى أداة دعائية وتحريضية لجهات سياسية وعسكرية في النزاع، أو توجيه التغطية لدعم مسارات التسوية والسلم، بالاعتماد على استراتيجيات إعلام السلم التي حددها البرفيسور يوهان غالتونغ.

وعليه ومن أجل دراسة وتحليل التغطية الإعلامية للقنوات التلفزيونية الليبية للنزاع الليبي فإن بحثنا يتأسس علي الإشكالية الآتية :

إلى أي مدى استطاعت القنوات التلفزيونية الليبية تقديم تغطية موضوعية للنزاع الليبي في ظل تصاعد وتيرة العنف المسلح وتوسع دائرة الانقسامات السياسية العسكرية في الداخل الليبي؟

وعن طريق الإشكالية المطرحة تنبثق مجموعة من التساؤلات الفرعية. ندرجها فيما يأتي :

  • كيف أثرت الانقسامات السياسية والعسكرية في تغطية القنوات التلفزيونية الليبية للنزاع القائم؟
  • ما  الاستراتيجية التي تعتمد عليها القنوات مدة تغطيتها لتطورات الحرب؟
  • ما  المصادر التي تعتمد عليها القنوات التلفزيونية الليبية في تقاريرها الأخبارية حول الحرب فيها؟
  • كيف يؤثر انحياز القنوات لطرف على حساب الأخر في موضوعية التغطية؟
  • كيف يتم تبرير العنف الداخلي مدة تغطية النزاع الليبي؟
  • لماذا يتم اللجوء لخطاب الكراهية والتفرقة؟ وكيف يؤثر ذلك في توسيع دائرة العداء داخل النسيج الاجتماعي الليبي؟

للإجابة على الإشكالية الرئيسة ومختلف التساؤلات المنبثقة عنها، فإن الأمر يستدعي منا فحص الفرضيات الآتية :

  • عدم قدرة القنوات التلفزيونية الليبية على بناء سياقات للحقائق مدة تغطيتها للنزاع الليبي أثر في التوجه لخطابات دعائية وتحريضية.
  • أثرت الانقسامات السياسية والعسكرية بين النخب، ووقوف دول لتدعيم أحد أطراف النزاع على المضامين الإعلامية التي تبثها القنوات والتي تكرس استراتيجيات إعلام الحرب.
  • تلجأ القنوات التلفزيونية لدعم أطراف معينة من النزاع لتبرير حالة العنف وعليه  توجيه الرأي العام لتأييد الحرب.

أهمية الدراسة:

تتمثل اهمية الدراسة بأنها:

تستمد هذه الدراسة قيمتها العلمية والواقعية من أهمية دراسات السلم والحرب في العلاقات الدولية، فهي تحاول تحليل الدور الذي يمكن للإعلام أن يلعبه في استتباب السلم أو تصعية العنف طيلة مدة النزاعات المسلحة، التي تشهدها البيئة الدولية،  وذلك بالاعتماد على مقاربة المفكر النرويجي يوهان غالتونغ في إعلام الحرب  وإعلام السلام.                                                                               

 وتكمن أهميتها كونها تكشف عن الأدوار الجديدة للإعلام الليبي بعد سقوط نظام معمر القدافي و تحول المشهد الاعلامي الليبي، هذا  من جهة  ، و الكشف عن الدور الذي تلعبه مختلف الفواعل الإقليمية والدولية في استخدام القنوات الليبية من أجل تمرير اجندتها في الساحة الليبيية، وكيف عزز الانقسام السياسي الداخلي في ليبيا في تغذية الحروب الاعلامية الواقعة  مدة تغطية الأحداث فيها.            

 و تعد الدراسة مجالا جديدا للبحث، فهي متزامنة مع المستجدات الحاصلة في ليبيا، وما نتج عنها من انزلاقات أمنية خطيرة بالمنطقة. أدت إلى حدوث لازمة متعددة الأبعاد،  وتعدّ مجالا من أجل تصنيف الإعلام الليبي وقفا لمؤشرت موضوعية بين إعلام السلم أو إعلام الحرب.           

أهداف الدراسة:                                                      

   تسعى هذه الدراسة   إلى تحقيق مجموعة من الأهداف ندرجها على النحو الآتي :

       الوصول إلى إطار معرفي مناسب يمكن عبره تحليل الاستراتيجيات الإعلامية للقنوات الليبية المختلفة .وكيف تساهم عن طريق خطابها الإعلامي في تصعيد حالة العنف في الداخل الييبي، نظرا لتناقض المصالح بين الفاعلين الممولين لهذه القنوات.

تحليل مختلف المضامين الإعلامية لعينة من القنوات الليبية،  وعليه يمكن استنتاج مدى الدور الذي يمكن أن تلعبة في رفع حدة النزاع، عن طريق نشرها لخطاب الكراهية.                                                     

منهجية الدراسة:

تنحو المقاربة المنهجية التي تم اعتمادها في هذا المقال للأخذ بالتكامل المنهجي، إذ سنعتمد على المنهج الوصفي التحليلي نظرا لتعدد أبعاد موضوع الدراسة، فضلا عن الاعتماد على المنهج الوصفي في محاولة دراسة المشهد الإعلامي التلفزيوني لليبيا بعد الثورة، ومختلف الرهانات والتحديات والفواعل التي تقف وراءه، سواء أكان بالتمويل أم  بمنطقة البث، أما المنهج التحليلي فسيتم توظيفه من أجل محاولة اسقاط نظرية يوهان غالتونغ في إعلام الحرب والسلم، عن طريق الأخذ بمختلف المتغيرات في هذه  النظرية، من أجل  معرفة أي استراتيجية إعلامية تم الاعتماد عليها من القنوات التلفزيونية الليبية  في تغطية النزاع الليبي، عن طريق تحليل المضامين الإعلامية الخاصة بكل قناة حول النزاع القائم، ليكون تحليل المضمون الأداة التحليلية المناسبة لذلك.

عينة الدراسة:

عينة القنوات الليبية:
            لقد تم الاعتماد على عينة  مقصودة، تشمل خمسة قنوات تلفزيونية ليبية وهي:
قناة التناصح، ليبيا الحدث، ليبيا الأحرار، ليبيا بانوراما، ليبيا أولا.
وهذا الاختيار لم يكن عشوائيا، إنما كان مبنيا على تصور  مسبق لكون هذه القنوات التي تم اختيارها تعدّ الأكثر تأثيرا في المشهد الإعلامي الليبي،  و التنوع الأيديولوجي للخط الافتتاحي لها بين إسلامي متطرف، إخواني، وليبرالي تقدمي.
مدة  المتابعة:
            شملت عملية المتابعة أوقات الذروة بين الساعة 18:00 و22:00 بتوقيت ليبيا لمدة سبعة ـأيام متواصلة بين 2 إلى 9 ديسمبر 2019.
مادة المتابعة ''البرامج التلفزيونية'' التي تم التركيز عليها:
بعد اختيار العينة و مدة المتابعة قمنا بتسجيل كل ما تبثه القنوات التلفزيونية (محل الدراسة ) في ساعات الذروة حسب التوقيت المحلي لليبيا والمحددة من الساعة السادسة مساء إلى غاية الساعة العاشرة ليلا.أي أربعة ساعات يوميا من كل قناة لمدة سبعة أيام وذلك يعني أن مادة المتابعة تمثلت في 140 ساعة بث، غير أن المتابعة لم تشمل المسلسلات و الأفلام وكل ما ليس له علاقة بالإنتاج الإعلامي للقنوات.
تم استخدام التحليل الكمي لمتابعة البرامج والنشرات التي تبث عبر القنوات التلفزيونية مدة المتابعة عن طريق استمارة تحليل مدونة تحتوي على كل المتغيرات التي قمنا بتسجيلها التي تمثل العناصر المكونة لنتائج التحليل.

فئات التحليل:

من أجل تحليل مضامين المادة الإعلامية للقنوات التلفزيونية في تغطيتها للنزاع الليبي، قمنا بالاعتماد على مختلف المتغيرات التي اقترحها غالتونغ في نظرية إعلام الحرب وإعلام السلم، وعليه سنقوم بتحليل المضمون للفئات الآتية :

  • توجهات الخط الافتتاحي للقنوات (محل الدراسة ).
  • البرامج و الإخلالات المهنية.
  • مصدر الخروقات الإعلامية.
  • الخطاب الإعلامي المستعمل في تغطية النزاع.
  • طبيعة خطاب الكراهية.
  • تقيم الاختلافات السياسية والإيديولوجية للأطراف المتنازعة.
  • توصيف الأطراف المتنازعة.
  • تقديم الآثار المادية للنزاع.
  • الجهات المستهدفة مدة التغطية.

أولا: المشهد الإعلامي التلفزيوني في ليبيا بعد الثورة:

لقد شهد المشهد التلفزيوني الليبي تطورات مهمة بعد إسقاط نظام معمر القذافي، فبعد أن جُبِلّ المواطن الليبي على خطاب فكري وأيديولوجي واحد ووحيد تؤطره صفحات الكتاب الأخضر، أضحى هذا المواطن اليوم أمام العشرات من القنوات والمحطات، وفي حين عدّ البعض أن هذا الانتقال بالمشهد الإعلامي الليبي أمرا صحيا بعد أربعة عقود من الجمود الإعلامي إلا أن هناك تخوفات من البعض الأخر الذين تخوفوا من الفوضى التي يمكن أن يخلقها هذا الانفجار الإعلامي عن طريق عدم احترام بعض المنابر الإعلامية لأخلاقيات العمل الصحفي (نظرة عامة على المشهد الإعلامي الليبي، ركز الجزيرة للدراسات) ، وإثارة بعضها للنعرات القبلية والجهوية، في ظل إنهيار كامل للدولة ، وعدم تمكّن مؤسساتها من تنظيم هذا المجال، سنحاول في هذا المحور تحليل المشهد التلفزيوني الليبي ، لكن قبل ذلك سنقوم بالإحاطة حول المشهد الإعلامي في عهد القذافي لاستنتاج أهم التحولات التي طرأت عليه بعد الثورة

المرحلة الأولى:

في زمن الحكم الديكتاتوري لنظام القذافي كان الإعلام موجها ، وأداة من أدوات الدولة والنظام لتوجيه المجتمع في الاتجاهات التي تخدم استمراريته في الحكم، إذ إنه وبعد أن استولى القذافي على الحكم عام 1969 و انتقى جهازا إعلاميا للترويج للجماهيرية الاسم الرسمي لليبيا في ظل حكمه، وتم تشغيل وسائل الإعلام رسميا من طرف اللجان الشعبية التي اشرفت على جميع المؤسسات العامة، التي كان يديرها موالون للقذافي، ومع إدخال التكنولوجيات الجديدة أصبح الليبيون أكثر عرضة للبث والتأثيرات الخارجية، فقد ظهرت القنوات الفضائية في منتصف الثمانينات، لعبت ليبيا دورا فعالا في إطلاق قمر عربسات عام 1985 وهو أول قمر صناعي من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعندما بدأت الجزيرة بثها عام 1996 حظيت بشريحة وتسعة من المشاهدين من ليبيا الذين تنامت بداخلهم خيبة أمل من القناة الأرضية الوحيدة في البلاد، وعلى الرغم من إطلاق النظام قناته الفضائية المنافسة الجماهيرية، في العام  نفسه أثبتت القنوات القومية العربية تمتعها بشعبية أكبر. أما بالنسبة للإعلام الخاص فلا توجد حرية إعلامية أو وسائل إعلام خاصة إلا بشكل متفق عليه مع السلطة الحاكمة وبهامش محدود كتجربة صحيفة ”قورينا” وصحيفة ”أويا”، وقناة ”الليبية”، إذ لم تتحمل اللسلطات وجود هذا التنوع البسيط في المشهد الإعلامي الليبي فقامت بغلق تلك المنابر (ليبيا الاعلام قيبل وبعد، مرصد السلام والتنمية للاعلام وحرية الإنسان) و تم اعتقال عدد من الإعلاميين العاملين فيها.

بعد ثورة عام 2011 والإطاحة بنظام القذافي، اختارت الحكومة الانتقالية إلغاء الصحف الرئيسة في عهد القذافي وأنشأت مؤسسات جديدة، وتم إغلاق القناة التلفزيونية الرئيسة قناة الجماهيرية وبدأت الصحف الخاصة والمواقع الألكترونية والمحطات التلفزيونية والإذاعية بالظهور بشكل متسارع في هذا العصر الجديد من الانفتاح الإعلامي ومع ذلك أدت الحرب الأهلية والنزاع المسلح وتصاعد وتيرة العنف الداخلي إلى أنشاء بيئة إعلامية تتسم بالفوضى. مع إنهيار المؤسسات وهيكل الدولة الهش في ليبيا ولدت بيئة إعلامية خطيرة وقمعية للغاية، إذ تحتل ليبيا المرتبة 164 من أصل 180 بلد في الترتيب العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود عام 2016.

وفي اعقاب ثورة 2011 أوكلت لسلطات مؤقتة مختلفة مهمة صياغة دستور جديد للبلاد ولكن ما تزال وثيقة الإعلان الدستوري المؤقت في انتظار اجماع وطني، إذ لم يتم التصديق على الإصدار الدائم عبر استفتاء شعبي، وهو ما أدى في الأخير إلى مواصلة الجهات المشرفة على الحكومة الليبية بمواصلة تطبيق قوانين انتقائية من عهد القذافي، فعلى سبيل المثال في شهر فيفري من عام 2014 أصدر المؤتمر الوطني العام قانونا يحظر انتقاد ثورة 2011 أو مسؤولي الحكومة، مكررين بذلك اللوائح في عهد القذافي.

ويعيش الصحفيون العاملون في البلد اليوم حالة من التهديد تمارسه الجماعات المسلحة في البلاد، مما دفع العديد منهم لممارسة الرقابة الذاتية أو تقديم التقارير من الخارج، وبسبب البيئة السياسية التي تعيش حالة من اللاأمن واللااستقرار الداخلي تتم السيطرة على وسائل الإعلام بشكل فعال من قبل المليشيات المسيطرة والعاملة في منطقة تداولها.

فقد كان هناك زيادة ملحوظة في الهجمات التي يتعرض اليها الصحفيون والمراسلون والشخصيات الإعلامية الليبية، مع تزايد حالات اختفاء الصحفيين في ليبيا، فقد تم الإبلاغ عن أكثر من 30 هجوما على الصحفيين عام 2015 وفق تقرير منظمة صحافيون بلا حدود ( تقرير منظمة مراسلون بلا حدود حول الإعلام في ليبيا) وغالبا ما نفذت الهجمات التي شنتها الجماعات المسلحة التابعة للمليشيات المحلية أو الجماعات الإرهابية بهدف إسكات انتقادات وسائل الإعلام، وحصلت أبرز الحوادث في ماي 2014 عندما تم اغتيال الصحفي مفتاح بوزيد، رئيس تحرير صحيفة برنيق، وهي صحيفة مستقلة مقرها في بنغازي تنتقد صراحة الفصائل الإسلامية المختلفة والأحزاب السياسية في ليبيا.

و شهد عام  2016 تزايدا في الصراعات الدموية بين المتطرفين الإسلاميين في مدينة سرت معقل تنظيم الدولة الإسلامية، والمليشيات التي تحاول استعادة السيطرة على المدينة، أدى هذا إلى وفاة عدد من الصحفيين الذين كانوا يغطون النزاع، بما في ذلك مراسل التلفزيون الليبي عبد القادر فسوق، والمصور الهولندي جيرون أورليمانس، و اغتيل الصحفي الليبي المستقل خالد الزنتاني، عند قيامه بتغطية الاشتباكات بين متشددين إسلاميين والجيش الوطني الليبي في بنغازي .المرجع السابق نفسه

التلفزيون:

انتشرت القنوات التلفزيونية الخاصة في ليبيا على نطاق واسع عام 2011 اذ تتمتع بشعبية أكبر من نظيراتها المملوكة للدولة، على الرغم أن الفضائيات الأجنبية تواصل جذب شريحة أكبر من المشاهدين نظرا للارتباط التاريخي بين التلفزيون المحلي والدعاية خلال عهد القذافي، وفيما يلي القنوات التلفزيونية المحلية الأكثر شعبية:

  • قناة الوطنية: أسست عام 2012 بعدّها قناة الدولة الرئيسة، لتحل محل تلفزيون الجماهيرية، وفي الوقت الراهن يتم تشغيلها من طرف حكومة المؤتمر الوطني العام بطرابلس، وتبث مزيجا من الأفلام الوثائقية، والبرامج الحوارية والبرامج الأخبارية المتعلقة بالمؤتمر الوطني العام.
  • قناة العاصمة: أسست عام 2011 كانت تبث بداية من العاصمة التونسية، إلا أنها أصبحت تبث من طرابلس، تتمتع القناة بسمعة انتقادها للجماعات الإسلامية في ليبيا، لا سيما (الإخوان المسلمين ) ، وقد تعرضت لسلسلة من الهجمات عام 2014 من مشتبه بهم إسلاميين.
  • قناة ليبيا الحرة: تأسست عام 2011 كقناة تلفزيونية على الإنترنت، تبث من بنغازي، كانت المحطة التلفزيونية  الأولى ، والقناة التلفزيونية الوحيدة التي واصلت بثها عندما قام القذافي بقطع خطوط الإنترنت في الأيام الأخيرة لحكمه، اكتسبت سمعتها ببث مقاطع لمدينة بنغازي وسكانها أيام الثورة، تبث اليوم برامج حوارية تفاعلية مع جمهورها على الإنترنت حول مواضيع سياسية واجتماعية.
  • قناة ليبيا الأحرار أو تلفزيون ليبيا: تأسست عام 2011 بعدّها القناة الرئيسة للمجلس الانتقالي الوطني آنذاك، ويمولها بشكل كبير رجال الأعمال الليبيين المغتربين، تبث القناة من الدوحة إلا أنها تمتلك مكاتب لها في طرابلس وبنغازي، وتعرضت لهجوم من لدن الميلشيات و تقدم القناة جزءا محدودا من برامجها الإخبارية اليومية باللغة الأمازيغية، وقد أظهرت القناة دعمها المتزايد للفصائل الإسلامية المعارضة للجنرال حفتر في شرق ليبيا.
  • قناة النبأ: تأسست عام 2013 ، وموقفها موالٍ لفجر ليبيا –المؤتمر الوطني-، وفي جانفي 2016 ، وتعرض مكتبها في طرابلس لإطلاق نار من طرف مجهوليين وفي مارس من السنة نفسها اقتحم مسلحون مجهولون المكتب وأغلقوا القناة قصرا واصفين إياها بقناة “الفتنة والتحريض”، لتستأنف بعدها القناة عملها بعد ذلك .
  • قناة ليبيا أولا: تأسست عام 2011 من لدن رجل الأعمال الليبي طاطاناكي، المعروف بعدائيته للإسلاميين، تبث القناة من العاصمة المصرية القاهرة، وتعدّ مؤيدة بقوة لحفتر ومجلس النواب الليبي، مما يعكس موقف الدولة المضيفة لها.
  • قناة ليبيا بانوراما: تبث من داخل الأراضي القطرية وهي تابعة لحزب العدالة والتنمية، الذراع السياسي لحركة الإخوان في ليبيا، و تحصل على تمويل سنوي من دولة قطر بقيمة 11 مليون دولار سنويا. ( تنفث تحت رماد القبيلة.)   
  • قناة التناصح: تبث من تركيا ويديرها سهيل الغرياني نجل مفتي ليبيا  المعزول الصادق الغرياني، وتوصف بأنها أحد أهم أبواق الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة.
  • ليبيا الأحرار: بدأ بثها في ماي عام  2013 من الدوحة، بتمويل من شركة الريان القطرية، قبل أن تنتقل عام 2017 للعمل من إسطنبول ويديرها كل من علي الصلابي وسليمان دوغة عضوا حركة الإخوان.

ثانيا: التغطية الإعلامية للنزاعات بين جدلية العنف \النصر أو النزاع\ السلم:

يفسر يوهان غالتونغ مسار التغطية الإعلامية للنزاعات عبر منهجين يتم التقيد بهما عبر التغطية، وهو ما يطلق عليهما الطريق السفلي والطريق العلوي، و يتوقف اختيار أحد هذين المنهجين على ما إذا كان التركيز منصبا على العنف و الحرب، ويولي أهمية لمن ينتصر في النزاع،  وقد يتعدى الأمر  إلى التركيز على النزاع في حد ذاته وعملية تحويله على نحو سلمي، و قد يختلط الأمر في  كثير من الأحيان على وسائل الإعلام فتعجز عن التمييز بين الاثنين تتحدث عن النزاع وهي تقصد بذلك العنف (يوهان غالتونغ وجاك لينش، التغطية الاعلامية للنزاعات، ص 16 )،

  1. الطريقة السفلى أي طريق إعلام العنف:

تتم التغطية الإعلامية للنزاع وفق هذا المنهج وكان الأمر يتعلق بمعركة ويتم تصويرها ملعبا كما يتم تقديم الأطراف التي تقتصر في العادة على طرفين، على أنهما محاربين يحاول كل منهما فرض أهدافه، ونموذج التغطية الإعلامية الذي يشكل أساس هذا المنطق وقف غالتونغ، نجده مجسدا في الأسلوب المتبع من قبل هرم القيادة العسكرية، الذي يتمحور حول من يحرز تقدما ميدانيا؟ من يستسلم دون أن يحقق أهدافه؟ إحصاء الخسائر من حيث عدد القتلى والجرحى فضلا عن الخسائر المادية، فبالتالي يعتمد منظور اللعبة الصفرية المتبع في هذه الحالة على نموذج التغطية الرياضية، إذ أن الفوز ليس كل شيء، بل هو الشيء الوحيد المتوخى.

وتتضح الأمور أكثر عندما ينظر إلى أعمال العنف من منظور”نحن” في مواجهة ”هم”،فيتم النظر إلى الطرف الأخر بعدّهم شياطين، ذوي ميل فطري وطبيعي للعنف، وعليه هم يشكلون خطرا واضحا وقائما يستدعي اخضاعهم للرقابة و الردع، ومن ثم يمكننا تلخيص هذا المنظور كالآتي:

  • استخدم ما يكفي من القوة تحصل حتما على الأمن المنشود، والمنظور نفسه  ينطبق على مسار المفاوضات، اذ ينظر إليها وكأنها معارك كلامية، مع التركيز على الجهة التي تحصل على أكبر عدد من النقط التي تجبر الطرف الأخر على الإذعان  ، وتهتم أيضا بالطرف الذي يخرج منها وقد تمسك إلى حد كبير بموقفه الأصلي، ويبدوا أيضا أن الإعلام الديبلوماسي قد اتخذ هو الأخر من إعلام كرة القدم نموذجا له (يوهان غالتونغ وجاك لينش، ص 19).
  • الطريق العلوي أي إعلام السلام:

يركز هذا المنهج على النزاع في حد ذاته، وعلى كل ما له صلة بتحويله، فثمة خطر كامن وحقيقة للعنف لكن هذا الخطر الداهم إنما يستمد جذوره من نزاع عالق ممتد ومتجذر ينتظر حلا وفق ما أشار إليه إدوارد آزار، ومن شأن هذا النزاع حالة استمراره أن يفضي إلى سلسلة من الأعمال الانتقامية، فمثلا فإن النزاعات التي تطرحها اشكالية وجود 2000 قومية، كل واحدة منها ترغب في الحصول على وضعية الدولة القومية في عالم لا يتسع سوى ل 200 دولة منها 20 دولة قومية فقط، هي بمثابة تحديات تستدعي توافر روح إبداعية قادرة على مواجهتها، وبما أن الشعوب والجماعات والدول ومجموعات الدول تقف أحيانا حجر عثرة في طريق تحقيق طموحات بعضها البعض نظرا لتعارض أهداف هذا الطرف مع الأخر، فهناك إذا خطرا واضحا وقائما يلوح باحتمال نشوب أعمال عنف، لكن إلى جانب ذلك يشكل النزاع أيضا فرصة واضحة للتطور البشري. وذلك عبر استخدام النزاع سبيلا سبلا للبحث عن طرق جديدة تتسم بروح الابتكار والإبداع، تعمل على تحويله ، فتكون الكلمة الأخيرة لصالح فرص الابتكار والاحالة دون اللجوء إلى العنف.

 إن إعلام السلام يتشكل عندما يتخذ الناشرون والصحفيون خيارات حول الأحداث التي يجب الإبلاغ عنها وكيفية إعداد التقارير حولها التي تمنح المجتمع ككل الفرصة لتصور وقياس ردود الفعل غير عنيفة في الصراع (christine kauser et flaubert djateng,1999, p 18).

 ويمكننا تلخيص ذلك في العبارة  التالية: ”كن مبدعا للحصول على السلام”، ووفقا لهذه المقاربة لا يكون الإنتصار غاية، بل الإبداع هو الهدف المقصود، وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن أولى ضحايا الحرب ليست الحقيقة على نحو ما هو شائع، كون هذه الأخيرة تشكل الضحية الثانية، وكون الضحية الأول هي بطبيعة الحال السلام (Galtung J, 1969,P167 ).

وتتجلى المفارقة في هذه المقولة في عدّ تغطية الأحداث قبل نشوب الحرب تكون دوما صادقة،غير أن الأمر ليس كذلك، إذا يوجد حتى قبيل إندلاع الحرب عدد من الاكاذيب المفلقة، نظرا لاستحكام النزعة القائمة على الوقوف إلى جانب أحد الطرفين ضمن منطق ”نحن” في مواجهة”هم”، وذلك عندما يتم تبني منظور من ”المنتصر”، فضلا عن ذلك إذ حظي أحد الأطراف بمساندة من بلده أو قوميته أو الطبقة التي ينتمي إليها أو بدعم من صحيفة أو محطة إذاعية أو قناة تلفزيونية معينة، نشهد عندئذ إندفاع الطريق السفلي نحو نشر الاكاذيب والدعايات، على نحو ما سبق وأن حدث في كل من الصومال، يوغوسلافيا، أفغانستان، العراق…

وفي هذا المجال لا يشكل عامل الإنحياز النقطة الرئيسة إذ نجد هذا العامل أيضا في إعلام الطريق العلوي، والأمر الملفت للنظر حسب غالتونغ هو أن إعلام الطريق العلوي يدرج حقائق أخرى وذلك لأنه يستند في منهجيته على طريقة مختلفة في إعداد التغطية الإعلامية الخاصة بأعمال العنف والنزاعات (Dante Roses ; 2009,P13)، مع تركيزه على تحويل النزاع، وتكمن فلسفة ذلك في حقيقة مفادها أنه حيثما وجد دخان فلا بد أن تكون هنالك نار، وإذا كان وجود العنف والحرب هو بمثابة الدخان فالنزاع هو النار،  وعليه فهو كامن في الأعماق ونابع من الجذور، وعليه فمن الضروري نقل اخبار الدخان،ولكن لا ينبغي الوقوف و والاكتفاء بما يجري على السطح،أي تغطية الجزء الأكثر ظهورا، فلا تتوقف مهمة الإعلام الموضوعي عند هذا الحد بل تتجاوزه بحكم أن مهمة الصحفي الجيد لا تكمن فقط في تحديد موقع السلاح الذي ينبعث منه الدخان، بل تتجاوز ذلك لتوضيح أسباب إطلاق النار بشكل أكثر شفافية، وعليه فمن الضروري الكشف عن السلاسل السببية من أجل تقديم صورة أكثر شفافية للنزاع ومعرفة مختلف سياقاته(يوهان غالتونغ، مرجع سابق، ص 22).

إن التغطية الجيدة للنزاعات يجب أن تركز على الإجابة عن الأسئلة الآتية :

  • حول ماذا يدور النزاع؟ ما هي الأطراف المعنية بكيفية إنهائه؟ ماهي أهدافه الحقيقية؟ وأين تجري أعمال العنف إن وجدت أصلا؟
  • ما الأهداف المتناقضة؟  وكيف تتصل هذه الأهداف بأعمال العنف التي وقعت بالفعل وبأعمال عنف محتملة مستقبلا؟
  • ما جذور النزاع العميقة على المستوى الهيكلي و الثقافي؟ بما في ذلك تاريخ كل واحد منهما أو بعبارة أخرى ما هو السياق العام للنزاع؟
  • ما نوع الأفكار التي تغذي النزاع بعيدا عن تلك التي يفرض فيها طرف نفسه عن الطرف الآخر؟ لا سيما الأفكار الإبداعية وهل تمتلك ما يكفي من القوة لمنع اندلاع أعمال العنف؟
  • إذا وقعت أعمال لعنف فما هي الآثار غير المرئية مثل الصدمات النفسية والكراهية والرغبة في الانتقام والأمل في تحقيق المزيد من المجد؟
  • من الجهات التي تمنع إندلاع أعمال العنف؟ وما هو منظورها للنتائج الناجمة عن النزاع؟وما هي أساليب عملها وكيف يمكن دعمها؟
  • من الجهة المنخرطة في أعمال إعادة البناء والمصالحة وتسوية النزاع؟ وما الأطراف التي تكتفي بتقاسم الغنائم؟

بعد أن قمنا يتقسيم التغطية الإعلامية للنزاع على نوعين، إعلام العنف والنصر من جهة و إعلام النزاع والسلم من جهة أخرى تجدر بنا الإشارة إلى أنهما، متلازمات الصحافة وغالبا ما يكون إعلام الحرب آلة لأغراض دعائية مركزا على النخب، وعلى النقيض من ذلك فإن إعلام السلام ينتهج مسارا ومواصفات تتلخص في الإلتزام بالحقيقة و الاهتمام بعامة الناس.

جدول التغطية الإعلامية للنزاع بين الطريق السفلي والطريق العلوي

إعلام النزاع =السلام   إعلام العنف الحرب والنصر
مقاربة موجهة للنزاع: استكشاف أطوار تشكل النزاعتوجه عام نحو تحقيق الفوز ليس هناك من منهزمفضاء مفتوح، زمن مفتوحذكر الأسباب والنتائج مهما كانت ، وحيثما وجدت و  الحقائق المتصلة بالعمق التاريخي والثقافي للنزاعالتركيز على آثار العنف غير مرئية( الصدمات النفسية، الأضرار الملحقة بالقيم الثقافية)إسماع صوت جميع الأطرافرؤية النزاع والحرب باعتبارها المشكلةمراعاة الطابع الإنساني لجميع الأطراف من باب أولي عندما يكون السلاح أكثر فتكاالنهج الاستباقي والقيام بالتغطية قبل الحر مقاربة وجهة نحو العنف والحرب: التركيز على مسرح العملياتطرفان وهدف واحد هو النصريوجه نحو لعبة صف(إنتصار طرف مقابل هزيمة الأخر)فضاء مغلق،وقت محدود، أسباب وآثار محصورة داخل ساحة الحربسياق شبه غائبالتركيز على الأثر المرئي للحرب(قتلى جرحى، أضرار مادية)يجعل الحروب معتمة وسريةرؤية ”هم”باعتبارهم المشكلةالتركيز على من ينتصر في الحربتجريد”هم” من الصفة البشريةالعمل بردات الفعل، وانتظار إندلاع العنف لبدء التغطية
موجه نحو تقصي الحقيقة: فضح أكاذيب جميع الأطرافرفع الغطاء عن جميع عمليات العنف ذات منحى دعائي: كشف أكاذيب ”هم”السعي للتستر والتكتم على أكاذيب”نحن”
موجه نحو عامة الناس: التركيز على العنف من أي جهة كانتالتركيز على معاناة جميع الأطراف خاصة الأطفال النساءذكر أسماء الأشرار من كل جهةالتركيز على صناع السلامفسح المجال لسماع  أصوات المحرومين ذات منحى نخبوي: التركيز على عنفهم ومعاناتنا وعلى النخب من الرجال القادرينذكر أسماء الأشرار من الطرف الأخرالاضطلاع بمهام الناطق باسم النخب
مقاربة موجهة نحو التسوية: السلام يساوي اللاعنف+روح الإبداعإبراز مبادرات السلام من أجل تجنب المزيد من الحربالتركيز على البني الثقافية والمجتمع السلميما بعد النزاع: تسوية إعادة البناء والمصالحة مقاربة وجهة نحو تحقيق النصر: السلام يساوي النصر+وقف اطلاق النارإخفاء مبادرة السلام قبل أن يكون النصر في متناول اليدالتركيز على المعاهدات والمؤسسات المجتمعية تحت السيطرةالإنصراف لحرب أخرى والعودة إلى الأولى في حالة تأجيجها من جديد

ما يمكن أن نستنتجه عبر الجدول هو أن إعلام الطريق السفلي لا يقتصر على كونه مصاب بنوع من الهوس الضيق والإنجذاب نحو العنف و الحرب، بحيث ينجم عن هذا المنظور تشويه الحقيقة والتقليل من شأنها، وفي أحسن الأحوال يعكس فقط الجزء السطحي من الوقائع مع ابتعاده عن تسليط الضوء على الحقيقة وجعلها شفافة، بما أن إعلام الحرب بانتهاجه هذا الدرب يقضي عمليا على كل من السلام والحقيقة، عبر اصطفافه إلى جانب أحد الطرفين المتنازعين أي تبنيه موقفنا ”نحن”،وهو ما يؤدي إلى عمليات الاستقطاب والتصعيد وإثارة الكراهية والدعوة إلى مزيد من العنف، للثار من ”هم”،ووضع حد ”لهم”،وينسجم هذا التوجه إلى حد بعيد مع النظرية الجديدة المتبعة في استراتيجية إنهاء الحرب” دعوهم يقاتلون ويقتتلون إلى أن يصبحوا منهكين للجلوس إلى طاولة المفاوضات”،أي جاهزين لقبول ما تمليه عليهما لجهة التي تدير جدول أعمال هذه الطاولة ،المرجع نفسه  ص 22).

أما إعلام السلام، فيحاول بالمقابل وقف عملية الاستقطاب التركيز على إظهار سواد جميع الأطراف وبياضها من دون استثناء، و عن طريق التهدئة بإبراز عملية السلام وتسوية النزاعات، بالقدر نفسه  الذي يتم فيه إبراز أعمال العنف، و أن إعلام السلام يقف إلى جانب الحقيقة كونها نقيض للدعاية والأكاذيب وهو بالنتيجة يتحلى بالجدية وطابعه الاستقصائى والاحترافية في التغطية مما يضفي على جميع هذه العمليات طابعا أكثر شفافية ،فالإعلام السلام يلعب دورًا مهمًا بشكل خاص في منع النزاعات ،لا سيما في تنبيه صناع القرار  والرأي العام الذي يؤثر عليهم إلى العواقب الوخيمة التي غالبًا ما تنجم عند عدم اتخاذ أي إجراء جراء تفاقم حالة النزاع.
(Silvia De Michelis, p 12)
ثالثا: القنوات التلفزيونية الليبية وتغطيتها للنزاع
التحليل الكمي والكيفي لنتائج المتابعة:
التوجهات السياسية للخط الافتتاحي للقنوات التلفزيونية:  1   
القنوات التلفزيونية التوجه السياسي والأيديولوجي للخط الافتتاحي
التناصح إسلامي متطرف
ليبيا الأحرار المجلس الانتقالي
ليبيا الحدث مؤيدة للقوات المسلحة التابعة لحفتر
ليبيل بانوراما تابعة للإخوان المسلمين و مؤيدة للسراج
ليبيا أولا معادية للإسلاميين و موالية لحفتر
 
من خلال المعطيات المبينة أعلاه يتضح لنا أن عينة القنوات محل الدراسة، تختلف في توجهاتها الافتتاحية وهو ما يؤكد أن الصراع السياسي بين مختلف الأطراف الليبية، له انعكاس على المستوى الإعلامي حيث استغل كل طرف الظروف التي تمر بها البلاد، من أجل خلق فضاءات تلفزيونية تخدم أجندته الأمنية والسياسية، وحتى الإيديولوجية، فلكل طرف في النزاع الليبي إعلامه الخاص الذي يستخدمه من أجل اثبات وجوده على أرض الواقع، ومحاولة التأثير على أكبر عدد ممكن من الجماهير الليبية،
 الإخلالات المهنية  2   
يبين الجدول  الآتي أن القنوات التلفزيونية الليبية محل الدراسة تبث 269  إخلالا مهنيا في أسبوع واحد مما يعني أن المشاهد الليبي يتعرض ل 38 إخلالا في اليوم عبر هذه القنوات أي معدل 7 إخلالات في القناة الواحدة
  التكرارات النسبة المئوية
قناة التناصح 120 44.60%
ليبيا الحدث 98 36.43%
ليبيا الأحرار 32 11.89%
ليبيا بانوراما 12 4.46%
ليبيا أولا 07 0.29%
المجموع 269 100%
 
تصدرت التناصح القنوات الأكثر إخلالا في تغطية النزاع في ليبيا و، الإرهاب فضلا عن الدعاية والترويج لخطاب الكراهية والتحريض ، وذلك بنسبة فاقت 44% في حين تليها قناة ليبيا الحدث بنسبة 32% بعدها قناة ليبيا الأحرار بأكثر من 11%وقد توزعت باقي الإخلالات في كل من قناة ليبيا بانوراما وليبيا أولا التي شهدت انخفاضا في نسبة الاخلالات المسجلة مقارنة بباقي القنوات محل الدراسة.
أهم البرامج التي تقع فيها الإخلالات المهنية:
يعدّ نوع البرامج التلفزيونية  التي تم فيها الخرق من أهم المتغيرات التي يستوجب الوقوف لديها وتحليلها، إذ نحدد عن طريق نوعية البرامج مصدر الخروقات مقارنة بغيرها، والمتعلقة أساسا بخطاب الكراهية، نشر الدعاية، إخلالات تغطية النزاع المسلح والعمليات الإرهابية،
وعبر تحليلنا لمضامين المادة الإعلامية محل الدراسة تبين لنا أن أكثر من 28%من الإخلالات المهنية تم بثها عبر النشرت الإخبارية، تأتي البرامج السياسية والبرامج التفاعلية على أكثر من 24% كما لو كان التعبير عن الآراء السياسية يفتح المجال لعبارات السب والشتم والوصم والتحريض. و أن التغطية الخاصة التي تقوم بها القنوات محل الدراسة للنزاع على وجه الخصوص قد شهدت 17% من مجمل الإخلالات التي تم كشفها.
وما يلفت الإنتباه ما يسمى البرومو السياسي، تنتجه وتعده القنوات التلفزيونية محل الدراسة وقد شمل 29 إخلالا من جملة الخروقات التي تم كشفها، وهو ما يدعم حقيقة عدم مهنية تلك القنوات وعدم معرفتها بماهية خطابات الكراهية التي تروج لها وكذا خروقات تغطية النزاع المسلح في ليبيا والأحداث الارهابية.
جدول يبين أهم البرامج التلفزيونية التي تقع فيها الإخلالات المهنية:
البرامج التلفزيونية التكرارت النسبة المئوية
نشرات الأخبار 73 27.13%
حوارات سياسية 65 24.16%
برامج تفاعلية 47 17.47%
تغطية خاصة 34 12.63%
برومو سياسي 29 10.78%
برامج دينية 20 7.43%
المجموع 269 100%
عن طريق الجدول أعلاه يتضح جليا أن النشرات الاخبارية والتي تمثل حق الجمهور في الحصول على المعلومات بشكل محأيد وموضوعي قد تصدرت قائمة البرامج التلفزيونية التي تقع فيها الإخلالات المهنية عبر تغطية النزاع المسلح في ليبيا عن طريق نشر خطاب العنف والكراهية والإرهاب، وكذا الترويج للدعايات والأكاذيب بنسبة وصلت 27.13%، مقارنة بالبرامج السياسية والحوارات التي سجلت نسبة 24.16%، لتليها التغطيات الخاصة البرومو السياسي والبرامج الدينية بنسبة 7.33%.
 
 
مصدر الخروقات:
يبين الجدول الآتي أن مقدمي البرامج في القنوات محل الدراسة ينتجون112 إخلالا مهنيا، بمعدل 16 إخلالا مهنيا يوميا، ويبين لنا متغير مصدر الخرق في عميلة التحليل عن الجهة التي كانت مصدرة من القنوات التلفزيونية محل الدراسة، كما يوضح أن كانت هذه الجهات تنتمي للمهنيين داخل المؤسسات الإعلامية، أم أنها تكون خارجها.
كما يظهر الجدول الآتي كيف أن  مقدمي البرامج في القنوات التلفزيونية الليبية محل الدراسة تنتج أكثر من 41%من جملة الخروقات، وهو ما يعد خرقا مهنيا واضحا  ويتدعم هذا الخرق المهني الكبير بحضور القناة كثاني منتج لها عبر البروموهات السياسية التي تنتجها، والفيديوهات والصور التي تبثها، أي أن أكثر من 17% من الاخلالات التي تم رصدها تتحمل مسؤوليتها القنوات التلفزيونية وهو الأمر الذي يستدعي وجوب وضرورة توعية تلك القنوات بهذه الخروقات، التي تتحمل فيما بعد مسؤولية تقليصها وتغييبها عن مضامينها الإعلامية، نظرا لحجم التأثير الذي تمارسه وقي تنامي وتيرة العنف الداخلي واستمرار تصاعد
حالة الحرب والتفرقة بين مختلف شرائح المجتمع الليبي:
مصدر الخرق التكرارات النسبة المئوية
مقدم البرامج 112 41.63%
القناة التلفزيونية 48 17.84%
جهات أمنية وعسكرية 34 12.39%
نشطاء سياسيين 22 08.17%
قادة القبائل 18 6.69%
الحكومة المؤقتة 12 6.46%
رجال الدين 6 2.23%
احزاب سياسية 3 1.11%
موطنون 3 1.11%
مثقفون 2 0.74%
الإجمالي 269 100%
وتأتي مختلف تلك الإخلالات من خلال عرض فيديوهات وصور وإعادة إنتاج خطابات التحريض التي ينتجها السياسيين، زعماء القبائل، أو أمراء الجماعات المسلحة المختلفة، أو رجال الدين كما تأتي الجهات الأمنية والعسكرية النظامية أو غير النظامية في  المرتبة الثالثة بعد كل من الصحفيين والقنوات بنسبة تجاوزت 12% من إجمالي الإخلالات التي تم رصدها.
وتجدر الإشارة أن البرامج الدينية التي تبثها قناة التناصح كان لها أثرها الكبير في تأجيج الصراع على الأرض بحجة دينية أو فتوى فردية، ساهمت في انضمام افواج من الشباب إلى المجموعات المسلحة وساحات  الحرب، على نحو ما لاحظنا أن هناك تراجع في تدقيق المعلومات، إذ يظهر ذلك في اعتماد القنوات التلفزيونية على مصادر من الطرف الذي يحظى بالتأييد عند الحديث عن الطرف المقابل، وعدم بذل أي جهد للوصول إلى الطرف المقابل المشارك في الحرب، فضلا عن غياب محاولة تدقيق المعلومات المستقاة من الأطراف المؤيدة من مصادر مستقلة، وبرز ذلك في عدد كبير من العوامل اللتي تتسابق القنوات الليبية على نقلها عن تلك المصادر الاثيرة لديها ثم ظهور خطا النقل، ويمكن اختبار ذلك في الأخبار المتعلقة بالتقدم والانسحابات في مناطق المواجهات، وتكثر وسائل الإعلام من نسب المعلومات إلى مصادر مجهولة رغم خطورتها وتعلقها بمسائل جوهرية للنزاع، مثل تلك المعلومات التي تنسب لمصادر مؤيدة للطرف المقابل، وإسناد معلومات عن الانقسامات والخسائر أو الاجتماعات السرية، وتتصف تلك المعلومات بالنيل من معنويات ذلك الطرف والجزء المؤيد له من الرأي العام.
 الخطاب الإعلامي المصاحب لتغطية النزاع الليبي:
عن طريق تحليلنا  لمضامين الخطاب الإعلامي الذي يتم تداوله من طرف القنوات التلفزيونية الليبية محل الدراسة لاحظنا اللجوء الكبير لاستخدام خطاب الكراهية، وقد أوضحت نتائج التحليل الكمي لهذه الفئة أن أكثر من 50% من اجمالي الإخلالات المهنية التي تم رصدها تحمل مضامين تكرس خطاب الكراهية والعداء، إذ توصلنا أن هناك تكرار لـ 172 خطاب كراهية، و بمعدل 34 خطابا لكل قناة أي ، بمعدل  خمسة خطابات كراهية تبثها القنوات يوميا و وهو ما يعني أن المشاهد الليبي يتعرض لكم هائل من هذا النوع من المضامين الذي من شأنه استدامة حالة العنف والعداء المتبادل، وهم مؤشر واضح لتبني الإعلام الليبي لاستراتيجيات إعلام الحرب،  نحو ما بينا سابقا في الإطار النظري للدراسة.
 
 
 
جدول يبين طبيعة خطاب الكراهية المتداول خلال تغطية النزاع الليبي:
النسة المئوية التكرارات طبيعة خطاب الكراهية
25.58% 44 تحريض
16.86% 29 دعوة للقتل
53.14% 25 سب وشتم
13،37% 23 التمييز على أساس اللون أو العرق
11،62% 20 الدعوة إلى العنف
09،88% 17 التكفير
5،58% 10 اتهامات دون أدلة
2،32% 4 عدم احترام كرامة الإنسان
100% 172 الإجمالي

تعرف الحرب من بعض وسائل الإعلام بأنها ذات بعد جهوي، لتأتي المضامين بصيغة تعزز هذا التصور لدى الرأي العام، مع انتقاء لبعض المعلقين الذين يقضون عدة ساعات مستخدمين ألفاظا وأوصافا تحريضية  من شأنها توسيع نطاق الحرب  لتشمل مناطق وقبائل ومكونات ثقافية عديدة، ويغيب الانتباه إلى الآثار التي يتركها خطاب الكراهية على الهوية الوطنية للليبيين، التي تتعرض لعمليات تفكيك ممنهجة منذ عام 2011، كما يتم تجاهل الأدلة المهنية والمعاهدات الصادرة عن الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الإقليمية المتعلقة بخطاب الكراهية والتحريض على العنف مثل مبادئ كمدن 2009، وخطة عمل الرباط 2012.

و من نتائج التحليل الكمي للجدول أعلاه يتبن لنا جليا أن التحريض قد تصدر مجموع خطاب الكراهية الذي تنتجه القنوات التليفزيونية الليبية خلال تغطيتها للنزاع وذلك بنسبة تعدت 25%، ما يتبن أن نوعية تصريحات الكراهية كالدعوة للقتل السب والشتم التمييز العنصرية، وكذا الاتهامات والتكفير تستخدم بشكل واضح وكبير في الإعلام الليبي وهو ما يدل أن هذه القنوات تنتهج مقاربة موجهة للعنف عن طريق تركيزها على شيطنة الطرف الآخر والدعوة الصريحة للقضاء عليه كونه مصدر المشكل.

وعليه فالمشاهد الليبي معرض يوميا لمشاهدة 5 خطابات كراهية في كل قناة ، بينها خطاب يدعو للتحريض أخر للدعوة الي القتل  السب والشتم و التمييز،هذا من جهة و كما تبين نسب توزيع تكرارات خطاب الكراهية حسب طبيعتها، كيف أن منتجي ومصدري تلك الخطابات في الإعلام الليبي يبثون عبارات التحريض السب والشتم بطريقة عادية، كما لو أنها عبارات تخلو من الحقد و الكراهية، مما يطرح عددا من نقاط الاستفهام الكبرى حول تحول حالة الصراع ميدانيا إلى منابر الإعلام ومن ثم إلى البيوت الليبية دونما أي وعي ومساءلة ذاتية من قبل تلك القنوات التي أضحت مجرد أدوات حرب يستخدمها كل طرف من أجل تمرير أجندته العسكرية والسياسية دون الأخذ بعين الإعتبار مدى التأثير الخطير المنجر عنه في زيادة الشرخ وتوسيع دائرة النزاع المتجذر في ليبيا.

معجم كلمات الكراهية الأكثر تكرارا في القنوات التلفزيونية الليبية:

النسبة المئوية التكرارات ألفاظ الكراهية
26،47% 150 إرهاب
20،88% 134 مجرمون
10،66% 80 عصابات
10% 79 عدو الله
9،22% 77 خائن
7،32% 73 قاتل
5،98% 68 غير شرعي
2،44% 22 سارق
1،77% 14 كذاب
1،08% 12 مرتزقة
0،86% 9 حقير
0،56% 6 عميل
0،33% 2 دجال
0،33% 2 كلب
0،33% 2 يهود
0،33% 2 خوارج

 إن حالة الانقسام التي يعيشها الإعلام الليبي٬ الذي تصطف وسائله بكل امكانياته في صفوف متقابلة مع أطراف النزاع الذي تشهده البلاد منذ صيف عام  2014، أدى إلى حالة من القصور والتخبط الذي يعانيه، لدوره السلبي في تأجيج الصراع والحرب الأهلية بسبب تفشي خطاب الكراهية والتحريض على العنف باللجوء إلى معجم مدجج  بالكلمات التي تغذي العداء والتفرقة بين مكونات النسيج الاجتماعي الليبي وهو ما تظهره المعطيات في الجدول أعلاه حيث أن القنوات التلفزيونية محل الدراسة وأثناء فترة المتابعة،قد لجأت لاستخدام عدد كبير من الكلمات بداية من الإرهاب مجرمون، عصابات، أعداء الله قاتل، غير شرعي….،في توصيفهم للطرف الآخر،ومما زاد حدة هذا الاستخدام المتجرد عن التغطية الموضوعية وكذا من أخلاقيات مهنة الإعلام غياب سلطات مختصة مشرفة على قطاع الإعلام وعدم وجود لوائح لتنظيمه، الأمر الذي أدى أولا إلى احتكار المال السياسي لقنوات خاصة بدعم من دول أجنبية لتوجيه الرأي العام نحو أجندة سياسية وإيديولوجية وثانيا استغلال  القنوات من لدن بعض الأطراف المسلحة لتمرير أجندتها مما ضرب بالنسيج المجتمعي وزاد من توظيفه كأداة للانتقام والإقصاء وضرب الاخر.

تقديم الاختلافات السياسية والأيديولوجية للأطراف المتنازعة:

النسبة المئوية التكرارات الاختلافات الإيديولوجية
39،14% 174 إسلامي الاخوان المسلمين
30،42% 143 ليبرالي
12،76% 60 راديكالي/ متطرف
11،70% 55 تقدمي
5،74% 27 ديمقراطي

من تنائج التحليل الكمي لمتغير الاختلافات الإيديولوجية، يتضح لنا جليا أن التغطية الإعلامية للقنوات محل الدراسة للنزاع الليبي ما هو إلا تمثيل للصراع الإيديولوجي بين الأطراف المتنازعة، حيث أن الاسلاميين وعلى رأسهم حركة الاخوان المسلمين قد تصدروا قائمة أكثر الأطراف تكرار في الخطابات الإعلامية للقنوات التلفزيونية الليبية،وذلك بنسبة 39،14% و، وتجدر الإشارة أن طريقة وصفهم تختلف من قناة إلى أخرى ففي حين يتم وصفهم بالحركة المعتدلة ، وأصحاب الاسلام المنفتح في كل من قناة ليبيا أولا وبانوراما، إلا أن العكس يحدث مع قتاة ليبيا الأحرار التي تصفهم بالإرهاب وغير شرعيين وأنهم سبب الأزمة التي تعيشها البلاد.

يأتي بعدها الليبراليون بنسبة 30،42%. ثم الراديكاليون بـ 12،76%، فالتقدمييون بنسبة 11،70%، والديموقراطيون بـ 5،74%، وما يمكن قوله في هذا المجال تركيز الإعلام الليبي على إبعاد الصراع الإيديولوجي يعتبر انعكاسا لإشكالية تعدد الولاءات للكيانات الوليدة، التي يدعي كل منها أنه صاحب الشرعية، ويصور الإعلام المؤيد للتيار الليبرالي في الشرق أن الصراع الدائر في ليبيا هو بين السلطة الشرعية وبين جماعات إرهابية في حين يحاول الإعلام المؤيد للتيار الإسلامي في الغرب، تقديم الصراع أنه بين تيارات ثورية تحاول حماية البلاد من عودة أنصار القذافي مما يزيد من تفاقم الازمة.

توصيف الأطراف المتنازعة:

النسبة المئوية التكرارات الأطراف المتنازعة
31،6% 79 غير شرعيين
26% 65 ميليشيات
21.2% 53 مجرمو الحرب
13،2% 33 المرتزقة
9،2% 23 الأرهاب
8% 20 العملاء
         

من المعطيات الكمية في الجدول أعلاه يتبين لنا مدى خطورة الأوصاف التي تلجأ إليها القنوات التلفزيونية محل الدراسة عند حديثها عن الأطراف المعادية ليساستها الافتتاحية حيث يتصدر وصف غير الشرعيين قائمة الأوصاف الأكثر تداولا بنسبة فاقت 31%، بعدها يأتي المليشيات بنسبة 26%، مجرمو الحرب 21،2% ثم المرتزقة بنسبة 13،2% يليها كل من الارهاب بنسبة فاقت 9% و العملاء بنسبة 8%.

نستنتج أن وسائل الإعلام في ليبيا تعيش فوضى عارمة في انتقاء ونحت المصطلحات التي تهدف من  ورائها إلى شيطنة الطرف المقابل للطرف التي تؤيده ، وعليه يسهل على المتابع لوسائل الإعلام في ليبيا أن يصنف في وقت وجيز من المتابعة، انحياز الوسيلة الإعلامية للأطراف المتحاربة،ويظهر ذلك في الاعتماد على مصادر طرفها المفضل واستخدام مصطلحات تمجده وتشيطن الطرف المقابل، وكذلك في قوائم الضيوف والمحللين والبروموهات الترويجية والفواصل وعناوين الأخبار وطبيعة الأسئلة وزوايا التناول في الأخبار والتقارير ومحاور البرامج الحوارية إلى جانب وجود مراسلي كل وسيلة في الجهات التي يسيطر عليها طرف الحرب المؤيد من الوسيلة القناة.

و يظهر الانحياز أيضا في رسم صورة ذهنية للرأي العام عبر تجاهل تقديم أطراف النزاع  والإنتماء الجغرافية والإيديولوجية والسياسية لهم ، باستخدام الصور والخلفيات التي تعزز حالة الانقسام بين مكونات الشعب المختلفة.

الآثار المرئية للعنف المسلح:

عن طريق مدة المتابعة لاحظنا أن القنوات قيد الدراسة عرضت 52 فلّما فيديوا مصورا لضحايا مدنيين وعائلاتهم،  فضلا عن 24 تسجيلا للجرائم الإرهابية، يبين الجدول الآتي نسب توزيع الإخلالات المهنية من خلال التركيز على الآثار المادية للعنف، الذي يعتبر من أهم المتغيرات التي تعتمد عليها مقاربة غالتونغ لتحديد استراتيجيات إعلام الحرب، التي تم تبنيها من طرف الإعلام الليبي، في تغطيتة للنزاع القائم.

جدول يبين تكرارات الآثار المادية للعنف في ليبيا:

النسبة المئوية التكرارات الآثار المرئية للعنف
23،36% 25 نشر صور القتلى وعائلاتهم
22،42% 24 نشر تسجيلات الجرائم الإرهابية
16،82% 18 عرض استجواب مع الضحايا
13،08% 14 نشر فيديوهات لاستهداف المدنيين
9،34% 10 تنزيل بيانات الجماعات الإرهابية

وتوضح لنا نتائج التحليل الكمي، الموضحة في الجدول أن نشر صور القتلى وعائلاتهم قد احتلت المرتبة الأولى بنسبة تعدت 23% وهو ما يؤكد على تركيز الإعلام الليبي على استراتيجيات إعلام الحرب مدة قيامه بتغطية النزاع القائم، ويليه بعد ذلك نشر تسجيلات للجرائم الإرهابية التي تحصل في ليبيا بنسبة فاقت 22%،لتليها إخلالات أخرى ترتكز اساسا على عرض استجواب مع الضحايا، نشر فيديوهات تستهدف المدنيين في المناطق الحضرية الآهلة بالسكان على وجه الخصوص،إلى جانب تنزيل بيانات للجماعات الارهابية الناشطة في ليبيا وذلك بنسب متقاربة.

وتجدر الاشارة إلى أن بث متل هذه المضامين جاء رغم خطورتها وتعارضها مع مع المواثيق الدولية المنظمة لتغطية العمليات الارهابية و الإجرامية، كان ـأمرا متعمد ومدروس من طرف إدارة تلك القنوات، وكان الهدف من ورائها دعم الطرف الذي تنتمي إليه القناة وتقديم الطرف الخصم على أنه المسؤول عن كل الأوضاع الأمنية المتردية التي الت إليها ليبيا،من دون الأخذ بعين الاعتبار حجم الكارثة الإنسانية التي يمكن أن تنجر وراء مثل هذه التصرفات.

وبذلك تتيح القنوات التلفزيونية مساحات واسعة للأطراف لتبرير الحرب العنف، وبالتالي السعي لتوجه الرأي العام، طمعا في الحصول على التأييد بل ودعم الحرب، كل ذلك يحدث مع تجاهل للقانون الدولي الإنساني ومعاهدات جنيف الأربعة،

ولاحظنا أنه لم تقم القنوات التلفزيونية الليبية مساحات لمناقشة أي مبادرة تسعى إلى إنهاء الحرب بوسائل سلمية، بل على العكس من ذلك تحتفي بالخطاب المتشدد للطرفين والذي يتضمن تصريحيات ترفض أي مبادرة أو دعوة لوقف الاقتتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، و أنها لم تبذل أي جهد يذكر لتفسير وليس تبرير الحرب و أهدافها من دون انحياز بل عن طريق البحث الموضوعي في الدوافع التي قادت الي الحرب، وإشراك أصحاب المبادرات للحديث عنها ومناقشتها أمام الرأي العام، الذي يشجع على المشاركة في المحاورات عن مبادرات السلام، وهذا ما دعا إليه البروفيسور يوهان غالتونغ من أجل مساهمة الإعلام في بناء السلم في المجتمعات التي تشهد نزاعات وتوترات وحروب.

الجهات المستهدفة من نشر المضامين الإعلامية:

جدول يبين تكرارات الجهات المستهدفة:

النسبة المئوية التكرارات الجهة المستهدفة
16،72% 45 الجماعات المسلحة
15،61% 42 خليفة حفتر
14،12% 38 فايز السراج
12،26% 33 عملية الكرامة
11،15% 30 مؤسسات رسمية
10،40% 28 الجيش والمؤسسة الأمنية
08،55% 23 الإخوان المسلون
04،46% 12 دول عربية
03،71% 10 اليهود
01،85% 5 قوات فجر ليبيا
01،11% 3 دول الجوار
100% 269 المجموع

تعطي لنا نتائج التحليل الكمي لفئة الجهات المستهدفة رؤية واضحة أن الجماعات المسلحة غير النظامية هي الأكثر استهدافا وتداولا في الرأي العام، بنسبة تعدت 16%، ويأتي كل من قائد عملية الكرامة الجنرال حفتر، ورئيس المؤتمر الوطني فايز السراج بالدرجة الثانية بنسب متقاربة، تليها المؤسسات الرسمية بنسبة 11%، ثم الجيش والمؤسسة الأمنية بنسبة 10.40%، والإخوان المسلمون بنسبة 8،55%، لتأتي بعد ذلك كل من الدول العربية، اليهود، قوات فجر ليبيا ودول الجوار بنسب متقاربة.

وتجدر الإشارة أنه لاحظنا خلال متابعتنا لعدد من الإعلامين يذكورن أسماء وألقاب أفراد يعتبرونهم أعداء للقيادة العامة للقوات المسلحة في الشرق ، ويحرض على قتلهم، على الهواء مباشرة، واستهداف عائلاتهم وأطفالهم والأشخاص المواليين لهم. والذي يمكن عدّه تحريضا صريحا موجه بشكل مباشر ومعلن على تحشيد شعبي ضدهم، و أن ذكر بعض القبائل والأسر بعينها يشكل تهديدا صارخا للنسيج الاجتماعي الليبي المتمزق، بسبب الحروب الإعلامية القائمة حاليا، إذ تورط عدد من الإعلاميين مي قضايا أدلجة وتسييس المدفوع مسبقا، من قبل جهات ودول تتدخل بشكل علني وصريح في الشأن الداخلي الليبي.

وهنا يجب الوقوف عند نقطة مهمة وهي أن التغطية الإعلامية للنزاع الليبي، من طرف القنوات التلفزيونية محل الدراسة، أخذ منهجا في منحى نخبوي، الذي يعدّ من أهم مؤشرات إعلام الحرب، أين تم التركيز على العنف الناتج عن الأطراف المتنازعة، وذكر أسماء قادة وزعماء تلك الأطراف على ومحاولة شيطنتهم، بالنسبة للأعداء، وتقديم زعماء الطرف المدعم من القناة أنه بطل، فيما يتم تجاهل عامة الناس وكذا عدم تغطية العنف الناتج من أطراف النزاع بطريقة موضوعية.

خاتمة:

يتبن مما سبق عرضه في التحليل، أن الإعلام الليبي اضحى  ميكانيزما لاستمرار الأزمة، وأداة فعالة للحرب القائمة، كما أنه يمثل أحد مظاهر الصراع والانقسام ، إذ إنه أصبح شريكا في التحريض وتأجيج النزاع عبر تبنيه منهاج إعلام الحرب في تغطية مجرياته وحيثياته، كما  أنه ساهم في تمكين وخلق نزاعات جديدة من خلال لجوئه بشكل كبير لخطاب الكراهية والتفرقة، إلى جانب تسليط الضوء على أحداِث غائبة أو غير صحيحة، سواء في المبالغة في عدد الضحايا أو أحداث معينة أو تبريرات لعنف المستمرة عبر إظهار بطولية أطراف معينة، وشيطنة أطراف أخرى، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع أساسيات العمل الإعلامي الموضوعي والنزيه.

و لا يمكن غض النظر على محاولات التهديد الصريحة، والتي يوجه من خلالها مقدمو البرامج عبارات تهاجم الشخص بعينه ومنعه من ابداء رأيه،على الهواء مباشرة،سواء بقفل الاتصال أو محاولة مقاطعته عمدا، وهذا ينافي حق المواطن في التعبير عبر وسائل الإعلام، ويعكس مدى دوغمائية الإعلام الموجه من قبل جهات غير حيادية، وهو ما يكشف مدى تعصب وسائل الإعلام في ليبيا تجاه مموليها و الإيديولوجيات التي تتبناها من خلال ذلك، حيث تعتبر هذه القنوات المساهم الرئيسي في قيام حروب ونزاعات، كانت لن تقوم لولا وجود تلك القنوات، حيث أن التجاوزات التي يقوم بها الإعلام الليبي هي مجموعة تراكمات ثقافية ناتجة عن أفكار هشة غير موضوعية خلقت حزمة نمطيات تجاه الاختلافات السياسية أو الإيديولوجية أو الفكرية و كما أن التراكم التجريبي السلبي يعتبر سببا آخرا في التناول الكارثي للقضايا الجيوسياسية والاجتماعية للنزاع الليبي.

وليس خفيا أن الاختلافات الإيديولوجية في الإعلام الليبي هي قيمة مضافة إعلاميا في حال تم توظيفها بالشكل الصحيح،  لكن تم توظيف معاكس لمفهوم الإيديولوجيا إعلاميا، وهو ما جعل هذه القنوات منصات لإبطاء المرحلة الانتقالية نحو الديموقراطية، وبناء الدولة، وخوض تجربة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فالإيديولجيا الإعلامية لم تتوان عن استيضاح كمية الدعم المبالغ فيه لأطرافها وغض النظر عن محاسبتها إعلاميا وجماهيريا عبر منصاتها وقنواتها، بل بالعكس ساهمت في اخفاء حقائق، عن الجمهور المتتبع ومخالفة كل أخلاقيات مهنة الإعلام.

خلاصة القول هي أن الإعلام الليبي وقياسا على مرحلة ما بعد الثورة تحول من مرحلة الجمود المعرفي والقيود السياسية الديكتاتورية. التي وضعت في فترة القذافي، إلى مرحلة رخوة مليئة برسائل الكراهية والتي من  خلالها يتم التأثير سلبا على مجريات النزاع وتأجيجه عوض التوجه لإعلام السلام من أجل توافر مناخ سليم للدخول في مرحلة التسوية عبر  الاستراتيجيات الإعلامية لتحويل النزاعات.

قائمة المراجع:

باللغة العربية:

1 المشهد الإعلامي الليبي يتلون، مركز الجزيرة للدراسات، متوفر على الموقع:

https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2012/12/23/ا

2  نظرة عامة على المشهد الإعلامي في ليبيا، مؤسسة فنك الإعلامية، أفريل 2020، متوفر على الموقع:

https://fanack.com/ar/libya/society-media-culture/libya-media/

 3 ليبيا الإعلام قبل وبعد، مرصد السلام والتنمية للعلام وحرية  الإنسان،13\07\2008،متوفر على الموقع:

https://www.marsad-st.com/2018/03/20/272/

 4 الاجراءات الجديدة التي فرضتها طرابلس تضع حياة الصحفيين في خطر، تقرير منظمة مراسلون بلا حدود،

جوان 208، متوفر على الموقع:

https://rsf.org/ar/news/-73

5 يومية العرب، قنوات الإخوان تنفث تحت رماد القبلية في ليبيا، العدد 11595، 23\01\2020.

6 يوهان غالتونغ وجاك لينش، التغطية الإعلامية للنزاعات التوجهات الجديدة لإعلام السلام، ترجمة: رشيد زياني، مؤسسة قرطبة وشبكة ترانساند، 2010.

باللغة الاجنبية:

1 Christine Kauser et Flaubert Djateng, Médias et journalisme dans le travail pour la paix, Berlin, 2015.

2 Galtung, J., (1969) ‘Violence, peace and peace research in Journal of Peace Research, Vol. 6., no 3.

3 Dente Ross, S., Tehranian, M., (eds.) (2009) Peace Journalism in Times of War in Peace & Policy, Vol. 13

4 Silvia De Michelis, peace journalism in theory and practice, https://www.e-ir.info/2018/12/23/peace-journalism-in-theory-and-practice/.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *