عبد اللطيف والي

كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة المسيلة –الجزائر

abdellatif.ouali@univ-msila.dz

 00213553413661

يوسف شبل

كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة المسيلة –الجزائر

Youcef.chebel@univ-msila.dz

00213671898840

ملخص:

إتفاقيات تفويض المرفق العام ذات طبيعة عقدية وفقا لتكييف القانوني لها، لذلك يجب في دراسة إبرامها التطرق إلى الأركان التي تقوم عليها والشروط العامة في العقود الإدارية، كذلك لخصوصية هذه الإتفاقية تتوفر فيها شروط خاصة تميزها عن غيرها، وعند إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام يضمن المفوض له مبادئ التي تحكم سير المرفق العام التي تتعلق بدوام وتحسين خدمة المرفق مع إحترام الإدارة المفوضة مبادئ إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام بين المتنافسين المتمثلة في المساواة بينهم وحرسة الوصول لطلبات وشفافية الإجراءات لتحقيق هدف حسن استعمال المال العام، ويتم انعقاد هذه الاتفاقيات من خلال صيغ ابرام محددة مما يجعل حرية الإدارة مقيدة في اختيار المفوض له، وقد تتمتع الادارة بحرية نسبية في صيغة التراضي البسيط عند حالة الاحتكار قد تأخذ بمبدأ الاعتبار الشخصي في المفوض له كذلك مقيدة في اختيار شكل اتفاقية تفويض يجب أن يتم الإختيار بناء على معايير محددة، كذلك تنقسم أشكال اتفاقيات تفويض المرفق العام إلى عقود التفويض المسماة، وأخرى غير مسماة.

الكلمات المفتاحية:

السلطة المفوضة، المفوض له، المرفق العام، اتفاقيات، تفويض، مبادئ.

Public utility delegation agreements as a public service management mechanism

                                                     Ouali Abdellatif Faculty of Law and Political Science, University of M’sila – Algeria
                                                    Youssef  Shebel Faculty of Law and Political Science, University of M’sila – Algeria

 

Summary:

    Agreements to delegate the public utility are contractual according to their legal adaptation. Therefore, in studying their conclusion, it is necessary to address the pillars on which they are based and the general conditions in administrative contracts, as well as the specificity of this agreement that it has special conditions that distinguish it from others. While concluding the agreements to delegate the public utility, the delegated ensure the principles governing the functioning of the public utility related to the permanence and improvement of the utility’s service while respecting the delegated administration. The principles of concluding public utility delegation agreements between competitors represented equality between them and the security of access to requests and the transparency of procedures to achieve the goal of good use of public money.  These agreements are concluded through specific formulas of concluding It makes the management’s freedom restricted in choosing the delegate. The administration may enjoy relative freedom in the form of simple consent. In the case of monopoly, it may take the principle of personal consideration of the delegate. It is also restricted in choosing the form of a delegation agreement. The choice must be based on specific criteria, and forms of agreements to delegate public utility are also divided into the named and other unnamed delegation contracts.

keywords:

Delegated authority, the delegated, public utility ((or) General facility), Agreements, Authorization, principles.

مقدمة:

يشكل المرفق العام النشاط الإيجابي للإدارة العامة، الذي يتمثل في تقديم الخدمة العمومية للجمهور، حيث كان في ظل الدولة الحارسة مقتصرا على تقديم الخدمة ذات الطبيعة الإدارية وعند بروز مفهوم الدولة المتدخلة تأثر من التحول الذي حصل في وظائف الدولة فأصبح مضمون الخدمة التي يقدمها ذات الطبيعة الإدارية والإقتصادية والإجتماعية، وذلك لمسايرة التطور الواقع على مستوى مضمون الخدمة التي يقدمها من أجل تلبية حاجيات الجمهور وإنعكس هذا التطور على طرق تسيير المرفق العام الذي يتماشى مع نوعية النظام السياسي والإقتصادي السائد في الدولة، كما نجد الجانب الإقتصادي والسيادي يؤثران في طرق إدارة المرفق العام التي تنقسم إلى طرق مباشرة تقليدية التي تتطلب هيمنة كاملة للدولة في إدارتها وطرق أخرى غير مباشرة تشترك الدولة مع القطاع العام أو الخاص في إدارته، ومن بين طرق تسيير غير مباشرة آلية تفويض المرفق العام الذي يتم إدارته بواسطة عقد إداري بين أطراف علاقة تعاقدية يتم إبرامها وفقا لقواعد إجرائية

الإشكالية:

نسعى من خلال هذه الدراسة إلى تبيان عقد إتفاقيات تفويض المرفق العام، وإجراءات إبرامه، من أجل معرفة الضمانات التي تكفل حماية الخدمة العامة والمال العام، ولهذا إرتأينا إلى طرح الإشكالية التالية:

مامدى نجاعة اتفاقيات تفويض المرفق العام في تسيير الخدمة العمومية؟

أهمية الدراسة:

دراسة موضوع تفويض المرفق العام له أهمية بالغة إنطلاقا من فكرة المرفق العام التي تمثل النشاط الإداري الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، وكذا التطور الذي يطرأ على النشاط الذي يقدمه، أما دراسة تفويض المرفق العام بوصفها عقدا إداريا في غاية الأهمية من حيث معرفته كأسلوب تسيير المرفق العام، ومن حيث آليات إبرام إتفاقيات تفويض المرفق العام والكيفيات التي تتم بين المتعاقدين، ومدى علاقتها بالظروف الإقتصادية، فكل هذه الجزئيات التي تطرح في هذا الموضوع لها أهمية تحتاج دراسة علمية عملية موضوعية متخصصة.

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى مجموعة من الأهداف التي نسعى للوصول إليها أهمها تتمثل في معرفة الطبيعة القانونية لإتفاقيات تفويض المرفق العام، وتحديد المرافق العامة الملاءمة لتقنية التفويض، ومدى تحسينها لأداء المرفق العام والخدمة العامة.

حدود الدراسة:

تتمثل دراسة دراسة هذا البحث في مفهوم اتفاقيات تفويض المرفق العام وطبيعتها القانونية، ثم الأسس التي تقوم عليها وأشكالها.

فروض الدراسة:

هل كل المرافق العامة قابلة لتفويض؟

ماهو التكييف القانوني لإتفاقيات تفويض المرفق العام؟

ماهي مبادئ ابرام اتفاقيات تفويض المرفق العام؟

ماهي أشكال إتفاقيات تفويض المرفق المرفق العام؟

الدراسات السابقة:

الدراسات السابقة في موضوع تفويض المرفق العام نجد طرق خصخصة المرافق العامة الامتياز -الشركات المختلطة -BOT- تفويض المرفق العام مروان محي الدين القطب، عقود تفويض المرفق العام أبو بكر أحمد عثمان، التفويض في إدارة واستثمار المرافق العامة وليد حيدر جابر، لم تحدد هذه الدراسات طبيعة عقد تفويض المرفق العام ومدى سريان أسس العقود الإدارية عليها، كما لم تميز بين النشاط الإداري والاقتصادية ومدى إمكانية تفويضها ثم عدم بيانها للمبادئ الواجبة في ابرام اتفاقيات تفويض المرفق العام.  

منهج الدراسة:

للإجابة عن الإشكالية المطروحة إتبعنا المنهج التحليلي، حيث قمنا بجمع المادة العلمية ومن ثم شرحها وتحليلها وتفصيل أحكامها، وصولا إلى النتائج.

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي لاتفاقيات تفويض المرفق العام

نتطرق في دراسة هذا المبحث إلى نشأة اتفاقيات تفويض المرفق العام وتعريفها التشريعي والفقهي والذي من خلاله نحدد طبيعتها القانونية ومدى سريان قواعد العقد الإداري عليها، ثم نتطرق خصائص اتفاقيات تفويض المرفق العام التي تعتبر شروطا خاصة.

المطلب الأول: مفهوم اتفاقيات تفويض المرفق العام

تنصب دراسة هذا المطلب على اللمحة التاريخية لاتفاقيات تفويض المرفق العام وتعريفا ثم إلى الأركان التي تقوم عليها وشروطها.

الفرع الأول: تعريف إتفاقيات تفويض المرفق العام

ظهر مصطلح تفويض المرفق العام لأول مرة لسنة 1982 في فرنسا عند الأستاذ أوبي في دراسة متعلقة بالمرافق العمومية المحلية، ثم من خلال التطبيق العملي للإدارة في منشور وزاري في 7 أوت 1987 الخاص بتفويض إدارة المرافق المحلية، ثم أستعمل في التسعينات من خلال القانون المتعلق بالإدارة الإقليمية، وكرسه القانون الصادر سنة 1993 المتعلق بمحاربة الرشوة والشفافية في الحياة الإقتصادية، وعرف هذا القانون تقنية التفويض في مادته الثالثة بأنه عقد يعهد من خلاله شخص معنوي عام إلى شخص آخر يدعى المفوض له سواء كان عام أم خاص تحقيق مرفق عام هو مسؤول عنه، بحيث تكون العائدات المتصلة بصورة جوهرية بنتائج الاستغلال المرفق، والمفوض له قد يكون مكلف ببناء منشآت أو باكتساب أموال لازمة للمرفق (جابر،2009؛ عثمان،2015؛ ضريفي،2010).

أما على مستوى الفقه فيعرف الأستاذ أوبي التفويض المرفق العام بأنه:

العقد الذي يعهد فيه إلى شخص آخر يسمى صاحب التفويض تنفيذ مهمة مرفق عام والقيام بالإستغلال الضروري للمرفق، ويمكن أن يتضمن إقامة منشأة عامة، وأن يتحمل صاحب التفويض مسؤولية تشغيل المرفق وإقامة علاقة مباشرة مع المستفدين الذين تؤدي إليهم الخدمات مقابل تأديتهم لتعريفات محددة، وتقيد صاحب التفويض بالمدة المحددة في العقد التي تعكس الإستثمارات التي يهدف إلى تغطيتها. (عثمان،2015،ص.75)

ومن ثم فإن اتفاقيات تفويض المرفق العام تعتبر عقود إدارية يجب مدى تحقق أسس العقود الإدارية العامة.      

إن العقود التي تبرمها الإدارة سواء كانت إدارية أم مدنية وإن كانت تخضع لنظامين مختلفين فإن الأحكام الضابطة للعقد بالمعنى الفني تكون واحد (حلمي،1977). كضرورة توافر أركان العقد وشروطه، وبما أن اتفاقيات تفويض المرفق العمومي عقدا إداريا فإنها تقوم على أركان وشروط والتي سنتناولها سنتناولها كالتالي:

الفرع الأول: أركان اتفاقيات تفويض المرفق العام

أولا: التراضي

يعتبر الرضا الركن الأول في العقد الإداري وعرفه الطماوي (2012) “تلاقي الإيجاب والقبول من السلطة المفوضة والمفوض له فهذا يعتبر جوهر الرابطة التعاقدية” (ص.319).

فالرضا يكون بوجود إرادتين متوافقتين، حيث يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما – الإيجاب والقبول- مع مراعاة ما يقرره القانون من أوضاع معينة يجب إتباعها. الرضا بالنسبة للإدارة كطرف في العقد يجب أن يكون صادرا من الجهة المختصة بالتعاقد أي المسؤولة عن المرفق العام، وفقا للنظم المقررة من حيث الاختصاص، والشكل، بموجب إتفاقية تفويض،إضافة إلى ذلك لا يكفي وجود الرضا من جانب ممثل الإدارة فحسب بل يقتضي أن يكون هذا الرضا سليما خاليا من عيوب الرضا كالغلط والتدليس والإكراه والغبن، والقضاء الإداري يسلك مسلك القضاء المدني في إبطال العقود الإدارية التي يشوبها عيب من العيوب، ففي العقود الإدارية تغلب الشكلية في التعبير عن الرضا بواسطة الكتابة، وصدور قرار إداري من الجهة المختصة بالتفويض، حيث يشترط أن يكون الرضا صادرا من الجهة المفوضة  التي يؤول إليها  تفويض المرفق العمومي أي صاحبة الاختصاص،ولما كانت الإدارة طرفاً في العقد الإداري، لم يعد البحث عن إرادة ممثل الإدارة أمرا مهما لأن إجراءات إبرام العقد الإداري كفيلة للتأكد من وجود الإرادة ومن التعبير عنها أو من سلامتها من العيوب (الجبوري،2010؛حلمي،1977؛ الطماوي،2012).

ثانيا: المحل

يعرف المحل على أنه: الغاية أو العملية القانونية المرجو تحقيقها من هذا العقد، ويأتي ذلك من حيث إعطاء الحقوق وفرض الالتزامات متقابلة للمتعاقدين (حلمي،1977).

فيلزم في المحل توافر شروط معينة، وهذه الشروط هي: أن يكون المحل ممكنا غير مستحيلا، أن يكون معينا أو قابلا لتعيين، وأن يكون مشروعا أي غير مخالف للنظام العام والآداب العامة (قدادة،2005).

فيعتبر الشرط الأساسي في ذلك أن يكون موجوداً أو قابلاً للتحقيق والتعامل به. ولا يكون المحل غير ممكنا في اتفاقية تفويض المرفق العام في الشهر الأخير من السنة المالية بقصد استنفاذ اعتمادات الميزانية حيث حظر القانون التعاقد (الجبوري،2010).

ثالثا: السبب                        

عرف الجبوري(2010) السبب بأنه “الغاية المباشرة التي يقصد إليها الملتزم من التزامه الإرادي” (ص.109).

حيث يشترط لوجوده أن يكون موجودا وأن يكون صحيحا وأن يكون مشروعا، وهي نفس الشروط التي اشترطت في المحل (الجبوري،2010). ويمكن القول أن السبب ركن جوهري وأساسي في العقد وأنه محكوم في المقام الأول بالقواعد المدنية هو الأخر مع مراعاة ما يتعلق بطبيعة العلاقات الإدارية.            

الفرع الثاني: شروط إتفاقيات تفويض المرافق العمومية

          يتطلب في إتفاقيات تفويض المرافق العمومية توفر جملة من الشروط التي تسري على كل العقود الإدرية والتي تتمثل فيما يلي:

أولا: وجود مرفق عمومي

يعتبر وجود المرفق العمومي حجر الأساس المشكل لموضوع عقد تفويض، الذي يقصد به كل مشروع تنشؤه الدولة أو تشرف على إدارته لتزويد الجمهور بالحاجات العامة التي يتطلبها لا بقصد الربح، بل صيانة النظام، وخدمة المصالح العامة في الدولة لكن لم تعد المصالح العامة محصورة في نظامها التقليدي الإداري، بل حصل تطور في الحاجات العامة للأفراد في طريق الرقي اقتضى إنشاء مرافق مختلفة النظام والأغراض لتحقيق حاجات مختلفة اقتصادية وثقافية، مما أدى إلى وجود معايير تصنيف المرافق العامة،وإنعكس هذا التطور على الفقه والقضاء، الذي أصبح يعترفا بالمرافق الصناعية التي تعمل لتحقيق الربح، ولكن في الحقيقة تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، وما الربح إلا أثرا من الأعمال الصناعية والتجارية (الطماوي،2012؛القطب،2009).

تبرم الإدارة العقود الإدارية من الأموال العامة، نفس الشيء ينطبق على إتفاقيات تفويض المرفق العام التي تبرم من الأموال العامة. حتى تستطيع السلطة المفوضة بالسماح للأفراد بالإنتفاع بجزء من المال العام، الذي قد يكون عن طريق عقد تفويض المرفق العام، لكن لا تكون مخيرة وإنما يحكمها القانون الذي ينظم تصرفاتها ويحدد طريقة تدخلها، وفي حال لم يشكل موضوع عقد التفويض مرفق عام، فإننا لا نكون أمام إتفاقية تفويض المرفق العام (الحلو،2009؛القطب،2009).

ثانيا: وجود شخص معنوي عام

يعتبر هذا الشرط شرطا بديهيا لأن أحد طرفي العقد الإداري يكون شخصا من الأشخاص المعنوية العامة، لذلك يشترط في العقد الإداري، مراعاة للمعيار العضوي، أن يكون أحد طرفي العقد، إما الدولة أو الهيئة العمومية الوطنية المستقلة، أو الولاية، أو البلدية، أو المؤسسة العامة التي لها فقط صلاحية منح تفويض المرافق. التي تعود لها مسؤولية إدارته وتنظيمه. كون تفويض عقدا إداريا يعتبر جزء من وظيفتها التنفيذية (بعلي،2005؛ جابر،2009؛ الجبوري،2010).

ثالثا: وجود الشروط غير المألوفة

يحمل عقد تفويض المرافق العمومية في طياته شروطا استثنائية غير مألوفة، التي لا توجد في عقود القانون الخاص، بما يضفي له خصوصية الصفة الإدارية للعقد، بما يؤكد وجود شروط تختلف بطبيعتها عن تلك التي يحتويها عقد من عقود القانون الخاص، التي تجعل من عقد التفويض عقدا إداريا. بالتالي يحكمه وينظمه القانون العام ويخضع للقضاء الإداري الذي يندرج ضمن اختصاصه، إلا ما إستثناه القانون. 

المطلب الثاني: خصائص اتفاقيات تفويض المرفق العام

تنصب دراسة هذا المطلب على الخصائص التي تميز اتفاقيات تفويض المرفق العام والتي تتمثل في ثلاثة خصائص أساسية كالتالي:

الفرع الأول: قابلية المرفق العام لتفويض وارتباط نتائج الاستغلال بالمقابل المالي

أولا: أن يكون المرفق العام قابلا للتفويض

جميع المرافق العامة باختلاف أنواعها قابلة للتفويض من حيث مبدأ جواز تطبيق تقنية التفويض. لكن المرافق العامة حسب طبيعة نشاطها تكون مرافق إدارية أو مرافق اقتصادية حيث يتوقف التفويض على طبيعتها، أو على عدم قابليتها للتفويض بناء على منع وفقا للنصوص القانونية، أو يكون موضوع اجتهاد قضائي. رغم أن كلا من التشريع والاجتهاد أجاز تطبيق تقنية تفويض على كافة المرافق بغض النظر على طبيعتها إلا أن هذا التطبيق يبقى نسبيا، وتبقى المرافق العامة ذات الطابع الاستثماري الاقتصادي الميدان الأمثل لتقنية التفويض دون أن نستبعد المرافق العامة الإدارية على الإطلاق (جابر،2009؛زمال،2018؛عثمان،2015).    

إن فكرة قابلية المرفق العام للتفويض يشوبها الغموض، كونها ارتكزت على تحويل بعض المهام غير السيادية التابعة للسلطات العمومية، دون تحديد لهذه المهام سواء كانت سيادية أو غير سيادية، هذا من جانب ومن جانب أخر لم يتم تحديد المرافق السيادية، وهذا ما تم ملاحظته، حيث تشكل المرافق الصناعية والتجارية الأكثر سهولة للتفويض وتشجع الخواص لتسييرها بسبب الربح الذي تحققه، عكس المرافق العامة الإدارية التي تطرح إشكالات بالنظر لخصوصيتها وفي الأخير لا توجد قائمة محددة في أي دولة بالمرافق العامة القابلة للتفويض، وغير قابلة للتفويض (ضريفي،2010).

مما دفع الفقه والاجتهاد القضائي إلى إعطاء بعض الضوابط للمرافق العامة القابلة للتفويض التي من بينها:

  • لا يجوز تفويض إدارة وإستغلال المرافق العامة الدستورية، نظرا لارتباطها بسيادة الدولة وجوهر وظائفها،
  • إجازة تفويض بعض الأنشطة الملحقة بالمرافق العامة الدستورية، دون تفويض إدارة المرفق برمته،
  • لا يجوز تفويض بعض المهام الأساسية المناطة بالأشخاص العامة،
  • لا يجوز تفويض الأنشطة المتعلقة بامتيازات السلطة العامة،
  • لا يجوز تفويض إدارة المرافق العامة، التي تحتكر إدارتها واستغلالها الدولة أو أحد أشخاص القانون العام،
  • لا يجوز أن يكون موضوع عقد تفويض المرفق العام تحصيل جباية الإيرادات العامة (القطب،2009).

بناء على هذه الضوابط تتحدد المرافق العامة التي تصنف إلى نوعين : المرافق عامة الدستورية والمرافق العامة ذات الأهمية للدولة.

أ- المرافق العامة الدستورية

برز مفهوم المرافق العامة الدستورية بشكله الإصطلاحي من خلال قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 207 لسنة 1986 الذي عدّ هذه المرافق التي تستمد ضرورة وجودها وقيمتها من المبادئ والقواعد الدستورية حيث وصف هذه المرافق بعبارات التي تجد أساسها في الأحكام ذات الطبيعة الدستورية أو المرافق العامة التي يتطلب الدستور وجودها وتشغيلها (هرموش،2013). وتنقسم هذه المرافق العامة إلى نوعين :

1- المرافق العامة الدستورية المرتبطة بسيادة الدولة

 تتعلق بالمرافق العامة التي تقوم بوظائف مرتبطة بسيادة الدولة لا يمكن أن تكون محلا للتفويض حتى ولو يرد التفويض على الإدارة فقط، لأنه يتعلق بجوهر السلطة العامة، ويأتي في مقدمة المرافق الدستورية مرفق الدفاع الذي يتولى وظيفة سيادية للدولة، حيث تحرص على إنشاء القوات المسلحة. أما بالنسبة لمرفق الشرطة فيعد من أهم المرافق العامة الدستورية السيادية، لأنه يتضمن عمليات السلطة العامة، وينطوي على عنصرين الأمر والإخضاع المطلقين فهو يرتبط مباشرة بسيادة الدولة، ولا يمكن القيام بمهامه إلا بجانبها. فلا يمكن لمرفق الشرطة أن يعهد به إلى شخص خاص، ولا يمكن للجماعات العامة التخلي عن مسؤولياتها في هذا المجال كقاعدة عامة في جعل مهام الشرطة مادة للتعاقد، إلا أننا نجد اتجاها حديثا ظهر في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية التي لها الأسبقية في ذلك، بأن تعهد للقطاع الخاص القيام ببعض المهام التي يتولها مرفق الشرطة من خلال شركات خاصة (جابر،2009؛ هرموش2013؛ عثمان،2015).

إن المهام الممنوحة للشركات الأمنية الخاصة تندرج ضمن أعمال الشرطة الاقتصادية في الأصل، والتي تنحصر في الحراسة ونقل الأموال والمواد الحساسة، ولا تتعلق مطلقا بأعمال الشرطة العامة، كالضبط الإداري والضبط القضائي، حيث كرس المجلس الدستوري الفرنسي مبدأ الطبيعة الدستورية لمرفق الشرطة، وعدم خصخصته في قراره الصادر في عام 2011 الذي عدّ القانون الذي سمح للقطاع الخاص القيام بعمليات المراقبة الإلكترونية و الرصد الفوري للمباني والطرق العامة، ثم عرض الصور عن الجهات العامة، هو قانون مخالف للدستور لأنه يخوّل للقطاع الخاص ممارسة مهام ذات صلة بسيادة الدولة، في حين تجاهل للمتطلبات المتصلة بالحماية الدستورية للحرية الفردية والخصوصية (بياروجورج،2008؛هرموش،2013).

2- المرافق العامة الدستورية غير السيادية

يتمثل هذا النوع في المرافق العامة التي تلبي إشباع حاجات الإجتماعية والثقافية المكفولة دستوريا للموطنين، ويطلق عليها ذات أهمية ثانية، وتتمثل هذه المرافق في التعليم والصحة والثقافة، التي تعترف بالقطاع الخاص إلى جانب القطاع العام في إدارتها وإستغلالها (عثمان،2015). لكن منحت معظم التشريعات تفويض مرفق التعليم والصحة واختلفت فقط في نوع صورة التفويض هناك دول منحت التفويض بالتفويض الانفرادي وهناك من منحت التفويض بالتعاقد.

ب- المرافق العامة ذات الأهمية للدولة

تلك المرافق العامة التي يحظر تفويض إدارتها وإستغلالها لكونها تشكل احتكار للدولة ويكون هذا الإحتكار، إما فعليا أو قانونيا: 

1- المرافق العامة التي تشكل احتكارا فعليا للدولة

وفقا لأحكام مجلس الدولة الفرنسي، نجد أن إحتكار الدولة فعليا، ذلك  بإنفرادها بإنتاج السلع أو أداء الخدمات، مع إستئثارها بعناصر السوق وإنتفاء المنافسة، ويذهب بعض الفقه إلى أن تمتع الدولة بالإحتكار الفعلي لبعض المرافق أمرا نظريا، لأن معايير الإحتكار الفعلي غير محددة وليست موضوعية (عثمان،2015).

2- المرافق العامة التي تشكل إحتكارا قانونيا

المنع يجد مصدره في النصوص القانونية وليس التنظيمية، ولا يقتصر فقط وجود نص يحظر صراحة التفويض في إدارة المرافق العامة، وإنما يمتد ليشمل حالة تكون فيها الجماعة العامة قد منحت بقانون مهمة تحقيق المرفق العام (جابر،2009).

ج- المرافق العامة المرتبطة بالاستغلال السياسي والاقتصادي للدولة

توجد بعض المرافق العامة تتعلق بالأمن والإستقلال السياسي والإقتصادي للدولة التي قد تؤدي إلى مشاركة القطاع الخاص بالمساس بأمنها وإستغلالها السياسي والاقتصادي، وغالبا ما تتعلق هذه المرافق بالموارد الطبيعية للدولة أو ببعض المشاريع الاستراتيجية (عثمان،2015).

ثانيا: استغلال المرفق والارتباط بين المقابل المالي ونتائج الاستغلال

تستدعي تقنية تفويض المرفق العام، الى توضيح عناصر الاستغلال التي يقوم عليها الى جانب ذلك تحديد الارتباط بين المقابل المالي ونتائج الاستغلال:

أ – إستغلال المرفق العام

يجب لقيام تفويض مرفق عام أن يكون موضوع العقد استغلال مرفق عام، بحيث يقوم المفوض له بتشغيل المرفق العام وإستغلاله متحملا المخاطر المترتبة عليه، كما يقع على عاتقه القيام بجميع الأعمال الضرورية لتنفيذ المرفق العام كذلك يقوم بتأمين حسن تشغيل وإستغلال المرفق العام، أما إذا إقتصر دور المفوض له على إدارة المرفق العام دون تحمل مخاطر تشغيله وإدارته كليا أو جزئيا، لا نكون بصدد عقد تفويض عام.

ب- إرتباط المقابل المالي بنتائج الإستغلال

يعتبر إرتباط المقابل المالي بنتائج الإستغلال معيارا مميزا لإتفاقيات تفويض المرفق العام ويجب أن يعكس تحمل صاحب التفويض لمخاطر الإستغلال، التي تنتج عن إدارته للمرفق وتشغيله على نفقته ومسؤوليته، ولا يجب أن يكون  مصدر المقابل المالي هو المستفيدين،  وإنما يحدد بناءا على نتائج إقتصادية لإستغلال المرفق، لأن فكرة نتائج الإستغلال عملية واسعة ويمكن أن تتحقق بأنواع متعددة من القابل المالي بشرط أن تكون جميعها متصلة بالنتائج المالية والإقتصادية  للإستغلال، وذلك كالتالي:

-دفع الجهة الإدارية المتعاقدة المقابل بشرط أن لا يكون الثمن محددا، وإنما يحدد على وقف نتائج الإستغلال.

-قد يأتي المقابل في حالة إستغلال المتعاقد للمرفق مقابل حقه في الحصول على العائدات التي تأتي من الإعلانات المترتبة عن إستغلال هذا المرفق، دون الحصول عليه من المنتفعين أو الإدارة.

-قد يكون مصدر المقابل المالي للمتعاقد بعضه يرتبط بنتائج الإستغلال والبعض الآخر في صورة ثمن يحصل عليه من الإدارة أومن مصادر أخرى.

-قد يكون المقابل المالي تكميلي كحصول المتعاقد على إعلانات من الإدارة في حالة الخسارة نتيجة الإستغلال أو ضمانات لإفتراض أو ضمان حد أدنى من الحصيلة.

          حسب مجلس الدولة الفرنسية، يجب أن يبلغ المقابل المالي الذي يرتبط بنتائج الإستغلال نسبة معينة، لكن قد لا يحدد نوع معين للمقابل المالي الذي يدفعه مستعملوا المرفق العام عند الاقتضاء، لأن المقابل المالي خاضع لتفاوض أثناء الإبرام وعند التنفيذ، قد ينعكس سلبا على إستمرارية المرفق العام، أو يسبب ضررا للمفوض له.

الفرع الثاني: وجود علاقة تعاقدية في اتفاقيات تفويض المرفق العام

أولا: أطراف العلاقة التعاقدية

    تقتضي هذه العلاقة التعاقدية وجود شخص معنوي عام الطرف الأول، وإلى المفوض له الطرف الثاني الذي قد يكون شخص معنوي عام أو خاص حسب الآتي:

أ- السلطة المفوضة

1- الدولة

تشمل الدولة جميع الأنشطة التي تتوافق مع وظائفها الأساسية ولها السلطة على جميع إقليم الجمهورية وبالتالي يمكن أن تقوم بتفويض المؤسسات الوطنية أو المرافق ذات الطابع الوطني باستثناء المرافق السيادية والدستورية أو المرافق غير القابلة للتفويض، والمرافق التي تفوضها الدولة تعرف بالمرافق الوطنية تشمل نشاط الدولة بكامله بحيث يستفيد أكبر عدد ممكن من الأفراد ولهذا فأغلب الأحيان نجد الدولة هي من تتولى إدارتها من أجل تحقيق أكبر استفادة من خدماتها وعلى أكمل وجه (بلكور،2010).

2- الجماعات الإقليمية:

تلجأ الجماعات المحلية إلى تفويض المرفق العام المحلي، سواء تعلق الأمر بالمرفق البلدي أو الولائي إذا إستدعت الضرورة تحقيق المصلحة العامة، لكن الجماعات المحلية قد تمنح تسيير وإستغلال المرفق العام لأشخاص القانون العام أو الخاص (بلكور،2010).

3- المؤسسة العمومية ذات طابع إداري:

تفوض المؤسسات العمومية ذات طابع إداري التي تنشئها الجماعات الإقليمية المنصوص عليها بموجب قوانينها الخاصة، و يقصد بالمؤسسة العمومية ذات الطابع الاداري: “هــي شخص إعتباري إداري من النموذج التأسيسي، الهدف من إحداثها تأمين التسيير المستقل المرفق الدولة، أو الولاية أو البلدية لشخص عام آخر من النموذج التجمعي”.  فهي تخضع لكافة القواعد المطبقة على الدولة والجماعات المحلية (بلكور،2010).

ب- المفوض لـه

يفوض تسيير المرفق العام وإستغلاله إلى الطرف الآخر يسمى المفوض له المتمثل في الأشخاص الإعتبارية العامة والخاصة، وفقا لعلاقة تعاقدية.

ثانيا: علاقة تعاقدية مكتوبة محددة المدة

                   يتطلب عقد التفويض عنصريين: الأول تدوينه، والثاني تحديد مدته الزمنية وهو حسب الآتي:

أ- كتابة الإتفاقية

 الكتابة ليست ركنا من أركان العقد، و إنما هي مجرد وسيلة لإنعقاده، فالعقد الإداري لا يشترط أن يكون مكتوبا إلا إذا إشترط القانون ذلك (الشافعي،د.ت.)

فالكتابة في إتفاقيات تفويض المرفق العام شرطا يتعلق بصحة العقد وليس بطبيعته، ولا تعد ركنا في التعاقد، إذا كان الأصل في العقود الإدارية أن تكون مكتوبة، ولا يوجد تنظيم قانوني يتخذ شكل الكتابي، وقد تكون عقود عرفية، وقد تكون بوسائل الكترونية، غير أنه في كل الأحوال تبرم الإدارة عقودها طبقا لنماذج عامة موحدة ومعدة سلفا من الإدارة، عن طريق إدراج بعض الشروط التي تفرضها دفاتر الشروط، ويتخذ دفاتر الشروط الشكل العام للعقود الإدارية (عبد الرزاق،2013).

ب- مدة العلاقة التعاقدية

يجب أن تتضمن إتفاقيات تفويض المرفق العام مدة العقد، وتتحدد من خلال عدة تواريخ كتاريخ التوقيع على العقد، تاريخ بدء تقديم الخدمة، تاريخ آخر يوم لتقديم الخدمة الذي يجوز للجهة الإدارية المتعاقدة إنهاء العقد بعد انجازه لتقديم الخدمة، وتاريخ انتهاء العقد نهاية طبيعية طبقا للمدة المحددة عند توقيع العقد، فمدة الإتفاقية مقيدة بنص قانوني، عكس القانون الفرنسي التي جعلها مرتبطة بالحرية التعاقدية للأطراف المتعاقدة، وبالنسبة لطريقة تمديد إتفاقيات تفويض المرفق العام تكون صريحة، لأن العقد نفسه لا يمكن أن يتم بصورة يتخطى فيها المدة العادية لإستهلاك المنشآت الموجودة والمطلوبة في المشروع، وأكد مجلس الدولة الفرنسي على ضرورة تحديد مدة إتفاقيات تفويض المرفق العام ويؤدي عدم تحديد مدة العقد إلى بطلان العقد برمته (عثمان،2015؛عبدالله،2016).                             

المبحث الثاني: القيود الواردة في إتفاقيات تفويض المرفق العام

يجب على أطراف العلاقة التعاقدية في اتفاقيات تفويض المرفق العام ضمان إبرام هذه الاتفاقيات وفق مبادئ معينة، وتتمثل في ضمان السلطة الإدارية في الأخذ بإجراءات الإبرام بالتطبيق الصارم للمبادئ المتعلقة بالإبرام والمعايير التي من خلالها تحدد الشكل المناسب لاتفاقية تفويض المرفق العام، كذلك للمفوض له ضمانه لتطبيق الصحيح لمبادئ لمرافق العامة.

المطلب الأول: المبادئ الواجبة في اتفاقيات تفويض المرفق العام

تنقسم المبادئ التي تحكم اتفاقيات تفويض المرفق العام إلى مبادئ تتعلق بالمرفق المفوض ومبادئ تحكم عقد تفويض المرفق العام.

الفرع الأول: المبادئ المتعلقة بالمرفق العام

صنفت المبادئ التي يخضع اليها المرفق العام إلى مبادئ كلاسيكية، وأخرى حديثة.

أولا: المبادئ الكلاسيكية

تتمثل المبادئ الكلاسيكية في مبدأ الاستمرارية، مبدأ المساواة، مبدأ التكيف، حيث تطبق على كل المرافق، كما تعرف بقوانين رولاند نسبة إلى الفقيه الذي صاغها، إضافة إلى مبدأ عدم الحجز على اموال المرفق العام، كما يلي:

أ- مبدأ استمرارية المرفق العام

يتولى المرفق العام القيام بخدمة أساسية للمواطنين، ويؤمن حاجات عمومية جوهرية في حياتهم ولهذا يجب أن يكون عمله منتظما ومستمرا، دون انقطاع أو توقف، ومن اليسير أن يتصور الإنسان مدى الإرتباك الذي ينجم عن تعطل مرفق ولو لمدة قصيرة. لذلك مبدأ إستمرارية المرفق العام بانتظام وإطراد، أحد المبادئ الجوهرية في القانون العام وفي النظام القانوني لكل المرافق العامة أيا كان نوعها أو نشاطها (لباد،2004؛عبد الوهاب،2012).

ويترتب من خلال تطبيقاته المختلفة الضمانات التالية:

1- الضمـانات التشريعية

نظرا للخدمة التي يقدمها المرفق واستمراريتها كفلها المشرع من خلال إقراره لها المؤسس الدستوري وتنظيمها لها في إطار القوانين.

1-1- تنظيم ممارسة حق الإضراب

الإضراب توقيف إداري جماعي عن العمل لمدة محددة أو غير محددة بغرض تحقيق مطالب مهنية معينة أو اجتماعية، حيث تتمثل خطورة الإضراب في تعطيل سير المرفق العام رغم أهمية الخدمة بالنسبة للمواطنين، بما يقدمه لهم من خدمة ضرورية وأساسية، وتزيد أهميتها عندما تكون الخدمة محتكرة من طرف المرفق العام يعجز الأفراد الحصول عليها (بوضياف،2007؛الحلو،1996). ولخطورة هذه الضمانة إعترف المؤسس الدستوري بممارسة حق الإضراب.

1-2- تنظيم ممارسة حق الإستقالة

الإستقالة هي إنهاء خدمة الموظف أو العامل بناءا على رغبته، يمكن أن تؤثر في سير المرفق العام، خاصة إذا حدثت في وقت غير مناسب، لذلك وجب تنظيمها على نحو يوفق بين الحفاظ على مبدأ الاستمرارية للمرفق العام، وحق الموظف أو العامل في ترك الخدمة (الحلو،1996).

2- الضمانات القضائية

سـاهم القضاء الإداري الفرنسي في إظهار النظريات التي تخدم مبدأ حسن سير المرفق بإنتظام وإطراد، حيث تتمثل هذه الضمانات في نظرية الظروف الطارئة، ونظرية الموظف الفعلي.

2-1- نظـــرية الظروف الطارئة

أقر مجلس الدولة مبدأ جديد استمده من دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد، مفاده اذا وجدت ظروف لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، وكان من شأنها زيادة الأعباء المالية الملقاة على عاتق الملتزم إلى حد الإخلال بتوازن العقد إخلال جسيما، فللملتزم الحق في أن يطلب من الإدارة ولو مؤقتا المساهمة في الخسائر (بوضياف،2007).

2 -2- نظرية الموظف الفعلي

الموظف الفعلي يمارس اختصاص إداريا معينا رغم عدم وجود قرار تعيينه، لا يزال ساري المفعول في الوظيفة التي مارس إختصاصاتها، هذه نظرية طبق أحكامها مجلس الدولة الفرنسي حفاظا على إستمرارية المرفق العام بإنتظام وإطراد، وذلك في ظروف الإستثنائية والعادية على سواء (الحلو،1996).

ب- مبدأ المساواة أمـام المرفق العـام

يجب على المرفق تقديم خدماته لجميع أفراد المجتمع دون تمييز، أي أنه متى توافرت لدى الأفراد المنتفعين بالمرفق العام الشروط التي يحددها قانون المنشئ للمرفق وجبت التسوية بينهم في المعاملة تحقيقا لمبدأ المساواة بين الأفراد أمـــــــام القانون (الجرف،1970).

و يطبق مبدأ المساواة سواء كان أسلوب إدارة المرفق العام مباشر أو عن طريق عقد الإمتياز المرفق العام، فلملتزم بإدارة المرفق العام مقيد بإحترام مبدأ المساواة في معاملة المواطنين المتقدمين لإنتفاع أو المنتفعين فعلا، ولا يحق له أن يميز بينهم في نوع الخدمة المقدمة أو في مقابل الانتفاع(عبد الوهاب،2012).

لا يتنافى مع قاعدة المساواة أن توضع شروط عامة لا بد من توافرها في كل من يريد الانتفاع، كتحديد رسم معين على من يريد الإقتضاء الخدمة، يبقى إستعمال المرفق حسب مبدأ المساواة نسبيا وليس مطلقا، فقد يستعمل بصورة نسبية بسبب الإختلاف في ظروف المكان أو أنواع الخدمة أو الغرض الذي تخصص له المنفعة قد تطرأ عليه جملة من الإستثناءات (الجرف،1970).

دفع الرسم محدد يتطلب تطرق إلى مبدأ المجانية بما أن إتفاقيات تفويض المرفق العام تبرم بالأموال العامة التي يقتضي استعمالها مجانا فلا يدفع المواطن أي إتاوات أو رسوم مقابل الإنتفاع، إلا أن هذا المبدأ تراجع مع بداية تغير نظرة الوظيفة للأموال العامة، بعد أن كانت مقتصرة على وظيفة إجتماعية، إتجه الفقه الحديث إلى إمكانية الحصول على مردود مالي من الإنتفاع بالأموال العامة، ويجب أن يكون هذا المردود في شكل إتاوات ورسوم معقولة، لكن هذه الرسوم لا تحصل بقصد تحقيق الربح ولا لتغطي نفقات المرفق العام، ولكنها تشارك في تخفيف العبئ على الميزانية، التي يتحملها في النهاية الممولون عن طريق الضرائب، وغالبا تفرض تطبيقا للسياسة العامة التي تنتهجها الدولة في توزيع الأعباء العامــــة. ويتضمن مبدأ المساواة في مضمونه مبدأ حياد المرفق العام، لكن اختلف الفقه في إدراجه في مبدأ المساواة وإنفصاله، لكن الرأي الراجح أنه كنتيجة لمبدأ المساواة ويقصد بحياد المرفق العام أن يراعي في أداء مهامه وتسييره مقتضيات تحقيق المصلحة العامة، حيث يجب على مسير المرفق أن لا يستعمله لدعم مصالح معينة على حساب مصالح أخرى (بعلي،2004؛الجرف،1970؛ لباد،2004).

ج- عدم الحجز على أموال المرفق العام

الأصل في هذا المبدأ أن تكون الأموال مملوكة لصاحب الإمتياز وعند نهاية العقد ترجع إلى الإدارة المفوضة، لكن في اتفاقيات تفويض المرفق العام لا يملك المفوض له أموال المرفق المفوض حتى يلزم في نهاية العقد بإرجاع الأموال لأنه عقد التفويض يتعلق بالتسيير، لهذا لا يجوز للمفوض له أن يحجز على مال المرفق المفوض له

د- مبدأ تكيف المرفق العام

يقصد بمبدأ قابلية تكيف المرفق العام بما يتفق و يحقق المصلحة العامة على أفضل وجه أي أن كل التغيرات سواء كانت ذات طبيعة قانونية أو اقتصادية أو تقنية التي تطرأ وتمس المرفق العام، تفرض على السلطة الإدارية أن تكيف نشاطها معها(جابر،2009؛لباد،2004).

ثانيا: المبادئ الحديثة المتعلقة بالمرفق العام

التحول الذي حصل في مضمون المرفق العام ثم التطور الذي لحق الخدمة التي يقدمها أدى إنبثاق هذه المبادئ:  

أ- مبدأ الشفافية

قال جابر (2009) عرف الأستاذ Michel Bazex الشفافية هي “وسيلة لمراقبة الخدمات المؤداة بواسطة المرفق العام، بغية التأكد من المصالح الإقتصادية للمنتفعين أو المستهلكين قد روعيت فعلا من قبل الشخص المكلف بتحقيق المرفق العام” (ص.91).

إن احترام مبدأ الشفافية في تسيير المرفق العام وتقديم الخدمات، وهو قيد على مسير المرفق العام ويضمن إحترام المبادئ الكلاسيكية، فهذا المبدأ الهدف منه ضمان المصلحة العامة وشفافية المرفق العام تقود إلى إعادة الإعتبار لهذا المرفق عبر إنفتاحه على محيطه (ضريفي،2012).

ب- مبدأ النوعية والجودة

يتمثل مفهوم النوعية في حق المنتفع في الحصول على خدمة أفضل نوعية وبأحسن أسعار، أما تطبيقه فيتم إما وفقا لنص قانوني أو تعاقدي، ونوعية الخدمة تتعلق بالوسيلة وليس بموجب النتيجة الذي يقع على عاتق المستثمر، أما تطبيقاته تتغلب في المرافق الاقتصادية أكثر من تطبيقه في المرافق الإدارية،أما الجودة تشكل تجسيد للرغبة في تحديث المرفق العام، حيث تخلت السلطات العمومية على المنطق الكمي والإستجابة للنوعية، فالمواطن أصبح يطالب بالخدمة مع ضمان الجودة، فتغيرت نظرة المرتفق من النظرة له كهبة أو منحة من الدولة إلى نظرة كحق ينتزعه بشروط (جابر،2009؛ضريفي،2012).

ج- مبدأ الفعالية

يرتكز المرفق العام على مقومات إجتماعية وإقتصادية، يعبر عنها بفعاليتها التي يرتبط بها نجاح النشاط المرفقي (ضريفي،2012).

وتنقسم إلى الفعالية الإقتصادية التي تحقق ربح من وراء تسيير المرفق العام، والفعالية الاجتماعية تحقق المصلحة العامة التي يرجوها المرفق العام هي الضمانة المؤمنة لكل شخص في الإستفادة من المرفق العام وفقا للقواعد التي تحكم سيره، والفعالية أمثل قيد على مسير المرفق العام تستهدف تأمين للخدمة بأفضل الوسائل والشروط (جابر،2009).

د – مبدأ الخضـوع لقواعد الإستهلاك

عمل الإجتهاد القضائي على أهمية تطبيق قواعد الإستهلاك المتمثلة بعدم منع أي شخص في الإنتفاع من خدمات المرفق إلا بسبب مشروع، وبعدم جواز إخضاع الإنتفاع من خدمة بوجوب الإستحصال المرفق على خدمات أخرى، وعدم جواز ربط تأدية الخدمة بشروط معينة، في الغالب قواعد الإستهلاك تطبق على المرافق الإقتصادية، أما المرافق الإدارية تبقى محصورة بالمرافق   التي ليس لها الطابع السيادي أو المجاني (جابر،2009).

ه – مبدأ السرعة

المقصود بهذا المبدأ هو تقديم الخدمة من المرفق العام في أقل وقت، وهي من أولويات النشاط الخاص الذي أدخل كمبدأ في المرفق العام لضمان تأدية الخدمة في وقتها لمستخدميها خاصة عندما انتشرت ظاهرة التأخر كلما ارتبطت الخدمة بالمرفق العام عكس ما عليه في القطاع الخاص (ضريفي،2012).

و – مبدأ الخدمة الشمولية

 ويقصد به ثمن خدمات المرفق العام في المتناول بهدف إلتحاق الكل بالمرفق العام بغض النظر عن الحالة الإجتماعية والمالية للفرد، فإن الخدمة الشمولية تعد وسيلة لحماية المصلحة العامة وهذه غاية المرفق العام الأساسية.

ز- مبدأ حماية البيئة

ويعد مبدأ حماية البيئة من الأولويات التي تقع على المتعاملين الإقتصاديين في مجال عقود تفويض المرفق العام، إذ يعد بند إحترام البيئة من البنود المهمة التي يتم إدراجها في دفتر الشروط (فوناس،2018).

الفرع الثاني: مبادئ إبرام إتفاقيات تفويض المرفق

 أولا: مبدأ حرية الوصول للطلبات العمومية 

أن بإمكان أي شخص تتوفر فيه الشروط المعلن عنها في إجراءات التنافس من أجل الإستفادة من تنفيذ اتفاقية تفويض، ينبغي أن يتم الإعلام بإجراءات اتفاقية التفويض عن طريق وسائل الإشهار المناسبة، حتى يكفل حق المشاركة للجميع، بل يجوز للإدارة المتعاقدة أن تفرض ما تراه مناسبا وصالحا، لأن المشاركة مرتبطة أساسا بالشروط المعلن عنها والواردة في الإعلان وتفصيلا في دفتر الشروط، ويترتب على هذا المبدأ تقديم أكثر من طلب منافسة للتولي تقييم كل طلب منافسة (بوضياف،2017أ؛خرشي،2018).

     فيقع على عاتق السلطة المفوضة عند احترامها لمبدأ المنافسة الشريفة مراعاة القواعد التالية:

– علانية المعلومة المتعلقة بإجراءات إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام.

 – الإعداد المسبق لشروط المشاركة والإنتقاء.

– إدراج التصريح بالنزاهة عند إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام.

– معايير موضوعية ودقيقة لإتخاذ القرارات المتعلقة بإبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام.

– ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم إحترام قواعد إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام.

ثانيا: مبدأ المساواة في معاملة المترشحين

الذي يقضي بأن لا تنطوي معايير إختيار العروض على طابع تمييزي فهو يعد ضمانة للمنافسة الحرة، في اتفاقيات تفويض المرفق العام ، وإتفاقيات تفويض المرفق العام.

إذ يعد الإلتزام للسلطة المفوضة بعدم القيام بأي فعل من شأنه التمييز بين المتعهدين الذين أودعوا تعهداتهم بمناسبة طلب العروض الذي تم طرحه، حيث لا يجوز للإدارة المتعاهدة أن تضع دفتر شروط يتناسب على مقاس مترشح واحد بهدف توجيه الاتفاقية إليه، أو تقبل عرضا وتستبعد آخر خارج القواعد، المعلن عنها حيث يشكل إخلال بمبدأ المساواة. ويحق لكل مترشح ممارسة الطعن عند الإخلال بمبدأ المساواة وعدم إحترام قواعد إبرام اتفاقيات تفويض المرفق العام، لكن في العادة لا يعمل مبدأ المساواة في اتفاقيات تفويض المرفق العام بصفة مطلقة بل ترد عليه بعض الاستثناءات (بوضياف،2017أ؛ جليل،2018).

          ثالثا: مبدأ شفافية الإجراءات

مبدأ الشفافية الإجراءات تعكس جملة من المعلومات التي يجب أن تعلنها الإدارة لتصل إلى علم المتعهد، بل هذه المعلومات لا تشكل كل ما يجب معرفته حول العقد المراد إبرامه، إنما تشكل الحد الأدنى لتكوين الفكرة العامة أولية عن الإدارة المتعاقدة ومحل العقد ومواعيد تسليم العروض، ويمثل الحد الأدنى للبيانات الجوهرية التي يجب أن تصل إلى علم المتنافسين المحتملين، لذلك فإن المشرع ينص على وجوب بيانات يجب أن يتضمنها الإعلان، مع ترك السلطة التقديرية للإدارة في إضافة ما تشاء إليها.

 على أن تتم كافة عقود التفويض التي تبرمها الإدارة العمومية في نوع من الشفافية والمساواة لكافة المتقدمين حتى يتاح للإدارة اختيار المتعاقد الذي تتوفر فيه الشروط وتحقق الإدارة صيانة المال العام وحمايته من الهدر (شريفي،2013).

رابعا: مبدأ تكافؤ الفرص

تلزم السلطة المفوضة بتكافؤ الفرص بين المتنافسين مقدمي طلبات إبداء الاهتمام وطلبات التأهيل المسبق، إذ يتاح لكل من تتوفر فيه الكفاءات الفنية والمالية أن يتقدم بعطائه حتى يتاح لجميع المتقدمين فرصا متكافئة في الترسية على أي منهم طالما توافرت فيهم جميع الشروط العملية المطروحة، وطالما كانت تلك الشروط عامة ومجردة، لكن لا تتم الترسية في النهاية، إلا أعلى صاحب العطاء الأفضل من الناحيتين الفنية والمالية (عبدالله،2016).

خامسا: مبدأ إحترام الصلاحيات بالتعاقد

ان النشاط الإداري يستند الى قواعد الإختصاص في ممارسته، حيث لا يجوز أن يحل الرئيس الإداري محل المرؤوس في إبرام عقد يكون القانون حدد صلاحية إبرامه بالمرؤوس، ما لم يصدر القانون بخلاف ذلك، لأن الحلول في ممارسة العمل الإداري يفترض لذلك العقد أن يكون باطلا، حتى في الحالة التي يجيز فيها المرؤوس ذلك التصرف، لأن العقد ليس حقا شخصيا وإنما واجب رسمي لا يجوز التصرف فيه إلا بموجب القانون، لكن يجوز التفويض في إبرام العقد متى كان ذلك التفويض لا يصطدم مع قاعدة آمرة من قواعد الإختصاص، ويكون مكانيا لا يجوز للإدارة أن تتعاقد ضمن الحدود الإدارية لإدارة أخرى، ما لم تكن هناك إنابة بالتعاقد أو تفويض فيه، وقد يكون ماليا لا يجوز لإدارة أن تتجاوز حدود الإعتمادات المالية وصلاحياتها بالصرف وبخلافه تثقل ذمة الدولة ماليا، وتخلق مشكلة تحديد المسؤولية الإدارية عن الصرف غير المبرر والعشوائي من أكثر إدارة على عقد واحد (الجبوري،2010).

سادسا: مبدأ العلانية

هو إيصال العلم إلى جميع الراغبين بالتعاقد وإبلاغهم عن كيفية الحصول على شروط التعاقد ونوعية المواصفات المطلوبة، ومكان وزمان الإجراء، والغاية من مبدأ علانية الطلب على المنافسة، هي أن لا تبرم إتفاقية تفويض المرفق العام في أجواء تشوبها الريبة و يدور حولها الشك، لأن سرية التعاقد لا تتيح الفرصة لمن يرغب بالتعاقد كي يتنافس مع غيره، فقد ينجم عنها إعطاء مشاريع حكومية بمبالغ خيالية لا تتناسب مع كلفتها الحقيقية (الجبوري،2010).

فإن هذه المبادئ تعد قيدا على المفوض له والسلطة المفوضة منذ ابرام اتفاقيات تفويض المرفق العام إضافة إلى ذلك يجب على السلطة المفوضة أن تبرم هذه الاتفاقيات وفقا لصيغ محددة والتي تتمثل في صيغة الطلب على المنافسة كمبدأ عام فهو إجراء يهدف إلى الحصول على أفضل عرض، من خلال وضع عدة متعاملين في منافسة بغرض الضمان المساواة في معاملتهم والموضوعية في معايير إنتقاءهم وشفافية العمليات وعدم التحيز في القرارات المتخذة. حيث نجد معايير المفاضلة بين العارضين تؤسس على جوانب مالية وموضوعية وتقنية، كذلك تحصر أهداف إتفاقياتتفويض المرفق العام في الحصول على عروض من عدة متعاهدين متنافسين مع تخصيص الإتفاقية دون مفاوضات للمتعامل الذي يقدم أحسن عرض من حيث المزايا التقنية والمالية والموضوعية، كما تضمن صيغة الطلب على المنافسة أكبر قدر ممكن من الشفافية لإعتمادها على طابع الشكلية.

أما صيغة التراضي تعد استثناء على صيغة الطلب على المنافسة والتي تنقسم إلى التراضي بعد الأستشارة فهو إجراء تقوم به السلطة المفوضة بإختيار المفوض له من بين عدد معين من مترشحين مؤهلين على الأقل ويكون في حالات معينة قانونا، والتراضي البسيط (التفاوض المباشر) فهو إجراء تقوم به السلطة المفوضة بإختيار المفوض له مؤهل ضمانا لتسيير مرفق عام بعد التأكد من القدرات المالية والمهنية والتقنية، ويراعي في هذه الصيغة مبدأ الإعتبار الشخصي وحالة الاستعجال.   

المطلب الثاني: معايير إختيار إتفاقيات تفويض المرفق العام وأشكالها

          يخضع إختيار اتفاقيات تفويض المرفق العام إلى عدة معايير التي وفقها يتم إختيار الشكل المناسب للإتفاقية التفويض، كما لا يتحدد تحقيق المرفق العام بشكل محدد وإنما توجد عدة أشكال وأنواع لتفويض المرفق العام بعضها مسمى وبعضها الأخر غير مسمى يصنف ضمن الاتفاقيات غير المسماة حيث يتوفر فيها شروط اللازمة لقيام تفويض المرفق العام، وعلى ذلك نتناول معايير إختيار شكل اتفاقية التفويض ، وأشكال اتفاقيات تفويض المرفق العام.

الفرع الأول: معايير إختيار إتفاقيات تفويض المرفق العام

      يتعين على السلطة المفوضة التقيد بالمعايير القانونية المحددة في اختيار شكل اتفاقية تفويضات المرفق العام من خلال احترام و مراعاة ما يلي:

أولا: مستوى التفويض (مستوى الخدمة المفوضة)

ينقسم معيار مستوى التفويض إلى مستويين:

 فالأول إنجاز المنشآت اللازمة للمرفق العام المتمثلة في مهمة المفوض له في إقامة المنشآت والأبنية اللازمة للمرفق أو إقتناء ممتلكات مهمة للمرفق. أما الثاني يتمثل في تغطية تكاليف الإستغلال الذي يأخذ شكل التفويض حسب الإيرادات التي يحققها المرفق المنحصرة في كون ما إذا كان المرفق يحقق إيرادات ضخمة جدا تكفي تكاليف إستخدامه وتزيد عليها، أو إذا كان المرفق يحقق إيرادات كافية أو غير كافية في تغطية تكاليف الإستغلال (عثمان،2015؛القطب،2009).

ثانيا: معيار نطاق مسؤولية المفوض له وتحمله المخاطر

يتحدد مستوى الخطر الذي يتحمله المفوض له وفقا لنسبة مشاركته في تمويل المرفق العام، في ثلاثة(3) مستويات:

المستوى الأول : هو الحالة التي لا يتحمل فيها المفوض له أي خطر،

المستوى الثاني : هو الحالة التي يتحمل فيها المفوض له جزءا من الخطر،

المستولى الثالث : هو الحالة التي يتحمل فيها المفوض له كل الخطر.(سليمان،2018،ص.11)

ثالثا: معيار نطاق رقابة السلطة المفوضة 

يتحدد شكل تفويض المرفق العام حسب مستوى … ومستوى رقابة السلطة المفوضة…

كما أن تحديد مستوى رقابة السلطة المفوضة في التسيير والخدمات على أنه تكون رقابة السلطة المفوضة على التسيير والخدمات. ويتم تحديدها حسب حجم الخدمات التي يتولاه المفوض له، قصد الحفاظ على مبادئ تسيير المرفق العام… في مستويين اثنين:

– المستوى الأول هو الحالة التي تمارس فيها السلطة المفوضة رقابة كلية على المرفق العام موضوع التفويض، عندما تحتفظ بإدارته.

– المستوى الثاني :هو الحالة التي تمارس فيها السلطة المفوضة رقابة جزئية على المرفق العام موضوع التفويض، عندما يتولى المفوض له الإدارة والتسيير.(سليمان،2018،ص.13)

 فمجمل القول هو أن يرجع تحديد شكل إتفاقية التفويض وفق معيار مستوى الرقابة وفق آلية التسيير أو آلية الخدمات  المنتهجة من قبل السلطة المفوضة في فرض رقابة شاملة و مشددة أو فرض رقابة محدودة (القطب،2009).

الفرع الثاني: أشكال إتفاقيات تفويض المرفق العام

لتفويض المرفق العام صورا متعددة، تتوفر على عناصر تفويض المرفق العام التي تأخذ نوعين: عقود مسماة، عقود غير مسماة.

أولا: العقود المسماة

يأخذ تفويض المرفق العام شكل الإمتياز أو الإيجار أو الوكالة المحفزة أو التسيير .

وعليه تتمثل العقود في العقود المسماة لتفويض المرفق العام، التي يسمى كل واحد منها بإسمه، وكل منها لها طبيعتها الإدارية اللصيقة بها، ولها نظام قانوني خاص، ولذلك تعتبر عقودا إدارية بإستمرار(عبد الهادي،2015). حيث تظهر من خلال أربعة عقود نفصلها من خلال مايلي:

أ – عقد الإمتياز

يعد أقدم الطرق التي يعهد بها مانح التفويض إلى شخص عام او شخص خاص مهمة إدارة المرفق العام.

عرف مزيتي (2020) أن “الامتياز هو الشكل الذي تعهد من خلاله السلطة المفوضة للمفوض له إمّا إنجاز منشآت أو اقتناء ممتلكات ضرورية لإقامة المرفق العام وإستغلاله، وإمّا تعهد له فقط استغلال المرفق العام” (ص.963).

ب – عقد الإيجار 

عرف مزيتي (2020) أن “الإيجار هو الشكل الذي تعهد من خلاله السلطة المفوضة للمفوض له تسيير وصيانة المرفق العام، مقابل إتاوة سنوية يدفعها لها. ويتصرف المفوض له لحسابه مع تحمل كل المخاطر وتحت رقابة جزئية من السلطة المفوضة” (ص.965).

إضافة إلى ذلك تحمل المخاطر المتعلقة بالتجارة والصناعة المتعلة بإيرادات الإستغلال والنفقات، المرتبطة بتسيير المرفق العام.

           إن عقد الإيجار يحتوي على عناصر تميزه على باقي العقود الاخرى، التي تبرز في ان يتحمل المفوض له مسؤولية تسيير وصيانة المرفق العام دون إقامة منشآت. كما تتحمل السلطة المفوضة مهمة إنشاء المباني التي تمكن المفوض له من القيام بمهمة التسيير وصيانة، الى جانب ذلك يلتزم المفوض له بدفع مقابل مالي للسلطة المفوضة نتيجة إستغلال مرفق عام، من خلال الأتاوى التي يتم تحصيلها من مستعملي المرفق العام (بركيبة،2017).

ج – عقد الوكالة المحفزة

 عرف مزيتي (2020) هو: “الشكل الذي تعهد السلطة المفوضة من خلاله للمفوض له تسيير المرفق العام أو تسييره و صيناته” (ص.967).

لم يحدد في هذا العقد تحمل المفوض له مستوى الخطر وإنما أدرج إلا الخطر التجاري وصناعي المرتبط بإستغلال وتسيير المرفق العام، أما أجر المفوض له يدفع مباشرة من السلطة المفوضة في شكل منحة تحدد بنسبة مئوية من رقم الأعمال تضاف إليها منحة الإنتاجية، وعند الإقتضاء حصة من الأرباح، وتحدد التعريفات التي يدفعها مستعملو المرفق العام بإتفاق كل من السلطة المفوضة والمفوض له الذي يحصل التعريفات لحساب السلطة المفوضة المعنية.

          د – عقد التسيير

عرف مزيتي (2020) هذا العقد هو” الشكل الذي تعهد السلطة المفوضة من خلاله للمفوض له تسيير المرفق العام أو تسييره وصيانته، بدون أي خطر يتحمله المفوض له” (ص.967).

يقوم المفوض له بتحصيل التعريفات لصالح السلطة المفوضة مع إحتفاظها بالأرباح وتحديد التعريفات التي سيدفعها مستعملو المرفق العام بموجب دفتر الشروط مسبقا، ويستغل المفوض له المرفق العام لحساب السلطة المفوضة التي تمول بنفسها المرفق العام وتحتفظ بإدارته ورقابته الكلية.

يدفع للمفوض له أجر مباشرة من السلطة المفوضة بمنحة تحسب بالنسبة المئوية من رقم الأعمال، إضافة إلى المنحة الإنتاجية، وفي حالة العجز تعوض السلطة المفوضة المسير بأجر جزافيا مع تحصيل المفوض له تعريفات لحساب السلطة المفوضة.

فالاختلاف في إتفاقيات تفويض المرفق العام فيما بينها، يكون حسب مستوى التفويض والخطر الذي يتحمله الممفوض له عند تفويضه المرفق العام ورقابة السلطة المفوضة ومدة التفويض وإمكانية تمديدها، حيث يرجع تحديد المدة في إتفاقيات تفويض المرفق العام من قبل المشرع إلى الإشكالات التي قد تطرأ على طول المدة.

ثانيا: العقود غير المسماة

إلى جانب إبرام إتفاقيات تفويض المرفق العام على العقود المسماة، فأنه يتم التفويض أيضا في العقود الغير المسماة، التي تتوافر فيها عناصر أو أركان أو خصائص أو مميزات إتفاقيات تفويض المرفق العام، لكن يصعب وضع تسمية واضحة وصريحة ومحددة لكل واحد منها نظرا لتنوع طبيعتها وإختلاف إجراءات تنفيذها وتعدد أهدافها (عبد الهادي،2015).

خاتمة:

نستخلص مما سبق أن موضوع اتفاقيات تفويض المرفق العام له أهمية بالغة باعتبارع أسلوب من أساليب تسيير المرفق العام، ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع توصلنا إلى مايلي:

النتائج:

1- تم تعريف اتفاقيات تفويض المرفق العام على المستوى التشريعي أو الفقهي المزج بين تفويض الخدمة مع إقامة منشآت وممتلكات للمرفق المفوض.

2- يتم منح اتفاقيات تفويض المرفق العام وفق علاقة تعاقدية دون تحديد التكييف القانون لها، والذي من خلالها يتحدد الاختصاص القضائي في حالة النزاع بين الأطراف في الدول التي تأخذ بنظام الازدواجية القضائية.

3- حرية السلطة المفوضة في اتفاقيات تفويض المرفق العام مقيدة.

اقتراحات:

1– تمييز اتفاقيات تفويض المرفق العام في تعريفها على باقي العقود المشابهة كعقد امتياز الأشغال العامة وعدم الخلط في التطور الذي حصل في مفهوم عقد الامتياز ولهذا يجب تعريفها بتلك العقد الذي يفوض بموجبه الخدمة التي يقدمها المرفق المفوض فقط.

2- التمييز بين الوظيفة الإدارية غير قابلة للتفويض والوظيفة الاقتصادية لبعض المرافق العامة.

التوصيات:

1– لا يجوز تفويض المرافق الإدارية أو المرافق ذات أهمية للدولة ، وإنما تسري تقنية تفويض على المرافق الاقتصادية التي تقدم خدمة ذات طابع اتصادي.

2- المقابل المالي في اتفاقيات تفويض المرفق العام يكون في شكل مبالغ رمزية يقدمها المستغلين لأن هناك مرافق عامة اقتصادية تقدم خدمة عمومية، أو يكون المبلغ المالي وفق نوعية الخدمة التي يطلبها المستفيد من الخدمة.

3- مدة اتفاقيات تفويض المرفق العام يجب أن تكون تتراوح بين المدة الأدنى والمدة المتوسطة.

4- المفوض له المرفق العام ملزم بمواكبة التطور الذي يحدث في خدمة المرفق.

5- تتمتع السلطة المفوضة بحرية التعاقد في اتفاقيات تفويض المرفق العام في صيغة التفاوض المباشر فقط والتي تتعلق بالاحتكار والحالات الاستعجالية أي بمبدأ الاعتبار الشخصي.

المراجع

بوضياف، عمار. (2007). الوجيز في القانون الإداري (ط.2). جسور للنشر والتوزيع.

بوضياف، عمار. (2017). شرح تنظيم الصفقات العمومية (ط.5، ج.1). جسور للنشر والتوزيع.

بعلي، محمد الصغير. (2004). القانون الإداري. دار العلوم للنشر والتوزيع.

بعلي، محمد الصغير. (2005). العقود الإداري. دار العلوم للنشر و التوزيع.

بلكور، عبد الغني. (2010). تفويض المرفق العام في القانون الجزائري. [ رسالة ماجستير غير منشورة]. جامعة محمد الصديق بن يحي.

بركيبة، حسام الدين. (2017، جانفي 19). تفويض المرفق العام مفهوم جديد ومستقل في إدارة المرافق العامة. مجلة المفكر، 12(1). 534. +https://www.asjp.cerist.dz/utilisateur

الجرف، طعيمة. (1970). القانون الإداري- دراسة مقارنة في تنظيم ونشاط الإدارة العامة-. دار الحمامي للطباعة؛ مكتبة القاهــــــرة الحديثة للنشر.

جابر، وليد حيدر.(2009). التفويض في إدارة و استثمار المرافق العامة- دراسة مقارنة-. منشورات الحلبي الحقوقية.

الجبوري، محمد خلف. (2010). العقود الادارية. دار الثقافة للنشر والتوزيع.

جليل، مونية. (2018). التنظيم الجديد للصفقات العمومية. المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية؛ موفم للنشر.

هرموش، إبراهيم يوسف. (2013، ديسمبر31). القيود الدستورية للخصخصة. مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، 29 (2). 373. http://52.214.42.61/detail/BIM-664547

زمال،  صالح. (2018، مارس 29). مبادئ تفويض المرفق العام في التشريع الجزائري قراءة في أحكام نص المادة 209 من المرسوم 15-247. حوليات جامعة الجزائر 1، 31(1). 497. +https://www.asjp.cerist.dz/utilisateur

حلمي، محمود. (1977). العقد الإداري (ط.2). دار الفكر العربي.

الحلو, ماجد راغب. (1996). القانون الإداري (ط.2). دار المطبوعات الجامعية.

الحلو، ماجد راغب. (2009). العقود الإدارية. دار الجامعة الجديدة.

حمادة، عبد الرزاق حمادة. (2013). التنظيم القانوني لعقود المشاركة. دار الجامعة الجديدة.

 حسن، عبد الله حسن. (2016). عقد المشاركة لتمويل وإنشاء وإدارة المرافق العامة. دار الجامعة الجديدة.

الطماوي، سليمان محمد. (2012). الأسس العامة للعقود الإدارية -دراسة مقارنة- (ط.6). دار الفكر العربي.

لباد، ناصر. (2004). القانون الإداري (ج.2). SARP.

مزيتي، فاتح. (2020، جانفي1). أشكال تفويضات المرفق العام. مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، 7 (1). 963-967. +https://www.asjp.cerist.dz/utilisateur

سليمان، سهام. (د.ت.) تفويض المرفق العام كتقنية جديدة في التشريع الجزائري. مجلة الدراسات القانونية، 3 (2). 11-13.

+https://www.asjp.cerist.dz/utilisateur

عبد الوهاب، محمد رفعت. (2012). النظرية العامة للقانون الإداري. دار الجامعة الجديدة.

عثمان، أبو بكر أحمد. (2015). عقود تفويض المرفق العام –دراسة مقارنة-. دار الجامعة الجديدة.

عبد الهادي، بشار جميل. (2015). العقد الإداري الجوانب القانونية والإدارية- دراسة تحليلية وحلول مقترحة-. دار الثقافة للنشر والتوزيع.

فوديل، جورج. دلقولقيه، بيار . (2008). القانون الإداري (ج.2). (منصور القاضي، مترجم). المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. (العمل الأصلي نشر في 1992).

فوناس، سوهيلة. (2018). تفويض المرفق العام في القانون الجزائري  [أطروحة دكتوراه، جامعة مولود معمري]. UMMTO . https://dl.ummto.dz/handle/ummto/1885?show=full

القطب، مروان محي الدين. (2009). طرق خصخصة المرافق العامة –الامتياز-  الشركات المختلطة- BOT- تفويض المرفق العام. منشورات الحلبي الحقوقية.

قدادة، خليل أحمد حسن. (2005). الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري-مصادر الالتزام- (ط.2، ج.1). ديوان المطبوعات الجامعية.

 الشافعي، محمد أبو راس. (د. ت.) العقود الإداري. www.pdffactory.com

شريفي، الشريف. (2013، جانفي 1). مبدأ الشفافية في العقود الإدارية كآلية للحد من الفساد المالي. مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصاد، 2(1). 92،91 +https://www.asjp.cerist.dz/utilisateur

خرشي، النوي. (2018). الصفقات العمومية. دار الهدى.

ضريفي،نادية. (2013). المرفق العام بين ضمان المصلحة العامة وهدف المردودية- حالة عقود الامتياز- [أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر1]. موقع جامعة الجزائر 1. http://biblio.univ-alger.dz/jspui/handle/1635/8166

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *