أ.د. مازن خلف ناصر          

         كلية القانون – الجامعة المستنصرية     

dr.mazin67@uomustansiriyah.edu.iq

                    009647711592004                    

   م. نور سعد محمد

 كلية القانون والسياسة – الجامعة العراقية

mohammed@aliraqia.edu.iq          

00964772777593

الملخص

في هذه الدراسة نحاول بحث آلية التعامل مع السجناء داخل المؤسسات العقابيـة، مـن خـلال قـراءة تجربـة الـسجون العراقية في تأهيل النزلاء والتكفل بهم والسعي لإعـادة إدمـاجهم اجتماعيا، وحتـى تكـون الدراسـة الحاليـة قـادرة عـلى استجلاء هذه التجربة، كان لابد من الاعتماد على اسلوب المقاربة مع المعايير الدولية في التعامل مع النزلاء، لكي تكون المحاولة أكثر قربـا إلى الموضوعية في الطرح والعلمية في القصد، ومن الطبيعي أن آليـة التعامـل ستقودنا الى التعـرف عـلى مـدى تحقيـق الأهـداف الإصلاحية المرجوة من عملية التأهيل في تنمية شخصية السجين وتعديل سلوكياته نحو القـيم الفـضيلة والـسامية، وهـو مـا سنركز عليه في جوانب عملية التكفل بالسجناء اجتماعيا ونفسيا وصحيا وتربويا، وتأهيلهم علميا ومهنيا وتهذيبهم أخلاقيا.

الكلمات المفتاحية: النزيل – التأهيل – المؤسسات العقابية – العقوبة السالبة للحرية – المعاملة

 

 

Rehabilitation of penitentiary inmates

Between reality and challenges – Iraq as a model

Pr. Dr Mazin Khalaf Naser                   M. Noor Saad Mohammed    

College of Law – Al-Mustansiriya University

College of Law and Politics – Iraqi University

 

ABSTRACT 

      In this study, we try to examine the mechanism of dealing with prisoners within penal institutions, by reading about the experience of Iraqi prisons in rehabilitating inmates, taking care of them, and striving for their social reintegration. In dealing with inmates, for the attempt to be closer to objectivity in the presentation and scientific in intent, it is natural that the mechanism of dealing will lead us to identify the extent to which the desired reform goals of the rehabilitation process are achieved in developing the personality of the prisoner and modifying his behaviour towards virtuous and lofty values, which is what we will focus on in Aspects of the process of taking care of prisoners socially, psychologically, health and educationally, and qualifying them scientifically and زprofessionally and morally educating them

 .Keywords: inmate, rehabilitation, penal institutions,freedom-depriving punishment, treatm

 

المقدمة

يعد تأهيل نزلاء المؤسسات العقابية من أهم أهداف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، فاعتماد سياسة إعادة تأهيل المحبوسين للحياة اللاحقة على الإفراج عنهم وإعادة إدماجهم اجتماعيا يعد في النهاية من موجبات حماية المجتمع من الجريمة، ونظرا لأهميته فقد حظي باهتمام المشرع العراقي، حيث أصدر قانون النزلاء والمودعين رقم (14) لسنة 2018، ومن خلال هذا القانون وضع المشرع العديد من أساليب إعادة التأهيل داخل المؤسسات العقابية والتي تنوعت بين اعطاء فرصة للنزلاء في إنجاز اعمال معينة، وأخرى تسمح لهم بتلقي التعليم بمختلف مراحله أو التعليم التقني، فضلا عن تنظيم تكوينهم المنهي نظرا لما يتيحه للنزلاء من تعلم حرفة تتماشى مع توجهاتهم وقدراتهم البدنية والعقلية، ولتقوية الجانب المعنوي لديهم أهتم المشرع بالتهذيب بنوعيه الديني والأخلاقي، كما ويتمتع النزلاء بالرعاية الصحية والاجتماعية.

أولا- أهمية البحث

تكمن أهمية البحث في كون إصلاح وتأهيل النزلاء في المؤسسات العقابية يعتبران من أهم أهداف الجزاء الجنائي، ويشكلان في ذات الوقت انعكاسا على كيفية تنفيذ العقوبة السالبة للحرية داخل أسوار المؤسسة العقابية، من خلال استخدام كافة الوسائل والمؤثرات التربوية والتعليمية والطبية والتدريب المهني والخدمة الاجتماعية والأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية للمساهمة في إعادة دمجهم في المجتمع والحصول على فرص عمل مناسبة، ذلك أن المؤسسة العقابية تعد بمثابة جسر انتقالي بين تنفيذ العقوبة والعودة للمجتمع من خلال تهيئة النزيل على كيفية الانخراط في المجتمع، كما وتكمن الأهمية أيضا فيما ينبغي أن يحظى به النزلاء داخل المؤسسات العقابية من رعاية دينية ووعظ وإرشاد، فهي من الأمور التي تسهم في استئصال الدوافع السلبية لدى النزلاء بشكل عام وتوفر المؤسسات العقابية المدربين حتى يقوموا بتأهيل المساجين، فيستطيعون تلبية احتياجاتهم من كسب أيديهم بعد الإفراج، وخاصة في حالة تعرض البعض منهم إلى الرفض من المجتمع، فإن الحرفة أو المهنة التي تعلمها داخل المؤسسة سيتمكن من خلالها بدء حياته بشكل سليم، كما لا ينسى أهمية ما يتلقاه النزيل من تأهيل نفسي من خلال توفير إخصائيين نفسيين لتقييم الحالة النفسية للنزيل فور وصولهم إلى المؤسسات العقابية، وتوفير الوسائل الاجتماعية والزيارات العائلية التي تضمن للنزيل استقرار حالته ووضعه النفسي والاجتماعي.

ثانيا- مشكلــة البــحـــــث

تتمثل مشكلة البحث في مدى فعالية ما يتلقاه النزيل من معاملة داخل المؤسسة العقابية وماهي الأساليب المستحدثة في معاملتهم؟ وهل يمكن إزالة العوائق التي تحول دون اصلاحهم من خلال اعتماد أساليب وأسس علمية متقدمة لمواكبة التطور التكنلوجي الحاصل في المجتمع كـكــل؟ وهل يمكن تجسيدها فعلا على أرض الواقع بشكل يجعل النزلاء يستفيدون منها ويشعرون بأن لهم دورا ايجابيا في المجتمع أم هناك قصورا في هذا المجال؟ ومن ثم فإن مشكلة البحث تقودنا لتساؤل هام وهو ما هي الأساليب المستحدثة في معالجة وإصلاح المجرمين؟ وما هي أبرز المقترحات لتطويرها؟ وإلى أي مدى يتم تطبيق تلك الوسائل في المؤسسات العقابية لا سيما في المجتمع العراقي؟

ثالثا- منهجية البحث

إن مسألة اعتمادنا على أكثر من منهج في بحثنا هذا يعد من الضرورات التي تساعد في الوقوف على إشكالية البحث وتحديد ملامحه الرئيسة، ذلك أن طبيعة الموضوع الذي نتناوله يفرض علينا اعتماد المنهج الوصفي والمنهج التحليلي من خلال دراسة ووصف المؤسسات العقابية والأجهزة القائمة عليها وتحليلها وتبيان مدى فعاليتها في تحقيق وظيفة الإدماج والتأهيل.

رابعا- خطة البحث

إجابة على ما تم طرحه في مشكلة البحث، أستوجب علينا الأمر تقسيم هيكلية البحث الحالية الى ما يأتي:

المبحث الأول- ماهية السياسية العقابية

المطلب الأول- مفهوم السياسة العقابية

الفرع الأول- عوامل تطور السياسة العقابية

الفرع الثاني- خصائص وأهداف السياسة العقابية

المطلب الثاني- الإشراف على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية

الفرع الأول- الجدل الفقهي بشأن دور القضاء في الإشراف على التنفيذ العقابي

الفرع الثاني- الإشراف على الـتنفيذ العقابي في العراق

المبحث الثاني- واقع السياسة العقابية في التشريع العراقي

المطلب الأول- إجراءات المعاملة داخل المؤسسات العقابية

الفرع الأول- الفحص والتصنيف في مراكز الاستقبال للنزلاء والمودعين

الفرع الثاني- الرعاية الصحية للنزلاء والمودعين

الفرع الثالث- تعليم وتشغيل وزيارات النزلاء والمودعين

الفرع الرابع- النظام الانضباطي للنزلاء والمودعين

المطلب الثاني- إجراءات المعاملة خارج المؤسسات العقابية

الفرع الأول- الإجازات المنزلية

الفرع الثاني- الرعاية اللاحقة

المبحث الأول

ماهية السياسة العقابية

للسياسة العقابية المعاصرة مفهوم حديث نسبياً، إذ إنه لم يظهر إلا عندما استخدم العقاب كوسيلة للدفاع عن المجتمع، وذلك بقصد تقويم المجرم وإعادة تأهيله للتآلف مع المجتمع من جديد، ومنذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، ظهر لدى الغرب اتجاه يدعو إلى محاولة إصلاح السجناء أخلاقياً بالتربية والتوعية والتثقيف، واجتماعياً بتعويدهم على الأشغال والعمل وذلك بالتدريب على الصناعة والحرف حتى يعودوا إلى مجتمعهم مواطنين صالحين بعد الإفراج عنهم.

وفي نهاية القرن نفسه ظهرت جملة من الدراسات الاستقرائية والبحوث العلمية التي تثبت على وجه اليقين أن الإجرام بالمعنى الصحيح والتعدي على مصالح وحريات الناس ما هو إلا ظاهرة اجتماعية لها اسبابها المختلفة النابعة، إما من ذات المجرم بسبب تركيبته الجسمانية أو العصبية، وإما بسبب البيئة الاجتماعية وما يعتريها من ظروف تهدد الوضع الاجتماعي (المحمدي،2018، ص4).

وعلى أثر تلك الحقيقة توصل علم الإجرام إلى أن مكافحة الظاهرة الإجرامية إنما تكون بالقضاء على اسبابها الاجتماعية التي مصدرها الخلل الاجتماعي أيا كان، ومن خلال التسلسل التاريخي لمفهوم السياسة العقابية نجد أنه قد تغير بشكل جذري فأصبح للسياسة الجنائية مفهوم جديد يشمل فروعا مختلفة واتسع نطاقها اتساعا كبيرا، لم تعد مقصورة على تلك المفاهيم الضيقة في عصورها الأولى (جعفر،1981، ص6)، وعليه سوف يقسم هذا المبحث الى مطلبين نتكلم في المطلب الأول عن مرتكزات السياسة العقابية نتناول في الفرع الأول عوامل تطورها وفي الفرع الثاني أهداف السياسة العقابية، وفي المطلب الثاني سنبين الجهود المبذولة لأجل إرساء دعائم السياسة العقابية المعاصرة على المستوى الدولي والإقليمي وعلى التوالي:

المطلب الأول

مرتكزات السياسة العقابية

عندما عُرفت العقوبة السالبة للحرية طريقها إلى التشريعات الجنائية، بدأ اهتمام الفلاسفة والفقهاء ورجال القانون بالمؤسسات العقابية ومعاملة النزلاء والمودعين، فنادوا بضرورة التخفيف من القسوة التي يعانون منها داخل هذه المؤسسات، تطبيقا لمبادئ الرحمة التي تدعوا إليها المسيحية، كما دعوا إلى اغتنام فرصة سلب حرية المجرم حتى يمكن توجيهه توجيها سليما بانتزاع دوافع الإجرام لديه، وإعداده إعدادا مهنيا حتى تتاح له فرصة العمل الشريف بعد انتهاء فترة العقوبة وتوفير الرعاية اللاحقة له، عليه سنقسم هذا المطلب الى فرعين مستقلين نعالج فيهما عوامل تطور السياسة العقابية وأهدافها وكما يأتي:

الفرع الأول

عوامل تطور السياسة العقابية

إن التقدم الحقيقي للسياسة العقابية يعود الى التطور الذي نال أغراض العقوبة السالبة للحرية ونال كذلك النظرة الى المحكوم عليه وقد احتلت فكرة اصلاح المحكوم عليه وتأهيله في الفكر الحديث مكانا ملحوظا بين اغراض العقوبة ومن ناحية اخرى لم تعد النظرة الى المحكوم عليه بانه شخص منبوذ وإنما أصبحت النظرة اليه بأنه شخص عادي خضع لتأثير عوامل مفسدة جعلته ينحرف الى سبيل الاجرام (الطماوي، 2003، ص410).

وفي ظل هذه الأفكار الجديدة تحددت المشكلة التي تدور حولها جميع الأبحاث وهي استقراء القواعد التي تبيح تطبيقها إصلاح النزيل وتأهيله بما لا يكون من شانه المساس بكرامته الانسانية أو إهدار لحقوقه الأساسية (ساعاتي، 1983، ص13)، وهناك عوامل عديدة ساهمت في تطور السياسة العقابية سنبينها على النحو الاتي:

أولا– الجهود التي بذلها رجال الكنيسة الكاثوليكية واعتبارهم أن المجرم شخص عادي كغيره من افراد المجتمع ولكنه شخص مذنب تجب عليه التوبة وسبيل التوبة في نظرهم يتطلب انعزال المذنب عن المجتمع لكي يناجي الله تعالى في عزلته وتقديم يد العون والمساعدة اليه حتى تقبل توبته ومن هنا نشأت فكرة السجن الانفرادي للمجرمين والاهتمام بتهذيبهم وتأهيلهم، وبذلك كانت فكرة التوبة أساسا للنظم الخاصة بتهذيب المحكوم عليهم وتعليمهم ويتضح بذلك أن فكرة التوبة الدينية كانت نواة لنظام عقابي جديد مختلف عن الانظمة السابقة عليه، حيث لم تكن المعاملة التي يخضع لها المجرم في السجن هي القسوة فحسب وانما كانت في جوهرها تهذيبا وتعليما بما يكفل التأهيل (الشاذلي، 2006، ص45).

ثانيا– ازدهار الأفكار الديمقراطية وتأثيرها الفعال في تغيير النظرة الى المجرم ليس على اعتباره مواطنا من الدرجة الثانية بل أضحت النظرة اليه باعتباره مواطنا عاديا مساويا في حقوقه مع الأخرين، إلا أنه اخطأ وعليه أن يتحمل وزر خطأه وذلك بعزله عن المجتمع لفترة محدودة يصار فيها الى الاهتمام به حتى يؤهل ويصلح نفسه ويعود الى الحضيرة الاجتماعية عضوا نافعا وقد مهد ذلك لنشوء فكرة واجب الجماعة قبل المحكوم عليه بجوانبها الثلاثة، فالدولة إذ ترصد المال للإنفاق على المؤسسات العقابية وتبذل الجهد لتأهيل نزلائها إداء لالتزام فرضته عليها وظيفتها في مكافحة الجريمة، ومن ناحية أخر فإن موظفي السجون لا يجوز لهم أن ينظروا الى المحكوم عليهم نظرة استعلاء، وإنما ينبغي أن يسعوا الى خلق علاقات من التعاون تربطهم بهم وكسب ثقتهم فيهم واستغلال ذلك في سبيل ادراك اغراض التنفيذ العقابي ومن ناحية ثانية فإن الرأي العام يجب ان يدرك واجب المجتمع قبل المحكوم عليهم فيساهم في تأهيلهم عن طريق عدم وضع العقبات في طريقهم بعد الافراج عنهم، بل ان عليه ان يتقبلهم ويمد المعونة اليهم تمكينا لهم من شق طريقهم الجديد (عبد الستار، 1985، ص87).

ثالثا– زيادة الإمكانيات المالية للدولة، حيث أن عملية الاصلاح والتأهيل تحتاج مبالغ كبيرة يتم رصدها من اجل الاهتمام بالجوانب النفسية والصحية والتربوية للمجرم حيث توفر المؤسسات العقابية في الوقت الحاضر أنواع  كثيرة من المتخصصين في مختلف فروع المعرفة العلمية من طبيب اختصاصي الى خبير اجتماعي ومدرب صناعي، فضلا عن وجود المربين في كثير من المؤسسات العلاجية سيما التي تتعلق بالجانحين الاحداث وكل هؤلاء يحتاجون الى رواتب ومخصصات كانت الدولة عاجزة عن دفعها للمختصين وكانت العقوبات البدنية هي السائدة حيث ان تنفيذها لا يحتاج الى مقدار كبير من الاموال، أما العقوبات السالبة للحرية فإنها تكلف الدولة في الوقت الحاضر مبالغ كثيرة من عملتها الوطنية وقد ساعدت الزيادة في الدخل القومي للدول على الاهتمام بالمجرمين واصلاحهم وضرورة مساعدتهم من أجل اعادتهم الى المجتمع اعضاء صالحين مطيعين للقانون.

رابعا– أن التقدم العلمي في مجال علم الإجرام والعلوم النفسية والاجتماعية كان له الدور في تطور السياسة العقابية حيث أن تطور علم الاجرام واهتمامه بدراسة العوامل الداخلية والخارجية أدى الى ضرورة توجيه العناية بالمجرم وأخذ شخصيته بنظر الاعتبار عند تنفيذ العقوبة اي ان ذلك مهد لتوجيه المعاملة العقابية الى مواجهة هذه العوامل في شخص كل محكوم عليه سعيا الى الحد من تأثيرها أو القضاء عليه، وكانت تلك الدراسات هي السبيل الى تقسيم المجرمين الى فئات تبعا لغلبة بعض العوامل الاجرامية على ما عداها، وكانت بذلك الأساس الذي قام عليه تصنيف المحكوم عليهم في مؤسسات الإصلاح الاجتماعي (الشاذلي، 2006، ص48).

الفرع الثاني

أهداف السياسة العقابية الحديثة

تعد السياسة العقابية المجال البحثي في الشق العقابي من السياسة الجنائية، إذ تخوض في السياسة التطبيقية للجزاء بحثا عن أفضل أساليب التطبيق القضائي للجزاء الجنائي والسياسة التنفيذية للجزاء التي تحدد أنواع المؤسسات العقابية وطرق تصنيف النزلاء والمودعين تمهيدا لتوزيعهم عليها ثم أساليب معاملة المذنبين حتى تتحقق أغراض العقوبة سيما الغرض الإصلاحي والتأهيلي والرعاية اللاحقة بهم، يلتقي مفهوم إعادة التأهيل أو إعادة الإدماج مع العديد من المفاهيم من حيث تحديد معناها مما جعل لها مسميات مختلفة تبدوا وكأنها متقاربة من حيث اللفظ مع بعض المفاهيم الأخرى، إلا أنها مختلفة من حيث المعنى Shea.Evelyne,2006,p.12)).

كما أن عملية إعادة الإدماج الاجتماعي تتجسد في مراحل عديدة تبدأ من إيداع المحكوم عليه المؤسسة العقابية وصولا الى غاية ما بعد الإفراج عنه وقضاء عقوبته، حيث تبدأ بالمرحلة الجنائية عندما يكون المتهم رهن التحقيق وهو في التوقيف ثم تأتي المرحلة الثانية وهي المرحلة السجنية تلك الفترة التي يصبح فيها الشخص المحكوم داخل المؤسسة العقابية لقضاء عقوبته وإعادة تأهيله، لذا سوف نتناول بشي من التفصيل أهداف السياسة العقابية المعاصر وعلى النحو الآتي:

أولا- إعادة الإدماج الاجتماعي

بدءً لا بد من التمييز ما بين إعادة الإدماج بمفهومه العام وإعادة الإدماج الاجتماعي(إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص25) بمفهومه الخاص، إذ يمكن تعريف إعادة الإدماج في مفهومه الواسع بأنه عملية تهدف بصفة عامة الى العودة لحالة الاندماج بالمجتمع، فهي تستهدف أي شكل من اشكال الإقصاء سواء كان اجتماعي أو اقتصاديا، أما المفهوم الضيق والمحدود على المستوى الجنائي والذي هو موضوع بحثنا يعرف إعادة الاندماج الاجتماعي للنزيل أو المودع بأنه تلك العملية التي تستهدف عدم معاودة الجريمة من طرف شخص قد سبق وأن حكم عليه (Meyer,2010,p.06)، بمعنى أدق ضمان عودته لحالة اللاإجرام، أما مدلولها بحسب علم الإجرام فهي عملية من شأنها جعل النزيل والمودع يدرك مدى مسؤوليته الاجتماعية والتي بموجبها يحاول اتخاذ موقف وتصرف مقبول اجتماعيا عن طريق الاندماج بصفة متدرجة في حياته الاجتماعية (Samir,1984,p.148).

في حين يراد بإعادة الإدماج الاجتماعي بأنه عملية إدماج المبادئ الاجتماعية لدى شخص انعدمت فيه فعدم معاودة الجريمة يعني تصحيح هذا الخطأ من خلال بذل جهد لأجل تهذيبه وإعادة تربية، وفي ذات الوقت يختلف مدلول إعادة الإدماج عن مدلول رد الاعتبار الذي شاع في التشريعات الأنجلو سكسونية والذي يعني أن المجرم أو المنحرف بمجرد إدماجه في المجتمع يصبح ماضيه في طي النسيان، وعرفها آخرون بأنها العملية التي تسمح بتحقيق مصالحة ما بين مصالح الجاني ومجتمعه، كما وعرف أيضا بأنه نظام يعيد للنزيل والمودع وضعه السابق كما كان من قبل الحكم بالإدانة دون أن يستطيع أحد حرمانه  من أي حق  أو يلصق به أي صفة من صفات العار، ذلك لأن الحرمان  من الحقوق أصبحت من الانتهاكات التي نهت عنها المواثيق والأعراف الدولية ومن ثم لا بد من تمكينه من ممارسة حقوقه المدنية كافة، وعرف أيضا بأنه نظام الغرض منه محو حكم القاضي بالإدانة وكل ما ترتب عليه من وجوه انعدام الأهلية أو الحرمان من الحقوق، ويمكن للنزيل أو المودع من استعادة مكانته  في الهيئة الاجتماعية (Pires,2007,pp9-18).

وفي رأينا أنه رغم إلغاء العمل برد الاعتبار في العراق، ألا أنه في اعتقادنا يعد من الإجراءات التي تؤدي الى انقضاء آثار العقوبة وهو آلية من آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للنزيل والمودع من حيث كونه يهدف الى جعلهم بعد انقضاء عقوباتهم  وخروجهم  من المؤسسة العقابية أشخاص فاعلين في الحياة الخارجية تطبيقا لمبدأ ” العزل لأجل إدماج  فعال”، هذا الشعار الذي يجعل من العقوبة السالبة للحرية تمثل منافع علاجية غرضها القضاء على اية خطورة إجرامية فهو يتعلق بالمرحلة اللاحقة للمعاملة العقابية  والتي تدخل  في اطار الرعاية اللاحقة للمفرج عنه.

مع ملاحظة وأن كان هناك تشابه واضح ما بين إعادة الإدماج الاجتماعي للنزيل والمودع ورد الاعتبار، ألا أنه يبدوا الاختلاف بينهما يبقى قائما من حيث أن إعادة الإدماج الاجتماعي للنزيل والمودع جاءت من خلال النصوص القانونية المعنية بذلك وهي تشترط وجود حكم بعقوبة سالبة للحرية، بينما رد الاعتبار يعد مفهوم عام يشمل كل من حكم عليه بعقوبة سواء كانت سالبة للحرية أم غيرها كالغرامة سواء كان المحكوم سجينا أم حرا.

بخلاف المشرع العراقي أخذ المشرع الفرنسي وكذلك المصري بمدلول إعادة الإدماج الاجتماعي من خلال قانون تنظيم السجون معرفا إياه بأنه ” مهمة تضطلع بها هيئات الدولة ويساهم فيها المجتمع المدني، وفقا للبرامج التي تعدها اللجنة الوزارية المشتركة لنسيق نشاطات إعادة التربية وإعادة الادماج الاجتماعي للنزلاء والمودعين” (تنظيم السجون الفرنسي، 1989، ص56).

ثانيا- إعادة التأهيل الاجتماعي

بخلاف إعادة الإدماج الاجتماعي استعمل المشرع العراقي لفظ التأهيل وإعادة التأهيل معتبرا إياه نوعا من الإدماج الاجتماعي عند تصنيفه للمؤسسات العقابية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص2)، وعرف جانب من الفقه إعادة التأهيل بانه كافة العمليات التي من شأنها أن تعيد توافق الانسان مع نفسه وبيئته في تقديم الرعاية الاجتماعية للسجين أو أسرته بما يساهم في تخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها من خلال تقييم الحالة الاجتماعية ومشاكل السجناء واسرهم أيا كان نوعها مع اقتراح موارد اجتماعية لمساعدتهم (السراج، 1987، ص34 )، ويرى جانب أخر في إعادة التأهيل بأنه عملية علاجية من شأنها إيجاد شفاء نفسي معنوي للنزيل أو المودع (Pinatel,191, p 206).

المطلب الثاني

الإشراف على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية

من مظاهر تطور السياسة العقابية أن أصبح للقضاء فضلا عن الإدارة دور بارز في مراقبة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية بعد أن كان دوره مقتصرا على إصدار الأحكام في الدعاوى الناشئة عن الجريمة، وفي هذا المقام سنتطرق إلى الخلاف الفقهي حول دور القضاء في الإشراف على التنفيذ العقابي، ثم دور الإدارة في الإشراف على هذا النوع من التنفيذ، لاسيما في العراق وعلى النحو التالي:

الفرع الأول

الجدل الفقهي بشأن دور القضاء في الإشراف على التنفيذ العقابي

لم تتفق كلمة الفقه حول فكرة الإشراف القضائي على التنفيذ العقابي، فالبعض أيدها والبعض الآخر عارضها إلى أن تم طرحها في المؤتمرات الدولية، فأيدت هذه الفكرة وأصبحت أغلب التشريعات العقابية اليوم تأخذ بها، وسوف نعرض لأهم الاتجاهات في هذا المجال تباعا على النحو التالي:

أولا- الاتجاه التقليدي، لم يؤيد أنصار هذا الاتجاه تدخل القضاء في مرحلة التنفيذ العقابي، كونه يقتصر على صدور الأحكام البات الذي يقضي بالعقوبة على المحكوم عليه، وما يتخذ من  إجراءات لاحقة على ذلك تتصل بتنفيذ العقوبة على المحكوم عليه، فهي بطبيعة الحال أعمال إدارية تختص بالإشراف عليها الإدارة العقابية وحدها، باعتبار أن الإدارة العقابية هي الأقدر من القضاء في متابعة الشؤون اليومية للنزلاء والمودعين، بحكم ما يتوفر لها من خبرة طويلة في هذا المجال، نتيجة ارتباطها اليومي بعملية التنفيذ والوقوف على مجرياتها ومتطلباتها، فضلا عن أن أعمال التنفيذ ذات طبيعة إدارية يغلب عليها الطابع الفني وليست قضائية، مما يتعين معه انفراد الإدارة العقابية بمباشرتها ولا يسوغ للقضاء التدخل فيها، عملا بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث الذي يقضي ألا تتعدى إحدى السلطات على اختصاصات السلطة الأخرى داخل الدولة (يحيى، 2005، ص 255).

غير أنه يلاحظ أن الاتجاه التقليدي وإن كان قد أكد على عدم جواز تدخل القضاء بدور فعال في مرحلة التنفيذ العقابي، إلا أنه يعترف لرجال السلك القضائي بالحق في زيارة المؤسسات العقابية للتحقق من أن الإدارة تنفذ العقوبة على النحو الذي يقرره القانون، والتأكد من عدم وجود شخص مسجون دون وجه قانوني، وإبلاغ ملاحظاتهم في هذا الشأن إلى إدارة المؤسسة العقابية أو الإدارة العقابية المركزية التي يتعين عليها أن تعيرها أهمية كبيرة (يحيى، ص 257).

ثانيا- الاتجاه الحديث، يرى أنصار هذا الاتجاه ضرورة إشراف القضاء على تنفيذ الجزاء الجنائي باعتبار أن دور القضاء لا ينتهي عند صدور الحكم القضائي البات الذي يقضي بالعقوبة على المحكوم عليه وإنما يمتد كذلك إلى مرحلة التنفيذ العقابي حتى الإفراج عن المحكوم عليه، وحجة هؤلاء أن الغرض الأساسي للجزاءات الجنائية هو إعادة تأهيل المحكوم عليهم وتقويم انحرافهم، وهذا لا يتحقق بمجرد النطق بالعقوبة أو التدبير، وإنما يتحقق ذلك بتنفيذ الجزاء المحكوم به حيال من صدر الحكم في حقه، وهو ما ينسجم مع سياسة الدفاع الاجتماعي التي تنظر إلى أن الدعوى العمومية مستمرة إلى حين الانتهاء من عملية التنفيذ (أرحومة، 2002، ص204).

الأمر الذي يقتضي إخضاع هذه المرحلة لإشراف القضاء كي يبسط عليها سلطته وسلطانه، ومن ناحية أخرى يرى أنصار هذا الاتجاه أن مساهمة القضاء في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي يعد نتيجة منطقية وضرورية لاتجاه غالبية التشريعات الجنائية إلى الأخذ بنظام التدابير الاحترازية بحسبانها صورة أخرى للجزاء الجنائي تطبق إلى جانب العقوبة لمكافحة الظاهرة الإجرامية، لا سيما وأن هذه التدابير، ونظرا لارتباطها بالخطورة الإجرامية الكامنة في شخص الجاني غير محددة المدة، وأن مواجهة هذه الخطورة قد تقتضي تعديل مدة التدبير أو إبدال نوعه أو إلغائه بصورة كلية وليس ثمة شك في أن هذا التعديل أو الإبدال أو الإلغاء للتدبير الاحترازي المحكوم به هو عمل قضائي لا يجوز أن يقوم به غير القضاء، نظرا لما ينطوي عليه ذلك من مساس بالحقوق والحريات الفردية (كامل، 1995، ص231).

كما أن إقرار غالبية التشريعات الجنائية الحديثة لنظام الإفراج المشروط، يقتضي تدخل القضاء للإشراف على التنفيذ العقابي، إذ يفترض هذا النظام الإفراج عن المحكوم عليه قبل انقضاء مدة العقوبة المحكوم بها، وهو ما ينطوي على تعديل في الحكم الصادر بالعقوبة ويعد من ثم عملا قضائيا، ولهذا يتعين أن يكون الأمر به أو إلغائه من اختصاص القضاء وحده وإن إشراف القضاء على التنفيذ يدفع العاملين بالمؤسسات العقابية إلى توخي الاعتدال في مباشرة أعمالهم، كما يتيح في الوقت نفسه الفرصة للقضاء بأن يكون على دراية بالأساليب الفنية للتنفيذ.

فضلا عن ذلك أن دور القاضي التنفيذي لا يتعارض تماما مع مبدأ الفصل بين السلطات ذلك أن القاضي في هذا المجال يمارس أعمالا ذات طبيعة قضائية، ومن ثم يمكن تفادي حجة المعارضين من خلال تحديد اختصاصات السلطة القضائية والتنفيذية في مجال العقاب (سليمان، 1990، ص501).

الفرع الأول

الإشراف على التنفيذ العقابي في العراق

يتوقف نجاح السياسة العقابية في أي بلد على وجود إدارة عقابية قادرة على رسم سياسة عقابية مُحكمة تكون مستمدة من معالم الحضارة الحديثة التي تدعوا إلى احترام حقوق الإنسان وتحريره من الاستغلال، وهذا يتطلب التفاعل مع التجارب والنظريات التي عرفتها النظم العقابية الحديثة في رسم السياسة العقابية، كالاعتماد مثلا على مبدأ إعادة التأهيل الاجتماعي لإصلاح النزلاء والمودعين وتقويمهم وإعادة إدماجهم في المجتمع والذي يعده أفضل وسيلة لمكافحة ظاهرة الإجرام، ولم يتبنى المشرع العراقي الاتجاه الحديث الذي يؤيد ضرورة مساهمة القضاء في تطبيق العقوبة السالبة للحرية، وإنما جاء بأحكام يقصد منها تبعية الإدارة العقابية لوزارة العدل ووزارة الداخلية دون تسمية هيئات معينة يقع على عاتقها الإشراف وإن حدد الجهات التي تتولى الإدارة (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص1)، هما دائرة إصلاح الأحداث ودائرة الإصلاح العراقية، ومن ثم عدم جواز تدخل القضاء بهذا الإشراف تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات، بمعنى أن المشرع العراقي تبنى الاتجاه الرافض لتدخل القضاء في الاشراف على التنفيذ العقابي (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص1)، وأشار في المادة (5) من قانون إصلاح النزلاء والمودعين العراقي النافذ بأنه: ” أولا- على الوزير تولي المهام الآتية: أ- إقرار الخطط الـلازمة لتحقيق اهداف دائرتي الاصـلاح العراقية وإصلاح الاحداث. ب- إقـرار الأساليب العلمية الكفيلـة بتطوير عمـل دائرتي الاصـلاح العراقية وإصلاح الاحداث. جـ- إقرار السياسة العامة في تنمية وتطوير أقسام وأبنية وورش دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث والإجراءات والتدابير المتبعة فيهما وفقاً للقانون لتقويم وتأهيل النزلاء والمودعين. د- إقرار برامج وتدريب وتشغيل النزلاء والمودعين وتحديد أجورهم. هـ- تخصيص الأموال اللازمة لإنشاء وتطوير السجون والدور والمـدارس الإصـلاحية في بغداد والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وفقاً للمعايير والقواعد الواردة في هذا القانون لمعاملة وتأهيل وتدريب النزلاء والمودعين و- الموافقة على نشر التقارير والبحوث في مجال اصلاح النزلاء والمودعين ومكافأة أصحابها…….. “، كما ونصت المادة (2/أولا وثانيا/أ، ب) على أنه ” ترتبط بوزارة العدل دائرتا الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث وجميع الاقسام التابعة لهما، ويفك ارتباط دائرة إصلاح الأحداث من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتلحق بوزارة العدل بجميع حقوقها والتزاماتها وموظفيها وموجوداتها عدا بناية مقر الدائرة العامة، وتستثنى دور تأهيل الأحداث المشردين من أحكام البند (أولاً) من هذه المادة وتلحق هذه الدور بدائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ويبقى المشردين في هذه الدور من الذكور البالغين لحين اكمالهم الدراسة الجامعية والإناث لحين الحصول على مأوى مناسب لها أو الحصول على فرصة عمل أو زواجها.

المبحث الثاني

واقع السياسة العقابية في ظل قانون إصلاح النزلاء والمودعين العراقي

رقم (104) لسنة 2018

لقد أولت الدول اهتماما متزايدا بمشكلة الانحراف والجريمة وتطورت الفلسفة العقابية التي كانت سائدة في الماضي إلى فلسفة إصلاحية تسعى إلى إعادة التأهيل الاجتماعي للمذنب منحرفا كان أو مجرما باعتباره مواطنا دفعته الظروف الى الانحراف، كما أن الفلسفة الإصلاحية تهدف أيضا إلى تحقيق التكيف الـنفسي والاجتماعي للفرد المذنب حدثا أو بالغا حتى يصبح فـردا منتجا في مجتمعه، بعد أن كان عنصرا من عناصر تهديد استقراره وأمنه، وعليه سوف نتناول في هذا المبحث اساليب المعاملة داخل وخارج المؤسسات العقابية  في مطلبين مستقلين وعلى النحو الاتي:

المطلب الأول

إجراءات المعاملة داخل المؤسسات العقابية العراقية

إن جميع سبل المعاملة الحديثة يغلب عليها اليوم الطابع التربوي التهذيبي ولا تتضمن إيلاما أو تحقيرا للمحكوم عليه ولم تعد المعاملة العقابية الحديثة متروكة لسلطان الإدارة العقابية وانما أصبحت تتسم بطابع علمي فني، كما أنها أصبحت خاضعة لأحكام قانونية تتولى تنظيمها والأشراف عليها قضائيا، يتم متابعة تطبيقها بدقة، بحيث يمكن القول بأنه قد أصبح للنزلاء والمودعون والموقوفون في الوقت الحاضر مركز قانوني يتكون من حقوق وواجبات تجاه الإدارة العقابية.

ومن أهم الواجبات التي تقع على عاتقها التأكيد على موضوع فحص النزيل ودراسة حالته من اجل تقرير نوع المعاملة التي ستوضع له فترة مكوثه داخل المؤسسة العقابية، وهذا ما يعرف بالتصنيف كذلك ينبغي الاهتمام بالوسائل المباشرة التي تحقق هدف المعاملة في اصلاح النزيل وإعادة تأهيله اجتماعيا والتي تتمثل بالرعاية الصحية للنزلاء والمودعين والتعليم والتشغيل وتنظيم الزيارات والإجازات المنزلية والرعاية اللاحقة، وسوف نتناول هذه المعاملة في الفروع الثلاثة الاتية:

الفرع الأول

الفحص والتصنيف في مراكز الاستقبال

أن تنفيذ السياسة العقابية داخل المؤسسات العقابية هو بطبيعته نشاط إداري ينطوي على تطبيق أساليب معينة في معاملة النزلاء لتحقيق الهدف المنشود ألا وهو إصلاح وإعادة تربية النزلاء لأجل إدماجهم في الحياة الاجتماعية والمهنية بعد انتهاء مدة العقوبة.

وهنا ينبغي على إدارة المؤسسة العقابية إجراء فحص النزيل أو المودع أو الموقوف وهو إجراء يتم بعد استلام المودع أو النزيل في الدائرة الاصلاحية لأغراض التفريد في المعاملة العقابية، وهو فحص بيولوجي عقلي ونفسي اجتماعي، حيث يتم وضعه في القاعات المخصصة لاستقبال النزلاء أو المودعين وعزل المحكوم عليه عن زملائه في القسم الإصلاحي (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص1).

ويجرى عادة من قبل اختصاصيين مع تأصيل النتائج التي أثمرتها أعمالهم لتكون أساسا للتصنيف، وظيفته إرشاد القاضي الى شخصية المتهم لكي يقرر العقوبة المناسبة استئناسا بهذا الإرشاد لغرض تكوين (ملف الشخصية)، وفيه يجد القاضي أهم العناصر المميزة للشخص الذي يقرر بشأنه توقيع الجزاء الجنائي.

أما التصنيف فهو مجموعة من الإجراءات التي تتبع لدراسة حالة النزيل ومعرفة العوامل المختلفة التي أثرت على سلوكه الشخصي ووضع برنامج التنفيذ ويتغير آلما اقتضت الظروف ذلك مع عزل كل صنف من النزلاء عن غيره في قسم خاص في نفس السجن أو في سجن أخر ويكون التصنيف على أسـاس الجـنس والسـن والعـقـوبة ونـوع الجريـمة لكل سجـين ومدى استعداده واستيعابه للإصلاح والتزامه بقواعد دائرة الاصلاح (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص1)، فهو إجراء لاحق على الحكم وهو يعنى أساسا بعملية تنفيذ الحكم وتفريد العقوبة وفقا لشخصية المحكوم عليه والتطور الذي يطرأ عليها.

ويصنف النزلاء والمودعون الى فئات مختلفة ويراعى في تصنيفهم جنس النزيل أو المودع أو الموقوف وعمره وسجله الجنائي والجريمة التي ارتكبها على أساس طبيعتها أو جسامتها أو نوع العقوبة ومتطلبات التعامل معه، ويتم احتجاز الذكور في سجون أو مواقف أو مراكز احتجاز منفصلة عن الإناث، وينبغي أن يكون القسم المخصص للإناث تحت مسؤولية موظفة مختصة وتكون جميع مفاتيح ذلك القسم في عهدتها ولا يسمح لأي رجل يعمل موظفا في السجن أو الموقف أو مركز الاحتجاز دخول القسم المخصص للنساء ما لم يكن مصحوبا بموظفة تعمل في ذلك القسم (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص1).

والتساؤل الذي يطرح في هذا المقام من هي الجهة التي تقرر للنزيل برامج العلاج شأنها في ذلك شأن اللجنة الفنية المشكلة بموجب المادة (36) من قانون إصلاح النزلاء والمودعين رقم (104) لسنة 1981 الملغى؟

لقد سكت المشرع العراقي عن توضيح ذلك في القانون الجديد، بخلاف القانون السابق حيث كانت اللجنة الفنية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص7)، تقرر برنامج علاجي لكل نزيل يتضمن درجة التحفظ والأحكام التي يجب احاطته بها وكذلك القسم الذي يعتبر أكثر ملائمة لحالته في السجن وأيضا العلاج الجسمي والعقلي والنفسي اللازم له والمنهاج الثقافي الملائم له فضلا عن التدريب المهني الذي يجب ان يتلقاه والعمل الملائم لقدراته وميوله وحاجاته والرياضة البدنية التي تتناسب مع قدراته وفق المادة (39) من قانون إصلاح النزلاء والمودعين الملغي، وأن كان قد نص على هذا الواجب في الفقرة (5) من المادة (8) من القانون النافذ، غير أنه لم يخول لجنة متخصصة في هذا المجال، وهذا مأخذ على سياسة المشرع العراقي كونه قد أطلق هذا الأمر دون تحديد لجهة معينة، وحبذا لو كان قد نص على وجود هذه اللجنة الفنية لضرورتها وأهميتها في هذا المجال.

كما ويطرح تساؤل أخر هل يخضع السجين السياسي لضوابط التصنيف المشار أليها في القانون الجديد أم يطبق عليه نظام العزل المعمول به في ظل القانون الملغي؟

في الواقع أن القانون الجديد لم ينص صراحة على تنظيم أحكام العزل والذي ميز المشرع العراقي في القانون الملغي بينه وبين التصنيف، حينما أشار في المادة (57) منه الى أن السجين السياسي يمثل صنفا ممتازا وعلى إدارة المؤسسة الاجتماعية عزله عن النزلاء الأخرين وان السجناء السياسيون لا يخضعون الى التصنيف وفق المادة (59) من القانون الملغي، وهذا يعني أنه يخضع لذات الأحكام المنظمة لشؤون التصنيف التي يخضع لها النزيل العادي.

ومما تجدر الإشارة اليه أن المشرع العراقي قد أخذ بالتصنيف القائم على الأسس العلمية الحديثة لاختيار المعاملة العقابية الملائمة والتي يتم بواسطتها إعادة تربية النزيل أو المودع أو الموقوف وإصلاحه، إلا أنه من الناحية الواقعية فإننا نلاحظ أن التصنيف المعمول به هو التصنيف التقليدي، أي العزل الذي يعد أساسا للفصل بين الفئات الكبرى للمحكوم عليهم والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على النظام العام، وتسهيل العمل على الإداريين القائمين على المؤسسات العقابية، أما التصنيف بالمعنى العلمي الحديث فإن المشرع وإن كان قد نص في المادة (9/ثانيا) من قانون تنظيم السجون عنه، إلا أنه مازال غير معمول به، رغم أن النصوص القانونية الموجودة حاليا في قانون اصلاح النزلاء والمودعين العراقي قد أخذت ببعض المعايير العلمية الحديثة للتصنيف كمعيار الصحة والذي يعد من أهم المعايير التي يستوجب النص عليها.

الفرع الثاني

الرعاية الصحية والعلاجية للنزلاء والمودعين والموقوفين

في الماضي كانت السجون تنعدم فيها أدنى شروط الرعاية الصحية مما أدى الى تفشي الأمراض المختلفة بين النزلاء داخل المؤسسات العقابية، وانسجاما مع هذا الواقع المتردي في أغلب سجون العالم وتماشيا مع الواقع الإنساني، فقد جاء قانون إصلاح النزلاء والمودعين العراقي النافذ بأحكام مفصلة بخصوص الرعاية الصحية والعلاجية بخلاف القانون الملغي (الملغي، 2003، ص7)، حيث ألزم وزارة الصحة وبالتعاون مع دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث القيام بتقديم الخدمات الصحية والوقائية والعلاجية للنزيل والمودع والموقوف من خلال انشاء مستشفى أو مركز صحي أو عيادة طبية في السجون المركزية حسب الطاقة الاستيعابية تتولى الإشراف على الصحة الجسمية والعقلية والنفسية للنزلاء وتقديم الخدمات الصحية والوقائية والعلاجية لهم على أن يتم تنسيب عدد مناسب من الأطباء وذوي المهن الصحية للعمل (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص4).

      كما وألزم المشرع العراقي دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث توفير الشروط الصحية في الأقسام الإصلاحية من حيث النظافة والتكييف والتهوية والإضاءة وتوفير سرير نوم لكل نزيل أو مودع أو موقوف، فضلا عن توفير العلاج الطبي المجاني للنزيل والمودع والموقوف والزيارات الدورية من اللجان الطبية لفحصهم ومراقبة الحالة الصحية لهم وتوفر شروط النظافة والصحة العامة في زنزانات وعنابر ومهاجع النزلاء والمودعين والموقوفين، كما يتولى معهد بحوث التغذية في وزارة الصحة تحديد كمية ونوعية طعام النزيل والمودع والموقوف بجداول تعد لهذا الغرض، كما ويشترط في طعام النزيل والمودع أن يكون صحيا وافيا ومناسباً لديانة ومعتقد النزيل أو المودع وتحدد نوعيته بتعليمات يصدرها الوزير وأن يتم توفير الماء الصالح للشرب لهم باستمرار وبكميات كافية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص5).

ومن حق كل نزيل ومـودع التعرض للهواء الطلق وأشعة الشمس بما لا يقل عن ساعة واحدة يومياً لممارسة التمارين الرياضية المناسبة أو التعرض لأشعة الشمس وإشراكهم في بطولات ومسابقات داخلية وتهيأت المستلزمات الضرورية لذلك وفقاً للإمكانيات المتاحة إذا كانت ظروف الطقس تسمح بذلك مع مراعاة الظروف الأمنية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص6).

ويشغل كل نزيل أو مودع غرفة بمفرده اثناء الليل ويجوز لمدير السجن أو الموقف تخصيص الغرفة لأكثر من نزيل أو مودع على ألا يزيد عددهم عن ثلاثة في الازدحام المؤقت في السجن، وفي حالة استخدام عنابر النوم يتم اختيار شاغلي كل عنبر أو ردهة من النزلاء والمودعين والموقوفين وفق شروط تصنيف النزلاء والمودعين ويراعى فيها تدابير تواجدهم في عنبر واحد أو ردهة واحدة وتعاملهم فيه مع بعضهم البعض، وأن يكون تحت إشراف ورقابة كل النزلاء والمودعين اثناء الليل بما يتماشى مع طبيعة السجن، وأن تكون مستوفية لأقصى شروط السلامة والرعاية الصحية ومناسبة للظروف المناخية وخاصة كميات الهواء المتوافر فيها وتوفير الحد الادنى من الساحة الارضية والإضاءة والتدفئة والتهوية، كما وينبغي أن تكون النوافذ واسعة ومحصنة بالقدر الكافي لتمكين النزلاء والمودعين والموقوفين من القراءة والعمل مستفيدين من الضوء الطبيعي وتهوية المكان بغض النظر عن وجود أو عدم وجود إضاءة وتهوية اصطناعية على أن توفر الإضاءة والتهوية الاصطناعية الكافية، كما وينبغي أن تكون أحواض الغسل والوضوء والمرافق الصحية كافية لتمكين السجين من الغسل والوضوء وقضاء احتياجاته الطبيعية حسب الاقتضاء وعلى نحو نظيف ولائق، مع توفير حمامات مناسبة للاستحمام ويراعى فيها أن تتناسب درجة الحرارة فيها مع المناخ وأن تتيح فرصة الاستحمام ما لا يقل عن مرة واحدة في الأسبوع لكل النزلاء والمودعين والموقوفين من أجل المحافظة على النظافة الصحية العامة وفقا للطقس والمنطقة الجغرافية، على أن يتحمل النزلاء والمودعين والموقوفين مسؤولية المحافظة على نظافتهم الشخصية والأماكن المخصصة لهم ويوفر لهم لتحقيق هذه الغاية الماء ومستلزمات الاستحمام التي تقتضيها المحافظة على الصحة والنظافة، ويوفر لكل نزيل ومودع وموقوف سرير خاص مع اللوازم الكافية الخاصة بفراشه التي يجب ان تكون نظيفة عند تسلمها له ويجب الحفاظ على ترتيب الفراش ولوازمه في حالة جيدة ويتم تغيير لوازم الفراش دورياً بانتظام لضمان نظافتها (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص6).

وقد ألزم المشرع العراقي دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث أن تزود كل نزيل ومودع وموقوف لا يسمح له بارتداء ملابسه الخاصة بملابس نظيفة مناسبة للمناخ وكافية لإبقائه في حالة صحية جيدة ولا تكون هذه الملابس مهينة للسجين أو تقلل من شأنه بأية صورة كانت وينبغي على النزلاء والمودعين والموقوفين تغيير ملابسهم الداخلية وغسلها بالانتظام والوتيرة اللازمين للحفاظ على النظافة والصحة، وإذا كان مسموحا للنزلاء والمودعين والموقوفين ارتداء ملابسهم الخاصة تتخذ ترتيبات عند وصولهم الى السجن أو الموقف لضمان نظافة الملابس وصلاحيتها للاستعمال في السجن (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص6).

كما وينبغي نقل النزلاء والمودعين المرضى الذين يحتاجون للعلاج الى المستشفيات والأطباء المتخصصين وأن تكون الأماكن الصحية والعيادات الطبية في السجون والمواقف مجهزة بالكوادر الصحية المدربين تدريبا مناسبا والمعدات والتجهيزات الطبية والصيدلانية المناسبة لتقديم الرعاية الصحية والعلاج للنزلاء والمودعين والموقوفين المرضى، وأن يسمح لكل نزيل ومودع وموقوف الحصول على خدمات طبيب اسنان منتدب للعمل في الأماكن الصحي أو العيادة الطبية، وينبغي أيضا توفير جميع التجهيزات الخاصة لتقديم ما يلزم من عناية وعلاج للنزيلات والمودعات والموقوفات الحوامل قبل الولادة وبعدها وتتخذ الترتيبات آلما تيسر ذلك عمليا لكي يولد الاطفال في مستشفى خارج السجن أو الموقف، وإذا ولد طفل في السجن لا يذكر ذلك في شهادة الميلاد، ويسمح ببقاء الأطفال الرضع في السجن أو الموقف مع امهاتهم ويتم توفير حضانة للأطفال يشرف عليها طاقم من الموظفين المؤهلين يكون فيها الاطفال تحت رعايتهم عندما لا يكونون في رعاية أمهاتهم، وعلى الطبيب المسؤول عن المستشفى أو المكان الصحي أو العيادة الطبية فحص كل نزيل ومودع وموقوف بأسرع ما يمكن بعد ادخاله السجن أو الموقف وكلما اقتضى الأمر إجراء مثل هذا الفحص بعد ذلك، ويجرى هذا الفحص بغية اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي واتخاذ كافة التدابير الصحية الضرورية تجاهه مثل فصل المساجين الذين يشتبه أنهم مصابون بأمراض سارية أو معدية، وملاحظة أية عيوب جسدية أو عقلية في النزيل والمودع والموقوف قد تعيق إعادة تأهيله وكذلك تحديد قدرته الجسدية على العمل، كما وألزم المشرع المستشفى أو المركز الصحي أو العيادة الطبية بتوفير الرعاية الصحية الجسدية والعقلية للنزلاء والمودعين والموقوفين، وينبغي أن يقوم بفحص جميع المرضى يوميا وجميع الذين يشتكون من المرض وأي سجين يثير انتباهه بصورة خاصة، وعلى الطبيب المسؤول عن المركز الصحي والعيادة الطبية تبليغ مدير السجن أو الموقف كلما اعتبر أن الصحة الجسدية أو العقلية للنزيل أو المودع أو الموقوف أو لزملائه في السجن أو الموقف قد تضررت أو قد تتضرر نتيجة لاستمرار سجنه أو إيقافه نتيجة لأية ظروف تتعلق بالسجن أو الموقف، وعلى مسؤول المستشفى أو المركز الصحي أو العيادة الطبية التفتيش بصورة منتظمة وإفادة مفتش السجن أو الموقف والمدير الاداري بتقرير عن كمية الغذاء ونوعيته وكفايته وطريقة اعداده وتقديمه، فضلا عن النظافة الصحية ونظافة النزلاء والمودعين والموقوفين وملابسهم ومدى ملائمتها ولوازم فراشهم، وكذلك المرافق الصحية والحمامات والمغاسل في السجن أو الموقف والتدفئة والاضاءة والتهوية، ومراقبة توفير التربية البدنية والألعاب الرياضية للنزلاء والمودعين في الحالات التي لا يوجد فيها موظفون مدربون مسؤولون عن هذه الأنشطة، وعلى مدير السجن أن يأخذ بعين الاعتبار ما يقدمه له مسؤول المركز الطبي أو العيادة الطبية من تقارير، ويجب عليه أن يتخذ فورا الإجراءات والتدابير لمعالجتها ووضع الحلول لها ، أما إذا كان الإجراء خارج نطاق صلاحياته، فعليه أن يعد تقريرا على الفور يقدمه مع تقرير المسؤول الطبي والتوصية الى مسؤوله الأعلى بالإجراء المناسب (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص7).

نستنتج مما تقدم أن الرعاية الصحية هي حق للنزلاء والمودعين والموقوفين، وينبغي على الدولة ممثلة في الإدارة العقابية أن تقوم بتوفيرها لهم حتى يمكنهم الحصول على حقهم قبل المجتمع في التأهيل، فالتزام الدولة بتوفير الرعاية الصحية والخدمات الطبية لهم لا يمثل وفاء من جانبها لحقهم الإنساني في التمتع بهذه الرعاية والخدمات فحسب، وإنما هو في نفس الوقت وفاء من جانبها لالتزامها بوقاية المجتمع الحر من الأمراض السارية والمعدية، فالحق في الرعاية الصحية وتوفير الخدمات الطبية هو إذن حق عام وشامل لا يجوز أن يحرم منه أي فرد لأي سبب كان بما فيهم النزلاء والمودعين والموقوفين.

الفرع الثالث

التعليم والتشغيل والزيارات المبرمجة للنزلاء والمودعين

من أساليب المعاملة العقابية التي تستهدف الوصول بالعقوبة إلى غرضها الأساسي هي تعليم النزلاء والمودعين وتهذيبهم وتشغيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع، ذلك لأن تأهيلهم لا يتم إلا من خلال تهذيبهم وتعليمهم ورفع قدراتهم وإمكاناتهم الذهنية، فيصبحون أقدر على فهم الأمور وأكثر إدراكا لأبعادها ونتائجها، لذلك فإن التعليم حق لكل نزيل أو مودع في مواصلة دراسته ولكل المراحل خلال مدة محكوميته (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص7)، وقد أوجب المشرع العراقي في المادة (17/ثانيا) من قانون إصلاح النزلاء والمودعين العراقي النافذ دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث تأمين حاجة النزلاء والمودعين الى التعليم ومواصلة الدراسة بفتح المدارس العامة أو المهنية في كلتا الدائرتين أو تأمين مواصلة الدراسة خارجها في نطاق مقتضيات الأمن الداخلي وامكانيات هاتين الدائرتين (الملغي، 2003، ص8)، ووفقا للفقرة (ثانيا) من المادة (17) من ذات القانون تتولى وزارة التربية بالتنسيق مع وزارة العدل (الملغي، 2003، ص9)، تحقيق المتطلبات الموضوعية لتنفيذ برامج دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث لتعليم وتأهيل النزلاء والمودعين بفتـح المدارس العامة والمهنية بجميع مراحلها داخل اقسام الإصلاحية في هاتين الدائرتين، يمنع ذكر أي بيان في الشهادة الدراسية أو المهنية التي يحصـل عليها النزيل والمودع اثناء تنفيذ العقوبة يشير الى أنه حصـل عليها فـي دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص8).

      مما تقدم يتضح أن التعليم عنصرا جوهريا من عناصر البرنامج الإصلاحي، وينظر رجال الإصلاح إلى التعليم في المؤسسات العقابية كأداة ينبغي أن تمتد وظيفتها لتشمل جميع ميادين الحياة، بمعنى أن يسعى برنامج التعليم في المؤسسة العقابية إلى إعادة بناء شخصية النزيل أو المودع واتجاهاته وقدراته ونضوجه من جميع النواحي، حتى يصبح قادرا على أن يشق طريقه في الحياة الشريفة، وأن يساهم في استقرار ورفاهية المجتمع الذي يعيش فيه.

ولقد نظم المشرع العراقي عمل النزلاء والمودعين في المؤسسات العقابية في المواد (19 و20و21و22و23و24و25) من قانون إصلاح النزلاء والمودعين العراقي النافذ باعتباره من وسائل إعادة التهذيب والإدماج الاجتماعي حسب السياسة العقابية الحديثة، حيث استبعد الغرض العقابي للعمل والمتمثل في إيلام النزلاء والمودعين، حيث تكفل دائرتا الإصلاح العراقية وإصـلاح الأحداث لكـل نزيل و مـودع أتم (15) الخامسة عشرة من عمره حق العمل في حدود قدرته ومؤهلاته في نطـاق القواعـد الفنية للتصنيف بقصـد تأهيلـه وتدريبه مهنيا وتهيئة اسبـاب العيش لـه بعـد انقضاء محكوميته ومساعدته على الاندماج في المجتمع، وعلى دائرتي الإصلاح العراقية وإصـلاح الأحداث إنشاء وتوفير الورش والمعامل والمنشآت ومستلزمات العمل الكريم المناسب للنزلاء والمودعين والاستغلال الأمثل للإمكانات والتخصيصات المالية المتوفرة لها، ويؤسس في قسم التدريب والتأهيل والتشغيل التابع الى دائرة الاصلاح شعبة التقاعد والضمان الاجتماعي للنزلاء والمودعين تتولى شؤون النزلاء والمودعين فيما يختص بالمخاطبات مع هيأة التقاعد العامة ودائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال والتنسيق معها لضمان حقوقهم في العمل والتشغيل طيلة مدة محكوميتهم، ويحظر تشغيل النزلاء والمودعين بأعمال السخرة في الأقسام الإصلاحية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص8).

وحسن فعل المشرع العراقي حينما أكد على أن العمل جزء مـن مقومات العملية الإصلاحيـة والتأهيلية وليـس عقوبـة بذاته، وعلى اللجان المشكلة في دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث مراعاة رغبة النزيل والمودع باختيار ما يتلاءم منه مع قدراته ومؤهلاته (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص9)، وتأكيدا لمبدأ الأجر على قدر المشقة، أجاز المشرع العراقي تشغيل النزيل والمودع الذي أتم (15) الخامسة عشرة من عمره داخل أقسام الإصلاحية مقابل أجر وأن يكون العمل وظـروفـه بمستوى يقترب من المستوى المطبق خارجها من حيث النوع وطريقة الإداء وانواع الآلات والأدوات المستعملة ووسائل السلامة والصحة المهنية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص9).

كما أجاز القانون النافذ تشغيل النزيل والمودع الذي أتم (١٥) الخامسة عشرة من عمره بالتعاقـد مع الجهات الحكومية التي تحتـاج الى عمل وشغل النزيل والمودع داخل ورش ومعامل القسم الاصلاحي أو الى قوى عاملة في مشاريعها خارج اقسام الاصلاحية وتتولى دائرتي الإصـلاح العراقية وإصلاح الأحداث وفق تعليمات يصدرها الوزير المختص، حيث تتولى دائرتا الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث مهمة التعاقد مع الجهات الحكومية التي تحتاج الى شغل النزيل أو المودع داخل ورش ومعامل القسم الاصلاحي أو الى قوى عاملة في مشاريعها وفق الأسس والضوابط والتعليمات التي يصدرها الوزير المختص، ويشترط في تشغيل النزيل والمـودع لـدى الجهات الحكومية أن يكون قد أمضى (10%) من مدة محكوميته في دائرتي الإصلاح العراقية أو إصلاح الأحداث ومدارس إصلاح النزلاء والمودعين اذا كانت محكوميته لا تزيد على (5) خمس سنوات، وأن يكـون قـد امضى (25%) من مدة محكوميته فـي دائرتي الاصلاح العراقية أو اصلاح الاحداث ومدارس اصلاح النزلاء والمودعين اذا كانت محكوميته تزيد على (5) خمس سنوات، مع مراعاة حسن السلـوك والجدارة للعمل الخارجي بتأييد من دائرة الاصلاح المختصة، ويستثنى من التشغيل الخارجي المحكومون عن جرائم القتل العمد غير المتنازل عنها وجرائم السرقة واختلاس أموال الدولة وجرائم الإرهاب وجرائم المخدرات وجرائم الخطف والاغتصاب وجرائم غسل الأموال، ويستثنى النزلاء والمودعون الذين لا تزيد مدة محكومياتهم عن (٥) خمس سنوات من شروط منح الإجازة المنزلية المنصوص عليها في البند (ثانياً) من المادة (٣٠ ) من القانون النافذ (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص9).

وقد أحال المشرع العراقي الى أحكام قانون العمل النافذ لتطبيق ما يتعلق بالأجور وتحديدها وأوقات وساعات العمل والإجازات والعطل والأعياد وحماية المرأة العاملة وحماية الأحداث والسلامة المهنية على النزلاء والمودعين العاملين داخل اقسام ومدارس الاصلاح الاجتماعي أو خارجها، حيث تصرف الأجور وساعات العمل لمن يتم تشغيلهم بوظائف واعمال ادارية أو فنية مؤقتة وفقاً لقوانين الخدمة المدنية والقوانين الخاصة والانظمة والتعليمات الصادرة بموجبها للنزلاء والمودعين غير المشمولين بقانون العمل النافذ، كمل ويخضع النزلاء والمودعون لأحكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وقانون التقاعد الموحد النافذ حسب مقتضى الحال، وتتحمل الجهة صاحبة العمل (3%) من أجـر النزيل والمودع لحساب صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وتسدد هذه النسبة بكاملها الى الصندوق (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص10).

والتساؤل الذي يطرح في هذا المقام هو ما الحكم فيما لو أصيب النزيل بحادث أثناء العمل، فهل يتم مكافئته عن ذلك وما هو السند القانوني في هذه الحالة؟

في الواقع لم يعالج المشرع العراقي هذا الأمر في القانون النافذ، في حين نص في المادة (52/1) من القانون الملغي على أنه ” تمنح مكافئة في حالة إصابة النزيل بحوادث العمل على ألا تتجاوز نصف المبلغ المقرر بمقتضى القوانين والأنظمة الخاصة بالعمل والضمان الاجتماعي”، وبذلك ميز المشرع العراقي بين النزيل والعامل عند وقوع إصابة، نأمل من المشرع النص على ذلك حينما يتم تعديل القانون النافذ.

ولكيلا يُبخس حق النزيل أو الموقوف في الاتصال بالعالم الخارجي وهو في داخل المؤسسات العقابية نص المشرع العراقي على جواز استقباله لزائريه وعائلته مرة واحدة على الأقل لكل منهما في الشهر وتوفير مكان مناسب ولائق للزيارات العائلية، وللمودع استقبال زائريه مرة واحدة على الأقل في الأسبوع إذا كانت الزيارة في مصلحته ولها أثر في تأهيله وتقويمه، ويكافئ النزيل أو المودع بزيـادة عدد الزيـارات إذا اثبت تفوقـا فـي عمله أو دراسته أو أبدى سلوكا متميزا، ويستثنى من جواز استقبال الزائرين وأفراد عائلاتهم المحكومون عن جرائم الإرهاب أو أمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو جرائم غسل الأموال، وتكون زيارتهم إلا بموافقة خاصة (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص10)، ولا يجوز حرمان النزيل والمودع والموقوف من الزيارة إلا بموافقة المدير العام للدائرة ولا يحرم منها لأكثر من(3) ثلاثة أشهر بأي حال من الأحوال (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص10).

وتحدد بتعليمات يصدرها الوزير المختص مواعيد وضوابط الزيارات الاعتيادية للنزيل أو المودع أو الموقوف، وكذلك الحالات التي يسمح فيها للنزيل أو المودع أو الموقوف استقبال زائريه عند الضرورة اضافة الى الزيارات الاعتيادية، وأيضا الحالات التي يجوز فيها حرمان النزيل أو المودع أو الموقوف من استقبال زائريه، كما وتحدد أحكام وضوابط منح الإجازة المنزلية للنزيل أو المودع وتجدد من قبل الوزير (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص11).

وبخلاف قانون إصلاح النزلاء والمودعين الملغى أجاز المشرع العراقي لأعضاء البعثات الدبلوماسية والسفارات وبموافقة الوزير المختص وبطلب مسبب وبحسب مقتضيات التعامل الدبلوماسي زيارة رعاياهم من النزلاء والمودعين والموقوفين في دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث شرط التعامل بالمثل مع البعثة الدبلوماسية العراقية لزيارة المواطنين العراقيين الموجودين في سجون ومواقف ومراكز الاحتجاز في دولة النزيل أو المودع أو الموقوف، ويسمح للسجناء من مواطني دول ليس لها تمثيل دبلوماسي أو قنصلي في العراق استقبال دبلوماسي الدولة التي تتولى رعاية مصالحهم في قوانين العراق، كما يسمح للسجناء اللاجئين أو غير المنتمين الى أي دولة استقبال المندوب الدبلوماسي للدولة التي تتولى رعاية مصالحهم (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص11).

الفرع الرابع

النظام الانضباطي للنزلاء والمودعين

يتميز الجزاء التأديبي داخل المؤسسات العقابية بخاصيتين أساسيتين الأولى تخلصه من كثير من صوره القديمة التي كانت تتصف بالقسوة المفرطة والانتقام المهدر لكرامة المحكوم النزلاء والمودعين، والثانية تدرجه في الجسامة والشدة ليتناسب مع درجة المخالفة التي وقعت من المحكوم عليه، والجزاء التأديبي باعتباره أسلوب معاملة داخل المؤسسة العقابية، ينبغي أن يخضع لقواعد معينة وأن يكون الهدف منه هو الإصلاح وليس الانتقام، لذلك ينبغي أن يخضع الجزاء التأديبي لمبدأ الشرعية، وهذا يعني أن تحدد الجزاءات التأديبية بموجب القانون أو النظام ضمن قائمة موضوعة سلفا، تبين بوضوح الجزاءات التي تطبق على السجين الذي ارتكب مخالفة (علي و عثمان، 1973، ص34).

وقد نظم المشرع العراقي قواعد التأديب داخل المؤسسات العقابية، حيث أجاز القانون النافذ لوزير العدل منح المدير العام لدائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث صلاحية فرض العقوبات التأديبية على النزيل والمودع بناء على توصية اللجنة التحقيقية المختصة أو لجان التفتيش المشكلة داخـل اقسام الاصلاحية عند مخالفته للأنظمة والتعليمات الصـادرة بموجب هذا القانون أو خروجه على برامج التأهيل والعمل الواجب عليه اتباعها وتشمل الحرمان من المشاركة في الفعاليات الرياضية والترفيهية، والحرمان من المراسلة، والحرمان من الزيارة، والحجر الانفرادي (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص13).

ولا يجوز أن تزيد هذه العقوبات عدا الحجر الانفرادي عن (30) ثلاثين يوما للنزيل والمودع، وللمدير العام مضاعفتها الى (٦٠) ستين يوما إذا كرر النزيل والمودع المخالفة، ولا يجوز أن تزيد مدة الحجر الانفرادي على (٣٠) ثلاثين يوماً للنزيل و(15) خمسة عشر يوما للمودع، وللمدير العام مضاعفتها الى (٦٠ (ستين يوماً للنزيل و (٣٠) ثلاثين يوما للمودع إذا كرر النزيل أو المودع المخالفة (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص14).

فضلا عن ذلك يحال النزيل والمودع الى المحكمة المختصة إذا ارتكـب داخـل اقسـام الإصلاحية فعلا معاقبا عليه في القوانين العقابية النافذة (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص13).

ويحظر إدخال المخدرات والمسكرات بأنواعها كافة والنقود والحلي والتسجيلات الممنوعة التي تحددها التعليمات والكتب والجرائد والنشرات الممنوع تداولها والاسلحة النارية والآلات الجارحة أو الراضة أو القارضة أو الكهربائية أو أية مواد أو آلات تضر بسلامة النزلاء والمودعين واجهزة الاتصال المختلفة كالهاتف النقال وما سواها وأية مادة تهدد الأمن والسلامة الى اقسام اصلاح النزلاء والمودعين والموقوفين، وكذلك العقاقير الطبية ذات الاستخدام المزدوج إلا بوجود وصفة طبية وتحت إشراف طبيب متخصص (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص14).

وتصادر المواد المذكورة في حالة وجودها في حيازة النزيل والمودع بقرار من الوزير المختص وفقا للقانون ما لم تشكل مبرزاً جرميا (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص14)، ويعاقب النزيل والمودع بإحدى العقوبات التأديبية إذا حاز النقود والحلي أو التسجيلات الممنوعة التي تحددها التعليمات أو الكتب والجرائد والنشرات الممنوع تداولها أو اجهزة الاتصال المختلفة كالهاتف النقال وما سواها، ويحال النزيل والمودع عند حيازته المخدرات والمسكرات بأنواعها كافة والأسلحة النارية والآلات الجارحة أو الراضة أو القارضة أو الكهربائية أو أية مواد أو الآت تضر بسلامة النزلاء والمودعين الى المحكمة المختصة مع المواد المضبوطة (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص14).

وإذا تأيد أن النزيل قد حسُن سلوكه بناء على توصية من اللجنة الفنية (الملغي، 2003، ص12)، أو الباحث الاجتماعي المختص، فللمدير العام لدائرتي الإصلاح العراقية ومدير عام دائرة إصلاح الأحداث إلغاء أو تخفيض أي عقوبة تأديبية مفروضة على النزيل أو المودع بموجب هذا القانون، ولمدير القسم الإصلاحي التوصية الى مدير عام دائرة الاصلاح بتخصيص مكافئات وجوائز نقدية أو عينية للنزلاء أو المودعين الذين يثبتون تفوقا في العمل أو الدراسة أو التدريب أو يظهرون سلوكا وانضباطا عاليين (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص14).

وقد ألزم المشرع العراقي دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث فرض قيود لأجل المحافظة على الانضباط والنظام العام على ألا تتجاوز القدر اللازم والضروري لتأمين سلامة النزلاء والمودعين والموقوفين وتنظيم حياتهم مع غيرهم من النزلاء والمودعين والموقوفين وفقاً لمعايير دقيقة منها عدم جواز استخدام النزيل أو المودع أو الموقوف للقيام بأعمال تأديبية مهينة أو ذات طابع انتقامي، واعتماد القواعد الانضباطية الواردة في هذا القانون النافذ والأنظمة الصادرة بموجبه لكل سلوك يشكل خرقا للنظام أو اخلالا بالقواعد المتبعة في السجن أو الموقف وتنفذ من قبل السلطة المخولة أو المختصة بفرض العقوبة الانضباطية، وعدم جواز معاقبة أي نزيل أو مودع أو موقوف إلا بعد تبليغه بالعمل الذي ارتكبه المخالف للنظام أو القواعد وبعد منحه الحق في الدفاع عن نفسه أمام اللجنة التحقيقية المشكلة للنظر في المخالفة ويسمح للنزيل أو المودع أو الموقوف الاجنبي تقديم دفاعه من خلال مترجم عند الاقتضاء، كما تحظر حظرا تاما العقوبة الجسدية والعقوبة بالسجن في زنزانة مظلمة وضيقة أو عقوبة تخفيض كميات الوجبات الغذائية التي يتناولها وجميع العقوبات القاسية أو الإنسانية أو المهنية أو أية عقوبة أخرى قد تكون ضارة بصحة السجين الجسدية أو العقلية التي قد تفرض على النزلاء والمودعين والموقوفين المخالفين لقواعد الانضباط في السجن أو الموقف وارتكابهم أعمال تستحق التأديب، وعلى مسؤول المستشفى أو المركز الطبي أو العيادة الطبية القيام بزيارة يومية للنزلاء والمودعين الذين يقضون عقوبات انضباطية، ويجب عليه إبلاغ مدير السجن أو الموقف إذا رأى أن إلغاء هذه العقوبة أو تبديلها ضروري لأسباب تتعلق بصحة السجين الجسدية أو العقلية، ويحظر استخدام أدوات تقييد النزلاء والمودعين والموقوفين مثل الأصفاد والسلاسل والقيود الحديدية ومعاطف التكتيف لمعاقبتهم باستثناء ثلاث حالات وهي منع النزيل والمودع والموقوف من الهرب اثناء نقله كإجراء وقائي شريطة أن تفك هذه القيود عندما يمثل أمام القاضي أو لأسباب طبية وحالته الصحية والعقلية بتوجيه من المسؤول الطبي أو بأمر من مدير السجن أو الموقف إذا فشلت أساليب السيطرة الأخرى في منع النزيل والمودع والموقوف من إيذاء نفسه أو إيذاء الأخرين أو الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة، وعلى إدارة السجن أو الموقف أن تقدم للنزيل والمودع والموقوف عند دخوله السجن أو الموقف معلومات مكتوبة عن القواعد التنظيمية التي تنظم التعامل مع النزلاء والمودعين والموقوفين من فئته وعن مقتضيات التأديب ومراعاة النظام في السجن والموقف وعن الإجراءات المسموح بها للحصول على معلومات وتقديم الشكاوى وعن جميع المسائل الأخرى الضرورية لتمكينه من فهم حقوقه والتزاماته ولتمكينه من تكييف نفسه مع الحياة في السجن أو الموقف ويبلغ النزيل والمودع والموقوف بالمعلومات المذكورة في هذه المادة شفويا إذا كان أُميا، وعلى دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث وضع نظام خاص بانضباط النزلاء والمودعين والموقوفين بالتنسيق فيما بينها وإحالته الى مجلس الوزراء لإصداره (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص14).

 

المطلب الثاني

الإجازات المنزلية والرعاية اللاحقة للنزلاء والمودعين

من أكثر الإجراءات الإصلاحية التي تقتضي من إدارة المؤسسات العقابية بذل عناية وتنظيم متقن خارج هذه المؤسسات هي نظام الإجازات المنزلية ونظام الرعاية اللاحقة للنزيل والمودع، لذا سوف نتناول بشيء من التفصيل كلا النظامين وعلى النحو الاتي:

الفرع الأول

نظام الإجازات المنزلية

ويراد به إعطاء النزيل الحق في الخروج من المؤسسة العقابية والتغيب عنها فترة من الزمن، تختلف حسب الحاجة التي استدعت خروجه على ألا تتجاوز فترة معينة، ولقد كان هذا النظام مقررا في الماضي لأسباب إنسانية بحتة تقتضيها الضرورة كما هو الحال عندما يصاب قريب له بمرض خطير يهدد حياته، أو يتوفى هذا القريب، فيسمح للمحكوم عليه بعيادة قريبه أو حضور جنازته (عقيدة، 199، ص6) .

      ويتميز هذا النظام وإن كانت مدته قصيرة بتخفيف وطأة العقوبة السالبة للحرية على نفسية النزيل، فيحول دون إصابتهم بصدمات نفسية شديدة والتي قد تحدث نتيجة لعدم تمكنهم من الخروج من المؤسسة لمواجهة ظروف عائلية أو اجتماعية خطيرة، ومع ذلك فإنه يخشى أن يستغل النزيل هذا النظام كوسيلة للهرب من تنفيذ العقوبة، والواقع أن هذه الخشية ليس لها أساس في كثير من الأحيان لأنه نظام للمعاملة العقابية أساسه الثقة بالنزيل، يمنح لبعض طوائف النزلاء الذين ليسوا على درجة كبيرة من الخطورة الإجرامية، والذين لا يخشى هروبهم (نمور، 1997، ص 46).

وقد نظم المشرع العراقي بموجب قانون إصلاح النزلاء والمودعين النافذ نظام الإجازات المنزلية بشيء من التفصيل بخلاف القانون الملغى الذي تناوله بمادة واحدة وهي المادة (38) بمقتضاه يتم السماح للنزيل والمودع من العراقيين بترك المؤسسة العقابية والالتقاء والاجتماع بأسرته والاتصال بالعالم الخارجي، بناء على طلب مدير عام دائرة الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث بعد موافقة الوزير المختص (الملغي، 2003، ص10) مدة لا تزيد على (5) خمسة أيام كل (٣) ثلاثة أشهر عدا أيام السفر وفقا للشروط السبعة الآتية: أولا- ألا يكون محكوما عليه أ- بجريمة ماسة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي ب. بجريمة إرهابية أو جريمة غسل الأموال جـ- بجريمة سرقة. د- بجريمة مخلة بالشرف هـ- بجريمة قتل غير متنازل عنها و- أي جريمة أخرى مُعاقب عنها بالإعدام أو السجن المؤبد ثانيا- ألا يكون مجرما عائدا ثالثا- ألا تكون ذمته المالية مشغولة لدوائر الدولة والقطاع العام في القضية المحكوم بسببه رابعاً- أن تقدم عنه كفالة شخصية ومالية ضامنة يحدد مبلغها الوزير المختص خامسا- أن يكون قد أمضى في اقسام إصلاح النزلاء والمودعين ربع مدة محكوميته بعد طرح التخفيضات ومدة الافراج الشرطي التي يستحقها بشرط ألا تقل تلك المدة عن (1) سنة واحدة سادسا- أن يتأكـد حسن سلوكه في قسم إصـلاح النزلاء والمودعين وجدارته للتمتع بالإجازة سابعا- ألا تتعرض حياة النزيل والمودع الى الخطر بسبب تمتعـه بالإجازة المنزلية، وألا يؤثر على أمن المؤسسة الإصلاحية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص12).

وحبذا لو لم يكرر المشرع العراقي النص على جريمة معاقب عليها بالإعدام كالجريمة الإرهابية ضمن الشروط في الفقرة (أولا/ب)، كونه قد ذكر في الفقرة (و)…... أي جريمة أخرى مُعاقب عنها بالإعدام أو السجن المؤبد، والاكتفاء بالإشارة الى الفقرة (و).

وإذا تأخر النزيل والمودع الذي تنتهي إجازته المنزلية عـن الالتحاق بقسم إصلاح النزلاء والمودعين مدة تزيد على (٣) ثلاثة أيام من تاريخ انتهاء إجازته لسبب يقرر المدير العام المختص مشروعيته، تضاف مدة التأخير الى مدة محكوميته، أما إذا قرر المدير العام المختص عدم مشروعية السبب فتضاف مدة التأخير الى مدة محكوميته، ويحرم من الإجازة المنزلية (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص12).

وإذا كان النزيل والمودع محكوما بأكثر من عقوبة وكان من بينها عقوبة تقرر حرمانه من الإجازة المنزلية فلا يستحق مـدة الإجازة إلا بعـد إكمال العقوبة وتوافـر الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، ولكل من مدير عام دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث بعد موافقة الوزير المختص منح إجازة منزلية إضافية للمبدعين من النزلاء والمودعين مرة واحدة كل سنة عن الإبداع في العمل والنجاح المتميز فـي الدراسة (إعادة تأهيل النزلاء، 2018، ص12).

 

 

الفرع الثاني

نظام الرعاية اللاحقة

يراد بالرعاية اللاحقة العناية التي توجه للنزلاء والمودعين الذين أمضوا مدة العقوبة السالبة للحرية ومعاونتهم على اتخاذ مكان لهم بين أفراد المجتمع كأشخاص معتدلين، بحيث يجدون فيه مستقرا لحياتهم على المستوى المادي أو المعنوي (موسى، 2008، ص240)، عملية علاجية للشخص المنحرف وتقويمه لإعادة تكيفه مع بيئته الاجتماعية كأي مواطن صالح يتطلب مساعدته (الجابري، 2010، ص20)، ويرى آخرون بانها عملية اختبارية لمراقبة الشخص المنحرف لفترة زمنية معينة وفي مكان معين بهدف حماية المجتمع من خطورته.

وتكمن أهمية الرعاية اللاحقة ودورها العقابي في أن المفرج عنه يتعرض لظروف قاسية بعد الإفراج يمكن تسميتها “بأزمة الإفراج“، ويفرض هذا الوضع على السلطات العامة أن تبذل قصارى جهدها لمساعدة ومعونة هؤلاء الأشخاص، تجنبا لما قد يترتب على عدم تدخل السلطة من إمكانية عودة المفرج عنه إلى الجريمة وتعريض المجتمع للخطر.

ويرى الباحث بأن الرعاية اللاحقة هي تلك الجهود العلمية والعملية التي تقوم عليها أجهزة متخصصة ومتعاونة عامة أو خاصة أيا كانت صفتها رسمية أو غير رسمية تعمل على توفير العناية اللازمة لهم ولأسرهم خلال فترة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية وقبل إخلاء سبيلهم لأجل تكييفهم تدريجيا للحياة الجديدة مع العالم الخارجي، وتتخذ الرعاية اللاحقة صورتين اساسيتين وهما:

أولا- مساعدة المفرج عنه لبناء مركزه الاجتماعي

ونعني بذلك تزويد النزيل بالمعونة النقدية التي يحتاجها في الوصول للمكان الذي يريد الاستقرار فيه من خلال الأموال النقدية التي جمعها جراء عمله في المؤسسة العقابية، مع ضرورة توفير المأوى المؤقت للمفرج عنه أو إنزاله لدى اسرة مشهود لها بالسمعة الطيبة تقبل نزوله لديهم مقابل أجر شهري سيما وأنه قد فقد منزله السابق نتيجة سلب حريته وأن تركه بلا مأوى سوف يعرضه للتشرد والإجرام، فضلا عن مساعدته في البحث عن فرصة عمل تتلاءم مع امكانياته وقدراته (الصادي وآخرون، 1986، ص104).

ومما تجدر الإشارة أليه أن المشرع العراقي لم ينص لا في قانون إصلاح النزلاء والمودعين الملغي ولا النافذ على الأحكام الخاصة بالرعاية اللاحقة، ولكنه عالج الأمر فقط بشأن الحدث في المادة (99) من قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983 التي عرفت الرعاية اللاحقة بأنها ” رعاية الحدث بعد انتهاء مدة إيداعه مدرسة التأهيل بما يضمن اندماجه في المجتمع وعدم عودته الى الجنوح “، كما ونصت المادة (100/1) على أنه ” يتولى قسم الرعاية اللاحقة المرتبطة بدائرة إصلاح الأحداث الأشراف على رعاية الحدث بعد انتهاء مدة إيداعه في المؤسسة العامة للإصلاح الاجتماعي”، أيضا أوجبت المادة (101) على ” إدارة مدرسة التأهيل قبل انتهاء مدة الإيداع بفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر بتزويد قسم الرعاية باسم الحدث الذي سوف تنتهي مدة إيداعه مع تقرير مفصل عنه “، كذلك نصت المادة (103) على أنه ” لقسم الرعاية اللاحقة تقديم منحة مالية مناسبة للحدث لمساعدته في إيفاء حاجاته العاجلة وتبديل البيئة التي كان يعيش فيها عند جنوحه إذا كانت سببا في ذلك “.

ثانيا- إزالة العقبات التي تعترض سبيل المفرج عنه

ويتحقق ذلك من جوانب متعددة منها توفير العلاج الطبي لمن يعاني من مرض معين يكفل له الشفاء التام والتأهيل الكامل لا سيما المرضى العاجزين والشواذ والمدمنين، مع ضرورة تهيأت الرأي العام لتقبل المفرج عنهم حديثا وعدم عزلهم اجتماعيا واقناعه بأن تقديم الرعاية اللاحقة هو لمصلحة المجتمع ذاته لأنه يكافح أحد أسباب العود الى الجريمة.

ومما تجدر الإشارة اليه أن الرعاية اللاحقة هي عامة لجميع المفرج عنهم، إذ من شأنها تدعيم جهود التأهيل التي سبق وإن تم بذلها إثناء التنفيذ العقابي، وقد حرص مؤتمر لندن على تقرير هذا الأصل، فنصت توصياته على أن “الرعاية اللاحقة – باعتبارها جزءا من جهود التأهيل- يتعين أن تتجه إلى كل شخص يغادر السجن” (كامل، 1995، ص23).

ولعل من المفيد التذكير الى إنه إذا كانت الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم سهلة التصور من الناحية النظرية، فإن وضعها حيز التنفيذ ليس بهذه السهولة المتصورة، لأنها تتطلب تجنيد كافة الجهات ذات العلاقة بعملية الإدماج ومحاربة الجريمة إلى المساهمة في الجهد الوطني لإعادة الإدماج والتصدي لمسببات العود الإجرامي بما يحقق حماية المجتمع، ومن العقبات التي تعترض تأهيل المفرج عنه ما يتعلق بمراقبة الشرطة ومنع الإقامة التي تفرض عليه باعتبارها عقوبات تبعية أو تكميلية أو تدابير احترازية، ناهيك عن عدم وجود مؤسسات رسمية واجتماعية تكون همزة وصل بين المجتمع والمفرج عنه تساعد على تلبية حاجاته الضرورية ومتطلبات إدماجه، الأمر الذي يقتضي استحداث أجهزة رسمية تتكفل بالرعاية اللاحقة للمفرج عنهم وتشجيع إنشاء جمعيات غير حكومية تنشط في هذا الإطار.

الخاتمة

ومن خلال دراستنا لموضوع تطوير السياسة العقابية بين الواقع والطموح – العراق أنموذجا فقد توصلنا الى عدة نتائج ومقترحات وهي كالاتي:

أولا- النتائج

1- إن مهمة الإصلاح وإعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي لا يمكن أن تقطف ثمارها إلا إذا هيء لها المناخ المناسب والملائم الذي يضمن نجاحها من خلال تحسيس النزيل والمودع بأن بإمكانه أن يكون فردا فعالا في المجتمع له حقوق وعليه التزامات ينبغي عليه وعلى المجتمع مراعاتها قدر الإمكان.

2- رغم إلغاء العمل برد الاعتبار في العراق، ألا أنه في اعتقادنا يعد من الإجراءات التي تؤدي الى انقضاء آثار العقوبة وهو آلية من آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للنزيل والمودع من حيث كونه يهدف الى جعلهم بعد انقضاء عقوباتهم وخروجهم من المؤسسة العقابية أشخاص فاعلين في الحياة الخارجية.

3- أن تدخل القضاء بالتعديل أو الإلغاء للأحكام الصادرة بالعقوبة هو من صميم عمل القضاء، وإن إشراف القضاء على تنفيذ تلك الأحكام سيجعل إدارة المؤسسات العقابية تتوخى الحذر والاعتدال في مباشرة أعمالهم، كما يتيح في الوقت نفسه الفرصة للقضاء بأن يكون على دراية بالأساليب الفنية للتنفيذ، وهذا لا يتعارض بالتأكيد مع مبدأ الفصل بين السلطات.

4- أغفل المشرع العراقي الطابع الفني التخصصي في اختيار البرامج العلاجية للنزيل والمودع ولم يوضح في القانون الجديد رغم أهميته، بخلاف القانون السابق حيث كانت اللجنة الفنية المنصوص عليها في القانون الملغي هي من تقرر برنامج علاجي لكل نزيل ومودع يتضمن درجة التحفظ والأحكام التي يجب احاطته بها وكذلك القسم الذي يعتبر أكثر ملائمة لحالته في السجن وأيضا العلاج الجسمي والعقلي والنفسي اللازم له والمنهاج الثقافي الملائم له فضلا عن التدريب المهني الذي يجب ان يتلقاه والعمل الملائم لقدراته وميوله وحاجاته والرياضة البدنية التي تتناسب مع قدراته.

5- لم يفرد المشرع العراقي أحكام خاصة في القانون الجديد تتعلق بالسجين السياسي والذي مُيز في القانون الملغي بينه وبين السجين العادي، من حيث التصنيف باعتباره صنفا ممتازا وعلى إدارة المؤسسة العقابية عزله عن النزلاء الأخرين.

6- حسن فعل المشرع العراقي حينما أكد على أن العمل جزء مـن مقومات العملية الإصلاحيـة والتأهيلية وليـس عقوبـة بذاته، بخلاف ما هو معمول به في أغلب الدول ومنها مصر حيث يكون العمل (الأشغال الشاقة) جزء مكمل للعقوبات السالبة للحرية طويلة الأجل، حيث خول المشرع العراقي اللجان المشكلة في دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث وفقا للقانون الجديد اختيار ما يناسب رغبة النزيل والمودع ويتلاءم مع قدراته ومؤهلاته.

7- رغم أن النصوص القانونية الموجودة حاليا في قانون إصلاح النزلاء والمودعين العراقي قد أخذت ببعض المعايير العلمية الحديثة للتصنيف كمعيار الصحة، ألا أن التصنيف المعمول به هو التصنيف التقليدي، القائم على العزل والفصل بين الفئات الكبرى للمحكوم عليهم والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على النظام العام، وتسهيل العمل على الإداريين القائمين على المؤسسات العقابية.

8- تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل وبخلاف قانون إصلاح النزلاء والمودعين الملغى أقر المشرع العراقي أسلوب الزيارات المتبادلة لأعضاء البعثات الدبلوماسية والسفارات وبموافقة الوزير المختص وبطلب مسبب وبحسب مقتضيات التعامل الدبلوماسي لرعاياهم من النزلاء والمودعين والموقوفين في دائرتي الإصلاح العراقية وإصلاح الأحداث، كما يسمح للسجناء اللاجئين أو غير المنتمين الى أي دولة استقبال المندوب الدبلوماسي للدولة التي تتولى رعاية مصالحهم.

9- يتمتع النزيل والمودع داخل اقسام ومدارس الاصلاح الاجتماعي أو خارجها بذات الحقوق والمزايا التي يتمتع بها العامل وفق أحكام قانون العمل النافذ لتطبيق ما يتعلق بالأجور وتحديدها وأوقات وساعات العمل والإجازات والعطل والأعياد وحماية المرأة العاملة وحماية الأحداث والسلامة المهنية، كما ويخضع هؤلاء لأحكام قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وقانون التقاعد الموحد النافذ حسب مقتضى الحال.

10- تعد مراقبة الشرطة ومنع الإقامة من أهم العقبات التي تعترض تأهيل المفرج عنه كونهما من القيود التي تحد من حرية المفرج عنه فضلا عن عدم وجود مؤسسات رسمية واجتماعية تكون همزة وصل بين المجتمع والمفرج عنه تساعد على تلبية حاجاته الضرورية ومتطلبات إدماجه، الأمر الذي يقتضي استحداث أجهزة رسمية تتكفل بالرعاية اللاحقة للمفرج عنهم وتشجيع إنشاء جمعيات غير حكومية تنشط في هذا الإطار.

ثانيا- المقترحات

1- نقترح على المشرع العراقي ضرورة تفعيل دور القضاء في مراقبة ما يتم تنفيذه من عقوبات سالبة للحرية داخل المؤسسات العقابية واستقبال ما يتم التظلم منه من قبل النزلاء والمودعين سيما المخالف منها للقانون والتعليمات الداخلية، رغم إعطاء الادعاء العام دور بارز ومهم في هذا الخصوص، تأكيدا لما ورد في نص المادة (5/ تاسعا) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 والتي نصت على أنه يتولى الادعاء العام المهام الاتية: رقابة وتفتيش المواقف واقسام دائرة الاصلاح العراقية ودائرة اصلاح الاحداث وتقديم التقارير الشهرية عنها الى الجهات المعنية.

2- نقترح على المشرع العراقي إضافة نص في القانون الجديد يؤكد على أهمية اللجنة الفنية في داخل المؤسسات العقابية ودورها في اختيار البرامج المناسبة العلاجية منها والتهذيبية والاصطلاحية لكل نزيل ومودع تكون أكثر ملائمة لحالته في السجن وأيضا العلاج الجسمي والعقلي والنفسي اللازم له والمنهاج الثقافي الملائم له فضلا عن التدريب المهني الذي يجب ان يتلقاه والعمل الملائم لقدراته وميوله وحاجاته والرياضة البدنية التي تتناسب مع قدراته.

3- نقترح على المشرع وتماشيا مع ما هو سائد اليوم بخصوص السجين السياسي والذي يقتضي تمييزه عن السجين العادي لا من حيث الواقع فحسب، بل من حيث إيراد نص يؤكد ذلك باعتباره صنفا ممتازا وعلى إدارة المؤسسة العقابية عزله عن النزلاء الأخرين.

4- نقترح على المشرع إفراد نص قانوني يجيز للنزيل والمودع بالحصول على سلفة أو قرض يعينه على قضاء حاجاته الشخصية أو العائلية طالما لديه عمل في داخل أو خارج المؤسسات العقابية مع توفير كافة الضمانات التي تكفل التزامه بالتسديد ومنها وجود بطاقة اتمان يحصل من خلالها على مرتبه الشهري.

5- نقترح أيضا إفراد نصوص تعالج الرعاية اللاحقة التي ينبغي أن يتمتع بها المفرج عنهم في قانون إصلاح النزلاء والمودعين النافذ على الأحكام الخاصة بالرعاية اللاحقة، أسوة بما نظمه المشرع العراقي للحدث الجانح في قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983.

6- نقترح على المشرع إيراد تعريف للرعاية اللاحقة وهي تلك الجهود العلمية والعملية التي تقوم عليها أجهزة متخصصة ومتعاونة عامة أو خاصة أيا كانت صفتها رسمية أو غير رسمية تعمل على توفير العناية اللازمة لهم ولأسرهم خلال فترة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية وقبل إخلاء سبيلهم لأجل تكييفهم تدريجيا للحياة الجديدة مع العالم الخارجي.

7- نقترح على المشرع العراقي عدم تكرر النص على جريمة معاقب عليها بالإعدام كالجريمة الإرهابية ضمن الشروط الواردة في الفقرة (أولا/ب) من المادة (38) من قانون إصلاح النزلاء والمودعين النافذ، كونه قد ذكر في الفقرة (و)…... أي جريمة أخرى مُعاقب عنها بالإعدام أو السجن المؤبد، والاكتفاء بالإشارة الى الفقرة (و).

قائمة المصادر والمراجع

أولا- الكتب القانونية

(1) عقيدة أبو العلا، (1997)، أصول علم العقاب، دراسة تحليلية للنظام العقابي المعاصر مقارنا بالنظام العقابي الإسلامي، دار الفكر العربي، دار النهضة العربية، القاهرة.

(2) الصادي، أحمد فوزي و عبد الرحمن، فاروق ودرويش، يحي حسن وآخرون، (1986)، الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم بين النظرية والتطبيق، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض.

(3) الجابري، إيمان محمد علي، (2010) الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم كتدبير احترازي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر.

(4) عبد المنعم، سليمان، (2003) علم الإجرام والجزاء، منشورات الحلبي، بيروت، لبنان.

(5) كامل، شريف سيد، (1995) علم العقاب، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، بدون مكان النشر.

(6) يحي، عادل، (2005)، مبادئ علم العقاب، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة.

(7) سليمان، عبد الله، (1990) النظرية العامة للتدابير الاحترازية، دراسة مقارنة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر.

(8) السراج، عبود، (1987)، علم الإجرام وعلم العقاب، دراسة تحليلية عن أساليب الجريمة وعلاج السلوك الإجرامي، ط1، مطبعة ذات السلاسل، الكويت.

(9) المحمدي، عز الدين، (2018)، بحث مقدم الى مؤتمر الإصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة – كلية القانون 25-26 نيسان.

(10) جعفر، علي محمد، (1981)، السجون وسياسة تطوير وظائفها الإصلاحية، كلية شرطة دبي، العدد 11، يناير.

(11) عبد الستار، فوزية، (1985)، مبادئ علم الاجرام وعلم العقاب، ط5، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت،.

(12) نمور، محمد سعيد، (1997)، المعاملة العقابية للسجناء بين الواقع والطموح، مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والبحوث القانونية، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، العدد 6، أكتوبر.

(13) أرحومة، موسى مسعود، (2002) إشراف القضاء على التنفيذ كضمان لحقوق نزلاء المؤسسات العقابية، مجلة الحقوق، (2) العدد (4)، ديسمبر.

(14) حسن، نورهان منير، (2009)، طرق الخدمة الاجتماعية وفي مجال الدفاع الاجتماعي، المكتب الجامعي الحديث، عمان.

(15) ساعاتي، سامية حسن، (1983)، الجريمة والمجتمع، بحوث في علم الاجتماع الجنائي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط2.

(16) الشاذلي، فتوح عبد الله، (2006)، اساسيات علم الاجرام والعقاب، ط1، منشورات الحلبي، بيروت، لبنان.

(17) موسى، مصطفى محمد، (2008)، إعادة تأهيل نزلاء المؤسسات العقابية في القضايا الجنائية والإرهابية، دار الكتب القانونية، مصر.

ثانيا- القوانين

(1) قانون تنظيم السجون الفرنسي.

(2) قانون إعادة تأهيل النزلاء والمودعين العراقي النافذ.

(3) قانون إعادة تأهيل النزلاء والمودعين العراقي الملغي.

ثالثا- الكتب الاجنبية

  • P. Pires, Une”Utopie Juridique”et Politique poue le Droit Criminel Moderne, Criminologie, Vol40, n°2,2007, pp9-18.
  • J, La Société Criminogène, Ed. Calman-Levy, Paris, 1971, p.206.
  • Aurélie Meyer, La Réinsertion Sociale en Prison, Mémoire réalisé Master en Droit Pénal et Sciences Pénal, Université Panthéon-Assas, Paris,2009/2010, p.06.
  • Samir, Criminologie et Réaction Sociale, Criminologie Judiciaire, Ed Modulo Editeur, Canada, 1984, p.148.
  • Evelyne, Le Travail Pénitentiaire, un Défit Européen, Ed. L’harmattan, Paris ,2006, p.12.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *