د. أماني أحمد اسكندراني

دكتوراه علم نفس النمو، كلية التربية ، جامعة دمشق ، سوريا .

00963930096859

   يحتل التواصل الاجتماعي مكانة هامة في المجتمعات، لأنه أساس بناء واستمرار التفاعلات والتبادلات بين الأفراد، و إنه جوهر العلاقات القائمة داخل المجتمعات ، وما ينتج عن سلوكيات، فلقد كان الاتصال وسيظل النشاط الأهم في حياة الإنسان الذي   يتفاعل مع الآخرين ، ويعبر عن أفكاره وحاجاته ومشاعره و شخصيته، ولقد جاءت نظرية التحليل التفاعلي إحدى نظريات الإرشاد النفسي التي اهتمت بمفهوم الاستجابة والإنفعال النفسي وتحليل شخصية الإنسان.

فالتحليل التفاعلي (أو التحليل التبادلي) جاء لمحاولة الفهم العميق للتفاعل الاجتماعي الذي يحصل عندما يلتقي شخصان كل منهما في حالة نفسية معينة، وتنطلق نظرية ايريك بيرن نحو آفاق رحبة في تمّلك الفرد لحرية الإرادة ومن ثمَّ قدرته على التغير، فهي نظرية تقدم لأول مرة نموذجاً حياً لتمكّين المرضى من وسيلة فعّالة للعلاج النفسي والإرشاد النفسي، عن طريق تزويدهم بقدر من الاستبصار بمكونات شخصياتهم الثلاثة “والد/ راشد/ طفل” ومساعدتهم على تحرير مستوى “الراشد” من كل من المستويين “والد / طفل” حتى يمتلك الإنسان حقاً إرادة التغيير، طبقاً للواقع الخارجي والحقائق الخارجية. (Chapman,2005,p1)

وبناءً على ذلك تلعب حالات الأنا الدور الأساس في تعاملنا مع أنفسنا، ومع الآخرين ، وكذلك مع الموضوعات الأخرى في بيئتنا، لذا كان من المهم من أجل نجاح أي اتصال بين شخصين أن يكون هناك انسجام بين حالات الأنا لدى كل منهما، وهذا لا يتم دون فهم كل منهما لحالات الأنا لديه، ومن هنا تبرز أهمية البحث الحالي  كخطوة علمية مبسطة لشرح هذه الحالات التي اهتم العالم والمحلل النفسي ايريك بيرن بدراستها وإلقاء الضوء عليها وربطها بالتواصل بين الأفراد وصولاً لفهم البنية النفسية لكل فرد ووصف أشكال العلاقات الاجتماعية بينهم، ممّا يساعد على فهم الدور الذي تلعبه حالات الأنا في تطوير الاتصال نحو الأفضل وعليه يحدث التنبؤ به.

وعلى هذا الأساس يهدف هذا البحث إلى تحليل إشكالية التواصل بين الأفراد انطلاقاً من تقديم تصور وفهم واضح لنظرية التحليل التبادلي، وانطلاقاً ممّا سبق، فإنَّ مشكلة البحث تكمن في إمكانية دراسة حالات الأنا كمتغير نفسي اجتماعي يساعد على تحسين التواصل بين الأفراد، عبر إلقاء الضوء على تطور ونمو حالات الأنا عبر في كل مرحلة عمرية وأشكال التواصل الصحيحة وفقاً لهذه الحالات ووفقاً لمنظور نظرية التحليل النفسي، وبذلك يتركز التساؤل الأساس للبحث الحالي في:

كيف تعمل حالات الأنا على تحسين مهارات التواصل بين الأفراد ؟

ويتفرع عن هذا التساؤل التساؤلات الفرعية الآتية: 1.ما  حالات الأنا وفقا لنظرية التحليل التبادلي؟

2.كيف تنمو وتتطور حالات الأنا وفقا لكل مرحلة عمرية؟

3. ما  أشكال التواصل الصحيحة وفقا لنظرية بيرن ، وأي نوع من هذه الأشكال والتبادلات لها الدور في تحسين التواصل بين الأفراد؟

4. هل يمكن لحالات الأنا أن تسهم في التواصل بين الأفراد؟

  إنَّ اختيار استراتيجية البحث لا بدَّ أن تستجيب لأهداف البحث ومشكلته، وقد أشار YIN إلى أنَّ اختيار هذه الاستراتيجية ترتبط أساساً بالأسئلة الأولية للباحث وبتوافر المعلومات لديه، ليصبح البحث بهذا المعنى عبارة عن سيرورة تساؤل واكتشاف يعبر عن قلق يراود الباحث (Yin,1984)، وعلى هذا الأساس يدرج البحث الحالي ضمن البحوث الوصفية الذي اعتمد على التحليل الكيفي للتجارب السابقة ومحاولة الاستفادة منها، واعتمدت التوضيح والتأسيس النظري كونه استمد معلوماته من المصادر والمراجع العلمية الهامة عن طريق محاولة وضع توصيف محدد لحالات الأنا والتواصل، واعتمد بذلك المنهج الوصفي التحليلي الذي يعمل عل دراسة الظاهرة ومحاولة تحديدها.

المحور الأول: مفهوم حالات الأنا “The Ego States”

  إنَّ مفهوم حالات الأنا ليس مفهوماً رمزياً أو تجريدياً، وإنَّما يُقصد به وجوداً وتنظيماً سلوكياً لنشاط تركيبي محدد في المخ البشري، هذه الحالات تتحدّد عبر طبيعة التعامل أو التفاعل الشخصي مع الآخرين، وتتكّون من أنماط الخبرات والمشاعر التي يطوّرها الشخص في أثناء  نموه، وتنعكس على سلوكه الظاهر، وعليه فحالات الأنا هي منظومات متماسكة للفكر والعاطفة أوضحتها نماذج مقابلة من السلوك، هذه الحالات هي: الوالد، الراشد، الطفل، (بيرن، 2010،ص16) كلُّ حالة منها تُقدّم رسالة نموذجية لتشير إلى الفروق الحقيقية بين الوالدين الفعليين، الراشدين والأطفال، وتُمثّل كل من حالة الوالد وحالة الطفل محاكاة للماضي، في حين تُمثّل حالة الراشد استجابة للحاضر وذلك تزامناً مع نمو الفرد وعليه يحدث النمو استجابة ولردود فعله ونضجها. (Holmes,2005,p1)

فحالة الوالد هي صورة طبق الأصل عن أسلوب تفكير وشعور وأنماط سلوك الوالدين الفعليين على نحو ما أدركها الفرد في طفولته أو صورة لما كان يريد الوالدان أن يستجيب عليه الفرد وذلك أيضاً على نحو ما أدركها هو في طفولته (وهنا يتجلّى التأثير غير المباشر للوالدين/ تصرف كما أقول لك)، وحالة الراشد هي الجزء المنطقي الوحيد في الشخصية، في حين حالة الطفل تتجلّى في استجابة الفرد الصغير (الطفل) لكل ما يراه أو يسمعه من أحداث داخلية (داخله). (Hertford,2013,p6) (Kinnes,2002,p2) 

حالات الأنا التعبيرات اللفظية التعبيرات الجسدية الصوت السلوكيات
الوالد الناقد سأضع حداّ لهذا، لا، أبداً، كم مرة قلت لك، افعل هذا، لا أسمح لك. تقطيب الجبين، زم الشفتين، التلويح بإصبع السبابة، النظرة المرعبة، هز الرأس. حاد، قاسِ. التقييم، النقد، الأمر، فرض السلطة، التحكم بالآخرين.
الوالد الحنون أثق بك، سأساعدك، أنا معك المسح على الآخر، نظرة اهتمام ومحبة دافئ. المساعدة، التفهم، الرعاية
الراشد أتصور، أعتقد، لماذا؟، وماذا؟، وأين؟، ومتى؟، وبأي طريقة؟، وكيف؟. حركات ثابتة منتظمة من الوجه والعينين واليدين. هادئ، محلل، موضوعي، منطقي، واقعي
الطفل المتمرد لا أريد، أعترض، أرفض. التنفيخ، حركات غير منتظمة لليدين مرتفع. الرفض المستمر، الاعتراض.
الطفل الخاضع حاضر، نعم، موافق. انحناء الظهر، رأس منخفض، ارتعاش الشفة متخوف مطيع، مؤدب، متقبل لأي أمر

المحور الثاني: مراحل نمو وتطور حالات الأنا

منذ ولادة الطفل تكون وظائف المخ بدائية جداً ومُكرّسة تماماً للنمو، ومن تلك الوظائف الغرائز والحاجات الأساس كالجوع والعطش، والمشاعر الأساس الهامة كالحب والخوف والغضب والألم والسعادة، وهنا تنطلق كل فعاليات الطفل من حالة الطفل لديه، إذ تُعدُّ الحالة الأولى التي تظهر لدى الفرد وهي منبع الطاقة لديه، وتتميز هذه الحالة بالتلقائية الشديدة، فالطفل لا يفكر وإنَّما فقط يشعر ويُستثار ويرغب ويحتاج. (أبوغزال،2006،ص158)، وفي الوقت نفسه الذي يتمُّ فيه تسجيل المعلومات التي تُشكل حالة الطفل منذ الميلاد، يتمُّ تسجيل المعلومات التي تُشكل حالة الوالد، وكلا التسجيلين يبدآن من الميلاد ويستمران حتى السنة الخامسة أو السادسة من العمر، بالرغم من أنَّ حالة الطفل هي الأقدم فعلياً في الظهور من حالة الوالد والتي تظهر كنتيجة لتلقي التعليمات من البيئة المحيطة، إذ يصبح للوالدين وللحوادث الخارجية أثراً كبيراً في معايشة الطفل لمشاعر متنوعة وأفكار مختلفة تتعلق بالمسموح والممنوع، وهنا تظهر بعض الانتقادات التي تقيّد حرية الصغير، إلاّ أنَّها تُمثّل أساساً في تشكيل خبراته، عن طريقها يقوم على اتخاذ عدد من القرارات التي تنبع من إحساسه بكيفية إرضاء حاجاته عن طريق والديه (موريس،2014،ص4)، وفي الشهر العاشر من العمر، يبدأ شيء ملحوظ يحدث للصغير، حيثُ تنمو لديه القدرة على اختيار استجاباته أو التحكم فيما يحيط به، وهذا ما لم يكن موجوداً سابقاً حينما كان الصغير عاجزاً ويستجيب من دون التفكير ومن دون التوجه الذاتي، وعند بلوغه الشهر العاشر، يبدأ في ممارسة قوة الحركة، ويستطيع التحكم في الأشياء، ويبدأ بفحص ألعابه واستثمارها، ومن ثمَّ تنمو لدى الصغير القدرة على الحركة التلقائية التي يتولّد عنها حالة الراشد، وعبر هذه السنوات المبكرة يكون الراشد هشاً وعرضة لإخضاعه لأوامر حالة الوالد وخوف الطفل (جبر،2015،ص5-6-8)، ففي هذا العمر يظهر لدى الصغير الإحساس بالذات، الذي يُعدُّ بداية الراشد، وحينما يكبر الطفل تتطور حالة الراشد لديه كنتيجة لنمو حب المعرفة لدى الصغير، فيعمد على طرح العديد من الأسئلة للمحيطين به، لكي يجمع ما يكفي من المعلومات ويحقق رغباته التي لمْ يتمكن من تحقيقها سابقاً، وفي هذه المرحلة تتبلّور حالة الراشد لدى الطفل وذلك حينما يصل إلى السادسة من عمره تقريباً، إلا أنها لا تأخذ شكلها النهائي ولا تبلغ غاية تطورها إلا حينما يصل الفرد لسن12 من العمر وذلك حين يتمكن الفرد من التفكير المجرد. (كمال،1994،ص263)

بالرغم من أنَّ كلتا حالتي الوالد والطفل تتوقفان عن النمو إلا أنهما تتعدلان باستمرار مع بلوغ الفرد مرحلة عمرية جديدة، ففي المراهقة تتغير نظرة الفرد وقد تتذبذب آراءه واتجاهاته وأفكاره، كما تتذبذب مشاعره، وهذا  ما يؤثر على حالة الراشد لديه ونظرته للتسجيلات الموجودة في كلتا حالتي الوالد والطفل، وهنا تصبح استجابات حالة الراشد لدى المراهق معتمدة أكثر على التسجيلات الموجودة في حالة الطفل لديه، إذ يكون سلوكه مسيَراً بحالة الطفل لديه، فيدافع المراهق عن خيالات “الطفل لديه بوصفها واقعية وصادقة في حين يعتبرها الآخرون هواجس ومخاوف، في حين ببلوغ الفرد مرحلة الرشد المبكر، يحدث تلويث مزدوج لمرحلة الرشد، حيث تتداخل كل من حالتي الوالد والطفل مع الراشد، فهنا يصيغ الفرد قناعاته من “الوالد” لديه ويستجيب انفعالياً من “الطفل” ويتعامل مع معطيات الموقف الحالية على أنها حقيقة واقعة تمّت صياغتها دون التأكد من صحتها ومن دون إفساح المجال أمام “الراشد” للتأكد منها، ومن أمثله ذلك: “كل الناس مصلحجية” (Palmer,2002,p20)، وبانتقال الفرد إلى أواخر مرحلة الرشد المبكر وأوائل مرحلة الرشد الأوسط، يصبح أكثر نضجاً وأكثر خبرة وفقاً لما مر به من تجارب وخبرات تنعكس بالضرورة على استجابة حالة الراشد لديه وتحليلها المنطقي لكل الأحداث والتسجيلات الموجودة في كلتا حالتي الوالد والطفل، فتقوم بالتعديل والتصحيح بما يتناسب مع البيئة ومع الموقف، ومن ثمَّ في مرحلة الشيخوخة يصبح الفرد أكثر اضطراباً وقلقاً نظراً لكونه يتقدم في العمر ويقترب بذلك من مفارقة الحياة بكل ما تحتويه من ملذات ورغبات وعوائل، و أنَّ الضعف الجسدي الذي يبدأ يشعر فيه مع اختلاف جوهر الحياة لديه من خلال مفارقة الأبناء له ومغادرتهم للمنزل، يجعله أكثر شعوراً بالعجز وفقدان المكانة الاجتماعية التي كان يشعر بها سابقاً، وهذا  ما يدفعه إمَّا لمحاولة إعادة السيطرة على الأمور ومجريات حياته بكل ما تحتويه مستخدماً حالة الوالد الناقد، أو أنَّه يرفض ما وصل إليه ويرفض فكرة تقدمه في العمر وينكر ذلك متمرداً على كل الظروف الجديدة التي قد أثرت في حياته ومستخدماً بذلك حالة الطفل المتمرد بشكلها السلبي من إنكار للآخرين ورفضهم والرغبة في إزعاجهم ومضايقتهم فقط لتأكيد وجودهم، أو أنَّه يستخدم حالة الطفل المتمرد بشكلها الإيجابي فتظهر بصورة نقم على الأحداث والظروف الراهنة الحالية.  (Grimes,1988,p55)

المحور الثالث: أنواع الاتصالات بناءً على حالات الأنا لدى الفرد

وتقوم النظرية على أساس التفاعل، الذي يُمثّل وحدة العملية الاجتماعية، ويقوم على أساس تبادل الطاقة أو الملاطفة Stroke بين شخصين، ويرى بيرن أنَّ تفاعل الفرد مع الآخرين يعطيه الفرصة لإشباع حاجاته وتنظيم وقته والحصول على حب الآخرين، ويمكن تقسيم التفاعل على ثلاثة أنماط رئيسة، 1. تفاعل تكاملي (متمم): يرى بيرن أنَّ هذا النمط من التفاعل هو الوضع الأمثل الذي يجب أن يسود التفاعلات بين الناس، وهو تفاعل مستمر ومتناسق وهادئ، يتمُّ بين الحالة لدى فرد ما ونظيرتها لدى الفرد المقابل (أي تأتي الاستجابة من نفس حالة الانا التي وجهت لها الرسالة)، مثلاّ حالة طفل مقابل طفل، أو حالة والد مقابل والد وهكذا، وهذا النوع من التفاعل يحقق الشعور بالمودة والرضا لدى الطرفين اللذين يقومان بالاتصال، كما أنَّه يجعل الاتصال بناءً ومريحاً للنفس، و يُعدُّ التفاعل تكاملي حين يكون التنبيه من حالة ما لدى الفرد والاستجابة تكون من حالة تساعدها وتتم عملها (متوقعة) وإنْ لم تكن مماثلة لها أو نظيرتها لدى الفرد المقابل، كتفاعل بين حالة طفل (التنبيه) وحالة والد (الاستجابة)(فالصغير المحموم يطلب كوباً من الماء، فتستجيب أمه العطوفة وتُحضر له الماء)، أو تفاعل بين حالة طفل وحالة راشد (كشخص واقع تحت تأثير ضغط أنَّه لن ينجح في القيام بعملٍ ما فيطلب المساعدة من شخص آخر يمده بالثقة نظراً لحالة الراشد الفعّالة التي لديه). (عربيات،2009،ص100) 2. تفاعل متقطع (متقاطع):

تنبيه

يُسبب هذا النوع من التفاعل المتاعب للأفراد وللتواصل فيما بينهم، حيثُ يكون تأثير كل من الطرفين على الآخر سيئاً، يُثير فيه مشاعر العداوة والخصومة والانتقام ويدفعه إلى عمل ما يُغضبه ويُثيره، ويكون التفاعل متقطعاً عندما تأتي الاستجابة من حالة أنا غير المتوقعة، حيثُ يؤدي إلى سوء العلاقة بين الطرفين وتوقف الاتصال.(هاريس،1992، ص92) 3. تفاعل خفي (مفخخ): ويُسمى تفاعل ثنائي (مركب)، ويتمُّ حينما يقوم أحد الطرفين أو كليهما معاً بتفاعل في الظاهر (حيثُ تكون الرسالة على المستوى الاجتماعي)، ولكن من وراءه يعنون أو يقصدون رسالة أخرى خفية (تحمل معنىً مختلفاً عن الرسالة الظاهرة / وهنا تكون الرسالة على المستوى النفسي)، وهو أكثر الأنماط تعقيداً، ويتضمن استخدام أكثر من حالتين من الحالات الشعورية، ويدلُّ هذا النوع من التفاعل على وجود سوء تكيف عند أحد الطرفين المتفاعلين. ((Newton,2004,p4 

وعليه فإنَّ فهم طبيعة التفاعل يُعدُّ مهماً لفهم نوعية الاتصال الحادث بين الطرفين، فأنواع التفاعلات التبادلية تعطي صورة واضحة عن التفاعل الإيجابي والتفاعل السلبي بين الأفراد، كما أنَّها تُفسر كيف يحدث التلاقي بين الأفراد وكيف يحدث النفور بينهم، فالتفاعل التكاملي يمكن أن يتحول إلى تفاعل متقاطع، والتفاعل المتقاطع يمكن أن يتحول إلى تفاعل تكاملي، تبعاً للكلمات والأفعال التي يستخدمها المرسل والمستقبل معاً، حيثُ يُجنّب التفاعل التكاملي الفرد الوقوع في المشكلات، ويجعله أكثر قبولاً عند الآخرين، في حين التفاعل المتقاطع يؤدي إلى توتر العلاقات ويُعدُّ مصدراً لمعظم المشكلات الاجتماعية بين البشر سواءً في الزواج أو الحب أو الصداقة أو العمل، بينما يختلف تأثير التفاعل الخفي تبعاً للغاية منه; حيثُ يُمكن الاستفادة منه بإرسال رسائل للآخرين غير مباشرة لتجنب صيغ الأمر أو النقد أو النصيحة التي في الغالب لا يرغب الناس في سماعها.

إلاّ أنَّ أفضل أنواع التفاعلات هي التفاعلات التكاملية، وبإمكان كل فرد الحصول على هذا النوع من التفاعل عندما يُدرك حالة الأنا النشطة لدى الشخص الآخر الذي يقوم معه بالاتصال، ذلك عن طريق حركاته ونبرة صوته وكلماته التي يستخدمها، بالإضافة إلى معلوماته الشخصية عن هذا الفرد إنْ كان على معرفة مسبقة به، والأهم من هذا وذاك هو طبيعة الموقف الذي يحدث فيه الاتصال.

المحور الرابع: دور حالات الأنا في التواصل بين الأفراد

بناءً على التحليلات السابقة، نتوصل إلى وجود علاقة بين حالات الأنا والتواصل بين الأفراد، إذ تسهم حالات الأنا في تحسين مهارات التواصل بين الأفراد وإزالة معيقات التواصل، وذلك وفقاً لما يأتي:

  1. كلما كانت حالات الأنا متوافقة بين الأفراد كلما سار الاتصال بشكل سلس وفعّال، إذ ينطلق الأفراد سواءً في الحديث والحوار أو في لغة الجسد والاشارات من الحالة نفسها لدى كل منهما، فإنَّ هذا من شأنه أن يسهل التواصل بين الأفراد ويكون إيجابياً وفعّالاً، فإن كانت حالة والد يجب ليتم التواصل الفعّال أن يستجيب المتلقي للرسالة من حالة الوالد و….. هكذا.
  2. أن يراعى خصائص المرحلة العمرية حين يتم التواصل بين فردين من مرحلتين عمريتين مختلفتين، فعلى البالغين حين تعاملهم مع المراهقين أن يستخدموا حالة الطفل وأن تكون معظم ردود أفعالهم منطلقة من حالة الطفل، فوفقاً لبيرن فإنَّ الفرد ببلوغه سن البلوغ ومرحلة المراهقة تتغير نظرته وقد تتذبذب آراءه واتجاهاته وأفكاره، كما ذكر سابقاً، لذا أفضل تواصل يكون مع المراهق الصغير هو الانطلاق من حالة طفل في التعامل معه وذلك في معظم أوقات التواصل، في حين على الأفراد في أثناء تعاملهما مع فرد في مرحلة الشيخوخة وأثناء تواصلهم معه أن يستخدموا إمّا حالة طفل أو حالة والد ناقد أو حنون، وذلك ليصبح التواصل سلساً ذا قيمة ونتيجة، وفقاً لخصائص كل مرحلة عمرية كما تمَّ ذكره سابقاً.
  3. أن يستخدم الوالدين في ضبط مراهقهما وتوجيهه حالة الراشد مؤازرة بحالة الطفل لمساعدته على اختيار القرار الصحيح بنفسه.
  4. على الأفراد التنويع في استخدام حالات الأنا وفقاً للموقف والسياق وظروف البيئة وخصائص الشخص الذي يتم التواصل معه، وبذلك على الفرد ألاَّ يكتفي باستخدام حالة واحدة فقط بحيث يجعلها حالة مسيطرة عليه تمنع باقي حالات الأنا من الظهور، فهنا الفرد يعاني ممّا يسمى التلوث والاضطراب في حالات الأنا يفقد معها قدرته على التواصل الصحيح مع الآخرين، فمثلاً الشخص الذي تسيطر عليه حالة الوالد الناقد، يصبح مدققاً جداً وكثير النقد وكثير النصح وكثير التوجيه، مثلاً: ” اعمل هذا، لا تمشي بهذه الطريقة، لماذا تأكل هكذا، عليك ألا …..”إلخ، لا يناقش أحداً ويظن نفسه دائماً على صواب.
  5. التفاعلات المتكاملة هي التفاعلات الفعّالة في تحسين التواصل لما لها من دور في خلق اتصال مريح يساعد على تحقيق التوازن والاستقرار في التعامل الشخصي بين الأفراد، لهذا تعدّ تبادلات مشبعة لاحتياجات مختلف الأطراف.
  6. على الرغم من أهمية اختيار حالة الأنا كما ذكر سابقاً وفقاً للموقف ولحالة الأنا لدى الفرد الآخر، إلاّ أنَّ حالة الراشد هي الحالة الأفضل في تحسين التواصل، كونها تمثل الجزء العقلاني والموضوعي في الشخصية، وهي تخضع لمبدأ العقلانية والوضوح، ممّا يجعلها فعّالة في اتخاذ القرار وحل المشكلات والمرونة في التعامل مع مختلف الأفراد.

    حاولنا في هذا المقال تحليل إشكالية التواصل بين الأفراد انطلاقاً من نظرية التحليل التفاعلي التي تؤكد على أهمية فهم كل فرد لحالات الأنا لديه وفهم العلاقة بين هذه الحالات والتركيز على حالة الراشد وجعلها المدير الذي يوجه باقي الحالات في أي موقف يواجه الفرد ووفقاً للطرف الذي يتم التواصل معه ووفقاً لحالة الأنا التي لديه، على حدّ أنَّ حالة الراشد حينما تسيطر على الشخصية تجعل الفرد الأكثر مرونة في التعامل مع الأفراد وفقاً لطبائعهم وشخصياتهم وحالات الأنا التي لديهم ، و تمَّ تحليل أنواع وأشكال الاتصال بين الأفراد والتأكيد على التفاعل والتبادل المتكامل الذي يتضمن التشابه بين حالة الأنا لدى كل من المرسل والمستقبل، أو استخدام حالة لدى المرسل وحالة تكملها لدى المستقبل كحالة والد حنون وحالة طفل … وهكذا.

وقد تمَّ التوصل إلى جملة من التوصيات هي الآتية:

– ضرورة الاهتمام بدراسة حالات الأنا بشكل موسع وعلاقتها بمهارات التواصل لدى عينات مختلفة من أعمار زمنية مختلفة.

– ضرورة التوسع بنظرية التحليل النفسي واعتمادها كأساس في الكثير من البحوث وخاصة فيما يتعلق بالتواصل بين الوالدين والأبناء.

-الاهتمام بإعداد برامج إرشادية وفق نظرية التحليل التفاعلي لتحسين وعلاج إشكالية التواصل الأسري وخاصة مع الأبناء المراهقين.

 المراجع:

1. أبو غزال، معاوية. (2006). نظريات التطور الإنساني وتطبيقاتها التربوية، عمّان: دار المسيرة.

2. بيرن، إيريك. (2010). لعبة المشاعر والعواطف، ت. اسكندر أكوبيان، سوريا: دار شعاع.

3. جبر، عصام. (2015). نظرية التحليل التفاعلي، ص1-18، متوفر على:http://essamjabr.blogspot.com

4. عربيات، أحمد. (2009). نظريات الإرشاد النفسي والتربوي، دار المسيرة.

5. كمال، علي. (1994). العلاج النفسي قديماً وحديثاً، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

6. موريس، منال. (2014). محاضرة عن نظرية التحليل التفاعلي، مصر: معهد المشورة الأرثوذكسي.

7..هاريس، توماس . (1992). التوافق النفسي- تحليل المعاملات الإنسانية، ت. إبراهيم سلامة إبراهيم،  القاهرة: الهيئة المصرية.

8. Chapman, A . (2005). Transactional Analysis, Business balls, 45(45), P1-32.

9. Grimes, J.(1988). Transactional analysis in group work, Ins, Lang (Ed), Six group therapies, New York: Plenum Press

10. Hertford, W. (2013). TAPDA: Transactional Analysis Personal Development Award, International Center for Development Transactional Analysis, P2-11, 23. 11. Holmes, K. (2005). Transactional Analysis and Communication, P1-11. at available on: A www2.hull.ac.UK/if/docs/Ufa-transactional analysis.

12.  Kinnes, T. (2002). The introduction, P 1-12, Internet of the Mind, at available on: http://www.internet-of-the-mind.com/ego_state_maps.html.

13. Newton, Trudi. (2004). Transactional Analysis, Faith, and the Public Space, ITAA, International Transactional Analysis Association, Vol.34, No.5, P4.

14. Palmer, S. (2002). Introduction to Counselling and Psychotherapy, SAGE Publications, London: Thousand Oaks.

15. YIN R. K.,( 1984), Case Study Research, Design and Methods, Applied Social Research Methods Series, Vol. 5, Sage Publications.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *