أ.د.أبكر عبدالبنات آدم إبراهيم

مدير جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم الاسبق- السودان

الأمين العام المساعد لاتحاد الجامعات الأفروأسيوية- السودان

Email:abaker2012@live.

00249912610599

المخلص

انتشر الإسلام في أفريقيا بعدة طرق، وبمراحل متعددة لتصحيح تلك الانحرافات التي سادت في العقائد الفكرية والثقافية. ونتيجة لتلك الهجرات المتتالية حلت اللغة العربية محل اللغات المحلية عندما أصبحت أمر نشر الدعوة الإسلامية واقعاً ملموساً في أنحاء مختلفة من القارة السمراء، حيث بدأ الناس يفكرون في أهمية تعليم اللغة العربية التي أصبحت فيما بعد تشكل لسان حال كثير من القوميات الأفريقية وعلى أثرها أصبحت اللغة العربية رابط من روابط التواصل والاتصال. ومن هنا بدأت سطوة اللغة العربية تظهر في ميادين العمل الدعوي، وفي المؤسسات التعليمية والأكاديمية، وفي وسائل التواصل والاجتماعي وغيرها. وبالرغم من سياسة العزلة التي انتهجها المستعمر في ترسيم الحدود الوهمية للحد من عملية الهجرة والتنقل بين الأفارقة إلا أن قوافل الحجيج هي الأخرى لم يحيدوا من عملية نشر الدعوة الإسلامية في حلهم وترحالهم. وما أن أصبح العالم عبارة عن قرية كونية فإن عملية التواصل باللغات المشتركة باتت من أسهل الأمور في ظل التطور التكنولوجي والمعرفي. وقد استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي والاستنباطي للكشف عن أثر اللغة العربية في نشر الدعوة الإسلامية في المجتمعات الأفريقية.

الكلمات المفتاحية: الاتصال- الهجرة- القوافل- الدعوة- العزلة- المستعمر- العادات والتقاليد.

 

The impact of the Arabic language on the spread of the Islamic call in the African continent “Analytical Descriptive Study”

Prof/ Abaker Abdelbanant Adam Ibrahim

Former Vice chancellor of the University of the Holy Quran and Taseel of Sciences – Sudan

Assistant Secretary General of the Association of Afro-Asian Universities – Sudan

Abstract

Islam spread in Africa in several ways and in various stages to correct those deviations that prevailed in intellectual and cultural beliefs. As a result of these successive migrations, the Arabic language replaced the local languages when the issue of spreading the Islamic call became a tangible reality in different parts of the brown continent, as people began to think about the importance of teaching the Arabic language, which later became the mouthpiece of many African nationalities, and as a result, the Arabic language became A link to communication and communication links. Hence, the influence of the Arabic language began to appear in the fields of advocacy work, educational and academic institutions, and in the means of communication, social and others. Despite the policy of isolation pursued by the colonialists in demarcating the imaginary borders to limit the process of migration and movement between Africans, the pilgrims’ caravans also did not deviate from the process of spreading the Islamic call in their dissolution and travel. And once the world has become a global village, the process of communicating in common languages has become one of the easiest things in light of technological and knowledge development. The researcher used descriptive, analytical and deductive methods to reveal the impact of the Arabic language in spreading the Islamic call in African societies.

Keywords: contact, immigration, convoys, invitation, isolation, colonialism, customs and traditions

 

مقدمة

شهدت اللغة العربية خلال تاريخها الطويل فترات من الازدهار والانتشار والتقدم بفضل القرآن الكريم الذي أنُزل بلسان عربي مبين تخطت فيها حدود الزمان والمكان، حيث شملت مناطق واسعة من العالم. ولقد عاشت القارة الأفريقية برهة من الزمن تتلقى العديد من الهجرات العربية قبل ظهور الدعوة الإسلامية، وتمايزت العربية بمكانة متميزة في خريطة القارة الأفريقية؛ حيث استقرت في أغلب الدول الأفريقية شمالاً وغرباً وشرقاً منذ وقت مبكر، حيث أصبحت تشكل لسان حال كثير من الأفارقة سواء في التعليم أو في التواصل أو في التجارة، هذا إلى جانب اللغات السامية الأخرى واللغات الأوروبية الوافدة. وقد كانت للغة العربية الدور الأكبر في نشر الدعوة الإسلامية في كثير من أنحاء أفريقيا؛ بل سارت العربية مع الإسلام جنباً إلى جنب في خلق بيئة التعايش والتسامح والتعارف والتواصل فاستُخدمت العربية في أداء الشعائر العبادية والتعبدية مما دفع الكثير من شعوب أفريقيا إلى اعتناق الإسلام دون كبير عناء. وحينها ازداد إقبال البعض للإسلام لسهولة تعلمها، ورغبة في تعليم أمور دينهم عبر المصادر الأساسية قراءة ومدارسة كتب الفقه؛ والحديث والتفسير وغيرها من العلوم الشرعية.

مشكلة الدراسة: تكمن مشكلة الدراسة في اختلاف المصادر التي تتحدث عن انتشار اللغة العربية في أفريقيا؛ وإهمال جانب الأثر النفسي الذي تركه تلك الهجرات العربية في القارة السمراء وهم في طريقهم إلى الأراضي المقدسة.

أهمية الدراسة: بالرغم من أن القارة الأفريقية تمتاز بالعديد من اللغات المحلية والموروثات الشعبية التي تعكس أنماط الحياة الثقافية والفكرية، إلا أن دخول اللغة العربية زادت من ثقافة وحضارة كثير من الشعوب، لما للغة العربية من مفاهيم ذات رصانة في البلاغة والفصاحة، الأمر الذي سهل من انتشار الدعوة الإسلامية في ربوع المنطقة.

أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى وضع دراسة علمية محكمة لمعرفة أثر الهجرات العربية في تعليم اللغة العربية ودورها في صياغة الشخصية الأفريقية. هذا بالإضافة إلى إلقاء الضوء على العناصر المستخدمة في عملية التعليم والتعلم، والكشف عن مدى تأثير اللغة العربية في عملية الاتصال والتواصل بين الشعوب الأفريقية من خلال بناء علاقات التعايش والتسامح والسلم الاجتماعي.

منهج الدراسة: استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي والتاريخي وأحياناً الاستنباطي للكشف عن أثر اللغة العربية في تشكيل وجدان الشخصية الأفريقية.

الدراسات السابقة:

  1. دراسة عبد الفتاح محمد أحمد: تناولت الدراسة الصعوبات والتحديات التي تواجه التعليم العربي المعاصر في إفريقيا، حيث ناقشت الورقة أثر الاستعمار على التعليم العربي المعاصر في إفريقيا، والصعوبات والتحديات التي تواجه التعليم العربي المعاصر في إفريقيا وتأثير الفراغ التربوي على مستقبل التعليم المعاصر، وكيف يمكن للدول الأفريقية التصدي للصعوبات والتحديات التي تواجهها؟ كما تناولت الدراسة الصعوبات التي تتعلق بالنظم السياسيــة في الدول الأفريقيـة، والتي أثرت تأثيرًا مباشراً في نشر اللغة العربية والتعاليم الإسلامية. كما بيّن الباحث الصعوبات التي تتعلق بإثراء العلمية التعليمية على ضوء التعددية القبلية والعرقية. ثمتناولت الورقة التحديات الاستعمارية التي تحدَّت مسيرة التعليم في إفريقيا والتي تتمثل في تقسيم إفريقيا بين المستعمرين.
  2. دراسة فادية عبد العزيز القطعاني: تناولت الدراسة المراكز الحضارية في القارة الإفريقية، ودورها التعليمي والثقافي في بلورة الشخصية الإفريقية: وعلاقة العرب بأفريقيا، ودور المراكز في نشر التعليم والثقافة العربية الإسلامية، كما بينت أن اللغة العربية من أهم وسائل انتشار الإسلام في أفريقيا. كما بينت الباحثة تأثير العربية في تكوين الشخصية الأفريقي.
  3. دراسة عمر السيد عبد الفتاح: جاءت الدراسة بعنوان: اللغة العربية في إثيوبيا “خلفيات الانتشار وعوامل الانحسار”: حيث ألقى الضوء على الخلفية التاريخية لانتشار اللغة العربية في إثيوبيا من حيث مراحل وعوامل ومظاهر الانتشار، ثم تناول الوضع الحالي للغة العربية في إثيوبيا كلغة دين وتعامل، واللغة العربية في وسائل الإعلام الإثيوبي، واللغة العربية والتعليم في إثيوبيا، ثم بيّن أسباب انحسار اللغة العربية في إثيوبيا، ومعوقات انتشارها، مع توضيح تأثير اللغات الأوروبية الاستعمارية على اللغة العربية، والوضع الحضاري والثقافي للعرب في هذه الدولة الإفريقية.
  4. دراسة شرقي/ د هاش الصادق: جاءت الدراسة بعنوان: أثر اللغة العربية على اللغات المحلية في إفريقيا جنوب الصحراء: حيث تناولت الدراسة انتشار الثقافة العربية في إفريقيا جنوب الصحراء على يد التجار العرب، وعلاقاتها بدخول الإسلام في المجتمع الإفريقي التي كانت تعيش حياة بدائية تحكمها الوثنية والطقوس. كما تناول تأثير الإسلام على الفرد الإفريقي الذي يسعى جاهداً للنهوض إلى حياة يسودها المعرفة باللغة العربية لغة القرآن. أيضاً تناول جهود الأفارقة ورغبتهم الشديدة من أجل تعليم اللغة العربية من خلال ظهور الممالك والمنظمات الإسلامية والعلماء والفقهاء والأئمة؛ وهذا بالإضافة إلى الخلاوى والمدارس.

التكوين الجيوغرافي لأفريقيا

تعتبر أفريقيا أو إفريقيا هي ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا من حيث المساحة وعدد السكان. حيث يبلغ عدد سكانها مليار نسمة وفقاً لتقديرات عام 2009م. ويحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الشمال الشرقي قناة السويس والبحر الأحمر، بينما يحدها المحيط الهندي من الجنوب الشرقي، والمحيط الأطلسي من الغرب، ويطلق اسم أفري على العديد من المجموعات البشرية الذين كانوا يعيشون في شمال أفريقيا(محمود1985م:22). بينما يرى بعض المؤرخين على أنّ أصل الكلمة تعود إلى اللغة الفينيقية والأمازيقية(أفار، وأفري، وإفران) في إشارة إلى سكان الكهوف(ابن منظور1958م:693).

تمتاز القارة الأفريقية بالتعددية الثقافية والدينية طوال تطور تاريخها، حيث تضم مسلمين وغير مسلمين ولا دينيين، وتمتد معظم السكان المسلمين في النصف الشمالي من القارة، وهذا ما يطلق عليه خط حدود أرض الإسلام في القارة. وتشير بعض الإحصاءات أن عدد المسلمين حوالي 60 مليوناً، أي بنسبة 30.3% من جملة سكان القارة. أما الإحصاءات الحديثة في عام 2005م تدل على أن عدد المسلمين قد وصلوا إلى 155 مليوناً أي بنسبة 57% من سكان القارة(الجنة2013م:11). ومن هذا المنطلق تضم القارة الأفريقية أكثر من ¼ المسلمين في العالم، ويرجع ذلك الزيادة إلى تنمية الوعي المعرفي بالطرق الشرعية في بناء علاقات التعايش بين شعوب القارة، هذا إلى جانب تطور المفاهيم الدينية عند المسلمين وغير المسلمين.

الهجرات العربية إلى أفريقيا

شهدت القارة الأفريقية هجرات عربية منذ عدة قرون قبل الميلاد؛ وكانت هجرتهم إما بغرض البحث عن الماء والكلأ خاصة في السنوات التي عاشت فيها الجزيرة العربية فترة من الجفاف والتصحر، فكان التوجه البحري واحتوائها على العديد من المواني الصالحة للملاحة خاصة التي تقع بين سواحل شرق أفريقيا والمحيط الهندي، هذا بالإضافة إلى خصوبة هذه المنطقة ساعدت كل تلك العوامل في انتشار المجموعات العربية في انجاء القارة المختلفة. ويذكر بعض علماء الجيولوجيا أن أفريقيا والجزيرة العربية كانتا أرضاً واحدة متصلة مع بعضها البعض انفصلت بسب الانكسارات الأرضية والهزات الأرضية(حسن1992م:39). أيضاً كانت للحروب التي تنشب بين المجموعات الأثنية المختلفة أثر بالغ في الهجرة بحثاً عن الأمن والأمان والطمأنينة، ونتيجة لكل تلك الأسباب استقرت مجموعات غير قليلة من القبائل العربية بالأفارقة عن طريق المصاهرة. لذا كانت المجموعات العربية يمثلون أقدم الأمم اتصالاً بالجماعات البشرية المقيمة على سواحل أفريقيا قبل غيرهم من الأمم الأخرى، وإن كان هذا الاتصال مقصوراً في كثير من الأحايين على بناء علاقات تجارية أكثر من انتشار اللغة العربية، إلا أن من خلال التبادل والتعاون والتواصل أصبحت للغة العربية مكانة سامية في نفوس الكثيرين منهم، حيث ساعدت الهجرات العربية في تقوية العلاقة بين العرب والمجموعات الأفريقية الأخرى خاصة الذين ينتشرون في الجزء الشرقي منها، حيث تفوق الوجود العماني واليمني لأنهم أكثر المجموعات الذين كانوا يألفون ركوب البحر، بل أنهم من أقدم المجموعات العربية التي عرفت سهولة الانتقال عبر البحار حيث عُرفت ما يسمى بمنطقة الحزام العربي للاحتكاك الثقافي والحضاري بين الشعوب العربية والأفريقية على مرّ الزمان .وهنالك من يعتقد أن بدايات الهجرة العربية إلى شرق إفريقيا كانت عقب انهيار سد مأرب حيث دفع هذا الحدث الكبير بهجرة العرب نحو الساحل الشرقي لإفريقيا بحثاً عن المأوى ومصدراً للرزق خارج شبه الجزيرة العربية حيث القرب الجغرافي ومعرفتهم بالساحل الشرقي منذ قديم الزمان. وقد تأثر بلاد السودان بالهجرات العربية منذ وقت مبكر من خلل الوافدين الذين استقروا في أنحاء مختلفة من البلاد، وتخلقوا بأخلاق وعادات وتقاليد ساهمت في تغيير نمط الحياة في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية، والتي أتضحت ملامحها بشكل كبير بعد ازدياد أعداد المهاجرين، الأمر الذي أدى إلى وصول مجموعات  بشرية كبيرة في أنحاء متفرقة من القارة،  لعبوا دوراً كبيراً في ترسيخ مفهوم اللغة بين المكونات الأثنية في المنطقة؛ خاصة عند الذين اعتنقوا الإسلام، أو تثقفوا بالثقافة الإسلامية، ومع اتساع الوجود الإسلامي اتسعت نطاق اللغة العربية حتى أطلق على الذين استقروا في بعض الممالك الإسلامية اسماء ذات دلالات محلية تيمناً لفراستهم وشجاعتهم، بل كانوا مضرباً للأمثال في التواصل والتعايش والتسامح. ومن هنا أصبح النسب العربي لكثير من حكام الممالك الإسلامية ذات دلالا ت عربية كما هو في مملكة كانو وبرنو، هذا بالإضافة إلى الممالك الإسلامية في السودان. حيث كان الوجود العربي متلازماً للوجود الإسلامي خاصة عندما اختلط العرب القادمون بسكان المنطقة الأصليين، وقد زادت تلك العلاقات عمقاً عندما بدأت هذه المجموعات العربية في التزاوج بينهم، فاكتسب الأفارقة النسب العربي من أمهاتهم(مزروعي1998م:40).

حضور اللغة العربية في أفريقيا

بالرغم من أن اللغة العربية قد تعرضت للعديد من التحديات والمعوقات منذ وقت مبكر في تاريخ أفريقيا؛ إلا أنها استطاعت أن تحقق وجودها بفضل الذين يقومون بأمر الدعوة الإسلامية من التجار والمهاجرين وقوافل الحجيج… وغيرها. وقد تباين هذا الحضور من منطقة لأخرى؛ ومن بلد لآخر نتيجة لاختلاف البيئة المجتمعية، واختلاف الموروثات الثقافية، وتنوع العادات والتقاليد، وجهل البعض بأهمية اللغة في حياة الإنسان، هذا بالإضافة إلى سعي المستعمر على بقاء هذه القارة على تخلفها، الأمر الذي دفع بعض الشعوب إلى رفض اللغة العربية، والاهتمام بلغاتهم المحلية إلى جانب اللغات الأوروبية. وعلى إثر تلك التحديات الكبيرة باتت اللغة العربية والثقافة الإسلامية أن تتمتعان بحضور قوي في بعض بلدان القارة السمراء مثل شرق أفريقيا وخاصة في الصومال وجيبوتي وجزر القمر وإريتريا وإثيوبيا وتنزانيا وأوغندا. وفي دول غرب أفريقيا في السنغال ومالي والنيجر وجامبيا وغينيا ونيجيريا. أما في شمال أفريقيا نجد أن للغة العربية سطوتها في كثير من الدول حيث شكلت اللغة العربية جزء من المكون المعرفي في كثير من المجتمعات وكذلك في بلاد السودان فقد أصبحت الهوية العربية تشكل حضوراً في المكون الثقافي والفكري، هذا بالإضافة ظهورها في كثير من دواوين الدولة وفي الممارسات اليومية، أيضاً تشكل اللغة العربية حضوراً كبيراً في وسط أفريقيا كتشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى ونيجيريا وغيرها.

الدور الديني للغة العربية في أفريقيا

تعتبر العربية اللغة الرسمية للدين الإسلامي، فهي لغة القرآن الكريم التي تتميز عن سائر اللغات الأخرى بمكانة كبيرة في نفوس المسلمين، فهم ينظرون إليها نظرة تقديس واحترام، بل هي لغة الفكر والثقافة والحضارة والتاريخ، والاتصال والتواصل بين الشعوب. لذا مهما اختلفت المجتمعات والأثنيات والبيئات والأوطان والألوان إلا أن السمة العربية تلعب دورا كبيرا في إرساء ثقافة بناء المجتمع المعرفي. وبناءً على تلك المعطيات نجد أن الكثيرين من إنسان هذه القارة يحرصون على تعلُم اللغة العربية، لأنها ملازمة لتعليم وحفظ القرآن الكريم، كما تساعد في فهم واستيعاب تعاليم الإسلام من مصادره الأساسية. عليه، فإن معرفة خصائص اللغة العربية من البلاغة والفصاحة والبيان جعل من اعتناق الإسلام أمراً ميسراً، لذا يمكن القول إن درجة حضور اللغة العربية في القارة الأفريقية ارتبط بانتشار الإسلام في كثير من المجتمعات، فكلما زاد عدد المسلمين كانت فرصة وجود اللغة العربية أكبر وهكذا.

وقد شهدت القارة الأفريقية موجة من الهجرات العربية منذ زمن مبكر، وعندما جاء الإسلام ازدادت مكانة العربية بين كثير من مكونات المجتمع الأفريقي، حيث شهدت تنوعاً وتعدداً في الأديان والمعتقدات والثقافات، ولعل من الملاحظ أن الثقافة الإسلامية أخذت حيذاً كبيراً في الخارطة الدينية للقارة السمراء، فحلت العربية محل اللغات واللهجات المحلية، بل أصبحت تشكل لغة التعامل والتواصل في الأجزاء الشمالية من القارة، أي أنها أصبحت تشكل جزء من الموروثات الشعبية في كثير من البلدان؛ ولولا دخول المستعمر الذي حاول أن يعسف باللغة العربية بإنشاء المناطق المقفولة، ومنع دخول الدعاة الذين يودون نشر الدعوة الإسلامية إلى هذه المناطق لأصبحت اللغة العربية اللغة الرسمية في أفريقيا. هكذا وضع المستعمر رؤيته الاستلابية لتحقيق أهدافه الاستعمارية، الأمر الذي شجع ممارسة العمل التنصيري والتبشيري في كل الميادين، كما شجع اللغات المحلية والاهتمام بالعادات والتقاليد، والابتعاد عن اللغة العربية والثقافة الإسلامية، فضلاً عن الاعتماد على التصورات الخالية القديمة، ومنع كلما يساعد في بقاء اللغة العربية كفن للتواصل. ورغم تلك التحديات إلا أن للغة العربية دول فاعل في انتشار الإسلام في إفريقيا، وقد صاحبتها في ذلك عدة هجرات عربية وفتوحات إسلامية مهدت في نشر الدعوة بين مكونات الشعوب الأفريقية.

إن الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال وأجلها، وهي واجب كل مسلم، ومسؤولية كل فرد من أفراد الأمة. ولما كان أمر الدعوة إلى الله بهذه الأهمية، كان لزاماً على الأمة الإسلامية أن تولى أمر الدعوة إلى الله تعالى أهمية قصوى في العالم عامة، وفي أفريقيا على وجه الخصوص، ومن هنا، تظهر لنا ضرورة وحتمية التخطيط للعمل الدعوى في هذه القارة السمراء، والتي باتت محط أنظار المنصرين والمستشرقين الذين توافدوا لممارسة العمل التبشيري والتنصيري. فالتخطيط في مجال العمل الدعوي يقود إلى ضمان تناول وتحليل كل القضايا والتحديات التي تواجه نشر الدعوة الاسلامية سواء أكان ذلك في الجانب العقدي، أو في المعاملات، وفي بناء القيم والسلوك والأخلاق، هذا إلى جانب التحديات التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على سير الدعوة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. ومن أبرز جوانب التخطيط الدعوي تشخيص الوضع المعرفي للمدعيين، وسرعة وسهولة إصلاح جوانب القصور، والتي منها توفر لغة التواصل والاتصال بين المرسلين والمتلقين للرسائل الدعوية. ولما كانت اللغة العربية تمثل لغة التواصل بين المسلمين في القارة السمراء فإن تناول الداعية للقضايا والمشكلات التي تعترض طريق الدعوة، ووضع سلم الأولويات وفق ما هو مطلوب كثيراً ما يساعد في وضع المناهج والأساليب والوسائل المناسبة للتغلب على تحديات التجديد الفكر الديني الذي لاح في الأفق أخيراً عندما تكالب المستعمر في فرض اللغات الأجنبية كلغات رسمية في بعض المستوطنات، نكاية في إضعاف مكانة اللغة العربية. أيضاً أصبحت للغة العربية وضعية خاصة في كثير من دساتير بعض الدول الأفريقية، بل أصبحت لغة رسمية ووطنية national language ، هذا بالإضافة إلى انتشارها في المؤسسات التعليمية الحكومية والأهلية حيث تُدرس العربية في معظم مراحل التعليم المختلفة. كذلك اتسع مكانة اللغة العربية في الإعلام الأفريقي حيث تم إنشاء عدد من الإذاعات والقنوان الفضائية التي تتحدث بالعربية، مما مهد إلى نشر ثقافة العربية في نفوس الكثيرين من الذين يشاهدون أو يستمعون لتلك القنوات الفضائية، كذلك ارتفعت سمعة العربية مع ظهور الإعلام الجديد.

طرق دخول الإسلام في أفريقيا

انتشر الإسلام في القارة السمراء منذ فجر مبعثه بعدة طرق عندما كانت البشرية تعاني الأمرين: الجهل والأمية، ورغم بُعد بعض أقطار القارة عن الرسالة الجديدة، إلا أنَّ هجرة العرب المسلمين في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي قد لعب دوراً متعاظماً في بث رسالة الإسلام. فكان هجرة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم إلى الحبشة بإيعاز من الرسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل أول مرحلة من مراحل نشر الدعوة الإسلامية، حين قال:” لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق؛ حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه”(هارون، بدون تاريخ:67). وقد قام بعض الصحابة رضوان الله عليهم بهجرتين إلى الحبشة، كان الغرض منها تأمين أنفسهم من ويلات قريش، ونشر الدعوة الإسلامية في أفريقيا، واكتساب أراضي جديدة للدعوة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى تحقيق عالمية الدعوة الإسلامية.

هكذا انتشر الإسلام في شمال  وغرب أفريقيا عندما فتح الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه  مصر، والتي كانت تمثل قاعدة الفتح لإفريقيا الشمالية، ثم تلاها بلاد المغرب العربي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن أشهر الصحابة الذين وطأت أقدامهم القارة السمراء هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وعبدالله بن أبي سعد، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وعقبة بن نافع الفهري الفاتح العظيم ومسلمة بن مخلد والي مصر وغيرهم، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم قد ابلوا بلاءً حسناً في نشر معالم الدعوة الإسلامية في أفريقيا(الغنيمي1985م:55). وعلى أيدي هؤلاء الأبطال زادت أهمية القارة، فبسط الإسلام ظله على تلك الأقطار، على الرغم من وعورة المسالك وقلة عدد المسلمين، وكثرة الاعتداءات المتكررة على المعتنقين من المسلمين، وجهل الفاتحين بمعالم البلاد، وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم، ولكن بالإيمان الصادق والإخلاص والعزيمة استطاع هؤلاء الفاتحين دق حصون كل منطقة حتى أصبح جزء كبير من القارة يألفون الثقافة الإسلامية. وقد دخل الإسلام إلى أفريقيا عبر عدة طرق؛ منها:

1 ـ طريق باب المندب والبحر الأحمر: كان العرب كثيراً ما يتخذون الساحل الشرقي لأفريقيا باباً من أبواب التوغل نحو القارة السمراء منذ قديم الزمان، فكانت لتلك الهجرات أثرها الطيب في استقرار الكثيرين منهم في بلاد السودان خاصة الذين يمارسون مهنة التجارة في هذه المناطق، حيث اختلطوا بأهالي البلاد، وأصبحوا فيما بعد جزء من الكيان الاجتماعي، وعندما جاء الإسلام قوي التواصل بين الطرفين الأمر الذي سهل فيما بعد إلى تأسيس الممالك الإسلامية في ربوع القارة.

2 ـ طريق صحراء سينا: انتشر الإسلام عبر المجموعات المهاجرة التي وفدت عن طريق قناة السويس، وشمال صحراء سينا، ومنها إلى أواسط مصر وشمال وغرب أفريقيا، وبلاد النوبة في الجنوب(السودان).

3 ـ طريق شمال أفريقيا: وصل الإسلام عبر البحر المتوسط إلى أفريقيا الغربية والوسطى على يد المرابطين العرب في القرن الخامس الهجري، وعلى ضوئها قامت الممالك الإسلامية في شمال وغرب أفريقيا.

  1. طريق المحيط الهندي: عبر عدد من المجموعات العربية اليمينة أو العمانية المسلمة سواحل أفريقيا الشرقية الممتدة من القرن الأفريقي حتى مدغشقر منذ وقت مبكر، حيث تمكنوا من نشر الدعوة الإسلامية فأقاموا العديد من الإمارات الإسلامية على تقليد الطراز العربي القديم.

مراحل انتشار الإسلام في أفريقيا: مرت انتشار الإسلام في أفريقيا بعدة مراحل على النحو التالي:

المرحلة الأولى: فتح شمال أفريقيا: تمثل فتح شمال أفريقيا المحور الأولى من مراحل انتشار الدعوة الإسلامية حيث بدأت بفتح مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القرن السابع الميلادي حتى القرن الحادي عشر الميلادي، على يد عمرو بن العاص، حيث استطاع تخليص مصر من البيزنطيين بعد القضاء على حكمهم في الإسكندرية عام (20 هـ / 641م)، وقد نجح عقد الصلح مع حاكمهم المقوقس، وعلى إثرها واصل حملته لفتح برقة وطرابلس بليبيا، كان الهدف منها تأمين حدود مصر الغربية. وقد حمل قبائل البربر لواء نشر الإسلام في شمال إفريقيا منذ وقت مبكر، ونتيجة للانتصارات المتكررة اتجهوا نحو إسبانيا سنة 711م بقيادة القائد الهمام طارق بن زياد. هكذا بدأ الإسلام يدخل بين قبائل البربر والعرب في الصحراء الكبرى بفضل المرابطين. أما في شرق إفريقيا فقد دخل الإسلام بفضل تجار العرب الذين يماسون التجارة قبل ظهور الإسلام، أي منذ النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، فتأسست العديد من المدن على الساحل الشرقي امتداداً من مدن الصومال شمالاً إلى (سُفالة) بموزمبيق جنوباً، ولم يتوغل العرب في داخل البلاد، بل أقاموا في الموانئ والمدن الساحلية لوعورة المنطقة(حسن1996م:45).

المرحلة الثانية: انتشار الإسلام في شرق أفريقيا وبلاد السودان: انتشر الإسلام في سواحل أفريقيا وبلاد السودان منذ القرن الحادي عشر إلى القرن السابع عشر، حيث أصبح الإسلام يشكل دين الأغلبية في هذه المناطق، وقد ظهر ذلك جليّاً من خلال ظهور الممالك الإسلامية التي حملت لواء الإسلام بين المجتمعات الأفريقية، حيث بدأ النفوذ الإسلامي يظهر في السلطة عبر الاستعانة بهم في المشورة نتيجة لمعرفتهم بأحوال فقه الحكم، كما أصبح الكثير من المسلمين مستشارين بالوزرات المختلفة. وقد كان لهؤلاء الدور الكبير في نشر الدعوة الإسلامية.

المرحلة الثالثة: مرحلة بناء الدولة الإسلامية في إفريقيا: تميزت هذه المرحلة بالانتشار الواسع للدين الإسلامي واللغة العربية في كثير من أنحاء القارة السمراء، وقد نجحت كل تلك المساعي في بناء دويلات إسلامية مترامية الأطراف، حيث أصبح الإسلام دين والدولة. وقد أسهم الفكر الإسلامي في هذه المرحلة في ترسيخ الدولة وتعميقه؛ بناءً على الجهود المضنية التي ساقها الحركات الوطنية والإسلامية(صفوان1975م:24). ولم تستطع الدول الاستعمارية الغربية من مواجهة اللغة العربية والإسلام إلا بعد القضاء على الممالك الإسلامية؛ وعلى الزعامات التي كانت لها القدح المعلى في تشكيل القارة جنوب الصحراء. أما في شرق أفريقيا؛ فقد تميزت هذه المرحلة بتدعيم السلطان سعيد لحكمه بعد أن تولّى سلطنة مسقط عام 1806م في جنوب شرق بلاد العرب، ثم اتجه إلى شرق إفريقيا بغرض إقامة نظام سياسي استطاع من خلالها أن يخضع ساحل شرق إفريقيا لسلطته، وبمضي الوقت انتشر نفوذ حكّام زنجبار إلى داخل أفريقيا عن طريق رجال قوافل الحجيج؛ والرحلات التجارية، وقد أسهم النفوذ السياسي لحكام مسقط وسلطة الدولة الإسلامية في زنجبار في دعم التجارة، وتأمين الطرق، وهو ما ساعد على انتشار الإسلام واللغة العربية خصوصاً في المناطق الساحلية(الجميل1980م:40). وقد شهدت هذه المرحلة تغلغل الإسلام في شرق أفريقيا عن طريق التجار العرب الذين كانوا يجوبون الساحل الشرقي، هذا فضلاً عن طريق الاتصال والتواصل بين السلطات المحلية والوافدين. وفي عهد الحكم التركي المصري طلب”موتيسا” ملك أوغندا إرسال بعض العلماء لدعم الإسلام بمملكته فاستجاب الخديوي إسماعيل، وقد كان للعامل الاجتماعي الأثر الكبير في نشر الإسلام في تلك المنطقة نتيجة اختلاط الجنود المصريين بالسكان المحليين، حتى أن كثيراً من مسلمي أوغندا اليوم يعدّون أنفسهم من أحفاد أولئك الجنود الذين قدموا البلاد أيام الخديوي إسماعيل لنشر الإسلام. وبالرغم من وقف المنصرين ضد الوجود الإسلامي واللغة العربية في كل من المحافل الدولية والإقليمية، مع بث روح الكراهية في أوساط الأفارقة، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها.

المرحلة الرابعة: تتميز هذه المرحلة بالانتشار السريع للإسلام على مستوى القارة جنوب الصحراء، وتُعرف هذه المرحلة بمرحلة الاستقلال لكثير من الدول الأفريقية. ورغم التحديات والمعوقات التي مرت بها القارة الأفريقية، ممثلة في الهيمنة الاستعمارية، والتكالب الاستشراقي والتنصيري، والاستلاب الثقافي والفكري، إلا أن تلك المساعي الاستعمارية في تقسيم القارة السمراء قد فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة وبالرغم من جهود المستشرقين والمنصرين في إطفاء مظاهر الوجود الإسلامي في أفريقيا، إلا أنها باءت بالفشل، لأن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يزعمون على خلاف الديانة المسيحية التي اعتمدت في انتشارها على جهود  المنصرين والمبشّرين الذين يشكلون حلقة من حلقات التكالب الاستعماري في مناطق النفوذ، حيث كانت الدعوة تمثل السلعة الغالية على أيدي التجار وقوافل الحجيج الذين وفدوا إلى أفريقيا عبر الزمان، هكذا أصبحت الشعوب الإفريقية بمثابة رسل الدعوة الإسلامية بعد استيعابهم للمقاصد الشرعية.

وسائل انتشار الإسلام في أفريقيا: من أهم الوسائل والأساليب لانتشار الإسلام في أفريقيا ما يلي:

  1. قوافل الحجيج: الحج من أقدم العبادات التي عرفَتْها الإنسانيَّة منذ أن دعا إليه أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث أقام له أوَّل بيت وضع للنَّاس على أساس التَّوحيد لله سبحانه وتعالى، فالحجّ في الإسلام له أهميته ورمزيته باعتباره فريضة من الفرائض. حيث أنهم يتصدرون من أقاصي الدنيا إلى البلاد المقدسة في كلّ عام لحجّ بيت الله الحرام، وزيارة مسجد سيّد الأنام عليْه الصَّلاة والسَّلام رغم المحن والمصائب، يتنافسون في أداء هذه الشَّعيرة حبّاً في مضاعفة الثواب والأجر على ما يقومون به من هذه العبادة منذ القِدَم، فمنهم مَن كان يريد الحجَّ؛ وينْشَطُ إليه رغبةً في طلب العلم على يد عالم مشهور انتشر صِيتُه في كلِّ مكان، وجرى ذكره في كل زمان. وتحقيقاً تلك الرغبات سعى طلاب العلم النجباء الَّذين تعوَّدوا الأسفار حبًّا لسماع وتحصيل معارفهم أن يزوروا تلك البقعة المقدسة أداءً لتلك الفريضة، وتقديراً لحق العلم في أهله، فأحبّوه، فأحبّوا سماعه على أئمَّتهم المشهورين بنبوغهم، وعلوّ قدرهم وكثرة معارفهم، لدقَّة علومهم تدريساً وتحديثاً وتصنيفاً. فالقارة الأفريقية ليست بمعزلٍ عن تلك السمات والخصال، وقد أدلّ على ذلك حرص العلماء المتعلمين على طلب العلم حتى إذا فقد أحد كتاباً، ولم يستَطِع الوصول إليه ينتظر موسم الحج للحصول عليه. عليه، تدل تلك الإشارات على أهمّيَّة الحجّ ومنافعه ودوره في تفاعُل الحركة العلميَّة عبر روَّادها الَّذين أفنوا جلّ وقتهم في تقديم مسيرة العلم والعلماء(البتنوني1326هـ:48).
  2. القوافل التجارية: يرى المستشرق “ترمنجهام” أن هنالك علاقة وثيقة بين الإسلام والتجارة بقوله:” إن الإسلام والتجارة يرتبطان إلى حد كبير”، وعلى ذات الشاكلة، يمكن القول بأن العلاقة بين الإسلام والتجارة علاقة متلازمة حيث انتشر الإسلام عن طريق القوافل التجارية الذين كانوا يجوبون سواحل أفريقيا منذ قديم الزمان. ومع أن جاء الأوروبيون للقارة السمراء حوّلوا تلك المراكز التجارية إلى مراكزهم لممارسة العمل التنصيري. هكذا كانت ممارسة التجارة تمثل المرجعية الدينية في كثير من الدول خاصة في شمال وغرب ووسط القارة الأفريقية.
  3. الطرق الصوفية: انتشر الإسلام عن طريق الصوفية التي عرفتها أفريقيا منذ قديم الزمان، وهي الأوسع انتشاراً والأكثر تأثيراً في إفريقيا، ومن أهم الطرق الصوفية: القادرية، التيجّانية، والسنوسية، ومن خواص الأفارقة أنهم من أكثر الشعوب اهتماماً بالطرق الصوفية؛ فالالتفاف حول الشيخ؛ وحضور حلقات الذكر أو ما يُسمى بـــــــ”الحضرة” يملأ الفراغ الروحي للمريدين خصوصاً في أوقات المساء، وفي المناسبات الدينية حيث يمارس الإنشاد الديني والحركات الإيقاعية في الذكر والمديح، كل تلك الحركات يمثل الموروث الديني والثقافي في البيت الأفريقي، وكثيراً ما تستهوي المزاج العام عند الشدة، وفي كافة أوجه حياتهم خاصة الدينية منها.
  4. المعلّمون والدعاة المحليون: يمثل المعلمون والدعاة دوراً كبيراً في تدعيم الحركة العلمية والمعرفية في الوقت الحاضر، بل يشكلون جزءاً مكملاً لعمل القوافل التجارية والحجيج، حيث يساهمون في تنمية التفكير نحو تكوين الاتجاهات السليمة، وفي تصحيح الانحرافات التي تعوق مسيرة العمل التعليمي والدعوي. لذا يقترن تطور المجتمع إلى وجود معلمين وعلماء ودعاة مدربين لتعليم الأفراد أهمية التنمية المعرفية. وبنظرة فاحصة نجد أن هنالك بعض علماء الدين من الأفارقة قد أسهموا إسهاماً كبيراً في إثراء الحضارة العربية والإسلامية، حيث قام بعضهم بالتدريس في الجامعات والمراكز الإسلامية المختلفة، كما أصبح للكثير منهم مؤلفات تُدرّس. كما ازدهرت مراكز للعلوم الإسلامية بفضل وصول المعلمين وعلماء الدين من الحجاز وشمال إفريقيا لنشر تعاليم الإسلام..
  5. هجرة المسلمون من ذوي الأصول الآسيوية: ساهم المسلمون المستوطنون من ذوي الأصول الآسيوية في نشر الإسلام، خاصة الذين استقروا في سواحل أفريقيا الشرقية والغربية والشمالية، كل هؤلاء ساهموا في إسراء مكانة اللغة العربية إلى جانب الدعوة إلى الإسلام.
  6. إشعاع المراكز الدينية: تعددت المراكز الإسلامية في أفريقيا بفضل علماء مخلصين للدين الإسلامي، كان الهدف منها نشر الدين الإسلامي قيماً وحضارة وشريعة، فهنالك الأزهر الشريف الذي لازال يؤدي دوراً محورياً في نشر الإسلام في من خلال تقديم برامج دراسية ذات محتوى ومضمون فائق الأهمية، هذا بالإضافة إلى منظمة الدعوة الإسلامية التي تنتشر في كل بقاع أفريقيا، هذا بالإضافة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي التي تهدف إلى دعم التعاون والتضامن بين شعوب القارة، والتصدي للهجمات التنصيرية التي تسعى إلى بقاء القارة تحت طائلة الكيان الصهيوني الغربي. أيضاً نجد رابطة العالم الإسلامي التي تهدف إلى تبليغ الدعوة الإسلامية، وجامعة إفريقيا العالمية (المركز الإسلامي الإفريقي سابقاً) في الخرطوم، والتي تهدف إلى نشر تعاليم الإسلام وتعميقها بين الشعوب الإفريقية وإعداد الدعاة، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بليبيا التي تعمل على تقديم المساعدات الإنسانية من خلال قوافل إسلامية إنسانية للدول الإفريقية المختلفة، وجمعية شباب أفريقيا الإسلامية، وبعثة تحالف منظمات التعاون الإسلامي، ومنظمة الرحمة الإسلامية وغيرها من الروابط والجمعيات الخيرية التي درجت على نشر ثقافة الحوار والتعايش المشترك.
  7. الزعامات الدينية: ظهرت في إفريقيا العديد من الزعامات الدينية التي تميزت بسمات مختلفة، فلكل منهم طريقته الخاصة في القيادة الريادة، وفي ترسيخ العقيدة، فالإسلام عندهم حضارة وثقافة وإيديولوجية يوضح لكل فرد إطاره العقائدي والفكري، وهذا ما لزم نجاح بعض القادة الأفارقة في استخدام الإسلام كقوة روحية ومادية، ومن أهم هؤلاء الزعماء: عثمان بن فوديو في شمال نيجيريا (الفولاني)، والحاج عمر القوتي في غينيا والسنغال ومالي، وماء العينين في موريتانيا، والسنوسي الكبير في ليبيا، ومحمد أحمد المهدي في السودان، والملا محمد عبد الله حسن في الصومال وغيرها(بكري، بدون تاريخ:33).

فالقضية الأساسية في أفريقيا ذات جانبين أولهما: يتمثل في حركة التجديد الديني بهدف العودة بالعقيدة إلى مرحلة النقاء. والثاني: يرتبط بعملية نشر الدعوة حيث يعد الإسلام أكثر الأديان انتشاراً، وقد يعزو ذلك إلى قدرته في التعايش والتسامح، فضلاً عن تأكيده على قيم العدالة والمساواة. ومن جانب آخر في كونه من أكثر الأديان طرحاً للرؤى الاصلاحية والتجديدية التي تهدف إلى تنقية الخطاب الديني، والعودة به إلى الأصول المقاصدية، وذلك في مواجهة التأويلات التي انتشرت على نطاق واسع في المجتمعات الأفريقية.

وخلاصة القول، فإن من أبرز الأثار الإيجابية في تعليم اللغة العربية من خلال نشر الدعوة الإسلامية ما يلي:

* إن معظم قوافل الحجيجّ الذين يعودون إلى أوطانهم بعد أداء الفرائض العبادية يمثلون دوراً كبيراً في إرساء القيم السلوكية والأخلاقية والاجتماعية.

* كثير من المعلمين والدعاة الذين يقومن بمهام نشر معاني السلم الاجتماعي، والتعاون والتآخي، والبعد عن المعاصي ويدعون إلى التربية الرشيدة القائمة على أسس مقاصد التشريع الإسلامي لهم القدر الكبير من الفصاحة والبلاغة في اللغة العربية، هذا بالإضافة إلى اللغات الأخرى.

* نلاحظ أن معظم خرّيجو الجامعات الإسلامية والعربية جلهم يمثلون القدوة الحسنة في مجتمعاتهم.

* معظم الجاليات الإفريقية الذين هم في دول المهجر منهم من يتعلم اللغة العربية لغة القرآن، وعندما يعودون إلى أوطانهم ينشرون الإسلام، لأنهم تثقفوا بالحضارة الإسلامية.

خاتمة

أكدت الدراسة أن للغة العربية مكانة سامية عند الأفارقة منذ قديم الزمان، وقد تبين ذلك من خلال الهجرات العربية قبل دخول الإسلام. كما أنها ساعدت على انتشار الدعوة الإسلامية في كثير من مجاهل أفريقيا حتى أصبحت تشكل لسان حال الكثير من البلدان، وعلى منوالها سهلت للكثيرين الإلمام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف سواء في المؤسسات الأكاديمية أو في التعامل اليومي، وعلى منوالها سارت العربية لغة الاتصال والتواصل باعتبارها اللغة الرسمية عند بعض البلدان الأفريقية، ورغم التحديات الجمة إلا أنها وجدت سطوتها. هكذا أصبحت اللغة العربية تمتلك القدرة الاستيعابية الفائقة في استمالة المدوعيين بالرغم من التباين الثقافي والفكري الذي يعانيه المجتمع الأفريقي المتعدد الأديان والأعراف والتقاليد. ولعل أهم ما جذب الأفارقة المسلمين للإسلام، هو بساطة تعاليمه وأحكامه وخلوه من التصورات والخيالات والخرافات والأساطير. كذلك من أهم النتائج لقد شكلت اللغة العربية في أفريقيا أهم المقومات الحضارية والثقافية والفكرية في كثير من المجتمعات، وساهمت في بلورة وجدان الشخصية الأفريقية من خلال بناء علاقات التعايش والتسامح، هذا إلى جانب إبراز الأهمية التاريخية للغة العربية في نشر الدعوة الإسلامية.

 

 

أهم التوصيات:

  1. ضرورة اندماج اللغة العربية في المناهج الدراسية في كافة المؤسسات التعليمية والأكاديمية.
  2. الاهتمام باللغة العربية من خلال نشر ثقافة التبادل الثقافي والفكري والاجتماعي والسياسي.
  3. ضرورة صياغة الخطاب الديني التي تدعو إلى الاهتمام باللغة العربية والحضارة الإسلامية.
  4. إنشاء منصات تعليمية وأكاديمية تعنى باللغة العربية والثقافة الإسلامية في القارة السمراء.
  5. توجيه الخطاب الإعلامي باللغة العربية لنشر الدعوة الإسلامية خاصة في ظل التطور العلمي والمعرفي(عصر الرقمنة).
  6. السعي إلى المحافظة على ميزان الدعوة الإسلامية، وبناء العلاقات الدولية.
  7. بناء قاعدة مشتركة للتواصل والاتصال بين الدول الأفريقية للخروج من الهيمنة الثقافية والفكرية التي تواجه المجتمع الأفريقي.
  8. تعزيز أواصر التواصل والاتصال، وتبادل الزيارات والمنح والتدريب، من خلال ابتعاث الوفود الدعوية والتعليمية من الدول الخليجية إلى الدول الأفريقية وغيرها.
  9. ترسيخ معاني الاتصال الثقافي لتنمية مضامين القيم الأخلاقية والروحية المشتركة بين الشعوب وفق الأسس الشرعية.
  10. إعداد كوادر مؤهلة تستطيع التخلص من مخاطر الاستلاب العقلي والفكري الغربي في المجتمع الأفريقي.
  11. على الحكومات الوطنية تأسيس الجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تُعنى بتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية.

 

المصادر والمراجع

ابن منظور(1958م)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط2.

البتنوني، محمد لبيب(1326هـ). الرحلة الحجازية. مطبعة الجماليَّة، القاهرة، ط2.

بكر، سيد عبدالكريم(بدون تاريخ)، الأقليات المسلمة في أفريقيا، مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، القاهرة، ط1.

الجميل، شوقي(1980م)، تاريخ كشف أفريقيا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط1.

الجنة، ابن طوير(2013م)، رحلة المني والمنة، تحقيق حماه الله ولد السالم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2.

حسن، إبراهيم حسن(1992م)، انتشار الإسلام في القارة أفريقية، دار العلم، القاهرة، ط2.

حسن، حمدي عبدالرحمن(1996م)، التعددية وأزمة بناء الدولة في أفريقيا الإسلامية، مركز دراسات المستقبل، القاهرة، ط1.

صفوان، محمد محمود(1975م)، حلاتي إلى الديار الإسلامية، أفريقيا المسلمة، الدار السعودية للنشر، جدة، ط1.

الغنيمي، عبدالفتاح مقلد(1985م)، حركة المد الإسلامي في غرب أفريقيا، مكتبة النهضة، القاهرة، ط1.

محمود، حسن أحمد(1985م)، انتشار الإسلام في القارة أفريقيا، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط2.

مزروعي، علي(1998م)، أفريقيا والإسلام والغرب على أعتاب عصر جديد، ترجمة صبحي قنصوه، وآخرون، مركز دراسات المستقبل، القاهرة، ط2.

هارون، عبدالسلام(بدون تاريخ)، تهذيب سيرة ابن هشام، دار العلم، بيروت، ط3.

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *